ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | عاشوراء كمناسبة سياسية
| حسام عيتاني
| الحياة السعودية |
لا تقبل الأحزاب الأيديولوجية إفلات أي مناسبة، مهما كانت، من قبضة التوظيف الآني والأداتي. فكيف إذا كانت المناسبة هذه في صميم البناء الأيديولوجي والنظرة إلى العالم وانقساماته بين معسكري الخير والشرّ. يمكن إسقاط هذا التفسير على تطور إحياء ذكرى مصرع الإمام الحسين بن علي في العاشر من محرم في أرض الطف في كربلاء. لم يكن تذكر تلك الواقعة المأسوية على سوية واحدة في تاريخ الشيعة، بل تقدم وتراجع بحسب موقع الجماعة الشيعية في البلاد الإسلامية وامتلاكها السلطة أو تعرضها للاضطهاد بحسب دورات التاريخ العربي والإسلامي الكثيرة والمتداخلة. ومن الدولة البويهية إلى الجمهورية الإسلامية في إيران مروراً بالدولة الفاطمية (الإسماعيلية) في مصر ثم الإمبراطورية الصفوية، كانت عاشوراء استعراضاً دينياً– سياسياً متعدد الأهداف: الحنابلة والخلافة العباسية، بعد ذلك السلطنة العثمانية. يتغير إذاً المضمون السياسي لذكرى عاشوراء بتغير أحوال العالم وأوضاع المذهب الشيعي فيه وحرص مرجعيات المذهب على وحدته وتضامنه تضفي معنى أعمق على مفاهيم التضامن والتعاون والاعتراف بالتراتبية القيادية بما يعزز سمات العصبية على نحو تفتقر إليه افتقاراً شديداً الجماعة السنية المقابلة. غني عن البيان أن سمات الوحدة تتباين بين عصر وآخر وبين مكان وآخر. بيد أننا نعثر في مناسبات عدة على ظواهر من القابلية للحشد والتعبئة على نحو ما بدا في الحرب السورية التي جاء متطوعون من انحاء العالم الشيعي كافة للمشاركة فيها. الاختلاف بين هؤلاء المتطوعين وبين «الجهاديين» الذين تدفقوا على سورية من بلاد بعيدة أيضاً يتلخص في وحدة القيادة والاستراتيجية عند المقاتلين الشيعة والانصياع لإمرة المرجعية الإيرانية في مقابل التفكك القيادي والأيديولوجي عند خصومهم السنّة وصولاً إلى الاقتتال في ما بينهم والتصفيات المتبادلة بين فصائلهم. على مستوى أضيَق، يمكن تأريخ موقع الشيعة اللبنانيين في بنية الدولة والمجتمع وفق احتفالات عاشوراء منذ الاستقلال حتى اليوم، والجهة التي كان يقصدها الخطاب الاحتجاجي للمتحدثين في الذكرى. في مرحلة مبكرة من عمر الدولة اللبنانية كان التحالف بين الزعامات الشيعية الموصوفة بالإقطاع وبين رأس السلطة يجرد الخطاب العاشورائي (بمعنى الاستخدام السياسي والدعائي لذكرى استشهاد الحسين) من الجزء الأكبر من طبيعته الاحتجاجية. لاحقاً، مع بروز الإمام موسى الصدر وصعود الرفض الشيعي للتهميش وانحدار الزعامات العائلية التقليدية، وُجّه الخطاب العاشورائي إلى السلطة اللبنانية التي أهملت عن قصد أي جهد إنمائي في المناطق التي يشكل الشيعة أكثريتها السكانية. الخطاب ذاته تحول احتجاجاً على التجاوزات والانتهاكات الفلسطينية بين السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي أثناء سطوة منظمة التحرير الفلسطينية على الجنوب اللبناني، لينتقل إلى رفض للاحتلال الإسرائيلي والدعوة إلى مقاومته بكل السبل بعد اجتياح إسرائيل لبنان. نهاية الاحتلال والتغيرات العميقة التي بدأت تشهدها المنطقة منذ الغزو الأميركي للعراق وتصاعد التوتر السنّي- الشيعي ليبلغ الحرب الأهلية المفتوحة بعد تفجير مقام الإمامين العسكريين في سامراء والنتيجة التي آلت اليها حرب تموز (يوليو) 2006 في لبنان، فرضت تبدلاً في الخطاب الشيعي في عاشوراء التي أصبحت مناسبة لتأكيد منعة الطائفة ووحدتها وصدوعها لأمر قيادتها ووقوفها صلبة في وجه أعدائها المتكاثرين الذين باتوا يضمون كل من يتحدى نفوذ الطائفة في الدولة اللبنانية وفي ساحات النفوذ الإيراني سواء بسواء، يتساوى في هذا النظر الإسرائيليون والتكفيريون ومن هو في منزلة بين هاتين المنزلتين. لن تستغني القيادات الشيعية الحالية عن عاشوراء كفرصة لتعزيز مواقعها وتأكيد استعدادها الدائم لمواجهة من يتحداها. أما مصرع الحسين في كربلاء فمسألة مختلفة تماماً، تنتمي إلى فضاء آخر.
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | عن الانفصال والوحدة الكرديّين
| حازم صاغية
| الحياة السعودية |
ليس الانفصال نعيماً مضموناً لمن ينفصل. وهناك انفصالات كثيرة، آخرها جنوب السودان، لم تؤسّس دولاً مستقرّة تليق بمواطنيها. لكنْ ليست الوحدة نعيماً مضموناً لمن يتّحد، أو يُوحّد. ووراءنا من التجارب ما يكفي لإصدار حكم كهذا، حكمٍ كفيل بأن يكذّب ألف مرّة كلّ ما قاله ساطع الحصري وميشيل عفلق وأنطون سعادة وزكي الأرسوزي. وفي هذه التجارب الفاشلة تندرج الدول الاستبداديّة المركزيّة كالعراق وسوريّة، والتجارب الوحدويّة العابرة للدولة، كـ «الجمهوريّة العربيّة المتّحدة» المصريّة – السوريّة في 1958–1961. وحين لا تكون المفاضلة مطلقة بين الوحدة والانفصال، بين الدولة الكبيرة والدولة الصغيرة، تصبح الحالات قابلة للدرس حالةً حالةً. أمّا المقياس النظريّ الشامل فيوضع على رفّ المكتبة أو يُرمى من الشبّاك إذا فاضت الكتب عن ضيق البيت. في هذا المعنى لا يمكن غضّ النظر عن إرادة السكّان المعنيّين، أو اعتبارها زائدة بلا لزوم. وحتّى حين يخطئ هؤلاء السكّان فإنّهم، والحال هذه، يتحمّلون مسؤوليّة الخطأ الذي ارتكبوه بحقّ أنفسهم. وهذا معنى التعامل مع كائنات ناضجة وراشدة يُفترض أن تكونها الشعوب. لكنْ لئن بات يستحيل الشكّ برغبة الأكراد في الانفصال، شاع التركيز على أنّهم إمّا متآمرون أو قُصّر. أمّا في صدد المؤامرة على المنطقة، فتكفي معرفة الحدّ الأدنى لما يجري في العالم كي تُستبعد حصريّة التآمر علينا. ففي إسبانيا أيضاً، وفي بلاد الكاتالان تحديداً، «مؤامرة» أخرى مشابهة. وبات معروفاً جدّاً أنّ مسألة الانفصال باتت مطروحة على جدول أعمال بلدان عدّة، من اسكتلندا وبلجيكا إلى كندا. وهناك من يربط هذه الوجهة بالعولمة، وهناك من يربطها بصعود الهويّات أو انتهاء صلاح الدولة المركزيّة، لكنْ حتماً لا يوجد من يربطها بالمؤامرة. وأمّا في صدد التعامل الإمبراطوريّ– العنصريّ مع الأكراد بوصفهم قاصرين، فتواجهه مشكلة حادّة: فهذه المرّة تفتقر السرديّة الإمبراطوريّة لقصّة نجاح واحدة يمكن التذرّع بها لكي ندلّ الأكراد إلى «مصالحهم الحقيقيّة». والبائس أنّ العرب (والأتراك والإيرانيّين) الذين ينصحون الأكراد باتّباع «مصالحهم الحقيقيّة» يتصرّفون كمن رسب في امتحانات الثانويّ فقرّر أن يؤلّف كتاباً عن التعليم الجامعيّ. وكما الحال غالباً، لا يلبث الناصح الأبويّ أن يكشّر عن أنيابه مقاطعةً ومحاصرةً وخنقاً وحشوداً عسكريّة! لقد قيل مراراً إنّ المشكلة تكمن في أنظمة طوّرت أسوأ ما في الاجتماع الوطنيّ لبلدانها، وبدل أن تضيّق الفجوات الموروثة وسّعتها وأكسبتها طابعاً مراتبيّاً خشناً وماهويّاً. وفي حالة العراق تحديداً، كان التعثّر الداخليّ سبباً في عدوانيّة خارجيّة عبّرت عن نفسها مع عبد الكريم قاسم حين هدّد الكويت، ومع صدّام حسين حين غزاها، وفي الحرب مع إيران، وفي التنازع الدائم مع سوريّة التي كانت تبادل العراق العدوانيّة نفسها، لأنّها تعاني التأزّم الداخليّ نفسه الذي يعانيه العراق. وهذا، في العمق، ما انتفضت ضدّه أغلبيّات الشعوب العربيّة، طالبةً الحرّيّة التي لا بدّ أن تفضي إلى مفاوضة اجتماعها الوطنيّ القائم والقامع. وهذا أيضاً ما أراده ويريده الأكراد في شمال العراق بعدما انهزم الطلب الأوّل على الحرّيّة. أمّا الطلب الثاني عليها فينبغي ألاّ يُهزم، وإلاّ صارت المنطقة كلّها مرادفاً للطغيان والعسف.
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | ربيع الأكراد خريف الشرق الأوسط
| مصطفى زين
| الحياة السعودية |
الحديث عن العلاقة بين الاستخبارات الإسرائيلية وزعماء في إقليم كردستان ليس جديداً. ولم يكن مستغرباً احتفال يهود في شوارع تل أبيب بانتصار بارزاني في الاستفتاء على الانفصال عن العراق، ولا رفع الأعلام الإسرائيلية في أربيل، ولا تشبيه بارزاني الابن ببن غوريون. العلاقة بين الطرفين تعود إلى ما قبل إعلان الدولة العبرية، عندما كانت الحركة الصهيونية تنشط في الشرق الأوسط وتتصل بزعماء الأقليات العرقية والدينية لتحريضها على المطالبة بالاستقلال في دويلات، بمساعدة الدولتين المستعمرتين فرنسا وبريطانيا لتبرير مطالبة اليهود بوطن قومي على أساس ديني. وتطورت العلاقات بين الطرفين طوال عشرات السنين، توجها الملا مصطفى بارزاني بزيارة تل أبيب عام 1968 حين التقى أبا إيبان ووزير دفاعه موشيه دايان، وعقد اتفاقات مع قادة الموساد، ولم يكن ذلك غريباً على الرجل الذي كان يشبّه نفسه بشحاد أعمى على باب الجامع لا يرى من يتصدق عليه ولا يهمه من يكون. تطورت العلاقات بين الطرفين منذ ذلك التاريخ، ولعبت الاستخبارات الإيرانية، أيام الشاه، والتركية دوراً كبيراً في تعزيزها وتسليح الأكراد وتدريبهم لمواجهة المد القومي العروبي وإضعاف بغداد. وأصبح وجود «الخبراء» الإسرائيليين مسألة طبيعية في شمال العراق، حيث «البيشمركة». وجاء في كتاب شلومو «نكديمون «انهيار الآمال الكردية – الإسرائيلية» أن بارزاني الأب احتفل مع الإسرائيليين في جبال كردستان باحتلالهم القدس». تغيرت إيران بعد الخميني، وتغير العراق بعد الاحتلال الأميركي، ووجدت إسرائيل فرصتها الذهبية «لتثأر من بابل»، فكثّفت وجودها في الإقليم الكردي، بعدما استقل عملياً عن بغداد بمساعدة واشنطن والحكام الجدد الذين تقاسموا الحكم و «الغنائم» والمناصب مع الأكراد. وأصبح لدى بارزاني مستشارون من كل الجنسيات يستثمرون في السياسة، ويخططون معه لإبقاء بغداد ضعيفة. كما وجدوا فرصة في الربيع العربي وبروز «داعش» لنشر المزيد من الفوضى والدمار، فأعادوا طرح مشروع جو بايدن الذي اقترح تقسيم العراق إلى ثلاث دول، حتى قبل أن يصبح نائباً للرئيس. وبدأ بارزاني يستولي على «الأراضي المتنازع عليها»، وهي في معظمها خليط من الأقليات الدينية والعرقية فهجر منهم من هجر، وأقام مراكز لقواته، ورفع شعاره المعروف: لن نتخلى عن الأراضي التي حررت بالدم، مختلقاً قضية يجب أن تحل بالحوار، بناء على المادة 140 من الدستور. ولتأكيد ضم هذه المناطق إلى إقليمه أصرّ على إجراء الاستفتاء فيها، علماً أن سكانها المهجرين لم يعودوا إليها بعد، وهي شبه خالية. ولكن لماذا الاستفتاء الآن؟ في ظن بارزاني أن الظروف الحالية لن تتكرر. في الإقليم لا تستطيع القوى المناهضة له الوقوف ضده لأنها ستبدو في نظر الشعب خائنة. العراق منهمك في محاربة «داعش» وهو أضعف من أن يواجه الانفصال بالقوة، فضلاً عن أن الولايات المتحدة التي ترعى حكومته لن تسمح له بذلك. إيران شبه معزولة في محيطها العربي. وأميركا جاهزة لمواجهتها عسكرياً إذا اخترقت الحدود، فضلاً عن أنها لا تريد إثارة أكرادها ومواجهتهم في مدنها المتاخمة للعراق، وربما امتدت المواجهات إلى المدن الأخرى. تركيا رجب طيب أردوغان هي الأخرى تخشى أكرادها الذين يخوضون حرباً ضد أنقرة منذ عام 1984، ولديها علاقات قوية مع بارزاني الذي استقبله الرئيس قبل عامين، وعلم كردستان إلى جانبه، وجال معه في المنطقة الكردية طمعاً في تهدئتها وأصواتها الانتخابية، إضافة إلى غضّ نظره عن تهريب النفط عبر الحدود، ودفاعه المستمر عنه ومعاملته أربيل عاصمة، ليس لكردستان وحدها بل للعراق كله، متجاهلاً كل احتجاجات بغداد. تبقى سورية الغارقة في دماء أبنائها ولا تستطيع حتى الاعتراض على الخطوة. أما إسرائيل التي لا تنفك تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط فوجدت في الخطوة الكردية فرصة تاريخية، خصوصاً بعدما بدأ «داعش» ينهار وبدأ العراق يتخلص من إرهابه. وهي فرصة تنتهزها كي تشكل مع الإقليم الكردي قاعدة عند الحدود الإيرانية والعراقية إذا خطر لحكام بغداد يوماً إشهار العداء لها. في هذا السياق جاءت احتفالاتها بانتصار مؤيدي الانفصال، وهي حكماً لن تكتفي بالاحتفال. ربيع الأكراد خريف الشرق الأوسط .
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | استفتاء إقليم كردستان: المعضلة النفطية | وليد خدوري
| الحياة السعودية |
شكل استفتاء إقليم كردستان حول تقرير مصير الشعب الكردي العراقي في محافظات الإقليم الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك)، إضافة إلى المناطق المتنازع عليها (كركوك وأجزاء من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى) خطوة تاريخية نحو الانفصال عن العراق ومحاولة تأسيس دولة كردية. تواجه القوى الكردية تحديات عدة. فهناك موضوع حجم الاحتياط النفطي المكتشف حتى الآن، وملكية حقل كركوك العملاق الذي اكتشف في 1927. ويبلغ احتياط الحقل نحو بليون برميل من النفط الخام. وسجلت معدلات إنتاج الإقليم خلال كانون الأول (ديسمبر) 2016 نحو 500 ألف برميل يومياً، من ضمنها إنتاج كركوك. وبالغت السلطات البترولية الكردية في بادئ الأمر في معدل احتياطاتها، اذ اشارت الى امكان ارتفاع الاحتياط الى نحو 45 بليون برميل، ما يعني ان احتياطات الإقليم أكثر منها في الجزائر. لكن بدأ تدريجاً يظهر انتاج الحقول الفعلي، ما اثار شكوكاً حول الاحتياط وهل هو بالضخامة التي تم ذكرها. هناك ثلاثة حقول رئيسة، غير حقل كركوك (الواقع خارج محافظات الإقليم الثلاث)، أهمها حقل «طق طق» وتديره شركة «جينيل» ذات الملكية التركية – البريطانية. وتأسست هذه الشركة من قبل الرئيس السابق لشركة «بريتش بتروليوم» توني هاورد ورئيس شركة «جينيل» الحالي والمستثمر ناثينال روثشيلد، اللذين أسسا شركة «فالاريس» التي تشاركت مع «جينيل اينرجي» التركية. وانضمت أخيراً شركة «سينوبيك» الصينية الى المجموعة. وكان من المتوقع ان تبلغ الطاقة الإنتاجية لشركة «جينيل» نحو 200 ألف برميل يومياً لكن، أشارت بيانات الشركة على موقعها الإلكتروني إلى أن معدل إنتاجها بلغ 19 ألف برميل يومياً في نهاية آذار (مارس) 2016. وتراوح المعدل ما بين ذروة الإنتاج في نيسان (ابريل) 2015 بنحو 145 ألفاً يومياً و36 ألف برميل يومياً في نهاية 2016. والسبب لهذا الانخفاض وفقاً للشركة، هو زيادة كميات المياه التي صاحبت الإنتاج. وهذا عادة يدل إلى مؤشرات سلبية. أحدثت هذه المعلومات ذعراً عند الشركات النفطية العاملة في الإقليم. فمعدلات انتاج واحد من أهم الحقول في الإقليم انخفضت في شكل كبير، وبالذات الحقل المنتج للنفط الخفيف مقارنة بالنفط الثقيل المنتج من بقية الحقول. وتم أيضاً خفض ارقام احتياط الحقل. وشكّل حقل كركوك منذ اكتشافه، عصب الصناعة النفطية في وسط العراق وشماله. وكان واضحاً للمسؤولين الأكراد أهمية وضع اليد على الحقل من أجل دعم كمية الإنتاج البترولي لدى الإقليم. واستطاعت قوات «البشمركة» تحرير الحقل من احتلال «داعش» له في صيف 2014. واستغل الإقليم الاستفتاء في كركوك لوضع بغداد امام سياسة «الأمر الواقع «. وقد صرح رئيس اقليم كردستان عند طرد «داعش» من كركوك ان الأراضي التي تحررها «البشمركة» لن ترجع إلى الحكومة الفيديرالية بل ستبقى مع الأكراد. وأجري الاستفتاء في كركوك، على رغم ما كان متفقاً عليه منذ اوائل الاحتلال عام 2003، على ان كركوك منطقة «متنازع عليها» ولها وضع خاص يختلف عن سلطة الإقليم في المحافظات الثلاث. وتدير الحقل منذ عقود «شركة نفط الشمال» المتفرعة عن «شركة النفط الوطنية العراقية». تواجه الدولة الكردية المنشودة حقيقة ثانية كونها دولة لا تملك منفذاً بحرياً لتجارتها الدولية. وفي هذه الحال، فإن الدول المحيطة، مثل تركيا وإيران، لها مخاوف من امكان تقسيم بلادها، كما العراق، نظراً الى وجود شعب كردي كبير العدد في كلا البلدين، ناهيك عن أحزاب مسلحة تناهض الأنظمة الحاكمة. ففي تركيا، مثلاً، يشن» حزب العمال الكردستاني» منذ عام 1984 حرب عصابات ضد النظام في أنقرة مع فترات هدنة بين الحين والآخر. والأمر ذاته ينطبق على ايران، التي تتخوف من امكان وجود قوة عسكرية اسرائيلية على حدودها الشمالية الغربية. ستعتمد الدولة المنشودة على عبور تركيا لتصدير نفوطها إلى الأسواق الدولية. وحدد مجلس الأمن القومي التركي عشية الاستفتاء الخيارات المتاحة للضغط على الدولة الكردية المزمع انشاؤها. وشكل اغلاق خط انابيب النفط احدى أهم الخيارات المتاحة. كما ان منع تدفق صادرات النفط الخام سيوجه ضربة قاضية للاقتصاد الكردي. لكن، يذكر ان هذا الأمر يرتب خطوات سلبية، ليس من السهل على المسؤولين الأتراك غض النظر عنها. فمن ناحية قد يؤدي اغلاق المصدر الأساس لاقتصاد الدولة الفتية الى حال من الجوع والحرمان والفقر والهجرة، تقابلها ردود فعل دولية لا يمكن أنقرة غض النظر عنها. كما ان لدى تركيا استثمارات ضخمة في اقليم كردستان، منها نفطية وأخرى إنشائية، تقدر بعشرات بلايين الدولارات، ناهيك عن الصادرات التركية إلى الأسواق الكردية، وتقدرها المصادر التركية بنحو ثمانية بلايين دولار سنوياً. وهناك كذلك المفاوضات الجارية لإنتاج النفط وتسويقه بين سلطة الإقليم وشركة «روزنفت» النفطية الروسية الحكومية. ولا تزال المعلومات غامضة حول هذه الصفقة، إلا أنها تقدر ببلايين الدولارات. وطبعاً، اي تصدير للنفط يجب ان يمر عبر تركيا. فعرقلة هذا المشروع سيؤثر في العلاقات التركية – الروسية. إن إغلاق خط أنابيب النفط عبر تركيا يشكل قوة ضاغطة على الدولة الكردية الفتية إذا نشأت. لكن هذا لا يعني استعماله في كل الأحوال، بخاصة اذا نشأت علاقات طبيعية. لكن ستأخذ الشركات النفطية الدولية هذا السيف المسلط على الصادرات النفطية الكردية للحصول على امتيازات اضافية في عقودها. او التردد في العمل في المناطق الكردية نظراً الى المخاوف على الصادرات، وإمكان توقفها في حال تأزم العلاقات بين الطرفين. ويذكر ان احتمال إغلاق الحدود البرية او الجوية ليس مستبعداً، كما اعلنت ايران وتركيا، ما يلحق أضراراً فادحة بالاقتصاد الكردي.
