1 العراق: أسباب سقوط مدينة كركوك افتتاحية القدس العربي
يوم الخميس الماضي نفى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وجود أي تحضيرات لشن هجوم ضد مواقع كردية، وفي اليوم اللاحق، الجمعة، قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب التوتر بين السلطات العراقية والكردية حول كركوك وتعمل على عدم تصاعده، وأن قواتها «تعمل على ضمان أن تبقي أي احتمال لنشوب نزاع بعيدا عن الطاولة». في اليوم التالي، السبت، أعلن كمال كركوكي قائد البيشمركه في مدينة كركوك إن قواته لن تنسحب من المحافظة تحت أي ضغط وأنه في حال «ارتكب الجيش العراقي و»الحشد الشعبي» أي خطأ وتقدموا صوبنا فسنلقنهم درسا لن ينسوه أبدا».
لكن الذي حصل أن فصائل من «الحشد» ووحدات من الجيش العراقي وقوات تابعة لوزارة الداخلية تقدمت أمس الاثنين واستولت على أهم حقول النفط ومطار كركوك العسكري وأكبر قاعدة عسكرية في المحافظة وكذلك على مبنى المحافظة حيث رفعت العلم العراقي وأنزلت الراية الكردية.
وبدلاً من تلقين قوات البيشمركه درساً للقوات العراقية المهاجمة كما قيل قبل أيام فقد انسحبت بعض وحداتها، المحسوبة على طرف رئيسي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (الذي يرتبط، منذ عقود طويلة، بعلاقات مع إيران)، من مواقعها دون قتال، وتركت أطرافاً أخرى من الحزب نفسه لتواجه القوات المهاجمة، وهو ما دفع تلك الوحدات أيضاً للانسحاب بشكل مرتبك ساحبة معها آلاف النازحين الخائفين من انتقام فصائل «الحشد الشعبي».
السفارة الأمريكية علّقت على الذي حصل بالأسف على «أي خسائر في الأرواح» وقالت إنها تواصل العمل مع مسؤولي حكومتي المركز والإقليم «للحد من التوتر وتجنب وقوع المزيد من الاشتباكات»، مؤكدة أنها تؤيد «الممارسة السلمية للإدارة المشتركة بما يتفق مع الدستور العراقي في جميع المناطق المتنازع عليها»، وهو ما يعني، بشكل غير مباشر، أن واشنطن لا تكترث لما حصل، وأن وضع حكومة بغداد يدها على كركوك صار ناجزاً.
حكومة إقليم كردستان المحسوبة على الحزب الديمقراطي الكردستاني، وزعيمه مسعود بارزاني، اتهمت «الجناح الإيراني» في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بتسليم كركوك بـ»اتفاق سري مع إيران» وبأوامر من نجل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، بافيل.
غير أن سيطرة القوات العراقية على كركوك لم تكن نتيجة «صفقة» مع إيران، فقط، ولا لأن الأمريكيين موافقون على استعادة حكومة بغداد (أو إيران) السيطرة على كركوك وحقولها النفطية الشديدة الأهميّة، ولا لاجتماع دول الإقليم على منع نشوء دولة كردستان فحسب، ولكن أيضاً، لأن قيادة إقليم كردستان، لم تقدّم مشروعاً مدنيا وديمقراطيا شاملا يدافع عنه سكان كركوك من غير الأكراد، كالتركمان والعرب، الذين وجدوا أنفسهم في خانة المستهدفين، مع تزايد أعمال السرقة والنهب واستهداف مقرات أحزابهم السياسية، مما اضطر الكثيرين منهم إلى طلب العون من حكومة بغداد.
حظيت كركوك، بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، بوضع دستوري خاص، مبعثه وجود أعراق مختلفة فيها، ولأنها مؤثرة اقتصاديا كونها تحتوي ثروة نفطية كبيرة، وهو ما يجعلها وجودها داخل دولة كردستان أمراً مركزياً لاستمرار هذه الدولة، وبالتالي فإن السيطرة العراقية ـ الإيرانية عليها، تعني، بوضوح، أن مشروع كردستان ممنوع.
الصراع على كركوك سيحدد إذن مصير كردستان.
