5 مقالات عن العراق في الصحف العربية اليوم الثلاثاء

 

  

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 البارزاني: استفتاء كردستان ونقطة اللاعودة!

 

محمد ولد المني

 

الاتحاد الاماراتية
 

 

«إثر الحرب العالمية الأولى صوّت الأكراد لصالح الانضمام للعراق.. لكنهم تعرضوا لأنواع الوحشية وحرموا من العيش آمنين.. لقد تأخرنا كثيراً وبذلنا جهوداً كبيرة حتى لا نصل إلى قرار الاستفتاء.. وقد فشلنا في بناء الشراكة مع بغداد، لذلك اضطررنا لهذه الخطوة». إنه التقييم الأحدث لدى مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، حول القضية الكردية، وقد عبّر عنه في مقابلة إعلامية أجريت معه الأربعاء الماضي، وركّز فيها على الاستفتاء المقرر خلال الشهر الجاري لتقرير مصير الإقليم.

 

وكان البارزاني، كرئيس لإقليم كردستان العراق، قد أعلن في 7 يونيو الماضي، عن تنظيم استفتاء حول استقلال الإقليم في الـ25 من سبتمبر 2017، فاتجهت إليه المطالبات والضغوط والمناشدات، الإقليمية والدولية، طوال الأيام والأسابيع الأخيرة، تدعوه لإلغاء الاستفتاء أو تأجيله، ليس فقط بوصفه رئيساً للإقليم، ولكن أيضاً باعتباره أبرز زعيم كردي في وقتنا الحالي. فمن هو البارزاني؟ وكيف يمكنه تخطي اختبار استفتاء تقرير المصير؟

 

يعد البارزاني، زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، أبرز القادة السياسيين في إقليم كردستان منذ سنوات عديدة، وقد تقلد رئاسة الإقليم منذ عام 2005 في إطار تقاسم السلطة مع شريكه القوي زعيم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، جلال الطالباني الذي تقلد رئاسة الجمهورية العراقية كأول كردي يشغل هذا المنصب.

 

ولد مسعود البارزاني عام 1946 على أراضي «جمهورية مهاباد» الكردية في كردستان إيران، حيث كان والده مصطفى البارزاني على رأس مجموعة من المقاتلين البارزانيين شاركوا في الدفاع عن الجمهورية التي استمرت لأشهر قليلة فقط. وفيما غادر البارزاني الأب إلى موسكو بعد سقوط «مهاباد» على أيدي القوات الإيرانية، عاد أفراد عائلته، وضمنهم الطفل مسعود، إلى قريتهم بارزان في كردستان العراق. وهناك التحق مسعود بالدراسة الأولية، ثم انتقل إلى بغداد عام 1958 للالتحاق بوالده العائد من منفاه الإجباري. لكن شهر العسل بين الأكراد ونظام عبدالكريم قاسم لم يدم طويلاً، إذ اندلعت المواجهات بينهما عام 1961، فوجد مسعود نفسه بين مسلحي البيشمركة. ومع وصول حزب «البعث» إلى السلطة في يوليو 1968، كان البارزاني الابن قد استلهم دروس القيادة من والده، فانتدبه لتمثيله في محادثات مع الحكومة المركزية في بغداد أفضت إلى اتفاق مارس 1970 الخاص بالحكم الذاتي للأكراد. لكن الاتفاق لم يصمد طويلاً، وجاءت «اتفاقية الجزائر» عام 1975 لتعجل بانهيار الحركة الكردية، فلجأ مسعود مع والده إلى إيران، حيث حاولا إعادة بناء الحركة الكردية مجدداً. بيد أن البارزاني الأب توفي في مارس 1979، بينما كانت التحضيرات جارية لعقد المؤتمر التاسع لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني»، المؤتمر الذي اختار مسعود زعيماً للحزب خلفاً لوالده. وفي تلك الأثناء سيطر المركز العراقي على مناطق كردستان، لكن ما إن هُزم العراق في حرب الخليج الثانية على أيدي التحالف الدولي عام 1991، حتى بدأت الأحزاب الكردية، وعلى رأسها «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الزحف نحو الإقليم والسيطرة على مدنه تباعاً، وإقامة مؤسسات للحكم والإدارة، بدعم من الولايات المتحدة التي فرضت منطقة حظر للطيران في جنوب العراق وشماله.

