ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | العراق من الفتنة الطائفية إلى الفتنة المائية
|
حامد الكيلاني | العرب |
الهدر بالمياه لا يوازيه إلا الهدر بالدماء والأموال وغياب مشاريع الإعمار والاعتماد على الاختصاصات المذهبية والطائفية أو الاستشارات العلمية من نواب ورجال دين وأحزاب ليست لهم صلة بالتخطيط أو إدارة الدولة.
“كيف تبيع الماء وهو متوفر مجانا في الأنهار، نحن في الغابة لا نشتري الماء” من حديث صياد في بداية القرن العشرين انتابه العطش عندما زار المدينة لأول مرة. الهواء والماء والغذاء ثلاثية البقاء، والاختلال الحاصل بين المجانية والحاجة ومخاطر غياب أحد أركان الثلاثية أفرز مخاطر الاقتصاد وعلاقة الإنسان بالمكان وفطرة التمسك بالأوطان، رغم أن بعض التحولات في المناخ قضت على مجموعات بشرية أو هجرتها إلى أماكن أخرى.
تجربة العراق مع “التهجير” الديموغرافي ليست جديدة، فالتهجير غير المنظور جرى في مدينة بغداد عبر سنوات ترييفها في انتقال من كل اتجاهات الجغرافيا ولأسباب اجتماعية مختلفة أدت إلى ظهور ثقافات وعادات طاردة لطبيعتها وأهلها، والمرجعية دون أدنى شك الفقر والواقع الاقتصادي.
كان الاحتلال الأميركي مجرد بداية لإطلاق مشروع التهجير الممنهج والمخطط له طائفيا في جذور المجتمع العراقي وتم سحبه إلى سطح الأحداث. سرعة انتشاره تؤكد أنه لم يكن حظا عاثرا للسياسة العراقية بما جرى قبل الاحتلال.
دائما ثمة أمراض تحت الجلد نحاول أن نتجاهلها، لكنها تطفح بمظاهر وأورام لا يمكن السيطرة عليها حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من تهجير معلن بإرادات سياسية وميليشياوية. تم تنفيذ المهمة ودُمرت المدن تحت جنح ظلام الإرهاب وتحت جنح مكافحته، وفي كلتا الحالتين في ظل حكومة المحاصصة وحزب الدعوة الحاكم والأحزاب الإيرانية ومن تواطأ مع هؤلاء بكل الذرائع.
الفتنة المذهبية هجرت وقتلت الملايين من العراقيين، لكن ماذا عن الفتنة المائية التي تعصف بأهلنا في جنوب العراق؟ كيف ستجري الرياح بمراكب السياسة المائية في دجلة والفرات من المنابع إلى المصب؟
أزمات المياه بين المحافظات الجنوبية وصلت إلى إشهار السلاح وإعلان حرب العشائر على مجالس المحافظات، أو تهديد مزارعي المحافظات الواقعة على نهريْ دجلة والفرات بأسبقية جغرافية لتجاوزها على حصص المحافظات التالية لها، مما استدعى أحد أعضاء مجلس النواب لدعوة رئيس الوزراء لإرسال قوة عسكرية لحل الأزمة في محافظة المثنى.
تمت مهاجمة بيت المحافظ في الناصرية، ومحافظة ميسان في حالة نزاع مع الكوت، ومحافظة المثنى مع القادسية وكذلك الحال مع محافظة بابل، والبصرة على حالها ترقد في العطش بغياب المياه العذبة، وإيران مستمرة بقطع دابر أنهارها وتمنعها من عبور الحدود الإيرانية إلى داخل مسارها الطبيعي وهو الشيء الوحيد الذي لا تفضل أمزجة الملالي دخوله إلى العراق، رغم أنهم يسمحون لمياه البزل المالحة بغزو أراضينا مع ارتداد مياه البحر إلى داخل الأنهار والسواقي لشح مناسيب مصادر المياه في دجلة والفرات.
المحافظات تتصرف كدول في نزاعات المياه للاستخدامات الزراعية أو للاستخدامات المنزلية أو للشرب، ولا فرق بين حالة العراق في محافظاته الفيدرالية، وبين أزمة مياه نهر النيل بعد بناء سد النهضة الإثيوبي وما يسفر عنه من تصعيد بين دول المنبع ودولة المصب مصر وكذلك السودان، ونأمل ألا يخلف آثارا جانبية على العلاقة بين دولتين عربيتين كانت حصة النيل فيهما كعلاقة ما يجري في الجسد الواحد رغم معرفتنا بما ينظم العلاقة بين الدول.
