ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | الحكمة والحذر إزاء الاستفتاء الكردي
| روبرت فورد
| الشرق الاوسط السعودية |
كنت رئيس المكتب السياسي في السفارة الأميركية في بغداد عام 2005 أثناء المفاوضات الطويلة والشاقة بين القادة السياسيين العراقيين في شأن الدستور العراقي. وتركزت تلك المفاوضات على مسائل مثل اللامركزية والمساءلة واحترام حقوق الإنسان وصلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والمؤسسات القضائية. وكثيراً ما بلغت المفاوضات طرقاً مسدودة، وتحتم على كبار القادة العراقيين، أمثال مسعود بارزاني، وجلال طالباني، وطارق هاشمي، وعبد العزيز الحكيم، وإبراهيم الجعفري الالتقاء على هامش المفاوضات لتقديم تنازلات عسيرة. وكان الجانب الأميركي يحض بارزاني على قبول التنازلات وأن كردستان العراق جزء لا يتجزأ من العراق الفيدرالي. وبارزاني من المفاوضين القساة، فلقد عانت أسرته وشعبه كثيراً في العراق «البعثي» إبان حكم صدام حسين. وقال لنا في نهاية المطاف وبكل وضوح في عام 2005: «إذا ما احترمت الحكومة المركزية في بغداد الدستور الجديد، ستظل حكومة الأكراد الإقليمية جزءاً من دولة العراق». ولقد كان شديد الوضوح فيما يتعلق بالاتفاق المشروط في عام 2005. وبعد مرور اثني عشر عاماً، لم يحترم المسؤولون العراقيون الالتزامات الأساسية في الدستور العراقي. ولم يصادق البرلمان العراقي، الذي يضم أغلبية من الأحزاب الإسلامية الشيعية، قانوناً بشأن إنشاء مجلس آخر في البرلمان يمثل المحافظات والأقاليم (كما هو مطلوب بموجب المادة 65 من الدستور). كما لم تمرر الحكومة في بغداد قانوناً لإنشاء المحكمة العليا الوطنية (بموجب المادة 92 من الدستور)، ولا قانوناً في شأن تنظيم أجهزة الاستخبارات الوطنية (حسب اقتضاء المادة 84 من الدستور). كما نص الدستور العراقي كذلك، في المادة 80 منه، على ضرورة موافقة مجلس النواب على تعيين كبار ضباط الجيش. وفي واقع الأمر، يأمر رؤساء الوزراء بتعيين كبار قادة الجيش من دون موافقة مجلس النواب العراقي. ويحظر الدستور العراقي أيضاً (في المادة التاسعة من الدستور) تشكيل الميليشيات المسلحة، لكن الحكومة العراقية تسدد رواتب ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية، وفي أغلب الأحيان ما تكون لتلك الميليشيات توجهات سياسية، كما أنها تعتبر انتهاكاً صريحاً للمادة التاسعة من الدستور. ومن المثير للاهتمام، في هذا الصدد، ملاحظة حصول الأكراد على الاعتراف في مفاوضات عام 2005 بشأن قوات الأمن الكردية، المعروفة باسم قوات البيشمركة، ذلك بموجب البند الخامس من المادة 121 من الدستور العراقي. ويحمل النزاع النفطي بين بغداد وأربيل تعقيدات قانونية وسياسية عسيرة وعميقة. وتنص المادة 112 من الدستور العراقي على منح كلا الطرفين دوراً في هذا المجال، بيد أنهما لم يتفاوضا حتى الآن بشأن كيفية إدارة قطاع النفط المتنازع عليه. وأذكر أيضاً حالة القلق التي انتابت الزعماء السياسيين الأكراد في عام 2005؛ لأن حكومة بغداد، تحت رئاسة الجعفري والبرلمان بأغلبيته الشيعية، لم يحترما الالتزامات الدستورية المتفق عليها. وتعهدت الحكومة الأميركية بالمساعدة في ضمان احترام الدستور العراقي. وقلنا آنذاك، على سبيل المثال، إننا سنساعد الجانب العراقي في إيجاد طريقة لحل مسألة الأقاليم المتنازع عليها ومسألة محافظة كركوك، وفق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على إجراء استفتاء شعبي في الأقاليم المتنازع عليها بحلول عام 2007، لكن ذلك الاستفتاء لم يعقد قط. وفي عام 2009، لاحت للجانب الأميركي فرصة ذهبية لمساعدة العراقيين على إيجاد حل للأزمة. وكان السفير الأميركي لدى العراق وقتذاك، كريستوفر هيل، من كبار المفاوضين المخضرمين الذي ساعد من قبل في تسوية أزمة الحرب الأهلية في البوسنة. وكان