أُصيب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن (82 عاماً) بنوع شرس من سرطان البروستاتا انتشر إلى عظامه. ورغم خطورة الحالة، إلا أن هذا التشخيص يعكس أنماطاً أوسع تفشياً إذ يُعد سرطان البروستاتا من أكثر الأنواع شيوعاً بين الرجال، لا سيما مع تقدمهم في العمر، إلا أن معدلات النجاة تحسنت بشكل ملحوظ خلال العقود الماضية.
إصابة تشارلز الثالث بسرطان البروستاتا
بعد الإعلان عن إصابة الملك تشارلز الثالث بالسرطان، تدفقت تمنيات قادة العالم بالشفاء له. لكن الإعلان عن إصابته بعد التشخيص مباشرة، يعد أمرا جديدا ومغايرا تمام للسرية التي أحاطت بصحة والدته الملكة الراحلة إليزابيت الثانية.
وقد تم الكشف عن إصابة الملك تشارلز الثالث (75 عاما) بالسرطان مساء الاثنين (05 شباط/ فبراير 2024) وكان تشارلز يستريح بعد جراحة في البروستات، وتم اكتشاف السرطان أثناء فحص بعد هذه الجراحة. وأوضح قصر باكنغهام أنه “خلال العملية الجراحية الأخيرة التي خضع لها الملك تشارلز في المستشفى بسبب تضخم حميد في البروستات، تم اكتشاف مشكلة أخرى”، و”أظهرت فحوصات لاحقة وجود شكل من أشكال السرطان”. وأكد القصر أن المشكلة الصحية المستجدة ليست سرطان البروستات.
وبدأ الملك “برنامج علاجات منتظمة نصحه خلاله الأطباء بتعليق أنشطته العامّة”، بحسب قصر باكنغهام. غير أنه سيواصل “الاهتمام بشؤون الدولة والمهام الإدارية كالمعتاد”. وأكّد الملك أنّه “متفائل جداً” بشأن العلاج، وأنه لا يعتزم وقف أنشطته بالكامل على رأس المملكة المتحدة ومجموعة دول الكومنولث التابعة للتاج البريطاني.
وبعد الإعلان أن الملك سيغيب عن الحياة العامّة لفترة غير محدّدة، بعد 17 شهراً فقط من اعتلائه العرش بسبب المرض، أكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن السرطان الذي يعاني منه الملك تشارلز الثالث “اكتشف مبكراً”. وقال سوناك لشبكة “بي بي سي” الإخبارية البريطانية، “لحسن الحظ تم اكتشاف (السرطان) مبكرا والجميع يتمنى له أن يتلقى العلاج الذي يحتاجه ويتعافى تماماً”.
تمنيات بالشفاء من قادة العالم
ويبدو أن الملك تشارلز الثالث يفضل ويولي أهمية للتواصل المفتوح والشفافية، حسب القصر، وبإعلانه عن إصابته بالسرطان، أراد تجنب التكهنات معربا عن أمله في المزيد من الفهم لجميع أولئك الذين يعانون من السرطان في جميع أنحاء العالم.
وقد أبلغ الملك تشارلز شخصيا ولديه ولي العهد الأمير وليام وشقيقه هاري، كما أبلغ إخوته وأخواته بتشخيص إصابته بالسرطان. وبدون تأخير، أعلن الأمير هاري، الابن الأصغر لتشارلز والذي يعيش في كاليفورنيا، أنّه ينوي العودة إلى المملكة المتحدة لرؤية والده على الرغم من التوتر الشديد بينه وبين عائلته. وأفادت الصحف البريطانية بأنّه سيحضر بمفرده، من دون زوجته ميغان وطفليهما آرتشي وليليبت، كما حدث أثناء التتويج.