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 | ثلّاجة فلسطين و”دولة” الأكراد!
| زهير أندراوس
| راي اليوم بريطانيا |
إحدى المقولات المأثورة التي أرساها القائد، المُعلّم والمُلهم، الشهيد البطل، جمال عبد الناصر، الذي مرّت على رحيله من هذه الدنيا الفانية 47 عامًا، كانت، برأيينا المُتواضع: إذا رضيت عنّي أمريكا، فاعلموا أننّي على خطأ. أمّا حكيم الثورة وضميرها، الشهيد د. جورج حبش، فشدّدّ على أنّ الولايات المُتحدّة هي رأس الأفعى، ولفت في مقولةٍ ثانيّةٍ إلى أنّ إسرائيل ليست أقوى من أمريكا والشعب الفلسطينيّ ليس اضعف من شعب فيتنام، ناصر وحبش من نفس مدرسة القوميّة العربيّة كانا على درايةٍ ويقينٍ بأنّ واشنطن، هي راعية الإرهاب العالميّ، وتعمل على مدار الساعة لتفتيت وتمزيق الأمّة العربيّة، بهدف تكريس “دونيّة” الإنسان العربيّ، مُقابل “فوقيّة” الصهيونيّ، مُستخدمةً قوّتها العسكريّة وسطوتها السياسيّة على دولٍ عربيّةٍ ترقص وفق موسيقى النشار التي تُلحّن في البيت الأبيض، وتُعزف في تل أبيب، وتقوم أنظمةً عربيّةً بالرقص وفقًا لقواعدها، بهدف الحصول على الحماية الأمريكيّة، ونيل الرضا من الحبيبة-الربيبة، دولة الاحتلال. *** وفي هذا المقام تستحضرني الواقعة التاليّة: في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان المُجرم أرئيل شارون، رئيسًا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر (الكابينيت) اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة. شيمعون بيريس، حذّر في الجلسة عينها من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة-الإسرائيليّة. شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، والتي لم ينفها آنذاك رئيس الوزراء، ردّ على مطلب بيريس بالقول: لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك. وتابع شارون قائلاً لبيريس في الجلسة عينها: أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين. ولفت شارون أيضًا في معرض حديثه إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ، زاد شارون، يُهيمن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، الذي أضاف: السفارة الإسرائيليّة في واشنطن هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود الأثرياء جدًا في أمريكا، قال شارون لبيريس. *** أمّا الواقعة الثانية، فهي كالتالي: في كتابه الذي جاء تحت عنوان “السلام المفقود، خفايا الصراع حول سلام الشرق الأوسط”، استعرض المبعوث الأمريكيّ الخاص لمنطقة الشرق الأوسط سابقًا، دنيس روس، من خلاله جولاته المكوكيّة إلى تل أبيب ورام الله، وتضمن الكتاب ألفاظًا نابية وقاسية بحق رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو. وكتب المبعوث روس، وهو يهوديّ، فيما كتب عن نتنياهو إنّه يتمتع بشخصيةٍ لا يُمكن للإنسان العادي أنْ يتحملها، إنسان متعجرف ومتكبر، ويُحاول أنْ يُصوّر للعالم بأنّه الأكثر ملائمة لـمعالجة العرب. وجاء أيضًا في كتاب روس، الذي تمّت ترجمته إلى اللغة العربيّة، إنّه بعد اللقاء الأول بين نتنياهو كرئيس للوزراء في إسرائيل (1996-1999) وبين الرئيس الأمريكي آنذاك، بيل كلينتون، قال الأخير لمساعديه إنّ نتنياهو يعتقد أنّ إسرائيل هي الدولة العظمى، ونحن في أمريكا علينا أنْ نتصرف وفق الإملاءات الإسرائيلية، مضيفًا أنّ أفكاره مبنية على معتقداتٍ سياسيّةٍ، وهو كلّ الوقت يخشى من أنْ يقوم أعضاء حكومته بالتصدّي له فيما إذا تلفظ بكلمة انسحاب، وقال الرئيس الأمريكي السابق كلينتون: كتاب (السلام المفقود) هو الحساب الحاسم لأزمنةٍ متهيجّةٍ، حفلت في الغالب بصراعاتٍ عانت من التشوهات والعذابات ضمن عملية سلام الشرق الأوسط، يستعرضها من مقدمة ركب ذلك السباق أحد اللاعبين الأساسيين، ذلك هو دينيس روس. فلا يوجد أحد عمل بقوةٍ من أجل السلام أكثر من روس، فقد أعطى ذلك السلام كل شيء يملكه، فخدم أمتّنا بطريقة جيدة جدًا، وها هو الآن يقدم لنا حسابًا غنيًا عمّا حدث، وذلك أمر مهم لفهم الماضي والمسارات المحتملة للمستقبل، على حدّ تعبير كلينتون. *** وكما هو معلوم، فإنّ إحدى نظريات علم العلاقات الدوليّة تؤكّد تأكيدًا جازمًا وحاسمًا على أنّ العلاقات الدوليّة محكومةُ بموازين القوى، ولا نُجافي الحقيقة بتاتًا إذا قُلنا وفصلنا إنّه في ظلّ حالة الذُلّ والهوان العربيين الرسميين، فإنّه مَنْ يُعوّل على أمريكا لا يُعوّل عليه، ذلك أنّ هذه الدولة العظمى، التي تركت الكثير من حليفاتها وأصدقائها كالأيتام على موائد اللئام، تستمّر بدون كللٍ أوْ مللٍ في تطبيق إستراتيجيتها القاضية بحماية الكيان الإسرائيليّ، الذي تمّ زرعه في فلسطين، على أنقاض الشعب الذي ذُبح وهُجّر وشُرّد في إحدى أبشع الجرائم التي ارتُكبت في التاريخ الحديث، وهذه الإستراتيجيّة القاتمة التي يضعها المسؤولون في البيت الأسود، انتقلت إلى مرحلةٍ مفصليّةٍ للإجهاز النهائيّ على القضيّة الفلسطينيّة، ومنع هذا الشعب من حقّه، كباقي شعوب العالم، في تقرير مصيره. *** مُضافًا إلى ذلك، فإنّ إسرائيل الرسميّة، وعلى لسان رئيس الوزراء المُتطرّف، بنيامين نتنياهو، أعلنت رسميًا وعلنيًا عن تأييدها المُطلق لإقامة دولةٍ كُرديّةٍ في شمال العراق، من مُنطلق حقّ جميع شعوب العالم في تقرير مصيرها، مُشدّدّةً في الوقت عينه عل أنّ هذه الدولة ستكون ذُخرًا إستراتيجيًا لدولة الاحتلال. بغضّ النظر وبصرف الطرف عن موقف تل أبيب من مسألة الأكراد أرى لزامًا على نفسي التأكيد والتشديد في هذه العُجالة على أننّي كإنسانٍ، وكعربيٍّ وكفلسطينيٍّ، أؤيّد حقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن في قضية الأكراد الوضع يختلف: الدولة التي يعمل الثالوث الدنّس عل إقامتها: الإمبرياليّة، الصهيونيّة والرجعيّة العربيّة، تندرج في إطار مُخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي وضعته وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السابقة، كوندوليسا رايس، والقاضي بتفتيت وتمزيق الوطن العربيّ ونشر الفوضى الخلاقّة في المشرق، تمهيدًا لـ”سايكس بيكو” جديدة تقوم على تقسيمه إلى كياناتٍ طائفيّة، مذهبيّةٍ، عرقيّةٍ، بهدف تجزئة المُجزّأ وتقسيم المُقسّم، وهنا تكمن خطورته. *** ومن نوافل القول إنّ العمل على إقامة دولةً للأكراد، هو البطاقة التي رفعتها أمريكا وإسرائيل ومَن لفّ لفهما، بعد فشل خياراتهم ورهاناتهم على تقسيم سوريّة، وهذه الدولة إنْ قامت، ستكون بمثابة “إسرائيل الثانيّة”، أيْ الخنجر الثاني في خاصرة الأمّة العربيّة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل محور المُقاومة والمُمانعة المؤلّف من سوريّة، إيران، حزب الله، والمدعوم من موسكو قادرٌ على وأد هذه الدولة، خصوصًا على ضوء الانتصارات في سوريّة والعراق على النظام المُتوحّش “داعش”؟. وبما أنّ روسيا، باعترافٍ إسرائيليٍّ، باتت اللاعب المركزيّ في الشرق الأوسط فهي اليوم أمام أحد أهّم التحدّيات، فالرئيس بوتن، تمكّن من كسر سياسة القطب الواحد، وباتت بلاده ندًّا لأمريكا، وبإمكانه إذا أراد، مدعومًا من محور المُقاومة أنْ يمنع هذا المُخطط الشيطانيّ من الخروج إلى حيّز التنفيّذ. *** وختامًا، وَجَبَ التذكير: المناضل عبد الله اوجلان، رئيس حزب العمال كانت قواته تتدرب في المعسكرات السوريّة، وقاتل مع الفصائل الفلسطينية، فيما يعتبر الصهاينة حزبه إرهابيًا، كما أنّ الموساد هو مَنْ اعتقله وسلّمه للأتراك، ولا تنسوا تصريحه من زنزانة الاعتقال الانفراديّ في تركيّا: “تسعى أمريكا وانجلترا وإسرائيل باستغلال غضب الأكراد ويقومون بتهيئتهم لاستخدامهم ضدّ دول المنطقة عن طريق بعض العملاء”. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | الخليج والكرد نقلة جديدة للفوضى الخلاقة
| صالح عوض
| راي اليوم بريطانيا |
لا تتعب الماكينة الامبريالية ولا تقف عند حد فهي في عملية هجوم مستمر على مناطق الثروة والتحكم وهي تدرك انه في اية لحظة حصل لها التوقف او التعطل فان انهيارات كبيرة ستلحق بها. بعد ان اكملت الاجهزة الغربية مهمتها في في المرحلة الاولى في سورية والعراق والتي اقتضت تدمير البنية التحتية للبلدين العربيين الاستراتيجيين اصبح الجهد كله منصبا للانتقال الى مرحلة جديدة من مشروع الفوضى الخلاقة.. و ستكون ساحة المعركة هي الخليج العربي وشمال العراق. في المرحلة الاولى كان لابد من القضاء على بلدين عربيين تطورت فيهما مؤسسات الدولة واقتربا من تحقيق الاكتفاء الذاتي وكونا من الجيوش والاقتدار الامني الذي يسمح لهما بالصمود امام تمدد الكيان الصهيوني على الاقل فضلا عن دعم مفاعيل المقاومة ضده.. فكان تدمير العراق وسورية مطلبا استراتيجيا لاستمرار نهب ثروات المنطقة وهنا تطوع المال العربي مجسدا في النظام العربي الموالي للامريكان بدفع فاتورة الحرب كاملة.. يكون الامريكان والغربيين الان قد اتموا اخراج المسرحية الدامية من خلال عديد الاطراف حيث مارس الجميع الادوار المرسومة او المتوقعة في حرب الاستفزاز وردات الفعل فكانت النتيجة دمار سورية وتشريد عشر ملايين من اهل مدنها الحضارية وتدمير العراق وتكسير روح الحياة في مدنه التاريخية وترحيل اهلها.. انتهت المسرحية الدامية ولكي تسطيع سورية والعراق استعادة الانفاس عليهما الانتصار في معارك عديدة اقلها عناء عملية اعمار المباني فامام البلدين مهمات ترميم التصدعات الاجتماعية واعادة هيكلة الدولة من جديد وعلى اسس جديدة تقضي على محاضن التحجر والتيبس والاحقاد.. انها عملية كبيرة متعددة المراحل وفي اكثر من جبهة على سورية والعراق خوضها وهما مع كل هذا يخوضان معركة خفية نحو ترميم فلسفة الدولة فيما يخص هويتها واثار التحالفات الاقليمية والدولية على تكوينها وتوجهاتها. لايمكن القول ان المعركة انتهت بشكلها المباشر في سورية والعراق فان استمرار الاستنزاف لقوي البلدين سيستمر ما استطاع الامريكان والصهاينة الى ذلك سبيلا لكي لا يتسنى لاهل البلدين التفرغ لتجاوز الكارثة.. فقد ينتقل العمل العسكري الارهابي من شكل الجيوش الى عمليات فردية اكثر ضراوة وخطورة من تفجيرات واغتيالات وتخريب للمنشآت.. وفي نقلة جديدة لمشروع الفوضى الخلاقة يتم التركيز الان على منطقتين منطقة الخليج العربي وصولا الى اليمن ومنطقة شمال العراق وصولا الى اكراد ايران واكراد تركيا.. في موضوع الخليج واضح ان هناك تفاعلات تتطور من اجل احكام السيطرة على ابار البترول من خلال شركات امينة تقوم بالسيطرة مباشرة على حقول النفط في ظل التوترات المحتملة وحالة التخويف المستمر التي تصنعها الادارة الامريكية في ما بين دول المنطقة فالسعودية تخشى ايران وقطر تخشى السعودية والامارات تخشى ايران وايران تخشى تدفق السلاح والقوات الامريكية في السعودية وقطر والبحرين وتخشى تحريك الاقليات الكردية والبلوش وهكذا كل بلد يضمر الشر للاخر وفي ظل هذه التوجسات تستنزف ثروات المنطقة وتندفع دولها لعلاقات مثلى مع الكيان الصهيوني وربط مصير الانظمة بالتحالف مع الكيان الصهيوني.. وسينتهي الامر بوضوح الى تقدم شركات النفط العالمية الى جلب القوى الامنية الاجنبية لحراسة النفط كما هو يجري في حقول نفط ليبيا حيث تقوم شركات امنية غربية بحراسة حقول النفط الليبية التابعة للشركات الاجنبية.. وفي هذا كله تبدو اصابع الكيان الصهيوني بارزة وكاشفة عن الدور الجوهري للكيان الصهيوني ومهماته الاستراتيجية التي لا تقف عند حدود فلسطين التاريخية.. هنا لا يمكن اغفال ما يمثله ملف اليمن من اخطار محدقة بالمنطقة كلها حيث لم تكن الحلول المطروحة للأزمة اليمنية منطقية وعاقلة فصحيح انه ما كان ينبغي للحوثيين ان يتقدموا للانقلاب على الوضع واقصاء القوى السياسية اليمنية ومكونات الشعب اليمني لصالح منطقة معينة ومذهب معين.. انه خطأ لايمكن تزيينه ارتكبه الحوثيون وبالمناسبة لابد من القول انهم كانوا على علاقة جيدة سابقا بالسعودية وبالرئيس هادي.. لقد مكن لهم من النزول الى صنعاء واندفعوا الى اعلان مجلس قيادة ثورة ولجان تحكم كل هذا صحيح لكن التعامل الخليجي لاسيما السعودي مع الملف اليمني منذ البداية كان سيئا فلقد رفضت دول الخليج التحاق اليمن بمجلس التعاون لعله من باب عقدة النقص تجاه بلد اكثر ثقافة وحضارة وتجربة انسانية ولعله امعانا في اقصاء بلد متقدم في مواقفه ضد الكيان الصهيوني ومناداة بالوحدة العربية.. ثم ان تتم مواجهة الحوثيين بتدمير اليمن وتعطيل مصالحه والقصف الجوي لمدة تزيد عن العامين فان هذا يؤكد ان السعودية دخلت النفق المظلم ولاتعرف كيف تتخلص منه لاسيما بعد ان اصبح اليمنيون بمساعدات ايرانية قادرين على توجيه صواريخ بعيدة المدى تصل الى العمق السعودي يومكنها الوول الى العمق الاماراتي.. هنا يغفل العرب جميعا اهمية مضيق باب المندب الاستراتيجية بالنسبة للعدو الذي لن يسمح بتمكن قوة اقليمية سواه في هذا المنفذ الخطير ومن هنا يفتح باب التعقيد مرة اخرى في الملف اليمني حيث اصدقاء اسرائيل الجدد في المنطقة وكيف سيكون تدخلهم ومشورتهم. اما المنطقة الثانية فهي شمال العراق وحيث سيكون اكراد ايران وتركيا مسرح العمليات القادمة فلم ينتظر اكراد شمال العراق حتى ينتهي الاستفتاء ويعلنون الدولة حتى يظهرون اهدافهم الاستراتيجية باقامة كيان سياسي يكون له قوة الجذب المغناطيسي لاكراد المنطقة فلقد شهد يوم الاستفتاء في اربيل حراكا لمليشيات مسلحة كردية ايرانية.. وهنا دائرة الخطورة الكبيرة وللاسف لايملك الايرانيون ولا الاتراك بديلا عن العمل الامني والعسكري القمعي في هذا الملف الخطير.. فلقد سبق لشاه ايران ان شغل الانفصاليين الاكراد العراقيين ضد الدولة العراقية وانتهت المعضلة الكردية العراقية الى صيغة الحكم الذاتي الموسع بموجب دستور اسهم فيه الامريكان وحلفاؤهم.. لقد كانت صيغ الدستور تضع جرثومة التقسيم الي حاوله بايدن سنوات طويلة واخذ عليه موافقة من الكونجرس.. تسرع ايران الان للتحالف مع خصم الامس تركيا ويصبح التنسيق بين البلدين على اعلى مستوى انه يتجاوز كل شيء لانه يمس الامن القومي لكلا البلدين كما يقول المسئولون فيهما.. بل اسرعت تركيا الى مناورات مشتركة مع الجيش العراقي بعد ان كادت الحرب تنلدع بين البلدين وجمدت ايران والعراق انتقاداتهما لتركيا التي يبدو انها مقابل علاقات استراتيجية مع ايران ستتخلى عن المسلحين في ادلب. اعترفت ايران ام لم تعترف وافقت تركيا ام لم توافق رفضت بغداد ام سكتت كل ذلك لن يقلل من خطورة المرحلة القادمة فهناك اكثر من 12 مليون كردي في ايران وهم سكان اصليين تعاقبت السنون وهم يحملون مظلوميات لم يتسن لدولة الايرانية الاقتراب من تفكيكها واحداث مصالحات عميقة معهم فيما يخص خصوصياتهم المذهبية والعرقية.. وفي تركيا تتوراث الحكومات التركية الملف الكردي وذكريات المواجهات العنيفة مع التمرد الكردي المسلح ورغم كل المحاولات في تشريكهم في البرلمان الا ان الملف الكردي التركي لايزال متفجرا.. الان يقوم الاكراد العراقيون وهم الاكثر تمتعا بحقوقهم من كل اكراد المنطقة يقومون باجراءاستفتاء لن يتم النظر اليه بحيادية لانه مرتبط بملفات اقليمية كثيرة لعل علاقته بتدخلات اسرائيل يزيده تعقيدا وتازيما.. صحيح ان التطبيع مع اسرائيل اصبح سلوك دول المنطقة لاسيما الخليجية لكن المطروح هنا قيام اسرائيل بتعزيز التمزيق وفتح جبهات داخلية في اخطر الاماكن لاشغال ايران وتركيا والعراق دفعة واحدة.. هنا يكون صناع الفوضى الخلاقة نقلوها الى مرحلة اخرى فهل يملك حكام تركيا وايران والعراق صيغا بديلة عن الحرب وهل يملكون رؤية تصالح عميقة وتحد حضاري غير ما كان يتم نهجه من معالجات امنية.. اننا امام الامتحان الاكثر خطورة في تلك المنطقة تولانا الله برحمته. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | قراءة مبكرة لمرحلة ما بعد الاستفتاء في كردستان
| عادل الجبوري
| راي اليوم بريطانيا |
