1 2018 صعود الميليشيات الإيرانية والحيرة الأميركية
خيرالله خيرالله العرب
الغياب الأميركي الذي توج بموقف سلبي من القدس يوحي بأن سنة 2018 ستشهد مزيدا من الصعود لدور الميليشيات الإيرانية في المنطقة في ظل الحيرة التي تهيمن على مواقف إدارة ترامب.
ستكون السنة 2018 حبلى بالأحداث الكبيرة. من أحب 2017 سيعشق 2018، تماما مثلما أنّ من أحبّ 2016 وقع في عشق 2017. يسير الوضع الإقليمي من سيء إلى أسوأ. كيف تستطيع كلّ دولة عربية حماية نفسها بات أبرز التحديات التي تواجه رغبة قوى عدة إقليمية ودولية في إعادة النظر في خريطة سايكس- بيكو.
بعيدا عن التكهنات التي لا تستند إلى الواقع، ستكون 2018 فصلا آخر في المواجهة ذات الطابع المذهبي التي بدأت في المنطقة في العام 2003 عندما بدأ الزلزال العراقي الذي لا تزال أصداء تردداته تتفاعل إلى اليوم. هناك دول تفتتت ولن تقوم لها قيامة. هذا ما كشفته السنة 2017 وهذا ما ستؤكّده 2018. من يتصور أن العراق ستقوم له قيامة في يوم من الأيام كدولة عربية مستقلة لعبت دورها في تأسيس جامعة الدول العربية؟
من يستطيع التكهنّ بمصير سوريا التي تعيش في ظل خمسة احتلالات وفي ظل الإصرار الإيراني على إيجاد موطئ قدم دائم فيها؟
من لا يزال يعتقد أن لليمن الموحد مستقبلا ما باستثناء الحاجة إلى بضع سنوات كي ترسم بالدم والنار حدود الكيانات أو الدول التي ستلد من رحم سقوط نظام مركزي بقي حتّى العام 2011 يدير شؤون البلد كله انطلاقا من مدينة صنعاء؟ كان علي عبدالله صالح الذي اغتاله الحوثيون في منزله أول رئيس لليمن الموحد وآخر رئيس له.
على الرغم من مرور أقل من خمسة عشر عاما بقليل على تقديم الولايات المتحدة العراق على صحن من فضة إلى إيران، لا يزال الشرق الأوسط وكل المنطقة المحيطة به في حال من اللا توازن انعكست على مصير كل دولة من دولها. استغلت إيران الزلزال العراقي الذي تسبب به الغزو الأميركي من أجل السير بخطى سريعة في اتجاه تنفيذ مشروعها التوسّعي الذي يقوم على الاستثمار في إثارة الغرائز المذهبية وصولا إلى تشكيل ميليشيات خاصة بها تعمل في أرجاء المنطقة من دون حسيب أو رقيب.
إذا كان من عنوان عريض ميّز 2017، فهذا العنوان هو صعود دور الميليشيات الإيرانية في ظلّ سياسة أميركية محيرة كان آخر تعبير عنها موقف الرئيس دونالد ترامب من القدس. هناك استخدام إيراني فعّال للميليشيات المذهبية وتكريس لدور هذه الميليشيات في بلدان مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن. لم يعد “حزب الله” مجرّد لاعب في لبنان بصفة كونه لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. صار لاعبا إقليميا بعدما صارت له فروع في العراق وسوريا واليمن. هناك طموح إيراني واضح كي تغطي تجربة الميليشيا المذهبية التي تحل مكان الدولة ومؤسساتها كلّ بلد عربي مع تركيز خاص على البحرين حيث لا تزال هناك دولة ومؤسسات وطنية.
لعل أخطر ما في الأمر أن التوسع الإيراني، الذي تعبر عنه الميليشيات المذهبية التي باتت جزءا لا يتجزأ من التركيبة التي تطمح إيران إلى فرضها في المنطقة، يواجه بميوعة أميركية، في جو تكتنفه الحيرة. ليس من يستطيع القول في الراهن ما الذي تريده الإدارة الأميركية وأيّ دور تنوي لعبه.
باستثناء الوجود العسكري الأميركي القوي والواسع في الشمال السوري الذي ليس معروفا كيف ستوظفه الإدارة الأميركية في المستقبل، هناك موقف أميركي محير من كل ما له علاقة بنشاط الميليشيات الإيرانية.