 

غير أن الحرب الأهلية التي انفجرت عام 1994 بين الفصيلين الكرديين الرئيسيين، «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني»، أدت إلى تقويض إدارتهما المشتركة للإقليم، فاستنجد البارزاني بالقوات العراقية لمحاربة غريمه الطالباني، وأدى تدخلها إلى هزيمة «الاتحاد الوطني الكردستاني» ولجوء قيادته إلى إيران. لكن الطرفين الكرديين اتفقا في واشنطن عام 1998 على وقف لإطلاق النار، كما تقاسما المنطقة الكردية إلى قسم تديره حكومة البارزاني، ومقرها مدينة أربيل، وقسم تديره حكومة الطالباني، ومقرها مدينة السليمانية. لكن بعد الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين، في أبريل 2003، شرع الجانبان الكرديان بتوحيد الإدارة في المنطقتين، وإعادة تفعيل البرلمان الكردي، وأصبح البارزاني والطالباني عضوين في «مجلس الحكم» العراقي، وسرعان ما تولي البارزاني الرئاسة الدورية للمجلس، ثم أصبح الطالباني رئيساً للجمهورية العراقية.

 

وانتُخب البارزاني في يونيو 2005 كأول رئيس لإقليم كردستان، فأصدر أوامره بإنزال العلم العراقي ورفع علَم كردستان العراق بدلاً عنه في كل أنحاء الإقليم. كما قرر فرض تأشيرة الدخول على العراقيين القادمين إلى الإقليم. بيد أن كردستان العراق تحولت في ظل رئاسته إلى ورشة اقتصادية ومعمارية نشطة، وباتت قبلة لكثير من المستثمرين والشركات العالمية، وانتشرت مظاهر الازدهار والرخاء المعيشي فيها.. ثم أعيد انتخابه لولاية ثانية عبر اقتراع مباشر في يوليو 2009، بنسبة 70% من أصوات الناخبين.

 

ورغم أن ولايته انتهت في 2013، فإن اضطرابات «الربيع العربي»، والتي حاولت قوى كردية محاكاتها في كردستان العراق، ثم موجات اللاجئين الأكراد السوريين الذين تدفقوا على الإقليم.. لم تسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد. لذلك صوت برلمان الإقليم، في يوليو 2013، على مشروع قانون لتمديد ولاية البارزاني سنتين، بعد ما تعذر اتفاق القوى الكردية حول إجراء الاستفتاء على مشروع دستور للإقليم. لكن قرار التمديد طالب بتنظيم انتخابات برلمانية خلال تلك الفترة، وشدد على أن التمديد غير قابل للتجديد مرة أخرى. ثم انتهت فترة التمديد لرئاسة البارزاني يوم 19 أغسطس 2015، وسط أزمة سياسية حادة وخلافات متشعبة بين الأطراف الكردية.

 

وبدلاً من إجراء انتخابات رئاسية مباشرة (رأى البارزاني وحزبه أن الأجواء غير مواتية لتنظيمها) أو العودة إلى برلمان الإقليم (الذي منع التمديد مجدداً)، واستباقاً لدخول الإقليم في فراغ سياسي قانوني، لجأ البارزاني إلى مجلس شورى كردستان، وهو هيئة قضائية استشارية تابعة لوزارة العدل وتتكون من 11 عضواً، فقرر المجلس تمديد ولاية رئيس الإقليم إلى حين إجراء انتخابات رئاسية بعد نحو عامين، وهو ما كان يطالب به حزب الرئيس وترفضه القوى الأخرى؛ وقال المجلس إن القرار ملزم لجميع الأطراف.

 

وبغض النظر عن أية نصوص قانونية تمنع التمديد أصلاً، فإنه كان مطلباً للقوى الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وتركيا، اللتين ألقيتا بثقلهما وراء البارزاني ودعتا لتأجيل النظر في مسألة طبيعة الحكم في الإقليم إلى مرحلة لاحقة!

