ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | متى يتم إطلاق سراح ملفات الاحتلال الأميركي للعراق
|
حامد الكيلاني | العرب |
هل سعت إيران لإقناع الأميركان بعلاقة العراق وقيادته بتنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر 2001 بما عجل باحتلال أفغانستان ومن بعدها العراق في حرب مفتوحة على الإرهاب اختلطت فيها الحقائق بالأكاذيب
وكالة الاستخبارات الأميركية رفعت السرية عن الوثائق أو المستندات التي تم ضبطها في الهجوم الذي أدى إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن داخل مجمع في مدينة أبوت آباد الباكستانية بداية مايو 2011 وفيها ما يؤكد العلاقة بين تنظيم دولة إيران الإسلامية وبين تنظيم القاعدة.
تلك الصلة كانت مثار شك وجدل وريبة تواصلت وارتبطت بتنظيم داعش أيضا، وكان السؤال دائماً لماذا لا تتعرض إيران لأي هجوم أو عملية إرهابية، في حين أن الإرهاب ضرب معظم الدول المحيطة والقريبة منها، بل تعداها إلى دول أوروبا وأميركا ومناطق مختلفة من العالم؟
وثائق أبوت آباد تشير إلى رسائل متبادلة وإقامة وعبور للأراضي الإيرانية وعروض بدعم مالي مع السلاح والتدريب، وهي عناصر في صلب مناهج الأعمال القتالية الإرهابية.
إيران استعدت بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى إدارة البيت الأبيض للإجابة العملية على عدم استهداف النظام الإيراني بالعمليات الإرهابية، رغم أن المدانين بالإرهاب ينتمون إلى جماعات متشددة ومتطرفة تم تسويقها في الإعلام على أنها جماعات مذهبية وطائفية بالضد من الانتماء المذهبي والطائفي لولاية الفقيه وأتباعها، بل إن المتوقع في بديهيات الفكر الإرهابي أن تكون إيران في مقدمة المستهدفين والمطلوبين للهجمات الإرهابية.
التفسيرات والمبررات الإيرانية لم تكن مقنعة بما يكفي لحصر الأسباب في قوة ومتانة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فحسب، لذلك ذهبوا للتصريح بأهمية المهمـات القتالية الخارجية لميليشيات الحرس الثوري في العراق وسوريا واليمن لتلافي مجابهة الإرهاب على أراضيهم وفي مدنهم.
لكنهم استشعروا مخاطر تصفير العمليات الإرهابية باستمرار، فكان ما كان من مسرحية الهجوم على البرلمان الإيراني أو على مقربة من قبر الخميني في طهران وانتهت بإطلاق صواريخ باليستية على مدينة دير الزور في عرض يوحي بالانتقام ورد الفعل تجاه الإرهاب بحجة ساذجة لتجريب البرنامج الصاروخي خارج المحاسبة والمساءلة الدولية في محاكاة متوازية لتجارب كوريا الشمالية وبإيحاءات سياسية مترامية.
إيران لم تعد ضمن مرمى الشكوك بالإرهاب أو دعمه وتمدده، إذ لا يمر يوم تقريباً إلا ولإيران دور في زعزعة الاستقرار. أولاً على صعيد تأكيد عدائهم للعرب، وثانيا في نشر الإرهاب على مساحات واسعة من العالم تطبيقاً لغايات تصدير ثورتهم التي يراها بعضهم للاستهلاك المحلي بما يخدم سياستهم كملالي على رأس سلطة حاكمة، بينما الوقائع ترسخ صادراتهم على أنها بمنهجية من صلب توجهاتهم الفكرية التي قامت عليها تعاليم المرشد الأعلى منذ استلام السلطة في إيران عام 1979.
الكشف عن الوثائق السرية خطوة مضافة إلى استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه النظام الإيراني، حيث بدأ تطبيقها فعلياً في إعلان 13 أكتوبر الماضي بدعوة الكونغرس الأميركي لمراجعة ومعالجة العديد من نقاط الضعف الشديد في الاتفاق النووي مع التلويح والتهديد بالانسحاب في حالة عدم إجراء التعديلات المطلوبة.
خطوة الكشف عن الوثائق وردت في رقم صادم اقترب من 470 ألف ملف أو وثيقة، مع الإشارة إلى وثائق أخرى تم حجبها لأنها تتعلق بأسماء وأحداث مازالت تتفاعل في تأثيرها ونشاطها الميداني أو المعلوماتي.