على الرغم من القمم الثلاث ذات الطابع الاستثنائي التي انعقدت في الرياض وشارك فيها الرئيس دونالد ترامب، وعلى الرغم من خطابه الشامل الذي عرض فيه بدقة ليس بعدها دقة النشاط التخريبي لإيران في المنطقة، منذ العام 1979، ليس ما يشير إلى اليوم إلى رغبة حقيقية في التصدي لإيران. ليس كافيا نشر تقارير عن تواطؤ إدارة باراك أوباما مع إيران وتغطيتها لنشاطات “حزب الله” كي يمكن القول إن هناك تغييرا أميركيا على أرض الواقع. هل يتبلور هذا التغيير في 2018؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في وقت بدأت واشنطن، ومعها العواصم الأوروبية، على رأسها باريس، تعي أهمية الفصل بين الملف النووي الإيراني والاتفاق الذي تم التوصل إليه صيف العام 2015 من جهة، والصواريخ الإيرانية من جهة أخرى.
لم تكن السنة 2017 عادية بأي مقياس من المقاييس، خصوصا مع القضاء على “داعش” في معظم أنحاء العراق وبدء تراجعه في سوريا. الملفت أن إيران استغلت الانتصارات على “داعش” للإعلان عن أنها شريك في الحرب على الإرهاب، في حين اعتبرت روسيا أنه بات في استطاعتها التصرف من منطلق أنها الطرف القادر على التحكم وحده بمصير سوريا وتحديد مستقبلها وتوزيع الحصص فيها على هذا الطرف أو ذاك، بما في ذلك إيران وتركيا.
إلى متى يظل الغياب الأميركي الذي أدّى إلى حال إرباك على الصعيد الإقليمي؟ تجلّى الإرباك في قيام نوع من التحالف بين روسيا وتركيا وإيران وفي تقارب روسي- مصري وفي جسور بين دول الخليج، على رأسها السعودية والإمارات من جهة وروسيا من جهة أخرى.
ليس أمام كل دولة تريد المحافظة على مصالحها وعلى مصالح شعبها سوى أن تأخذ في الاعتبار أن عليها سد الثغرات الداخلية. هذا ما يفسّر ذلك الإصرار السعودي بقيادة الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الذهاب إلى النهاية في إصلاحات داخلية، التي تشبه ثورة حقيقية أكثر من أي شيء آخر، مع التنبّه في الوقت ذاته إلى أن الأحداث في المنطقة وطبيعة التحديات الجديدة تفرض نوعا جديدا من التماسك والعلاقات السليمة داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تنبهت الكويت إلى هذا الأمر ونجحت في المحافظة على صيغة مجلس التعاون على الرغم من الأزمة القائمة مع قطر. استضافت القمة الخليجية بعد جهود مضنية لأمير الدولة الشيخ صُباح الأحمد. أي مستقبل لمجلس التعاون في ظل الأزمة المستمرّة مع قطر؟
ستكون السنة 2018 فصلا آخر في المواجهة ذات الطابع المذهبي التي بدأت في المنطقة في العام 2003 عندما بدأ الزلزال العراقي الذي لا تزال أصداء تردداته تتفاعل إلى اليوم
لا شكّ أن 2018 ستكون سنة مفصلية يتحدد من خلالها هل من مستقبل لمجلس تجاوز عمره الـ36 عاما؟
كانت 2017 سنة النكسة الكردية. لم يكن رهان رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني على الاستفتاء في شأن الاستقلال خيارا موفقا، خصوصا في ظل الاعتراض الأميركي عليه. كشف هذا الاستفتاء وجود حلف تركي- إيراني ضدّ الأكراد، سمح للحكومة المركزية في بغداد، التي صارت تحت رحمة “الحشد الشعبي” بصفة كونه من مكونات العراق الجديد، بالاستقواء على الأكراد الذين وجدوا أنفسهم منقسمين في ما بينهم أكثر من أي وقت.
انعقدت القمّة العربية في البحر الميّت وكانت ناجحة من الناحية النظرية بفضل الجهود التي بذلها الملك عبدالله الثاني. لكنّ الأردن وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها وبسبب مجموعة من التحديات. زاد من التحديات الإصرار الإسرائيلي على بقاء الاحتلال للضفة الغربية وسياسة عامة لبنيامين نتنياهو تقوم على ترك سوريا تتفتت أكثر بفضل بقاء بشار الأسد في دمشق وانتشار الميليشيات الإيرانية وتعزيز دورها في هلهلة نسيج المجتمع السوري.