2 «البارزانية» مستمرة!
صالح القلاب
الراي العام الكويتية
غير معروف السبب الحقيقي لتمسك مسعود بارزاني بإجراء “الاستفتاء” الذي أجراه في إقليم كردستان العراقي، والذي فاز بأرقام فلكية، مع أن كل أصدقائه وأصدقاء شعبه الحقيقيين، إن دولاً وإن شخصيات لها مكانتها الدولية، نصحوه بعدم الإقدام على هذه الخطوة، التي ستكون عواقبها وخيمة طالما أنه لا يوجد إجماع كردي عليها، ومادام الإيرانيون والأتراك بدأوا تحريك دباباتهم في اتجاه حدود هذا الإقليم، وأيضاً طالما أنه حتى الأميركيون، ومعهم كل الدول الأوروبية المؤثرة والفاعلة، طالبوا بعدم الذهاب بعيداً في هذا الاتجاه الذي سيكون مكلفاً!
إن الذين يعرفون هذا الزعيم الكردي، الذي قضى فترة طويلة من حياته في الجبال كمقاتل في قوات “البيشمركة” التي شكلها والده الملا مصطفى بارزاني في وقت مبكر، أي بعد لجوئه المكلف مع بعض أنصاره إلى الاتحاد السوفياتي، بعد انهيار جمهورية مهاباد التي كان رئيس أركان قواتها العسكرية، يعرفون أنه ليس مغامراً، وأنه رجل دولة من الطراز الرفيع، وأن واقعيته دفعته إلى الاستنجاد حتى بصدام حسين، عندما احتل الإيرانيون في بدايات تسعينيات القرن الماضي، بالاشتراك مع قوات حليفهم جلال الطالباني، مدينة أربيل، عاصمة مشروع دولته، وحيث بات واضحاً أنهم إن حققوا هدفهم فإنهم سيصلون إلى دهوك وأيضاً إلى زاخو، على معبر الخابور، على الحدود العراقية – التركية.
فما الذي حصل يا ترى حتى يلجأ مسعود بارزاني إلى هذه الخطوة المكلفة التي كان واضحاً جداً أنها ستكون مغامرة مكلفة…؟ هل الأميركيون والروس أيضاً قد وعدوه، إن ليس بمباركة هذا “الاستفتاء” فبالسكوت عليه، ثم أخلفوا وعدهم، أم أنه لم يكن يتوقع أن يتفق الأتراك والإيرانيون على موقف واحد رافض لهذا التحدي الذي إن نجح فإن عدواه ستنتقل إلى أكراد إيران وأكراد تركيا، الذين يشكلون معاً الكتلة الرئيسية لأبناء هذه الأمة الكردية، التي ها هو الحاضر يظلمها مجدداً كما ظلمها الماضي، عندما أعطت مسطرة “سايكس – بيكو” للعديد من أمم وشعوب هذه المنطقة دولاً “ذات سيادة” صغيرة وكبيرة، وتركتهم مجرد فرق حسابات بين هذه الدول الناشئة… والقديمة؟!
لقد كان مسعود بارزاني يعرف أن حزب الاتحاد الوطني، الذي هو حزب جلال طالباني، ومعه ما يسمى مجموعة “التغيير” وفوقهم برهم صالح وجماعته، سيتخلون عنه حتى وإن هم لم يجرؤوا على مواجهة خطوته هذه ورفضها فهؤلاء جميعاً باتوا يرفضون الزعامة البارزانية لأكراد كردستان العراق، وهم كانوا ومازالوا ينتظرون فشل هذه الخطوة للتخلص من هذه الزعامة التي كانوا يقبلونها أو يسكتون عليها في مرحلة حرب العصابات وقواعد الجبال، لكنهم عندما أصبحت هناك دولة غنية لها بترولها ونفطها، كما للآخرين في الدول المجاورة والبعيدة نفطهم وبترولهم، فإنهم بادروا إلى التخلي عن ولائهم السابق هذا، ووجدوا أن الفرصة أصبحت سانحة للتخلي عن هذا الإرث القيادي التاريخي.