حرب المياه أو فتنة المياه سخفت المشروع الإيراني الطائفي في العراق وإصرار حزب الدعوة الحاكم والعملية السياسية على المضي بتدمير الإخاء والسلم المجتمعي وهدر دم المدن المطلوبة لدفع قائمة ثمن الهزيمة الإيرانية في حرب الثماني سنوات. عملاء إيران استهدفوا الطيارين والضباط والعلماء والأساتذة والكفاءات وكـل من حمل السلاح أو العلم في مواجهة العدوان الإيراني الطائفي.
لكن كيف تتم السيطرة على فتنة المياه أو التغيرات المناخية والاحتباس الحراري التي مركز تأثيرها المباشر في العراق؟ ما هي إجراءات الميليشيات الإيرانية والحشد العقائدي المقدس في ردع الحقول العطشى في جنوب العراق لعدم المطالبة بالحصص المائية بديلا للحصص الطائفية؟ مَن يقنع أبناء المدن الجنوبية بتحمل العطش بعد أن تحملوا انقطاع الكهرباء في صيف العراق لأن حكومتهم تتبع مرجعيتهم الدينية أو مرجعية الولي الفقيه الإيراني؟
من بين الذين استهدفهم الاغتيال بعد الاحتلال الأميركي الدكتور وسام الهاشمي، عاجلوه بالموت كأنما أرادوا أن يطلقوا النار على محامي دجلة والفرات. فهو الخبير الجيولوجي الذي كتب بحثا علميا رصينا عن أزمة المياه التي تدفع الدول إلى حروب ربما أعتى من حروب النفط والاقتصاد أو حروب الأيديولوجيا، حيث توقع في قراءة مستقبلية مبنية على الحقائق والإحصاء وبالأرقام أثر البرامج الإنمائية في دول المنبع على شح المياه في دول المجرى أو المصب. تم اعتماد البحث المذكور عالميا وكان مثار اهتمام المؤتمرات والندوات الدولية والمحلية. كان وسام الهاشمي مفخرة للعرب في مجاله واختير نائبا لرئيس اتحاد الجيولوجيين العالمي، وكان رئيسا لاتحاد الجيولوجيين العرب الذي مقره العام في بغداد وخلال فترة الحصار على ندرة الاتحادات التي استمرت بتواجدها.
بناء السدود ومحاولة خزن المياه مصدران رئيسان للأزمات، فإطلاق الكميات يجري وفق ما يتم الاتفاق عليه سياسيا بين الدول؛ معروف أن دجلة والفرات ينبعان من تركيا وسبق أن جف نهر الفرات تماما داخل العراق عام 1976 لبناء سد في سوريا وتأثرت العلاقات بين العراق وبين تركيا وسوريا وهي جذر لمشكلة كبرى تتفرع بصيغ تهديدات أو قطع علاقات أو التوجس من مخاطرها.
السدود وأي مشروع اقتصادي يتعلق بالطبيعة يؤديان إلى خلل في جيولوجيا الأرض كما هي الانتقادات لسد النهضة في إثيوبيا لحجم خزانه الهائل واحتمال التصدعات والهزات الأرضية ضمن المتوقع، إلا أن الأكيد هو ما سينتج عنه من هزات سياسية تشحنها التصعيدات على أعلى المستويات أو ما يدور من جدل بين الأطراف المعنية أو بين المنصات الإعلامية للدول.
السياسة العربية تجاه الحصص المائية للأنهار على أراضيها ينبغي أن تُبحث باهتمام لأن من يتحكم بمصادر المياه يتذرع بالهدر الواضح داخل المحيط الجغرافي للدول ومنها العراق، فالحكومة التركية ووفودها المفاوضة كانت دائما تعلق الاجتماعات لعدم وجود مشاريع إروائية علمية توفر المياه العذبة ولا تبذرها إلى البحر.
انتكس العراق في استقراره ونظامه السياسي، والهدر بالمياه لا يوازيه إلا الهدر بالدماء والأموال وغياب مشاريع الإعمار والاعتماد على الاختصاصات المذهبية والطائفية أو الاستشارات العلمية من نواب ورجال دين وأحزاب ليست لهم صلة بالتخطيط أو إدارة الدولة.