هناك الآلاف من الجنود الأميركيين المنتشرين في منطقة الأقاليم المتنازع عليها وكان بإمكانهم مساعدة جهود السيد هيل. وبدلاً من ذلك، لم يفعل الجانب الأميركي شيئاً بخصوص المادتين 112 و140 من الدستور العراقي، والآن في عام 2017 تحولت محافظة كركوك وحقول النفط فيها إلى نزاع سياسي كبير. وفي عام 2010، حض السيد جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي، السيد بارزاني على دعم تولي نوري المالكي لولاية ثانية من رئاسة الحكومة العراقية. وتعهدت واشنطن بالمساعدة على ضمان احترام الدستور العراقي وتقاسم السلطة بين المالكي والأكراد والعرب السنة. وكانت هذه الاتفاقية التي صيغت من 19 نقطة تشتمل على تسوية إجراءات المادة 140، وكان من المفترض لها تحديد كيفية صنع القرارات في مجلس الوزراء في وجود رئيس مجلس الوزراء على النحو المنصوص عليه في الدستور (لم يتم تنفيذ المادة 85 من الدستور حتى الآن). ولقد تعمد المالكي انتهاك العناصر الرئيسية في هذه الاتفاقية إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان، والإجراءات الديمقراطية والتي ساعدت فيما بعد على ظهور وصعود تنظيم داعش الإرهابي. كما التزم الجانب الأميركي الصمت التام في عامي 2012 و2013 ولم يمارس الضغوط الجادة والحقيقية على المالكي إلا بعد بدء تحرك تنظيم داعش في ربيع عام 2014 الماضي. ومرة أخرى، في العام 2014، ساعدت واشنطن على إبرام اتفاق بين بغداد والقيادة الكردية العراقية في شأن تقاسم السلطة؛ حتى يتسنى تأمين أصوات ممثلي الأكراد لانتخاب رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي. وتم تجاوز بنود ذلك الاتفاق مرة أخرى، مع المادة 85 من الدستور التي لم تدخل حيز التنفيذ بعد. وحاول مجلس النواب العراقي في الأسبوع الماضي، مع أغلبيته الإسلامية الشيعية، إقالة محافظ كركوك من منصبه على الرغم من أن الدستور العراقي لا يخول لهم مثل هذه الصلاحيات. وفي العشرين من سبتمبر (أيلول)، نددت واشنطن بقوة بإجراء الاستفتاء الكردي، وأعلنت أنه ينبغي على السيد بارزاني والشعب الكردي قبول العملية السياسية الجديدة تحت رعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة بشأن تسوية مسائل الدستور العراقي والمطالب الكردية. وهي ليست المرة الأولى التي يستمع الأكراد فيها لهذه الوعود. وسنرى إن كان السيد بارزاني سيتراجع فعلاً في اللحظة الأخيرة من عدمه. وفي التفكير الكردي، فإن موقف تركيا، التي تعتبر أكبر شريك تجاري لدى أربيل وتنتشر قواتها العسكرية على طول الحدود الكردية، مهم بالنسبة إلى الأكراد، ربما أكثر من مزيد من الوعود الأميركية الخاوية. ومن المهم تذكّر، أنه في حال أجري الاستفتاء الكردي وخرج بنتيجة إيجابية، لن يعني استقلال الحكومة الإقليمية الكردية عن العراق الفيدرالي. بدلاً من ذلك، يتعين على بغداد وأربيل النظر في فتح قنوات للاتصال فيما بينهما في شأن الخطوات التالية. كما سيتاح الوقت لأنقرة وطهران للتعبير عن اهتمامهما وأفكارهما في القضية كذلك. ومن الأهمية بمكان لكل من يعنيه الأمر أن يتوخى المزيد من الحذر في التصريحات وطريقة التفكير، وليس افتعال الغضب وإطلاق التهديدات. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | هل ينجح بارزاني بإجراء استفتاء كردستان العراق؟
| افتتاحية
| القدس العربي |