توقيت إطلاق الوثائق يعمل كعدسة تكبير لما يجري على الساحة الأفغانية ومحاولة إيران الانفتاح في أنشطتها المسلحة بالتعاون مع حركة طالبان ومجموعة ميليشيات تم الإعداد لها لتقدم خدماتها في عرقلة جهود السلام أو المصالحة المجتمعية ولمشاغلة قوات حلف الناتو بما فيها القوات الأميركية في حالة نشوب أي صراع مسلح محتمل.
قوات حلف الناتو في أفغانستان وصل تعدادها إلى 16 ألف جندي بعد زيادة 3 آلاف في إطار مهمة الدعم الحازم التي وصفتها روسيا بأنها غير مؤثرة في ردع العمليات الإرهابية والهجمات المسلحة المتزايدة، ما دفع بالولايات المتحدة إلى التلميح بدعم سياسي تتلقاه طالبان من الحكومة الروسية في غمزة إلى تاريخ الاحتلال الروسي وفشله في أفغانستان والذي كان من أهم مسوغات نشوء الحركات الإرهابية عندما بدأت بحركات مقاومة جهادية ضد المحتل الروسي.
روسيا وإيران تؤديان أدوارا متشابهة في أفغانستان أو سوريا، وتتفرد إيران في دول أخرى كالعراق واليمن ولبنان عملياً وبغطاء سياسي روسي، أحياناً مباشر وأحيانا أخرى خفي، لكنه حاضر في التصريحات أو في الهيئات الأممية أو في المناورات وتبادل الاتهامات أو تكذيب ونفي التفاهمات.
في سوريا شن النظام الحاكم غارات جوية عنيفة استهدفت مخازن المساعدات الغذائية التابعة للأمم المتحدة والتي وصلت إلى مدينة دوما على شحتها، فهي لا تغطي سوى 40 ألف نسمة من 400 ألف نسمة في حالة حصار.
وعبورا على الموت المجاني، ماذا قدمت روسيا وإيران من مساعدات إنسانية لشعوبنا، وتحديدا للشعب السوري غير الخراب والدمار وتجربة كافة أنواع وصنوف الأسلحة والميليشيات وبغطاء جوي تردد روسيا باستمرار أنه كان وراء بقاء النظام السوري في السلطة.
الشعوب تموت جوعا وإيران لا تتوانى عن إيصال أسلحتها إلى اليمن لتطيل أمد النزاعات والعدوان، وإطلاق الصواريخ الباليستية وآخرها على مدينة الرياض الذي من تداعياته عقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية للتشاور في الانتهاكات الإيرانية، وعلى مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء في دورة غير عادية نأمل أن تخرج بإدانة للعدوان دعما لمواقف المملكة العربية السعودية.
رغم أننا لا نتوقع موقفا بالإجماع مع كل طرح يتعلق بإيران وإرهابها في المنطقة، إذ تلجأ وفود معينة إلى لعبة النأي بالنفس في محاولة للالتفاف على أي قرار أو موقف حاسم تجاه قضايا أمتنا المصيرية، فسياسة النأي بالنفس أصبحت لعبة مزدوجة بين السياسة الداخلية والخارجية كما يحدث في جنون حزب الله وتخبطه في لبنان، أو في فلسفة ومتاهة وزارة خارجية العراق في كل ما يتعلق بالإرهاب الإيراني.
دون استباق للأحداث نحن أمام واقع دولي لا يهتم كثيرا بالوثائق أو المستندات عن حجم الجرائم والإبادات والانتهاكات، فالمجتمع الدولي ينتظر التوافقات أو القرارات الأممية التي قد تأتي أو لا تأتي في ظل عدم الاهتمام بالموت أو الجوع أو النزوح أو اللجوء الجماعي لملايين البشر.
ما يثير الفضول في وثائق أبوت آباد لوكالة الاستخبارات الأميركية هو رغبة العـراقيين والعـرب في إطـلاق سـراح الوثـائق المتعلقة بما يسمى المعارضة العراقية ولقاءاتها مع القادة الأميركان وخفايا اجتماعاتهم في السي آي أيه، وهل كان لإيران دور من خـلال أحزابها الحاكمة في العراق الآن في التنسيق بين إيران وأميركا لتقديم التسهيلات للاحتلال الأميركي للعراق، أو غض الطرف عن المساومات على العراق وشعبه وما دفعه من خسائر طيلة سنوات الاحتلال المزدوج بعد أبريل 2003.