 

واليوم فإن واشنطن وأنقرة (وإن بدرجات متفاوتة)، ومعهما عواصم إقليمية وعالمية أخرى عديدة، تطالب البارزاني بإعادة النظر في قرار الدعوة إلى الاستفتاء على تقرير مصير كردستان العراق.

 

لكن بعد أن صدر القرار رسمياً، وبلغت الترتيبات الإجرائية لتنظيم الاستفتاء مراحل متقدمة، فقد بات من الصعب على البارزاني التراجع عن تنظيمه في الموعد المحدد. هذا علاوة على أن القرار بحد ذاته يداعب أحلاماً قومية قديمة لمعظم الأكراد الطامحين للانفصال وإقامة الدولة الكردية المستقلة. أحلام شحذتها تجربة الأعوام الأخيرة مع بغداد، والتي يصفونها بالمخيبة والمرة، كما أنعشها التوجه القوي حالياً في سوريا نحو إعلان إقامة مناطق حكم كردي في شمالها. أضف إلى ذلك أن المقارنة بين حالة الاستقرار الأمني والنجاح التنموي في كردستان العراق، بالأوضاع المضطربة أمنياً والمتردية اقتصادياً في باقي أنحاء العراق، عززت إيمان الأكراد بضرورة بناء مستقبلهم بعيداً عن الدولة العراقية.

 

لذا لن يستطيع البارزاني الاستجابة للمطالبات الخارجية والتراجع عن تنظيم استفتاء تقرير مصير إقليم كردستان العراق، دون أن يدفع ثمناً باهظاً من شعبيته داخل الإقليم وفي أوساط الشعب الكردي عموماً، إذ وصلت الأمور في هذا الشأن إلى نقطة اللاعودة!

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 دولة كردستانية لكنها ليست دولة قومية

 

عبدالباسط سيدا

 

 الحياة السعودية
  

«سنبني دولة كردستانية، لا دولة قومية». هذه العبارة التي يردّدها الرئيس مسعود بارزاني في مقابلاته مع وسائل الإعلام، ولقاءاته الخاصة، تستوجب الكثير من التمعّن والتفكير. لأن الرجل الذي كرّس حياته بصورة فعلية منذ 1962 في سبيل حماية شعبه، والدفاع عن حقوقه، يدرك أن المجازر الكبرى التي تعرض لها هذا الشعب، كانت نتيجة المشاريع القومية الأيديولوجية التي أنهكت الكرد والعراقيين والمنطقة عموماً، وجعلت العراق ساحة مفتوحة أمام المشروع المذهبي – القومي الإيراني.

 

فقد كانت الآمال معقودة على الملك فيصل الأول وأركان حكمه بأن يتمكنوا من إيجاد صيغة من التآلف والوحدة الوطنية بين المكونات العراقية المتنوعة، بخاصة بين العرب الشيعة والعرب السنة والكرد، وذلك في مرحلة التأسيس بعد الحرب العالمية الأولى. إلا أن الصراعات الداخلية حالت دون ذلك. ثم كانت مرحلة عبدالكريم قاسم القصيرة التي شهدت هي الأخرى إخفاقاً ذريعاً للمشروع الوطني العراقي. وكان حكم الأخوين عارف، ومن ثم الحكم البعثي الطويل الذي فعل عكس المطلوب للحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية. فالمكون العربي السني كان في مقدوره أن يؤدي دور الجامع الموحد بين الجنوب العربي الشيعي، والشمال/إقليم كردستان الكردي السني. لكن صدام، الذي عُومل على أنه يمثل العرب السنة، ضرب الشيعة في الجنوب، وضرب الكرد في الشمال، وتحت شعارات قوموية استخدمت للتضليل ليس إلا.

 

بات الكرد شبه مستقلين في مرحلة ما بعد حرب الخليج الأولى في 1991. واستمر وضعهم هكذا إلى ما بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 بفعل التدخل الأميركي الكبير على رأس تحالف دولي – إقليمي، شاركت فيه مجموعة من الدول العربية بما فيها سورية في عهد حافظ الأسد.

