تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
1معركة طرد إيران من العراق وسوريا

 

السيـــــــد زهـــــــره

 

الوطن البحرينية
 

 

هذا واحد من أهم المواقف الأمريكية على الإطلاق.

 

نعني ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون في السعودية قبل أيام بأنه بعد هزيمة تنظيم داعش، فإن المليشيات الإيرانية والقوى والفصائل التابعة لها آن لها أن تغادر العراق و«العودة الى موطنها».

 

الوزير الأمريكي يقول بوضوح إن ايران يجب أن تغادر العراق.

 

نعرف أن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لها موقف حازم واضح في مواجهة إيران ومشروعها الإرهابي في المنطقة وضرورة التصدي لهذا المشروع ووضع حد له إذا كان للمنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار. وقد عبر ترامب عن هذه المواقف بوضوح حين أعلن مؤخرا ملامح الاستراتيجية الإيرانية تجاه إيران.

 

ومع هذا، فقد ظل التساؤل مطروحا باستمرار حول كيفية تحويل هذه المواقف النظرية إلى مواقف عملية محددة. بمعنى، ظل التساؤل مطروحا حول، هل تمتلك أمريكا رؤية عملية لإنهاء المشروع الإيراني في المنطقة.

 

وما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي يقدم جزءا من الإجابة. لا بد أن ينتهي الوجود الإيراني في العراق.

 

والأمر لا يتعلق بالعراق وحده، وإنما بسوريا أيضا. العراق وسوريا هما كما نعلم قاعدة الوجود الإيراني في المنطقة ومركز مشروعها الطائفي الإرهابي. لهذا، لا يمكن الحديث عن استراتيجية أو خطط عملية لمواجهة ايران من دون أن تكون نقطة البدء هي إنهاء الوجود الإيراني في العراق وسوريا.

 

إذن، العمل على طرد إيران من العراق وسوريا هو جوهر وعماد معركة مواجهة إيران ومشروعها في المنطقة.

 

وهذه المعركة ليست سهلة أبدا. هي معركة شرسة بكل معنى الكلمة، وأسباب ذلك كثيرة.

 

بطبيعة الحال، النظام الإيراني لا يمكن أن يسلم بسهولة، أو يقبل ببساطة أن يترك العراق وسوريا. النظام الإيراني يعتبر هذه المعركة معركة وجودية بكل معنى الكلمة، وأن هزيمته فيها تعني نهايته نفسه.

 

لهذا، سيقاتل النظام الإيراني بشراسة وبكل ما يملك من قوة من أجل ان يبقى احتلاله الفعلي قائما في العراق وسوريا.

 

ويجب أن نعترف بأن النظام الإيراني لديه قواعد قوة كبيرة يستند إليها. على امتداد السنوات الطويلة الماضية، استطاع النظام أن يكرس وجوده في العراق وفي سوريا بقوة وعبر عديد من المرتكزات على ارض الواقع.

 

والنظام الإيراني ليس وحده في هذه المعركة. معه عشرات من القوى العميلة له في العراق وسوريا وفي دول عربية أخرى مستعدون للدفاع عنه وحتى القتال معه.

 

هذه القوى والجماعات العميلة لإيران لن تتردد في أن تفعل أي شيء وتقدم على أي أعمال إرهابية دفاعا عن الوجود الإيراني.

 

وقد رأينا مثلا بعد أن أدلى وزير الخارجية الأمريكي بتصريحه، كيف جُنّ جنون قادة المليشيات العميلة لإيران في العراق، وراحوا يهددون أمريكا ويطالبون بإنهاء وجودها هي في العراق.

 

حتى الحكومة العراقية التي لا زالت خاضعة للنفوذ الإيراني، كان لها موقف غريب وغير مسئول. الحكومة العراقية اعتبرت ان ما قاله تيلرسون تدخل في الشئون الداخلية العراقية. كأن الوجود الايراني في العراق وسيطرة المليشيات التابعة لها هو شأن داخلي عراقي.

 

ولم تكتف بهذا، فقد خرج رئيس الوزراء العراقي ليعتبر أن مليشيات الحشد الشيعي قوة وطنية، بل اعتبر أنها «أمل العراق والمنطقة».

 

هذا في حد ذاته مؤشر لما وصلت إليه الهيمنة الإيرانية في العراق، ولكيف ستكون المعركة شرسة إلى أقصى حد.

 

في نفس الوقت، يجب أن نتنبه إلى أن هناك قوى في داخل أمريكا تقاتل الآن بالفعل من أجل منع إدارة الرئيس ترامب من المضي قدما في تنفيذ استراتيجيتها في مواجهة ايران.

 

إذن، معركة إنهاء الوجود الإيراني في العراق وسوريا، وإنهاء مشروع إيران الطائفي التوسعي عموما هي معركة ضارية على كل المستويات.

 

القضية الأساسية هنا هي أن ندرك أن هذه المعركة هي معركتنا نحن في المقام الأول. الدول العربية هي التي يجب أن تخوض هذه المعركة أساسا، وهي التي يجب أن تضع خطتها وسبل تنفيذها. ودور أمريكا يجب النظر إليه كعامل داعم مساعد. فكما قلنا مرارا، في نهاية المطاف لن تخوض أمريكا المعركة وحدها بالنيابة عنا.

 

ورغم شراسة المعركة، فإن النصر العربي فيها ممكن، بل هو ضرورة حتمية، ولكن كيف؟.. ما هو المطلوب عربيا من أجل الانتصار في هذه المعركة؟

 

سنعود إلى هذا في مقال آخر بإذن الله.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتبمكان النشر
2بداية انحسار المدّ الكردي

 

 

محمد سيد رصاص

 

 الاخبار اللبنانية

 

هناك حركات تلمس بداية انحسار مدّها من خلال أحداث مفصلية تطلق صفارة بدئها: الخامس من حزيران/ يونيو 1967 بالنسبة للمدّ القومي العروبي، والثالث من تموز/ يوليو 2013 بالنسبة للمدّ الإسلامي. استغرق المدّ العروبي عقداً ونيفاً من السنوات بدءاً من حرب 1956، فيما استغرق المدّ الإسلامي ثلث قرن منذ انتصار الثورة الإيرانية ووصول آية الله الخميني للسلطة يوم 11 شباط 1979.

 

لا يظهر الانحسار فوراً بل يكون بدؤه أحياناً خفياً أو تكون هناك علامات تظهر العكس، مثل وصول حزب البعث إلى السطة في بغداد عام 1968، إلا أن المجرى العام للانحسار العروبي، البادئ في القاهرة، ظهرت قوته من خلال بدء صعود الموجة الإسلامية التي بان زخمها في السبعينيات ثم تحولت إلى مدٍّ شمل المنطقة الممتدة من الجزائر إلى باكستان ومن اسطنبول إلى صنعاء.

لم يستطع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان أن يدشّن بداية المدّ الكردي في المنطقة من خلال مجابهته البادئة مع السلطة التركية منذ يوم 15 آب 1984، برغم الثقل الأكبر ديموغرافياً لأكراد تركيا بالقياس بالعراق وإيران وسوريا. يبدو أن هزيمة الملا مصطفى البرزاني أمام بغداد، وهزيمة الشيخ عزالدين الحسيني ــ عبد الرحمن قاسملو أمام طهران الخميني في عامي 1979-1980، قد جعلت من غير الممكن تحول «الأوجلانية» إلى مدّ إقليمي مثلما حصل مع الناصرية. برغم هذا استطاع أوجلان أن يكسر ثنائية البرزاني ــ الطالباني التي كان لها منذ عام 1964 امتدادات سورية وتركية وإيرانية، وأن يفرض تثليث تلك الثنائية كردياً في البلدان الأربعة. لم تمت الأوجلانية برغم الضعف الذي أصابها في فترة ما بعد اعتقال أوجلان عام 1999.

هنا، جاءت بداية المدّ الكردي بفعل ليس داخلي بل خارجي مع الاحتلال الأميركي للعراق وبحيث يمكن تحديد بدئه منذ يوم الأربعاء التاسع من نيسان 2003 الذي سقطت فيه بغداد بفعل دبابات واشنطن: كان من غير الممكن تصور إمكانية حصول أحداث القامشلي يوم 12 آذار 2004 من دون الزلزال العراقي الذي كانت تلك الأحداث السورية من توابعه، والتي شكلت بداية جنينية لمدّ كردي سوري لم تبن معالمه إلا في فترة الأزمة السورية التي استغل الفرع السوري لحزب أوجلان، أي حزب «الاتحاد الديموقراطي»، شقوقها ومنعطفاتها وخاصة دريئة «داعش» من أجل فرض أجنداته كلاعب رئيسي بما يتجاوز حدود الأكراد السوريين الديموغرافية التي لا تتجاوز (مع المحرومين من الجنسية في فترة 1962- 2011) نسبة 7-9% من السكان فيما العرب 90% من السكان (انظر «روزنامة العالم»، نيويورك 2010، ص 842)، وحيث الأكراد ليسوا أكثرية سكانية في أي محافظة سورية بما فيها الحسكة، وهم ليسوا متجاورين جغرافياً بخلاف البلدان الثلاثة الأخرى. حصل مد كردي مماثل في إيران وتركيا على وقع المد الكردي العراقي ولكن أيضاً كان ملفتاً أنه كان من خلال الامتدادات الأوجلانية مثل سوريا، عبر (حزب PJAK ـ حزب الحياة الحرة لكردستان) في إيران المؤسس عام 2004 ثم الطبعات التركية لحزب العمال الكردستاني التي وصلت في انتخابات برلمان السابع من حزيران 2015 لأن يصل (حزب الشعوب الديموقراطية ــ HDP) إلى حدود 13% من مجموع الأصوات.

يظلّ العراق نموذجياً كمنصة من أجل دراسة الحركة الكردية منذ تمرد الملا مصطفى البرزاني على حكم عبد الكريم قاسم بدءاً من 11 أيلول 1961: كان هناك تشجيع بريطاني ــ أميركي ــ إيراني لهذا التمرد ما دام قاسم قد لامس التحريمين الممنوعين على كل حاكم لبغداد: النفط بامتيازات شركة نفط العراق زائد الكويت. عندما حصل اتفاق العاشر من شباط 1964 بين الملا البرزاني وسلطة عبد السلام عارف في بغداد، شجّع شاه إيران بتشجيع انشقاق ابراهيم أحمد وجلال طالباني عن البرزاني بعد شهرين وكان الاثنان في تشرين ثاني 1963 قد دشنا الاتصالات الكردية مع تل أبيب عبر السفارة الإسرائيلية في باريس. دخل الملا البرزاني بدوره في علاقات لاحقة مع إسرائيل عبر رئيس الموساد مائير عميت (1963-1968) الذي زار شمال العراق مراراً، وكان ضابط الارتباط معه هو ديفيد كيمحي الذي أصبح بالسبعينيات المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية. كان هناك مشكلة كردية مزمنة رافقت العراق منذ نشوئه كدولة عام 1921، ولكن كان أكراد العراق عبر قيادتهم السياسية التي ظلت ذات جذور اجتماعية قوية بفرعيها البرزاني والطالباني، تمد أيديها للخارج من نوافذ البيت العراقي طوال فترة 1961-2017، برغم أنها في دستور السلطة القاسمية 1958-1963 قد أخذت نصاً يقوم بجوهره على عبارة «العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن» وأخذوا في اتفاقيات 10 شباط 1964 و11 آذار 1970 مع بغداد وفي دستور 2005 العراقي ما يحلم به كحد أقصى سكان ديار بكر ومهاباد.

 

تعامل البرزانيون والطالبانيون مع الأفكار السياسية بطريقة استعمالية

 

تعاون الاثنان، أي الملا مصطفى البرزاني والطالباني، مع شاه إيران ومن ثم الطالباني ومسعود البرزاني مع الخميني، وعندما طرحت واشنطن نفسها ضد بغداد منذ حرب 1991 كانا رأس الحربة العراقية في الاستعانة بالخارج الأميركي. تعامل البرزانيون والطالبانيون مع الأفكار السياسية بطريقة استعمالية تشبه طريقة استعمال الأحذية أوالتاكسي: استعملوا الماركسية في فترة تحالف القاضي محمد والملا البرزاني مع ستالين أثناء قيام جمهورية مهاباد بإيران 1945-1946 وعندما باع الكرملين «جمهورية مهاباد» مقابل بولندا كان المنفى السوفياتي عند الملا حتى عودته لبغداد في خريف 1958 وتسكين قاسم له في بيت نوري السعيد فترة انتقال نحو نقل البندقية من اليسار إلى اليمين وللتحالف مع واشنطن وتل أبيب وطهران التي كان محكوماً غيابياً منها منذ أيام مهاباد بالإعدام.