وتجدر الإشارة إلى أن الإعلان والحديث عن الوضع الصحي للملك، في وقت تتعافى الأميرة كيت، زوجة ولي العهد الأمير وليام، بعد عملية جراحية خضعت لها. ودخلت الأميرة كيت المستشفى في 16 كانون الثاني/ يناير لإجراء عملية جراحية في المعدة ظلت محاطة بالسرية. ولم تظهر علنا منذ مشاهدتها مع بقية أفراد العائلة في عيد الميلاد. وأعلن قصر كنسينغتون قبل أسبوع أنها خرجت من العيادة الخاصة في لندن حيث خضعت لهذه العملية وأنها تمضي فترة نقاهة في منزل العائلة في ويندسور غرب لندن. ولا تزال أسباب العملية الجراحية غامضة لكنها ليست سرطانا، بحسب وسائل إعلام بريطانية.
وبعد انتشار خبر إصابة الملك بالسرطان تدفقت التمنيات بالشفاء العاجل له من العديد من قادة العالم، من بينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي أكد على “الشجاعة” المطلوبة في مواجهة السرطان وتمنى للملك الشفاء العاجل والتحدث معه قريبا. والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أرسل “مشاعر الصداقة” للملك. بالإضافة إلى كل الطبقة السياسية البريطانية، بما فيها الانفصاليون الإسكتلنديون والجمهوريون في إيرلندا الشمالية، أعربوا عن تمنياتهم بالشفاء العاجل للملك.

وقال أنتوني ألبانيزي رئيس الوزراء الأسترالي، الذي تتبع بلاده للتاج الملكي البريطاني، إن “جميع الأستراليين يرسلون أطيب تمنياتهم للملك تشارلز بالشفاء العاجل. هذه أخبار صعبة”. وانضم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي “إلى شعب الهند”، المستعمرة السابقة للتاج البريطاني، “ليتمنى الشفاء العاجل والصحة الجيدة” للملك تشارلز الثالث.
الشفافية وتجنب التكهنات
وقرر الملك تشارلز اعتماد الشفافية بشأن العملية الجراحية التي خضع لها لعلاج مشكلة البروستات. وقرر “الكشف عن تشخيص إصابته بالسرطان لتجنب التكهنات وعلى أمل مساعدة الجمهور على تفهم المصابين بهذا المرض في جميع أنحاء العالم”، وفق قوله. وكان الإعلان عن إصابته بمشكلة في البروستات، مغايرا تماما للسرية التي أحاطت بصحة والدته الملكة إليزابيث الثانية في السنوات التي سبقت وفاتها في الثامن من أيلول/ سبتمبر 2022 عن 96 عاماً.
وحول هذه الشفافية في إعلان إصابة الملك بالسرطان ورغم عدم تحديد أي نوع من السرطانات، قالت المؤرخة سارة غريستوود في حوار مع بي بي سي “إنها إشارة إلى أن تشارلز قد غير الملكية (البريطانية) ويريدها أن تناسب المتطلبات الحديثة. فحتى الآن كان يتم التكتم وإخفاء الوضع الصحي للملك أو الملكة خلف جدران القصر”.
فالملكة الراحلة إليزابيت الثانية، والدة الملك تشارلز، كانت تتصرف بتكتم ولا تكشف عن وضعها الصحي. وفي هذا السياق كان دائما يتم النقاش حول حق الرأي العام والمواطنين في معرفة الوضع الصحي للملك وإلى أي مدى يجب الكشف عن ذلك لهم؟
ماذا نعرف عن تشخيص بايدن ؟

اكتشف الأطباء وجود عُقيدة صغيرة في البروستاتا لدى بايدن خلال زيارة للمستشفى في مايو الجاري، ما تطلب إجراء المزيد من الفحوصات. جرى اكتشاف الحالة نتيجة المعاناة من أعراض متعلقة بالمسالك بولية.
أظهرت الفحوص أن نتيجة تحليل غليسون بلغت 9 درجات، وهي تشير إلى أن الورم ينتمي إلى الفئة الأشد شراسة من المرض. تشير التقارير إلى أن السرطان قد انتشر إلى العظام، وهو ما يُعد سمة مرتبطة بالمرحلة الرابعة من المرض، يجري بايدن حالياً مراجعة لخيارات العلاج مع فريقه الطبي.
حدوث عملية الانبثاث (هجرة الخلايا السرطانية عن طريق الدم أو الأوعية الليمفاوية) يدل على أن المرض ربما كان في طور التطور -والتفاقم- منذ فترة قبل الإعلان عنه.
