بعدما اعتقلت الشرطة التركية رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو للتحقيق في قضايا فساد، تجمع العشرات أمام مقر الشرطة في إسطنبول للاحتجاج، على الرغم من منع السلطات التجمعات، حتى 23 مارس الحالي.
فيما علق زعيم المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، ، الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، على اعتقال أخير، معتبراً أن ما جرى انقلاب لمنع اختيار الرئيس المقبل، واستخدام للقوة من أجل اتخاذ قرار نيابة عن الأمة، أو الحلول محلها، وعرقلة حقها في الاختيار.
كما تابع في بيان مقتضب نشره على منصة “إكس”، أن هناك قوة تعمل حالياً على منع الأمة من تحديد رئيسها القادم، في إشارة منه إلى الاعتقال.
وأكد أن الحزب يواجه محاولة انقلابية ضد الرئيس القادم، قائلاً: “شعبنا يحب دولته، ولكن إذا وُضعَت الدولة في مواجهة الشعب من قِبَل بعض الجهات، فلن يسمح الشعب بذلك”.
كذلك أردف: “لن نستسلم.. وفي النهاية، ستتحقق إرادة الشعب، وستنتصر تركيا”.
بدوره، أعلن مراد أونغون، المستشار الصحافي لإمام أوغلو، في منشور على موقع “إكس” أن عمدة إسطنبول الذي يعتبر المنافس الأقوى للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، محتجز من دون إبداء أسباب.
وكانت السلطات القضائية التركية أصدرت بوقت سابق من الأربعاء، قرارا باعتقال إمام أوغلو، ومستشاره الإعلامي، إلى جانب نحو 100 شخص آخرين، بينهم صحافيون ورجال أعمال، جراء ما وصفته بـ”مخالفات”.
كيف بدأت ؟
نظم موظفون ومحامون وأعضاء من حزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا، الأربعاء، احتجاجا أمام مبنى بلدية شيشلي بإسطنبول بعد اعتقال رئيس بلدية المدينة، أكرم إمام أوغلو.

وهتف المشاركون في الاحتجاج بعبارات داعمة لإمام أوغلو، وطالبوا بالإفراج عنه وقالوا إنه “ليس وحيدا”، بينما قال المحامون المشاركون إنه لم يسمح لهم بالتواصل مع موكليهم المعتقلين، والذي يزيد عددهم عن 100 بالإضافة إلى إمام أوغلو.
وقال المحامي، حسين إرسوز، عضو حزب “الشعب الجمهوري” في بلدية إسطنبول الكبرى ومجلس بلدية شيشلي: “مع العمليات التي نُفذت في نحو 100 موقع تقريبا أصبحت إسطنبول مدينة غير صالحة للعيش على الإطلاق”.
وأضاف: “وخلال هذه العملية، واجهنا نحن المحامون صعوبات في الوصول إلى موكلينا وتقديم المساعدة القانونية لهم”.
كما أشار إرسوز إلى أن لديهم مخاوف جدية بشأن كيفية تطور عملية التحقيق التي تُجرى في ظل هذه الظروف الاستثنائية، وأردف: “لكن ومهما كان الأمر، فإن جمهورية تركيا هي دولة يحكمها القانون”.
وهذا التجمع الاحتجاجي هو الوحيد في إسطنبول حتى هذه اللحظة.
وتفرض السلطات التركية طوقا أمنيا منذ ساعات صباح الأربعاء، ويتركز على نحو خاص ومحدد في محيط مبنى بلدية إسطنبول وفي محيط مديرية أمن المدينة الواقعة في منطقة الفاتح.
وينسحب الطوق الأمني أيضا إلى ساحة تقسيم الشهيرة وسط المدينة، حيث عززت السلطات والشرطة هناك من تواجدها وفرضت طوقا بالحواجز في محيط ساحتها التي تشهد منذ سنوات طويلة وقفات احتجاجية مناهضة للحكومة.
الدعوة لتجمعات
ودعا حزب “الشعب الجمهوري” لتجمعات أمام مبانيه ومراكزه في تركيا، وقال إنه سيبقى عازما على إجراء الانتخابات التمهيدية رغم الاعتقالات.
وذكرت “سي أن أن تورك” أن “رئيس بلدية إسطنبول سيبقى محتجزا لدى السلطات التركية لمدة 4 أيام .. وعملية الاحتجاز تشمل أيضا 84 شخصا من بين 106 أشخاص صدرت بحقهم مذكرات اعتقال”.
ومن بين الأشخاص الذين اعتقلتهم السلطات إلى جانب إمام أوغلو مستشار رئيس بلدية إسطنبول، مراد أونغون، ورئيس بلدية بيليك دوزو، مراد جاليك، ورئيس بلدية شيشلي، رسوم عمرة شاهان.
توقعات بانتخابات مبكرة
قبل ساعاتٍ من اعتقاله أصدر «أوغلو» بيانًا مصورًا في أثناء تجمع الشرطة خارج مقر إقامته في إسطنبول، متحدثًا فيه إلى الكاميرا وهو يرتدي قميصًا وربطة عنق، ثم نشر مقطع فيديو خاص بكلمته على حسابه بمنصة «إكس» مصحوبًا بتعليق: «هذه ضربة لإرادة الشعب، وصل مئات من رجال الشرطة إلى باب منزلي وأنا أُسلّم نفسي للمواطنين».