نقاط مضيئة قليلة في 2017. هناك في شمال أفريقيا بلد عربي يعرف أهمية المحافظة على مصالح شعبه اسمه المملكة المغربية التي حققت نجاحا تلو النجاح على صعيد العودة لاعبا فاعلا في أفريقيا. وهناك بداية مصالحة فلسطينية لعبت مصر دورا في تحقيقها، لكنها بقيت مجرد بداية في غياب قدرة “حماس” على الاعتراف بفشل مشروع “إمارة غزّة” الذي عاش عشر سنوات. ما يقلق بالفعل هو أحوال الجزائر التي دخلت حال إفلاس سياسي واقتصادي في ظلّ رئيس مريض لا يريد الاعتراف بذلك.
خلاصة الأمر أن الغياب الأميركي الذي توّج بموقف سلبي من القدس يوحي بأن 2018 ستشهد مزيدا من الصعود لدور الميليشيات الإيرانية في المنطقة في ظلّ الحيرة التي تهيمن على مواقف إدارة ترامب. لم يكن اغتيال علي عبدالله صالح في صنعاء سوى دليل آخر على الرغبة الإيرانية في الذهاب بعيدا في تعزيز دور ميليشياتها حيث استطاعت ذلك. يلعب الحوثيون في اليمن الدور المطلوب منهم لتأكيد أن طهران تتحكم بمجموعة من العواصم العربية بدءا ببغداد وصولا إلى صنعاء، مرورا بدمشق وبيروت.
2 العراقيون.. شعب من ‘التوابين’ في معسكرات الأسر الإيرانية
حامد الكيلاني العرب
لا غرابة بما جرى للعراقيين، فمن بدت عليه علامات التمرد أو الرفض أو فقط عدم القبول بمنهج التوابين على الطريقة الإيرانية مع الأسرى، تمت معاملته وفق إجراءات التدريب القديم إما بالقتل أو التهجير أو تدبير المكائد أو بالتشهير.
عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001 كان بديهيا أن تكون أفغانستان في مقدمة من تستهدفهم الهجمات الأميركية، كرد فعل لاعتبارات الدولة العظمى في العالم، ولتسلسل الرواية الأفغانية منذ الاحتلال السوفيتي واقترابها من نهايات فصولها مع حركة طالبان ونشوء تنظيم القاعدة وأكثر من 65 ميليشيا تتنازع على البقاء والاستيلاء على المؤن والغذاء في ذلك البلد الممزق.
لكن لماذا كان العراق، في تلك اللحظة الفاصلة، ثمرة ناضجة للقطف من قبل الاحتلال الأميركي؟ وهذه ليست فكرة ضمن ما يعرف بتحدي المخيلة، إنما هي قراءة لفعاليات دولية جعلت من الغزو الأميركي ممكنا ومقبولا في جملة من حملات تشويه السمعة في تراتبية صنعت من العراق وقيادته العدو الأول للإنسانية وغدها. لذلك انهار العراق في ذاكرة العقلاء من العراقيين مع انهيار البرجين في نيويورك.
ما يساعد على اكتشاف نقطة التداعي المشتركة؛ استمرار الحصار الدولي وتفاقم آثاره على الشعب العراقي، وتطاول مهمة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل على واجباتها المكلفة بها تخصصا، إلى إذلال إرادة العراق الوطنية لدفعها إلى المواجهة والتصدي بما ينتج عنها من تشديد للعقوبات التي أدت في النهاية إلى مجموعة وقائع أضعفت البنى الإستراتيجية في توطئة للاحتلال بأقل الخسائر بين القوات المعتدية.
تبين بعد سنوات أن قرار غزو العراق اتخذ في تلك الليلة أو أثناء الصدمة الأميركية في 11 سبتمبر، رغم أن علاقة العراق بتنظيم القاعدة لا دليل عليها ودون معطيات في أجهزة الاستخبارات الأميركية. بعدها اعترف الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش الابن بخطأ احتلال العراق استنادا على كذبة روجت لها الولايات المتحدة بوجود أسلحة الدمار الشامل.
أي أن أميركا اقتطعت جزءا من التاريخ لعرضه بما يحقق مصالحها أو هيمنتها، وهيأت لتنفيذه برامج ساهم العراق في تثبيتها وتأكيدها لأسباب تتعلق بمحيطه الإقليمي وبمخاوفه من مصير الصراع بينه وبين النظام الحاكم في إيران؛ وهو نظام متربص بالعراق لا يخفي رغبته في تكملة معاركه الدامية في حرب الثماني سنوات التي انتهت في أغسطس 1988 بموافقة الخميني على وقف إطلاق النار بمقولته الشهيرة عن تجرعه السم لاتخاذه قرار إنهاء الحرب.