تتحدث اوساط اقتصادية-مالية متخصصة، بأن خسائر اقليم كردستان بلغت خلال اقل من اربع وعشرين ساعة اكثر من عشرين مليون دولار(خمسة وعشرين مليار دينار عراقي)، بسبب الاجراءات التي اتخذتها كل من ايران وتركيا والحكومة الاتحادية بحق الاقليم، ارتباطا بأصرار رئيس الاقليم المنتهية ولايته مسعود البارزاني على اجراء الاستفتاء في موعده، وعدم الاستجابة للمطاليب العراقية والاقليمية والدولية بتأجيله الى وقت اخر، ولظروف افضل. من غير الواضح فيما اذا كان الرقم المشار اليه هو صحيح ام لا، لكنه ايا كان الامر، فأنه يؤشر الى حقيقة مهمة وخطيرة ومرعبة، تتمثل في ان الخطوة التي اقدم عليها البارزاني ستفتح ابواب المشاكل والازمات على مصراعيها امام حكومة وشعب كردستان، حتى وان تعاطت الحكومة العراقية، والقوى الاقليمية، والمجتمع الدولي مع الاستفتاء كأمر واقع، كما يراهن على ذلك البارزاني، وكما اشار عدة مرات في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل ست عشرة ساعة من موعد فتح صناديق الاستفتاء في محافظات الاقليم والمناطق المتنازع عليها. ومن المعروف ان حكومة اقليم كردستان عجزت عن تأمين كامل رواتب موظفي الاقليم، الذين يتجاوز عددهم المليون شخص، لذلك لجأت قبل اكثر من عام ونصف الى دفع ربع او نصف الراتب، ووضع الاستحقاقات المالية غير المدفوعة في خانة الادخار الاجباري، وتقدر جهات غير رسمية حجم مديونية حكومة الاقليم لموظفيها بأكثر من ملياري دولار، في ذات الوقت تجاوزت مديونية الاقليم لشركات النفط والمستثمرين وبعض المصارف الاجنبية الثلاثين مليار دولار. اضف الى ذلك فأن الازمة المالية الخانقة خلال الاعوام الثلاثة الماضية، ومعها التحديات الامنية، تسببت بتراجع كبير في قطاع السياحة في الاقليم، مما اثر على عمل شرائح عديدة، من بينها اصحاب الفنادق واصحاب المطاعم، وشركات النقل، وسائقو الحافلات الكبيرة والسيارات الصغيرة، فضلا عن اصحاب المتاجر والاسواق. كل ذلك، والمنافذ الحدودية البرية والجوية كانت مفتوحة مع دول الجوار ومع بغداد، ولم يكن هناك ما يعرقل النشاط التجاري والسياحي، والمساعدات والمنح والقروض ترد الى الاقليم من مصادر وجهات مختلفة، فكيف سيكون الحال بعد اسابيع او شهور اذا استمرت اجراءات الحصار والمقاطعة والضغط والعزل بنفس الوتيرة، وربما اتسعت وتزايدت؟. اذا كانت الدول التي تمتلك بدائل، ولديها خيارات متعددة يمكن توظيفها والاستفادة منها حينما تتعرض للحصار، تواجه مشاكل وازمات وارتباكات جمّه، كما هو الحال مع دولة قطر او ايران، فكيف الحال بأقليم كردستان الذي عجزت حكومته عن معالجة المستوى الادنى من المشاكل والازمات الاقتصادية لديها؟. وبغياب البدائل، فأن المواطن الكردي-سواء كان موظفا او تاجرا او كاسبا-الذي ذهب متحمسا الى صناديق الاستفتاء صباح الخامس والعشرين من ايلول-سبتمبر 2017، ليصوت بنعم للاستقلال، وهو يرى في البارزاني زعيما تأريخيا حقق ما لم يحققه غيره، سيصطدم بعد برهة قصيرة من الزمن بالنتائج والمعطيات السلبية لتصويته، وبالتبعات الكارثية لقرارات زعيمه التأريخي!. وربما لن يحصل حتى على ربع او نصف الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه، ولايجد منفذا للسفر خارج الاقليم، ولا يعثر على افق للتفاؤل على الارض الا شعارات رنانة ووعود زائفة. وهناك جانب اخر في الموضوع يتمثل في ان التوافق السياسي الكردي على اجراء الاستفتاء لم يكن متوفرا، رغم ان كل الاكراد تقريبا يحلمون ويتطلعون الى انشاء دولة كردية مستقلة، لاتقتصر على اكراد العراق فقط، وانما تضم اكراد ايران وتركيا وسوريا. ولعل مجمل المواقف والتصريحات التي ظهرت خلال الشهور القلائل الماضية، تؤشر بوضوح كبير الى غياب مثل ذلك التوافق، بل اكثر من ذلك كانت-ومازالت-هناك خلافات وتقاطعات حادة جدا، من غير المستبعد ان تتحول في اية لحظة الى صدام دموي مسلح، مثلما حصل في اوقات سابقة، ولاشك ان فرص واحتمالات اندلاع الصدام والصراع المسلح بين الفرقاء الاكراد، تزداد في حال راح البعض منهم يسير سريعا ومنفردا في طريق الانفصال. وينبغي ان تكون تجربة جنوب السودان حاضرة وماثلة امام اعين الاكراد، وهم الذين كانوا اول المرحبين بأنفصاله واستقلاله عن دولة السودان، في التاسع من تموز-يوليو من عام 2011، بتصريحات سياسية حماسية، ومانشيتات وعناوين عريضة في وسائل الاعلام الكردية، ليندلع الاقتتال الداخلي بعد اقل من عام بين شركاء دولة جنوب السودان الجديدة، وصانعي استقلالها. ويشترك اقليم كردستان مع جنوب السودان في الدعم والتأييد الاسرائيلي الكبير، في ظل الرفض الاقليمي والدولي الواسع، حتى ليبدو ان تل ابيب هي التي تقف وراء مثل تلك التوجهات الانفصالية التقسيمية. فحتى الان لم يحظى الاستفتاء الكردي الا على تأييد ودعم اسرائيل، عبر لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ، الذي اكد انه يدعم تطلعات الاكراد بالاستقلال السياسي، ناهيك عن تصريحات واضحة جدا لساسة وقادة عسكريين صهاينة كبار بدعم توجهات الانفصال الكردية. وما يجدر بالاكراد وضعه في الحسبان بعد اجرائهم الاستفتاء وذهابهم بعيدا نحو الانفصال، هو الاجراءات العقابية التي سوف تتخذها الحكومة الاتحادية ضدهم، بأعتبارهم خرقوا الدستور وقفزوا على مبدأ الشراكة والتوافق. فهناك دعاوى قضائية رفعت ضد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، من المرجح ان تطيح به. وهناك دعوات ومطاليب لطرد المسؤولين الاكراد في بغداد، الذين صوتوا لصالح الاستفتاء، ولاشك ان عددهم كبير، ويتوزعون على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمؤسسات الامنية والعسكرية. وهناك توجهات لتجميد الحسابات المصرفية الخارجية للمسؤولين الاكراد الداعمين للاستفتاء، وهناك المقاطعة ووقف مجمل اشكال التعامل مع الاقليم لتضييق الخناق عليه وتكريس عزلته، ولعلنا سنشهد خلال الايام القلائل الماضية المزيد من القرارات من مجلس النواب العراقي ومجلس الوزراء في بغداد بهذا الخصوص. لاشك ان كل ذلك لا يخلو من المتاعب والمنغصات بالنسبة لبغداد، ولكنها بأي حال من الاحوال لاتقارن مع حجم المتاعب والمنغصات التي ستواجهها اربيل. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | ماذا بعد الاستفتاء؟
| احمد ذيبان
| الراي الاردنية |
تقزم العراق «العظيم» الى درجة صرنا نقرأ في الأخبار العاجلة.. «حكومة كردستان ترفض قرارات برلمان بغداد وحكومتها»، وليس البرلمان والحكومة العراقية، وفي ذلك استخفاف بكل التهديدات والتحذيرات والتصريحات، المتعلقة بتداعيات الاستفتاء على انفصال الاقليم!
ردود فعل الحكومة العراقية على استفتاء الانفصال نبرتها مرتفعة، لكنها في الواقع تبدو عاجزة عن التعاطي بحسم، مع أخطر عملية تقسيم لوحدة البلاد، والاكتفاء بإطلاق تصريحات عن مخالفة الدستور، والتهديد باتخاذ اجراءات لوجستية، مثل فرض حظر الرحلات الجوية الى مطارات الاقليم ، والتنسيق مع ايران بشأن السيطرة على المعابر الحدودية في الحدود الشمالية، وقيام رئيس الاركان بزيارات للتنسيق العسكري الى طهران وأنقرة، وإرسال قوات أمنية الى المناطق المتنازع عليها، ما يؤشر على أن المسألة ستنحصر ب»خلافات حدودية»!
كانت الانظار تتجه الى الدولتين الاقليميتين الكبيرتين «تركيا وايران»، وهما الأكثر تخوفا من نتائج الاستفتاء والانفصال المتوقع ،خشية انتقال العدوى الى المجتمعات الكردية داخل أراضيهما ،لكن اللافت ان ردود فعلهما تراجعت سخونتها ، فبعد أن وصلت مرحلة التهديد بالتدخل العسكري، أصبحت التصريحات الصادرة من أنقرة وطهران ، تتحدث عن «عدم شرعية وقانونية الاستفتاء من ناحية الدستور العراقي والقوانين الدولية « ، والتلويح بإغلاق المعابر الحدودية وفرض عقوبات اقتصادية ! بضمنها استهداف المسؤولين عن الاستفتاء دون استهداف المدنيين ! ووصف الدولة الكردية في حالة الانفصال بأنها ستكون «مصطنعة» لن تستطع ان تتنفس، كما قال رئيس وزراء تركيا علي يلدريم !
أما ردود الفعل الدولية وخاصة الدول الكبيرة النافذة فيمكن ملاحظة ما قاله الرئيس الروسي بوتين خلال لقائه نظيره التركي اردوغان في انقرة قبل أيام ، الذي أشار أن موقف بلاده أوضحته وزارة الخارجية ،التي قالت إنها «تحترم الكفاح الوطني للأكراد لكنها تؤيد سيادة ووحدة وسلامة أراضي العراق «! وفيما يتعلق بمواقف أميركا وأوروبا فهي ضبابية ، تؤكد ضرورة الحوار بين حكومتي كردستان و بغداد ! ويمكن قراءة ما بين سطور هذه التصريحات استعداد مبطن ، للاعتراف بالاستفتاء وما سينتج عنه ، دون أن يغيب عن الذهن أن من أولويات الاستراتيجية الاميركية والاسرائيلية ، إشغال منطقتنا بحروب وانقسامات متواصلة الى ما شاء الله، فهذه أكبر خدمة للكيان الصهيوني. وليس عبثا أن الولايات المتحدة ،تنفرد بتقديم الدعم العسكري والسياسي اللوجستي لأكراد سوريا ، الذين يسعون الى الانفصال أيضا !
ذلك يعني أن « الرصاصة الاولى» في مسيرة الانفصال أصابت هدفها، وتم امتصاص انفعالات وغضب دول الجوار، واذا كان الاستفتاء أصبح «ورقة تاريخية «بيد القيادة الكردية لابتزاز حكومة بغداد والضغط عليها ، لكنني أعتقد ان إعلان الانفصال فعلا ورسميا لن يتم خلال وقت قريب، رغم أن مؤسسات الدولة قائمة فعلا ، لكن سيتم التفاعل مع المعطيات السياسية والاقتصادية واللوجستة الى أن تنضج الظروف العملية.
بطبيعة الحال لن تتسامح تركيا وايران مع انفصال كردستان العراق، وربما لن تلجآ للتدخل العسكري ، لكن علاقتهما لن تكون طبيعية مع جار مزعج وسيبقى التوتر قائما ، وبخاصة في المجال الاقتصادي وعلى صعيد إغلاق الأجواء من والى الاقليم المتمرد! اما العرب فهم غارقون في حروبهم الأهلية وانقساماتهم، ولم يفكروا حتى الان كيف سيتعاملون مع تداعيات زلزال كردستان الخطير، الذي يصب مزيدا من الزيت على الحرائق المشتعلة في الجسد العربي !
ولان اسرائيل هي الدولة الاكثر حماسا وتأييدا لانفصال كردستان ، الذي يقدم لها خدمة استراتيجية ، فستكون معنية ومن خلفها واشنطن لتقديم كل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي لانجاح الانفصال، وتعويض الحصار الذي سيواجهه الاقليم من دول الجوار ، وهو منطقة مغلقة ليس له منفذ على البحر ! ولان هذه فرصة ذهبية لاسرائيل ، فمن المتوقع أن تقيم قواعد عسكرية في الاقليم ، وطالما أن الاجواء التركية والايرانية ستكون مغلقة، فإن التواصل بين اسرائيل وكردستان سيكون محصورا في الرحلات الجوية ، وليس هناك أجواء مستباحة غير السموات العربية للقيام بهذه المهمة !
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
9 | بغداد ـ أربيل… الحوار عوضاً عن الفخ
| إميل أمين
| الشرق الاوسط السعودية |
وقت كتابة هذه السطور، كانت التحركات على جانبي بغداد وأربيل تنذر بالمواجهة الصادمة والقادمة، ومع ظهورها للنور لا يجزم أحد بما ستؤول إليه الأمور، سيما أن الساعات القادمة باتت مرتبطة بمهلة حكومة العراق المركزية للقائمين على إقليم كردستان لتسليم المطارات الواقعة هناك، عطفاً على أحاديث أخرى عن تحركات عسكرية عراقية ناحية كركوك التي يرفض محافظها، نجم الدين كريم، خضوعها لسلطة بغداد. وبين هذا وذاك يبدو وكأن تحركات إيران وتركيا تأخذ مساقاً تنسيقياً، وإن اختلفت الأهداف الاستراتيجية لطهران وأنقرة في كردستان بداية، ثم بقية المنطقة الأوسع جغرافياً من جهة ثانية. هل حسب الأكراد حساب استفتائهم بشكل جيد، أم أن فورة انتصاراتهم العسكرية الأخيرة أغرتهم؟ من الواضح جداً أن قضية الاستفتاء معقدة للغاية، ذلك لأنها ترتبط بحسابات وتوازنات، لا بغداد ولا أربيل فقط؛ بل دول الجوار، وللمرء أن يطلق عليها بكل أريحية دول الطوق إن شاء، إذ نرى سريعاً ضرباً من ضروب الحصار والمقاطعة على إقليم كردستان، منذ ظهور نتيجة الاستفتاء حتى الساعة، بدءاً من الأغذية وصولاً إلى المطارات ووسائل تصدير النفط. والشاهد أنه على الرغم من تصريحات السيد بارزاني بأن الاستقلال لن يصير اليوم التالي للاستفتاء، فإن نتيجة الاستفتاء في كل الأحوال عمقت وزخمت إلى أبعد حد ومد نوايا الانفصال عن العراق أولاً، وأضحت أنموذجاً جديداً لبقية الأكراد الموجودين على الأراضي التركية والإيرانية والسورية، ما جعل حلم الدولة الكردية يشتعل في الصدور من جديد، وإمكانية إطفاء جذوته باتت تبدو منعدمة. بالمقابل وبالنظر إلى الطوق الذي بات يفرض على إقليم كردستان، يمكن للمرء أن يستنتج تعميق حالة التضاد بين الأكراد وأهلهم في العراق أولاً، ثم تأكيد تلك الكراهية لمن يحاول من الأطراف الجارة تطويقهم، ناهيك عن تعزيز الرغبة في الانفصال لتفادي مثل هذه المهانة الإنسانية في قادمات الأيام. يحفل الملف الكردستاني بتعقيدات عدة ومخاطر جمة في الحال والاستقبال، إذ يؤسس لحالة من حالات الانفصال والاستقلال لدى أقليات العالم العربي، وربما الإسلامي من بعد، ويكاد يخيل للرائي أن مشروعات تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ عربياً، والتي كانت فترة ما أطلق عليه «الربيع العربي» مبتدأ أوجاعها، تعود من الشباك بعد أن قدر للعرب طردها من الباب، حين كسرت شوكة الجماعات الراديكالية، المتحالفة تقليدياً مع الإمبريالية العالمية، تلك إلى تتخذ العسكرة شكلاً لها منذ التدخل في أفغانستان وصولاً إلى غزو العراق. انفصال إقليم كردستان اليوم حكماً سيدفع أطرافاً أخرى في دول عربية بعينها للتماهي معها، لنرى لاحقاً أكثر من كردستان، وما هو أعقد من جنوب السودان، فهناك على سبيل المثال أقليات عرقية بربرية تمتد من أقصى المغرب العربي إلى الصحراء الغربية المصرية، عطفاً على احتمالات لا تخطئها العين للتذرع بأسباب الطائفية والمذهبية الدينية، فمن يضمن ألا يطالب الإيزيديون في العراق، ناهيك عن الكلدان والآشوريين، بمناطق آمنة مستقلة لهم، على غرار المسار الذي سلكه الأكراد منذ عام 1991. خطورة الاستفتاء الأخير وتبعاته أنه يهدد الدولة الوطنية العربية في المستقبل القريب، وهو تهديد من أسف كبير نابع من قلب فشل تلك الدولة في الانطلاق من عالم القبليات والعنصريات والهويات المتقاتلة، إلى عالم الحداثة، حيث المواطنة عنوان بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين، وهو ما لم يتنبه له كثير من دول المنطقة، ويرشح عنه الآن تهديدات حقيقية، ويمكن أن تتبلور عنه انشقاقات أخرى، بعضها قائم وغيرها قادم. يستدعي الانتباه في مشهد كردستان ورغبته في الانفصال، الموقف الأميركي على نحو خاص، إذ أشار المتحدث باسم البنتاغون الميجور أدريان رانكين غالاوي، إلى أن مسؤولاً رفيعاً في وزارة الدفاع الأميركية قد اتصل بحكومة إقليم كردستان، وأبلغها أن تنظيم الاستفتاء لم يكن مناسباً في الوقت الراهن. المسألة إذن بالنسبة لواشنطن ليست مسألة رفض الانفصال كمبدأ، إنما في التوقيت، حيث تراهن واشنطن على دور الأكراد في دحر «داعش» وأخواته في العراق، فيما يراهن الأكراد على ضعف الدولة العراقية التي فر جنودها في زمن نوري المالكي من الموصل أمام الدواعش، بينما صمدت قوات الأكراد رجالاً ونساء، وحققوا انتصارات لا ينكرها أحد. ما من شك في أن واشنطن لديها مصالح كثيرة في قيام دولة كردية تدعمها إسرائيل بقوة، لتكون نقطة استراتيجية لملاقاة الإيرانيين الطامعين في الهيمنة على الخليج العربي، ولهذا يعلو صوت أميركي آخر جهراً، بأن العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة وشعب كردستان لن تتغير بسبب نتائج الاستفتاء. أحسن كثيراً وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي الدكتور أنور قرقاش، حين أشار إلى أن الحوار هو طريق بغداد وأربيل لتحقيق الاستقرار بعد نتائج الاستفتاء، ذلك أن البديل هو وقوع العراق عرباً وأكراداً في فخ كبير، أقرب إلى الهاوية التي لن ينجو منها أحد. هل من راشد بينهم يجنب الجميع ظلم الجب العميق القادم لا محالة؟ | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
10 | إصلاح بغداد لوقف تفكك العراق | عبد الرحمن الراشد
| الشرق الاوسط السعودية |
أعطوا الأكراد حصة حقيقية في الحكومة في بغداد، حينها سيتوقفون عن فكرة الانفصال. حالياً يُقلدون مناصب فخرية بلا صلاحيات، وكذلك حال العديد من مكونات الدولة العراقية التي بُنيت، بعد الغزو، على نظام برلماني تشاركي.