والسؤال هنا في النهاية هو: هل يا ترى زعامة الكرد البارزانية قد غربت شمسها بالفعل، وأن خطوة “الاستفتاء” هذه جاءت بمنزلة ضربة قاضية لهذه القيادة…؟ والجواب بالنسبة لي: لا أبداً… فالقيادات لا تصنعها أحداث مرحلية قد تكون عابرة، والبارزانيون غير طارئين في هذا المجال كغيرهم… إن زعامتهم إنتاج تراكمات تاريخية وخلال عشرات السنين من الكفاح المضني وعيش الجبال… وعشرات السنين من التشرد ومواجهة ظروف لا تتحملها حتى رواسي الجبال!
3 البارزاني اتّهم “الطالبانيين” بـ”الخِيانة” دون أن يُسمّيهم في أولِ إطلالةٍ لَه بعد خسارة كركوك.. تَحدّث عن كُل شَيء باستثناء الاستقالة وتَحمّل المَسؤوليّة.. لماذا خَرج الجِنرال سليماني هو الفائز الأكبر؟ وهَل بدأت عَمليّة تقسيم كردستان إلى إقليمين بَدلاً من تَقسيم العِراق؟
عبد الباري عطوان
راي اليوم بريطانيا
تابعنا، مثل غيرنا، المُؤتمر الصّحافي الأول الذي عَقده السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان، مُنذ إجراء “الاستفتاء” على استقلال الإقليم، وسَيطرة القوّات العراقيّة والحشد الشعبي على مدينة كركوك، وآبار نِفطها ومَطارها وقاعدتها العَسكريّة، وانتظرنا أن يُعلن تَحمّله مَسؤوليّة كل النّتائج المُترتّبة على هذهِ “المُقامرة”، وإعلان استقالته من الرّئاسة، وربّما من الحياةِ السياسيّة، وتَسليمه الرّاية لمن يَستحقها من قيادات حِزبه، ولكنّه لم يَفعل.
السيد البارزاني اتّهم أطرافًا سياسيّةً داخليّةً باتخاذ قرار انسحاب قوّات “البِشمرغة” من كركوك، بِما سَمح للقوّات العراقيّة الاتحاديّة بالسّيطرة عليها، وأكّد أن الشعب الكُردي سيُحقّق أهدافه المُقدّسة قريبًا أو بعيدًا، واليوم هو أحوج إلى توحيد الصّفوف والاستمرار في الدّفاع عن هَويّته وحُقوقِه.
من الواضح، أن السيد البارزاني، كان يُوجّه هذهِ الاتهامات إلى حزب الاتحاد الوطني “الطالباني”، شَريكه في الإقليم، الأمر الذي قد يُحدث شَرخًا كبيرًا في العلاقات بينهما، وحُدوث “طلاقٍ بائن” من الصّعب إصلاحه، وإعادة العَلاقات بين الطّرفين إلى صُورَتِها السّابقة للاستفتاء.
***
لا نَعرف ما هي الحِسابات التي استند إليها السيد البارزاني في ضَرورة حُدوث المُواجهة العَسكريّة، وتَصدّي قوّات البِشمرغة للقوّات الاتحاديّة العراقيّة التي كانت تتقدّم نحو كركوك مَدعومةً بالحَشد الشعبي، لكن ما يُمكن أن نَعرفه، ومن خلال قراءة مُتأنيّة لمَوازين القِوى الإقليميّة والدوليّة، أن نتائجها لو حَدثت قد لا تَكون في صالح “البِشمرغة” والأكراد عُمومًا، في ظِل عَدم وجود غِطاءٍ جَويٍّ، ودَعمٍ أمريكيٍّ واضحٍ وصريح، ولذلك فإنّ خُطوة الانسحاب هذهِ للقوّات الكُرديّة، ربّما تكون حكيمةً في نَظر الكثيرين، لأنها قَلّصت من الخسائر، وحَقنت دماء الطّرفين، المُهاجم والمُدافع معًا.
إقليم كردستان العراق كان مُوحّدًا خَلف حُكومته حتى يوم إجراء الاستفتاء، ولكنّه ومن خِلال إصرار السيد البارزاني على المُضي فيه، أي الاستفتاء، انقسم إلى إقليمين، إحداهما في السليمانيّة، والثاني في أربيل، واحتمالات الحَرب الأهليّة بين الشّطرين باتت واردةً، بل شِبه مُؤكّدة، في ظِل الاتهامات المُتبادلة بالخيانة، والطّعن في الظّهر.