تجرع الخميني للسم معناه أنه أذعنَ لهزيمة قواته بصنوفها وفصائلها؛ لكنها في ذات الوقت تصريح بحرب مفتوحة ضد العراق وتوجيه لاستغلال كل ثغرة متاحة لاحتلاله لأن الاحتلال ترياق لمفعول السم.
إنها وصية الخميني، وصية عقائدية حملها من بعده علي الخامنئي وقياداته الإيرانية وحرسه الثوري، بل إن عار الهزيمة الذي تجسد في السم تحول عند مقلديه إلى قوة انتقام وثأر منهجية، تساهم اليوم بتعميم دروسها على أرض العراق في تطبيقات الإبادة وتهديم المدن وترويع الآمنين.
تاريخ الشعب الإيراني العريق يكتبه منذ عام 1979 الولي الفقيه في إرهاب صادراته، حربا أو تجاوزا لعقدة هزيمة في حرب؛ تاريخ من أقوال المرشد في وجوب توبة العراقيين من حب وطنهم عندما قاتلوا ببسالة دفاعا عن حدودهم الشرقية وأوقفوا المد المتخلف الذي أراد اجتياح أرضهم، ومقابل ذلك دفعوا دماء قرابة مليون شاب بعمر الجندية.
لكن الخلاصة في الآلاف من العراقيين الذين وقعوا في الأسر خلال الحرب الإيرانية العراقية، وهم من كل المذاهب والأديان والقوميات والأعراف، أي أنهم أبناء العراق، لكن ماذا حصل لهم في معسكرات الأسر بفعل التهديد والخوف والقمع، والترغيب أيضا.
كيف ساعدت بعض القيادات الحالية الحاكمة في العراق في انتزاع ولاء مجموعات من الأسرى وتحويلهم إلى معسكرات تدريب للقتال ضد وطنهم أو لتعذيب إخوانهم الآخرين من الأسرى الذين لم يرضخوا لمعادلة مبادلة الولاء للوطن والهوية الإنسانية بالولاء للملالي وعقيدتهم.
ومن أجل ألا نخوض في تفاصيل قصص الأسرى المؤلمة، نستذكر فقط ظاهرة التوابين من الأسرى العراقيين وما تعنيه من محاولة تكفير كل من وقعوا في أسر القوات الإيرانية، ومعظمهم مقاتلون في الجيش العراقي من المتطوعين أو المكلفين، أو من جنود الاحتياط وهم الأكثرية لسوق مواليد متعددة سدا للنقص العددي في حالة الحرب.
التوابون في سياق التاريخ الإسلامي، جزء من اقتطاع النص المطلوب لغرض السياسة الإيرانية كما في التكالب على مفردة القدس واستخدامها المفرط لتنفيذ مشروعهم وتمدده. فالتوبة إليهم تعني العودة والتراجع والاستغفار عن ذنوب محاربة قوات النظام الإيراني في عدوانها على العراق لأنها قوات عقائدية تأتمر بأوامر الولي الفقيه.
لا بد من السؤال الآن عن أحوال الأسرى الذين رفضوا الانضمام إلى تلك القوات التي تشكلت من التوابين؟ مَن بقي منهم على قيد الحياة حتى ممن أطلق سراحهم بعد نهاية الحرب أو بعد نهايتها بسنوات؟ العراقيون أدرى بالعدد القليل المتبقي منهم، فمعظمهم غادر الحياة لصعوبة التعافي من العذابات الجسدية والنفسية في معسكرات الأسر.
لكن ذات السؤال عن مصير التوابين الذين انتظموا في الميليشيات ومنها منظمة بدر عددهم بلغ 15 ألفا من العراقيين، أي 15 ألف خائن للوطن، بعضهم استقر في إيران وآخرون غادروا إلى دول أخرى طلبا للجوء، وهؤلاء أرادوا النفاذ بجلدهم وإنقاذ حياتهم تجاوزا لمحنة المعسكرات. أما المقاتلون منهم والذين كانوا أكثر بطشا بالأسرى العراقيين من الإيرانيين أنفسهم فهم على سدة الحكم في العراق وبعضهم وزراء أو نواب أو مسؤولون وأصحاب قرار في مؤسسات الدولة.
الكارثة أنهم يتعاملون مع كل العراقيين كشعب ينبغي عليهم أن يكونوا من التوابين في معسكرات الأسر الإيرانية، أي أن عليهم أن يتوبوا عن جريمة الدفاع عن وطنهم في الحرب مع إيران ويدفعوا ثمن ذلك الصمود ويدفعوا كفارة عن سيئاتهم التي تسببت في تجرع وليهم وفقيههم ومرشدهم السم، لأن مرارته أوقفت الحرب وأحلت السلم بين البلدين المتحاربين.