 

ومع سقوط النظام الصدامي الديكتاتوري، الفاشي، استبشر العراقيون، ومعهم شعوب المنطقة كلها خيراً، اعتقاداً منهم، ومنا جميعاً، بأن العراق سيكون أنموذجاً للدولة الوطنية المدنية الديموقراطية، التي تحترم خصوصيات وحقوق كل مكوناتها، وتقوم على أساس الشراكة الفعلية بين الجميع في كل شيء. وكان التفاؤل بجهود إياد علاوي الواعدة في ذلك الحين. غير أن ما حصل لاحقاً في عهد نوري المالكي قضى على كل الآمال. فقد هيمنت الأحزاب المذهبية على الحكم في بغداد، ولجأ العرب السنة إلى مرجعياتهم الدينية، بعد الحظر «القانوني» لواجهتهم السياسية الأساسية (حزب البعث). وسيطر الفساد الفلكي على وزارات ومؤسسات الدولة العراقية، وباتت البلاد ساحة مفتوحة أمام التحركات والتدخلات الإيرانية على مختلف المستويات وفي جميع الميادين.

 

وكان فيلم الإثارة «الداعشي» الذي يطرح ألف سؤال وسؤال، وما ترتب عليه من «شرعنة» للميليشيات المذهبية التي كانت تنافس الدولة، لتصبح بجرّة قلم، وقدرة قادرة، جزءاً من المنظومة الدفاعية الرسمية العراقية.

 

وفي المقابل، كان التضييق على إقليم كردستان العراق بكل الوسائل. فقد أُبعد الكرد عن قيادة الجيش، وعن الوزارات السيادية. ولم تحل قضية المناطق الخلافية وفق الجدول الزمني المتفق عليه، وكان الحصار المالي للإقليم، وغير ذلك من الإجراءات التي هي معروفة لدى الجميع.

 

وعلى رغم كل ذلك، أثبت الإقليم مقدرته على تحمّل التحديات الكبرى، وتمكّن من التعامل معها بأفضل السبل على رغم محدودية الإمكانات المادية.

 

فالحصار المالي من جهة، وحرب «داعش» من جهة أخرى، وأكثر من مليوني نازح ولاجئ عراقي وسوري من جهة ثالثة، فضلاً عن التراجع الكبير في أسعار النفط، كل هذه العوامل وغيرها شكّلت أعباء وأخطاراً جدية، هددت الإقليم في أمنه واستقراره، ولقمة عيش أبنائه، وعطلت عجلة التنمية فيه. ومع ذلك لم تفعل حكومة بغداد شيئاً، وكأن الأمر لا يعنيها بتاتاً، بل استمرت في إجراءاتها التضييقية، وفق خطة مكشوفة، ترمي إلى إرغام الإقليم على السير في ركاب المشروع المفروض عليه. وكان قرار إجراء الاستفتاء حول مصير العلاقة مع بغداد، وذلك بعد أن انسدت الآفاق أمام مشروع الدولة العراقية الوطنية المدنية الديموقراطية.

 

ولن يكون هذا الاستفتاء الذي سيُجرى بعد أيام مقتصراً على المواطنين الكرد وحدهم، بل سيشمل سائر المكونات من مواطني الإقليم. وسيعبّر الجميع بكامل حريتهم عن رأيهم في موضوع استقلال الإقليم، حيزهم الجغرافي، الذي سيكون مجالاً حيوياً لكل مكوناته، لتتفاعل في ما بينها على قاعدة المصالح الاقتصادية المشتركة، واحترام حقوق جميع الخصوصيات من دون أي تمييز.

 

لقد أكدت قيادة الإقليم على مدى نحو ربع قرن مصداقيتها في ميدان احترام التنوع المجتمعي، وعدم التضييق على الرأي الآخر المختلف، والاستعداد المستمر لحل كل القضايا والمشكلات بالحوار والصبر والانفتاح.

 

إن مشروع استقلال إقليم كردستان هو مشروع الدولة الوطنية التي تظل المنقذ المنتظر لمجتمعاتنا التي تعاني راهناً من حالة ارتداد كارثية نحو الولاءات ما قبل المجتمعية، حالة تنذر بتناحر الهويات، وتفتت البلدان، وتناثر الطاقات في مختلف الاتجاهات.