مُشكلة السيد البارزاني الأساسيّة لم تَعد مع الخارج، والحُكومة المَركزيّة، أو مع الإيرانيين والأتراك، وإنّما مع الدّاخل الكُردي، سواء ذلك المُوالي لحزب الاتحاد الوطني “الطالباني”، أو أنصار الحِزب الديمقراطي “البارزاني”، إلى جانب تَكتّل أحزاب وتَجمّعات المُستقلّين.
القيادات الكُرديّة، ولا نَقول الشّعب الكُردي، لا تتعلّم من دُورس التّاريخ، بل نَشك في أنّها تقرأ هذا التّاريخ في الأساس، لأنّها تَقع في المِصيدة نفسها التي يُورّطهم فيها “حُلفاؤهم” الأمريكان والإسرائيليون، في إطار الخُطّة الأبديّة التي أبرز أبجديّاتها تَوظيفهم كأداةٍ ضِد شُعوب دُول الجِوار، والعَرب من بينهم خاصّة.
جميع رِهانات السيد البارزاني لم تَكن في مَحلّها، فقد خَذلهُ الجميع، الإسرائيليون، الأمريكان، حتى الأصدقاء الأتراك، ولا ننسى خُذلان خُصومه الأكراد في السليمانيّة وجِوارها، التي تَحدّث عنها بمرارةٍ في مُؤتمره الصّحافي.
السيد البارزاني أجرى الاستفتاء وهو يُسيطر على كركوك، وآبار نِفطها، ومَطارها العَسكري، علاوةً على سنجار وخانقين، الآن خَسر جميع هذهِ المناطق، وبات من المُؤكّد أنه سيَخسر الإقليم الجديد المُنافس المُكوّن من حلبجة، السليمانيّة كركوك، لأن جيل “الطلبانيين الجُدد” سيكون مُختلفًا كُليًّا عن مُعلّمهم الرّاحل جلال الطالباني، الذي كان مع الحَد الأدنى من التّوافق الكُردي، وإبقاء العلاقة مع أربيل، وتَجنّب الوقوف بحزمٍ ضد الاستفتاء، لأنه يُدرك عواقب هذهِ المَواقف وانعكاساتها على الوحدة الوطنيّة الكُرديّة.
جلال الطالباني رَحل، والسيد البارزاني استغلّ رحيله لرش الكثير من المِلح على الجُرح العَربي المُلتهب، عندما أصرّ على لَفْ تابوته بالعَلم الكُردي، وليس العِراقي، ناسيًا، أو مُتناسيًا، أنّه كان أوّل رئيس للعراق الفِيدرالي الجديد، وهذا تَصرّف لم يَكن حكيمًا من وِجهة نَظر الشّركاء العَرب على الأقل.
لا نَفهم أسباب هذا الإصرار على فَصم عرى العلاقة مع العَرب، وعَرب العراق بشيعتهم وسُنّتهم خاصّةً، وهم الذين مَنحوا كردستان العراق دولةً شِبه مُستقلّة، لا يَنقصها غير إعلان الاستقلال رسميًّا فقط، تُصدّر النّفط، وتحتضن سفاراتٍ أجنبيّة، وتُقيم علاقاتٍ خارجيّة، وتَستقبل زُعماء العالم في عاصمتها أربيل، وتَرفع أعلامها، وتَعزف نشيدها الوطني، وتُقلّص دُروس تعليم اللغة العربيّة، لُغة القرآن، في مَدارسها، وتَجعلها اللغة الرّابعة أو الخامسة في الإقليم.