في عام 1975 أسس جلال الطالباني وأنوشرون مصطفى حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، ورفعا شعارات ماركسية أمام البرزاني المهزوم بفعل اتفاقية السادس من آذار 1975 في الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران، ولكنهما في أيار 1983 وكقربان للتقرب أثناء مفاوضات مع صدام حسين قاما بمجزرة منطقة بشتاشان في شمال العراق، حيث المقار القيادية للحزب الشيوعي العراقي، التي قتل فيها مئات الشيوعيين العراقيين. في فترات لاحقة شارك الطالباني والبرزاني في عمليات حربية مع إيران أثناء الحرب مع العراق. عند البرزانيين والطالبانيين شعار: «لا وسواس أمام أي وسيلة والهدف كل شيء». ينطبق الشعار الأخير على يساريين أكراد وعرب سوريين يسوغون التظلل بالبندقية الأميركية وبالقواعد الأميركية في سوريا. في فترة ما بعد التاسع من نيسان 2003 أظهر مسعود البرزاني الكثير من الشبه ببن غوريون ولكن من دون ذكاء الأخير: يقوم دستور 2005 في المادة 140 تجاه» المناطق المتنازع عليها «على أساس ما ينص عليه (قانونا إدارة الدولة العراقية الانتقالي لعامي 2003 و2004) اللذان يحدد أن حدود المحافظات العراقية وفق ما كان قائماً في يوم 19 آذار 2003 بما فيها محافظات إقليم كردستان الثلاث. في أثناء الغزو الأميركي تجاوز البرزاني ذلك ثم في فترة الاحتلال توسع أكثر وهناك مؤشرات كثيرة (وقد اتهمه نوري المالكي بذلك) على أنه كان مسهلاً لـ«داعش» غزوتها للموصل في يوم العاشر من حزيران 2014، حيث مارس شهيته التوسعية مستغلاً دريئة «داعش» لكي يستولي ليس فقط على «الأراضي المتنازع عليها» بل أكثر. في أحد تصريحاته عام 2014 يتكلم عن أن «حدود الإقليم هي حدود الدم» في تذكير ببن غوريون الذي يقول بأن «الحدود حيث يقف جيش الدفاع الاسرائيلي».

في الفترة نفسها وفي سكرة قوته أثناء ضعف بغداد بتأثير ما فعلته «داعش» في الموصل قال ما يلي: «المادة 140 قد تم تنفيذها» في إشارة إلى نزعته نحو فرض «الوقائع» بالقوة لكي تتحول بفعل ذلك إلى «حقائق سياسية». يشبه البرزانيون الصهاينة في نزعتهم التمرحلية حيث يعتبرون المراحل سلماً تصاعدياً نحو «الهدف الأعلى» وفي هذا يشاركهم الكثير من الساسة الأكراد.

خلال المد الكردي الذي عم المنطقة بمفاعيله خلال 14 عاماً ونصف كان هناك الكثير من المؤشرات بأن الحمولة أثقل من الحامل: عبر الخطوة التي قام بها مسعود البرزاني يوم 25 أيلول 2017 للدعوة إلى استفتاء الانفصال، بتشجيع من دوائر غربية في واشنطن ولندن ومن تل أبيب ومن دول عربية مثل دولة الإمارات، بان أنه أقدم على خطوة انتحارية شبيهة بتلك التي قام بها صدام حسين في الكويت يوم الثاني من آب 1990. اضطر الجميع دولياً وإقليمياً للتخلي عنه وتركه وحيداً، حتى وإن كان الكثيرون بقلبهم معه بعدما جربوه كميزان حرارة لقياس مدى قابلية أو مقاومة دول ومجتمعات الإقليم لعملية تغيير الخرائط. عندما حصلت خطوة بغداد في كركوك 16 تشرين أول 2017، وهي كانت بتشجيع من طهران التي أطلق ترامب مواجهته معها في خطاب 13 تشرين الأول، مارست عائلة الطالباني دور بروتوس وبانت هشاشة البناء الكردي العراقي.

هناك الكثير من المؤشرات على أن ما حصل في كركوك (التي سماها يوماً مسعود البرزاني بـ«قدس الأكراد») بيوم الاثنين 16 تشرين أول 2017 هو بداية انحسار المد الكردي بعموم المنطقة البادئ في بغداد منذ يوم الأربعاء التاسع من نيسان 2003. لن تدفع أربيل فاتورة ذلك فقط بل أيضاً مهاباد وديار بكر والقامشلي.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
3  إضاءة شمعة في الظلام العراقي

 

 خيرالله خيرالله  العرب
لا خيار آخر غير خيار الرهان على العراق وعودة العراق وعلى المرجعية الشيعية في النجف التي على رأسها آية الله السيستاني الذي ليس من أتباع ولاية الفقيه.

هل الرهان على تغيير العراق في محلّه؟ يطرح السؤال نفسه مجدّدا في ضوء الجولة العربية التي قام بها رئيس الوزراء حيدر العبادي والتي شملت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.

 

قبل كل شيء، من المفيد التذكير بأن من يتعاطى من العرب حاليا في موضوع العراق لا يمتلك أي أوهام من أي نوع. هناك حسابات دقيقة تأخذ في الاعتبار ما هو العراق في العام 2017 وما هي إمكانات التغيير وحدوده، خصوصا في ظلّ الهيمنة الإيرانية على البلد الذي شارك في تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945.

 

إذا كان ما يميّز المرحلة الراهنة في العراق، فما يميزها هو وجود هامش للمناورة لدى العبادي سمح له بزيارة الرياض والقاهرة وبغداد. لكنّ لهامش المناورة هذا حدودا ضيقة جدا أيضا. ظهر ضيق هذه الحدود عندما ردّ رئيس الوزراء العراقي على وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الذي دعا خلال زيارته للرياض إلى انسحاب كلّ الميليشيات الإيرانية من العراق. لم يجد العبادي ما يقوله سوى الدفاع عن “الحشد الشعبي” من منطلق أنّ مقاتليه ليسوا إيرانيين، بل عراقيون. زاد أن الحشد “مؤسسة رسمية” وأن “علينا تشجيع مقاتلي الحشد لأنهم سيكونون أملا للبلاد وللمنطقة”. أيّ أمل للعراق والمنطقة عندما تكون ميليشيات مذهبية العمود الفقري للدولة، أيّ دولة؟

 

كلّ ما قاله تيلرسون كان وصفا لواقع لا يمكن الرضوخ له في حال كان العراق يريد أن يستعيد بالفعل دوره على الصعيد الإقليمي وأن يكون دولة مستقلّة. اكتفى وزير الخارجية الأميركي بالقول “بالطبع، هناك ميليشيات إيرانية (في العراق). والآن، بما أن المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية شارفت على نهايتها، على تلك الميليشيات العودة إلى موطنها. على جميع المقاتلين الأجانب العودة إلى ديارهم”.

 

أين الخطأ في ما قاله تيلرسون؟ هل من عيب في دعوة إيران إلى الانسحاب من العراق والتوقّف عن فرض سياساتها عليه؟ هل عيب أن ترفض دولة، أيّ دولة في العالم، أن تكون مرتبطة بميليشيات مذهبية، بغض النظر عن هوية المقاتلين المنتمين إلى هذه الميليشيات؟

 

هناك بكل تأكيد من سيقول إن العراق بلد سيّد حرّ وأنّ من حقه أن يدعو من يريد من جيوش أجنبية إلى أرضه. مثل هذه المناورات الكلامية لا تمرّ على أحد. هناك وضع عراقي عجيب غريب يبدو العبادي عاجزا عن التخلص منه. يتمثّل هذا الوضع في أن إيران تعمل على فرض أمر واقع في العراق من منطلق أن تجربتها هي التجربة التي لا بدّ من تكريسها. إنّها تجربة “الحرس الثوري” في إيران. لا بدّ من أن يكون “الحشد الشعبي” على غرار “الحرس الثوري”. لا بدّ من أن يكون حاميا للمصالح الإيرانية في العراق والمشرف الأعلى على السياسة العراقية.

 

ليس العبادي العراقي الوحيد الذي يحاول التملص من إيران ومسايرتها في الوقت ذاته. تبدو مهمّة رئيس الوزراء مستحيلة في غياب تطوّر على الصعيد الإقليمي يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي.

 

التقى العبادي الملك سلمان بن عبدالعزيز في البحر الميّت على هامش القمة العربية التي انعقدت في الأردن في آذار-مارس الماضي. بعد ذلك زار الرياض في حزيران-يونيو الماضي. شهدت الأشهر القليلة الماضية إعادة فتح معبر عرعر الحدودي بين العراق والمملكة، وزيارات متبادلة بين مسؤولين عراقيين ومسؤولين سعوديين. كذلك زار الرياض وأبوظبي الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر الذي ذهب حديثا إلى عمّان وقابل الملك عبدالله الثاني بعد يوم واحد على زيارة العبادي للعاصمة الأردنية.

 

هناك بكل بساطة أحداث تتسارع على صعيد العلاقات العراقية-العربية. هناك إيجابيات وهناك سلبيات. ليس أمام الجهة العربية سوى التشجيع على تراكم الايجابيات لعلّ وعسى تحصل معجزة وينزاح أخيرا الكابوس الإيراني عن العراق. وهو كابوس استمرّ طويلا، بل أكثر بكثير ممّا يجب.

 

في النهاية أي حيدر العبادي يجب أن نصدّق؟ الواضح أن الرجل صادق إلى حدّ كبير، على الرغم من أنه لا يزال أسير فكر “حزب الدعوة” الذي ينتمي إليه نوري المالكي أيضا. لو لم يكن صادقا لما بذل كلّ تلك الجهود من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها بين العراق ودول عربية مهمّة مثل السعودية ومصر والأردن. إنّه صادق أيضا في رغبته في المحافظة على وحدة العراق والتصدّي لـ“داعش”، علما أنّ لا تفسير لمواقفه التي جعلت الأكراد أمام خيار واحد هو الذهاب بعيدا في السعي إلى الاستقلال. تصرّف العبادي في الموضوع الكردي وكأنه لا يعرف أن مسعود البارزاني ما كان ليذهب إلى حدّ إجراء الاستفتاء الشعبي في موعده، لولا أنّه وجد نفسه أمام حكومة عراقية ترفض مبدأ الشراكة في الحكم وتصرّ على قيام دولة دينية لا يمكن للأكراد القبول بها بأيّ شكل.

 

هل ينجح العبادي في تغليب الإيجابيات على السلبيات، ويسهّل في الوقت ذاته على مسعود البارزاني القيام بخطوة تراجعية تنقذ ماء الوجه بالنسبة إليه، خصوصا بعد الهزيمة التي لحقت به في كركوك؟

 

لا شكّ أن الرجل في وضع لا يحسد عليه. لا شك أيضا أنّه لا بد من الاعتراف بأن زيارته الأخيرة للسعودية كانت خطوة جريئة وذلك في وقت تتعاطى فيه إيران مع المملكة بصفة كونها عدوّا لها.

 

يبقى أنّ لا خيار آخر غير خيار الرهان على العراق وعودة العراق وعلى المرجعية الشيعية في النجف التي على رأسها آية الله السيستاني الذي ليس من أتباع ولاية الفقيه. يدعم السيستاني العبادي كما أنه ليس مقتنعا بأهلية نوري المالكي كرئيس للوزراء.

 

هناك قوى في داخل العراق لا تزال تعمل من أجل تأكيد أن البلد صار تحت السيطرة الكاملة لإيران، وأن “الحشد الشعبي” بالنسبة إلى العراقيين مثل “الحرس الثوري” بالنسبة إلى الإيرانيين. هناك في المقابل بين العرب من لا يزال يؤمن بضرورة إضاءة شمعة في هذا الظلام العراقي وأن بلدا مثل العراق لا يمكن أن تحكمه إيران بواسطة أشخاص دخلوا إلى بغداد على دبابة أميركية وما لبثوا، فور نزولهم من الدبابة، أن بدأوا الحديث عن “المقاومة”، أي عن التصدي للوجود الأميركي.

 

في النهاية، لن يصحّ إلا الصحيح مهما طال الزمن ومهما ذهبت إيران في عملية التطهير ذات الطابع المذهبي التي تقوم بها في مناطق عراقية عدّة، بدءا ببغداد. الواقع يقول إنه لا يمكن في هذه الأيام سوى الرهان على العبادي، على الرغم من أن أقصى ما يستطيع الذهاب إليه هو الدفاع عن شرعية “الحشد الشعبي” ودعوته إلى الانسحاب من كركوك، في وقت كان “الحشد” يشرف على عملية تهجير ما يزيد على مئة ألف كردي من المدينة المتنازع عليها.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
4 العراق والعرض السعودي فاروق يوسف

 

   العرب
 

استعادة العراق عربيا ليست بالأمر اليسير ما لم يقرر العراق بنفسه العودة المريحة إلى محيطه العربي.

 

تفاءل البعض بالتوافق السعودي-العراقي غير أنه يظل تفاؤلا كسيرا. ذلك لأن العراق واقع تحت الحماية الإيرانية.

 

هناك ميليشيات مسلحة في العراق تدين بالولاء للولي الفقيه وهناك زعامات سياسية، في مقدمتها نوري المالكي، لا تنظر بعين الرضا إلى السعودية.

 

استعادة العراق عربيا ليست بالأمر اليسير ما لم يقرر العراق بنفسه العودة المريحة إلى محيطه العربي.

 

كانت هناك محاولات عربية في الماضي قد انتهت إلى فشل ذريع لا لشيء إلا لأنها لم تحظ بمباركة أميركية. اليوم تجري الأمور برعاية أميركية.

 

فهل ستخترق الرعاية الأميركية جدار المحظورات الإيرانية؟

 

السعوديون يعرفون كل شيء وإلا لما كان العاهل السعودي قد استقبل بنفسه، حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي في احتفال نادر من نوعه وألقى أمامه كلمة هي بمثابة عهد أخوّة.

 

لن يسمع العراقيون في السعودية كلاما عقائديا ولا شعارات ثورية. السعودية ليست إيران لذلك فهي لا تتاجر بالعقائد ولا تصدّر الأزمات.

