مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقرر اقامتها في الحادي عشر من تشرين الثاني، تتجه الأنظار نحو الاستعدادات الجارية والتغيرات المتوقعة في المشهد السياسي.
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن ارتفاع عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت لاكثر من تسعة وعشرين مليون ناخب، وذلك بعد تحديث سجلات الناخبين وتوسيع قاعدة البيانات الانتخابية.
فيما بلغ عدد الأحزاب المسجلة لدى المفوضية مئتين وواحدا وثمانين حزبًا، من بينها احد عشر حزبًا بإجازة مشروطة بانتظار رد هيئة المساءلة والعدالة.
ولم تُعلن الحكومة حتى الآن عن التخصيصات المالية المحددة لإجراء الانتخابات التشريعية لعام الفين وخمسة وعشرين.
لكن رئيس مجلس المفوضين في المفوضية العليا للانتخابات اكد أن المفوضية بدأت الاستعدادات الفنية لإجراء الانتخابات، وتشمل:
استمرار عملية التسجيل البايومتري للناخبين في مراكز التسجيل المنتشرة في المحافظات.
التعاقدات الدولية والمحلية لتجهيز المواد الانتخابية.
إعداد الجدول الزمني والعملياتي للعملية الانتخابية.
فضلا عن تهيئة الأمور الفنية الأخرى المتعلقة بإجراء الانتخابات.
وتتميز هذه العملية الانتخابية عن سابقاتها بعدة فقرات اهمها:
مقاطعة التيار الوطني الشيعي للانتخابات
حصول تغيرات واضحة في التحالفات السياسية
الاستعدادات الفنية المبكرة للمفوضية العليا للانتخابات
وتبقى الانتخابات التشريعية لعام الفين وخمسة وعشرين محطة مهمة في مسار الديمقراطية العراقية، وسط تطلعات المواطنين لإحداث تغيير.
المشهد السياسي العراقي في ظل مقاطعة الصدر للانتخابات
بدأت سلسلة اعتزال الصدر للعمل السياسي عام 2013، حين لوَّح بالانسحاب من الحكومة والبرلمان، واصفا الأخير بالهزيل، ثم اعتزل رسميا بعد 5 أشهر، لكنه تراجع بعد شهر واحد، وعام 2014، انسحب مجددا وحل التيار، لكنه عاد للمشاركة في الانتخابات.
وعام 2016، جمّد كتلة الأحرار البرلمانية، ثم أمر بإخلاء مكاتب التيار، وأنهى -في العام نفسه- مقاطعته لاجتماعات التحالف الوطني، ليعلن بعد عامين عدم ترشيح أي وزير من تياره للحكومة. وفي 2019، أمر بإغلاق مؤسسات التيار لمدة عام، ليعلن في 2021 انسحابه من الانتخابات، ثم عاد للمشاركة فيها، وعام 2022، أعلن انسحابه من السياسة، ثم اقترح تنحي الأحزاب، وأعلن اعتزاله النهائي وأغلق مؤسسات تياره أواخر أغسطس/آب 2022.
سبب الامتناع
من جهته، يقول رافد العطواني -المقرب من التيار الوطني الشيعي- إن قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات المقبلة له تأثيرات عدة على المشهد السياسي العراقي، أولها: تقليل حظوظ البيت الشيعي في الحصول على مقاعد إضافية بالمناطق المختلطة، وتأثيره سلبا على نسبة المشاركة في الانتخابات بشكل عام.
ويوضح العطواني -للجزيرة نت- أن الصدر يعتقد أن العملية الانتخابية الحالية لا جدوى منها، وأنها ستصب في مصلحة “الفساد والفاسدين”، وأن القوى السياسية مستمرة في اتباع نهج المحاصصة الذي يعوق أي تغيير حقيقي.
وأضاف أن نسبة المشاركة بالانتخابات ستنخفض بشكل كبير، إذ قد يمتنع نحو 1.5 مليون ناخب من التيار الصدري عن ذلك، وربما دعوات أخرى للمقاطعة قد تشجع آخرين على عدم الانتخاب.
كما أن تراجع الصدر عن قراره -حسب العطواني- وارد في عالم السياسة، وذلك بطلب من قوى سياسية مختلفة أو بتدخل شخصيات شيعية نافذة للتأثير عليه، أو قد يصدر الإطار التنسيقي بيانا أو وثيقة تدعوه للعدول عن قراره، أو تحدث متغيرات قبل الانتخابات تُغِّير موقفه.
لا تأثير
من جانبها، استبعدت القيادية في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ريزان شيخ دلير، تأثير مقاطعة الصدر على نتائج انتخابات 2025 أو موعد إجرائها.