ما مدى شيوع سرطان البروستاتا؟
في الولايات المتحدة الأميركية، يُعد ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الرجال بعد سرطان الجلد، مع تقدير تسجيل 313780 حالة جديدة خلال 2025. ويُتوقع أن يُشخّص واحد من كل ثمانية رجال بالمرض خلال حياته.
انخفض عدد حالات التشخيص السنوي بصورة كبيرة بين 2007 و2014، وذلك نتيجة لتغييرات في توصيات الفحص التي أدت إلى تقليل عدد اختبارات المستضد البروستاتى النوعي (مادة تفرزها الخلايا الظهارية في البروستاتة) (PSA) في الدم. عاد معدل الإصابة ليرتفع منذ 2014 3% سنوياً، وفقاً للجمعية الأميركية للسرطان.
مَن الأكثر عرضة للإصابة؟
يزداد خطر الإصابة بسرطان البروستاتا مع التقدم في العمر ويختلف حسب العرق. إذ يواجه الرجال السود ومن هم من أصل أفريقي كاريبي خطراً أعلى بشكل ملحوظ مقارنة بالمجموعات الأخرى.
يُعد العمر العامل الأهم. يبلغ عمر حوالي 6 من كل 10 رجال أصيبوا بالمرض 65 عاماً أو أكثر، ويصل متوسط عمر التشخيص 67 عاماً. بالتالي فإن سن بايدن يضعه ضمن الفئة التي يُعد فيها سرطان البروستاتا شائعاً، بل ومتوقعاً.
تُشير دراسات تشريحية إلى أن ما بين 30 و40% من الرجال في الدول الغربية يحملون أوراماً لم تُشخص أثناء حياتهم. كثير من هذه الأورام بطيئة النمو ولا تُسبب أعراضاً، ولكن بعضها -مثل حالة بايدن- يكون شرساً وقادراً على الانتشار بسرعة.
ما مدى خطورة سرطان البروستاتا؟
رغم أن عدد الرجال الذين يتم تشخيصهم بالمرض آخذ في الازدياد -نتيجة لتحسن وسائل الكشف وارتفاع متوسط العمر- إلا أن معدلات الوفيات انخفضت بأكثر من 50% منذ منتصف التسعينيات.
وأسهمت عمليات تحسين تصوير الأشعة، والعلاجات المستهدفة بدقة لموضع الإصابة، وفهم أفضل لأنواع الأورام التي تتطلب علاجاً في هذا التراجع.
حتى الحالات الشرسة يمكن إدارتها لسنوات بفضل العلاجات الحديثة؛ لا سيما اُكتشفت قبل تفاقم المضاعفات.
رغم ذلك، يظل سرطان البروستاتا ثاني أبرز سبب للوفاة بالسرطان بين الرجال الأميركيين، بعد سرطان الرئة. يتوفى حوالي رجل واحد من كل 44 رجلاً بسبب هذا المرض. تشير تقديرات الجمعية الأميركية للسرطان إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن سرطان البروستاتا خلال 2025 سيبلغ 35770 حالة.
لكن، ورغم هذا الرقم المقلق، فإن معظم الرجال الذين يتم تشخيصهم بسرطان البروستاتا لا يتوفون بسببه. إذ يوجد أكثر من 3.3 مليون رجل نجوا من المرض يعيشون حالياً في الولايات المتحدة الأميركية.
ما هي علامات الإصابة ؟
عادة لا يسبب سرطان البروستاتا في مراحله المبكرة أعراضاً، ولهذا يُكتشف غالباً من خلال اختبار دم للكشف عن المستضد البروستاتى النوعي قبل ظهور أي علامات.
المستضد البروستاتى النوعي هو بروتين تنتجه البروستاتا. تشير المستويات المرتفعة إلى وجود سرطان، لكنها قد تنجم أيضاً عن حالات حميدة مثل تضخم البروستاتا أو التهابات.