 

ما يسمعه العراقيون من السعودية وما سيرونه من أفعالها على أرض الواقع لا يمتّ بصلة إلى ما هم فيه من متاهة، ساهموا بطريقة أو بأخرى في شق دروبها إلى أن وصلوا إلى ما هم عليه اليوم من حالة عجز تام عن الحفاظ على وحدة وطنهم. العلاقة بالسعودية لا تقوم على الشعارات.

 

هناك حقائق تاريخية وجغرافية سعى السياسيون العراقيون ليقفزوا عليها في سنوات حكمهم القلقة بعد الاحتلال الأميركي عام 2003.

 

وما تلك الحقائق إلا العناصر التي تتشكّل منها هوية العراق التي شهدت السنوات الماضية محاولات حثيثة لتجريفها واللعب بمقوماتها، بدءا من تزوير واقعها من خلال تكريس البعد الطائفي الذي التهم جزءا مهما من النسيج الاجتماعي العراقي، فصار العراقيون يتلفتون طائفيا في ظل غياب مشروع وطني موحد يجمع بينهم.

 

وليس غريبا والحالة هذه أن ينتهي الأمر ببغداد إلى أن تكون محكومة من قبل سلطة طائفية تفرّق من حولها العراقيون، ولا تجد سندا لها حتى بين النخب الشيعية المثقفة التي نأت بنفسها عمّا يمكن أن يؤدي إليه سلوك حكومة تسيطر عليها الميليشيات التي لا هدف لها سوى الدفع بالعراق إلى الحضن الإيراني.

 

فبغض النظر عن هوس الحكومة العراقية في التلويح بما حققته من انتصارات على جبهتي الحرب على داعش واستعادة المناطق المتنازع عليها، فإن تلك الحكومة لم تنجح في أن تكون حكومة وحدة وطنية.

 

ما شهدته المدن ذات الأغلبية السنية من إبادة بشرية وتهديم شامل سيقف دائما حائلا دون قيام مصالحة وطنية حقيقية، كما أن تعامل الحكومة مع الملف الكردي قد احتوى على الكثير من سوء الفهم الذي لن يدفع بالأكراد في اتجاه بغداد نظرا لفقدان الثقة.

 

في حقيقتها فإن حكومة بغداد هي أضعف من أن تمثل العراق الموحّد. ولم يحدث ذلك الضعف إلا بسبب السياسات الطائفية التي ما تـزال تلك الحكـومة تعتمدها في تصريف شـؤون رعاياها مستندة في ذلك إلى دعم إيراني لم يكن الهدف منه إلا إبقاء العراق دولة فاشلة لا يرى حكامها حلاّ لأزماتها إلا من خلال اللجوء إلى الميليشيات.

 

لذلك فإن العرض السعودي لن يحدث أثرا في العراق ما لم تملك الحكومة العراقية الإرادة الحرة والمستقلة. وهو تطور لا يمكن أن يقع من غير أن تتم إعادة النظر في السياسات التي أنهكت العراقيين وعرّضت جزءا عظيما منهم للهلاك.

 

فالعرض السعودي وإن طغت عليه لغة الاقتصاد هو عرض سياسي يمكن أن يعثر العراق من خلاله على لحظة توازن تبعده عن الانحيازات العقائدية التي ذاق العراقيون مرارتها وصار عليهم اليوم أن يبحثوا عمَّن يمدّ لهم يد العون لبناء دولتهم.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 5    

العراق.. حسابات الحقل ليست كحصاد البيدر

 

   صباح ناهي    العرب
الإشراقة الوحيدة التي قدمها المقاتلون في الجيش عند تحرير الموصل وقصباتها وقواه المساندة، قد تكون هي الضوء في نهاية النفق في المعادلة العراقية التي تعيش لحظات تفجر قد لا تنتهي قريبا.

‏حين ترى هذا الحشد من التناقضات فإنك تمسّ جوهر الأزمة العراقية، التي قال عنها جنرال أميركي‏ “ن العراق كان كسبيكة صقلت لآلاف السنين وانصهرت لتكون وطنا اسمه العراق، لكننا طرقناها لتتفتت ولتتحول إلى قطع من الصعب إعادتها كإناء مكسور”، ‏وهو يتحدث أمام حشد من العلماء وأساتذة الجامعات العراقية. ثم أردف “الوضع الطبيعي أن تكونوا أنتم، علماء هذا البلد، هناك في بلدكم وأولئك الفاسدون خارجه”.

 

‏الأزمة الحقيقية تكمن في أن الشعب العراقي والكثير من الشباب الوطنيين المخلصين لم يشهدوا نوع التنازلات وكمّها التي قدمت على حساب وحدة العراق في ثلاثة مؤتمرات عقدتها المعارضة العراقية ضد النظام السابق، بدءا من العام 1991 في النمسا ولندن وصلاح الدين، و‏كان المعارضون من أصول شيعية لا يملكون قاعدة يقفون عليها، ‏والسنة المعارضون ‏يحكم أقرباؤهم في السلطة في بغداد وصلاح الدين والأنبار والموصل، ‏وظل الأكراد ‏وحدهم الأقوى الذين يحكمون إقليما محميا دوليا، وله ميزانية تبلغ 13 بالمئة من ميزانية الدولة العراقية وفق برنامج الغذاء والدواء، ‏ولديهم قدرة عسكرية يدافعون بها عن أنفسهم في ثلاث محافظات ودول ساندة، لذلك كانوا الأقوى في هذه المعادلة.

 

‏وبعد احتلال العراق ‏وحل مؤسساته تغولت هذه المعادلة بالنسبة إلى الأكراد، ومارس الساسة الشيعة الحكم بنزعة الاستحواذ والانتقام، ولم يستفيدوا من تجربة الشركاء الأكراد في معاملة أبناء الطائفة، بل استعدُوهم واجتثّوهم من الوظائف العامة بكل قسوة وصفاقة، ووجد السنة أنفسهم أقلية ممثلة بحزب يكرهونه هو الحزب الإسلامي واجهة الإخوان المسلمين فتصارعوا فيما بينهم.

 

    معادلة الإرهاب ‏هي معادلة المال والعقود، وشراهة الاستحواذ على الدور، ‏لا تهتم أبدا بالوطن وأحلامه وآماله

 

‏لقد تحوّلت صداقات وقيم المعارضة إلى مجرد تاريخ وديون صغيرة تسدد بتنازلات الشيعية إلى الأكراد ورفع سقف تخصيصات الأمم المتحدة لهم إلى 17 بالمئة، ويقال إنه أصبح 22 بالمئة بعد التنازل الذي قدمه الائتلاف الشيعي ليصوتوا على ترشيح نوري المالكي، وباعوا حليفهم إياد علاوي وقائمته العراقية. ‏أليست هذه وقائع، أم هي أضغاث أحلام؟

 

‏الوضع الحالي تغير كليّا، فالساسة الشيعة ومرجعيتهم السياسية المعروفة ولا أقول الدينية، اصطدموا بغلوّ الأكراد الذين اعتقـدوا أن مسلسل التنـازلات سيستمرّ حتى وإن أعلنوا استفتاء سيفضي للاستقلال، هنا حدث الصدام الإقليمي وليس الوطني فحسب.‏ السنة أثبتوا قصورهم الفكري ونقصهم الوطني بمساندة بعضهم لمشروع الانفصال، الذي كانوا جل عمرهم يرفضونه، واعتبروا مغامرة العملية السياسية قد تمنحهم جـزءا يسيرا من مـواقع السلطة التي لم يصدقوا بعد أنهم فقدوها للأبد، مراهنين على التوازن الذي فرضه المحتل قبل أن يخرج وحلموا بأن العالم السني من حولهم سيساعدهم على استعادتها.

 

‏فلا هم يساندون الحكم السابق ومعارضته للنظام القائم الآن بالكامل، ولا هم ينسلخون عنه ويؤسسون لقيادات تقنع محيطهم بجدوى المشاركة في العملية السياسية التي تورطوا فيها وانتفع البعض من النواب والوزراء منها شخصيا، بالرغم من أنهم يرون مدنهم تتحطم وعشائرهم تشرّد وشيوخهم يقتلون.

 

معادلة الإرهاب ‏هي معادلة المال والعقود، وشراهة الاستحواذ على الدور، ‏لا تهتم أبدا بالوطن وأحلامه وآماله، و‏بالرغم من ذلك فإن ‏الإشراقة الوحيدة التي قدمها المقاتلون في الجيش عند تحرير الموصل وقصباتها وقواه المساندة، قد تكون هي الضوء في نهاية النفق في المعادلة العراقية التي تعيش لحظات تفجّر قد لا تنتهي قريباً، برغم السياسة الهادئة التي يقودها حيدر العبادي، المكبّل من أب وحلفاء صاروا أندادا له في الانتخابات المقبلة.

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 6    بغداد.. متى تغدو اتحادية؟!

 

رشيد الخيّون

  

    الاتحاد الاماراتية
  

تتوسط بغداد خريطة العراق توسط السرة في البدن، وقريباً منها، حيث الفلوجة، تضيق المسافة بين دجلة والفرات، حتى يكادا يلتقيان، ولأنها كانت عاصمة لإمبراطورية، قصدها من أراد الاستيلاء على الشرق، فأي المدن والولايات إذا سقطت بيد محتل فلا تعني النهاية، وكم غازٍ قضم من الخلافة هذه الولاية أو تلك، وظلت سالمة، ورايتها مرفوعة، بسلامة بغداد، لذا لم يعلن عن سقوط الخلافة العباسية إلا بسقوط بغداد (1258م)، ولم تذع نهاية النظام السابق إلا بعد احتلال قلب بغداد (2003)، فالعاصمة من العصمة.

 

إنها عصمة العراق وأطرافه، وإلا إذا شعر أهل الحواضر والبوادي بالغربة فيها، فلا حرج على من يسعى للانفكاك عنها، وأحسبُ أن الشاعر أصاب: «إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ/ نصيب ولا حظ تمنى زوالها» (الثعالبي، فقه اللغة). هكذا يشعر الكردي والسني والتركماني والمسيحي وبقية الأقوام والأديان عندما يدخلون بغداد ويجدونها مكرسة لطائفة دون غيرها، الرايات السود تغطيها وطرقها مقطوعة بالحشود، والعُطل تفرض على مدار السنة، وتظهر سيدة برلمانية لتعلن، كدعاية انتخابية مفضوحة: «من الحق أن توضع رايات عاشوراء على مراكز الشرطة ومدرعات الجيش والمدارس والجامعات»! أقول: كيف، وقد تقرر في الدستور أن بغداد عاصمة اتحادية للعِراق كافة، وأن مدرعات الجيش والشرطة اتحادية أيضاً؟!

 

لا تحفل بغداد بما تحفل به نيودلهي مثلاً، من كثرة الأديان والمذاهب والأقوام، ومن المعلوم أن الهندوس يمثلون الأكثرية هناك، لكن لم يحصل أن احتفلت عاصمة الهند وتعطلت لعيد أو مناسبة هندوسية. ويخبرني الكاتب والأكاديمي الهندي المسلم الدكتور ذِكْر الرحمن: تصادف احتفال الشيعة بعاشوراء في إقليم البنغال الهندي مع عيد للهندوس، فقرر القضاء إلغاء عيد الهندوس، وعندما اعترضوا أُجيبوا بالقول بأن قرار القضاء يُبنى على التقارير التي تفيد بها إدارة الشرطة والأمن، ولهذا خضعت الأغلبية للحكم بلا أي اعتراض، فما زال الإقليم مختلطاً، إذن يجب الخضوع لمتطلبات الوضع الأمني والاجتماعي. وبهذه الروحية انتخبت الهند زين العابدين عبد الكلام رئيساً (ت 2015)، فأصبح رمز الهند مسلماً، ترأس (2002-2007) عشرات الأديان والمذاهب، وأغلبية هندوسية.

 

بحت أصوات وجهاء المذهب غير المنغمسين في الإسلام السياسي، يحذرون من ظاهرة التحشيد في المناسبات الدينية، وببغداد العاصمة، المفروض أنها اتحادية، بينما المنفعلون يردون: وهل هناك مَن يتضايق من رايات الحسين؟ أقول: نعم هناك من يتضايق، لأنها خاصة بمذهب دون غيره، ومن يريد لبغداد البقاء عاصمةً لدولة اتحادية، تمثل الأطياف كافة، عليه أن يحسب حساب سلبيات هذا التحشيد. يرى الآخر، وبمن فيهم أولئك العقلاء من فقهاء المذهب، أن بغداد وفق هذا الوضع لا تمثله.

 

لم تكن بغداد عاصمة، مع الحكم الوطني (1921)، إنما ورثت المكانة، وهذه إشارة لمن يرى بالعراق كياناً ملفقاً، لا صدر له ولا أطراف. لا نذهب في التاريخ بعيداً، ودعونا نلمح وضعها قبل عشرين عاماً من التأسيس الجديد، أي العام (1901)، يوم زارها المجتهد اللبناني محسن الأمين (ت 1952)، وقلب ناظره في أرجائها، فغمه الخراب، وقال: «تعجبتُ من وقوع ذلك في بلد فيه والٍ ومشير (قائد الفيلق العثماني)، وهو عاصمة البلاد» (أعيان الشيعة)، كذلك ورد في «مجلة المقطم» (عدد 31/3/1917) عشية سقوط بغداد بيد الجيش البريطاني: «قُضي الأمر في العراق وسقطت بغداد». لم يكن سقوط البصرة (1914) ولا غيرها سقوطاً للعراق، وإنما سقوط بغداد.