 

فالدولة التي يتحدث عنها مسعود بارزاني، لن تكون دولة قومية تشمل الكرد كلهم. لأن معالجة قضايا كرد الأجزاء الأخرى ستكون مع دولهم، انطلاقاً من خصوصية أوضاعهم. ولن تكون الدولة المنشودة مقتصرة على الكرد وحدهم، بل ستشمل العرب والتركمان والكلدان والسريان والآشوريين، وستضم المسلمين من سنة وشيعة، ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وغيرهم.

 

ودولة كهذه ستكون أنموذجاً للمنطقة كلها في ميدان التعايش، والتسامح، والتنوع، والحكم المدني الذي يفصل بين الدين والسياسة، مع احترام عقائد الجميع.

 

الدولة الكردستانية لن تكون مؤامرة على شعوب المنطقة كما يروج بعضهم، بل ستكون المتنفس المطلوب لإعادة جسور التواصل بينها وفق منظور جديد، منظور يتعامل مع قضايا المنطقة بعقلية مغايرة، تقطع الطريق مع الأدوات والأيديولوجيات التي أخفقت، وأثبتت بنتائجها المأسوية عدم صلاحيتها لشعوب منطقتنا وتطلعاتها.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   هواجس ضد استقلال الأكراد؟  عبد الرحمن الراشد

 

  الشّرق الأوسط
  

شبه متأكد من أن غالبية العرب، خارج العراق، يتعاطفون مع رغبة الأكراد بالاستقلال وإقامة دولة لهم. وقد عزز ذلك رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، في حملته ومقابلاته الصحافية، التي تعبر عن وجهة نظر الإنسان الكردي «العراقي»، ورغبته في الاستقلال، التي قاتل من أجلها منذ الستينات.

من ناحية شخصية، أنا أميل مع الغالبية إلى حق الأكراد العراقيين في إقامة دولتهم، ومن الناحية السياسية العقلانية أرى أنه لا بد لهذه الرغبة أن تستوفي اشتراطات قبل إقامتها. لا يكفي تأهيل الإقليم الكردي شرطاً ليكون دولة، بل، أيضاً، لا بد من تأهيل الدولة العراقية نفسها لتعيش من دون إقليمها الكردي ولا تتعرض للانهيار أو الحروب.

الأرجح أن خروج كردستان من منظومة الدولة سيهدد فوراً التوازن الديموغرافي الطائفي في العراق، وقد يتسبب في حروب داخلية جديدة. ففي ظل طغيان الطائفية السياسية التي هيمنت بعد سقوط نظام صدام الشمولي صار العراق مقسوماً تقريباً ومحكوماً بتوازن نسبي؛ نحو نصف البلاد شيعة ونصفه سُنة، على الرغم من الجدل حول هذه الإحصائيات القديمة. والسنة نصفهم عرب ونحو النصف الآخر أكراد. ودون إصلاح النظام السياسي سيعرض خروج الأكراد العراق إلى قلاقل جديدة، بسبب تبدل النسب. فنظام الحكم العراقي برلماني، يعتمد على التمثيل الفئوي. خروج الأكراد السُنة سيخل بالمعادلة، وقد يؤثر سلباً على مسارات السياسة في ظل وضع مشوه، إما بعودة الاحتراب الطائفي أو بظهور دعوات انفصال الغرب السني، وتحديداً الأنبار، الذي سيؤثر على أمن دولة العراق سواء تحقق استقلال الأنبار أم لم يتحقق. هذه مشكلة عويصة لحراس النظام العراقي من السياسيين، ويحاولون البحث عن بدائل للأكراد العراقيين ترضيهم، لكن لا ترقى إلى مستوى الانفصال. ثم إن تفكيك العراق دويلات يهدد بتفكيك بقية الدول. الوضع القائم ورثته المنطقة من بعد تقسيمها وفق «سايكس بيكو» التي وزعت حدود الهلال الخصيب، والشمال العربي عموماً، في بدايات القرن الماضي. حيث أضاف البريطانيون الإقليم الكردي إلى العراق تحت حمايتهم. ومعظم دول المنطقة لا تؤيد فكرة انفصال الإقليم الكردي عن العراق خشية أن يهدد بظهور نزعات الانفصال في عموم دول المنطقة. لا ننسى أن معظم المنطقة كانت شبه موحدة تحت سلطة الباب العالي في تركيا، ثم تحت الإدارة البريطانية والفرنسية، وصارت مقسمة تحت الدول الوطنية. وهو حال كثير من مناطق أخرى في العالم، ارتضت بالوضع القديم رغم أن توزيع الحدود في كثير من الأحيان لم يأخذ في الاعتبار القواسم والفواصل بين الأمم والقبائل التي تم جمعها تحت دول حديثة. والأكراد هم ضحية للتاريخ حيث فرقتهم الاتفاقيات الأجنبية.

