في وقتٍ واحد تقريبًا تناقلتْ وسائل الإعلام العالَميَّة خبرين بخصوص رئيسَيْنِ، أحَد الرَّئيسَيْنِ ترك إرثًا رائعًا يفخر به أولاده وأحفاد أحفاده وشَعبه هو الرَّئيس السَّابق في الأورجواي خوسيه موخيكا، الَّذي يوصف بـ»أفقر رئيس في العالَم» ويُعَدُّ من أبرز شخصيَّات اليسار في أميركا اللاتينيَّة، وفي المسلسل القصير والمؤثِّر الَّذي بثَّته منصَّة نيتفليكس وضعتْ له عنوانًا يقول (أفقر رئيس في الدُّنيا)، وسبَق لنَا الكتابة عن المسلسل في هذه الزَّاوية.
الرَّئيس الثَّاني الَّذي تناقلتْ أخباره مختلف وسائل الإعلام في نفس وقت وفاة أفقر رئيس، هو الرَّئيس الموريتاني السَّابق محمد ولد عبد العزيز، بتهمة استغلال منصبه والاختلاس وصدر الحكم عَلَيْه بالسجن (15) سنَة نافذة.
الرَّئيس الأوَّل مفخرة سيُخلِّده التَّاريخ، والـ»رئيس» الثَّاني مثلبة كبيرة وترَك وصمة عار لكُلِّ مَن يَمتُّ بصِلَة قرابة إِلَيْه، من أبناء وبنات وأحفاد وأحفاد الأحفاد وللموريتانيِّين.
وبَيْنَما ودَّع المسؤولون والمواطنون وجميع فئات شَعب الأورجواي بجميل الكلمات المعطرة بكُلِّ فخر واعتزاز.. على سبيل المثال ما كتَبه الرَّئيس الحالي في منصَّة «أكس» يقول (ببالغ الحزن والأسى، ننعَى وفاة رفيقنا بيبي موخيكا. الرَّئيس والنَّاشط والقائد والمُرشد. سنفتقدك كثيرًا أيُّها الرَّجُل العجوز العزيز»).
هذا عن رجُل حكَم الأورجواي لِمُدَّة خمس سنوات والموريتاني حكَم عشر سنوات، لكنَّه وبدلًا من صيانة الأمانة وخدمة النَّاس سار في طريق النَّهب واللصوصيَّة وسرقة المال العام، وعرف ملف محاكمته بـ»العشريَّة» وهي المُدَّة الَّتي حكَم فيها موريتانيا، حكَم عشر سنوات، ويتهجَّم الموريتانيون بأقذع الأوصاف على جميع المشتركين في الملف ويشمل (17) شخصيَّة، بَيْنَهم وزراء سابقون ورِجال أعمال وبعض أفراد عائلته والمُقرَّبِينَ مِنْه.
صادر القضاء ممتلكات «الرَّئيس» وتمَّ تجريده من جميع حقوقه المَدَنيَّة، وأكَّد قرار المحكمة أنَّه ومَن كان معه (قَدِ اتهموا وثبتَ ذلك بـ»الإثراء غير المشروع» و»استغلال النُّفوذ» و»غسل الأموال»).
أمَّا رئيس الأورجواي فقَدِ اشتهرَ بحياته البسيطة وتتناقل وسائل الإعلام أنَّه (قَدْ أدار الأورجواي بَيْنَ عامَي 2010 و2015، واختار أن يعيشَ حياة بسيطة بعيدًا عن مظاهر السُّلطة. قاد سيَّارة فولكسفاجن قديمة، واحتفظ فقط بجزء صغير من راتبه لا يتجاوز (1200) دولار شهريًّا، وقدَّم الباقي للفقراء والمؤسَّسات الاجتماعيَّة).
في تفاصيل حياة الرَّئيس و»الرَّئيس» تجد دروسًا، للَّذي يبحث عن السُّمعة الطيِّبة والكلام والذِّكر الجميل يوَجِّه عقله وسُلوكه وعمله لخدمة النَّاس والإيثار وتنفيذ الخطط التنمويَّة الحقيقيَّة، يبدأ من ذاته لخدمة ناسه، والآخر يوَجِّه بصره ورغباته وشهواته نَحْوَ ممتلكات الشَّعب ويختار مَن يساعده ويعاونه في السَّلب ويُشجِّعه على اللصوصيَّة بكُلِّ أنواعها.
في إرث الصَّادق المُخلِص الرَّصين المُدافِع عن الفقراء يبقَى الذِّكر الطيِّب.. وللأسف، نادرًا ما يحصل مسؤول على مِثل هذا الوصف، ويترك النَّوع الثَّاني الخزي والسُّمعة السيِّئة الثَّقيلة، وللأسف أيضًا فإنَّ العالَم يزخر بهذا الصِّنف من «الرُّؤساء».