يواجِه صانعو فئة مُحدَّدة من الأفلام مِحنة حقيقيَّة ـ على سبيل المثال فيلم بلاك بيري ـ الَّذي يعرض لتاريخ صعود وانهيار شركة الاتِّصالات العالَميَّة بلاك بيري عِندَما استطاعت فرض هيمنتها على سوق الهواتف المحمولة في العالَم. تكمن معضلة صناعة مثل هذه الفئة من الأفلام في الرَّسائل الَّتي يسعى فريق الإنتاج لإيصالها للمستهدفين بمختلف مستوياتهم وبما يُحقِّق الهدف من مشاهدة الفيلم.
لا يُمكِن إدراج مثل هذه الفئة من الأفلام ضِمن التَّاريخيَّة، وليسَتْ هي أفلام وثائقيَّة، كما أنَّها لا تندرج تحت عنوان التعليميَّة. بمعنى أنَّها تعرض لتجربة خاصَّة في عالَم التقنيَّات الَّذي طرَق أبواب العالَم وأخذَ بالتَّطوُّر بسرعة البَرق، لكنَّ الفيلم يقدِّم «نصائح» مبطَّنة وعلنيَّة لكُلِّ الَّذين يبحثون عن الفائدة جنبًا إلى جنب مع المُتعة بمشاهدة الفيلم، في مقدِّمة ذلك، أنَّ مَن يعتقد بتشابُه متغيِّرات السُّوق التقنيَّة لِمَا جرَى التَّعارف عَلَيْه في سوق الصِّناعات التقليديَّة ابتداء من انطلاق شرارة الثَّورة الصناعيَّة مرورًا بمراحلها التَّطوُّريَّة العديدة، يخطئ في تقديره للموقف، والشَّواهد على ذلك ليسَتْ بالقليلة، ومن أقرب الأمثلة ما حصل مع شركة نوكيا للاتِّصالات الَّتي تراجعتْ بسرعة لِتقفَ في الأخير بعد أن كان بريقها يغطِّي على الآخرين،
وتدخل قصَّة «بلاك بيري» في حيِّز الضَّعف الإداري الَّذي ترتَّب عَلَيْه ونتَج عَنْه ما آلتْ إِلَيْه أوضاع شركة الاتِّصالات العملاقة، وفي مسرب عدم التَّدقيق في مسارات غير مُعلنة تظهر فجأة ـ كما حصلَ في إعلان ستيف جوبز ـ عن هاتف أيفون في خضمِّ صعود بلاك بيري، وبَيْنَما انشغلتْ زعامات الشَّركة «الكهلة» بالصَّدمة فقَدْ كان المنافس الشَّرس قد وضع خطَّته متعدِّدة المراحل، تبدأ من «الصَّدمة» ثمَّ «التَّرويع» التِّقني، وفوق ذلك مراحل التَّطوير والانتقالات المتساوقة ومتطلبات السُّوق السَّريعة. هنا تبرز ثغرة خطيرة طالَما سقطتْ فيها العديد من المشاريع الرَّائدة في حقل التقنيَّات الجديدة تحديدًا، إذ في الغالب ينشغل القائمون على وضع خطط هذه المشاريع، بالعمل الجادِّ والواسع على مرحلة إطلاق المشروع، والعيش لحظات زهو ما يعتقدون أنَّه «الانتصار الكبير». ولأنَّ الكثيرين يبحثون في أفكار التقنيَّات ويجهدون أنْفُسهم في بناء مشروع جديد، فإنَّ من «فداحة الأخطاء» الَّتي يقع فيها الكثيرون أن يهملوا لسببٍ أو لآخر خطط وبرامج التَّطوير، الَّتي يفترض أن تكُونَ متزامنة مع خطوة إطلاق المشروع، والتَّحديق عميقًا في احتمالات ما يطرأ في السُّوق، وتحديدًا ما يُمكِن تسميته بالمنافس غير المتوقع أو حتَّى ما هو متوقع في ذات الحقل. ويَعرض فيلم «بلاك بيري» لهذه الجزئيَّة المُهمَّة عِندَما يظهر أوَّل إعلان لهاتف أيفون في العَرض الشَّهير الَّذي قدَّمه ستيف جوبز. وقد يدرك غالبيَّة المشاهدين فحوى الرِّسالة، الَّتي يعمل مخرج وكادر الفيلم على تقديمها للجمهور وتحديدًا لفئة «المشاهد المتعمق» في جوهر الفكرة الَّتي يَعرض لها الفيلم.
يُمكِن مشاهدة هذا الفيلم أكثر من مرَّة لِمَا ينطوي عَلَيْه ويتضمَّنه من مُتعة ودروس.