ولو أن أكراد العراق استقلوا فإن تركيا ستقلق لأن بين سكانها أيضاً أكراداً. وعددهم في تركيا ضعف عدد أكراد العراق، وكذلك أكراد إيران ضعف العدد. هذه الهواجس هي عوامل كبح، أعني الخوف من دعوات استقلال بقية الأكراد، والخوف من تفكك بقية العراق، وتزايد دعوات الانفصال في المنطقة. ومثلما قال رئيس الوزراء العراقي، حيدر عبادي، تحقيق انفصال أي إقليم أو جزء من البلاد مشروط بموافقة الدولة المركزية، في بغداد. وهذا أمر مستبعد في الظرف السياسي المضطرب الحالي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  كركوك والاستفتاء والخيارات الكردية الصعبة

 

 عادل الجبوري

 

 

   راي اليوم بريطانيا
  

   قبل خمسة شهور، عابتني صديق كردي يعمل في الحقل الاكاديمي على مقال كتبته في هذا الفضاء تحت عنوان “الهروب الكردي نحو كركوك”، معتبرا ان ذلك العنوان كان قاسيا الى حد كبير، فضلا عن ان ما تضمنه المقال، كان-بحسب صديقي الكردي-بعيدا عن الواقع، “انطلاقا من زاوية ان مختلف الحقائق والمعطيات التأريخية تؤكد، ان كركوك مدينة ذات هوية كردية، تحتضن مكونات اجتماعية  اخرى، وانه من الطبيعي والمنطقي ان تنعكس وتتجلى تلك الهوية الكردية على مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للمدينة، واكثر من ذلك، ان أي مشروع لاستقلال الاقليم لابد ان يستوعب ويشمل مدينة كركوك، واية عراقيل ومعوقات في هذا السياق، تعد امرا طبيعيا ومتوقعا، في ظل ظروف واوضاع استثنائية يعيشها العراق بالكامل وليس مدينة كركوك لوحدها”.

   وقبل بضعة ايام كنت اتحادث هاتفيا مع ذلك الصديق، حول امكانية اجراء الاستفتاء على انفصال اقليم كردستان في الموعد المقرر، الخامس والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الجاري، وفرص نجاحه، فكان من بين ما قاله “ان ما يجري في كركوك من تداعيات سياسية خطيرة، يمكن ان يخلق ازمة كبيرة تنعكس اثارها السلبية على الواقع السياسي للاقليم”.

   ولعل العبارات الاخيرة التي قالها الصديق الكردي، تختزل مجمل مظاهر القلق والخوف السائدة في الاقليم حاليا لدى الساعين الى الاستفتاء والانفصال، وكذلك المعارضين لهما، على حد سواء، لان اصحاب القرار السياسي الكردي، ومن بأيديهم زمام الامور، عمدوا عن قصد او من دون قصد الى خلط الاوراق وبعثرتها، وتوسيع مساحات الاحتقان والتشنج، لاسيما حينما قرروا “اقحام” كركوك في الاستفتاء، والتلويح بضمها الى الدولة الكردية المرتقبة.

   وكان هذا كافيا لتأزيم الموقف بدرجة اكبر، خصوصا بعدما عمد اعضاء مجلس محافظة كركوك الاكراد، في التاسع والعشرين من شهر اب-اغسطس الماضي، الى التصويت على شمول المحافظة بالاستفتاء وسط مقاطعة ورفض زملائهم العرب والتركمان، وقبل ذلك اصدار محافظ كركوك نجم الدين كريم في اواخر شهر اذار-مارس الماضي، توجيهات تقضي برفع علم اقليم كردستان الى جانب العلم العراقي فوق المباني الحكومية بالمحافظة.