 

كانت بغداد قديماً عاصمة إمبراطورية، استدعي إليها الإمام أبو حنيفة (ت 150هـ)، وللأسباب نفسها استدعي الإمام موسى الكاظم (ت 183هـ)، فاقتسم رفاتهما جانبيها، الكرخ والرصافة، وجمع فيها الشريف الرضي (ت 406هـ) كتاب «نهج البلاغة»، وكان متصوفها معروف الكرخي (ت 200هـ)، وشاعرها المتمرد أبو نواس (ت 199هـ)، وجهان متضادان لها، فهي لا تقوى على أن تُحصر بسلوك واحد، وإلا كيف يؤسس الشيخ المفيد (ت 413هـ) المرجعية الإمامية بينما نقيضه المذهبي عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ) يُفتي بالأشعرية ويُصنف «الفرق بين الفرق»، إذا لم تكن بغداد قادرة على استيعاب المختلفين؟!

 

فإذا مُس وعُطل التعايش لم تعد بغداد عاصمةً حاميةً للبلاد مِن التفكك والانهيار. لنا بقول محمد بن عبد الملك الفقعسي الأسدي (عاش في عهد المأمون) ما يعبر به: «نفى النوم عني فالفؤاد كئيبُ/ نوائبُ همٍّ ما تزال تنوبُ/ وأحراضُ أمراضٍ ببغداد جمَّعت/ عليَّ وأنهارٌ لهنَّ قسيبُ» (الحموي، معجم البلدان). فمَن تعنيه وحدة العراق، ويعمل من أجلها، عليه السعي لبغداد اتحادية، قولاً وفعلاً. لتكن مؤسسات الدولة وطرقاتها وأماكنها العامة ملكاً للجميع، ومن يريد الاحتفال فليس أكثر من الأضرحة والمساجد، وخلاف ذلك لا حق لأحد في الاعتراض على من يريد إنهاء الشراكة. إن وحدة العراق تشترط بغداد اتحادية، خالية من خطاب وسلاح ومظهر طائفي شديد عليها.

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
7 الفوز للقيادة البارزانية!

 

 صالح القلاب    الجريدة الكويتية
       

ما يحدث هو استدراج لعواطف الكرد، وتوظيفها لإزاحة الرئيس مسعود البارزاني عن موقعه القيادي الرسمي والحزبي، الذي إذا أردنا قول الحقيقة، فإنه ورثه عن والده الملا مصطفى بجدارة، وأن البارزانيين لن يفرطوا به حتى إن “وصلت الدماء إلى الركب”.

 

ولعلنا نشاهد ونتابع كل هذه الحملة المسعورة التي يتعرض لها هذا الزعيم الكردي، خصوصاً من بعض القيادات الكردية التي ترى – بسبب وجوده – أنها ستبقى “عاطلة” عن العمل!

 

إن برهم صالح إنسان مثقف يتطابق مظهره الأنيق مع مخبره، وهو بالتأكيد أفضل مَن يترأس حكومة وحدة وطنية كردية، لاعتبارات موضوعية كثيرة، لكن موقع “الزعامة” الذي ورثه مسعود البارزاني عن والده الملا مصطفى شيء آخر، والمؤكد أن كل الـ “بهدنانيين”، ومعهم قطاع واسع من

 

الـ “صورانيين” سيقفون إلى جانبه؛ أولاً لأن عائلته واصلت تقديم التضحيات.

 

لذلك، ومع احترامنا للرئيس السابق لحكومة إقليم كردستان، فإنه مهما فعل سيبقى مجرد “جملة اعتراضية” في هذه الأزمة الطاحنة التي ترتبت على خطوة “الاستفتاء” الأخير، وإذا كان قد اختير رئيساً لوزراء الإقليم الكردي، فإنه لا يمكن أن يعود إلى هذا الموقع في انتخابات ستكون بمنزلة “كسر عظم”، كما هو متوقع منذ الآن.

 

رفع الصديق برهم صالح كدعاية انتخابية مبكرة شعار “الحدود التي ترسم بالدم تزال بالدم”، رداً على استعادة الحكومة العراقية الاتحادية حدوداً كانت قد فقدتها في أيام العسرة، ومن بينها منطقة كركوك المهمة، وهذا ستفهمه بغداد بأنه تلويح مبكر بالقوة، وسيفهمه “البارزيون” بأنه سعي لانتزاع حتى الحد الأدنى من التطلعات الكردية، التي إن “انتكست” هذه المرة، فإنها ستنجح بالتأكيد في المرات المقبلة، ولو بغير طريقة “الاستفتاء”، التي كان واضحاً منذ البدايات أنها محاولة فاشلة وغير موفقة.

 

وهكذا، فإنني أراهن منذ الآن، بالاستناد إلى معرفة عن قرب بالأوضاع الكردية التي تتحكم فيها ولاءات تاريخية عشائرية ومناطقية، على أن “كاك” مسعود سيخرج من هذا الاختبار الصعب أكثر قوة، مما يعني أنه على الأخ برهم صالح أن يعد إلى العشرة لا إلى الخمسة فقط، قبل أن يذهب بعيداً، إن ليس بمواقفه فبتصوراته، وهذا ينطبق على الآخرين من رئيس البرلمان الكردي وحتى نافال ابن جلال الطالباني الذي ما كان من الممكن أن تسعفه مناكفاته ضد “البارزيين”، لولا متغيرات الخريطة السياسية الإقليمية في السنوات الأخيرة.

 

إن الأفضل للأكراد، أكراد كردستان العراقية، ألا يذهبوا بعيداً في هذا التمزق الذي إن استمر، فإن ثمناً غالياً ستدفعه أجيالهم اللاحقة، وأن يغلّبوا العام على الخاص، ويعطوا الاهتمام للأولوية الأكثر أهمية، ويتحلوا بالواقعية ويكتفوا بما يستطيعون تحقيقه في ظل كل هذا التحشيد الإقليمي والدولي ضدهم، ويحافظوا، بقدر الإمكان، على وحدتهم الوطنية المهددة الآن أكثر من أي مرة سابقة في تاريخهم المعاصر.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
8 هل أفل نجم البارزاني وانتهى زمانه؟

 

 زيد شحاتة    الحياة السعودية
 

 

< يختلف الغرب في تقويمه القادة عنا نحن العرب، فهم يقيّمون زعماءهم بما يقدمونه من برامج ومشاريع ورؤى، ومقدار ما ينجزونه من تلك المشاريع، فيما نحن نتعامل معهم بشكل عاطفي مغلف، ربما بإطار عشائري، أو تاريخي، وربما عائلي، يضاف إليها بعد قومي وطائفي.

 

حضي البارزانيون بتقدير الكرد، لنضالهم القديم للمطالبة بالحقوق الكردية، وكُبر وأهمية دور العشيرة البرزانية في الحياة العامة الكردية، وبحكم كون الراحل الملا مصطفى البارزاني كان زعيماً لتلك القبيلة، صار هو الزعيم السياسي للكرد. ما حصل خلال الستينات والسبعينات من انتفاضات كردية وفشلها كلها ووفاة الملا الكبير وابنه إدريس، جعل قيادة العائلة تصل صافية إلى السيد مسعود من دون وجود منافس حقيقي له داخل العائلة البارزانية، وكذلك حصل على زعامة المناطق التابعة لحزبه بحكم زعامة العائلة للحزب.

 

زعامة «الكرد» كان ينافسه عليها الراحل جلال الطالباني، وهو حكاية أخرى.. لكن هذا التنافس، وقوة علاقات واعتدال وانفتاح الطالباني، أحدث توازناً في القرار الكردي. لكن مرض الطالباني المستمر، والانشقاقات التي عانى منها حزبه، جعل الساحة الكردية تخلو للبارزاني.

 

استغل السيد مسعود تلك الفرصة، فبنى شبكة علاقات دولية، حاول فيها أن يجعل دولة كردستان واقعاً عملياً، ليسهل عملية المطالبة وإعلانها لاحقاً. وما سهل عليه هذا، هو ضعف الحكومة العراقية، ودخول «داعش» عاملاً جديداً في المعادلة، أتاح له، التقدم باتجاه أراضٍ لم يكن ليحلم يوماً بالتمكن منها، فصار إعلان الدولة أيسر وأسهل، أو هكذا ظن. فأقدم على خطوة الاستفتاء.

 

لكن الوضع الإقليمي والدولي كان يعطي قراءات تختلف عما تأمله السيد مسعود، وقوة العامل الإيراني – التركي، مع ضعف وتذبذب موقف حليفه المعتمد، أميركا، وحكمة وذكاء الحكومة العراقية، جعل التجربة تؤد في بداياتها. فتخلى عنه من كان يظنهم حلفاءه، وتبرأ منه من كان يعاني من سطوة مسعود وتفرده بالحكم. فصارت نكسة كبيرة لحكمه وقيادته للكرد.. فكيف سيكون وضع زعامة مسعود للكرد الآن؟ وما هو مستقبله السياسي؟

 

من الواضح أن الحكومة العراقية لن تتعامل معه قريباً، وكذلك الشق الثاني من الكرد، هم أتباع حزب الطالباني الراحل وعائلته، وتأكيداته المتكررة أنه سيتحمل المسؤولية كاملة عن نتائج الاستفتاء، وكانت النتيجة انكساراً كبيراً ضيع، ليس حلم الدولة، بل وكل المكتسبات، التي حققها الكرد منذ عام 2003 إلى حد الآن، ولا ننسى الخسارة الكبيرة بفقدان حليفهم الأكبر داخلياً، وهم الشيعة. كل هذا، جعله فريسة سهلة لخصومة، وربما يسهل استبداله.

 

قضية استبدال الزعماء ليست بتلك السهولة، إلا إن قروا هم ذلك، أو أرادت قوى كبرى استبدالهم عند وجود البديل المناسب. وحالياً هناك أكثر من بديل قد يبدو مقبولاً، كابن أخيه نجيرفان، أو ربما ابنه مسرور، على رغم ما يحاول إعلامه أن يظهره زعيماً تاريخياً حاول تحقيق الحلم الكردي، لكن الكرد باتوا مقتنعين أن عناده وتفرده بالقرار سبب خسارة ربما لن تعوض للكرد. فما الذي سيقرره مسعود البارزاني في مستقبله؟ وما هو رأي حزبه وعائلته؟ وما الذي ستقرره أميركا بخصوصه؟

 

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
9السعودية والعراق.. مستقبل الأمل والعمل

 

 علي القاسمي

 

 صحيفة الحياة السعودية
 

< أن يعود بلد عملاق كالعراق إلى حضنه العربي فذاك محفز ومشجع على أن تسير المنطقة لمحطات الأمن والاستقرار، وفي الوقت ذاته يدفع للانطلاق سوية نحو مستقبل وان احيط بالتحديات والتهديدات، الا أنه يمكن مقارعتها وهزيمتها في ظل التطلعات المشتركة والطموحات المتوازية وانتهاز الفرص التاريخية الجديرة بالتثمين والترحيب والتفاعل والتفاؤل.

الارتباط التاريخي والجغرافي للسعودية مع الجار العراقي يتجاوز حاجز المصالح المشتركة لما هو أهم من أواصر ومفاهيم الأخوة والدم والمصير الواحد وما يفتح من بوابات الخير في هذه الأجواء الصحية ليس لمصلحة البلدين الشقيقين فقط بل لأمة كثرت جراحها وبات انعدام الاستقرار في مساحة منها باعثاً للقلق والحزن ودافعاً لضرورة اعادة التفكير في ما يعيد الأمور الى نصابها ويحافظ على التوازن بين الأشقاء ويصنع القوة على أكثر من صعيد.  ما أجمل أن نستعيد عراق العروبة وملتقى الحضارات، هذه الاستعادة في عهدة مجلس تنسيقي مشترك سيكون الحمل عليه ثقيلاً ويعول عليه أن يسعى بكامل الجهد والامكانات لتفعيل وانجاح ما يشكل المنعطف التاريخي الأهم لمستقبل الوطن العربي، ويظل يوم تأسيس هذا المجلس بمثابة اليوم التاريخي لنقل العراق الى مستقبل ظل يفتش عنه كثيراً، هذا المجلس ينتظر منه المضي بالعلاقات السعودية – العراقية وعلى كل المستويات للأعلى وبناء ثقل كان من الذكاء الالتفات والحماسة له توقيتاً وزماناً ومكاناً.

ثمة ملفات كثيرة كانت غير قابلة للنقاش والتفاوض والبحث حين غُلبت حكايات كثيرة وركنت المصالح المشتركة لتناثر المزعجات والمخاطر في الطريق الرابط بين بلدين، ولا أهم حينها  من الأمن كخط أحمر لا يقبل المساس به أبداً ويستحق ان نكون ازاءه بطريقة تعامل مختلفة وتفكير صارم لا يقبل المجاملة ولا أنصاف الحلول.  العراق وهو على مشارف نفض الارهاب من جنباته ومساحاته الغنية الثرية بالتاريخ والرجال كان في أمس الحاجة لمن يقف معه في اللحظة المنتظرة والمنحنى الحاسم في مشواره العصي تجاه من حاول استثمار ضعفه ونهب ثرواته والمزايدة به وعليه في اشعال الحرائق ومنعه من الوقوف على الأقدام واجباره على العيش تحت رحمة التدخلات والتقسيمات والعيش في نفق النزاعات والصراعات، وكانت السعودية بطبيعة الحال وكما هي تعلن للتاريخ دوماً انها الجار الصدوق والضيف المعزز المكرم على الدوام.