كل دول المنطقة تقريباً ضد فكرة انفصال أي إقليم، ولهذا لن يكون انفصالهم سهلاً. والخشية تزداد من نشوب حرب تشنها السلطة العراقية المركزية، مع إيران وتركيا، ضد «الدولة الكردية»، بعد أن أيد 92 في المائة من أكراد إقليم كردستان الانفصال عن بلدهم العراق. فالانفصال طريق سياسي وعر طويل وخطر، فيه مواجهات عسكرية وحصار اقتصادي أليم. في الوقت نفسه، فإن الأكراد عازمون، ولو تراجعوا مؤقتاً الآن سيعاودون الكَرّة لاحقاً. مشروعهم مقلق لأن بقية أقاليم العراق ومحافظاته تتنازعها أفكار انفصالية ستؤدي في الأخير إلى نهاية العراق الذي نعرفه منذ عام 1920، كما رسم حدوده البريطانيون والفرنسيون.
الحلول موجودة، إن وجدت النية الصادقة لوقف الانفصال الذي يهدد بتدمير العراق والمنطقة. على القوى السياسية في بغداد أن تمنح الأكراد الصلاحيات والضمانات بأنهم شركاء في الحكم، وليسوا مجرد صورة تذكارية، لو تحقق ذلك ستنتهي المبررات. فالأكراد، مثل بقية القوى العراقية التي قام عليها مشروع العراق الجديد، تم تهميشهم والقضاء على وجودهم من قبل شركاء الحكم، من أفراد وأحزاب عراقية أخرى، وذلك بعد خروج الأميركيين الذين كانوا الضامن للمشروع السياسي.
بغداد هي عاصمة الدولة كلها ويفترض أن تديرها كل الفئات التي تمثل البلاد لتعكس مشروع الحكم الذي صممه الأميركيون ليكون شراكة بين الجميع. وقد بدأ الخلل في عهد رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي في عهده تم الاستيلاء على صلاحيات الحكومة، واختصرت السلطة في مكتب المالكي. ثم فرضت الأحزاب، ذات الوجود المسلح في بغداد، مطالِبَها. وصارت العاصمة محكومة من ميليشيات مسلحة، بدعم من إيران التي نجحت في منحها شرعية تحت علم الحشد الشعبي، وهناك المرجعيات الدينية يحاول البعض فرضها كمرجعية سياسية. فصارت فتواها تسبق تصويت البرلمان وقرارات الحكومة. ما قيمة مؤسسات الدولة التشريعية، مثل البرلمان، إذا كان معطل الصلاحيات، والمحكمة العليا تخضع لرغبات القيادات السياسية، والحكومة الحالية لا تستطيع أن تفرض قراراتها عندما تعارضها الأحزاب المتكئة على السلاح؟! في هذه الأجواء لماذا نتوقع من الأكراد، وأي جماعة سياسية أخرى، أن تلتزم بالولاء لدولة بلا هوية ولا سلطات كاملة؟ لهذا تحتاج الدولة العراقية، وليست الحكومة فقط، إلى أن ترمم هيبتها، بأن تدعم مرجعياتها الشرعية، وتحترم دستورها، وتتعهد بأن تعامل الجميع سواسية تحت قانونها، وتعلنها حرباً على مَن يخرج على طاعتها، وليس فقط تلاحق إرهابيي «داعش» وانفصاليي إقليم كردستان.
خلال سنوات الحرب على الإرهاب كان الشعار أن الدولة العراقية لن تسمح لأحد بحمل السلاح غير مؤسستها العسكرية، وأنها لن تقبل لأي إقليم أو محافظة بأن تدار من قبل جماعات لا شرعية لها. وشنت الحروب تحت هذا الوعد، وتم تطهير محافظات الأنبار، وصلاح الدين، وحررت الموصل، وغيرها. لكن في جنوب العراق ووسطه ضعفت سلطات الدولة، وصار رئيس الحشد الشعبي أهم من رئيس الوزراء، وجاهَر المالكي نائب الرئيس بخصومته وتحريضه ضد رئيس الحكومة، وهكذا أضعفوا الدولة حتى قرر الأكراد أنه لا فائدة تُرجى من استمرارهم فيها، وقد حان الوقت للاستقلال.
من أجل إيقاف النزعات الانفصالية أعطوا الأكراد صلاحيات حقيقية، وليس مجرد أدوار مسرحية، وكذلك لوقف النزعات الموجودة أيضاً عند بعض السنّة العرب في الأنبار، وعند بعض الشيعة في البصرة، وجميعهم ينتظرون معركة انفصال إقليم كردستان حتى يبدأوا معركتهم. ما لم تكن بغداد الدولة لكل العراقيين، فإن الانشقاقات لن تتوقف.
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
11 | إعصار كردستان وخرائط الإقليم
| راجح الخوري
| الشرق الاوسط السعودية |
كل الدعوات العراقية والتركية والإيرانية إلى إلغاء نتائج الاستفتاء، الذي جرى يوم الاثنين الماضي، وسط حماسة طاغية، في كردستان، تبدو بلا معنى، على الأقل لأن هذا الاستفتاء حصل أخيراً وفي حضور مراقبين من الخارج كما أُعلن، ولأن مسعود بارزاني بات الآن مدججاً بنتيجته الساحقة أي 87 في المائة من سكان الإقليم الذين أيدوا استقلال دولة كردستان. لا يمكن إلغاء الاستفتاء الذي حصل وسط كل هذا الدوي، لكن من المؤكد أنه يمكن الحديث عن تفاهم على ترجمة نتائجه على المستوى السياسي والسيادي في العراق، بمعنى هل سيذهب الإقليم مباشرة إلى إعلان الاستقلال، أم سيفتح الأبواب للذهاب إلى طاولة الحوار للتفاهم على صيغة العلاقة المستقبلية، سواء كانت انفصالاً يستدعي ترتيب العلاقات بدلاً من الانخراط في الحرب، أو كونفدرالية متفقاً عليها تنظم العلاقات بين الجانبين؟ هنا لا بد من أن نلاحظ أن مسعود بارزاني وبعد أقل من 48 ساعة على إعلان النتيجة، بدا هادئاً يبحث عن التفاهم، في مواجهة الهياج وقرقعة التهديد والتصعيد، فقد دعا بغداد إلى فتح حوار للاتفاق على المستقبل بعيداً عن لغة التهديد بالحصار والتجويع، كما يلوّح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي وصف الاستفتاء بأنه خيانة، مع أنه جرى خارج الأراضي التركية! حيدر العبادي هدد بفرض حظر جوي وبري على كردستان، وقال إنه لن يتفاوض مع القادة الأكراد ما لم يعلنوا إلغاء الاستفتاء ونتائجه، وهو ما لا يمكن حذفه بعدما بات واقعاً، لكن كما أشرت أعلاه يمكن الانطلاق من هذه النتائج إلى حوار ينظم العلاقة المستقبلية بين بغداد وأربيل، التي كانت دائماً موضع خلافات وصراعات. قبل الحديث عن المواقف النارية التي سمعناها من أنقرة وطهران يتعين التوقف عند بيان الخارجية الأميركية، التي أعربت عن «خيبة أمل عميقة» بسبب الاستفتاء، لكنها حرصت على التأكيد أن العلاقات التاريخية بين الولايات المتحدة والشعب الكردي لن تتغيّر على ضوء الاستفتاء غير الملزم الذي سيزيد من انعدام الاستقرار، ولهذا «يتعيّن على جميع الأطراف أن ينخرطوا بطريقة بناءة في حوار يدعم العراق الموحد الفيدرالي والديمقراطي». الموقف الروسي الذي يرفض فكرة الانفصال، يدفع أكثر في الدعوة إلى الحوار، فقد تجنّب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف انتقاد الاستفتاء قائلا: «هذا أمر داخلي لكن هذا لا يعني أننا سنعترف بنتائجه»، ثم أعلنت الخارجية الروسية يوم الأربعاء أنها «تنظر باحترام إلى التطلعات الوطنية للأكراد، وأن كل القضايا العالقة يمكن حلّها بالحوار». وفي السياق ذكرت التقارير أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعمّد في الاتصال الهاتفي يوم الاثنين مع إردوغان الذي يهدد بالغزو، التذكير بأن موسكو تدرس الانعكاسات التي قد تنجم من انفجار الوضع عسكرياً، على خطط وضعها عملاق النفط الروسي «روس نفط» لمد أنابيب النفط إلى أوروبا عبر الأراضي العراقية فالكردستانية فالتركية، بما يعني ضمناً تذكير إردوغان بأنه إذا كانت خسائره السنوية من إغلاق صنبور النفط الكردي تصل إلى أربعين مليار دولار، فإن الوضع سيكون أسوأ إذا تعطل مشروع الأنابيب الروسي! عملياً هذه ليست مسألة استفتاء على استقلال كردستان. لقد فتحت الأبواب على قرع طبول التهديدات العسكرية، مناورات على الحدود وتلويح بالغزو، إنها في النهاية بوابة تفتح على طريقين: إما عقلانية تنزل على الرؤوس الحامية في أنقرة وطهران وبغداد وحتى دمشق، بحيث يمكن التفكير بضرورة تطوير النظم السياسية على قواعد من الفيدرالية التي تحترم خاصية الجماعات وحقوقها، وإما الذهاب إلى صدام عسكري لن يكون من نتائجه سوى المزيد من الكوارث، وفي مقدمها طبعاً عودة «داعش» والإرهابيين الذين خرجوا من بوابات المدن ويمكنهم العودة من نوافذ الصراع الجديد، وهذا أمر يعرفه العبادي جيداً. هكذا تبدو دعوة بارزاني إلى الحوار شرفة هادئة تطل على ساحة من الصخب وقرع طبول الحرب، لكن ربما على حيدر العبادي أن يتوقف أمام العرض الذي قدمه قاسم سليماني إلى بارزاني، أي أن تقوم طهران بالوساطة بين بغداد وكردستان لحل المشاكل العالقة وفقاً للدستور العراقي والاتفاقيات الثنائية، لكن بارزاني رفض في ضوء يأسه الطويل من تجاوب بغداد مع مضمون هذه الاتفاقيات، ولهذا عندما هدد قاسمي بتحريك «الحشد الشعبي» في كركوك جاء الرد بأن البيشمركة ستتصدى لأي تحرك من هذا النوع! هذا العرض يؤكد أن الحكومة العراقية تمادت في تعطيل المادة 140 من الدستور العراقي لجهة التحكم بكيفية حق تقرير المصير والتملص من حلّ الخلاف على المناطق المتنازع عليها، والامتناع عن دفع رواتب قوات البيشمركة وعن دفع مستحقات الشركات التي عملت في التنقيب عن النفط في الإقليم، ثم بدأت تدعم ميليشيا «الحشد الشعبي» وتدفعها للوقوف في مواجهة البيشمركة في مناطق شنكال وعلى حدود الموصل وأربيل وكركوك. طهران ليست بعيدة عن كل هذه التحركات، لكن المراقبين يطرحون سؤالاً يستحق التأمل: ما الذي يمكن أن يضير إيران من انفصال كردستان في شمال العراق، إذا كان هذا يمهّد الطريق إلى انفصال أو بالأحرى فصل جنوب العراق وإلحاقه بها، وهي تقريباً التي تديره وتضع يدها على ثرواته النفطية، وهذا لن يغيّر من مسار مشكلتها مع ثمانية ملايين كردي تضطهدهم عند حدودها الشمالية الغربية؟ مملكة كردستان عاشت عامين بعد الحرب العالمية الأولى [1922 – 1924] ثم تقاسمتها تركيا وإيران والعراق وسوريا، وجمهورية مهاباد التي أعلنها الأكراد في إيران عام 1946 بدعم من الاتحاد السوفياتي سحقها الشاه، ومنذ ذلك الحين يتوزع 40 مليون كردي في الدول الأربع (20 مليوناً في تركيا قُتل منهم أكثر من مليون ونصف أيام أتاتورك، 8 ملايين في إيران يتعرضون للتنكيل والاضطهاد، 7 ملايين في العراق تعرضوا للقتل بالكيميائي في حلبجة أيام صدام حسين، 3 ملايين في سوريا كانت آخر عمليات القمع التي تعرضوا لها في القامشلي قبل أعوام قليلة). انطلاقاً من هذا الواقع تتجاوز دول الإقليم كل خلافاتها والتناقضات، وتلتقي في معارضتها الحاسمة لقيام أي كيان أو دولة كردية مستقلّة في أي بلد من البلدان الأربعة، لأنها ستشكّل منطلقاً لتحركات ومطالبات في الدول الأخرى. وعلى هذا يبدو الاستفتاء على الاستقلال في كردستان وكأنه الفالق الزلزالي الذي يمكن أن يضرب عميقاً في المنطقة، لأنه سيؤجج طموح وأحلام الكرد في تركيا وإيران وسوريا للمطالبة بحق تقرير المصير، وإذا تحققت أحلامهم فذلك يعني على سبيل المثال لا الحصر، أن تركيا ستخسر 32 في المائة من مساحتها، أما إيران فلن تكون في مواجهة طموحات الكرد وحدهم، وخصوصاً مع وجود الحركات المطالبة بالانفصال في سيستان – بلوشستان وأيضاً في خوزستان العربية. لهذا يبقى السؤال دائماً، لو كانت الأنظمة تحترم الديمقراطية والحقوق في أطرها التعددية، هل كانت المسألة الكردية ستتحوّل فالقاً يزلزل المنطقة كلها؟
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
12 | شأن عراقي سيادي | سمير عطا الله
| الشرق الاوسط السعودية |
أنا ضد جميع أنواع وأشكال الانفصال والتقسيم، سواء كان متمدناً حضارياً، كما بين تشيكيا وسلوفاكيا، أو همجياً، كما حدث في يوغوسلافيا. ومن هنا لا أستطيع، من حيث المبدأ، أن أكون مع انفصال كردستان العراق، برغم التقدير الإنساني لسائر الظروف المحيطة بالمسألة، وللحروب التي تعرضت لها من بغداد بالطائرات والقاذفات والكيماويات. لم أفهم لماذا قرر الرئيس بارزاني الدعوة إلى استفتاء الاستقلال الآن. والأرجح أنه أراد استغلال الوضع الإقليمي، والتهاوي الدولي، وغيرهما من «الملائمات» المتوافرة. وفي أي حال، كان رد الفعل الإقليمي والدولي معادياً بشدة. ولكل فريق في هذه الخريطة المعقدة أيضاً ظروفه ومخاوفه، بدءاً بالجمهورية التركية، وثم إيران، وبعدها سوريا. وأي إنسان يفهم رد فعل الحكومة المركزية في بغداد، وحقّها في الاعتراض وقراراتها السيادية ضد الانشقاق، وخوفها من العدوى. لكن الذي لا يفهم أن تتصرف تركيا وإيران وكأن سيادة العراق تابعة لمخافر الحدود في البلدين. طبعاً هناك اتفاقات موقعة بين بغداد وأنقرة حول المسألة الكردية، المتداخلة بين البلدين. وهناك مبرر للخوف من تبعات الانفصال في المنطقة برمّتها. وما يبدأ باستفتاء في أقلام الاقتراع، قد يتحول إلى حريق واسع في منطقة لا تفرّق بين الحرب وشاي الساعة الخامسة. كل هذا لا يمنع أن تصرف إيران وتركيا إهانة سياسية للعراق قبل كردستان. هذه، حتى الآن، مسألة سيادية داخلية. وقد كان في إمكان بغداد أن تبدأ بمعالجتها منذ سنين. ليس بمنح الأكراد منصباً احتفالياً، بل بمحاولة دمجهم في عمق الدولة التي طالما تجاهلتهم واضطهدتهم. حاول حزب العدالة والتنمية منذ مجيئه، أن يمنح الأكراد بعض الحقوق البسيطة، لكن أكراد المنطقة ظلوا بصورة عامة، بلا أي ترضية وطنية معتبرة. أليس مقلقاً هذا المشهد المتكرر: جميع القوى المعنية تزمجر دفعة واحدة ضد الأكراد، وما من عرض بالوساطة؟ ما من مشروع لحل مُرضٍ؟ فوراً اتجهت بغداد، كالعادة، نحو العقاب بدل أن تستنفد أولاً جميع سبل الحلول الوطنية؟ نتعامل جميعاً مع المسألة وكأن القضية الكردية مفاجأة بدأت أمس، وليست موضوعاً عمره من عمر المنطقة. إن الأكراد يستغلون اليوم فرصة الزلزال الجغرافي والسياسي لكي يخرجوا من إطار الدولة العربية. ويجب أن نعرض عليهم ما يغريهم بالبقاء، المواطنة، مثل الدين، لا تكون بالإكراه. بدل أن يكون استفتاء أربيل باباً لحرب أخرى، فلنجرب لمرة، الحلول التي لا جثث فيها ولا دماء ولا استقواء ولا غطرسة ولا جاهلية.