هل سعت إيران من خلال عملائها لإقناع الأميركان بعلاقة العراق وقيادته بتنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 بما عجل من احتلال أفغانستان ومن بعدها العراق في حرب مفتوحة على الإرهاب اختلطت فيها الحقائق بالأكاذيب التي تسيدتها إيران وتمددت بها إلى العراق والمنطقة؟
الملفات أو الوثائق والمستندات أحيانا تفتح وأحيانا تغلق لتضيع معها حقوق الشعوب في كرامتها وحريتها، لكننا تعلمنا أن المجرم لا بد أن ينال جزاءه العادل وأن ملفات الاحتيال الإيرانية بعد أن تكدست لا بد أن تجد طريقها إلى الحساب رغم أن في جعبة نظامهم المنحرف الكثير. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | لماذا أصرّ مسعود بارزاني على الاستفتاء؟
|
علي عزيز
|
الحياة السعودية |
وقفت دول العالم والمنطقة كلها ضد قرار الاستفتاء الذي أصرّ عليه مسعود بارزاني. وفي الداخل الكُردي، اتفق معظم الجهات الكُردية بما فيها جناح من الحزب الذي يترأسه بارزاني، على أن يتم تأجيل الاستفتاء تحت وطأة الضغوط الدولية. لم يكن إصرار بارزاني على المضي قدماً في إجراء الاستفتاء انتصارا للذات أو التلذذ بالعناد الذي يكمن فيه وهم البطولة، عبر الإصرار على تحدي كل ما حوله.
بارزاني بعيد من ذلك. فالرجل شديد الصبر والاتزان. وفوق ذلك، هو مخضرم في السياسة، وتجربته وحدها تكفي لتوضيح الصورة، فهو لم يقامر بمصير شعبه يوماً، بل يُعرف عنه، إلى جانب رباطة جأشه، تفضيله الحلول الأسلم من مغامرة تبدو فيها عوائد غير مضمونة العواقب. وهذا الأمر بالذات كان سبباً للهجوم عليه، من قبل خصومه الكُرد الذين يتذرعون اليوم بالخروج عليه، لأنه غامر بمصيرهم! ففي الماضي اتُهِمَ بارزاني أنه غير مندفع إلى حق تقرير مصير كُردستان، بل استقر أمره على حل القضية في العراق!
قد يكون مسعود بارزاني من السياسيين القلائل الذين يكنّون بحق مشاعر غير ودية تجاه الغرب. التاريخ والواقع يثبتان أن الغرب نفسه يدرك مدى هذه المشاعر، ويعرف كيف يتعامل معها، كما يعرف التعامل مع زيف الصخب الإعلامي الإيراني مثلاً، والذي يتراكم من كم من شعارات كبيرة ضد الغرب، لا سيما أميركا. فالغرب كافأ بارزاني بالإقصاء، رغم أنهما يبدوان حليفين، وأطلق يد إيران في المنطقة، مع أن العداوة هي السائدة في الظاهر الإعلامي بين الطرفين.
ولد مسعود بارزاني عام 1946، تحت راية أول جمهورية كُردستانية ولدت بعد حوالى عقدين من سقوط مملكة الشيخ محمود الحفيد التي أسقطها الإنكليز. في جمهورية مهاباد، كان الملا مصطفى وزيراً للدفاع. لم يكمل مسعود سنة كاملة بعد ولادته، حين سقطت الجمهورية، ما اضطر والده إلى الانسحاب عبر الجبال إلى حدود العراق وهو يقاتل الجيش الإيراني. ما أن دخل الملا مصطفى حدود العراق، حتى كانت القوات العراقية تلاحقه وهو يقاومها مع رجاله، في طريق الانسحاب باتجاه تركيا. كانت القوات التركية بدورها في انتظاره وهو مرغم على قتالها، تزامناً مع انسحاب عبر الجبال إلى داخل الاتحاد السوفياتي، في ثلاث معارك كبيرة وعشر مناوشات وقتال متفرق.
بعد أربعة عشر عاماً، بدأ الملا مصطفى الثورة من جديد، وانضم إليه مسعود وهو ابن ستة عشر عاماً. عام 1975، تعرض مصطفى إلى «خيانة» جديدة من قبل الغرب. في عام 1991، تعرض الكُرد إلى خيانة واضحة من قبل دول الغرب، حين سمحت للنظام العراقي بقصف مدن كُردستان بالطائرات بعد منعها. لذلك، ترسخت في ذهن مسعود بارزاني صورة الغرب القاتمة المليئة بالاستغلال والتعسف وعدم الوفاء بالعهود. فأمسى الرجل لا يثق بالغرب بل يعتبره مصدر المشكلة.