التحديات المقبلة والتي يعي الشقيقان أن عليهما مواجهتها بالتقارب والتنسيق ليست تحديات سهلة على المطلق وعلى رأس هذه التحديات يقف الارهاب والتطرف وهما اللذان مزقا ما كان عصياً على التمزق والتفتت،  هذا التقارب يزيد من غيظ الأعداء ومحاولتهم المستميتة لإفساد كل حبال الجد في التعاون والصدق في مد اليد، سيكون مزعجاً لعشاق المؤامرات وهواة التدخل في شؤون الآخرين أن يكون بلدان بحجم السعودية والعراق على وفاق صريح معلن، ونحو تكامل في العلاقات والعيش بسلام وفتح صفحات من التعاون وتوحيد الجهود بغية أن يكون الأمن سيد المرحلة، والتنمية خريطة الطريق والنوايا الطيبة عنواناً عريضاً في ظل أن المستقبل يتحدث بلغة ود وثقة وعهد جديد بين شقيقين «الرياض.. بغداد».

 

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
10مستقبل كردستان العراق واعد

 

 رانج علاء الدين صحيفة «فورين أفيرز» الأميركية
 

 

قبل أربعة أيام، نشرت بغداد آلاف من قواتها وميليشيات الحشد الشعبي في كركوك، وهي منطقة متنازعة بين حكومة إقليم كردستان والعاصمة العراقية. وإثر اشتباكات تلت رفض حكومة إقليم كردستان تسليم المحافظة، أمسكت بغداد بمقاليد هذه المنطقة الغنية بالنفط. وكركوك غنية بنحو تسعة بلايين برميل نفط وهي مركز منشآت ومرافق استراتيجية، منها آبار نفطية ومطار وقاعدة «كي- ا» العسكرية البارزة. وتاريخياً غلب الكرد على سكان كركوك، ولكن نظام البعث الصدامي نقل عائلات عربية إلى المنطقة للتلاعب بالتوازنات السكانية. وكانت بغداد وإقليم كردستان تتشاركان إدارة المحافظة هذه إلى أن آلت السيطرة عليها إلى إقليم كردستان، إثر انسحاب الجيش العراقي من المحافظة هذه في 2014 بعد تمدد داعش في شمال العراق. فسارع الأكراد إلى ملء الفراغ الأمني في كركوك. وترى بغداد أن بقاء كركوك في أيدي الأكراد إلى ما لا نهاية كان ليرجح كفة كردستان، في وقت أن الدولة العراقية ضعيفة وتواجه الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة في بغداد أزمة سلطة.

 

وخلص مراقبون إلى أن خسارة الأكراد كركوك تعيد مشروع بناء الدولة الكردية عقداً إلى الوراء بعد أسابيع على الاستفتاء على الاستقلال. ولكن ما جرى ليس خاتمة مطاف كردستان، وليس المعركة الأخيرة في سبيل كركوك. والحق يقال أن أزمة وجودية تهز أوصال العراق. والأزمة ناجمة عن مؤسساته الضعيفة أو المنهارة، والنزاعات الطائفية، وتهديد المجموعات «الجهادية» المزمن.

 

ولم تشجب واشنطن الحملة على كركوك. ووراء القبول بحملة بغداد هذه هو حسبان أنها سترجح كفة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على كفة الفصائل الشيعية المتطرفة المنحازة إلى إيران. فإذا ظهر العبادي في مظهر القوي، زادت حظوظ فوزه بالانتخابات المقبلة. ولكن هذا الحسبان ليس في محله. فميليشيات الحشد الشعبي انضمت إلى القوات الأمنية العراقية في كركوك، وهذا الانضمام يشي بأن العبادي نفسه غير واثق في قدرة القوات العراقية التقليدية على استعادة المحافظة في معزل عن دعم الميليشيات. ولكن هذه الخطوة مغامرة وتهدد مكانة العبادي. فالفصائل الموالية لإيران وخصوم العبادي في حزب «الدعوة»، منهم النافذ رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، لم تكل عن السعي إلى إنهاء ولايته منذ 2014 إلى يومنا هذا من طريق انتهاج المواجهة مع الأكراد والعرب السنّة وفصائل شيعية. وهذه المساعي رمت، إلى حد بعيد، إلى الحؤول دون إخراج العبادي صورته على أنه قائد جامع للعراقيين وصاحب نفوذ كبير قبل انتخابات نيسان (أبريل) 2018. والفوز في كركوك لن يحمي العبادي من السقوط بل يعبد الطريق أمام أفوله. فانتصار كركوك نفخ في قوة «الحشد الشعبي». وبعد ساعات على السيطرة على كركوك، وعلى رغم مزاعم بغداد أن القوات الأمنية العراقية هي التي تنتشر فحسب هناك، نكست قيادة فيلق بدر، ميليشيات أسسها الحرس الثوري الإيراني في الثمانينات، و «كتائب حزب الله»، علم كردستان عن مبنى مجلس البلدية.

 

ورصت سيطرة إقليم كردستان على كركوك صفوف الفصائل الشيعية العراقية، ولكن تحالفها لن يدوم، مع تعاظم النزاع في أوساط الطبقة السياسية الشيعية على الدولة العراقية ومواردها. فالعبادي يواجه ضغوط المالكي والميليشيات الإيرانية الولاء، من جهة، ومن جهة أخرى، مقاومة مقتدى الصدر، وهو على رأس حركة سياسية اجتماعية قوية وسبق له أن جند مئات الآلاف ضد الحكومة في العامين الماضيين. ففي العراق، السلطة موزعة على أحزاب وميليشيات وقبائل ورجال دين. ومثل هذا التوزيع يحيل الدولة العراقية ووزاراتها إلى شبكات زبائنية فحسب. ومنذ إطاحة نظام صدام حسين، نجم عن الانتخابات ائتلافات حاكمة وتقاسم للسلطة بين الطوائف ومساومات كبيرة وصفقات بين الفصائل الاتنية- المذهبية. وكان في الإمكان أن يفضي مثل هذا التقاسم إلى حكم لا يقصي طائفة من العراقيين، في غياب الوحدة الوطنية، ولكنه أفضى إلى طريق سياسي مسدود.

 

ويساهم تعثر عجلة النظام العراقي عن الدوران في تعزيز قدرة الأكراد على التفاوض. فمنذ 2003، لم تشكل أي حكومة عراقية من دون مشاركة الأكراد. وعلى رغم أن الأكراد خسروا مقاليد كركوك، إلا أن لا غنى عنهم في عملية تشكيل أي حكومة في بغداد، بعد الانتخابات المرتقبة. وقد تقصي بغداد الأكراد عن الائتلاف الحكومي. ولكن عواقب مثل هذا الإقصاء كارثية على العراق، ويرجح أن يرفضه العرب السنة والشيعة على حد سواء، ولن تقبل به تركيا ولا الولايات المتحدة ولا العالم العربي مخافة ترجيح أكثر فأكثر كفة العناصر الموالية لإيران في الطبقة السياسية والطعن في مشروعية الدولة العراقية.

 

وعلى المستوى الإقليمي، يرجح أن يصمد كردستان في وجه العاصفة. ووراء هذه القدرة على الصمود تقلب أحوال الشرق الأوسط والنزاع بين إيران وتركيا على الهيمنة. ولا شك في أن أنقرة وطهران أجمعتا على رفض الاستفتاء، ودعمتا العملية في كركوك. ولكن مواقف أنقرة وبغداد وطهران لن تبقى مرصوصة في وجه إقليم كردستان على الأمد الطويل. ففي شمال العراق، تتنازع مجموعات تدعمها تركيا وإيران السيطرة على أراض استراتيجية غنية بالموارد على الحدود مع سورية، حيث تتواجه هناك تركيا وإيران. وحكومة كردستان العراق هي، منذ عقود، وسيط بارز في التعامل مع المجموعات الكردية المقيمة في تركيا وإيران ومكافحتها. وفي حسابات تركيا، هذا الإقليم حيوي في احتواء «حزب العمال الكردستاني». وتجبه إيران حزب «بيجاك»، وهو توأم «العمال الكردستاني» في إيران، والحزب «الديموقراطي الكردستاني الإيراني». وهذا يستضيفه إقليم كردستان، وأفلحت مساعي القيادات الكردية العراقية في ثنيه عن خوض نزاع شامل مع طهران. وشبكة العلاقات الشخصية الكردية والتنظيمية كانت جسر إيران وتركيا إلى وسائل غير عنيفة وفعالة في إدارة الخلافات الداخلية الكردية. وتقويض مكانة حكومة كردستان العراق يضعف دورها هذا. ويتوقع أن يحتدم التنافس قريباً بين كل من أنقرة وطهران على علاقات أمتن بحكومة كردستان لقلب موازين القوى في المنطقة وحماية أنفسهما مما يلي الحملات العسكرية على داعش في سورية والعراق.

 

ولن يطول الأمر قبل أن تدرك بغداد حجم التحديات التي تترتب على نفخها في التوترات الاتنية والمذهبية في محافظة سبق أن عجزت في توجيه دفتها وإرساء الاستقرار فيها، ناهيك عن السيطرة عليها. خلاصة القول إن الأكراد ليسوا أمام ازمة وجودية مثلما هو العراق المقسم بين مراكز قوى، والذي يواجه استياء العرب السنّة واحتمال انبعاث داعش من جديد.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
11كركوك… بطن العراق الولّادة لحروب وشيكة

 

 حازم الامين صحيفة الحياة السعودية
 

 

ما حصل في كركوك هذا الأسبوع امتداد لعدم انسجام أصلي وجوهري لم يكف العراق عن مراكمة صور عنه منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003. ولشدة ما جادت علينا بلاد الرافدين بالمشاهد الدموية، صار يمكن المرء أن يخاف على نفسه من الانزلاق إلى قناعة مفادها أن «وحدة» هذا البلد يعوزها دائماً صدام ما لكي تلتئم، وأن ثمن الوحدة ليس أقل من ثمن الفرقة والشقاق.

 

لامرئ مثلي أن يعود بذاكرته قليلاً إلى البدايات المؤسسة عراقَ ما بعد صدام. فالتجربة انطوت على ما لا يحصى من عناصر عدم الانسجام. منذ اليوم الأول للسقوط، وقبله بقليل. القتال حصل حينذاك متجاوزاً حدود انقسام لا تنسجم مع وجهة تقدم القوات. لم يحصل ذلك على نحو افتراضي. كانت له مشاهد مباشرة على أرض المعركة. آنذاك مثلاً دُعينا نحن الصحافيين إلى منطقة قريبة من مدينة حلبجة الكردية لنشهد عرضاً عسكرياً لكتائب المجلس الأعلى الإسلامي الآتية إلى المنطقة عبر الحدود مع إيران. كان عادل عبد المهدي على رأس منصة العرض، وحضر ممثلون عن الأحزاب الكردية. وليس بعيداً من حلبجة، وفي اليوم الذي سبق العرض، كنا ذهبنا إلى منطقة لنغطي فيها بداية وصول المظليين الأميركيين إلى شمال العراق ولينطلقوا من هناك إلى كركوك. كان عدم الانسجام شديداً في المشهدين. مقاتلون من طهران وآخرون من واشنطن، عدوان يقاتلان عدواً، وكان من المفترض أن يكون سقوط صدام مقدمة لسقوط منظومة كاملة ليست طهران بعيدة منها.

 

منذ ذلك الوقت، كانت خطوط عدم الانسجام قائمة. كانت طهران ترسل الكتائب الشيعية، وكان الأميركيون متوجهين إلى بغداد. وكان الصمت وسيلة التعبير الوحيدة عن هذا المشهد غير المنسجم، والذي ينطوي على انفجار وشيك. وما أكثر الانفجارات التي أعقبته!

 

الأكراد أيضاً لم يقيموا وزناً للتناقض الجوهري في مشهد الحرب على صدام حسين. لا بل إنهم صمتوا على انقسامهم الخاص الذي بدا أن الحرب تجاوزته. أربيل والسليمانية اعتقدتا أن الوحدة صارت حقيقة بفعل الانتصار المرتقب. لكن في الساعة الأولى لسقوط كركوك، تسابق الحزبان الكرديان (الديموقراطي والاتحاد الوطني) على من سيصل إلى المدينة قبل الآخر ويزرع أعلامه في ساحاتها.

 

كل شيء في العراق امتداد لتاريخ دموي، وهو يقع على خطوط انقسام لا تلبث أن تستيقظ في أقرب فرصة تلوح. كركوك خريطة انقسامات قبل أن تكون خريطة سكن وعيش وإقامة وحقول نفط. انقسام عربي – كردي، وشيعي – سني، وتركماني – كردستاني، وانقسام محليين ومستوطنين. تنظيم «القاعدة» وجد له في المدينة والمحافظة موطئ قدم، و «داعش» وجد لاحقاً ذلك. الحشد الشعبي الشيعي بنى نفوذاً في أوساط التركمان الشيعة، وبين المستوطنين الذين كان صدام حسين قد أتى بهم من جنوب العراق أثناء مساعيه لتعريب المدينة. الأكراد طبعاً يعتبرون كركوك قدسهم، وللجيش التركي قاعدة عسكرية هناك وظيفتها حماية «مصالح» أنقرة وتركمانها.