لا غرابة بما جرى للعراقيين، فمن بدت عليه علامات التمرد أو الرفض أو فقط عدم القبول بمنهج التوابين على الطريقة الإيرانية مع الأسرى، تمت معاملته وفق إجراءات التدريب القديم إما بالقتل أو التهجير أو تدبير المكائد أو بالتشهير أو توغلا في شن العمليات الحربية لتحويل محلاتهم السكنية إلى مقابر جماعية وتحت رعاية وحماية القانون الدولي؛ أو في الإذلال والإهانة وتلك خارج اهتمامات المنظمات الدولية والإنسانية لأنها لا تخضع للإحصاءات والأرقام.
هناك من ارتضى تغييب وعيه ليستمر في الحفاظ على حياته تحت كل الظروف مستسلما لخديعة شركات المحاصصة الطائفية في برامجها الانتخابية التي تربط وجوده وبقاءه رهنا بعذابات أخيه في الوطن، أو بالأحرى أخيه في معسكرات الأسرى.
معضلة حاضر العراق في تجاوز الانقياد الأعمى لقوات معسكرات الأسر الإيرانية، والانتفاض على هؤلاء التوابين الذين يتحكمون بالعملية السياسية في العراق؛ والزاد في المحنة المئات والآلاف من الأبطال الذين قاوموا سجانيهم في معسكرات بروجند وبرندك وآراك وغيرها؛ وإلا فإن أجيالا من التوابين عن عراقيتهم سيتم تخريجهم في دورات الحكومات الإيرانية المتعاقبة.
3 العراق «عمق استراتيجي» للاقتصاد الأردني
عدنان كريمة
الحياة السعودية
مع تراكم العجز المالي في موازناته عن الــسنوات الماضية، حتى موازنة العام المقبل، على رغـــم زيادة الإنتاج إلى نحو 3.7 مليون برميل يومياً، يتطلع العراق في خططه المسقبلية إلى مضاعفة الرقم ليصل إلى 8 ملايين برميل يومياً بين عامي 2020 و2030. ولتحقيق هذا الهدف يسعى إلى تطوير استثمارات الشركات العاملة حالياً، وهي من جنسيات مختلفة (أميركية، بريطانية، إيطالية، ماليزية، روسية وصينية)، وذلك بمـــوجب عقود تمت في جولات التراخيص المتتالية، خصوصاً أنها ملزمة باستثمار أموالها لرفع القدرة الإنتاجية في الحقول المنتجة والمستكشفة.
وبما أن العراق في حاجة إلى أن يوازي عمليتي الإنتاج والتسويق، إذ لا يمكن أن تكون هـــناك زيادة في الإنتاج مع قلة في منافذ التصدير إلى الخارج، لا سيما أن عمليتي نقل النفط الثابت والمتحرك، مهمتان في التسويق، وزيادتهما تعني زيادة في العائدات المالية، فإن العراق يعتزم مد شبكة خطوط أنابيب داخلية، لنقل المنتجات النفطية إلى كل أنحاء البلد، وخارجية لتصدير النفط الخام إلى الأسواق العالمية، لتكون هذه الشبكة بديلاً لعمليات النقل المكلفة والخطيرة التي تتم حالياً بالناقلات.
وتبرز في هذا المجال أهمية تنفيذ خط اًنابيب بين مدينة البصرة في العراق، وميناء العقبة في الأردن والتي وقع البلدان اتفاقيته في التاسع من نيسان (أبريل) 2013، على أن ينجز خلال ثلاث سنوات. ولكن حتى الآن لم يبدأ تنفيذه بسبب الأوضاع الأمنية، خصوصاً أن الخط سيمر داخل محافظة الأنبار التي كانت محتلة من قبل تنظيم «داعش». واتفق البلدان أخيراً على تسريع خطوات التنفيذ، وتوقع مسؤول عراقي إنجاز الإجراءات خلال الشهرين المقبلين حداً أقصى، للعمل على توقيع العقد النهائي.
