3 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الخميس

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 ماذا يعني تحفظ لبنان والعراق؟!

 

السيـــــــد زهـــــــره

 

اخبار الخليج البحرينية
 

دولتان عربيتان فقط تحفظتا على القرار الذي صدر عن الاجتماع الطارئ الأخير لوزراء الخارجية العرب، والمخصص للتدخلات الايرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، هما لبنان والعراق.

من المهم أن نتوقف عند ما وراء هذا التحفظ واسبابه، وماذا يعني بالضبط.

لبنان تحفظ على الفقرات 4 و6 و9 في القرار. وهي الفقرات التي تتضمن إدانة التدخلات الإيرانية ودور حزب الله الإرهابي في تأسيس وتدريب جماعات إرهابية في مملكة البحرين وفي السعودية، وتحميل الحزب مسؤولية دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية.

جاء في نص التحفظ اللبناني الاعتراض على تصنيف حزب الله إرهابيا، والقول ان هذا «خارج تصنيف الأمم المتحدة»، ولا يراعي التمييز بين المقاومة والإرهاب، وان الحزب مكون أساسي في لبنان ومشارك في الحكومة والبرلمان.

بالطبع، هذه الأسباب غير منطقية ولا يمكن ان تكون مقبولة. كون حزب الله مشاركا في الحكومة او البرلمان لا يبرر أن يمارس كل هذا الإرهاب في الدول العربية. ولبنان بهذا التحفظ يتجاهل ترسانة الأدلة على ممارسة الحزب الإرهاب في البحرين والسعودية واليمن والكويت وغيرها من الدول العربية. وبالطبع، من السخف الشديد الحديث هنا عن تمييز بين المقاومة والإرهاب.

بعيدا عن هذه الأسباب، نعرف بالطبع السبب الجوهري وراء تحفظ لبنان، وهو أن الحكومة اللبنانية خاضعة أصلا لسطوة وسيطرة حزب الله، وليس لديها أي جرأة على ان تتحدى هذا.

ومع هذا، لا يمكن أبدا قبول ان تظل الحكومة اللبنانية هاربة من تحمل المسؤولية، ولا تجرؤ حتى على مجرد إدانة ما تتعرض له الدول العربية من إرهاب منطلق من أراضيها لحساب النظام الإيراني، ولا حتى ان تطالب حزب الله بوقف إرهابه.

 

الأكثر غرابة من تحفظ لبنان هو تحفظ العراق.

العراق تحفظ على الفقرتين 8 و9 في القرار.

الفقرة 8 تنص على إدانة تدخلات ايران في الشؤون العربية وتغذية النزاعات الطائفية ودعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات وخصوصا في دول الخليج العربية، وتطالب بوقف دعم وتمويل وتسليح المليشيات المسلحة في الدول العربية وخصوصا في اليمن.

والفقرة 9 تتعلق بحزب الله والمطالبة بتوقفه عن دعم الإرهاب والإرهابيين.

ما الذي يعترض عليه العراق هنا بالضبط؟

إذا كنا نستطيع ان نفهم تحفظ لبنان، فإنه لا يمكن ابدا ان نجد أي سبب معقول لتحفظ العراق.

هل العراق مثلا يؤيد تدخلات ايران في الدول العربية ودعمها للإرهاب، ويؤيد تأجيج النزاعات الطائفية، ويؤيد ما يفعله الحوثيون في اليمن، ويؤيد إرهاب حزب الله؟

ليس هناك من تفسير لتحفظ العراق على هذا النحو سوى ان حكومته خاضعة عمليا لإرادة ايران، ولإرادة المليشيات والقوى الطائفية العميلة لإيران في العراق، ولا يمكن أن يكون لها قرار مستقل خارج هذه الإرادة.

لنلاحظ ان العراق اتخذ هذا الموقف على الرغم من كل حديث القادة العراقيين في الفترة الماضية عن العمق العربي، وعن عزمهم توثيق العلاقات والروابط مع الدول العربية.. الى آخر هذا الكلام.

الحقيقة ان هذا الموقف العراقي قد يكون تنبيها الى ضرورة إعادة التفكير في الانفتاح العربي على هذه الحكومة العراقية. لا نعني وقف هذا الانفتاح، ولكن يجب ان يكون مشروطا بموقف العراق من القضايا العربية وانحيازه لها.