قدّمت حكومات العراق وإيران وتركيا موقفاً موحّداً مناهضا لقرار سلطات حكومة أربيل الكردية بتنظيم استفتاء في المناطق التي تسيطر عليها يصوّت فيه السكان على استقلال كردستان. البيان الذي أصدرته حكومات البلدان الثلاثة قال إن الاستفتاء «لن يكون مفيدا للأكراد» واتفق على اتخاذ «إجراءات مضادة» ضد أربيل في حال مضت في قرارها، كما أنه طالب بـ«تضافر الجهود الدولية لإقناع حكومة إقليم كردستان بإلغاء الاستفتاء». وفي الحقيقة فإن «الجهود الدولية» لم تنقطع باتجاه موحّد، فالموقف الأمريكي، وهو الأكثر أهميّة في تقرير مصير هذا الاستفتاء، اتجه أيضاً لإعلان أن الاستفتاء «غير ضروري» و«يعرّض العلاقات التجارية الإقليمية لكردستان والمساعدات الدولية للخطر»، وتبعه الموقف البريطاني الذي حث أربيل وبغداد على «التفاوض والحوار»، والفرنسي الذي طلب، عبر رئيسه إيمانويل ماكرون، الذي اتصل برئيس الإقليم مسعود بارزاني، تأجيل إجراء الاستفتاء. في المقابل كانت هناك ثلاثة مواقف مميزة تجاه الاستفتاء، الأول جاء من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان واضحا، ليس في تأييده للاستفتاء فحسب بل كذلك في أن «يكون للشعب الكردي دولة»، وهو موقف نقله للكونغرس الأمريكي قائلا إن «من الضروري أن تكون للكرد في العراق دولة مستقلة، فهم شعب شجاع وبطل، كما أنهم أصدقاء للغرب وللقيم الغربية… وأصدقاء لنا». الموقف الثاني كان من روسيا، اللاعب العالمي والإقليمي الكبير في المنطقة، وتم تلخيصه بقول لديمتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال إنه يدعم «وحدة أراضي دول المنطقة» لكنه «لا يريد إعلان قرار روسيا حول الاعتراف أو عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء المرتقب»، وهو ما يوحي أن روسيا لا تعارض الاستفتاء بالضرورة، وأن اعترافها بنتائجه يتعلّق عمليّاً بمواقف الدول المضادّة له، وحسابات موسكو الاستراتيجية في المنطقة. أما الموقف الثالث فكان موقف المملكة العربية السعودية التي اتخذت موقف الوسيط بين بغداد وأربيل، غير أن وساطتها انتهت بالفشل، بعد التصعيد الإقليمي والدوليّ مما دعاها إلى مناشدة «حكمة وحنكة الرئيس مسعود بارزاني لعدم إجراء الاستفتاء». غير أن رفض الاستفتاء لا يقتصر على حكومة العراق نفسه، وعلى حكومات الإقليم والقوى العالمية المؤثرة فحسب، فالقوى السياسية الكردية نفسها تتنازعها المصالح والأهواء والتأثيرات الإقليمية، ورغم أن الطرفين الحزبيين الكبيرين، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (18 مقعدا في البرلمان العراقي)، وحركة التغيير (24 مقعداً)، توافقا، على مضض، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (38 مقعداً) على قبول إجراء الاستفتاء، فإن حزب العمال الكردستاني التركي، الذي يسيطر على سنجار وجبال قنديل في العراق، رفض، عبر أداته السياسية العراقية «حركة المجتمع الكردستاني» الاستفتاء، بل وقال إنه لن يسمح بإجرائه في المناطق الخاضعة لسيطرته في شمال العراق. أما شركاء الوطن العراقيّون، فقد تناسوا خلافاتهم، حيث وجدنا القوى المعبّرة عن السنّة في البرلمان ترفض بدورها الاستفتاء، كما وجدنا مباراة بين الخصمين اللدودين، مقتدى الصدر ونوري المالكي، في تهديد وتحذير الأكراد، مع تفوّق ظاهر للمالكي، الذي اشتهر عهده بانعدام النزاهة والفساد المالي الكبير والطائفية، بقوله إنه «لا يريد إسرائيل أخرى في المنطقة». صعّدت حكومة بغداد والدولتان المحيطتان بكردستان، إيران وتركيّا، لهجة تهديداتها، فأرسلت طهران جنرالها القويّ قاسم سليماني إلى كردستان العراق مجدداً، فيما حشّدت تركيّا قوّاتها على الحدود، والسباق يدور الآن بين العاطفة القوميّة التي تجتاح إقليم كردستان (من دون أن ننسى حسابات حكومة بارزاني مع حكومة بغداد حول ميزانية الإقليم ورواتب البيشمركه)، وحسابات الواقعية السياسية التي تهدّد أركان الدولة المرتقبة، فهل تتغلّب عواطف القوميّة الجامحة على تهديدات حكومات بغداد والإقليم؟ | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | ما بين التقسيم وحق تقرير المصير
| وليد الرجيب
| الراي العام الكويتية |
لست بصدد إبداء رأي خاص في موضوع الاستفتاء الكردستاني حول الانفصال عن العراق، لكن هذه القضية ستطرح إشكالات بين السياسيين، بتوجهاتهم الفكرية المختلفة سواء القومية أم التقدمية أم الطائفية.