ويمتد الخط على مسافة 1700 كيلومتر، وينفذ على مرحلتين، الأولى من البصرة إلى حديثة في غرب العراق، والثانية من الحدود العراقية إلى ميناء العقبة الأردني. وسينقل في الجزء الأول نحو 2.25 مليون برميل يومياً، ومنه يكمل الجزء الثاني بنقل مليون برميل، يستفيد الأردن من 150 الفاً منها، لتأمين حاجة مصفاته للانتاج المحلي، ويصدر 850 ألف برميل إلى الخارج. وتقدر كلفته بنحو 18 بليون دولار. ويوفر المشروع فرص عمل لأكثر من ألف مهندس وعامل داخل العراق، وأكثر من ثلاثة آلاف مهندس وعامل داخل الأردن، ويشكل بوابة جديدة لتصدير النفط العراقي إلى دول العالم. ومن المرتقب أن يقوم ائتلاف عالمي بقيادة شركة صينية لمجموعة شركات أجنبية من جنسيات مختلفة، بتنفيذ المشروع.
ووفقاً للاتفاق الأساسي، يتضمن المشروع إنشاء خط أنابيب للغاز لتشغيل محطات الضخ، إضافة إلى تزويد الأردن بما يحتاجه لتشغيل محطات توليد الكهرباء. لكن يبدو أن العراق صرف النظر عن هذا الخط لأسباب تتعلق بخفض التكاليف، وللإسراع بتنفيذ خط أنابيب النفط، وكلف مطور المشروع بالبحث عن بديل لمحطات الضخ عوضاً عن الغاز، وبما يتناسب مع جدواه الإقتصادية.
وبما أن الأردن يعاني من ضخامة كلفة الطاقة، والتي تستنزف نحو 40 في المئة من موازنة الدولة، وقد وصفها المسؤولون في عمان بـ «البلاء العظيم» لانعكاسها السلبي على الاقتصاد الوطني، كان يأمل بتأمين حاجته من الغاز من العراق، لكنه أصيب بخيبة أمل من قرار بغداد، ما يضطره إلى الاعتماد على الغاز الإسرائيلي، وهو يستهلك حالياً نحو 350 مليون قدم مكعبة يومياً، لإنتاج ما يقارب 85 في المئة من حاجة البلاد من الكهرباء.
وسبق لشركة الكهرباء الأردنية (شركة مساهمة عامة)، أن وقعت عقداً مع كونسورتيوم تقوده شركة «نوبل أنرجي» الأميركية وشريكتها «ديليك» الإسرائيلية، لشراء 45 بليون متر مكعب من الغاز من حقل « ليفايثان» في البحر قبالة السواحل الفلسطينية، على مدى 15 سنة، بما قيمته نحو 10 بلايين دولار.
وكان أحد مبررات حكومة عمان للجوء إلى الغاز الإسرائيلي يدور حول مسألة انقطاع الغاز المصري، وتحول محطات توليد الكهرباء على الوقود الثقيل والسولار، ما نتج عنه خســائر تفوق خمسة بلايين دينار. غير أن تشغيل ميناء الشيخ صباح في العقبة (ميناء الغاز الطبيعي) منذ تموز (يوليو) الماضي وتوافر باخرة الغاز العائمة، وفر للأردن خيارات مــتنوعة.
وأظهرت دراسات أعدتها «الكهرباء الوطنية»، أن الغاز المستورد من إسرائيل يحقق وفراً لا يقل عن 300 مليون دولار سنوياً.
ولكن على رغم اعتماد الأردن على الغاز الإسرائيلي بـ «وساطة أميركية»، وعلى العراق لحاجته إلى النفط، فضلاً عن عائدات رسوم المرور، وكذلك بروز النتائج الإيجابية للعلاقات التجارية ونمو حركة الإستثمار بين البلدين، فإن رئيس الوزراء هاني الملقي يؤكد أن العراق هو «عمق استراتيجي» للاقتصاد الأردني، والثوابت تقوم على احترام سيادته ووحدة أراضيه وأمنه واستقراره.