المهم في كل الأحوال ان تحفظ لبنان والعراق على هذا النحو ليس له من معنى سوى انه حين كان على البلدين الاختيار بين المصلحة العربية والمصلحة الايرانية، اختارا عمليا المصلحة الإيرانية.. البلدان اختارا التضحية بأمن واستقرار وسلامة الدول العربية في مواجهة كل هذا الإرهاب، من أجل ايران، وخدمة لها.

هذا التحفظ يؤكد الى أي حد وصل الخطر الإيراني، والى أي حد وصلت سيطرة ايران في البلدين العربيين ومصادرة قرارهما. وهذا في حد ذاته من أكبر العوامل التي تجعل من مواجهة ايران وعملائها في المنطقة مهمة عربية حاسمة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 ديون العراق تجاوزت « الخط الأحمر»

 

 

  عدنان كريمة

 

 الحياة السعودية
 

 

على رغم تفاؤل لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية في بغداد بأن تكون موازنة العام المقبل «أقل تقشفاً» من العام الحالي بعد القضاء على عصابات «داعش»، واستعادة السيطرة على آبار النفط في كركوك ونينوى والإقليم، فإن هذه الموازنة تحمل عجزاً بنحو 20 بليون دولار، يغطى من طريق الاقتراض من الخارج، ما يغرق العراق بمزيد من الديون التي تجاوزت «الخط الأحمر»، وأصبحت تهدد بأخطار مالية واقتصادية واجتماعية، تحد من جهود التنمية وتعرقل تنفيذ مشروع إعادة الإعمار.

 

واجه العراق أخطاراً على مستوى الأمن والمؤسسات، هي الأعلى بين كل الدول السيادية. وكنتيجة طبيعية لتدهور وضعه المالي، تراجع تصنيفه الائتماني الى درجة «سالب» ما أفقده ثقة دولية، أدت الى فشله في محاولات كثيرة للاقتراض بإصدار سندات يطرحها في الأسواق العالمية، بسبب كلفتها المرتفعة، لكنه نجح بعد ذلك بالحصول على قروض عدة، بدعم من الولايات المتحدة والبنك الدولي، وبعد خضوعه لشروط قاسية فرضها عليه صندوق النقد، أهمها: إصدار قانون للإدارة المالية، وإدخال هيئة النزاهة كطرف فاعل في المتابعة المستقلة لإنفاق الدولة، واعتماد وثيقة الأمم المتحدة بمكافحة الفساد، منع تهريب العملة الأجنبية، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتقييد وزارة المال بأسس جديدة وإخضاع الديون الخارجية والداخلية للتدقيق.

 

بدأ الصندوق مساعدته للعراق بموافقته في العام الماضي على قرض قيمته 5.34 بليون دولار، لتنفيذ سياسات اقتصادية ومالية تساعده على مواجهة انخفاض أسعار النفط ونتائج تداعيات أعباء الحرب، وقدمت مجموعة البنك الدولي حزمة تمويل بنحو 1.5 بليون دولار لدعم الإصلاحات التي تنفذها حكومة بغداد لتحسين تقديم الخدمات العامة وتعزيز الشفافية ونمو القطاع الخاص، وبذلك ترتفع محفظة استثمارات البنك في العراق الى نحو 3.4 بليون دولار. ووقعت حكومة الولايات المتحدة اتفاقاً مطلع العام الحالي، حصلت الحكومة العراقية بموجبه على قرض قيمته بليون دولار، بإصدار سمّي «دجلة» وبضمان أميركي وبفائدة مخفضة. وقد سهل كل ذلك دخول العراق أخيراً الى أسواق المال العالمية بعد إصداره السند السيادي الخارجي باسم «الفرات» ومدته تزيد على خمس سنوات، وهو مضمون من الحكومة العراقية فقط. ولافت أن هذا الإصدار شهد إقبالاً كبيراً ، وتنافست عليه 350 شركة من شركات الاستثمار العالمية، مسجلاً رقماً قياسياً بلغ 12 بليون دولار، فيما وصل حجم طلبات الشراء الى نحو 6 بلايين دولار. واعتبر هذا النجاح خطوة مهمة تشكل منفذاً تمويلياً يحظى به العراق، ويساهم في تمويل العجز المزمن لموازنته، فضلاً عن تحريك النشاط الاقتصادي، ما يشجع رجال الأعمال والمستثمرين على الدخول بقوة في المشاركة بتمويل مشاريع إعادة الإعمار وتنفيذها.