   ولاشك ان الامر غير المنطقي ولا المعقول هو سعي اصحاب القرار الكردي الى شمول كركوك بالاستفتاء، ليفضي ذلك الى  تصعيد كبير وخطير مع العرب والتركمان، لايستبعد البعض ان ينتهي الى اقتتال مسلح يدفع المدينة الى نفق مجهول، بينما فشل هؤلاء-أي اصحاب القرار الكردي-في اقناع شركائهم في الاقليم بالموافقة على اجراء الاستفتاء او في ادنى تقدير التزام الصمت وعدم الافصاح عن موقف واضح وصريح بالرفض.

   ففي الوقت الذي يحرص رئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود البارزاني على التأكيد مرة بعد اخرى على اجراء الاستفتاء في موعده، وشمول كركوك فيه، والتبشير بالدولة الكردية المستقلة، يبادر خصومه في حركة التغيير (كوران) والجماعة الاسلامية الى اصدار بيان جديد مشترك، يجددون رفضهم اجراء الاستفتاء في الموعد المقرر، ويطالبون بالتأجيل الى وقت اكثر ملائمة، وعلى ضوء تشريع يصدر من برلمان الاقليم المعطل منذ اكثر من عامين.

   ويؤكد الحزبان على ان الاولوية في هذه المرحلة ينبغي ان تتمحور حول تحسين اوضاع مواطني الاقليم، والغاء قرار الادخار الاجباري لجزء من رواتب الموظفين، واجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها المقرر، وانهاء احتكار السلطة السياسية من قبل طرف واحد. علما ان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يعد الخصم والمنافس التقليدي للحزب الديمقراطي الكردستاني يفتقر الى موقف واضح ومحدد، ربما لانه يتجنب الاصطدام المباشر مع الديمقراطي، تاركا المهمة للتغيير والجماعة الاسلامية، ومن جانب اخر، قد تكون التصدعات الداخلية الحادة فيه بعد غياب امينه العام جلال الطالباني منذ ستة اعوام بسبب المرض، عائقا امام بلورة موقف قوي وواضح وموحد، سواء بالنسبة للاستفتاء او غيره من القضايا والملفات الخلافية الداخلية.

   وما لم يتم تداوله وتسليط الضوء عليه بالقدر الكافي حتى الان، هو ذلك التصدع والتشضي الذي اوجده ملف الاستفتاء في داخل كيان الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه، ففي حين يقود البارزاني الرئيس، الاتجاه الداعي بقوة الى اجراء الاستفتاء والاسراع باعلان الانفصال، يذهب صهره ونجل اخيه ونائبه في رئاسة الحزب ورئيس الحكومة نيجرفان البارزاني الى التروي، وتجنب التصادم الحاد مع الارادات الاقليمية والدولية التي تقول جميعها بضرورة ووجوب التأجيل والتريث.

   ويقف الى جانب الرئيس البارزاني نجله مسرور، الذي يشغل منصب مستشار امن الاقليم، وفاضل ميراني سكرتير المكتب السياسي للحزب، وفؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة الاقليم، في حين يحظى نيجرفان بدعم وتأييد شخصيات سياسية معتدلة من قيادات الحزب، مثل روز نوري شاويس، وشخصيات اخرى من العائلة البارزانية.

   ويتوقع ان تؤدي تلك الاصطفافات الى تغذية الصراع والتنافس بين نيجرفان من جهة، ومسرور من جهة اخرى، لاسيما وان مسألة خلافة الرئيس البارزاني راحت تطرح في كواليس الحزب والعائلة الحاكمة بقوة منذ عدة اعوام، مع تقدم البارزاني في السن، وتزايد مشاكله الصحية، ناهيك عن الازمات والمشاكل السياسية والاقتصادية التي تفاقمت الى حد كبير خلال العامين المنصرمين، بحيث افقدت الحزب الديمقراطي قدرا غير قليل من شعبيته وتأثيره ونفوذه في الاقليم.

    ومن الان وحتى موعد اجراء الاستفتاء، ثلاثة اسابيع، ومن غير المستبعد ان تحصل مفاجاءات، من قبيل اعلان البارزاني تأجيل الاستفتاء فترة من الزمن، والاكتفاء بأجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر، الاول من شهر تشرين الثاني-نوفمبر المقبل، التي ربما ستكون واحدة من اهم وابرز معطياتها ونتائجها هو تنحي او تنحية البارزاني عن رئاسة الاقليم.