 

كل هذه التناقضات لم تكف يوماً عن الاشتغال منذ ســـاعة الســـقوط الأولى، وعليك لكي تستوعب ما حصل في كركوك هذا الأسبوع أن تستعرض شريط الانقسامات هذا، لا بل أن تضيف إليه مزيداً من المشاهد. فقد أضيفت إلى خطوط الانقسام مصالح دول الجوار. أنقرة لا تريد كركوك في إقليم كردستان، وطهران تريدها جزءاً من دولة العراق الشيعية. التقت مصلحتا العاصمتين عند الرغبة في تأديب الأكراد، لكن المصلحتين لن تلبثا أن تفترقا عند خط الانقسام الشيعي – السني. الموقع الأميركي أيضاً لا يقل غرابة. واشنطن باشرت حملة هائلة على طهران، لكنها في كركوك غير بعيدة من الموقع الإيراني. النزاع سابق على كركوك ولن يكف عن الاشتغال بعدها. ما حصل في المدينة هذا الأسبوع ليس أكثر من محطة تفاهم طفيف ستُستأنف بعده الحروب.

 

من الصعب على المرء أن يضع هذه الخريطة أمامه ليحاول أن يتوقع شكل الحرب المقبلة. الأكيد أن حروباً تلوح في محيط المدينة، وأنها لن تنجو من مصير الموصل. فلا سابقة انتصار مديد في المنطقة، وهزيمة الأكراد ليست نهائية والصراع بين واشنطن وطهران سيبحث عن أدواته المحلية، ناهيك بأن مسعود بارزاني سيجد منفذاً إلى أنقرة. هذه توقعات قد تطيحها انفجارات متوقعة في العلاقات الكردية – الكردية، أو انزياح في الموقع التركي بدأت ملامح منه تظهر في سورية، لكن ذلك سيأتي أيضاً في سياق إنتاج مزيد من التناقضات المؤسسة لحروب جديدة.

 

في مشهد كركوك اليوم خطأ لا يمكن مراقباً تجاوزه. ما حصل في المدينة هذا الأسبوع عزز اختلالاً في فكرة عراق ما بعد صدام حسين. هزيمة هائلة للأكراد في المدينة، وليس بعيداً منها، أي في الموصل، هزيمة هائلة للعرب السنّة. هزيمتان بهذا الحجم في منطقة لا قواعد اجتماعية ومذهبية فيها للمنتصرين. فقط لحظة التقاء مصالح غير عراقية وفرت شروط النصر الشيعي والهزيمة الكردية والسنّية. وهذه اللحظة عرضة للتبدد والانقضاء في أقرب فرصة، ستعيد بعدها كركوك، والموصل أيضاً، رسم خريطة نفوذ مختلفة ومعمدة بدماء جديدة.

 

ليس هذا مجرد توقع، فالخلل الذي ولد من خلل لا أحد يُنكره، واقتصار المعالجة على قرار انسحاب الحشد الشعبي وتسليم المدينة إلى الجيش الاتحادي تكشف مدى انعدام القدرة على استباق الحروب.

 

كشف الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان هشاشة الوضع الداخلي الكردي، وأن الأكراد أيضاً فشلوا في إنتاج تجربة مختلفة عن تجارب الجوار، لكنه كشف أيضاً أن ثمن وحدة العراق أكبر بكثير من ثمن تقسيمه، وأن معظم الجماعات لا ترغب في أن تعيش مع بعضها بعضاً. ليس هذا جديداً على الأرجح، لكن دائماً وجد من يفرض «الوحدة» من خارج هذه الرغبات. صدام فعلها بالدماء وبالسلاح الكيماوي، وها هو قاسم سليماني يكرر الفعلة. لكن للفارق الزمني بين الوحدتين دوراً في تقصير عمر الوحدة بصيغتها الإيرانية. لقد صار عمر الخطأ أقصر، لكن ما يعقب هذا الانقضاء لن يكون صواباً بالضرورة.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
12أطفال «الدواعش» في العراق… إنسانية وأمن

 

 مؤيد جبار حسن صحيفة الحياة السعودية
 

 

ترك تنظيم «داعش» الإرهابي مع انهزامه من محافظات العراق التي احتلها سابقاً، العديد من الألغام والبيوت والسيارات المفخخة، لكنه خلّف ما هو أخطر وأصعب من ذلك كله، إنهم أطفاله.

 

عند دخول «الدواعش» أرض العراق وانكسار الجيش أمامهم، استقر لهم الوضع، وطاب لهم العيش، فذهبوا لإشباع رغباتهم وشهواتهم من نساء البلد أو من المهاجرات العربيات والأجنبيات. وكانت نتيجة هذه الزيجات المشوهة العديد من الأطفال، لا يعرف عددهم على وجه التحديد، لكن من المتوقع أن يكون يمين الرقم أكثر من ثلاثة أصفار.

 

هؤلاء الأطفال يمثلون مشكلة للعراق، كونه لا يستطيع محاكمتهم بسبب عمرهم وبتهمة لم يرتكبوها هم. والآن البلاد تدّعي تطبيق حقوق الإنسان وحماية الطفولة أول شروطها. كذلك لا تستطيع بغداد تجاهلهم وإهمالهم، لما يمثلونه من قنابل موقوتة وخطر على الأمن القومي العراقي.

 

غالبية صغار «داعش» يتامى، قُتل آباؤهم أو أمهاتهم أثناء المعارك مع القوات العراقية، والأسرى منهم سيواجهون عقوبة الإعدام. فبالتالي لا معيل لهم ولا أسرة تؤويهم. ومع الظرف الأمني الذي استتبع تحرير المناطق العراقية من «داعش»، قام الأهالي المتضررون من جرائم التنظيم بتهديد عوائل المنتمين له بترك بيوتهم أو الموت. كما فعل أهالي القيارة بتهجير عوائل الدواعش من مناطقهم.

 

العقوبات المجتمعية تركتها الحكومة تأخذ مداها، حكمة منها لتخفيف التوتر هناك، أو ضعفاً في فرض هيبة القانون وسطوته، فانبرى كل صاحب حق للمطالبة بحقه بيده. لكن بالطبع على السلطات أن تسترجع سريعاً المبادرة في فرض الأمن المجتمعي وعدم تركه لأهواء السكان هناك.

 

وفي موضوع الأطفال من زيجات داعشية، على المسؤولين في الدولة العراقية أن يحسنوا التعامل مع هذه القضية، من منطلقات إسلامية أو منطلقات حقوق الإنسان والطفل، عبر درس حالة كل طفل على حدة، فمن لا أسرة له تحتضنه يجب إيواؤه في دار للأيتام، ومن له أقارب يتم تسليمه لهم ومراقبة حالته بصورة دورية، ومن كان لأبوين أجنبيين يُسلّم إلى دولة أبيه، إن طالبت به الأخيرة.

 

الخيارات كثيرة لمعالجة حالة أطفال مقاتلي «داعش»، لكن على قادة العراق وعقلائه عدم تجاهل هذه الفئة الخطيرة التي زُرعت داخل نسيج المجتمع العراقي، فالطفل التي أخرجه أفراد القوات الأمنية من تحت الانقاض ونهض وهو يشير إلى علم العراق بعلم المرتدين، تعرض لغسل دماغ كبير.

 

وجلّ ما يُخشى منه أن يلج هؤلاء الصغار الأبرياء دوامة المنازعات والمناكفات السياسية، ويصبحوا وجبة دسمة على موائد الأخوة الأعداء النهمة، ويتلقفهم الطائفيون لتثير فئة منهم سخط جمهورها بمن يريد الاعتناء بأبناء «الدواعش»، وتستغل فئة أخرى تعاطف متابعيها بأطفال قد يجري الانتقام منهم بجريرة آبائهم وأمهاتهم.

 

وكما أن الدولة كيان مجرد مبني على أسس قانونية، يجب أن يكون تعامل الدولة مع قضاياها في شكل موضوعي ومجرد، بعيداً من العاطفة والانجرار وراءها، وما قد يسببه الفعل الأخير من مآس وتعقيدات. لذا على الحكومة العراقية أن تتحلى بالشجاعة والقوة وهي تواجه مخلفات «داعش»، وأن لا تتقدم مصلحة على مصلحة الوطن، ومن نتائج تحقيق الأخيرة الحفاظ على الأمن القومي والسلم الأهلي والمجتمعي من كل طارئ أو دخيل. والتعامل بحكمة وشفافية مع قضية أطفال «داعش» يصبّ في هذا الاتجاه.

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
13دولة كردستان مصلحة عربية

 

 خالد ديريك صحيفة الحياة السعودية
 

أحدث الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق على الاستقلال زلزالاً. فقد بدأت حكومة بغداد تنسق مع كل من إيران وتركيا، على رغم الخلافات العميقة مع الأخيرة، بهدف خنق إقليم كردستان اقتصادياً وهدم نتائج الاستفتاء وإنهاء حلم الاستقلال.

 

كان الأحرى بالعراق ألا يغلق باب المفاوضات وألا يفرض العقوبات وألا يستقوي بالخارج. صحيح أن تركيا تخشى على أمنها الداخلي، كما إيران، لوجود ملايين الأكراد ضمن حدودهما الدولية، وليس حباً بالعراق الذي انتهكت إيران وتركيا سيادته، فيما تتحين أنقرة الفرص لإيجاد موطئ قدم لها هناك، وهي التي لا تخفي مطامعها وأحقيتها في الموصل وكركوك، سواء بحجة «عثمانيتهما»، أم لوجود أقلية تركمانية فيهما لحمايتها.

 

تحاول الدول الثلاث (تركيا، إيران، العراق) أن يتراجع إقليم كردستان عن قرار الاستقلال، عبر التهديد والوعيد بالحصار التام براً وجواً، من خلال قطع المنافذ الحدودية وفرض حظر الطيران وإيقاف ضخ النفط وإجراء المناورات العسكرية على حدوده بهدف إدخال الفزع إلى القلوب المواطنين، بالتالي إحداث الشرخ الداخلي بين الأحزاب والقوى الكردية أو دفعها إلى إعلان الاستسلام، وإلغاء قرار الاستقلال والرضوخ للحكومة العراقية وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن القضية ليس عمرها مئة عام، وإذا لم يتحقق كل ذلك فمن الصعب أن نجد في الوقت الراهن عملاً عسكرياً مشتركاً إيرانياً تركياً ضد إقليم كردستان. كما إنه ليس بالأمر السهل أن تبدأ واحدة منهما بالعمل العسكري منفردة قبل أخرى بسبب حالة الشك والريبة وعدم الثقة بين الطرفين وما سيترتب عن هذا الهجوم من تداعيات على أمنهما الداخلي وخسارة ملايين الدولارات من تعاملاتهما الاقتصادية مع كردستان. زد على ذلك رفض المجتمع الدولي لأي عمل عسكري واسع النطاق في منطقة مضطربة أصلاً.

 

تشعر كل من تركيا وإيران بإن جارتها تدفعها للانجرار إلى مستنقع الهجوم على إقليم كردستان لتوهنها، وذلك استناداً إلى حساباتهما الطائفية ومنافستهما التوسعية. قد تدفعان بالعراقيين ليكونوا كبش الفداء، وأداة لتنفيذ خططهما من خلال تحريض الميليشيات والخلايا التابعة لهما في المناطق المستقطعة لتحدث حرباً بين العرب والأكراد لتسهل دخولهما بحجة إرساء الأمن. أما إذا فشلت ضغوطهما وخططهما، فإنهما تريدان إبقاء الإقليم كما كان قبل 25-9-2017، سواء استقل أم لا، أي الحصول على الضمانات للإبقاء على مصالحهما التجارية مع كردستان «سوقاً لشركات الدولتين وبضائعهما»، إضافة إلى ضبط الأحزاب الكردية الثورية المناوئة لهما قدر المستطاع والتي يتخذ بعضها من جبال كردستان-ـ العراق مقرات عسكرية له.

 

لكن كيف يمكن فك الحصار؟

 

بلا شك سيكون الحصار قاسياً إذا استمر طويلاً، لكن يحدو إقليم كردستان الأمل من الشركات النفطية الضخمة التي تعمل على أراضيه والتي لها علاقات مع الدول الكبرى، ومنها شركة «روسنفت» الروسية التي أبرمت قبل إجراء الاستفتاء بأيام قليلة صفقات ضخمة للتنقيب عن النفط والغاز وضخهما عبر تركيا، وهل تمت هذه الصفقة من دون علم تركيا؟ فإذا لم توافق تركيا أن تشحن شركة «روزنفت» النفط الكردي عبر أراضيها، فقد تمد الشركة وغيرها أنابيب عبر مناطق روجافا شمال سورية إلى البحر المتوسط بموافقة دمشق وموسكو.

 

ويبقى خيار آخر وهو الأصعب، أن تمد الشركات النفطية أنابيب عبر روجافا شرق سورية إلى الأردن ومنه إلى إسرائيل أو إلى ميناء العقبة الأردني بإرادة أميركية وأردنية وإسرائيلية، وهذا يحتاج إلى تحرير المناطق التي تمتد من مناطق سيطرة قوات سورية الديموقراطية إلى الحدود الأردنية.