عام 1992، زار جلال طالباني ومسعود بارزاني أميركا ودولاً أوروبية. وفور عودتهما، كان طالباني مسرعاً إلى تنظيم الحشود الجماهيرية على عجل. طالباني نسب إلى قادة الغرب مساندتهم حق تقرير مصير الشعب الكُردي. لكن الشك بدأ يساور الناس، بعد أن علموا أن قادة الغرب يصرحون خلاف ذلك.
علّق الناس آمالهم على بارزاني بأن يظهر للجماهير ويقول لهم صدق المقال. وبعد طول غياب، تجمع الناس في أربيل، حيث كان بارزاني يلقي خطابه. في ذلك اليوم، أعلن بارزاني أن دول الغرب ليست مع الكُرد، وأن حل القضية الكُردية ليس إلا في بغداد عبر التفاوض. إثر ذلك، بدأ الإعلام المناوئ بتشويه صورته، لكونه عديم الاندفاع نحو حق تقرير المصير.
وفي عام 1996، نشرت إحدى الصحف اللبنانية مقابلة مع مسعود بارزاني، ولفت النظر سؤال حول دور أميركا في إخماد فتيل القتال الداخلي، فرد بارزاني متسائلاً: «ومن قال لك أن أميركا ليست سعيدة بقتالنا؟». قبل عام 2003، لم تكن لدى بارزاني رغبة في إسقاط نظام صدام حسين. فكان يردد دوماً أنه ليس هناك بديل أفضل، وأن الأميركيين ليست لديهم رؤية واضحة لعراق ما بعد صدام حسين. وظل الرجل يتساءل عن الرؤية الواضحة تجاه الشعب الكُردي، بينما كان الأميركيون يؤجلون النقاش إلى ما بعد تحقيق خطتهم. بعد سقوط النظام، ذهب بارزاني إلى بغداد لبناء العراق من جديد بعد أن هُدم. لكنه اصطدم بمماطلة الأميركيين وخداع الحكام الجدد وتسويفهم. انتظر الرجل أكثر من عقد من دون أي حل للقضايا العالقة. في عام 2014، استولى «داعش» على مدينة الموصل. ذهب بارزاني إلى برلمان الإقليم، وصرّح أن العراق ومعه خريطة سايكس- بيكو قد انتهى. وأوصى البرلمان أن يقوم بالتحضيرات لإجراء الاستفتاء، وأن الكُرد لن يخوضوا القتال ضد أحد، وأن الحرب القائمة مذهبية. هرع جون كيري إلى أربيل يحث بارزاني على تأجيل الاستفتاء إلى ما بعد دحر «داعش». قبِل بارزاني الأمر مرغماً، كما أرغِم على قبول صفقات أسلحة قديمة من الغرب، مقابل إفراغ خزانات الكُرد من بلايين الدولارات. أقحِم بارزاني في القتال، بعد أن حشر كل من حزب العمال والاتحاد الوطني نفسيهما في القتال. زار وفد إيراني مسعود بارزاني، يطالبه بالقتال مع «داعش»، لكن بارزاني رفض.
لاحظ الكُرد أن أميركا تغدق على البيشمركة المديح الكثير، بينما ترسل الأسلحة الثقيلة إلى ميليشيات الشيعة. قال لي ديبلوماسي كُردي إنه بعث خمس رسائل إلى الدولة الغربية التي بُعث إليها، يطلب جهازاً لكشف المتفجرات نظراً لسقوط ضحايا كثر بين البيشمركة، لكن من دون جدوى.