   اما في حال استمر الاصرار والتعنت الكردي على اجراء الاستفتاء في موعده المفترض، فأن اقليم كردستان-كما هو الحال بالنسبة لكركوك-قد يواجه احداثا غير سارة، وفي افضل الاحوال ينتهي الاستفتاء بـ”نعم” ضعفية، لا تختلف عن الـ”لا” سوى بنسبة ضئيلة، وهو ما يعني ان الامور لن تسير مثلما يريد ويطمح البارزاني الاب وفريقه السياسي الحاكم. وسيجد نفسه محاصرا بدرجة اكبر من قبل خصومه في الداخل، ومحيطه الاقليمي، واصدقائه الدوليين، وبالتالي ستستمر دوامة الازمات في الاقليم، وستضيع مفاتيح الحلول، وتتلاشى مكاسب وطموحات الاستفتاء والانفصال.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5   قانون قابل للحياة!   

 

عصام قضماني        صحيفة الرأي الاردنية
 

إذا كانت مراجعة قانون ضريبة الدخل ترمي الى التخفيف من العبء الضريبي عن الشركات فلا بأس شريطة أن يختص ذلك في القطاعات ذات القيمة المضافة والمشغلة للأيدي العاملة.

 

استيفاء الضرائب وفقا للهيكلية السائدة، فيها تشوهات ما تزل تحول حتى الان دون استيفاء عادل لها كما انها ما تزال تسمح بقدر كبير من التهرب الضريبي بينما هناك حاجة ماسة لتشجيع المكلفين على الالتزام بالضريبة والزامهم خلافا لذلك حتى لو تطلب الامر عقوبات مشددة أو ربط الوفاء بالضريبة بمجمل معاملات الدولة الرسمية وتقييدها بالسفر.

 

وحسب الدستور كذلك، يفهم من النص الواضح بان التكليف يجب ان يراعي مقدرة المكلف على الاداء بان لا يتجاوز حاجة الدولة الى المال بمعنى ان وضع المكلفين جميعا في سلة واحدة، يساهم في زيادة العبء على شرائح هي معفاة اصلا، باعادة شمولهم بالضريبة اسوة بالقادرين وبالقدر ذاته، وبما يجعل قدرتهم على الاداء تتجاوز حاجة الدولة من المال.

 

الاصل في فلسفة الضرائب، هي اقتطاع جزء من اموال القادرين تنفق مرورا بالخزينة في خدمة المجتمع ككل وليس العكس.

 

نتفق مع الحكومة بأن الإصلاح الإقتصادي الحقيقي هو الذي يطال ضريبة الدخل خلافا لكل الإجراءات التي تمس ضريبة المبيعات وأغراضها المالية فقط لأن فلسفة ضريبة الدخل هي إقتصادية بينما أن المبيعات تقوم على خدمة أغراض مالية محضة.

 

في القانون المرتقب على الحكومة أن تتنبه الى خطأ التجريب وطالما كان الإستقرار التشريعي مطلوبا حتى يتسنى للمستثمرين والشركات بناء خططهم متوسطة وطويلة المدى دون مفاجآت غير محسوبة.

 

هل كان يفترض إنتظار تأثير نسب الضريبة كما هي في القانون ساري المفعول على نتائج الشركات، بالتأكيد ليست الضرائب هي السبب المباشر لكنها علامة على سياسة إقتصادية تسير عكس التيار في جانب الضرائب، إذ كان يفترض أن تتماشى مع النشاط الإقتصادي بالتوازي حيث تخفيف العبء الضريبي في حالة التباطؤ أو الركود ورفعه في حالة النشاط والنمو، وفي المؤشرات فإن سنة 2017 تنبئ بتراجع الأداء بالنظر الى أوضاع المنطقة وإغلاق الحدود ومحدودية الإستثمارات، وبالتالي توقع تراجع إيرادات الخزينة ما عدا المنح والمساعدات التي قيدت على حساب بند الإيرادات وهي ليست كذلك، وبخصمها ستكون إيرادات الخزينة أقل مما تحقق عن عام 2016.