 

وهكذا يشهد العراق تدفقاً كبيراً للقروض من الأسواق العالمية ومؤسسات التمويل الدولية، وهي تعتمد على قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية في مواعيدها، وهو دولة غنية على مرّ التاريخ، وعملاق نفطي في المنطقة، ويأتي في المرتبة الثانية في «أوبك» بعد المملكة العربية السعودية، ويقدر احتياطه المثبت بنحو 150 بليون برميل، ويشكل ثالث أكبر احتياط للنفط التقليدي في العالم بعد السعودية وإيران، وفيه فرص واعدة للاستثمار، وجاذبة للمستثمرين العراقيين والعرب والأجانب. وقد أثبتت السنوات العشر الممتدة من بدء الاحتلال الأميركي حتى نهاية عام 2013، قدرة العراقيين على التكيف مع التطورات الأمنية والسياسية، ولوحظ أن العام الأخير من تلك الفترة (أي عام 2013) سجل نمواً اقصادياً «قياسياً» بلغ 9 في المئة، ولكن الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي تدهور بدءاً من عام 2014 مع احتلال «داعش» مناطق واسعة واستثمار مواردها، ونزوح عدد كبير من السكان، ما أحدث خللاً كبيراً في التوزيع الديموغرافي، إضافة الى هروب أموال الى الخارج، وتعطيل عدد كبير من المؤسسات، وهدر في المال العام، وفساد شمل مختلف مؤسسات الدولة.

 

وإذا كان صندوق النقد الدولي يساعد العراق في حل أزمته المالية بالقروض، فإنه حذره في الوقت ذاته من تفاقم مشكلة الفقر، إذ تبين أن ثمة أربعة أشخاص فقراء بين كل عشرة نازحين، وأن حصة الفرد من الناتج الإجمالي انخفضت من سبعة آلاف دولار الى أربعة آلاف دولار سنوياً، كذلك تفاقمت البطالة التي بلغت نسبتها أكثر من 25 في المئة.

 

ومع اعترافها بفشل القطاع العام، تهتم الحكومة العراقية بوضع استراتيجية وطنية تمتد لخمس سنوات من 2018 حتى 2222، وتقضي بتطوير القطاع الخاص لمعالجة مشكلة الفقر، بمشاركة مع البنك الدولي وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونيسف. ولكن، إضافة الى الإرادة السياسية وأهميتها في القرارات التنفيذية، فإن خطة التطوير تتطلب إنفاق مبالغ كبيرة واستثمارات ضخمة في مشاريع متعددة ومتنوعة، توفر فرص عمل للعراقيين في وقت يغرق العراق بالديون لمواجهة العجز المالي المتراكم في موازنته، مع الإشارة الى أنه سيحصل على قروض بنحو 16 بليون دولار لسد «الفجوة المالية»، وقد بلغ دينه العام 114.6 بليون دولار بنهاية العام الماضي، وينتظر أن يرتفع الى 123 بليوناً نهاية العام الحالي، والى 132.4 بليون في العام المقبل، وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3 فساد.. “مشروع رقم 1″؟   رنا الصباغ الغد الاردنية
 

الصحفي الاستقصائي العراقي أسعد الزلزلي رفع هامات زملائه العرب المؤمنين بقدسية مهنة المتاعب “قولا وفعلا”، بنيله جائزة “النجم الساطع”؛ أرفع وسام دولي عن تحقيقه بعنوان: “المشروع رقم 1”.

هذا الشاب البغدادي ذو الـ 35 ربيعا صعد إلى منبر المؤتمر العالمي للصحافة الاستقصائية ليتقاسم هذه الجائزة النوعية مع معد تحقيق “القتل اللاقانوني في جنوب شرق نيجيريا”.

نفّذ هذا التكريم على وقع تصفيق 1100 صحافي/ة تجمهروا من أصقاع المعمورة لتبادل الخبرات، التشبيك وإدراك مهارات جديدة، في المؤتمر الدولي الذي عقد هذا الأسبوع في جوهانسبرغ/ جنوب أفريقيا.