على أي حال، انتهت الحرب مع «داعش»، وعاد بارزاني يفتح صفحة الاستفتاء، ويذكّر أميركا بوعدها. فما كان من أميركا إلا أن حضّت وزير خارجيتها ريكس تيلرسون على إقناع بارزاني بالعدول عن الاستفتاء، وتأجيله إلى موعد آخر، والدخول في مفاوضات مع حكومة بغداد. لكن بارزاني طالب ببديل أفضل وبإشراف دول عالمية. أميركا اكتفت بترداد نغمة أن على الكُرد التفاوض مع بغداد من دون ضمانات. لم تنفع تساؤلات بارزاني أن بغداد هي نفسها التي تعطل العمل بالدستور وتخرقه منذ عام 2003. أميركا ظلت تحيل بارزاني إلى بغداد. بدا المشهد كالسيناريو الذي حدث للثورة الكُردية عام 1975 ومحطات أخرى كثيرة. وهذا ما أكده بارزاني مراراً في مناسبات شعبية كثيرة، بأن دول الغرب منذ مئة عام تلعب بالقضية الكُردية، وأن اليوم الذي تقول فيه للكُرد: «تفضلوا هذه حقوقكم لن يأتي أبداً». لذلك، قرّر بارزاني إجراء الاستفتاء وعدم الاستمرار في الرئاسة بعد انتهاء مدته في كل الأحوال. وتم الاستفتاء من دون وجود خيار أفضل. أما الحكومة العراقية فقد كانت عازمة على اقتحام كركوك، سواء حصل الاستفتاء أم لا، لأن إيران كانت قررت ذلك منذ مدة بعيدة. الاستفتاء عرّى أميركا ودول الغرب، لأنها ظلت تسلّح ميليشيات إرهابية كثيرة الصخب ضدها!
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | العرب والكرد: بعد «النكسة»، ما العمل؟ | عريب الرنتاوي
|
الدستور الاردنية |
أدار رئيس الحكومة العراقية الدكتور حيدر العبادي أزمة استفتاء (إقراء انفصال) إقليم كردستان بقدر “معقول” من الحنكة والمسؤولية … لكن ملف العلاقة بين المركز والإقليم، لا يُدار من قبل رئيس الحكومة وحده، ففي العراق، باتت جميع الملفات تخضع بهذا القدر أو ذاك، لإدارة أطراف ولاعبين كثر، بوجود مراكز قوى ونفوذ متعددة وموزعة على الكثير من الاتجاهات السياسية والفكرية المتناقضة. ولا يكاد يختلف اثنان في أن ما حصل بعد “الخامس والعشرين من أيلول الفائت”، كان بمثابة هزيمة نكراء للمشروع الاستقلالي الكردي ولطموحات هذا الشعب الشقيق في تقرير مصيره بنفسه، ويذهب البعض من الكتاب والمحللين إلى حد تشبية وضع الحركة القومية الكردية بما كانت عليه الحركة القومية العربية بعد هزيمة حزيران، والتي أسست لانهيار هذه الحركة المتلاحق والمتتابع، والذي ما زالت تداعياته تتفاعل بعد مرور خمسين عاماً على حرب الأيام الستة. كرد العراق أمام منعطف غير مسبوق منذ عقدين من الزمان، إن لم نقل أبعد من ذلك … وأمامهم أن يبحثوا عن “مشاجب” يعلقون عليها أوزار فشلهم، كما فعل إخوانهم العرب قبل خمسين عاماً بالتمام والكمال، أو أن يبحثوا عن الأسباب العميقة لـ “التجربة المرة” في ثنايا حركتهم القومية بأحزابها وقياداتها المختلفة وما أنتجته هذه الحركة من بنى ومؤسسات، وما انتهجته من استراتيجيات وسياسات وممارسات، طول ربع قرن من استقلالهم الواقعي ‘Defacto”. وأذكر أنني عرضت لبعض جوانب هذه الرؤيا في مؤتمر “الديمقراطية وتقرير المصير” الذي استضافته السليمانية عشية الاستفتاء مباشرة، حين جادل بعض الإخوة الكرد بأن حديثنا نحن العرب، عن فشل مشروع بناء “دولة المواطنة” في الإقليم، ومخاطر إعادة انتاج دولة ريعية في زمن تآكل النفط وعائداته وتراجع مكانتهما الاستراتيجية، إنما ينطوي على نزعة تبريرية لإدامة استتباع الكرد للمركز، وأن دعمنا “المشروط” لتقرير المصير، إنما يستبطن موقفاً “منافقاً” من مشروعهم الوطني، فما كان مني في حينه، إلا أن رحبت بدولة كردستان العتيدة، كعضو فاعل ونشيط، في نادي “الدول الفاشلة” في