وبسبب أن اختبار المستضد البروستاتى النوعي قد يؤدي إلى تشخيص خطاً (نتيجة الإفراط في افتراض أسوأ الاحتمالات) ووصف علاجات غير ضرورية، لم يعد يُوصى به لكل الرجال. بدلاً من ذلك، يُنصح بالتشاور المشترك بين المريض والطبيب، مع مراعاة العمر والمخاطر والقيم الشخصية.
عندما تظهر الأعراض، فقد يشمل ذلك صعوبة في التبول أو التبول المتكرر ليلاً، ووجود دم في البول أو السائل المنوي.
أما سرطان البروستاتا المتقدم، فقد يسبب ضعفاً في الانتصاب، وألماً في العظام (لا سيما الحوض أو العمود الفقري أو الصدر)، أو ضعفاً أو تنميلاً في الساقين أو القدمين، أو فقدان السيطرة على المثانة أو الأمعاء، أو فقدان الوزن أو الشعور بالتعب.
كيف يُشخّص سرطان البروستاتا؟
عادة ما يتم اكتشاف المرض من خلال اختبار المستضد البروستاتى النوعي أو الفحص الشرجي بالإصبع. إذا كانت مستويات المستضد البروستاتى النوعي مرتفعة أو تم العثور على عُقيدة، قد يطلب الأطباء فحوصات أشعة تصويرية، بجانب تحليل عينة من الخلايا والتي تُعد ضرورية لتأكيد التشخيص.
ويتيح تحليل العينة للأطباء تحديد درجة غليسون، التي تعكس مدى ظهور الخلايا السرطانية تحت المجهر بمظهر غير طبيعي. تتراوح الدرجات من 6 إلى 10.
كيف يُصنف سرطان البروستاتا؟
يستعرض الجدول التالي طريقة تصنيف الأطباء للسرطان حسب درجة غليسون، بناءً على مدى سرعة نمو الخلايا السرطانية أو درجة شراستها الظاهرة:
ملاحظة: يُقيّم تصنيف غليسون كل عينة من خلايا سرطان البروستاتا بدرجات تتراوح من 3 إلى 5. يحسب الأطباء الدرجة الإجمالية لنظام غليسون عن طريق جمع أكثر درجتين شيوعاً في العينة. تُكتب كل درجة على حدة، مثل: 3 + 4 = 7، أو تُعرض كدرجة غليسون إجمالية قدرها 7.
في حالة بايدن، فإن الدرجة 9 تضع الورم في المجموعة الخامسة؛ وهي الأعلى شراسة. هذا يعني أن السرطان يتكون بشكل كبير من خلايا غير طبيعية، وأنه على الأرجح سينمو بسرعة وينتشر.
رغم أن العديد من الرجال في ثمانينياتهم قد يحملون أوراماً منخفضة الدرجة وغير مشخصة، إلا أن وجود ورم بدرجة غليسون 9 وحدوث انبثاث في العظم يعكس مرضاً متقدماً وسريع النمو، ما يتطلب علاجاً فورياً وليس مجرد متابعة.
ما خيارات العلاج المتاحة؟
يعتمد العلاج على مدى انتشار السرطان ومدى شراسته. تشير التقارير إلى أن السرطان لدى الرئيس الأميركي السابق قد انتشر إلى العظام، لكنه ما زال حساساً للهرمونات، ما يعني أنه قد يستجيب للعلاج بخفض مستويات الأندروجين، وهو نهج شائع يُبطئ نمو السرطان عبر تقليل هرمون التستوستيرون.
عادة ما تتم إدارة سرطان البروستاتا المنتشر والحساس للهرمونات باستخدام مزيج من العلاج الهرموني وأدوية مضادة للأندروجين من الجيل الجديد. يمكن لهذه العلاجات أن تكون فعالة جداً في السيطرة على المرض، أحياناً لسنوات عديدة.
لكن العلاج الهرموني يرتبط بآثار جانبية كبيرة منها انخفاض الرغبة الجنسية وضعف الانتصاب وزيادة الوزن وانخفاض قوة العضلات وهشاشة العظام. رغم أن هذه التأثيرات قد تكون أكثر احتمالاً لدى كبار السن، إلا أنها قد تؤثر بشدة على المرضى الأصغر سناً.