من خطّطوا ونَفّذوا “استفتاء الاستقلال” لم يُخطّطوا لليوم التّالي، أي لما قد يَحصل بَعده، وردود الفِعل عليه، ربّما نتيجة للثّقة الزائدة، والرّهان على ضَعف الدّولة المَركزيّة في بغداد، والدّعمين الأمريكي والإسرائيلي المُطلقين، والبراغماتيّة “الأردوغانيّة” القائمة على المصالح التجاريّة مع الإقليم، وأيًّا كانت الأسباب والدّوافع التي لا نَعرفها، والجِهات التي تَقف خلف كل هذهِ الرّهانات، فإنّها كانت في غَير محلها، وأتت نتائج كارثيّة على أصحابها.
***
هناك أنباء تتحدّث عن توقيع اتفاق بين السيد هادي العامري، أحد أبرز قادة قوّات الحشد الشعبي، والسيد بافيل طالباني، القيادي في حزب الاتحاد الوطني، تحت إشراف الجنرال قاسم سليماني الذي كان يتواجد في الإقليم على أمل تأجيل الاستفتاء، يَنص على تقسيم كردستان إلى إقليمين، وبِما يُؤدّي إلى تأجيل حَق الأكراد بتقرير المصير لعِدّة سنوات، وربّما لعِدّة عُقودٍ قادمةٍ، وربّما يكون هذا الاتفاق يَقف خلف انسحاب قوّات البِشمرغة التّابعة للسليمانيّة من بعض مناطق كركوك دون قتال، وممّا أدّى إلى تصاعد الاتهامات بالخِيانة.
سَيطرة القوّات الاتحاديّة العراقيّة على كركوك والمناطق الأُخرى، ألغت الاستفتاء ونتائجه عَمليًّا، وبِما يُؤدّي إلى تهيئة الأجواء لبِدء الحِوار بين ممثلي إقليم كردستان والحكومة العراقية للتوصّل إلى حُلولٍ لجميع المشاكل والخلافات الجديدة منها أو القديمة، وإعادة الثّقة التي تدهورت، ولو بشكلٍ تدريجي، بين العَرب والأكراد على أُسس التّعايش والمُساواة، وفي إطار احترام الفيدراليّة والدّستور.
الأشقاء الأكراد هُم الأقرب للعَرب هويّةً وثقافةً، وانتماء، ودَورهم في بِناء عراق فيدرالي جديد جنبًا إلى جنب مع أشقائهم العرب والتركمان والآسيويين والأيزيديين، لا غِنى عنه، حتى تعود الهويّة العراقيّة الجامعة المُوحّدة، ويَستعيد العراق مكانته التي يَستحقها في المِنطقة، ونأمل تجاوز كَبوة الاستفتاء هذهِ في أسرعِ وقتٍ مُمكن.
4 كركوك وتغيُّر خارطة القوى والمواقف الإقليمية
د. حسين البناء
راي اليوم بريطانيا
لقد تمّ طوي ملف تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (د.ا.ع.ش) وبتسارعٍ لافت، حيث فقد التنظيم وفي غضون عامٍ واحدٍ معظم المدن والقرى والمساحات التي سيطر عليها لسنوات، وخاصةً الموصل والرقة.
قوى البشمركة الكرديّة ساهمت في جهود هزيمة التنظيم، وليس هنا محور الحديث عن النيّة المبيَّتة للأكراد في مشاركتهم في تلك الجهود، لكنّه بات من الواضح بأنّ الاستفتاء على استقلال كردستان-العراق تَبِعَ مباشرةً تقهقر وطرد قوى (د.ا.ع.ش) من المواقع في شمال العراق وشرق سوريا.
الجميع يؤكد على “حرصه” على وحدة العراق ووحدة سوريا، وهذا مجرّد موقف للاستهلاك الإعلاميّ والعلاقات العامة واللباقة الدبلوماسية لا أكثر، فقد أثبتت (بعض التسريبات وبعض التصريحات الإعلامية من أطراف شتى) على الرغبة العميقة في تقسيم وبلقنة الدولتين انسجاماً مع المصالح الضيًقة والآنية لبعض الأنظمة العربية، ولعل هذا ينسجم وبكل أسف مع حقيقة الموقف والمصالح الأمريكية والإسرائيلية.