وقالت شيخ دلير للجزيرة نت إن مقاطعة الصدر للانتخابات متوقعة، نظرا لنهجه الإصلاحي وعدم توافقه مع الأحزاب السياسية الحالية، مشيرة إلى تجاربه السابقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، التي لم تحقق هدفه بتشكيل الحكومة.
وأضافت أن الصدر، الذي يتبنى رؤية مغايرة ويسعى لإصلاح الوضع العراقي، لجأ للمقاطعة لعدم قدرته على تحقيق برنامجه بمفرده أو بالتعاون مع أحزاب أخرى تتقاطع معه في الرؤى.
وعن مدى تأثير مقاطعة التيار الصدري على المشاركة في الانتخابات، أكدت شيخ دلير أن تجربة انتخابات مجالس المحافظات -التي قاطعها التيار الصدري- أثبتت أن بقية شرائح المجتمع شاركت بشكل طبيعي، ورأت أن بعض الأحزاب قد تتمنى مقاطعة جماهير الجهات الأخرى لضمان حصولها على أصوات ومقاعد أكثر من خلال قواعدها الجماهيرية.
دعوة للعودة
أما عضو المكتب السياسي لكتلة “صادقون” -الجناح السياسي لعصائب أهل الحق– يسرى المسعودي فرأت أن قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات لن يؤثر على المشهد السياسي بشكل عام، وأمِلَت أن يكون التيار الصدري حاضرا في العملية السياسية، لما يمثله من أهمية تثري التنوع السياسي.
وأوضحت المسعودي للجزيرة نت أن القرار جاء عن قناعة شخصية تحظى بالاحترام، مشيرة إلى أن كل مشروع سياسي يستند إلى قراءة خاصة للمشهد السياسي، وأن الصدر يحمل مشروعا يرى أنه لا ينسجم مع المشاريع المطروحة حاليا، وهذا “حق سياسي مكفول لجميع الأحزاب”.
وأكدت أن المشهد السياسي بشكل عام لن يتأثر بمقاطعة التيار الصدري، مستشهدة بتجارب سابقة لم تؤثر فيها مقاطعة أي طرف سياسي على سير العملية الانتخابية.
وبيَّنت أن كل طرف سياسي يمتلك قاعدة جماهيرية، وأن للتيار الصدري جماهيره، التي لها الحق بالمشاركة أو المقاطعة، لكنها أكدت في الوقت ذاته أن نسب المشاركة لا تتأثر بمقاطعة أي حزب سياسي، وأن الانتخابات تمضي بنتائجها بغض النظر عن ذلك.
واختتمت المسعودي بتأكيدها أن كتلة صادقون، بصفتها شريكا سياسيا، تحترم قرار الصدر، وتأمل عودته للمشاركة بالعملية السياسية بالمستقبل.
المقاطعة فجوة
من جهته، رجَّح الأكاديمي والباحث السياسي، أحمد المياحي، مشاركة عديد من أتباع التيار الصدري بالانتخابات المقبلة، رغم دعوة زعيمهم للمقاطعة.
وأوضح أن دعوة الصدر للمقاطعة قد تكون في جوهرها وسيلة ضغط على الإطار التنسيقي والكتل السياسية المشكلة للحكومة، بهدف تغيير سياساتها الاقتصادية، ومعالجة ملف السلاح المنفلت، وتوفير حماية حقيقية للمواطنين العراقيين.
وأضاف المياحي للجزيرة نت أن المقاطعة بحد ذاتها ليست “خيارا إيجابيا” في العملية السياسية، بل “خطوة سلبية” رغم أنها مكفولة دستوريا، وأكد أن المشاركة بالانتخابات هي “الخيار الأمثل”، إذ يمكن للتيار الصدري أن يُشكل كتلة معارضة قوية داخل البرلمان، قادرة على التأثير في القرارات والقوانين التي تخدم مصلحة البلاد.
وحذَّر من أن عدم المشاركة في العملية السياسية سيؤدي لقطع العلاقة بين القيادة والقاعدة الشعبية، مما قد يُحدِث فجوة تستغلها قوى خارجية ذات أذرع داخلية.
وبين أن الخاسر الأكبر من المقاطعة سيكون المكون الشيعي، إذ قد يؤدي غيابه لتمدد الكتل السنية على حساب المقاعد المخصصة للمكون الشيعي، محذرا من أن بعض القوى السياسية قد تستغل المخاوف من عودة “البعث” للسلطة، لتعبئة الشارع الشيعي ودفعهم للمشاركة بالانتخابات.
وختم المياحي أن عديدا من أتباع التيار الصدري سيشاركون بالانتخابات، رغم دعوة زعيمهم للمقاطعة، لأنهم يدركون أن عدم المشاركة في الحكومة سيهمشهم ويحرمهم الحصول على المناصب والمكاسب.
المفوضية بدأت الاستعدادات الفنية لإجراء انتخابات مجلس النواب