فمن الناحية العملية، فإن الاستفتاء يهدف إلى فصل جزء من الوطن العراقي، ونيل استقلاله سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وهو ما يعني البدء في تقسيم العراق إلى دويلات، أي تنفيذ المخططات الأميركية لإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهدفه إضعاف الدول العربية من خلال التفتيت الطائفي، لمصلحة التفوق الإسرائيلي في المنطقة، وفي هذا الصدد تخوض الشعوب العربية صراعاً مع القوى الكبرى ووكلائها من العصابات الإرهابية، وضد تقاسم النفوذ بين الدول الكبرى والدول الإقليمية.
ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن كردستان يحق له الانفصال، من خلال مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وخاصة عندما تعاني هذه الشعوب من ظلم الدولة المركزية، وتمييزها طبقياً وعرقياً ودينياً أو طائفياً، فالشعب الكردي عانى من حروب الإبادة التي شنها عليه نظام صدام الدكتاتوري، وحرمه من حقوقه في الاحتفاظ بلغته وثقافته الخاصة.
ومن غير المجدي الحديث عن التاريخ البعيد للدول والشعوب، فإن التقسيم الحالي لكردستان إلى أربعة أجزاء عراقية وسورية وإيرانية وتركية، كان نتيجة معاهدة سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى، أي قبل مئة سنة فقط، وهذا ينطبق على الدول العربية الأخرى، وذلك من أجل تقاسم ثروات المنطقة بين الدول المستعمرة، وهي سياسة أوجدتها بريطانيا وغيرها، بغرض كسر وحدة الأمم تحت لواء وطن واحد.
وإذا عدنا إلى الوراء من خلال البيانات والبرامج التي أصدرتها القوى التقدمية في العراق منذ خمسينيات القرن الماضي، نرى أنها طالبت فيها باستقلال إقليم كردستان ونيل حقوقه المشروعة، لكن السؤال المقلق للبعض هو التوقيت وطبيعة النظام القادم في كردستان، وحق الشعب الكردي في اختيار نظامه، كما أن توقيت هذا الاستفتاء في ظل الصراع القائم والساخن في الساحة العربية، والذي بدأ مع الاحتلال الأميركي للعراق وتصفية جيشه وتدمير مؤسساته وبناه التحتية، وهذا الانفصال لو حدث سيضعف العراق في مواجهته لـ«داعش» وللهيب التصفيات الطائفية، والعنف الذي تمارسه هذه الطوائف ضد بعضها.
كما يرى البعض أن إقليم كردستان سيصبح موطئاً لقدم إسرائيل، وهو الجزء العراقي الأكثر ثراء، حيث معظم حقول النفط في تلك الأراضي، وهذا إضعاف أكثر لاقتصاد العراق المدمر أصلاً، ويرى البعض أن حق الانفصال يكون بعد التحرر العراقي من الهيمنة، واستعادته لاستقراره وأمنه وعافيته ونظامه الديموقراطي.
فقبل الاندفاع العاطفي وردود الفعل غير المدروسة، يجب التفكير بالكل قبل الجزء، ودراسة القضية بكل أبعادها، من منطلق وحدة الوطن العراقي أولاً، وحقوق الأقليات العرقية والدينية ثانياً، أي مواجهة العدو المشترك للشعبين ومستقبلهما.
وأكرر أنني لا أطرح رأياً بل إشكالية، تحتاج إلى تفكيك وتحليل بناء على أرض الواقع. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | الأنظار تتجه إلى أربيل… ماذا عن «روج آفا»؟!