علينا الاعتراف اليوم كعرب، وبكل مرارة، بأنه لولا التدخل المباشر والقوي لإيران في العراق ودعمها الكامل للحكومة العراقية المركزية في بغداد في جهودها لتحرير المدن العراقية من داعش، لكانت المسألة أكثر تعقيداً ودموية، ولربما استطاع الأكراد فرض الأمر الواقع على الأرض وتنفيذ مخطط الانفصال، ولربما كان من الصعب هزيمة داعش نظراً لما يعانيه الجيش العراقي والحكومة العراقية من مصاعب ومعضلات في مناحٍ شتى. كما أنه بات واقعاً بأنه لولا التدخل الروسي والإيراني في سوريا، لكان من الصعب طرد داعش وإفشال مشروع التقسيم الذي بات واضحاً بأنه هو بالذات المخطط الأكثر عمقاً لمعظم ما جرى ويجري على الأرض.
لا يمكن لأي عربي أن يرحب بأي تدخل خارجي في شؤون الدول العربية وسيادتها واستقلالية قرارها، لكن مجريات الأمور وتطوراتها (فيما يتعلق بالتحرك الكردي و تنظيم الدولة) لم تدع للنظامين السياسيين في بغداد ودمشق أي خيارٍ آخر غير قبول الدعم من روسيا وإيران، ولم يَعُد سراً على أحد بأنه ولولا ذلك التدخل العسكري والمادي والمعنوي لكانت (خارطة الشرق الأوسط الجديد) واقعاً ملموساً، فقد كانت النيّة تتجه لتقسيم العراق إلى ولاية جنوبية للشيعة ودويلة فقيرة غرباً للسنة وإقليم كرستان الكردي شمالاً، وتمّ طرح هذا الخيار رسمياَ ومباركته من الأمريكيين وطلبه بإلحاح من الصهاينة، كما كانت النية تتجه كذلك لتقسيم سوريا لجيبٍ كردي صغير، ودويلة ساحلية للنظام والمدن المؤيدة له ويغلُب على سكانها التشيع، ودولة أخرى للسنة تمتد إلى درعا.
التحرك العسكري الأخير للجيش العراقي ومؤيديه من الميليشيات باتجاه كركوك، أثبت وبوضوح، بأنّ وحدة العراق وقدرة الحكومة العراقية على الفعل والتأثير قد باتت حقيقة واقعة، وأنه على الأكراد التنبّه إلى أن هنالك حقائق جديدة باتت تفرض على الأرض، فالأمريكيين تراجعوا عن دعوات التقسيم وباتوا يؤكدون على وحدة البلاد، والأتراك يحاكمون الجاسوس الأمريكي اليوم، وواضح بأن الدول العربية التي كانت تتخذ مواقف سلبية تجاه الحكومة العراقية والسورية قد عدلت عن مواقفها السابقة وباتت أمام حقائق تؤكد على أن روسيا وبكل حضوتها العالمية مضافاً إلى الحضور الإيراني الفاعل وبكل الميليشيات المؤيدة قد باتت حقيقة واقعة، وأن سيناريو الإرباك الداعشي و دعم الحراك الكرديّ على نيّة تشويش المشهد وخلط الأوراق قد فشلت وبالكامل.
السيناريو الأكثر ترجيحاً، أنه في غضون عام واحد، سوف يتم استعادة وحدة الأراضي العراقية بالكامل، وسوف يتم التفاهم مع الكرد على فيدرالية مرضية للطرفين، ومرضية للدول الأربع المعنيّة بالشأن الكردي كذلك، كما أنه من الأرجح بأن الحكومة السورية سوف تتمكن من استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية. في ظل هذه القراءة الاستشرافية، فإنه لا بد للجميع من مراجعة المستويات المرتفعة للثقة بالإرادة الأمريكية والأمنيات الإسرائيلية وفي قدرتها على تغيير الحقائق، لأننا اليوم أمام لاعبين إقليميين بحضور كامل وقوي، روسيا وإيران وتركيا، ويبدو أنه لن يتم فعل شيء أو تغيير واقع بدون التوافق مع هذه القوى المذكورة.
