وباستخدام مزيج من الفيديو والاهتزازات والإشارات الصوتية، يُوفر النظام إرشادات آنية للمستخدمين، وفقًا لدراسة حول الجهاز نُشرت في دورية “Nature Machine Intelligence” الأسبوع الماضي.
يتكوّن الجهاز من كاميرا، ومعالج ذكاء اصطناعي، وسماعات تعتمد على التوصيل العظمي، بحسب وكالة شينخوا الصينية.
وتُثبّت الكاميرا بين حاجبي المستخدم وتلتقط مشاهد مباشرة، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليلها فورًا، ثم تُرسل تعليمات صوتية قصيرة وبسيطة عبر السماعات، دون أن تعزل المستخدم عن الأصوات المحيطة.
ولتعزيز مستوى الدعم، تُرتدى حساسات رفيعة على المعصمين لاكتشاف العقبات القريبة، فإذا اقترب المستخدم من حائط أو جسم ما، يهتز المعصم المقابل، مما ينبهه إلى ضرورة تغيير الاتجاه.
طور هذا النظام فريق من جامعة شنغهاي جياو تونغ، ومختبر شنغهاي للذكاء الاصطناعي، وجامعة شرق الصين للمعلمين، وجامعة هونغ كونغ للعلوم والتكنولوجيا، و المختبر الوطني الرئيسي لعلم الأعصاب الطبي بجامعة فودان.
يتميّز هذا الجهاز بخفة وزنه وصغر حجمه، وهو مُصمّم لتوفير الراحة طوال اليوم، مما يسمح للمستخدمين بالتحرك بشكل طبيعي دون الشعور بالإرهاق.
تم اختبار النظام في الصين مع 20 متطوعًا من ضعاف البصر. وبعد 10 إلى 20 دقيقة فقط من التدريب، تمكن معظم المستخدمين من استخدامه بسلاسة، وفقًا للدراسة.
ويستطيع النظام حاليًا التعرف على 21 عنصرًا شائعًا، بما في ذلك الأسرّة والطاولات والكراسي والمغاسل وأجهزة التلفزيون والأطعمة. ويعتزم الباحثون توسيع قدرات التعرف لدى الجهاز بشكل أكبر.
نهج جديد للمساعدة البصرية
يعتمد هذا الابتكار على خوارزمية ذكاء اصطناعي تقوم بتحليل الفيديو المباشر القادم من كاميرا مدمجة في الجهاز القابل للارتداء. يعمل النظام على مسح البيئة المحيطة بالمستخدم في الوقت الفعلي، وتحديد العقبات، وحساب مسار آمن خالٍ من العوائق.
ولكن ما يُميّز هذا النظام فعلاً هو طريقة تواصله مع المستخدم، فبدلاً من الاعتماد فقط على الإشعارات الصوتية أو الواجهات المعقدة، يستخدم النظام تغذية حسية متعددة؛ حيث يتم توصيل التعليمات الصوتية عبر سماعات توصيل عظمي، ما يتيح للمستخدم سماع الأصوات الخارجية في الوقت نفسه. كما طوَّر الفريق جلوداً صناعية مرنة تُرتدى على المعصمين، تنقل اهتزازات خفيفة للمستخدم تُوجّهه لتفادي العقبات الجانبية.
يُنتج هذا الدمج بين الاستشعار البصري والصوتي واللمسي تجربة تنقل أكثر سلاسة وطبيعية، فعندما يقترب المستخدم من جدار أو عائق، يرسل النظام اهتزازاً خفيفاً في المعصم مع تعليمات صوتية، ما يوفّر تجربة أكثر تفاعلية وانسيابية.
تجارب تعد بنتائج واعدة
واختبر الباحثون الجهاز باستخدام روبوتات شبيهة بالبشر، إضافة إلى مشاركين من المكفوفين وضعاف البصر، وذلك في بيئات افتراضية وحقيقية، بما في ذلك متاهات محاكاة ومسارات مليئة بالعقبات.
وكانت النتائج مشجعة للغاية، فقد أظهر المشاركون تحسناً كبيراً في قدرتهم على التنقل خلال البيئات المعقدة، وتجنب العقبات، وأداء مهام موجهة مثل تحديد موقع جسم معين والإمساك به. وتُشير هذه النتائج إلى أن هذا النظام قد يوفر مستوى جديداً من الاستقلالية والأمان للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية.
ويبُرز ما يجعل هذا الابتكار أكثر تميزاً هو تصميمه المرتكز على الإنسان؛ حيث يدمج الاستجابات الحسية بطريقة طبيعية تعتمد على حركات الجسد المعتادة، ما يُقلل العبء الذهني على المستخدم، ويساعده على التفاعل بشكل أكثر سلاسة مع محيطه.
خطوة متقدمة في تقنيات الدعم
مع تطوُّر الذكاء الاصطناعي، فإن دمجه في أدوات المساعدة يُغيّر تماماً ما هو ممكن في مجالات الدمج والتمكين، ويُمثل هذا النظام القابل للارتداء خطوة مهمة نحو تطوير تقنيات أكثر ذكاءً وتكيّفاً، لا تقتصر على توفير «رؤية بديلة»، بل تُساعد على الفهم واتخاذ القرار والتفاعل.
ويُشير الفريق البحثي إلى أن المرحلة التالية ستتركز على تحسين التصميم لجعله أصغر حجماً وأكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة، وأسهل في الاستخدام. كما يرون إمكانية توسيع استخدامه في مجالات أخرى من تقنيات المساعدة، مثل رعاية كبار السن أو أدوات التأهيل الحركي.
مكين الاستقلالية من خلال الابتكار
ورغم أن هذا النظام لا يزال في طور التطوير، فإنه يُقدّم لمحة عن مستقبل يمكن فيه للأشخاص المكفوفين أو ضعاف البصر أن يتنقَّلوا بحرية وأمان وكرامة. وبالاعتماد على تصميم ذكي مدعوم بالذكاء الاصطناعي والاستجابات الحسية المتعددة، لا يكتفي الجهاز بالمساعدة… بل يفتح الباب نحو الاستقلال التام. ومع مزيد من التحسينات والتجارب الموسّعة، قد تتحوّل هذه الأنظمة القابلة للارتداء إلى أدوات أساسية في عالم تقنيات المساعدة، وتغيّر تجربة الملايين في مختلف أنحاء العالم.