من بين المشاركين 25 صحفيا عربيا ممن امتطوا مخاطر الاستقصاء في مصر، الأردن، العراق، تونس، اليمن، سورية، المغرب، الجزائر، ليبيا ودول خليجية. هذا الحضور العربي شكّل سابقة في عمر هذا المحفل الدولي الذي يلتئم كل عامين تقريبا.

الحشد ذاته صفّق بحرارة للزميل المصري مصطفى المرصفاوي، الذي وصل تحقيقه الاستقصائي المتلفز “موت في الخدمة” إلى قائمة  الترشيحات النهائية؛ بين 11 من أصل 211 تحقيقا استقصائيا من 67 دولة.

تكرّس هذه الجائزة لتكريم روّاد صحافة الاستقصاء في الدول النامية أو تلك التي تمر بمراحل انتقالية. هناك يعمل الصحفيون المهنيون الجادون تحت شبح الموت دون عقاب أو بمواجهة تهديدات بالسجن، الإيذاء الشخصي أو العائلي. ويطلب منهم الوقوف صراحة إلى جانب السلطة أو دفع الثمن. لائحة طالبي الانتقام تطول: حكومات، مؤسسات سيادية/ أمنية، شخوص عالم الإجرام والفساد المالي والإداري وميليشيات تنافس السلطات الرسمية في عديد دول.

في تحقيقه المتلفز، الذي تطلب إعداده ستة أشهر متنقلا بين العراق والأردن، كشف الزلزلي فسادا حكوميا في بلاده أدى الى هدر 200 مليون دولار من ميزانية وزارة التربية والتعليم. خّصصت تلك المبالغ قبل سبع سنوات لبناء 1700 مدرسة، لكنّ معاول الفساد حرمت الأطفال من أبسط حقوقهم وسط لعبة عنوانها تراجع العدل أمام الفساد.

بعد بث التحقيق بشهور، أصدرت محكمة الجنايات المختصة بقضايا النزاهة في العراق حكما غيابيا بسجن مقاول ذلك المشروع سبع سنوات ومصادرة أمواله عقب إدانته في قضية فساد “المشروع رقم 1”.

فساد التعليم في العراق ليس إلا رأس جبل جليد في بلد يتصدر مؤشر الفساد الدولي للعام 2016.

أما المرصفاوي، فكشف من خلال تقريره البصري الذي بثته فضائية الـ “بي بي سي” العربية العام 2016، عن أدلّة قوية تؤشر إلى تعرض مجندين في قوى الأمن المركزي المصرية لسوء معاملة تلامس حدود القتل على يد ضباط. بعد بث التحقيق بشهور، حكمت محكمة مصرية بالسجن على ضابط ورد اسمه في التحقيق المتصل بموت المجند أحمد حسني.

بالطبع لم يكن حسني المجند الوحيد الذي تحيط به علامات استفهام بين وفيات تقع داخل قوى الأمن المركزي. فطوال عامين، حقّق المرصفاوي في سلسلة حالات موت وانتحار مفترض سجّلت منذ العام 2008 داخل هذا الجهاز الحيوي. كما كشف التحقيق انتشار ثقافة العنف بين فئة الضباط على أساس إساءة معاملة المجندين. وعثر المرصفاوي على أدلّة على وجود ممارسات منظمة للتغطية على المخالفات، سوء المعاملة أو حتى القتل.

دفع الزلزلي والمرصفاوي ثمن تحقيقيهما، حال كل صحفي يقترب من عش دبابير الفساد والإفساد.

الزلزلي تعرض لحملة تشويه سمعة بيد المتهم الرئيس في قضية الفساد وكذلك لإطلاق رصاص على مركبته أمام منزله.

أما المرصفاوي ففصل من صحيفته بعد تسع سنوات من العمل فيها، وتعرض لحملة تشويه سمعة منظمة على يد أربعة مذيعين/ مقدمي برامج سياسية في فضائيات مصرية مقربة من السلطة اتهمته بالتآمر على بلده وتشويه سمعة جهازه الأمني.

وانتشر وسم “ال بي بي سي تتآمر ضد مصر” كالنار في الهشيم.

