يمر عبر المضيق نحو خُمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، وأظهرت بيانات من شركة «فورتيكسا» أن ما يقرب من 17.8 إلى 20.8 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات والوقود تدفقت عبر المضيق يوميًا منذ بداية 2022 وحتى الشهر الماضي.
دعا ماركو روبيو وزير الخارجية الأميركي الصين، اليوم الأحد، إلى حث إيران على عدم إغلاق مضيق هرمز، شريان النفط الأهم في العالم، بعد أن قصفت واشنطن مواقع نووية إيرانية.
جاءت تعليقات روبيو لقناة «فوكس نيوز» بعد أن أفادت قناة «برس تي.في» الإيرانية بأن البرلمان الإيراني وافق على إجراء لإغلاق المضيق الذي تمر منه نحو 20% من تدفقات النفط والغاز العالمية.
ومن شأن إغلاق إيران للمضيق أن يُقيد التجارة، ويؤثر على أسعار النفط العالمية، وقد سبق أن هددت طهران بإغلاقه دون أن تنفذ تهديدها.
وقال روبيو، الذي يشغل أيضًا منصب مستشار الأمن القومي الأميركي: «أحث الحكومة الصينية في بكين على الاتصال بهم بشأن هذا الأمر، لأنهم يعتمدون بشدة على مضيق هرمز في إمداداتهم النفطية»، وفق وكالة رويترز.
وأضاف: «إذا فعلوا ذلك، سيكون ذلك خطأ فادحًا آخر. إنه انتحار اقتصادي لهم. وما زالت لدينا خيارات للتعامل مع ذلك، ولكن ينبغي على الدول الأخرى النظر في الأمر أيضًا. سيُلحق ذلك أضرارًا باقتصادات الدول الأخرى أشد من اقتصادنا».
وأشار روبيو إلى أن أي خطوة لإغلاق المضيق ستمثل تصعيدًا هائلًا يستدعي ردًا من الولايات المتحدة ودول أخرى.
فيما قال مسؤولون أمريكيون إن الضربات «محت» المواقع النووية الرئيسة لإيران باستخدام 14 قنبلة خارقة للتحصينات، وأكثر من 24 صاروخ توماهوك، وما يزيد على 125 طائرة عسكرية. وتصعّد هذه الضربات الصراع الدائر في الشرق الأوسط.
وتعهّدت طهران بالدفاع عن نفسها. وحذّر روبيو، اليوم، إيران من الرد، قائلًا، إن مثل هذا الإجراء سيكون «أسوأ خطأ ترتكبه على الإطلاق».
وأضاف أن الولايات المتحدة مستعدة للحوار مع إيران.
مضيق هرمز
يقع مضيق هرمز بين عُمان وإيران، ويربط بين الخليج شمالًا وخليج عُمان وبحر العرب جنوبًا.
ويبلغ اتساعه 33 كيلومترًا عند أضيق نقطة، ولا يتجاوز عرض ممري الدخول والخروج فيه 3 كيلومترات في كلا الاتجاهين وتُصدّر السعودية، وإيران، والإمارات، والكويت، والعراق، الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، معظم نفطها الخام عبر المضيق، لا سيما إلى آسيا.
وتسعى الإمارات والسعودية إلى إيجاد طرق أخرى لتفادي عبور المضيق.
وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، في يونيو من العام الماضي، أن نحو 2.6 مليون برميل، يوميًا، من طاقة خطوط الأنابيب الإماراتية والسعودية غير المستغلة قد تكون بديلًا لمضيق هرمز.
وتنقل قطر، وهي من أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، كل غازها الطبيعي المسال، تقريبًا، عبر المضيق.
ويتولّى الأسطول الأميركي الخامس، المتمركز في البحرين، مهمة حماية الملاحة التجارية في المنطقة.
ماذا سيحدث إذا أغلقت إيران مضيق هرمز؟
بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية في إيران، كان من بين أبرز ردود الفعل الأولية من طهران إغلاق مضيق هرمز، وهو قرار وافق عليه البرلمان اليوم وينتظر موافقة مجلس الأمن القومي عليه.
وقد دعا حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان” المعروفة بقربها من المرشد الأعلى الإيراني، صراحةً إلى شن هجوم صاروخي على القوات البحرية الأمريكية في البحرين وإغلاق مضيق هرمز أمام السفن التجارية الأمريكية والأوروبية. فماذا يعني هذا؟
يُعتبر مضيق هرمز أحد الشرايين الرئيسية لتجارة الطاقة العالمية. يقع المضيق بين إيران وعُمان ويربط الخليج العربي ببحر عُمان، وهو نقطة عبور لحوالي 20% من نفط العالم.
وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، يمر عبر هذا الممر ما متوسطه 20.5 مليون برميل من النفط الخام يوميًا اعتبارًا من عام 2023. يمثل هذا المبلغ حوالي ثلث النفط العالمي المنقول بحراً.
ليس النفط فقط، بل يمر جزء كبير من الغاز الطبيعي المسال القادم من دول الخليج، وخاصة قطر، عبر هذا الممر الضيق. لذلك، في حال إغلاق مضيق هرمز، يمكن أن يتقلص إمداد الطاقة العالمي فجأة، وقد تشهد أسعار النفط ارتفاعات حادة.
ووفقًا للخبراء، فإن هذا الوضع قد يتجاوز بكثير سيناريو عام 2011، عندما تجاوز سعر نفط برنت 125 دولارًا بعد تهديد إيراني مماثل.
أزمة طاقة وتأثير دومينو
لا تقتصر الأزمة على الطاقة وحدها، بل ستتأثر سلاسل التجارة العالمية بشكل مباشر بإغلاق المضيق. خاصة الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند، وهي اقتصادات تعتمد بشكل كبير على الطاقة، ستكون في الحلقة الأولى من الأزمة. أما السوق الأوروبية، فقد تنجرف بسرعة إلى أزمة طاقة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال ومحدودية مصادر الإمداد البديلة.
من منظور عسكري، لا يعني إغلاق مضيق هرمز مجرد انهيار اقتصادي، بل يمثل نقطة تحول جيوسياسية. فالقواعد الأمريكية في قطر والبحرين والكويت والإمارات تقع ضمن مدى الصواريخ قصيرة المدى الإيرانية. ويشير المحللون، في حديثهم لشبكة CNN، إلى أن إيران يمكن أن تستهدف هذه القواعد بآلاف الصواريخ الباليستية، مما يجعل الصراع المباشر بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة أمرًا حتميًا.
تأثير الدومينو
من الناحية القانونية الدولية، يُعرّف هذا النوع من عرقلة حركة الملاحة البحرية بأنه “عمل حربي”. في هذه الحالة، لن تكون الولايات المتحدة وحدها، بل العديد من الدول الأعضاء في الناتو قد تتدخل مباشرة لأسباب تتعلق بأمن الطاقة.
وفقًا للبروفيسور جيسون بوردوف من مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، فإن إغلاق مضيق هرمز سيخلق تأثير دومينو متزامنًا في مجالات الطاقة والتأمين واللوجستيات والقانون البحري والاستقرار الجيوسياسي. ويؤكد بوردوف، قائلاً: “إن هشاشة النظام العالمي تتجمع في هذا المضيق”، مشددًا على أن تأثير مثل هذه الأزمة لن يكون إقليميًا فحسب، بل قادرًا على زعزعة جميع التوازنات في الاقتصاد العالمي.
الهجوم الأمريكي على إيران
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان كان “نجاحًا عسكريًا تاريخيًا”. وزُعم أن البنية التحتية النووية الإيرانية “دُمرت بالكامل” في العملية التي شاركت فيها قاذفات B-2.
وفي المقابل، أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية الهجوم وأعلنت أنها ستطلق إجراءات قانونية دولية ضد الولايات المتحدة. وفي نفس البيان، تم توجيه رسالة مفادها أن إيران ستواصل برنامجها النووي.
هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترامب على قراره الشجاع. من جهة أخرى، أدت التصريحات القادمة من مصادر قريبة من إيران إلى تصعيد التوتر. فقد دعا حسين شريعتمداري، أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، إلى إغلاق مضيق هرمز واستهداف الحرس الثوري الإيراني للقواعد الأمريكية. لم يصدر عن المرشد الأعلى خامنئي أي تصريح مباشر حتى الآن.
خطر الانتقام
على الجانب الأمريكي، لا يزال مستوى التأهب مرتفعًا. فقد صرح الرئيس ترامب في منشور على منصة Truth Social: “أي انتقام من جانب إيران ضد الولايات المتحدة سيُقابل بقوة أكبر بكثير مما شهدتموه الليلة.” وأفادت التقارير أن أنظمة الدفاع الجوي قد تم تفعيلها في المنطقة، وشهدت سماء طهران حركة جوية كثيفة طوال الليل.
وفقًا لريا موغول من CNN، قال الرئيس دونالد ترامب إن هناك “قلقًا حقيقيًا من انتقام إيران”.
تتجه الأنظار الآن إلى كيفية رد فعل إيران. وقد يكون اتخاذ خطوة جذرية مثل إغلاق مضيق هرمز بداية لعملية لا تزعزع الصراع الأمريكي-الإيراني فحسب، بل تزعزع أيضًا التوازنات الهشة للاقتصاد العالمي.