كما كان متوقعاً ، فإن الهجوم على السفارة الإسرائيلية في واشنطن ومقتل إثنان من أعضائها أثبت أن التحولات الكبرى في أمريكا ضد إسرائيل تتصاعد بقوة بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها في غزة ، وتحت سمع وبصر العالم ، حيث تنقل عبر شاشات التليفزيون ، وما يزيد من أهمية هذه العملية أن من قام بها ليس عربياً ولا مسلماً ، بل أمريكياً ، وأشار إلى أنه قام بذلك بسبب جرائم إسرائيل في غزة ، فما الذي يعنيه ذلك وما يترتب عليه ؟ .
أولاً : لم تعد أمريكا ساحة مغلقة لإسرائيل وللصهيونية ، بل أصبحت أغلبية الرأي العام الأمريكي مناهضة لإسرائيل ، ففي كل يوم يرى العالم بشاعة العمليات العسكرية من خلال التلفزيون ، وهو ما لم يكن متاحاً في الجرائم السابقة لإسرائيل ، ولذلك لم تعد الدعاية الإسرائيلية والأمريكية قادرة على إغلاق أفواه ملايين البشر ، وهذه العملية إنذار للإدارة الأمريكية كي تعيد النظر في دعمها المطلق لإسرائيل ، لأن النار قد انتقلت إلى أراضيها الآن ، صحيح أنها شرارة ولكنها ستشعل الحريق في بلد كله غابات جافة .
ثانياً : لقد سقطت الدعاية الإسرائيلية والأمريكية بالكامل ، فلم يعد شعار معاداة السامية يخدع أحد لأنه ليس من حق إنسان مهما كانت ديانته وهويته القومية أن يقتل ويبيد الآخر ومع ذلك يرفض أن يدان على جرائمه منطلقاً من عقيدة دينية تميز اليهود عن بقية البشر فتعتبر الغوييم ( غير اليهود أو الأمميون ) حيوانات وأن ارتدت شكل البشر ! .
و” نتنياهو ” بكل وقاحة يقف ويتهم أوروبا الداعم والمؤسس الأساسي لإسرائيل بأنها منحازة لحماس وللإرهاب لأنها رفضت جرائمه في غزة .
إنه سقوط شعار معاداة السامية وابتزاز العالم به والذي يفتح الآن الأبواب أمام الملايين لترفع صوتها ضد إسرائيل وجرائمها البشعة ضد الفلسطينيين والعرب الآخرين .
ثالثاً : إن عدم انتباه الإدارة الأمريكية لهذه الظاهرة ومعالجتها بأسرع وقت باتخاذ موقف حازم ضد جرائم نتنياهو سوف يعبئ المزيد من الأمريكيين ضد الإدارة ويدفع بهم إضافة إلى أسباب أخرى للوقوف ضدها وترسيخ وتوسيع الشرخ القائم الآن في أمريكا ، وذلك سيعجل بإفلات الأوضاع الأمنية في أمريكا وهي جاهزة لذلك بسبب الانقلاب الذي قام به ” ترامب ” داخل وخارج أمريكا ، وأصاب الأغلبية الساحقة من الأمريكيين بأضرار فادحة في حياتهم اليومية .
وهكذا ، فإن اقتران رفض الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل بتفاقم الأوضاع الداخلية في أمريكا سيعجل بتحولات سلبية في أمريكا داخلياً ويجعلها أمام تحديات جديدة تثقل كاهلها وتحد من قدرتها على مواصلة نفس النهج .
رابعاً : إن العالم بكامله قد أصبح جاهزاً لتقبل أي خطوات ضد إسرائيل وضد من يدعمها ، وهذه الحقيقة يدركها نتنياهو وحكومته ، ولذلك فإنهم يوسعون نطاق عملياتهم العسكرية من أجل الإسراع بإنهاء الوضع لتجنب المزيد من تعبئة العالم ضدهم .
خامساً : ومقابل ذلك نرى أن الأنظمة العربية تبدو كأنها خارج واقع العالم ، فهناك رؤساء ووزراء دول من الغرب والشرق يقفون بشجاعة ويهاجمون إسرائيل علناً ، وآخرها الموقف الشجاع لرئيس الوزراء الإسباني في مؤتمر القمة الذي عقد في بغداد والذي هاجم فيه إسرائيل كما لم يتجرأ أي زعيم عربي على القيام بذلك ! ، وهذه الظاهرة تشكل إدانة تاريخية للأنظمة العربية التي فقدت كل معاني الكرامة والسيادة والإنسانية .
لم يعد العالم ألعوبة بيد أمريكا أو بيد الصهيونية ، فلقد تحرر وانطلق ، ومن المفارقات المأساوية أن الزعماء العرب ينبطحون لأمريكا في وقت تنحدر فيه والعالم كله يعرف ذلك ويرفض ابتزازها بشجاعة إلا الزعماء العرب ! ، وما يحتاج العالم إليه هو تنظيم حركات أممية تنسق الجهود من أجل القضاء على كل أنواع الإرهاب والاضطهاد والتمييز العنصري والديني وخرق حقوق الإنسان ، خصوصاً حق الحياة وحق العيش الكريم .
إن العالم يتغير في غير صالح أمريكا ، وتغيره سيكون أسرع مما نتوقع الآن تماماً ، كما لم يتوقع كثيرون قبل عامين أو ثلاثة أعوام التغييرات التي تجري الآن ، وكل الثوابت على المستوى الدولي لم تعد ثوابت بل أصبحت عبارة عن قواعد مؤقتة لها عمر زمني انتهى وحان وقت الانهيارات المتعاقبة ، العالم ينهض وعلينا أن نكون طليعته .