الإقليم، والتي يتزايد عددها وتتكاثر كالنبت الشيطاني، لكن حتى هذا الخيار، بات بعيد المنال بالنسبة للكرد، أقله في المدى المرئي والمنظور. لا يعني ذلك بالطبع، أن المركز (بغداد) أو العنصر العربي في المعادلة العراقية، يعيش ظروفاً أفضل على هذا الصعيد، فإن كان كرد العراق بحاجة لمراجعة التجربة وتقديم مرافعة في النقد والنقد الذاتي، فإن عرب العراق مطالبون بما يشبه “الثورة البيضاء” على التجربة السابقة للعام 2003 واللاحقة لها على حد سواء، فالعراق بدوره، تجربة في الفشل عندما يتعلق الأمر بالحكم الرشيد ومشروع بناء “دولة الأمة” … والنظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية والمذهبية، تكشّف عن عجز في “جمع القمامة” وإيصال الكهرباء وماء الشرب الى منازل العراقيين، وخضع لأفدح هزيمة في أواسط حزيران 2014 على يد عصابات داعش، التي نجحت في لمح البصر، في احتلال ما يقرب من نصف مساحة العراق … ما حصل في تلك الأيام، أشد هولاً وفداحة من هزيمة ثلاثة جيوش عربية أمام “جيش الشرذمة وشذاذ الآفاق” وفقاً لخطاب البعث وصوت العرب سواء بسواء. لسنا متفائلين بأمر المراجعات هذه، لا في المركز ولا في الإقليم، فنحن أبناء مدرسة في العمل السياسي والفكري، على تعدد مشاربها ومرجعياتها، نشأنا على مسلمة “أن الأحداث جاءت لتبرهن على صحة مواقفنا”، لكأن لا وظيفة للاحداث و”التطور التاريخي” برمته، سوى البرهنة على صحة خطاب الحزب أو الزعيم، أما حين يقع الخطأ (اقرأ المصيبة) فغالباً ما يعود السبب لعوامل خارجة عن المألوف، أو ينسب لبطانة السوء، وأحياناً لكبر حجم المؤامرة وتعاظم أدوار المتآمرين. ما يهمنا اليوم، واليوم على نحو خاص، هو أن يخرج العرب، كل العرب، وليس عرب العراق وحدهم، من “النزعة الانتصارية” التي تميّز سلوكهم وخطابهم حيال الكرد، وأن يتوفروا على قدر من الحكمة والرؤية المستقبلية، التي تتوخى العيش المشترك وتحترم روابط الأخوة والمواطنة المشتركة، وأن يتصدوا لكل مظاهر السلوك والتفكير “الانتقامي” الذي يتعمد إهانة الكرد وإذلالهم، وسلب ما لهم من حقوق ومصادرة ما يعتمر في صدورهم من تطلعات. بعض المنتشين بالنصر السهل المتحقق للمركز على الإقليم، يستعيدون لتبرير سلوكهم البائس، صفحات من “الغطرسة” و”الاستعلاء” الكرديين، حيال بغداد والعرب عموماً، وهو أمر لم نكن في غفلة عنه، ولقد شاهدنا بعض صوره ولمسنا بعض تجلياته، في التجربة الشخصية المباشرة مع المكون الكردي … لكن الرد على الغطرسة بغطرسة من نوعها أو أثقل منها، والرد على الاستعلاء بعنصرية وشوفينية “القومية الكبرى”، أمرٌ شديد الخطورة، ويؤسس لموجات قادمة من حروب الإخوة الأعداء، ودائماً بالضد من مصالح العرب والكرد على حد سواء. في السليمانية، حذرنا من خطر تفشي “شوفينية الأقلية” التي تتذرع بالانتقام من “شوفينية الأغلبية” … حرب الشوفينييات هذه يجب أن تنتهي، والخروج من دائرة الأفعال وردود الأفعال، بات أولوية كبرى، صوناً للمستقبل، وبغرض إعادة بناء عراق “ما بعد داعش”، وعراق “ما بعد صدام حسين” و”عراق ما بعد البارزاني واستفتائه” … والمسؤولية الكبرى في كسر هذه “الدائرة الشريرة” تقع على عاتق الأغلبية أولاً، والمبادرة يجب أن تنطلق من بغداد، على أن تلاقيها مبادرات مماثلة من عقلاء الإقليم ونخبه الأكثر واقعية … أما النخب العربية من خارج العراق، فمسؤولة أيضاَ وعليها القيام بمبادرات إطفائية، بدل أن يكتفي بعضها بصب المزيد من الزيت الحار، على نيران المشاعر المتأججة، والاستمتاع بنكء الجراح المفتوحة والمتقرحة. |