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
13 | سيناريو ما بعد الاستفتاء!
| محمد الرميحي
| الشرق الاوسط السعودية |
يبدو أن هذه المنطقة (منطقة الشرق الأوسط العربية) مليئة بالقضايا الملحة والمتفجرة التي لم تجد لها بعد الحلول الناجعة والسلمية المناسبة. لقد ثارت في الأيام الأخيرة قضية الاستفتاء في كردستان العراق، وكأنها موضوع ظهر فجأة من العدم، في حين أنه كان هناك منذ عقود، كان الدخان قادماً من أربيل، إلا أن المطافئ لم تكن مستعدة لا في بغداد ولا أنقرة ولا طهران. الاهتمام بالقضايا الملحة في اللحظة الأخيرة دليل قاطع على أن عالمنا هو «عالم اللحظة» تجسيداً للقول المأثور عن امرئ القيس، الذي دُفن بالمناسبة في أنقرة: «اليوم خمر وغداً أمر». ولقد جاء الغد للبعض قبل أن يفيق! أصبح الاستفتاء خلفنا قد يكون قفزة إلى المجهول، وقد يكون «حسبة معلم» من السيد مسعود بارزاني. لدينا أطروحتان؛ الأولى للكرد العراقيين، تقول إنهم دخلوا في شراكة مع المكونات العراقية الأخرى بعد عام 2003 من أجل بناء عراق وطني (ديمقراطي مدني حديث)، ووجدوا بعد طول تجربة، أنه عراق طائفي/ ديني، تتخلل مسامه شرور الفساد، ومتدخّل في شؤونه من عدد من الدول، على رأسها إيران الخمينية، تجره جراً إلى نوع من «ولاية الفقيه»! فلا مفر من فك الشراكة. في الوقت نفسه الذي كان السيد مسعود بارزاني يتحدث فيه إلى العالم الأسبوع الماضي، من خلال مؤتمر صحافي عالمي، يُنقل مباشرة على شاشات التلفزيون، ظهر السيد حيدر العبادي ليدافع عن وجهة نظر السلطة المركزية، وتحدث الأخير كثيراً، ولكنه لم يكن مقنعاً، فقد ذهب إلى التذكير بقهر وظلم وعسف صدام حسين (وهذا غير مشكوك فيه)، وأن البعض قد تعاون معه من كل المكونات العراقية (إشارة إلى بعض الزعامات الكردية) ولكن السيد العبادي لم يقدم مشروعاً مقابلاً لأطروحات الكرد التي تشير إلى الفشل في إقامة «دولة مدنية حديثة وغير طائفية»، والشعوب تتوق إلى أن تلقي السمع إلى من يتحدث عن مستقبلها لا عن سفاحيها. وعلى الرغم من أن «استقلال كردستان العراق» سوف يثير من الآن وصاعداً اللغط والأخذ والرد والشجار السياسي، وربما يتحول إلى شيء أكثر سخونة، يأخذ العراق إلى قاع آخر أعمق من القاع الذي وصل إليه حتى الآن، كما أن «الاستقلال» للعاقل هو عملية «انفصال»، دونها عقبات ضخمة، استراتيجية وعملية، قد تتحول فيها الأحلام إلى أوهام، فإن بغداد لم تقدم المشروع البديل المقنع، واعتمدت على مقولات الزمن القديم، بل هي في الواقع غارقة في مفارقات داخلية تقعدها عن تقديم البديل. المحك هنا هو إقامة دولة عراقية مدنية مستقلة، لها بندقية واحدة، لا عدد من البنادق (البيشمركة والحشد الشعبي وغيرهما) تلك البنادق المتعددة تؤهل العراق كله إلى فوضى وتسهل الانقسامات، وتقدم الذريعة للكرد للذهاب إلى استقلال ما! لو أخذ السيد العبادي بموقف شامل في الرد على السيد بارزاني في ذلك اليوم، الذي شهدت فيه الشاشات النقاش غير المباشر بينهما، بالذهاب مباشرة إلى تقديم تصور عن الوطن (العراق الموحد المدني والديمقراطي) المرغوب، لشكّل ذلك على الأقل رداً عقلياً على أطروحات بارزاني، ومن خلال الإعلان عن البندقية الواحدة لعراق واحد (اندماج الحشد الشعبي في الجيش العراقي) وتجريم أي ميليشيات أخرى، تمهيداً لإدماج البيشمركة في ذلك الجيش الموحد والحديث، والطلب الواضح وغير المُرمز أن تغادر كل القوى المسلحة (إيرانية وتركية) الأرض العراقية، وتجريم التعامل مع قوى خارجية في الساحة السياسية العراقية، كما يوضح العبادي مغبة الانفصال الكردي، ليس السياسي فقط ولكن الاقتصادي والعملي، ربما بمثل ذلك الخطاب من السيد العبادي يمكن له ربح الجولة الأولى؛ لكنه أو مستشاريه، تجنبوا الحديث عن المهم، للذهاب إلى العاطفة والتذكير بمآسي صدام حسين، وتجاهل المتطلبات التي يمكن للعراق ككل أن يربح بها، وهي إقامة الدولة الوطنية المدنية الحديثة المتكئة على المواطنة وتساوي المواطنين أمام القانون النابع من الناس! طبعاً هذا التمني هو مثالي؛ لأن المعطيات على الأرض العراقية لا يمكن أن تفرز إلا ذلك الخلط من الشعارات، بعد تقريباً خمسة عشر عاماً من الإطاحة بالنظام السابق، والصراع العبثي الذي تطاول حتى أوهن الجسم السياسي العراقي، مما أهل وزيّن للآخرين؛ خصوصاً طهران، التدخل المرضي في خاصة خصوصيات الوطن العراقي، وتكبيل آلياته السياسية بمقولات شبه خرافية. ما لدينا من خريطة سياسية اليوم في العراق لا يتيح فرصة ولو ضئيلة للاستبشار، هناك تدخل إيراني واضح، أصبح من المحرمات الحديث فيه أو حوله. كثير من السياسيين في بغداد يرجون رضا طهران اليوم أو وكلائها في بغداد، ومن يخرج عن «السمع والطاعة» تُشن عليه حرب شعواء، ويخرج من دائرة الرضا، لذلك يتسابق كثيرون إلى طهران من أجل الوصول إلى كراسي الحكم في بغداد! تلك الحقيقة بذاتها تقيد إلى حد الإقعاد أي قدرة على الحركة إلى الأمام، أو أي قدرة على احتواء الشريك بشكل صحي، سواء المكون الكردي أو المكونات الأخرى. على مقلب آخر، فإن التجربة الإنسانية المعاصرة، تقول إن العالم يتوجه إلى «التوحد» لا التشرذم، وكل من حاول الانفصال في العقود الأخيرة بات في الفاقة والفقر والحروب. تلك تجربة جنوب السودان، والصومال، وتجارب أخرى في العالم، حتى في دول أوروبا الحديثة التي خسرت كثيراً من الانفكاك عن المنظومة القريبة منها، بريطانيا مثال واضح في هذا المقام. فذهاب كردستان إلى الانفصال، إنْ تم، هو مغامرة سوف يدفع ثمنها الكرد أنفسهم في ذلك الإقليم وخارجه، بجانب طبعاً الثمن الباهظ الذي سوف يدفعه العراق، إلا إذا كان السيد مسعود بارزاني من العمق والحذق السياسي، بأن يحمل ورقة الاستفتاء للتفاوض على «عراق كونفدرالي مدني حديث وديمقراطي»، ولا طائفي! ذلك أمر آخر يمكن أن يدخله تاريخ بناء الدول، وليس العراق فقط. الاحتمالات كثيرة، فهناك مساحة من الوقت «لعض الأصابع» بين كل من العاصمة بغداد وأربيل وطهران وأنقرة، ولكنه عض أصابع مكلف، خاصة احتمال أن تذهب بغداد بعصبية للتضييق على الإقليم، والتي لوحت له بالفعل في المطالبة بتسليم المطارات والمنافذ، أو أن تذهب أنقرة أيضاً إلى قفل أنبوب النفط الذي يصل كردستان بالأرض التركية، على ما يكلفها من أعباء اقتصادية، كما أن العصبية التي أظهرتها طهران في إقامة مناورات على حدود الإقليم لا تنبئ عن التفكير العميق في المشكلة، كلها ردود فعل آنية. السؤال: هل يهدد «نوع من استقلال كردستان العراق» كلاً من إيران وتركيا وسوريا؟ الإجابة عن ذلك قد لا تكون بـ«نعم» قاطعة، فكثير من كرد تركيا هم موالون للنظام، بل في المناطق الكردية التركية صوّت الأكراد بكثافة لمشروع رجب طيب إردوغان، من أجل تفويضه بمركزية أكبر في تركيا، ويشارك عدد منهم في الحكم، ومنهم أعضاء برلمانيون عن الحزب الحاكم. نعم هناك طائفة منهم معارضة، ولكن الدولة التركية محتوية لتلك المعارضة. كرد إيران لا يبدو أنهم أمام حركة واسعة من الرفض، كما أن كرد سوريا أصبح لهم موقع «فيدرالي» قادم في سوريا المحررة من التسلط المركزي البعثي! هذا يأخذنا إلى أن المخاوف مبالغ فيها، وما نسمعه من ضجة هي فقط لتعظيم المنافع في المفاوضات القادمة. التأكيد من قبل كردستان العراق، أنه لن يكون لها يد أو «نفس» تشجيعي لأي حركة انفصالية في تلك البلاد مستقبلاً، قد يخفف من المخاوف. التحدي الحقيقي أن ينجح كرد العراق في بناء «إقليم يحكم بشكل مدني وحديث وديمقراطي»، تلك أمنية ربما يتمناها السذج فقط، أما شكل الحكم القادم في كردستان، فلن يخرج عن تقاسم منافع؛ لأن «فاقد الشيء لا يعطيه»، فهناك كما في أماكن أخرى «التنظيم القبلي والعائلي» يفوق أي تنظيم حديث آخر ويبزه، لهذا فإن الاحتمال في خلق نموذج يمكن تصديره قد يكون غير واقعي أو مبالغاً فيه. لا بد في نظرتنا إلى السيناريوهات المختلفة ألا نترك التفكير في «جحفل الذهاب إلى الحرب»، وإذا كانت الحرب أولها كلام، فقد بدأ الكلام لا شك، إلا أن تلك الحرب إن قامت فلن تنتهي بتوحيد العراق؛ بل بتقسيمه، وفي غياب حلول سياسية، فإن أمامنا خمسين عاماً على الأقل من الصراع.
آخر الكلام: يقول الروائي العراقي شاكر نوري، في رائعته «خاتون بغداد»: كثير منا لا يدركون أن هذا المجتمع العراقي عشائري في باطنه، ومدني في ظاهره، نحن على فوهة بركان.
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
14 | الاستفتاء المضمر: استقلال الكيان العراقي عن «حزب الدعوة | وسام سعادة
| المستقبل اللبنانية |
صحيح أن الأكراد ذاقوا الأمرّين في عهد البعث العفلقي الصدّامي في العراق، لكن التيار العارم المنادي للاستقلال عن العراق بينهم اليوم، لا يختزل في هذه الخلفية المأسوية المرتبطة بمشروع صهر قومي بعثي تعسفي ثم بحملة إبادية. اختزال المسألة إلى «فعل صدّامي» وردّة فعل كردية استقلالية لم تعتمد الاستفتاء إلا بعد أحد عشر عاماً على إعدام صدام حسين صبيحة عيد الاضحى، في مرحلة اختلط فيها «اجتثاث البعث» في بغداد بحملة مذهبية بغطاء إيراني ـ أميركي مشترك لمعاقبة من صاروا يصنّفون «العرب السنّة»، في اختزال تدليسي وأرعن.
ما يخفيه هذا التدليس، انه سواء الاكراد، او العرب السنة كما صاروا يوصفون، يجدون صعوبة بالغة في التأقلم، ليس مع عراق البعث الذي لم يُطح به بالتدخل الاميركي وعودة القوى المعارضة المسلحة من ايران، وانما هو «عراق حزب الدعوة» الذي يجعل اليوم هاتين المجموعتين عصيّتين، كل واحدة على طريقتها، على التكيف مع واقع حال فئوي وأصولي متغلّب في بغداد وفي البصرة، يجتث البعث عن يمنى، ويحييه عن يسرى.
هذا التغلّب الفئوي استهتر بعد إسقاط صدام بألفباء البحث عن عقد اجتماعي جدّي جامع لشمل التعددية القومية والدينية والاقليمية. بدل ان يحاكم صدام على جريمته الكبرى، الانفال، إبادة الاكراد بالكيماوي، حوكم على جريمة لها طابع آخر، انتقامه الهمجي من محاولة اغتياله في الدجيل. بدل ان تكون المحاكمة تعرية لتاريخ صدام حسين تحولت الى مناسبة لإظهاره كصنديد في مقابل محكمة مرتبكة ثم مستعجلة للنطق بالاعدام وتنفيذه. بدل تطعيم الاطاحة بالبعث بالبحث عن مصالحة وطنية بين شرائح المجتمع، كان تبديل الوقائع الديموغرافية بنفس مذهبي سيد الموقف في بغداد والبصرة. بدل البحث عن ارضية لتقاسم متوازن ومعقول للثروات والموارد، كانت حالة فساد شاملة، يتراشق المسؤولون عن تلك الفترة الاتهامات حولها الى اليوم، وتخرج على هامش هذه الاتهامات صورة عن نهب نهم، مخيف، للمقدرات، صورة عن تسليط الميليشيات المذهبية على رقاب الناس. بدل الاكتفاء باجتثاث البعث جرى التعريض بالكيانية الوطنية العراقية. بدل فتح صفحة جديدة مع ايران، على قاعدة احترام الجيرة والاواصر الحضارية والبحث عن مشاريع نافعة للبلدين، جرى الخضوع لنفوذ الحرس الثوري الايراني، وتطويق مرجعية النجف مجدداً، بالعودة للاحتكام سياسياً لمرجعية علي خامنئي. بدل اقامة علاقات متعافية مع الشعب السوري، جرى بعث الميليشيات المذهبية لمحاربته، خدمة لنظام كانت حكومة نوري المالكي اكثر من اتهمه في السابق بتمرير المقاتلين «الجهاديين» وتوجيههم صوب العراق.
هناك في الكثير من الاخذ والرد اليوم على خلفية الاستفتاء خروج عن هذا السياق. كما لو كان الموضوع مطروحاً في آخر الثمانينيات بعد مجازر حلبجة، او بعد فرض منطقتي الحظر الجوي بعيد تنكيل صدام بالانتفاضتين الشيعية والكردية بعد هزيمته في «عاصفة الصحراء». لكنه ليس السياق. السياق هو «ما بعد صدّامي بامتياز»: انه «حكم حزب الدعوة» الذي يحاول الاكراد والعرب السنة في العراق الافلات منه، اياً كان الشكل، المدخل، الاطار، ورغم الشقاق المسؤول عنه البعث قبل اي طرف آخر هنا، بين الاكراد والعرب السنة، وهو شقاق تعوّل عليه حكومة حزب الدعوة، لاحياء كيانية عراقية، بشروط التغلّبية الفئوية، انما تجمع العرب، شيعة وسنة، ضد الكرد. لكنه تعويل ينتمي الى حسابات من زمن آخر، بصرف النظر عن تقييم مسيرة البناء الكياني الكردستاني وأين وصلت بالتحديد اليوم بموجب الاستفتاء، وما هي العوائق التي تعترضها اليوم وغداً.
من لم يستفد من تجربة القتال ضد «داعش» لاعادة انتاج كيانية وطنية رحبة وجدية جامعة لشمل العراقيين، من كان، كمثل نوري المالكي، في ثاني ايام سقوط الموصل بيد «داعش» لا يزال يتوعد اربيل، ويتهمها بالتواطؤ مع «داعش»، تراه اليوم يراهن على المقلب الآخر من منطق «اثنان على ثالث». لكن العراق لا يمكن ان يدار بمنطق ان طرفاً يتغلب فيه ويتداول عند كل عتبة الحلف مع مكون ثان ضد مكون ثالث.
من دون حد ادنى من المراجعة في بغداد. من المراجعة والقدرة على المبادرة .. وكذلك المتابعة، لنفحات استقلالية خجولة عن ايران ظهرت في الفترة الاخيرة، من دون المبادرة لتفاوض جدي على صيغة اتحادية تخرج من استهتارات «اثنان على ثالث»، فإن المسألة لن تقتصر على انفصال الجزء من الكل، بل على تصدع بنيان الكل نفسه، العراق المتبقي، بعد انفصال الجزء.
هل قلتم «اجتثاث البعث»؟ باسمه جرت اعادة احيائه بلون آخر. مغادرة حقبة «حزب الدعوة» هي، في شروط اليوم، أجدى وأنفع، هذا اذا كان يراد بعد الحفاظ على كيان اسمه العراق، سواء خسر تماماً اي رابطة له مع كردستان، أو نجح في إنقاذ الرابطة.. على حساب التغلّبية الفئوية، والانتقامية الجامحة، والبعثية المعكوسة، والتبعية لإيران. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
15 | كردستان بين الحرب والسلام!
| أسعد حيدر
| المستقبل اللبنانبة |
مرّ الاستفتاء حول استقلال كردستان عن العراق بسلام. فوز «نعم» بنسبة كبيرة مؤكدة. هذا النجاح «هو نصف القضية». بعد 26 أيلول، تدخل كردستان – العراق ومعها المنطقة، في حالة أخرى، لا يمكن تحديد أحداثها ولا مساراتها ولا نتائجها. ليس هذا الغموض والتعقيد بفعل الاستفتاء وحده، وإنما أيضاً بسبب الوضع الخاص للمنطقة من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ الوضع الكردي العام يُشكّل «بيت العنكبوت» الذي يغطي مدخل المغارة التي لا يعرف أحد ماذا تخفي!
بدايةً، للشعب الكردي الممزّق ظلماً على أربع دول قوية ومركزية، الحق في تقرير المصير، لكن ترتيبات القرن الماضي جعلت أي محاولة منه للمطالبة باستقلاله أو تقرير مصيره «خيانة كبرى»، لأنها تعني تمزيق الدول الأربع الوازنة في المنطقة. أيضاً، إن القرن الماضي، كان مع مسار الوحدة والتوحيد، وليس التقسيم وقيام كيانات صغيرة مهما كانت المطالب القومية شرعية. القرن الحالي يشهد منذ ولادته تبلور مطالب الانفصال والتقسيم وقيام كيانات صغيرة. تمزيق يوغوسلافيا، شكّل بداية لا يمكن إلغاؤها. ما هو جائز للصرب والكروات… أصبح جائزاً، وواجباً لغيرهم. الاستفتاء حول استقلال كتالونيا في إسبانيا بعد أيام، فعل شعبي لا يمكن ردّه ولا قمعه.
السؤال الطبيعي والضروري: لماذا لا تهدد إسبانيا بالحرب، ولا الاتحاد الأوروبي بالحصار ضد كتالونيا متى نفّذ الكتالونيون الاستفتاء حول انفصالهم عن إسبانيا وفازت النعم، بينما تكاد التهديدات
ضد كردستان – العراق تصل إلى حدّ قرع طبول الحرب وفرض حصار برّي وجوّي، لتحقيق التراجع مع أنه بعد إعلان فوز «نعم» يصبح السقف التنازلي الكردي إعلان مسعود البارزاني تأجيل تنفيذ الاستقلال والبدء بالتفاوض مع بغداد لتحسين شروط الفيدرالية؟
رغم طبول الحرب التركية والإيرانية وحتى السورية فإن الحرب لن تشتعل. إحباط «المؤامرة الصهيونية» التي أعلنها الجنرال رحيم صفوي، ترك أمر مهمتها معلّقاً على «همة كل الدول» وليس «الحرس الثوري» الذي كان قائده.
الطريف والعجيب أنّ طهران «أوقفت جميع الرحلات باتجاه مطارَي السليمانية وأربيل والرحلات العابرة انطلاقاً من كردستان» بناءً لطلب عراقي وليس بمبادرة منها، ما يعني أنّ عودة طهران عن قرارها، تتطلب عودة بغداد عن طلبها. أكثر من ذلك أن إيران، وضعت كل ثقل الوضع وتطوراته على أكتاف العراق وتركيا.
لا شك أن العراق وتركيا يتقدمان على إيران بالتضرر من قيام دولة في كردستان محاذية لهما. لكن هذا لا يعني أن حمولة إيران من أعباء الانفصال ليست كبيرة وخطيرة. فإذا كانت تركيا وقبلها العراق ستتضرّر كل منهما فوراً، فإن القلق الإيراني المستقبلي لا يقلّ خطراً ولا يخفّف من مسؤوليتها.
التباكي والتهديدات لا تعفي أي دولة من الدول الأربع من المسؤولية الضخمة لوصول الأكراد إلى الاستفتاء على الاستقلال.