4 كردستان العراق وحقوق شعبها مسؤولية الدولة العراقية
د. سعد ناجي جواد
راي اليوم بريطانيا
ما يحدث في مدن ونواحي كردستان العراق هذه الأيام هو امر كان متوقعا منذ فترة ليست بالقصيرة. لقد بلغ التذمر والناتج عن الفساد المستشري في الإقليم والذي بلغ، شانه شان الفساد في باقي العراق منذ ٢٠٠٣، مرحلة لا يمكن بل ولا يجب السكوت عنها. أضف الى ذلك ان تدهور الحياة المعيشية وتخفيض الرواتب مسالة تمس الحياة اليومية والأسرية لشريحة كبيرة من الموظفين الذين تعتمد حياتهم وعوائلهم على هذا المورد وبنسبة كاملة، وهي اما متوقفة منذ اكثر من ثلاث سنوات او منقطعة بالكامل لأشهر طويلة بالنسبة لشريحة كبيرة من الموظفين ذوي الدخل المحدود، مثل المعلمين وغيرهم من الموظفين البسطاء. وَمِمَّا زاد في معاناة هذه الشرائح البسيطة هي النتائج التي تمخضت عن القرار الخاطيء المتمثل بالذهاب الى الاستفتاء والذي أدى الى اثارة مشاكل داخلية و إقليمية لحكومة كردستان العراق، وصل الى الحد الذي اصبح الإقليم يعاني من شبه حصار قاسي لا يعاني منه سوى المواطنين البسطاء. ورغم كل ما جرى فان الطرفين، حكومة الإقليم والحكومة المركزية، لا يزالان على إصرارهما في تحدي احدهما الاخر، او بالاصح مصرين على إلقاء اللوم او الاتهامات على بعضهم البعض، دون اي اعتبار لمعاناة ابناء الإقليم. ويبدو ان حكومة الإقليم التي دأبت على تصدير اكثر من نصف مليون برميل من النفط يوميا منذ عام ٢٠١٤، ناهيك عن عمليات التهريب لحساب المتنفذين في الإقليم وحكامه، مما كان بالتأكيد يوفر موردا كافيا لدفع الرواتب، خاصة اذا ما تم اللجوء الى إجراءات تقشفية في مسالة الإنفاق في الإقليم و تخفيض مخصصات رئاسات الإقليم و رواتب الموظفين الكبار من وزراء ونواب وقادة بيشمركة، فان خزينة الإقليم كانت كافية لتسديد الرواتب. لكن يبدو ان رئاسة الإقليم والتي كانت ولا تزال حريصة على تحريض شعب الإقليم على العراق ككل، اعتقدت ان هذا الادعاء هو افضل وأنجع سلاح لشق المجتمع العراقي حتى تحصل على مبتغاها في السير نحو الاستقلال، مع علمها بصعوبة ان لم يكن استحالة تحقيق ذلك. طبعا تثبيت ذلك لا يعني إنكار هذا الحق على الشعب الكردي الذي سأم الفساد والعوائل والمتنفذين الفاسدين، وبالتاكيد فان الغالبية العظمى أصبحت لا ترغب في الحصول على استقلال سيؤدي الى استمرار الفاسدين في فسادهم و استمرار التستر عليهم، او العودة الى نظام وراثي قبلي يعمل على قمع الحريات وأسلوب التصفيات الجسدية. علما بان ما حصل ويحصل الان في المدن والنواحي الكردية لابد وان يضع علامة استفهام كبيرة على نتيجة الاستفتاء؟ فإذا كان حقيقة هناك ٩٢٪ من المواطنين قالوا نعم، فمن أين أتت هذه الآلاف المؤلفة الرافضة للوضع الحالي؟ والتي تلجأ الان للحكومة المركزية لحل مشاكلهم؟ ان التهم الجاهزة بكون هذه التحركات من صنع الخارج وعميلة لجهات خارجية، او مخربة او مدفوعة الثمن لا يمكن ان تنطلي على احد حتى وان أرضت الحكومات والطبقات الحاكمة في الإقليم.
من ناحية اخرى فمثلما كان هناك من يحرض قادة الإقليم على المضي قدما في الاستفتاء رغم كل الطلبات بل والتوسلات لتأجيله، والذي نتج عنه خسارة الإقليم لكل المكتسبات التي حصل عليها منذ عام ١٩٩١، فانه يبدو، بل وتوجد دلائل كثيرة تثبت ان هناك من يحرض السلطة المركزية على المضي قدما في تجاهل الحالة الصعبة التي يعيشها ابناء الإقليم وخاصة الموظفين البسطاء، على أساس ان ذلك يحقق للمركز الفرصة لكي تُخضِع الإقليم. ومثلما كانت سياسة قيادة الإقليم خاطئة فأن سياسة السلطة المركزية لا تختلف في خطأها.