| عريب الرنتاوي
| الدستور الاردنية |
فيما الأنظار تتسمر حول استفتاء كردستان العراق، وما إذا كان سيجري في موعده المقرر غداً أم لا، وما هي التداعيات المترتبة على موجة “العناد” التي تجتاح رئيس الإقليم، فإن تطورات مهمة تجري في شمالي سوريا، الذي يشهد ولادة كيان كردي آخر، يغذ الخطى ويسابق الزمن، للتبلور كحقيقة قائمة على الأرض، ولا رجعة عنها. أكراد سوريا أعلنوا إقليمهم الفيدرالي، وهم يسيرون على خطى نظرائهم في الشمال العراقي، ولكن بخطوات أكثر تسارعاً … لهم جيشهم وتمثيلهم الدبلوماسي، ولهم وزاراتهم “السيادية”، وقد أعلنوا إدارة مدنية ذاتية، وأمس أجروا انتخابات المجالس المحلية، وغداً وبعد غدٍ سيستكملون بناء مؤسساتهم الفيدرالية، فإن سارت الأمور على ما يرام، انتقلوا بعدها للمطالبة بالاستقلال، مروراً باستفتاء عام، على غرار ما يجري في جوارهم القريب. غيّروا المناهج، وقدموا روايتهم لتاريخ سوريا وجغرافيتها، فيما الأنباء تتحدث عن تغيرات سكانية كبرى يجريها الكرد في المناطق التي يسيطرون عليها، وتحديداً في القرى المختلطة … وهم إذ يتحدثون في خطابهم الدعائي عن إقليم لكل مكوناته، إلا أن الحقائق على الأرض، تشي بغير ذلك، فلا العرب لهم دور مؤثر وبحجمهم في “الإقليم” ولا السريان وغيرهم من الأقليات لهم أدوار وكلمات مسموعة. مكاتبهم ومؤسساتهم الرسمية “مزدانة” بصورة الزعيم الكردي – التركي عبد الله أوجلان، الرجل المصنف إرهابياً في العديد من دول العالم وعواصمه، بما فيها الولايات المتحدة، الداعم الرئيس لقوات “قسد” والحركة الكردية …. وهم لا يتورعون عن التعرض للجيش السوري ومحاولة إعاقة تقدمه على بعض المحاور، مع أنهم يشددون صبح مساء على أنهم جزء من سوريا، وأن لا نوايا انفصالية لهم … لا علم مرفوعاً في مناطقهم سوى العلم الكردي، لا علم سوريا الذي نعرف ولا أعلام المعارضة التي اشتهرت مؤخراً. مرجعيتهم الفكرية الأوجلانية، تتحدث عن مفهوم “الأمة الديمقراطية” بديلاً عن مفهوم “الدولة القومية”، بيد أن ممارستها توحي بنزوع لتكريس “الهوية الكردية” للإقليم … لكان نظرية الأمة الديمقراطية لا تصلح إلا في تركيا، حيث الأكراد من حيث حقوقهم الفردية والجمعية، في أدنى السلم قياساً بأبناء جلدتهم في سوريا والعراق. لن يعود أكراد سوريا إلى ما كانوا عليه قبل اندلاع الأزمة السورية في آذار/ مارس من العام 2011، وهم يدركون تمام الإدراك أن الوقت غير مناسب للانفصال بدولة مستقلة، فدون ذلك خرط القتاد، إن لم يكن من قبل سوريا وحليفتها إيران، فمن قبل تركيا وحلفائها في المنطقة كذلك … لذا لا نرى مطلب الدولة حاضراً بقوة في خطاب هؤلاء، لكن “تقرير المصير” سيكتسح أدبياتهم، على نطاق واسع وليس تسللاً كما ظل يحصل حتى الآن.. وسيعيد التاريخ نفسه، وسيمشي أكراد سوريا على خطى أكراد العراق، ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان، وتتحرك القوى الإقليمية لقطع الطريق على التطلعات الانفصالية، أو الاستقلالية، لأكراد سوريا. ما يجري في شمال العراق، “بروفة” يترقبها أكراد سوريا بكل شغف واهتمام، فإن أفلت أكراد العراق بدولتهم واستقلالهم، سيكون ذلك فألا حسناً لأكراد سوريا، وإن نجحت القوى الإقليمي في دفن حلم الدولة الكردية، أو دولة الحلم الكردي في العراق، كان ذلك بمثابة صفعة لأكراد سوريا وطموحاتهم بعيدة المدى. من حيث المبدأ، لا تبدو فرص قيام كردي مستقل في سوريا كبيرة، لكن المؤكد أن هؤلاء لن يُحكموا بالطريقة القديمة، وكمواطنين من درجة ثانية، وأحياناً كمقيمين بلا جنسية “بدون”، عقارب الساعة في الجزيرة وعفرين لن تعود إلى الوراء… هذا أمرُ بات جزءا من التاريخ … لكن إن كان أكراد العراق يواجهون مصاعب جمة في نيل استقلالهم، فإن الصعوبات التي تعترض استقلال أكراد سوريا، تبدو أكبر بكثير، إن لم نقل ضرباً من المستحيل.
|