وأضاف السياسي المعارض خلال مقطع الفيديو: «أقف بثبات وأُسلم نفسي ليس فقط لسكان إسطنبول الستة عشر مليونًا، بل لمواطني تركيا الستة وثمانين مليونًا، ولجميع من يدافعون عن الديمقراطية والعدالة في جميع أنحاء العالم».
تهمة مساعدة جماعة إرهابية
وُجهت تهمة «مساعدة منظمة إرهابية» إلى أكرم إمام أوغلو و106 آخرين من بينهم المتحدث باسمه مراد أونغون، فيما أشار الإدعاء العام التركي إلى أن المتهمين على علاقة بحزب العمال الكردستاني المسلح، وهو ائتلاف سياسي يساري كان زعيمه المسجون، عبد الله أوجلان، قد أعلن أواخر الشهر الماضي أن الحزب سيُسلم سلاحه ويحلّ نفسه، يأتي هذا قبيل الانتخابات المحلية بعد خسائر حزب أردوغان العام الماضي، وفقًا لصحيفة «ذا جارديان» البريطانية.
وتشير استطلاعات الرأي على الأتراك إلى أن أوغلو هو المرشح الوحيد القادر على تحدي أردوغان الذي استمر 22 عامًا في السلطة، وقد شارك في الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الجمهوري لاختيار مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها عام 2028، على الرغم من أن بعض المراقبين يتوقعون إجراء انتخابات مبكرة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد حاليًا مع انهيار قيمة الليرة التركية.
ضغوط سياسية ضد زعيم المعارضة
يُذكر أن إمام أوغلو واجه في السابق حظراً سياسياً بعدما أدانته محكمة في إسطنبول بإهانة مسؤولي الانتخابات في عام 2022، وفي الليلة التي سبقت وصول مئات من رجال الشرطة إلى منزله لاعتقاله، أعلنت جامعة إسطنبول إلغاء شهادته، ما منعه فعليًا من الترشح للرئاسة؛ إذ تنص القوانين في تركيا على أن الشهادة الجامعية شرط أساسي للترشح، فيما ندد زعيم المعارضة بالقرار وواصفه بأن «لا أساس قانوني له».
وانتشرت الشرطة التركية بكثافة في أنحاء إسطنبول، اليوم الأربعاء، في ظل حظرٍ شاملٍ للاحتجاجات والاجتماعات العامة لمدة 4 أيام عقب اعتقال إمام أوغلو، حيث أُغلقت الشوارع الرئيسية وبعض محطات المترو، كما أُغلق شارعٌ محيط بمركز الشرطة الذي احتُجز فيه، إلا أن تلك القيود لم تمنع آلاف الطلاب من تجمع للاحتجاج في حرم جامعة إسطنبول، قبل أن تندلع اشتباكات بين بعضهم وشرطة مكافحة الشغب، ثم توجهت حشود الطلاب نحو مقر رئاسة البلدية بينما دعت عدة نقابات رئيسية أعضاءها إلى التظاهر قرب مركز الشرطة حيث احتُجز رئيس بلدية إسطنبول.
ردود أفعال متباينة حول اعتقال إمام أوغلو
من جانبه، ندد أوزغور أوزيل، رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، باعتقال المعارض البارز مع خوضه حملة انتخابية ليصبح مرشح الحزب للرئاسة، ووصفه بـ«الانقلاب ضد الرئيس القادم»، خلال منشوره على منصة «إكس»، كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن اعتقال السلطات التركية لرئيس بلدية إسطنبول أمر مقلق للغاية.
فيما رفض وزير العدل التركي، يلماز تونتش، أي تلميح إلى أن موجة الاعتقالات التي استهدفت إمام أوغلو و106 آخرين كانت ذات دوافع سياسية، مؤكدًا أن سيادة القانون ضرورية ومن الخطير والخاطئ تمامًا تشويه التحقيقات التي تجريها السلطة القضائية «المستقلة والنزيهة»، أو وصفها بعبارات مثل «الانقلاب».

أما دائرة الاتصالات التابعة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان فقالت اليوم إن الرئاسة ستواصل الدفاع عن أوغلو ضد ما وصفته بأنها «حملة تشهير غير عقلانية».
ويأتي اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، الذي يحظى بشعبية كبيرة، في إطار حملة قانونية نافذة منذ شهور في جميع أنحاء البلاد على شخصيات من المعارضة، وُصفت بأنها «محاولة مسيسة» للإضرار بفرصها في الانتخابات.
ويواجه أوغلو بجانب تهمة دعم جماعة إرهابية، تهم رشوة وتلاعب في عطاءات ومنح حكومية لبلدية إسطنبول، التي وصل إلى حكمها بفضل موجة من الدعم الشعبي عام 2019 قبل أن يُلغي مسؤولو الانتخابات فوزه الأول بعد ضغوط من حزب أردوغان، ثم فاز بمقعده مرةً أخرى بعد إعادة التصويت ليحصل على ولاية ثانية بهامش كبير في الانتخابات المحلية التي شهدت ذروة دعم المعارضة بالعام الماضي.