الأمريكيون ومن خلفهم إسرائيل، عازمون على إعادة ترتيب الأوراق بما يحقق المصالح الاستراتيجية لكليهما، وليس مستبعداً التحرك الإسرائيلي في ضرب حماس في غزة و ضرب حزب الله في سوريا والجنوب اللبناني كمدخل جديد لقلب الموازين والحقائق الجديدة. وليس خافياً الإحماء الأمريكي باتجاه إيران ونوايا إلغاء الاتفاق النووي، على نيّة خلق ذرائع لضرب مشروع إيران التسلحي، وتحجيم وجودها على الأرض في سوريا والعراق.
دخول القوات العراقية الاتحادية إلى كركوك اليوم، هو رسالة واضحة بأن مشروع البلقنة للمنطقة العربية قد فشل، وأنه لا يمكن تجاهل القوى الإقليمية الرئيسة، مصر وتركيا وإيران، عند الخوض في أي ملف يخص المنطقة وترتيباتها.
5 جناية»… برزاني
محمد خروب
الراي الاردنية
حسمت العملية «النظيفة» والمفاجِئة التي لم تستغرق سوى تسع ساعات ببسط سيطرة الحكومة المركزية على مدينة كركوك، حقول نفط ومطار ومؤسسات عامة، الجدل الذي اندلع بعد استفتاء الخامس والعشرين من أيلول الماضي، الذي أصرّ رئيس اقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود برزاني على إجرائه ضارباً عرض الحائط بكل «النصائح» المُخلصة التي قدمها له كثيرون، وبخاصة في الداخل الكردي وتحديدا الحزب المنافس له وحليفه في السلطة منذ عقدين «الاتحاد الوطني» الذي آلت قيادته المؤقتة الى أرملة الرئيس السابق جلال طالباني السيدة هيرو احمد، بعد رحيل زوجها، وعبر المكتب السياسي الذي يقود هيئته العاملة الملاّ بختيار احد اقرب القادة من السيدة هيرو.
وبصرف النظر عن الإتهامات التي سارع برزاني وقادة حزبه الى توجيهها لـِ»قادة» في الاتحاد الوطني، بـ»تسليم» كركوك للحشد الشعبي والجيش العراقي، ووضعِهم في خانة «الخونة» والتهديد بمحاكمتهم في محاكم كردستان، مما عكس حجم المرارة التي لحقت بمعسكر برزاني بعد الهزيمة المدوية التي لحقت به عسكريا وسياسيا وخصوصا معنويا، فإن ارتفاع حدة الانتقادات اللاذعة والعلنية لبرزاني وخطوته الطائشة وغير المحسوبة بالإصرار على اجراء الاستفتاء، التي بدأت تنتشر في فضاء اقليم كردستان، تعكس انهيار مكانة برزاني وتراجع دوره واحتمالات اقصائه او دفعه الى الاستقالة، بعد تحميله شخصيا مسؤولية ما لحق بالإقليم والشعب الكردي من خسائر وانكسارات، كان يمكن تجنبها بتوسل بعض الحكمة وبُعد النظر والخيال السياسي الذي افتقر اليه برزاني والدائرة الضيقة المحيطة به، التي ظنت ان ضعف حكومة بغداد ورحيل الرئيس طالباني قد وفّرت لمخططه رياح إسناد تُمكِّنه المساومة على «الاستقلال» من موقع القوة، وبخاصة في استمالة جناح من اجنحة الاتحاد الوطني المعارِض لبقاء الزعامة في بيت طالباني (من خلال زوجته ونجله بافل) كذلك بعد انشقاق القيادي برهم صالح وتشكيله حزبا جديداً، كان من سوء حظ هذا السياسي المعتدل والبراغماتي، انه جاء في غمرة تحولات دراماتيكية في المشهد الكردي برحيل طالباني وعودة كركوك (وما ادراك ما كركوك في عُرف الكرد التي يعتبرها كثيرون منهم، مثابة القدس للفلسطينيين وشعبها)، الى حضن الدولة العراقية، وما يعنيه ذلك من «شطب» تصنيفها كمنطقة «مُتنازَع عليها».