في تركيا، الحرب مستمرة. تشهد هدُناً لكنها لا تنتهي ولا يقوم أي حل. لا شك أن رجب طيب أردوغان أعطى الأكراد حقوقاً كانت ممنوعة عنهم لكن ذلك لا يكفي. أما في إيران فالمسؤولية أكبر بكثير، فمنذ الشاه مروراً بالثورة وصولاً الى المرشد آية الله علي خامنئي، ما زال الأكراد يعاملون وكأنهم كتلة شعبية إضافية وليسوا جزءاً كاملاً ومتكاملاً، له الحقوق كما عليه الواجبات. فلا وزير كردياً، ولا جنرال كردياً، ولا حتى سفيراً كردياً (مؤخراً وبعد جهاد طويل من جانب الرئيس حسن روحاني جرى تعيين مثقف كردي سفيراً لإيران). القلق الإيراني، أن يستعيد أكراد إيران، رغم عددهم المحدود (خمسة ملايين أو أكثر بقليل) نشاطهم الانفصالي خصوصاً أنهم حلقة أساسية من «حزام الأقليات» الذي يزنّر إيران. انفجار أي حلقة على أساس قومي – مذهبي يقذف بـ«كرة النار» الى قلب إيران. لذلك وفي محاولة لتطويق ردود الفعل الداخلية، جرى ربط الاستفتاء في كردستان – العراق، بـ«المؤامرة الصهيونية» لتشريع مخاصمتها شعبياً ومحاربتها في عملية مدروسة لتحذير أكراد إيران وربط ردود فعلهم القومية بالسقوط في «شباك الصهيونية».
وحدة العراق مهدّدة. هذا صحيح. لكن ليس الأكراد وحدهم المسؤولين عن كسر هذه الوحدة. من دون العودة الى «المرحلة الصدامية»، فإن الحكومات التي تعاقبت بعد الغزو الأميركي عام 2003، «أجرمت» بحق العراق أكثر بكثير من الأميركيين و«داعش». الفساد والسرقات والنهب وتوسيع مستنقعات المذهبية كلها ضربت وحدة العراق.
بعيداً عن التضخيم وطبول الحرب، فإن المنطقة بعد 26 أيلول، وتحديداً كردستان – العراق ستتعرض لتحديات جادّة وخطيرة. كردستان الوليدة كدولة عاجلاً أو آجلاً بمحاذاة العراق أو ما تبقّى منه وإيران وتركيا، ستكون دولة ضعيفة أمنياً واقتصادياً. وقد تصبح مساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية، خصوصاً أن الحليف الوحيد لها سيكون إسرائيل. وجود إسرائيل ليس سراً في كردستان وفي أجهزة الأمن.
الكلام عن قيام إسرائيل ثانية لا يحل شيئاً بل «يزيد الطين بلّة»، لأن العزل يؤدي إلى الاستجارة بالشيطان، فكيف بالحصار والتجويع؟
حان الوقت لوقفة مع العقل من الطرفين الكردي والقوى الإقليمية المتضررة وأولها العراق. التخوين والعزل لن ينتجا سوى الانحدار نحو العداء الكامل والشامل. مِصر والسعودية مؤهّلتان أكثر من غيرهما للعب دور إيجابي، خصوصاً أن ضعف تركيا وإيران، يقوّيهما ويساعدهما على لعب دور بنّاء يقوم على مبدأ «خذ وأعطِ».
العودة إلى الوراء مستحيلة. التعامل مع المستقبل بهدوء ورجاحة عقل وتعقل يؤسس لبناء المنطقة من جديد. إسرائيل تملك العلاقة التاريخية مع آل البارزاني للتوسع وتقوية وجودها، خصوصاً أن هذا الوجود إذا ما ركبت إيران رأسها وتابعت تخوين الأكراد والبارزاني، يضع إسرائيل سراً وعلانيةً على حدودها تماماً، كما هي موجودة اليوم على الحدود في سوريا.
هذا التحوّل الجيوستراتيجي يفرض سؤالاً مشروعاً: كيف ستواجه إيران هذه «الإسرائيل – الثانية»، بجيوشها أم بالميليشيات الشيعية التي أنشأتها من أجل بناء «الهلال الشيعي»؟! | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
16 | زمن الضمّ والفَصلٍ والانفصال…
| بول شاوول
| المستقبل اللبنانية |
كان القرن العشرون زمن الضمّ والانضمام والفَصل والانفصال: نيل بعض البلدان العربية وغير العربية استقلالها، كلبنان وسوريا ومصر والعراق وتونس والجزائر. لحظة استقلالية عادت فيها الشعوب إلى حكم بلدانها، بعد زمن طويل من الاستعمار الفرنسي والإنكليزي والعثماني. لكنّه كان أيضاً زمن الانفصالات الكبيرة من كوريا واحدة إلى كوريتَين، ومن فيتنام إلى فيتنامَين، ومن الهند إلى الهند وباكستان، ومن فلسطين إلى كيانَين فلسطيني وإسرائيلي عبر قرار التقسيم. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانفراط عقد المنظومة الشيوعية انفصلت دول هذه المنظومة لتعود إلى «استقلالها»، من بولونيا، إلى جيورجيا، إلى الشيشان والمجر… إنها عودة الأراضي إلى شعوبها، بعد الاتفاقات التي تمت بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بتقاسم هذه البلدان، أي السوفيات وفرنسا وانكلترا.. لكن القرن العشرين كان أيضاً عصر «الضم».. والعصر الاستردادي معاً: فإيران كرّست استعمار الأهواز العربية، وكذلك الجزر العربية الثلاث طمب الكبرى وطمب الصغرى وجزيرة أبو موسى، باعتبار أنّ الخليج ليس عربياً بل فارسي! وما زالت كلها حتى الآن تحت الهيمنة الاستعمارية الإيرانية.
وضمّت إسرائيل، متجاوزة اتفاقات الأمم المتحدة أجزاء من ثلاث دول عربية: الأردن، ومصر، وسوريا. إنه الاحتلال في زمن الاستقلال. كأنما بدا مسار الزمن هنا معكوساً.. وما زال الجولان وما يسمّى إسرائيل والقدس الشرقية في الأيدي الإسرائيلية، وما زالت تمعن إسرائيل في سياستها التوسعية: هوّدت الجولان، وها هي تسعى إلى تهويد القدس التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمتهم الأبدية.
لكن، ومن خلال هذه المفارقات برز في القرن الحادي والعشرين تعطش الامبراطوريات السابقة إلى استعادة أمجادها، واسترجاع ما تحرر من سطوتها على بعض البلدان.
صحيح أن مشروع «إسرائيل الكبرى» قد سقط، لكن ليحل مكانه مشروع «الهلال الإيراني»، بطموح هذه الأخيرة إلى تقسيم المنطقة، وفصلها، وتدميرها، تمهيداً لغزوها. وهذا ما يفسّر حروبها على لبنان (عبر حزبها المسلح) وعلى اليمن، والعراق، وسوريا، والبحرين. فمطامعها تجاوزت الخليج إلى ما هو أبعد منه: إلى الورقة الفلسطينية، نفسها، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من الجنوب وبيروت والشمال، وها هو حزبها يحل كمقاومة محل المقاومة الفلسطينية!
] الامبراطورية العثمانية
وها هي الامبراطورية العثمانية مع أردوغان (وزمن الخلافة «المدنية») تستفيق بهواجس وكوابيس وأحلام لاسترجاع «حضورها»، واستعادة «تاريخ» مجيد! وقد لا يكون ذلك وقفاً على حروب الاسترجاع، بل محاولة لزرع وصايات لها، في سوريا، (مستفيدة من الحروب هناك)، ومِصر عبر وصول الإخونجي مرسي إلى رئاسة الجمهورية في انتخابات نظّمت بعد ثورة الشعب على حكم حسني مبارك. ثم الثورة المضادّة وإسقاط الرئيس الإخواني. ولا تكتفي «الخلافة المدنية» بمِصر، بل تتوغل عبر بعض الميليشيات وجيشها مباشرة، وتحتل أجزء من سوريا (نحو 2000 كلم مربع). ولأنه زمن عودة الامبراطوريات الآفلة، ها هو بوتين، أيضاً يريد أن يحل محل القيصر ويستعيد مجد روسيا، بضم بعض البلدان التي استقلّت عن الاتحاد السوفياتي بالقوة، من الشيشان إلى جيورجيا، والقرم، وتهديد بولونيا وبلدان أخرى من المنظومة السوفياتية السابقة. بوتين سوفياتي بلباس أرثوذكسي، وقد نجح عبر تدخله العسكري في سوريا، في إنقاذ نظام بشار الأسد، وبإقامة قواعد بحرية وعسكرية في بعض المناطق السورية، وانتزع قرار الحرب والسلم من الشعب السوري، وتمكّنه من إضعاف الوصاية الإيرانية وميليشياتها (حزب الله، وفيلق القدس، والحرس الثوري)، خسرت إيران وحلفاؤها ما ظنت أنه بات في قبضتها، أي التحكم المباشر الوحيد بسياسة البلد العربي. ولم تكتفِ روسيا بوتين باستعادة بعض «مشاعات» السوفيات السابقة، بل تخطّت ذلك، إلى اجتراح دور لها، في أوروبا الديموقراطية، وصولاً إلى أميركا: أسقطت باختراقها الخطوط السرية السيبرنتية الأميركية، لهيلاري كلينتون، وحاولت إفشال ماكرون، فصدّها وعي الشعب الفرنسي..
سبقت روسيا الدور الأميركي المتخاذل مع أوباما إلى الشرق الأوسط، والى قلب الولايات المتحدة، وفرنسا، بحيث بات لها مواقع في السياسات المتصلة بهذه البلدان.
] زمن آخر
ولكنْ هناك زمن آخر موازٍ .. من زمن الفصل، إلى زمن الانفصال، ومن زمان الوصل إلى زمان الفصل: ظواهر تاريخية، تريد ترتيب أمورها بنفسها: تعيين حكومة الإقليم الكردستانية استفتاء شعبياً في أراضيها، للانفصال عن العراق، وتجاوز الحكم الذاتي إلى الاستقلال، جمهورية كردية في كردستان، تكسر كل الاتفاقات السابقة مع نظام صدام حسين، ومع إيران و..(بنفس أوجلاني)، ومع سوريا، ومع تركيا، ثلاثة بلدان تتقاسم حقوقها بالاستقلال؛ أي نحو 30 مليوناً من الأكراد موزعين بين سوريا، وإيران وتركيا، (ولبنان الأقلية الكردية متطبّعة في هذا البلد شأن الأقليات الأخرى السريانية، والكلدانية والأرمينية..).
لكن هبَّ «العالم» ليُدين هذه الخطوة الاستقلالية: إيران، وتركيا والعراق هدّدت باللجوء إلى الحرب لمنع كردستان من إجراء استفتائها. بوتين والسعودية والخليج والأمم المتحدة طالبتها بتأجيل الاستفتاء. حتى الآن، الأمور قيد التفاوض، والسؤال: هل تتراجع كردستان أم تكمل وسط المعارضات الإقليمية والدولية. لكن سواء استمرت في خطوتها، أم أجّلتها، فهذا لا يبيد فيروس الاستقلال. لكن يبدو أنها اختارت رهان الاستفتاء.
لكن هذا النزوع إلى الانفصال، أدرك أيضاً إسبانيا. فالكاتالونيون أيضاً يريدون الانفصال عن نظامهم اسبانيا، وها هم يهددون أو يحضّرون لاستفتاء الاستقلال. وقد صدرت تصريحات وإن عابرة بمطالبة الكاليفورنيين بالانفصال عن الولايات المتحدة. ولكن هذه النداءات خفتت بسرعة. وهذا لا يعني أنها انطفأت: فالجمار تحت الرماد. (ومن يعلم). وزمن المفارقات، والمصادفات، والاستعارات؛ يتحرك في اتجاهات متناقضة ومتصادمة: من امبراطوريات بائدة تريد أن تحيي ما فيها من رميم وأخرى تسعى إلى التفكيك، والانفصالات؛ أبطال جدد على المسرح السياسي العالمي، آخرهم «رجل» كوريا الشمالية الذي يهدد العالم بقنبلته الذرية، والشطر الآخر من البلد بالإبادة.
وهناك ما يذكر بهيروشيما، وهتلر، وستالين، وماو والمغول، والاستعمار القديم؛ منظومات تتصدع من الداخل: أوروبا (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، مطالبة أفرقاء فرنسيين، ومجريين، يهتدون بالمسار البريطاني بالخروج من أوروبا. العولمة كأنما باتت وراءنا. وكذلك الديموقراطيات. وإنجازات النهضة والتنوير؛ فإذا كان العالم بات «قرية عالمية» (بفضل العولمة) فهذه القرية انتصفت بين الماضوية والانزوائية، والأفكار القومية المتطرفة، ونزعة الخروج من الاتحادات الكبرى، والفوضى، والفقر، وحروب الغاز، والنفط، والماء. لم تعد قرية. بل صارت مجرد هيولى تجريدية تفترسها التكنولوجيات العسكرية والاقتصادية، والمالية. بل، ويمكن القول، إن هذه «القرى» العالمية، زفرت نزوعات الانطواء، والكانتونية، والمذهبية، والعنصرية. فإذا كان القرن العشرون هو عصر اليوتوبيات والايديولوجيات المادية بكواليسها «الدينية»، فالقرن الحادي والعشرون هو عصر الطوائف والنزوع والتهجير والسدود والجدران.
] حركة التاريخ
ما من عصر متجانس. وما من حركة تاريخ واحدة. ولا من تاريخ ينتهي ملغىً ليبدأ آخر. (نظرية فوكوياما المرتدة مردودة). ولكن في خضم هذا الجنون والحُمى والغليان والطغيان كأنما هامش ما مضيء ارتسم.
هذا الهامش اسمه الربيع العربي. لا يشبه في بداياته أي ثورة أخرى.. هبت الناس بتزامنات متوازية ضد حكامها وطغاتها بطريقة سلمية، في تونس ومصر وليبيا وسوريا، واليمن… وصولاً إلى إيران.
لكن يمكن القول إن ثورة الأرز مهّدت لها، وأخرجت بالتظاهرات لا بالسلاح، جيش آل الأسد من لبنان بعد ثلاثين عاماً من أبشع الوصايات والانتدابات، فالربيع العربي نجح في تونس، وفي مصر. لكن الانقضاض المعاكس جاء من أنظمة تشبه نظام آل الأسد، هبّت إيران وأرسلت حزب الله طائعاً لإنقاذ الأسد. نتنياهو أعلن أن سقوط النظام كارثة على إسرائيل، وعندما عجزت إيران استنجدت بروسيا، فلبّت النداء عجولاً.
] واليمن
هذا ما حصل في اليمن عندما عملت إيران، بأدواتها الحوثية على تخريب انتفاضة اليمنيين، وتحويلها فتنة مذهبية. وليبيا أوقعت في المطب ذاته. لكن إرادة الشعوب العربية، وسط ما يجري من تفككات في العالم، وظواهر عنصرية، سجلت نقطة ليس فقط في الإطار العربي، بل العالمي. ثورة سلمية، سياسية، اجتماعية استقلالية، في وقت غرقت أوروبا في تراجعاتها. ولأنّ هذه الثورة العربية ديموقراطية، فقد اجتمع العالم كله عليها… وحوّلوها من ربيع إلى خريف، ومن فردوس إلى جحيم.
وإذا كان كل طغيان يتماهى بالاحتلال، (احتلال بلده كما حال آل الأسد) فإن معركة ثوار سوريا السلمية في بداياتها كانت استقلالية – سيادية تماماً كما ثورة الأرز: توق لا محدود إلى الحرية، والتحرر، والمقاومة الحقيقية، واسترجاع قرار الشعب حكم البلاد. فالوصاية الأسدية على لبنان كانت أيضاً وصاية على سوريا.
واللافت، ظهور أشكال التطرف والإرهاب والعنصرية في أوروبا، تزامن وبروز ما يماثلها بعد الربيع العربي، مثل «داعش» و«النصرة»… على أنقاض «القاعدة».هذه الظهورات المتزامنة، تغذي بعضها، وتعوّم بعضها. لكن لماذا ظهر «داعش» مثلاً بعد دخول حزب إيران اللبناني إلى معترك الحرب؟ السؤال الثاني، لماذا لم يضرب «داعش» إلا السنّة، وكيف نفسّر صعوده الصاروخي وسط كل هذه الحروب في سوريا؟ وإذا تساءلنا عن سرّ عدم ضرب «داعش» لا إسرائيل، ولا إيران، ليركز إرهابه على الجيش الحر في البداية، وعلى السعودية. لنفهم نوازعه، ونتبين مراجعه: إسرائيل؛ لمَ لا!، إيران؟ أكيد؟ أتخاذل أوباما… طبعاً! أتساهل بوتين معه في بداية حروبه الداعمة للأسد؟ هذا واضح. ولماذا ركّز «داعش» مثلاً على الأنظمة الأوروبية التي أعلنت ضرورة رحيل الأسد، مثل فرنسا، وانكلترا؟ ولِمَ أحجم عن روسيا مثلاً؟ والواضح أنه عندما استُنفد دور «داعش»، ارتدّ عليه «بنّاؤه»، ورفعوه شعاراً، لا لمحاربته فقط، بل لاعتبار كل معارض إرهابياً داعشياً، حتى الجيش الحر في سوريا، وتيار المستقبل في لبنان… وصولاً إلى جرود عرسال والبقاع والقاع…
وإذا أردنا استكشاف خرائط الامبراطوريات القديمة المنبعثة من رميمها، كإيران الفارسية، وروسيا، وتركيا، نجد أنها في منطوقها ومستورها، وممارساتها، تصب في هذه المناحي الماضوية الارتدادية، إما نحو الخلافة المفقودة، أو نحو القيصرية الأرثوذكسية، أو نحو الامبراطورية الفارسية… وهذا من القضايا المهمة التي يمكن لحظها في هذا العالم الذي يذهب قسم منه إلى المستقبل اللامحدد، (التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والروبوات، وأبدية الإنسان)، وقسم إلى الماضي السحيق.. إلى العنصرية، والكانتونية والانطوائية، والقبلية، والقرون وسطية والتخلف.
كأن مجمل «الثورات» التكنولوجية غير المسبوقة باتت طريقاً إلى التقهقر الإنساني في علاقاته، وأنماطه، وانتكاسته. كأنما صارت التكنولوجيا الإعلامية والعسكرية أوتوسترادات واسعة إلى الماضي. وكأنما تكاثر وسائل التعليم، أدت إلى تكاثر التخلف الفكري، والاجتماعي، والسياسي… التي تتمظهر في الشعبوية المعممة التي صارت علامة هذا الزمن. وهذا بالذات ما حطم أسطورة التقدم التنويرية وإصلاح المستقبل، والأمن الاجتماعي، والتربوي، والعالمي.
حلّ الخوف من المستقبل محل التفاؤل به. وها هي الكرة الأرضية تتملكها هواجس الرعب والخوف. كأنما مشاعر النهايات، التي تتجلى في العودة إلى السلاح النووي، ومصائر النازحين، والمهاجرين، والمقيمين. ما من شيء بات مستقراً، تطور متسارع بوتائر التكنولوجيا، والأفكار السائبة، ورعب من مما هو آتٍ. وليزدوج الخوف من المستقبل ومن الماضي العائد بأحماله المجهولة. والحاضر؟ محطات غير ثابتة وسط قطارات خرجت عن سككها… تتصادم، وتتحكم، على مسافات من العدم، والارتياب والذعر.
إنها المرة الأولى في التاريخ التي يتنافى فيها الماضي والحاضر والمستقبل!
إنه الزمن السائل. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
18 | بغداد تعاقب الإقليم
| فاضل البدراني
| البلاد البحرينية |
بغداد على ما يبدو أخذت ترسم لمسارها السياسي والاقتصادي والأمني في تعاملها مع إقليم كردستان العراق منهجا جديدا، وبخطوات جدية هذه المرة، خلاف جميع المرات السابقة منذ 2003، وفقا لما جاء من قرارات للمجلس الوزاري للأمن الوطني ومجلس النواب، فضلا عن تصريحات رئيس الحكومة حيدر العبادي التي امتزجت فيها لغة الدعوة للحوار مع لغة التلويح بالعنف، خصوصا بعد التخويل الذي منحه له البرلمان، وألزمه بنشر القوات العراقية في مناطق النزاع ومنها كركوك وخانقين وغيرها، ولكن ربما لا يوازي الأمر الخطوات العملية التي اتخذتها حكومة الإقليم وتمسك مسعود البارزاني الذي رفض جميع القرارات والوساطات والنصائح الدولية، وأصر على إجراء الاستفتاء في موعده وبالفعل نفذه.