على مدار العقود السابقة ضيعت الحكومات المركزية والأحزاب الكردية المتنفذة فرصا كثيرة في رأب الصدع الذي اصاب العلاقات العربية – الكردية في العراق. حيث ان الطرفين تعاملا مع المسالة من منطق القوة والضعف، ولم تُستَغَل الفرص المتاحة من اجل تمتين العلاقات بين الشعبين العربي والكردي. واذا ما استثنينا استعداد الاحزاب الكردية المتنفذة للتعامل مع الاطراف الخارجية ووضع مصالحها فوق المصالح العراقية، وهي ظاهرة خطيرة ولا تزال مستمرة، فلعل اهم فرصة إضاعتها الاحزاب الكردية هي فرصة وضع دستور جديد يضمن الحقوق القومية الكردية في عراق موحد، ولكن بدلا عن ذلك اختارت هذه الاحزاب كتابة دستور مليء بالألغام ويبقي العراق ضعيفا و مشتتا معتقدين ان ذلك سيمكنهم من الحصول على كل ما يريدون ومتى ما أرادوا. في حين ان الحكومات المركزية المتعاقبة ظلت ترضخ للمطالب الكردية عندما تكون ضعيفة وتنقلب عليها عندما تشعر بالقوة. ولعل اهم فرصة كانت في عام ١٩٧٥ عندما انهارت الحركة. الكردية المسلحة وقامت الغالبية العظمى من مقاتلي البيشمركة بتسليم أسلحتهم للسلطة المركزية. وبدلا من ان تقوم السلطة المركزية بإقامة حكم ذاتي حقيقي وعلى أسس ثابتة لجأت السلطة آنذاك الى اُسلوب تهجير المقاتلين و النشطاء الأكراد الى المحافظات الجنوبية، وفرض حلول مركزية وقسرية، وبالنتيجة لم تحل المشاكل التي أدت الى استمرار الفعاليات المسلحة. ومع ذلك تبقى المسؤولية الأكبر على عاتق الحكومات المركزية لانها هي من يمثل ، او يفترض بها ان تمثل كل الشعب العراقي. واليوم تضيع الحكومة المركزية فرصة ذهبية لردم جزء كبير من الهوة التي اتسعت بين الشعبين العربي والكردي في العراق منذ عام ٢٠٠٣.
ان السلطة المركزية اليوم مطالبة بالوفاء بالتزاماتها، ودفع رواتب الموظفين أولها. نعم ان قيادة الإقليم مطالبة بكشف حقيقة الإيرادات النفطية والحدودية للسنين السابقة، وهذه مسالة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم ويجب ان تتم بشفافية وعبر القضاء واللجان التحقيقية العادلة، على الأقل لكي يعلم ابناء الإقليم أين ذهبت مواردهم. اما ان تؤجل مسالة دفع الرواتب حتى يتم حل كل القضايا العالقة فان هذه مسالة غير مقبولة، والأكثر من ذلك فإنها ستؤدي الى نفور اكثر من جانب الشعب الكردي الذي تخرج يوميا من بين صفوفه آلاف الأصوات المتضررة والتي تلجأ الان للسلطة المركزية بإنصافها. وعندما يشعر المواطن الكردي المتذمر بان الحكومة المركزية تشعر بصدق بحقيقة معاناته فانه سيكون هو ايضاً اقرب منها ومن العراق، ويصر على محاسبة قادة الإقليم الذين حرموه من حقوقه. اما ان تحاول الحكومة المركزية ان تدعم المتظاهرين والمتضررين بالأقوال فقط وان تدعي بأنها تريد فضح الفساد الذي استشرى في الإقليم فان هذا الأسلوب لن ينجح ولن يقنع احد، خاصة وان الحكومة لم تفعل شيئا في مجال محاربة الفساد في داخلها وفِي المناطق العربية في العراق، والذي هو بالتأكيد اكبر بكثير من الفساد في الإقليم، واذا كان فساد الإقليم يتمثل بسوء التصرف او التلاعب او اهدار نسبة ١٧٪ كان الإقليم يحصل عليها، فان الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣ اهدرت وتلاعبت وسكتت عن فساد في نسبة ٨٣٪ من واردات العراق منذ ذلك التاريخ. ان توفير حياة كريمة للشعب الكردي في كردستان العراق هي مسؤولية الحكومة المركزية قبل اي طرف اخر، وان العمل على دفع رواتب الموظفين المتأخرة والمقطوعة يجب ان يتم اليوم قبل غدا. واذا ما كانت السلطة المركزية تشعر بانه بسبب الفساد في الإقليم لا تستطيع ان تدفع الرواتب للإقليم فإنها يمكن ان تلجأ الى أساليب تقوم من خلالها بإرسال لجان متخصصة للإقليم لكي تقوم اما بدفع الرواتب مباشرة او بالاشراف على هذه العملية. او ان تختار طبقة المعلمين لكي تبدأ بدفع رواتبهم المتأخرة ثم تنتقل الى الفئات الوظيفية الاخرى. وعسى ان يكون ذلك في أسرع وقت وبدون اي تاخير.