 

لماذا لا يبادر العرب من أجل مصالحهم الجيوسياسية؟

 

إن العلاقات بين الأكراد والشعوب المحيطة بهم هي علاقات اجتماعية ومصاهرة، التاريخ المتداخل والجوار الجغرافي، على رغم المآسي التي تلقوها من الأنظمة المتعاقبة التي تحكمهم منذ عقود. فالأجدر بالعرب أن يبادروا إلى فتح باب أفضل العلاقات مع الأكراد، الذين لم يحتلوا المدن والأمصار لأحد، لا عربية ولا غيرها، بل ساهموا في نهضة الشعوب المجاورة وثقافتهم خصوصاً العرب، وقادوا ثورات من أجل جلاء المستعمرين عن بلدان صنعها اتفاق سايكس- بيكو ومزقت وطنهم أيضاً. وغني عن التعريف القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي الذي قاد دولة كبيرة وحرر فلسطين والقدس.

 

كما أن الدولة الكردية ستكون بمثابة الحصن الشمالي للعرب، وستشكل الحاجز الجغرافي الأكبر أمام التمددين الإيراني والتركي الطامعين ببعث العثمانية والفارسية.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 14عودة العراق وسقوط طهران..

 

 هاني الظاهري صحيفة عكاظ السعودية
  

من شاهد اللقاءات التلفزيونية التي أجريت مع المواطنين العراقيين الذين زاروا الجناح السعودي في معرض بغداد الدولي قبل أيام، يمكنه أن يفهم بكل بساطة معنى قوة أواصر الدم والتاريخ بين العراقيين والسعوديين، رغم كل الخلافات والتناقضات والقطيعة السياسية التي شهدتها العقود الثلاثة الماضية بين البلدين.

 

رحب العراقيون بإخوتهم السعوديين ترحيبا كبيرا هو ترحيب الشقيق بشقيقه بعد طول غياب، أحدهم وهو رجل عراقي يبدو في الستينات من عمره أطلق دموعه أمام الكاميرات فرحاً برؤية سعوديين بزيهم الوطني في قلب بغداد بعد 27 سنة من القطيعة، مرددا بأعلى صوته حمدا لله على سلامتكم عدنا لكم وعدتم لنا أنتم قادة الأمة الإسلامية والعربية.

 

مشاهد قليلة نقلتها وسائل الإعلام لكنها ذات تأثير كبير وتحمل رسائل شعبية تقلق مضاجع كل القوى الإقليمية التي استفادت من قطيعة البلدين وبنت الكثير من المصالح على ذلك وفي مقدمتها حكومة الشر الإيرانية التي اعتقدت أنها انتهت تماما من سلخ عروبة العراق وتحويله إلى ولاية إيرانية تصلي باتجاه طهران.

 

على المستوى السياسي جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للرياض والإعلان عن تأسيس مجلس التنسيق بين البلدين كضربة حقيقية للإيرانيين الذين شعروا أنهم تلقوا صفعة مباغتة ومؤلمة من بغداد، ما دفعهم لتوجيه قادة مليشياتهم في العراق لإطلاق تصريحات ساذجة ولاجدوى منها ترفض التقارب العراقي السعودي.

 

القلق الإيراني ازداد حدة بعد تصريح وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير الخارجية السعودي في الرياض، إذ دعا بشكل صريح كافة المليشيات الإيرانية الموجودة في العراق إلى مغادرته فورا، قائلا «إن على جميع المقاتلين الأجانب في ذلك البلد العودة إلى ديارهم»، مضيفاً أن التقارب بين الرياض وبغداد «سيعالج التأثيرات غير المنتجة لإيران داخل العراق».

 

يأتي كل هذا في الوقت الذي تحولت فيه سياسة واشنطن تجاه طهران من الاتفاق إلى الصدام العلني بكل قوة من خلال إستراتيجية الرئيس ترمب الجديدة في التعامل مع الملف الإيراني التي تؤيدها الرياض، وهو ما أكده تيلرسون في العاصمة السعودية عندما شكر خادم الحرمين الشريفين على تأييده للموقف الأمريكي والعقوبات على الحرس الثوري، متمنيا انضمام أوروبا إلى نظام عقوبات «يحظر بعض أنشطة الحرس الثوري الإيراني التي تثير عدم الاستقرار في المنطقة وتخلق الدمار فيها، كما في حالة مشاركتهم في اليمن ومشاركتهم في سوريا أيضاً».

 

كل ما سبق يؤكد بدء العد التنازلي لنهاية نظام الشر الإيراني، ويؤكد قبل ذلك على علو كعب السياسة السعودية التي تتفرد اليوم بإعادة تشكيل صورة المنطقة وإخراجها من دوامة الفوضى غير الخلاقة.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 15المجلس التنسيقي واستقرار العراق

 

 افتتاحية  اليوم السعودية
 

 

لا شك أن إنشاء المجلس التنسيقي (السعودي – العراقي) الذي أقره مجلس الوزراء في منتصف أغسطس المنفرط، مما يعزز سمو العلاقات بين البلدين الشقيقين من جانب، ونهوض العراق وتعزيز استقراره من جانب آخر، كما أن المجلس سوف يلجم النظام الإيراني عن ممارسة تصديره لثورته الدموية للعراق وغيرها من دول المنطقة.

 

وتؤكد الأوساط السياسية داخل الوطن العربي وخارجه أن التدخل الإيراني في شؤون العراق أدى إلى إطالة أمد النزاعات الطائفية في هذا القطر، وشرع الأبواب على مصراعيها لتدخل تنظيمات إرهابية أخرى كحزب الله وغيره؛ بهدف إبقاء فتائل الحرب مشتعلة وتخريب أي جهد للوصول إلى أمن العراق واستقراره، وقيام المجلس سوف يؤدي إلى تقليم أظافر الإرهابيين الذين لا هم لهم إلا تدمير العراق وإضعافه وإبعاده عن حظيرته العربية والدولية.

 

كما أن التنسيق بين الرياض وبغداد سيعزز التواصل بين البلدين ويفتح آفاقا جديدة للتعاون بينهما في شتى المجالات والميادين وسوف يؤدي إلى تشديد الخناق على ظاهرة الإرهاب واستئصالها ويحمي المصالح المشتركة ومصالح دول المنطقة، وقد وجدت تلك الظاهرة الشريرة خلال السنوات الفائتة مناخات مناسبة لتعيث فسادا وتخريبا وقتلا في العراق، وقد آن الأوان للتخلص منها ومن شرورها.

 

وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، فإن قيام المجلس يعد خطوة رائدة وحيوية لمكافحة الإرهاب وطرد الميليشيات الإيرانية الطائفية، سعيا وراء عودة الأمن والحرية والكرامة للعراق، والحفاظ على سيادته وتخليصه من كل أزماته العالقة، فالمصالح السعودية/ العراقية تتلاقى في كل جانب لا سيما في الجانبين الأمني والحدودي، وتجمع دول العالم على أن التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي هو السبب الرئيسي لإطالة حربه وأزماته.

 

وقد أشاد علماء المسلمين بخطوة التقارب بين البلدين ودعموه حيث أعلن مجلس علماء باكستان عن دعمه لتأسيس المجلس التنسيقي بين الرياض وبغداد كعامل رئيسي سوف يؤدي لاستتباب الأمن في العراق ورفع الآثار الطويلة للحرب والصراعات الطائفية، وقيام المجلس بين البلدين الشقيقين سوف ينهي تلك الصراعات ويخمد ألسنة نيرانها.

 

تحقيق التطلعات المشتركة بين البلدين الشقيقين، وفقا لقيام المجلس التنسيقي وإقراره، يعكس أهمية بناء شراكة فاعلة بين المملكة والعراق، تصب في روافد مصلحتيهما ومصلحة الدول العربية وتساهم بشكل عملي وفاعل في بسط قواعد الأمن والاستقرار في المنطقة. وأعداء البلدين وأعداء دول المنطقة المتمثلين في النظام الإيراني لا يريدون السعي لقيام أي مصلحة مشتركة فيما بينها فهم يناصبون الحرية والاستقرار والأمن العداء.

 

وسوف يحقق المجلس التنسيقي بين البلدين الشقيقين أهدافه السامية رغم أنوف الحاقدين والمغرضين ومن في قلوبهم مرض، وسوف تعود عوامل الأمن والاستقرار والحرية والكرامة بفضل الله ثم بفضل إرادة القيادات المخلصة في المنطقة .

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 16متاهة أكراد العراق الجديدة

 

 مأمون كيوان    صحيفة الوطن السعودية
 

لعل التداعيات المهمة للحدث الكردي الكبير، المتمثل في استفتاء 25 سبتمبر، حول الاستقلال والانفصال عن العراق، لم تتجسد فقط في ردود الفعل المحلية العراقية والإقليمية والدولية، بل في حالة الحراك الداخلي لأكراد إقليم كردستان العراق أنفسهم، والتي وضعت علامة استفهام حول حقيقة نتائج الاستفتاء الذي نظم في المحافظات الخمس «أربيل، السليمانية، دهوك، كركوك، حلبجة»، إضافة إلى المناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة إقليم كردستان، وأعلن أن نتائجه كانت على النحو التالي: نسبة 92.73% صوتوا بـ»نعم» للاستفتاء على استقلال كردستان فيما صوت 7.27% بـ»لا».

ولقد أوضح الحجم الكبير للخلافات داخل الجبهة الكردية الداخلية، أن «لا» الصغيرة افتراضية وغير واقعية، في ظل وجود تساؤلات كثيرة حول طبيعة الخلافات وانعكاساتها على مستقبل قضية أكراد العراق.

ويشير حجم الاتهامات الكردية-الكردية المتبادلة، إلى جوهر أزمة أكراد العراق، إذ يُتهم حزب طالباني «الحزب الوطني الكردستاني»، بسحب قوات البيشمركة التابعة له من كركوك التي يصفها الأكراد بـ»قدس كردستان»، وإصدار الأوامر بتسليمها للقوات العراقية.

ونددت قيادة البيشمركة في أربيل ببعض مسؤولي الاتحاد الوطني الكردستاني، متهمة إياهم بأنهم «خانوا وساعدوا في المؤامرة» على الأكراد.

ويزيد هذا الاتهام العلني من الفجوة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، وسط حديث عن رغبة الاتحاد الوطني في التخلي عن اتفاق سنة 2000 بشأن توحيد الإدارتين المدنيتين في السليمانية وأربيل، والعودة إلى صيغة الإدارتين المنفصلتين.

وتقول النائبة من الاتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان العراقي، ألا طالباني، إن الاستفتاء «فرض بالقوة» من جانب رئيس رفض الاستماع إلى حلفائه الذين اقترحوا إرجاء الاستفتاء إلى حين إجراء مفاوضات مع بغداد بإشراف الأمم المتحدة، وإلى اقتراحات الوساطة التي عرضها الرئيس العراقي الكردي فؤاد معصوم.

كما تعتقد النائبة الطالباني أن المشكلة الكردية تتمثل في حكم بارزاني، وفي استئثار حزبه بثروات الإقليم، غير أن منطوق التصريح الحقيقي هو أن حلّ «المشكلة الكردية» هو باستلام الاتحاد الكردستاني شؤون الإقليم، واستئثار قادته، من آل الطالباني، بدلا من آل بارزاني، بتلك الثروات.

وقال لاهور شيخ جنكي، المسؤول العام للجهاز الكردي لمكافحة الإرهاب في منطقة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، «فيما كنا نقوم بحماية الشعب الكردي، كان مسعود بارزاني يسرق النفط ويعزز نفوذه. واعتبارا من الآن، لن نضحي بأبنائنا من أجل عرش مسعود بارزاني».

ودعا رئيس برلمان كردستان العراق، يوسف محمد، رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى التنحي عن السلطة، مؤكدا أنه سيقدم خدمة كبيرة لشعب كردستان عند استقالته من منصبه. وقال محمد «إننا جميعا أسرى لنخبة سياسية تعمل للسيطرة على ثروات الوطن، من أجل توسيع سلطتها»، لافتا إلى أن «هذه النخبة السياسية تتاجر بتضحيات الشعب ودماء شهدائه».

وثمة من يعتقد أن زعماء الأكراد أثبتوا، ما خلا بعض الاستثناءات النادرة، أنهم خرقى وسُذّج، وغير ملمين بوسائل العمل في العالم الخارجي، إذ يتم تقرير مصائر الأمم بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط وما تحفل به من عقد الاضطهاد. وأنهم ميكيافيليون بمعنى ما، ويدخلون أبناء جلدتهم في متاهات الضياع والتشرد، وحالات شقاق داخلي تجعلهم أعداء لأنفسهم، ومصدرا ذاتيا لحسراتهم المستمرة التي يرعاها خصومهم.

وهناك ضرورة لاستلهام دروس وعبر التاريخ الكردي المعاصر، فقبل 71 عاما، وتحديدا في 22 يناير 1946، أعلن عن قيام جمهورية كردستان في ساحة بمدينة مهاباد -غرب إيران- برئاسة القاضي محمد، والتي لم تدم سوى 330 يوما.