لم يفقد الزلزلي والمرصفاوي حماسهما بعد حوادث الانتقام والتشهير. بل، يستمر انتاجهما بذات الكثافة دون خوف من ردود أفعال المتنفذين في القطاع العام أو الخاص على قاعدة التحالف بين السلطة والمال. تحركهما – على غرار أقرانهما في هذا المضمار- رغبة ذاتية غير موضوعية صوب تقصّي قضية ما بسبب الشعور بالغبن، الخوف أو الغضب حيال تأثيرها على المجتمع. وبذلك يحقّق هذا الصحفي رغبة ذاتية بهدف فتح باب النقاش المجتمعي (الرسمي والشعبي) لتصويب المشكلة القائمة. لكن أساس العمل المتبع للوصول إلى الحقيقة يقوم على نهج بحث موضوعي يتوخّى أقصى درجات الموضوعية ويمنح المتسبب (عن قصد أو دون قصد) حق الإدلاء بوجهة نظره في الموضوع.

يحرك الزلزلي والمرصفاوي هدف مشترك؛ فهما لا يسعيان إلى النجومية أو الثأر الشخصي بل لخدمة المجتمع من خلال توثيق المعلومات والحقائق بأسلوب موضوعي يستهدف كشف المستور وإحداث تغيير من أجل المنفعة العامة عبر تعزيز مبادئ الشفافية والعدالة الاجتماعية والحاكمية الراشدة.

هذا النوع النادر من العمل الصحفي يكشف شيئا ما يسعى أحد ما لإبقائه سرا أو يؤشر لإخفاقات منهجية وسياسات غير صائبة نتيجة لجهد شخصي يبذله صحفي/ة للمنفعة العامة. على أن غالبية غرف التحرير العربية لا تحبّذ مثل هذه المغامرات لأن كلفتها المهنية والمالية مرتفعة.

يكشف هؤلاء الصحفيون الفريدون هدر أموال وغياب عدالة، وكذا انعكاس الممارسات المغلوطة خلف الجدران على دافعي الضرائب. وتؤشر التحقيقات إلى إخفاقات مسؤولين، قصور أنظمة وتشريعات عبر المقارنة بين آليات العمل نظريا وفعليا وصولا إلى تفعيل مبدأ المساءلة من أجل تصويب الأوضاع ومعالجة الخلل.

صحافيو الاستقصاء يشكلّون أقل من 6 % من أقطاب السلطة الرابعة في أي بلد حول هذا العالم.

يتطلب الاستقصاء تراكم مهارات عبر سنوات من العمل المضني.  فمن أساسيات الاستقصاء عامل الشك والفضول إلى جانب التحضير المسبق بعمق حول الموضوع والأشخاص والضحايا والقوانين، ثم تنظيم المعطيات بدقّة لفهم الصورة الأكبر. كذلك الصبر، المثابرة، العزم والإصرار على مواجهة العقبات المتوقعة، وتنويع مصادر الحصول على المعلومات للوصول إلى الهدف. يتمتع الاستقصائي أيضا بحس مرهف، دقّة الملاحظة، ملكة الاهتمام بالتفاصيل والتزام الحذر والتكتم لأن سمعة الآخرين بين يدي هذا الصحفي. ويتمتع بالمرونة أيضا والقدرة على هضم ومعالجة معلومات غير متوقعة أو حقائق قد تناقض فرضية التحقيق مثار البحث. الشك في الاستقصاء يجب أن يكون على نحو منهجي بعيد عن السخرية أو الحط من قدر الآخر أو ازدراء مؤهلاته وكفاءته. فالشك على نحو صحي يشكّل روح وجوهر الإطار الفكري للصحفي الاستقصائي. والأهم عامل الوقت. فالوقت اكسير التحقيق؛ من خلاله تتبلور الأفكار وتتطور بما يمكّن الصحفي الاستقصائي من نسج خيوط موضوعه عبر ربط الحقائق بالوقائع، والأحداث بالحقائق بطريقة تنتج قصة استقصائية واقعية وحيوية. وبذلك يتحول الصحافي الاستقصائي إلى حامي ضمير الرأي العام. بعد كل هذا الجهد يسرد الصحفي الاستقصائي القصّة (القضية) كما هي وليس كما يرغب المسؤول في ترويجها.

شكرا للزلزلي وللمرصفاوي ولجيل جديد من الصحفيين الاستقصائيين في عالمنا العربي، حيث الصحافة مقيدة بالأصفاد. هؤلاء أثبتوا حضورا في الحركة الاستقصائية العالمية بعد أن باتوا جزءا من السلطة الرابعة يتكلمون باسم من لا صوت له.