فهم يتحدثون بصيغة القلق أو للدفاع عن محافظة للنّيْل من محافظة أخرى في خدعة لجر البلاد إلى حالة مستدامة من سوء الأوضاع الأمنية، لأن أي استقرار لن يخدم متطلبات المشروع الإيراني وصراعه مع الولايات المتحدة أو لتثبيت إرادته السياسية كاملة غير منقوصة في الانتخابات البرلمانية القادمة. لا ندري بالضبط حجم “التهجير” الديموغرافي الذي حصل فعلا في السنوات الماضية من جنوب العراق بسبب الجفاف، لكن الأكيد أن في العراق غابة من السياسيين افترست كل أهل العراق وبلا رحمة. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | ماذا يبتغون من علي وبنيه؟!
|
رشيد الخيّون
|
الاتحاد الاماراتية |
اتفقت كُتب مؤرخي المسلمين كافة على التشرف بعلي بن أبي طالب (اغتيل 40هـ)، وعلى حبه وآل بيته، رغم الافتراق المذهبي، والاختلاف في إمامته بين أن يكون الأول أو الرابع، وصياً إلهياً أو مُنصباً مِن أهل الحل والعقد. لم يضع اسمه ضمن الأذان، بعد التوحيد والنبوة، بل اتفق الفقهاء، شيعة وسُنة، أن لا وجود للشهادة الثالثة (الولاية)، ولم يضع اسمه ولا رسمه على راية، ولم يتفاخر بثقافة الموت، مثلما تُطلب باسمه الشهادة اليوم، حسب ما يرد على ألسنة تجار الموت. لم يقل إنه خُلق من نور قبل آدم، ولا يعلم بالغيب أو له معجزات، ولا شأن له بالعراك الطائفي، فمن بين أسماء أولاده: أبو بكر وعمر وعثمان.
لم يطرح نفسه حلاً لمشكلات كل زمان ومكان، بل الإسلام كافة لم يضع نفسه بهذا الموضع، والحديث «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (صحيح مسلم، كتاب الجهاد) يُغني عن المقال. هذا هو علي في المتفق عليه.
أما علي على أفواه الإسلاميين والعوام، غير الذي ذكرنا، تُستأنس بسيرته العقول والقلوب، إنما نراه علياً آخر تماماً، يُحرَّض باسمه طائفياً، وصوره وصور بنيه معلقة في مجالس الولائم الباذخة، وفي صدور المواكب، وفي مظاهرات التأييد لهذا الزعيم أو ذاك يُطلق الهتاف: «علي وياك (معاك) علي»!
عندما أسس سياسي حزبه تخيل نفسه علياً يخطب من فوق منبره: «إن أُريد إلا الإصلاح ما استطعت»، ومقولة عليٍّ: «وما أردتُ إلا الإصلاح..» (نهج البلاغة، كتاب 28). كذلك تمثل سياسيٌّ آخر نفسه علياً مجاهداً في السقيفة: «لأُسْلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ما لم أعلم فيها ظلم إلا عليَّ خاصة» (نهج البلاغة، خطبة 74).
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد في توظيف المقدسات، بل إن رئيس كتلة نيابية شبَّه ما يحصل لأمين حزبه مع رافضي رئاسته لكتلة كبرى، في البرلمان العراقي، بما قُص عن «السقيفة»، وعليٌّ معني في الأمر: «لا تُجمع النبوة والخلافة لبيت واحد»، والعبارة أوردها الطَّبري (ت 310هـ): «كرهوا أن يجمعوا لكم النُّبوَّة والخلافة» (تاريخ الأمم والملوك)، لكن إذا كانت العبارة قيلت في حوار بين عمر بن الخطاب (اغتيل 23هـ) وعبد الله بن عباس (ت 68هـ)، فنراها تُطرح بين الإسلاميين اليوم وداخل الكتلة الشِّيعية نفسها! فتصوروا مدى التوظيف لشخص علي، والعودة لما قبل أكثر من (14) قرناً! وحينها لم يكن عمر سُنياً ولا ابن عباس شيعياً، وفق مفاهيم عصرنا.
قبل هذا، أسدوا لمن سقطت الموصل في عهده درجة النبوة، فبرروا ما حصل للموصل بما وقع في معركة «أُحد»! وإذا أردنا تتبع إسقاط الماضي على الحاضر في خطاب الإسلاميين نجد العجب العجاب، فحسب مصطلحاتهم نجد كل واحد منهم غداً «رسالياً»، و«داعيةً». ليس لديهم خطاب سياسي خارج حوادث القرون الخوالي، أولاً، لأنهم لا يملكون غير تلك اللغة والمفردات، وثانياً لأنهم يجدون فيها قوة التَّأثير، ونرى المتشبثين بربط أنفسهم وسلوكهم بعليٍّ وبنيه لا يعني سوى الاستخفاف بالعقول.