وحيال هذه الإشكالية التي أوصلت حدة النزاع إلى مستوى نسمع فيه لغة الدم في بعض التصريحات، وتمترس كل طرف بما يملك من مقومات مواجهة الآخر في وقت هبوب رياح العاصفة التي لا نستبعد أن تتطور إلى حد الصدام والمواجهة وعلى وجه التحديد في كركوك التي تتميز بطبيعة استراتيجية سياسية واقتصادية، جراء توفر النفط والغاز والكبريت فيها بكميات واعدة، وربما تشتعل هذه الحقول والآبار في حال غابت الحكمة والإرادة الوطنية والعقلانية لدى أصحاب القرار، وسنحت الفرصة للأطراف الخارجية “أميركا وإسرائيل” بإذكاء العنف بين الجانبين. وبلا شك فإن الطرف الأميركي الآن يتفرج بخبث رغم إعلان دعمه وحدة العراق، بينما مواقفه الحقيقية داعمة للاستفتاء سبيلا للاستقلال ضمن سيناريو كبير يشمل تركيا وإيران وسوريا ويغرق المنطقة بنزاع يطول وقته لعشرات السنين، لكن الموقف الأميركي المخيف قد يتراجع ويضمحل إذا ما اصطدم بالموقف الصلب لدول الجوار “تركيا وإيران” الرافض للاستفتاء.
وبطبيعة الحال إن مساحة الود باتت ضيقة للغاية وأصبحت الأطراف الدولية بعيدة عن إبداء دور الوسيط الفاعل، بينما الأتراك والإيرانيون يتمسكون بموقف صلب ومتماسك بتطبيق نظرية (الاختلاف في العقيدة والاتفاق في المصالح الاستراتيجية).
من المتوقع أن تظهر الحاجة لدور رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بالتدخل وسيطا، لكن بتسمية أخرى تتضمن طرح مبادرة لتقريب وجهات النظر بين بغداد وحكومة الإقليم وسيكون للحكومة العراقية موقف صعب لا تتنازل عنه إلا في حال دخول قواتها المرابطة على تخوم مدينة كركوك والتدخل في الملف الأمني بشكل يعيد لها هيبتها في المدينة التي تهاونت عنها للكرد منذ 2003، وسيكون للاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير دور بارز في تسوية الخلاف بين بغداد والإقليم وإعادة الشراكة بالحكم والبرلمان بين الأحزاب الكردية وعودة رئيس برلمان الإقليم لمزاولة دوره بعد منعه وتعطيل البرلمان لأكثر من 22 شهرا.
وفي حال لم تتحقق هذه الخطوات وانفرط عقد التعاون بين بغداد وأنقرة وطهران، سيكون لحكومة الإقليم موقف متصلب يدفع باتجاه الحلول خارج نطاق الدبلوماسية وستحل لغة المدفع بديلا عن لغة الحوار ما يجعل الحرب لا سمح الله تدور بين القوات العراقية والبيشمركة وأول ما تحترق بنيران الحرب هذه هي حقول النفط والغاز والكبريت في كركوك، فالأزمة لو نظرت لها الأطراف المعنية المتعنتة التي تنفخ فيها أصوات السياسيين من زاوية تأثيرات الحرب على الواقع العراقي إجمالا لأدركت أن وقت الانفصال عن العراق أمر لا يمكن فرضه بهذا الواقع الحالي لغياب الرؤية الدولية في هذا الموضوع، والأمر الآخر أن العراق يعاني من أقصى شماله لأقصى جنوبه من مخاطر الإرهاب، وحتى اللحظة لم تتحرر جميع الأراضي العراقية، وأي خلاف يتطور لحد العنف سيكون فرصة ثمينة للإرهاب لأن يتمدد من جديد. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
19 | انفصال الأكراد… تقسيم العراق! | إبراهيم العوضي | الراي الكويتية |
كما كان متوقعاً، وافق يوم الاثنين الماضي أكثر من 92 في المئة من الأكراد على قرار انفصال إقليمهم الذي يتمتع بالحكم الذاتي عن العراق بمشاركة أكثر من 72 في المئة ممن يحق لهم التصويت، وفقاً لما أعلنته اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات.
لم يكن الموضوع عادياً أو استثنائياً، فالتصويت على الانفصال، وإن كان غير قانوني وغير دستوري، إلا أنه فتح بوابة أخرى من بوابات دعوات الانفصال المتتالية والمتكررة لهذه المنطقة التي تضم نحو 12 – 18 في المئة من إجمالي تعداد سكان الجمهورية العراقية البالغ حوالي 38 مليون نسمة.
خضع إقليم كردستان سابقاً إلى الاحتلال البريطاني بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، وبدأ الشعور بالظلم والقهر من جراء عدم قيام دولة خاصة بهم أسوة بالعرب بعد انجلاء المحتل البريطاني، فانصهروا في أربع دول هي تركيا والعراق وإيران وأجزاء من أرمينيا، وبدأت معها حملات النضال لقيام دولة منفصلة تجمعهم، وهم الذين يشكلون رابع أكبر عرق في المنطقة.
جميعنا يتذكر حملات الإبادة والتطهير التي بلغت أشدها عام 1988 عندما تمت مهاجمة مدينة حلبجة بالأسلحة الكيماوية أمام مرأى ومشهد الجميع! كما أن مجرد الحديث باللغة الكردية في تركيا يعتبر جناية يعاقب عليها القانون… كان ذلك حتى عام 1991. ولا ننسى كذلك الصراع المسلح المستمر بين الحكومة التركية و«حزب العمال الكردستاني»، الجماعة الثورية المسلحة الداعية لإقامة دولة كردية منفصلة ومستقلة! كل ذلك وغيرها من الشواهد التي بلا شك تشكل واقعاً خطيراً وعاملاً أساسياً مؤكدا لأهمية نتيجة الاستفتاء الأخير!
ولكن ما هو المهم بالنسبة لنا بخصوص الاستفتاء؟
كان الخوف الأول والأخير من نتائج الحرب العراقية – الأميركية الثانية التي شهدت سقوط نظام المقبور صدام حسين، هو تفكيك العراق إلى دويلات تقوم على أساس طائفي ومذهبي، وهو ما سعت إلى منعه أميركا ودول التحالف حفاظاً على استقرار وأمن المنطقة.
وبمجرد الحديث عن استقلال إقليم كردستان، فإن ذلك سيفتح المجال بلا شك إلى دعوات إقامة دولة شيعية في جنوب العراق وسنية في الوسط، وهذا بحد ذاته سيكشل تهديداً مباشراً وحقيقياً على الدول العربية، لأنه سيزيد من النفوذ والتقلقل الإيراني في المنطقة، حيث ستصبح أكثر تماساً مع الكويت ودول الجوار حدودياً على الأقل! وعلى الرغم من أننا نلاحظ مدى سيطرة إيران على مراكز صنع القرار حالياً في العراق، إلا أنها ستصبح أكثر نفوذاً وقوة في حال إقامة دولة شيعية في جنوبه!
وعلى الرغم من ذلك، فإن إقامة دولة كردية منفصلة في العراق، قد يشكل هو الآخر تهديداً على إيران ذاتها. فعدد الأكراد الذين يعيشون في إيران يبلغون نحو 5 ملايين تقريباً، يعانون واقعياً من حالة من الحرمان الاقتصادي وسوء المعاملة ووجهوا مرات عديدة بالقوة من أجل كبح جماح الدعوة لنيل حقوقهم! لذلك فإن انفصال كردستان العراق، قد يشكل عاملاً محفزاً لبعض أكراد إيران للعمل على انفصالهم هم أيضاً، وهذا أيضاً قد يثير بعض الأقليات الأخرى في إيران، كالبلوش مثلا، للقيام بالمثل! ولذلك فإن إيران تقف هي الأخرى مع العراق ضد انفصال الإقليم!
الموقف التركي لا يختلف كثيراً هو الآخر عن الموقف الإيراني، فقد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستفتاء بالخيانة العظمى، وهدد باتخاذ إجراءات اقتصادية وأيضاً عسكرية، إذا ما تم المضي قدماً في الانفصال، كيف لا وهو يشعر بكل تأكيد بأن قيام الدولة الكردية المستقلة في العراق، خطورة حقيقية وواقعية لأنها وبكل بساطة ستزيد من رغبة أكراد تركيا بالانفصال عنها وستزيد من حال التوتر المستمر مع شعبها الكردي الذي كان وما زال يعيش حالة من التمرد!
كل الشواهد تشير إلى أن الاستمرار في دعوات الانفصال، ستؤدي إلى حدوث مزيد من التوتر في المنطقة وقد يصل الأمر إلى الحل العسكري، وهو ما يعني أيضاً حدوث مزيد من الاضطرابات والاستمرار في حالة اللا استقرار التي نعانيها والتي أرهقت الجميع بلا شك!
| |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
20 | نجح الاستفتاء وأخفق «تقرير المصير»
| عريب الرنتاوي
| الدستور الاردنية |
من يتتبع ردود الأفعال الكردية على نتائج الاستفتاء وتداعياته الصعبة، يظن أن “الجماعة” أخذوا على حين غرة، ولم يكونوا متحسبين ليومٍ كهذا، مع أن كثرة كاثرة من أصدقائهم من غير الكرد، وبعض الكرد أحياناً، لطالما حذّروا من مخاوف حقيقية من مغبة عودة “القضية الكردية” إلى الوراء بدل تقدمها للأمام في ضوء نتائج “الاستفتاء”، أحادي الجانب، الذي رُتّب على عجل، وغالباً لأسباب تتصل بالمصير الشخصي والعائلي والحزبي لزعيم الإقليم: مسعود البرزاني… كنّا حذرنا في حواراتنا في السليمانية من نجاح الاستفتاء الذي نتحفظ على توقيته وملابساته، وفشل “تقرير المصير” الذي ندعمه بكل قوة باعتباره حقاً أساسياً من حقوق الشعب الكردي الشقيق. في الأنباء، أن الكرد بعثوا برسائل لأصدقاء لهم في بغداد، من ضمنهم الدكتور إياد العلاوي، يعرضون فيها تجميد نتائج الاستفتاء لمدة عام أو عامين، وهو الاقتراح الذي تقول المصادر، أن بغداد رفضته رفضاً مطلقاً، مشددة على وجوب إلغائه وكأنه لم يكن … مثل هذا العرض، إن صحت الأنباء بشأنه، سبق وأن قدّم للسيد البرزاني على طبق من فضة، ومن قبل الموفد الأمريكي، ورفضه رفضاً تاماً، قبل الاستفتاء بأسبوع واحد على أقل تقدير. وفي الأنباء أيضاً، أن القيادة الكردية بدأت تتحدث عن الاستفتاء بوصفه تصويتاً على “حق تقرير المصير، وليس ترسيماً للحدود”، مع أن فكرة إجراء الاستفتاء في محافظات الإقليم الثلاث (أربيل، السليمانية ودهوك) وتفادي إجرائه في المناطق المتنازع عليها، سبق وأن عرضت على رئيس الإقليم، ومن قبل موفد واشنطن ذاته، لكن البرزاني رفضه بشدة، وأصر على “حدود الدم” التي تفصل الإقليم عن بقية العراق، انسجاما مع مواقف سابقة صدرت عنه اعتبر فيها أن حدود الإقليم تنتهي حيث يتوقف تقدم قوات “البيشمركة” وأن المادة 140 قد أنجزت ولا عودة لها أبداً. وفي الأنباء أن قيادة الإقليم عرضت تولي مراقبين عراقيين من بغداد أمر مراقبة العمل في مطاري أربيل والسليمانية، مقابل رفض شديد لتوليها الإشراف على المعابر البرية، وهو موقف يستبطن أشد المفارقات والتناقضات … قبل الاستفتاء، لم يكن يخطر ببغداد أن تتقدم بطلب كهذا، ولم يكن موضوع المراقبين مطروحاً على جدول أعمال العلاقة بين المركز والإقليم … الآن، تأتي المبادرة بهذا الشأن من أربيل وليس من بغداد، وفي ظرف غير مواتٍ للإقليم وكرده على الإطلاق. لم تُستكمل بعد الإجراءات والعقوبات التي فرضتها بغداد، أو هي بصدد فرضها على الإقليم، وبعضها مؤذٍ للغاية من نوع وقف التعامل مع البنك المركزي “الكردي”، و”تأميم” النفط العراقي بالكامل بما في ذلك المنتج والمصدر في الإقليم والمناطق المتنازع عليها، ولم تستكمل دول جوار الإقليم الأخرى إجراءاتها العقابية المنسقة مع بغداد، ومع ذلك، بدأنا نرى الصراخ يتعالى في السليمانية وأربيل، وبدأنا نشهد على مسلسل متسارع من التنازلات المتتالية من قبل القيادة الكردية، وبما يعيد للأذهان كل الحديث الذي جرى تبادله مع كرد العراق، حول قدرة الإقليم على الانفصال “عنوّة” عن بغداد، ومحدودية الوسائل والأدوات التي يتوافر عليها “إقليم داخلي” محاط بجوار غير صديق على الإطلاق. من آيات هذا التبدل السريع في المواقف، ما صدر عن السليمانية من مناشدات للمرجعية الشيعية آية الله السيستاني، طالبة إليه تحريم الاقتتال الشيعي – الكردي، سيما بعد مع تفاقم التهديد وتزايد حالات التفلت الصادرة عن “الحشد الشعبي” وبعض القوى السياسية العراقية … لا يعني ذلك أن الكرد رفعوا الراية البيضاء، أو أن “ركبهم أخذت في الاصطكاك”، لكن “القوم” فوجئوا على ما أظن، بأن المركز ما زال فاعلاً، وأن الحكومة في بغداد، لديها الكثير من الأوراق تلعب بها وتشهرها في الوقت الذي تشاء. والحقيقة أننا كنّا في غنى عن كل هذا وذاك، لو أن قدراً من العقلانية والسلوك الرشيد، قد هيمن على عملية صنع القرار في أربيل، وجرى تغليب المصلحة العامة، الكردية والعراقية، على المصالح الشخصية والعائلية والحزبية عند اتخاذ القرار بالاستفتاء، والإصرار عليه، بالضد من آراء ونصائح وضغوط مختلف الأطراف العراقية والإقليمية والدولية (باستثناء إسرائيل) … لقد حصلت أربيل على عروض أفضل بكثير مما تعرضه هي اليوم، ومع ذلك رفضتها جميعها، واليوم تسعى في إدراك ما يمكن تداركه. وإذ لحظنا، نحن الزائرون إلى السليمانية قبل الاستفتاء بأيام قلائل، أن ثمة نوعاً من الانقسام المضمر داخل البيئة والأحزاب الكردية حول قضية الاستفتاء (بعضه كان معلناً)، إلا أن الأنباء تترى حول مزيد من الانقسامات … وقد يصبح الاستفتاء الذي أراده البرزاني مدخلاً لتجديد شرعيته وتمديد ولايته وتجديدها وتوريثها، ورافعة لتكريس زعامته العائلية المطلقة للشعب الكردي، مسماراً أخيراً أو قبل أخير، في نعش الرجل ومستقبله السياسي … فالنصر له مائة أب، أم الفشل فيتيم … والمؤكد أن البرزاني لم ينتصر، وأن ثمة من ينتظر الفرصة بفارغ الصبر، لإهالة التراب على إرثه السياسي، الإشكالي وموضع الخلاف والجدل على أي حال. | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
21 | نعم… الأكراد انتهازيون!
| خيرالله خيرالله
| العرب |
الأكراد لم يعد لديهم حتى مصلحة في مراعاة الحكومة في بغداد في ضوء ظهور علامات الإفلاس ومظاهره على هذه الحكومة.ؤ بات واضحا بعد أسبوع على الاستفتاء في كردستان العراق أنّ هناك ما يمكن وصفه معطيات جديدة. تتخذ هذه المعطيات شكل أسئلة من نوع ما انعكاسات خروج الأكراد من اللعبة السياسية الدائرة في بغداد ومدى قدرة بغداد على الذهاب إلى النهاية في محاصرة كردستان من أجل إخضاعها؟
من بين الأسئلة الأخرى التي تطرح نفسها بإلحاح هل سيتأثر وضع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي يمكن اعتبار الاستفتاء ضربة قويّة موجّهة إليه شخصيا وإلى مستقبله السياسي؟ مثل هذه الضربة يمكن أن يستغلّها خصومه، على رأسهم نوري المالكي الذي يعدّ نفسه، بدعم إيراني، للعودة إلى موقع رئيس الوزراء بعد الانتخابات النيابية المتوقعة السنة المقبلة.
الثابت أن التوازنات السياسية في بغداد ستتخذ شكلا جديدا في غياب المكوّن الكردي الذي سيجد نفسه منهمكا في إعادة ترتيب وضع الإقليم من منطلق أن الاستفتاء خطوة على طريق قيام الدولة المستقلة في يوم من الأيّام.
على مفترق طريق الاستفتاء قبل كلّ شيء، ليس الاستفتاء سوى خطوة أولى، لكنّها حاسمة، في رحلة لا تزال طويلة من أجل قيام دولة كردية في العراق. لا تزال هذه الدولة تبحث عن حدودها النهائية وتحاول في الوقت ذاته، عبر مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان، عدم إقحام نفسها في قضايا متعلّقة بأكراد إيران وتركيا وسوريا.
تبدو مشكلة مستقبل كركوك أكثر من كافية كي ينشغل أكراد العراق لسنوات طويلة بقضية معقدة مرتبطة بأمور كثيرة في مقدّمها وجود عدد كبير من التركمان والعرب وأقلّيات أخرى في المدينة من جهة وموقعها الاستراتيجي وثرواتها من جهة أخرى.
لعلّ من أكثر الظواهر المثيرة للاهتمام التي رافقت الاستفتاء في كردستان العراق، ذلك الفرح الذي عبّر عنه أكراد إيران الذين يعانون ظلما كبيرا، خصوصا منذ قيام “الجمهورية الإسلامية”. كان تعبير أكراد إيران عن فرحهم بالاستفتاء دليلا على مدى كرههم للنظام الذي أقامه الخميني في إيران، فضلا عن توقهم إلى الاستقلال أيضا.
تبيّن في ضوء الاستفتاء في كردستان العراق أن النظام في إيران لم يتمكن يوما من استيعاب الأكراد، ولن يتمكّن من ذلك يوما. لم يكن لدى هذا النظام سوى القمع للتعاطي مع أكراد إيران.
يمكن العودة إلى جريمة اغتيال عبدالرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في الثالث عشر من تموز – يوليو 1989 للتأكد من مدى حساسية النظام في إيران حيّال أي بروز لقيادات كردية إيرانية تمتلك حيثية ما على الأرض. ذهب النظام إلى حدّ قتل قاسملو ورفاق له في فيينا!
يظلّ أخطر ما في قرار إجراء الاستفتاء في كردستان العراق، انعكاساته على دول الجوار، خصوصا في إيران وتركيا التي فيها ستة عشر مليون كردي. هذه الانعكاسات تفسّر القلق الشديد في تركيا وإيران وسوريا وفي العراق نفسه حيث ذهب العبادي إلى اتخاذ كلّ الإجراءات من أجل تعطيل مطاري أربيل والسليمانية وسدّ كل المنافذ البرّية لكردستان العراق.