إتهامات برزاني لإيران بأنها «قادت» عملية اجتياح كركوك عبر الحرس الثوري الإيراني وبقيادة الجنرال إقبال بور، واعتبار ما جرى بأنه «إعلان حرب»، فضلاً عن تهديده رئيس الوزراء العراقي حيدر العِبادي بأنه «سيدفع ثمناً باهظاً»، تعكس ضمن امور اخرى، حجم المأزق الذي بات فيه وعليه رئيس اقليم كردستان، الذي رفض كل محاولات التوسّط والدعوات الى التهدئة وتقديم منطق الحوار على منطق العِناد والحرب، ظنّاً منه (برزاني) ان عملية عسكرية يقوم بها الجيش العراقي والحشد الشعبي مُستبعَدة، في ظل انشغاله بمحاربة داعش وارتفاع حدة الخلافات بين العِبادي وبعض المكونات السياسية والدينية العراقية، وبخاصة تلك «الشيعية» المُتحالِفة تاريخياً (اي منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003) مع الكرد، والتي عملت بتنسيق كامل ولافت طوال السنوات التي تلت قيام اول حكومة في ظل الاحتلال الاميركي وحتى وقت قريب، الأمر الذي عندما حدث (التحرّك العسكري باتجاه كركوك) خلط حسابات برزاني (الخاطئة والحالِمة كما يجب وصفها) وأحاله الى زعيم يعاني مرارة الهزيمة وتحمّل مسؤولية ضياع وتبدّد كل المكاسب «الهائلة» التي كانت تحققت للكرد بعد العام 2003، وخصوصا بعد التاسع من حزيران 2014 إثر اجتياح داعش للموصل واغتنام برزاني الفرصة للسيطرة على كركوك والاستيلاء على عتاد الجيش العراقي المنسحب منها، وإجبار آلاف الجنود العراقيين على مغادرة المدينة بلباس مدني وفي شكل مهين، انتقدته شخصيات سياسية وحزبية كردية، مُحذِّرة من مغبة سلوك عدائي كهذا على نسيج العلاقات مع المؤسسة العسكرية العراقية.
الانقسام السياسي الافقي والعامودي الذي بدأ يفرض نفسه على المشهد الكردي داخل الاقليم وخارجه، مُرشَّح للتعمق، بعد ان بدأ التراشق الإعلامي وحرب التصريحات بين الاتحاد الوطني وحركة التغيير من جهة والحزب الديمقراطي بزعامة برزاني… يشق طريقه مُتصاعِدا، اذ دعت السيدة هيرو احمد «بعدم الاستماع الى من تسبب بالأزمة»، ردّا على اتهامات حزب برزاني لجناح في الاتحاد بالخيانة، في اشارة الى برزاني نفسه. فيما سارعت حركة التغيير (كوران) للدعوة إلى «حل حكومة كردستان وتشكيل حكومة انقاذ وطني، واستقالة المسؤولين عما وصلت اليه الأمور في كردستان وخصوصاً في كركوك»، والاشارة واضحة الى ان برزاني هو المقصود ايضا.
ليست مُهِمة التصريحات الغاضبة التي تفوح منها رائحة التهديد والوعيد التي يُطلِقها قادة في معسكر برزاني الواقع تحت ضغط المفاجأة والهزيمة السياسية والمعنوية المدوية التي لحقت بمشروعه الانفصالي، الذي ظن انه بات في متناول يده، بعد ان حصل على ضوء اخضر من عواصم اقليمية ولوبيّات اخرى عبر المحيطات، في تفاهمات ووعود بقيت «سِرّيّة» حتى الآن، لكنها ستُكشف لاحقاً. كذلك ليس مهما ما قاله احد قادة حزب برزاني بان «الحوار مع بغداد.. انتهى» وتبجّحه بأن لدى حزبه القوة لـِ»تدويل» القضية… بعد فقدان كركوك، لان المشهدين الاقليمي والدولي (دع عنك المشهد الكردي نفسه) يشيان بان «الجاني» هو الذي سيدفع الثمن هذه المرة، وهذا ما اكدته الحقائق الميدانية وخريطة التحالفات الجديدة في العراق الآخذة في التشكّل والبروز – على نحو مفاجئ وصادم لبرزاني نفسه، الذي كان دعا كرد الإقليم لانتخابات «رئاسية» وإخرى برلمانية أوائل الشهر الوشيك…فأين هو الآن مِن وَهمٍ آخر…كهذا؟.