يروي الزَّمخشري (ت 538هـ) بأن علياً الرِّضا (ت 203هـ) قد نهر أخاه زيد بن موسى بعد سفكه للدِّماء، واستحصال الأموال بالباطل، وكان عذره أن حديثاً مروياً يقول بتحريم النار على ذرية السيدة فاطمة، فقال له: «هذا لما خرج من بطنها الحسن والحُسين، والله ما نالا ذلك إلا بطاعة الله» (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار). وقياساً لا منزلة مقدسة تستورث مهما بلغ الوهم بها، كلٌّ له عمله.
ربما يعترض أحدهم: ألم يتشبث السابقون بنسب علي؟ ونحن نسأل: مَن مِن هؤلاء ادَّعى بالديمقراطية؟! وعلي وبنوه أنفسهم حسب ما تأسس من عقيدة لدولتهم أنها إلهية، وغياب وظهور آخرهم بأمر رباني، لذا يُكذب مَن يدعي التمهيد له بجندٍ أو ثورة. هذا، وعقيدة التوريث لا تقرُّ بحكم الشعب أساساً، فوفق فكرة «المعاد الجسماني» (المُظفر، عقائد الإمامية) أن الأئمةَ سيرجعون جيلاً بعد جيل ليتوارثوا الحُكم، والديمقراطية في حل من الفكرة.
أرى الغرور بالسلطة لدى هذه العينات سيتطور إلى تخيل أحدهم حاملاً سيف علي بصفين (37هـ)، وهذا أمر محتمل بعد أن شُبه سقوط الموصل بـ«أُحد» (3هـ)، وتشبيه رفض الرئاسة لأحدهم بالسقيفة (11هـ)، وتحدي الخصوم بشعار «مختار العصر»، واستعارة لقب النبي موسى «القوي الأمين».
أقول: «وفق ما تقدم يبدو العراق يُحكم بأنبياء وأئمة، لا بما نرى ونسمع من كائنات! ولابن أبي السِّمط: «أضحى إمامُ الهدى المأمون مشتغلاً/ بالدِّين والنَّاسُ بالدُّنْيَا مَشَاغِيلُ». إلا أن المأمون (ت 218هـ) لم يرتح للمديح، فقد جعل منه «عجوزاً في محرابها» (ابن طيفور، كتاب بغداد)، وهو صاحب همةٍ في دولته. فماذا يبتغون مِن عليٍّ وبنيه غير بقاء الحال على ما هو عليه، لهم العِيرُ والنَّفيرُ. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | العراق: أما آن الأوان لقانون “من أين لك هذا؟”
|
صباح علي الشاهر
|
راي اليوم بريطانيا |
من يقول محاربة الفساد قضية بالغة التعقيد هو من لا يريد التعرض للفساد، ومن يقول الفساد هو إعتقال بعض الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، لا يفهم حقيقة الفساد، الفساد ليس بذاك التعقيد ولا هذا التبسيط، الفساد له من أوجده، وأوجد ظروفه، وحاك بدهاء مسبباته، ورعاه حتى إستقام كيانأً خرافياً، شاملاً كل مناحي الحياة، ومن دون وضع اليد على هذا السبب والمُسبب يصبح كل كلام عن محاربة الفساد مجرد لغو لا طائل وراءه، لأنه سيعالج في حالة النجاح بعض العوارض الجانبية من دون معالجة العلة. سيجعل البعض مكافحة الفساد شعاراً إنتخابياً، أو وسيلة لإسقاط الخصوم والمنافسين.. سيتاجر كثيرون بهذا الشعار، لكنهم سيستهدفون فاسداً أو مجوعة فاسدين، هم على الأكثر منافسين أو مخالفين، وسيتركون فاسدين آخرين مؤيدين ومناصرين، أو غير منافسين حالياً، ربما إلى حين، بإنتظار ما يستجد من أحوال. لا تهتموا كثيرا بمن سيحارب الفساد، ولكن إهتموا بكيفية محاربة الفساد، بالقوانين والإجراءات قبل الأشخاص .. ما تحتاجة محاربة الفساد رجال أداريون يتصفون بالنزاهة والحرص على تطبيق وإنفاذ القانون، هل يوجد مثل هؤلاء الأشخاص داخل ما يُسمى بالعملية السياسية الآن ؟ سؤال تترك إجابته للفطنة وللفطنين من الناس . لا يغرنكم “شخص” لا يسأل نفسه هل يتقاضى ما يستحق، أم أكثر مما يستحق، لا يغرنكم “شخص” يعرف أن سيارة واحدة تكفية، لكنه يستعمل رتلا من السيارات رباعية الدفع، لا يغرنكم “شخص” يحتاج لحمايتة شخص أو إثنين لكنه يستخدم أفواجا للحماية، لا تنظروا إلى ما يقول في وسائل الإعلام، بل إنظروا إلى ما يفعل، هل يسكن في داره المتواضعة التي ورثها عن أبيه، أو إحتازها بعرق جبينه، أم يتمتع بنعيم السلطة التي هبطت عليه. أقول لا تهتموا بمن سيحارب الفساد، لأنني أعرف أن ليس ثمة منخرط بما يسمى العملية السياسية لم يطاله الفساد، يغرق به حتى أذنيه أو يصيبه منه رذاذا، أنا شخصياً لا أستغرب أن يقول سياسي منخرط في العملية السياسية كلنا فاسدون، وهو صوت يدعي محاربة الفساد، فهو لم يقل إلا الحقيقة، لكن هذه الحقيقة على ألسنة هؤلاء تحمل مضامين أخرى، ليس بعيداً عنها أن من يحارب الفساد في بيئة كبيئة العراق، كمن يحرث في البحر، هي بمعنى آخر أنتم يا من تدعون إلى محاربة الفساد لا أمل لكم، فهذا الناطق ضد الفساد في كل محفل يعترف أنه فاسد أيضاً، إذن ما عليكم إلا توطين أنفسكم على العيش والتأقلم مع البيئة الفاسدة. ألا أن الأمر ليس كما يفكرون، ولا وفق ما يخططون، فالأمر الطبيعي أن الفساد ليس القاعدة، بل هو الإستثناء .. نعم الفساد يوجد في كل الأنظمة، وفي كل المجتمعات، ولكن كإستثناء وليس كما هو في العراق حالياً كقاعدة، وقاعدة شاملة.. لأننا نبحث بالأبرة عن غير الفاسد، والأقل فساداً، لذا نضطر للقول مرغمين، لا يهم من سينبري لمافحة الفساد، ولكن المهم ماهي القوانين والإجراءات المتخذه لمكافحة الفساد، مع أننا متأكدين أن أفضل القوانين يمكن أن تفقد مفعولها عندما يصار إلى تطبيقها على أيدي فاسد، وربما سيكون مردودها على العكس تماما من مبررات تشريعها. قد يكون وضع الفاسد في السجن عقابا له جراء خيانته للآمانة، لكن إسترادد ما سرقه أو حصل عليه نتيجة إستغلاله السيء لوظيفته هو حق للشعب يجب عدم التساهل فيه، فهل يعقل مثلاً أن فاسداً إختلس مليارات الدنانير يحكم بشهر أو سنه سجن مع إيقاف التنفيذ، ومراهق يسرق رغيف خبز يحكم بست سنوات مع النفاذ !. حالات مثل هذه تستدعي النظر فيمن كلفوا بالحكم بمقتضى القوانين، والبحث في نزاهتهم، هم ذاتهم، قبل إيكال تطبيق بنود النزاهه إليهم.. القضاء العادل النزيه هو المبتدى، والقوانين العادلة، التي تطبق على الجميع هي الأمر الأرأس، لا سلطة تعلو فوق سلطة القانون، لا سلطة للفرد أو الحزب أو العشيرة، أو الشيخ أو السيد، السلطة للقانون العادل الذي يراعي مصلحة الجميع، ومصلحة الوطن الذي ينتمي إليه الجميع وينتسب. نحتاج إلى قانون “من أين لك هذا؟”، لا كمجرد شعار يرفعه تجار الشعارات، وإنما كميزان بالغ الدقة نقيس به أوزان الجميع، من أعلى رأس لأبسط شغيل، ولتفعيل قانون كهذا ينبغي أصدار قوانين أخرى واجبة التطبيق، لا تحاسب الفاسدين فقط، بل تحاسب وبشدة كل من يعيق تنفيذ هذه القوانين بأي شكل، فإعاقة تطبيق القوانين التي وضعت لخدمة الشعب، وحمايته من الفساد والمفسدين، جريمة لا تقل عن جريمة الفاسد والمختلس والمزور، وخائن الأمانة، وهي إرهاب موصوف. إن وضع أطر قانونية صحية وصحيحة للعمل الوظيفي، الذي هو عمل إداري، وإداري فقط، لا ديني ولا عشائري، ولا حزبي، سيكون الشرط الذي لا مناص منه في عملية مكافحة الفساد. |