لا يمكن فصل الإجراءات التي اتخذتها تركيا والكلام الصادر عن الرئيس رجب طيب أردوغان عن القلق الذي يعاني منه الرئيس التركي الذي دخل في السنوات الأخيرة مرحلة التفرّد بالسلطة وإعادة تركيب تركيا بما يتّفق مع توجهاته الشخصية بصفة كونه مؤمنا بفكر الإخوان المسلمين وتخلّفهم.
لم يتردد أردوغان في اللجوء إلى العلاقة المعروفة، وهي علاقة تاريخية، بين الأكراد العراقيين وإسرائيل لتبرير موقفه المعادي للاستفتاء.
يلجأ أردوغان إلى الورقة الإسرائيلية لتبرير سياساته تجاه كردستان العراق في مرحلة ما بعد الاستفتاء، علما أنّه اضطر إلى التخلي عن المزايدات التي لجأ إليها في الماضي القريب وأعاد العلاقات مع إسرائيل بعد فشله في فكّ الحصار عن غزّة عن طريق استعراض بحري مرتجل لم يؤد إلى أي نتيجة على الأرض.
على العكس من ذلك، تابعت إسرائيل ممارسة سياستها القائمة على فرض حصار على غزة وتحويلها إلى سجن كبير في الهواء الطلق، وهو أمر لا تعترض عليه “حماس” التي أخذت القطاع رهينة منذ السيطرة عليه منتصف العام 2007، إلى أن وجدت في 2017 أنّه بات عليها البحث عن طريقة للخروج من مأزقها.
تكمن مشكلة أكراد العراق حاليا في أنّ للحكومة المركزية في بغداد وتركيا وإيران مصلحة في إجهاض الاستفتاء. سيعني نجاح الاستفتاء نهاية العبادي، سياسيا، في العراق. وسيعني أن كلّ الإجراءات القمعية والدموية التي لجأ إليها نظام الملالي في إيران لم تجد نفعا في المدى الطويل.
وسيعني أن أردوغان لم يستطع تقديم نموذج يمكن أن يقنع الأتراك بأن سلسلة الانقلابات التي قام بها، بما في ذلك الانقلاب على رفاقه في “حزب العدالة”، تصب في مصلحة البلد. حتّى النظام السوري المتهالك، الذي صار في مزبلة التاريخ، بدأ يتحدّث عن “حكم ذاتي للأكراد”، لعلّ ذلك يجعل منه صاحب كلمة في تقرير مستقبل سوريا… أو الظهور في مظهر من لا تزال لديه سياسة ما خارج ما يقرره الوصيّان الروسي والإيراني.
لم يعد سرّا أن معركة الاستقلال الكردي ستكون معركة قاسية. الرئيس فلاديمير بوتين زار أنقرة وذهب بعيدا في مراعاة رجب طيّب أردوغان، حليفه الجديد، بتأكيد تمسّكه بـ”وحدة العراق”. صارت وحدة الأراضي العراقية فجأة همّا إيرانيا وتركيا… وروسيا.
يبقى الموقف الأميركي. الأكيد أن القيادة في إقليم كردستان تفاجأت بالاعتراض الأميركي على إجراء الاستفتاء يوم الخامس والعشرين من أيلول – سبتمبر الماضي.
هناك رفض للاعتراف بأن الأمور في كردستان العراق ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لو كان هناك نظام ديمقراطي طبيعي في العراق قادر على تطوير نفسه ربّما كانت تفضل التأجيل في وقت تعتبر أن كلّ الجهود يجب أن تنصبّ على الانتهاء من “داعش”. ولكن، يبدو أن واشنطن استدركت نفسها، ربّما بتأثير إسرائيلي، واتخذت موقفا أكثر ليونة من الاستفتاء وعرضت نفسها وسيطا بين إقليم كردستان والمعترضين على الاستفتاء. اتخذت واشنطن هذا الموقف المرن على الرغم من إعلانها، عبر وزير الخارجية ركس تيلرسون، عدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء.
إذا كان من أزمة في كردستان العراق، وهناك بالفعل أزمة، فإنّ هناك أزمات لدى الحكومة العراقية وفي كلّ من إيران وتركيا. هناك بكلّ بساطة رفض للاعتراف بأنّ الأمور في كردستان العراق ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لو كان هناك نظام ديمقراطي طبيعي في العراق قادر على تطوير نفسه.
لم يكن الأكراد يتصورون يوما أن ما سيخلف البعث نظام أسوأ من البعث، أي نظام الميليشيات المذهبية التي يعبّر عنها تشريع “الحشد الشعبي”. وهذا نجاح كبير في حدّ ذاته. إنّه نظام التفوّق في التخلّف على البعث الذي استُخدم كشعارات لتبرير الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها في كلّ من سوريا والعراق.
لم يكن الاستفتاء الكردي سوى نتيجة طبيعية لما آلت إليه الأوضاع في العراق، خصوصا بعد هبوط أسعار النفط واستشراء الفساد الذي أدى إلى تبديد مئات مليارات الدولارات في مرحلة كان فيها نوري المالكي رئيسا للوزراء.
لم يعد لدى الأكراد حتّى مصلحة في مراعاة الحكومة في بغداد في ضوء ظهور علامات الإفلاس ومظاهره على هذه الحكومة. الأكراد انتهازيون؟ نعم إنّهم انتهازيون. هل من سبب كي لا يكونوا كذلك عندما لم يعد يوجد من يريد مشاركتهم لا في السلطة ولا في الثروة، هذا إذا كانت هناك بقية من ثروة؟ | |||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
23 | حشد جنكيزخان جاهزون لهدم أربيل عاجزون عن بناء البصرة
| أسعد البصري
| العرب |
تركيا وإيران قلقتان من طموح مسعود البارزاني ليس لأجل الخطر الكردي فقط ولكنه وجّه صفعة قوية لمشروعهما الإسلامي التوسعي الطائفي.
أجواء مشحونة
في تحرك سياسي مشترك بين إيران وتركيا أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الخميس الماضي خلال مقابلة أجراها في “مركز أبحاث الجمعية الآسيوية” بنيويورك أن بلاده مستعدة لقبول التفتيش وأيضا الرقابة المشددة على أنشطتها النووية.
وفي نفس اليوم (الخميس) التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو وقدم له تنازلات في الشأن السوري وأكد أردوغان على تعاونه مع موسكو للوصول إلى حل للأزمة السورية.
في يوم واحد كانت إيران تقدّم تنازلات متعلقة ببرنامجها النووي بنيويورك، بينما تركيا تقدم تنازلات في الشأن السوري بموسكو. كلا الدولتين عندهما مطلب واحد هو تقويض الطموح الكردي في العراق والذي يهدد أمنهما القومي بشكل خطير. فهناك أكثر من 15 مليون كردي تركي و6 ملايين كردي إيراني يحملون ذات الطموح القومي الذي تمثل كردستان العراق إلهاما له.
في الحوار مع الصحافي الأميركي تشارلي روز قال ظريف “لقد سارعنا إلى دعم الأكراد في أربيل، وأتحدّى من يقول إنّ جهة غير إيران سارعت لوقف تقدم تنظيم داعش نحو أربيل”. ووصف الاستفتاء الكردي الأخير على الاستقلال بأنه “خطأ استراتيجي جسيم”. وذهب جواد ظريف إلى أبعد من تقديم تنازلات لأميركا بل سعى إلى التودّد للمملكة العربية السعودية والاعتراف بدورها الكبير في إدارة الشرق الأوسط وأن حكومته تطمح بأن تعترف المملكة بدور إيران وتأثيرها في المنطقة بالمقابل.
من جهة أخرى، وفي تنسيق واضح مع إيران قال الرئيس التركي أردوغان من موسكو “إن استفتاء كردستان خطأ كبير وقد اتفقنا مع الرئيس بوتين على أهمية وحدة الأراضي العراقية”. وكان أردوغان قد هدد في خطاب ناري بتجويع أكراد العراق من خلال إغلاق أنبوب النفط والتبادل التجاري. وقال أردوغان إن الأكراد ليس عندهم أدنى فكرة عن عمل الدول وإن رفع علم إسرائيل في كردستان لن ينفعهم.
فرضت الحكومة العراقية من جهتها منطقة حظر جوي على كردستان اعتبارا من مساء الجمعة. وأعلن مطار أربيل تعليق جميع الرحلات الدولية من المطار وإليه، اعتبارا من مساء الجمعة غداة قرار في هذا الصدد من الحكومة العراقية.
بعد توريط السنة بالإرهاب وهدم مدنهم وتشريد شعبهم لم يبق أمام السيد الشيعي سوى الشريك الكردي واستشعر البارزاني ذلك الخطر وقفز إلى الأمام وقام بشيء خطير هو الاستفتاء على الاستقلال والانفصال. يعرف الأكراد بأنهم الضحية القادمة فهذه السلطة العراقية العميلة لإيران لن تتوقف وأعلنت سفارة الولايات المتحدة ببغداد تعاونها مع حظر الطيران إلى كردستان العراق ونصحت مواطنيها بالمغادرة عبر بغداد والانتباه إلى سلامتهم، كما ذكرت أن التأشيرات الممنوحة من حكومة كردستان ربما تحتاج إلى إعادة نظر من حكومة بغداد.
يرى بعض المثقفين العراقيين أن الأكراد يمثلون 12 بالمئة من سكان العراق ويأخذون 17 بالمئة من الموازنة العامة. ويتساءل أحدهم أين موارد المنافذ الحدودية التي يبلغ عدد موظفيها 7000 بين مدني وعسكري يقبضون رواتبهم من الحكومة في بغداد؟
لماذا الموارد الجمركية تذهب إلى حكومة الإقليم دون سند قانوني؟ مع هذا فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي سيدفع رواتب الموظفين في شمال العراق أثناء هذه الأزمة مع حكومة الإقليم بشكل طبيعي ولن تسعى الحكومة إلى عقاب المواطنين العاديين.
إن الناس كانت تنظر إلى العبادي كبطل تحرير الموصل من داعش والآن ينظرون إليه كقائد ضعيف ضاعت في عهده كركوك واستولى عليها الأكراد بالقوة. لهذا السبب يبدو العبادي مصمما على استعادة كركوك والمعابر الحدودية في كردستان وعددها اثنان مع تركيا واثنان مع إيران إضافة إلى استعادة المطارات الدولية.
وفِي ردّ على انتقادات الأكراد لحكومة بغداد الفاسدة والطائفية يقول الشيعة لماذا تحالف القادة الأكراد مع الأحزاب الطائفية الشيعية وشكلوا حكومات مشتركة معهم؟ حتى عام 2010 ترك القادة الأكراد إياد علاوي الفائز الشرعي بالانتخابات وهو علماني مدني وذهبوا ليشكلوا حكومة مع نوري المالكي الطائفي الإيراني؟
ويعتقد كثيرون أنها كانت صفقات سياسية غير نزيهة. وأكثر ما يردده منتقدو كردستان من العراقيين هو رفع العلم الإسرائيلي أثناء الاستفتاء الذي حدث قبل أيام وتمزيق العلم العراقي.
في مقال قديم منشور بصحيفة المدى العراقية ذكر الكاتب العراقي فخري كريم أن نوري المالكي رئيس الوزراء السابق قد قال للرئيس العراقي الكردي بالحرف “إن على الإخوة في الإقليم ألا يضعوا المادة 140 شرطا في الاتفاقيات، لأنه ملزم دستوريا، ورغم أنف الجميع لا بد من تطبيقه، وسأفعل كل المطلوب لتحقيق ذلك في الولاية الثانية”.
ثم استطرد المالكي “إنني لا أرى في استعادة المناطق المستقطعة من كردستان مصلحة لنا وفرضا علينا فحسب، بل أنا أقول صراحة وصدقا، إن علينا أن نعمل معا لامتداد إقليم كردستان ليضم محافظة نينوى لأن هؤلاء -ويعني بهم أهل الموصل الحدباء- هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سنّة و’قومجية عربان’، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا”.
أعتقد أن كلام المالكي ينتمي إلى زمن كان فيه السنة أقوياء والحكومة تخشى منهم وتسعى إلى التآمر عليهم ولكن اليوم نرى المالكي يدعو في مؤتمر صحافي إلى الشدة والحزم وإنزال أقسى العقوبات الاقتصادية والسياسية بكردستان، خصوصا بعد تحدي البارزاني للسلطة الاتحادية والقيام باستفتاء ليس على المادة 140 في ضم كركوك إلى إقليم كردستان بل على شيء مخيف هو الانفصال والاستقلال بدولة كردية.
أرعب هذا الأمر إيران وتركيا وجمع الحلفاء لتحطيم الحلم الكردي وقد يهدد مكتسبات الأكراد الحالية كسلطاتهم على المعابر الحدودية والمطارات وصفقاتهم مع الشركات الأجنبية وإغلاق القنصليات الأجنبية في الإقليم، والأهم من كل ذلك قد تهدد الأزمة الحالية القبضة الأمنية الناجحة للأكراد على إقليمهم.
تركيا وإيران قلقتان من طموح مسعود البارزاني ليس لأجل الخطر الكردي فقط ولكنه وجّه صفعة قوية لمشروعهما الإسلامي التوسعي الطائفي. صار العراقيّ مجبرا على الحديث في الوطنية والعروبة. لقد انكشفت طبيعة الحكومة العراقية كتحالف إخواني تابع لأردوغان وشيعي تابع لإيران. والبارزاني رغم مشاكساته الانفصالية فهو يبدو القمر العراقي الوحيد في سماء الوطن.
علي شامخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني صرّح بأن خارطة الطريق التي تعمل عليها إيران حاليا مع حكومة بغداد تشمل عقوبات اقتصادية وحصارا لإقليم كردستان مع لقاءات موسعة مع القادة الأكراد لحملهم على التراجع عن ميولهم الانفصالية.
شعر الأكراد أنهم يتقاسمون الوطن مع “أكلة لحوم البشر” يخشى الأكراد من مصير مشابه لسنة العراق بعد الانتهاء منهم، ففي تقرير هيومان رايتس ووتش ذكر أن العراق تكبد ثلاثة ملايين و400 ألف مهجّر موزعين على 63 دولة، و4 ملايين نازح داخل العراق، و1 مليون و700 ألف يعيشون في مخيمات مختلفة، و5 ملايين و600 ألف يتيم أعمارهم بين شهر و17 عاما إضافة إلى 2 مليون أرملة. ربما البارزاني يخاف على شعبه من حكومة ارتكبت كل هذه المجازر بحق شعبها.
يخشى الأكراد من مطالب الحكومة الاتحادية بإدخال القوات المسلحة والمخابرات العراقية إلى الإقليم لأنهم قد يدخلون عليهم داعش وينسحبون وبعدها يعودون لهدم المدن والتحرش بالنازحات في المخيمات وربما الحشد الجنكيزخاني سيملأ طرقات كردستان بالأيتام ويحتفل بالنصر والدخان يتصاعد من مدينة أربيل. بل سيجبرون الأكراد على الرقص والفرح فوق بيوتهم المهدومة وأطفالهم المحترقين كما فعلوا بسنّة العراق.
الدولة العراقية الحديثة هي في الحقيقة بنيان “سنّي عربي” التأسيس وقد تحالف الشيعة والأكراد على هدم الدولة القومية العراقية وتقاسم التركة. كلاهما كان بحاجة إلى وقت فالأكراد هدفهم الاستقلال هذا هو جوهر نضالهم الطويل والمحرك لكفاحهم “حق تقرير المصير” والباقي مجرد سياسة.
الشيعة من جهة أخرى هدفهم مختلف وكانوا بحاجة إلى خبرة إدارية ودبلوماسية وعسكرية ومخابراتية. كانوا يريدون عرش بغداد لهم وحدهم. هكذا لعب الأكراد والشيعة لعبة الدستور والمحاصصة والديمقراطية والفساد وكلاهما في عام 2003 كان خائفا من عودة السيد السني للحكم. فقد بقيت عندهم خبرات عسكرية ومخابراتية ودبلوماسية وعلاقات قديمة من تاريخ الدولة العراقية إضافة إلى مهارتهم التاريخية في الانقلابات.
تعاون الشيعة والأكراد على هدف واحد هو “اجتثاث البعث” وجعلوا الخوف من عودة البعث شبحا وهميا لكن الهدف الحقيقي هو اجتثاث السنة. رغم كل تلك الاغتيالات والتهجير والتآمر بقيت تواجه الشيعة مشكلة ثابتة وهي البنيان السني والمدينة القوية فقد كانت بنية هذه المدن التحتية قوية وتعليمها عال وكفاءاتها خطيرة إضافة إلى عمرانها وبيوتها وخدماتها.
بعد توريط السنة بالإرهاب وهدم مدنهم وتشريد شعبهم لم يبق أمام السيد الشيعي سوى الشريك الكردي واستشعر البارزاني ذلك الخطر وقفز إلى الأمام وقام بشيء خطير هو الاستفتاء على الاستقلال والانفصال. يعرف الأكراد بأنهم الضحية القادمة فهذه السلطة العراقية العميلة لإيران لن تتوقف.
أكثر شيء أرعب البارزاني أن الشيعة يحتفلون بالنصر في الموصل و100 عائلة ما زالت تحت الأنقاض. ويقول هوشيار زيباري هناك 40 ألف قتيل من المدنيين بالقصف العشوائي للقوات العراقية على مدينة الموصل. والأمم المتحدة ذكرت أرقاما بمئات الآلاف من الأطفال المشردين ومخيمات مرعبة مليئة بالأيتام والأرامل. الكردي يرى هذه الفرحة والتشفي بمدينة عربية سنية فكيف لو كانت المدينة كردية سنية؟ لقد شعر الأكراد أنهم يتقاسمون الوطن مع “أكلة لحوم البشر”.
السؤال هو من الذي سيعلّم الأكراد الوطنية وحب العراق؟ عمار الحكيم أم قاسم الأعرجي أم المالكي أم هادي العامري؟ هؤلاء كلهم في الحكومة العراقية اليوم وكانوا بالأمس القريب جنودا مع الجيش الإيراني. وزير عراقي سابق وقائد ميليشيا مثل هادي العامري يحمد الله الذي جعله جنديا لدى الحاج قاسم سليماني ويتمنى أن يُدفن في طهران.
هل البارزاني نادى بأمير المؤمنين أردوغان أم الإخوان المسلمون في العراق؟ هل البارزاني وضع صورة الخميني في قاعة الاجتماعات بمجلس الوزراء أم نوري المالكي؟ هل البارزاني ملأ أربيل بصور القادة الإيرانيين كما فعل العراقيون ببغداد؟ البارزاني يتكلم بلهجة عراقية عربية أصيلة بينما السيستاني مثلا رجل إيراني الجنسية ولا يتكلم العربية. فمن سيعلم البارزاني مبادئ الوطنية؟
ومن هو العربي البارزاني أم المالكي؟ المالكي مثلا إيراني بالولاء السياسي بينما البارزاني صديق للدول العربية. هناك مشكلة تحتاج حلولا جذرية وخطوة البارزاني خلطت الأوراق وجعلت العراقيين يفكرون. فهذا ليس صراعا عربيا كرديا على الإطلاق.
تحالف إيران وتركيا ربما سيقضي على الطموح الكردي ويطفئ النور في بيوت كردستان. الأكراد شعب طيب نبيل لهم مواقف مشرفة مع سنّة العراق في محنتهم ولا يجب أن ننضم إلى هذه الحفلة القذرة. لقد بنوا مدنهم وشوارعهم وعاشوا حياة مقبولة في إقليمهم. أهم إنجاز لدى الأكراد هو العلمانية السياسة في محيط إسلامي والأمن.
لم يمنع أحد الحكومة العراقية من بناء البصرة وجعلها أجمل من أربيل؟ البصرة مدينة نفطية يعتمد العراق على مواردها ولكن مجاريها تفيض كل شتاء وتتحول إلى مستنقع نتن وأنهارها مكب للنفايات. حكومة برابرة لا يبنون ولا يعمرون فقط يعرفون كيف ينقضّون على المدن الجميلة وهدمها بالصواريخ. جاهزون لهدم أربيل بحشد جنكيزخان عاجزون عن بناء البصرة. |