ومن العوامل الداخلية والخارجية التي ساعدت على انهيار جمهورية مهاباد، لكن السبب الداخلي هو السبب الرئيسي، حسبما يذكر عبدالرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي اُغتیل في فيينا في 13 يوليو 1989، عندما كان يفاوض المسؤولين الإيرانيين من أجل الحكم الذاتي في إيران، أن هناك عدة أسباب داخلية منها: الجهل العام للشعب الكردي، إذ يسود الجهل والأمية بنسبة 90%. واعتماد القاضي محمد بتشكيل حكومته على الإقطاعيين والأغوات الكبار، وهؤلاء معظمهم معادن للجمهورية، ولم يتم تحرير كردستان بصورة كاملة، بل حررت ثلث الأراضي الكردستانية فقط.

ومما لا بد من ذكره، أن الباحث الأرمني هو أبوفيان قال: «نستطيع أن نطلق على الكرد لقب «فرسان الشرق» بكل ما في الكلمة من معنى، فيما لو عاشوا حياة أكثر تحضرا، ذلك أن الصفات المشتركة لهذا الشعب تتلخص في استعدادهم الدائم للقتال واستقامتهم وأدبهم، وإخلاصهم المطلق لأمرائهم، والتزامهم الدقيق بكلامهم وحسن ضيافتهم، والثأر للدم المهدور والعداوة القبلية، والصبر على السلب وقطع الطريق، واحترامهم غير المحدود للنساء».

وأيضا، تأكيد إحدى القصائد الكردية القديمة أن قدر الكردي أن «يحمل ألف حسرة، ويذرف ألف دمعة، ويطلق ألف ثورة، ويشعل ألف أمل».

ويسعى غلاة المتطرفين والمغامرين الكرد إلى دفع عموم الكرد المعتدلين نحو أتون حروب ومعارك خاسرة، ووضعهم في منزلة «الجحاش» وهو الاسم الذي أطلقه «البيشمركة» على الأكراد الذين انضموا إلى وحدات شبه عسكرية تابعة للجيش العراقي الصدامي، وقاتلوا أشقاءهم الأكراد فيما سمي عمليات «الأنفال».

 

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 17الفرص الضائعة في العراق

 

 وليد الزبيدي صحيفة الوطن الكويتية
 

 

 

ليس هناك احصاءات دقيقة جدا لحجم الأموال التي دخلت العراق منذ العام 2003، لكن تقديرات الخبراء واستنادا إلى صادرات النفط العراقي والواردات الجمركية وواردات السياحة الدينية التي يقف العراق في صدارة دول العالم في هذا النوع من السياحة، تشير إلى أن واردات العراق المالية لا تقل عن الف وخمسمائة مليار دولار حتى نهاية العام المنصرم 2016، طبعا هذا لا يشمل الدعم الواسع الذي حظي به العراق بصورة عامة من أموال واسلحة منذ منتصف العام 2014 بعد سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق، وإذا كان مجموع المبالغ التي دخلت ميزانية حكومة أربيل قد وصل إلى مائتين وخمسين مليار دولار، فإن حصة حكومة بغداد تعد هائلة قياسا لعدد نفوس العراق من الذين ما زالوا داخل البلاد، بعد أن اضطر أكثر من خمسة ملايين عراقي للهجرة خارج البلاد بسبب سوء الادارة والفساد وتردي الاوضاع الأمنية الذي ضرب أعماق المجتمع العراقي.

الفرضية التي تذهب باتجاه اخر في صرف هذه المبالغ الطائلة التي دخلت ميزانية الدولة العراقية سواءا في بغداد أو أربيل، وهنا نفترض وجود قيادات ادارية متخصصة ومخلصة ونزيهة في عملها تعتمد على برامج تنموية حقيقية وتستند إلى خطط مثل تلك التي تعتمدها الدول التي تمتلك مثل هذه الثروات الطائلة، وقبل ذلك أن يكون السياسي يضع نصب عينيه مصلحة البلاد وكيف يدفع بالتعليم والصحة والبيئة إلى امام، ولا يضع الخطط مع مساعديه ومستشاريه لسرقة المال العام ليس بنسب ضئيلة وإنما بطريقة الاستحواذ على كل ما يقع تحت تصرف الوزارات التي اصبحت ضمن مملكته في برامج المحاصصة الطائفية والعرقية، التي غزت العراق وخربت كل شيء في بنيته التنموية ووصلت إلى تخريب البنى الاجتماعية.

اعتقد أن استخدام علم الاحصاء وهو من اهم العلوم التي تقدم خدمات للبشرية من قبل مختصين، وتم تقسيم هذه الأرقام المالية الخطيرة على اهم فروع البناء والتنمية، لظهر لنا أن عدد الجامعات في العراق يفترض أن تتقدم على جميع الدول، وأنها مجهزة بكل وسائل التعليم الحديث من مخبرات وقاعات وملاعب ومراكز بحوث ودراسات، وأن جميع الطلبة يحصلون على نقل مجاني ومناهج تعليمية، وأن اعداد المبتعثين تزيد عشرات الأضعاف على تلك التي كانت تصل سنويا إلى أميركا وبريطانيا وأوربا في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وأن الزراعة قد وصلت إلى درجة الاكتفاء الغذائي الكامل مع تصدير الفائض كما كان العراق في ستينات القرن الماضي وبداية سبعيناته، والحال لا يختلف في قطاع الصناعة واللحاق بركب الدول المتقدمة، وينطبق ذلك على القطاع الصحي الذي يفترض أن تكون الرعاية الصحية للفرد العراقي وفي كل قرية ومدينة في افضل مستوياتها بين دول العالم، وأن يتم إنشاء افضل المشافي والمراكز الصحية وأن تصل الخدمات كل بقعة من أرض العراق، ووفق كل ذلك فإن البيئة ستكون في احسن حالاتها.

إن الفرص التي نفقدها لن تعود، وأن الناس يجب أن تنظر إلى كارثة الفرص الضائعة قبل أن تصفق وتؤيد وتدعم الذين اضاعوا فرص العراق ومستقبله.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 18عن نهايات الحرب فى العراق وسوريا وعليهما: لا تعديلات فى صيغة كردستان ولا تقسيم لسوريا

 

  

طلال سلمان

 صحيفة راي اليوم بريطانيا
هل انتهى زمن الحروب فى دول المشرق وعليها (العراق وسوريا خاصة ومعهما اليمن وليبيا) وآن أوان التسويات، عبر مساومات دولية، ومحاولة استنقاذ محلية بالثمن أم أن زمن النهايات لما يحن بعد؟

لقد تم إسقاط مشروع التقسيم فى العراق، بعد إفشال الانفصال فى كردستان العراق، وجرى تثبيت الصيغة الاتحادية، بعد مقامرة مسعود البرزانى الذى لم يستطع المضى بها بعيدا فى تضاد مع الوقائع الصلبة لحقائق التاريخ والجغرافيا.

وفى سوريا التى تقترب الحرب فيها وعليها من نهاياتها، ميدانيا، تلوح فى الأفق مخاطر تقسيم عنصرى تدفع الولايات المتحدة الأمريكية بالأقلية الكردية لأن تكون أداته أو حصانه.

ولعل الهدف الأمريكى فى سوريا من المشاركة المباغتة فى تلك الحرب بتشجيع الأكراد ومعهم بعض العرب على الاندفاع فى مغامرة احتلال الرقة كمدخل لمحاولة ابتزاز النظام، ومعه وبعده، روسيا بوتين الذى عبر عن تخوفه من احتمال تقسيم سوريا، وإن هو لم يؤكده.. علما أن الأكراد فى سوريا لا يشكلون أكثر من عشرة فى المائة، يضاف إليهم أعداد تتراوح بين مائتين وخمسمائة ألف كردى هربوا من الاضطهاد التركى، وانتظم شبابهم فى حزب مسلح رأسه ذات يوم عبدالله أوجلان الذى لجأ إلى سوريا حيث عكف على الإعداد لثورة مسلحة تحت شعار «حقوق أكراد تركيا» فى الاستقلال أو فى صيغة اتحادية مع أنقرة. وعندما استشعرت تركيا خطر هذه الحركة ضغطت على دمشق إلى حد التهديد بالحرب، فطلبت إلى أوجلان المغادرة فغادر فعلا.. لكن المخابرات التركية تمكنت من «اصطياده» فى إحدى دول افريقيا، واقتادته إلى محاكمة عسكرية فى أنقره حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن ذلك الحكم لم ينفذ، بل يستخدمه أردوغان، الآن، فى سجنه كورقة ضغط على الأكراد تلجمهم عن الاندفاع إلى الحد الأقصى من مطالبهم.

على هذا فليس وضع الأكراد فى سوريا مشابها لوضع أكراد العراق.. بل إن سوريا عرفت، فى تاريخها الحديث، أكثر من رئيس للدولة كردى، وأكثر من مفت كردى، وحضور الأكراد فى الحكومة والمجلس النيابى والجيش مؤثر، وإن كانوا يشكون من إهمال أعداد منهم لم يشملهم الإحصاء وظلوا مكتومى القيد حتى اليوم.. علما أن مفتى الديار السورية (أحمد كفتارو) وبعض كبار رجال الدين والعلماء كانوا من الأكراد، ولهم منزلتهم وتقديرهم.

لقد كان للأكراد فى العراق، خصوصا، تاريخ من الاضطهاد بلغ ذروته فى عهد صدام حسين، الذى فاوض البرزانى الوالد الملا مصطفى وأقر للأكراد بنوع من الحكم الذاتى لا يصل إلى الفيدرالية وإن كان يقاربها.. ثم نكث باتفاقه وشن حربا مدمرة على الأكراد فى شمالى العراق بلغت ذروتها المأساوية بمذبحة حلبجة، حيث استخدمت الأسلحة الكيماوية فأحرقت البلاد والعباد.

ولقد انتهى عهد صدام حسين الذى أنهك العراق بالحروب العبثية التى شنها على إيران ــ الثورة الإسلامية وامتدت لسبع سنوات طويلة، ثم على الكويت وكلفت الاحتلال الأمريكى الجزئى للعراق الذى سرعان ما تحول إلى حرب شاملة توقفت مع إسقاط صدام الذى اختفى لفترة، حتى إذا كشفه جنود الاحتلال الأمريكى تم تسليمه إلى شيعة العراق لكى يعدموه.. فتكون فتنة !

بعد العام 2003، أعاد الاحتلال الأمريكى هندسة السلطة فى العراق، فاستغل شبق سياسيى الشيعة إليها فمنحهم رئاسة الحكومة المعززة بأنها مصدر القرار، فى حين أعطى الأكراد منصب رئاسة الجمهورية، محدود الصلاحيات، والذى شغله فى الفترة الأولى ولمدة سبع سنوات الراحل جلال الطالباني، ثم خلفه الرئيس الحالي فؤاد معصوم، فى حين بقيت رئاسة المجلس النيابى من نصيب السنة.

أُقرت لحكم العراق صيغة فيدرالية، إرضاء للأكراد، وصار كردستان العراق «إقليما» برئيس منتخب فيه وحكومة محلية ومجلس نيابى، فضلا عن مشاركته فى الدولة المركزية بعدد من الوزراء كان بينهم، قبل حين، وزير الخارجية هوشيار زيبارى ( وهو خال البرزانى)..

وكان أن دخلت جحافل «داعش» العراق، فاحتلت بعض شماله وشرقه بعنوان الموصل وما جاورها، فى العام 2014، من دون أن تدخل «الإقليم» الكردى، واستمر احتلال هذا التنظيم المتوحش أكثر من ثلاث سنوات، وتجرى تصفية عصاباته الآن».

ومعروف ما جرى فى الآونة الأخيرة، حين أقدم مسعود البرزانى على إعلان «استقلال» الإقليم، بعد إجراء «استفتاء شعبى» نال الأكثرية المطلقة، من دون أن يلغى ذلك أن قوى كردية وازنة أعلنت تمسكها بالاتفاق مع بغداد… ثم إن الحكومة المركزية شنت حملة عسكرية استعادت فيها ما اقتطعه البرزانى من أرض عراقية خارج الإقليم، أهمها مدينة كركوك ومنطقة سنجار وبلدات ريف الموصل وأنحاء أخرى.

واستقر الرأى بعد المغامرة العسكرية وإفشالها على «الحوار» وفى بغداد، وعلى أساس القواعد التى قامت عليها صيغة الحكم فى العراق.

***

وبين ضمانات الاستقرار فى العراق مع إنهاء التمرد الكردى والعودة إلى الصيغة الدستورية الدعوة التى وجهها المرجع الشيعى السيد السيستانى الذى يحظى باحترام الأطراف جميعا فى العراق، للتلاقى وتثبيت التوافق الأصلى والالتزام به.

أما فى سوريا فلم يكن الأكراد انفصاليين فى أى يوم، بل هم كانوا شركاء فى السلطة دائما، وفى مواقع قيادية، وتتمثل ظلامتهم بضرورة قيد من أهمل قيدهم، على مر السنوات من الأكراد فى المناطق النائية (على الشريط بين الحدود التركية والحدود العراقية)..

على أن الإدارة الأمريكية، والبنتاجون تحديدا، فكروا بالرد على دخول القوات الروسية إلى سوريا، بناء لطلب النظام، لمساعدته فى القضاء على «داعش» و«النصرة» وسائر مشتقات «القاعدة»… وهكذا توجهوا إلى بعض التنظيمات الكردية، وشكلوا منها «جيشا» ضموا إليه بعض عرب البادية، ودفعوا به إلى احتلال بعض المناطق التى تقع على حدود تركيا، ثم تراجعوا بعد إنذارات حاسمة من الرئيس التركى أردوغان… وهكذا دفعهم الأمريكيون بعدما عززوا قدراتهم نحو مدينة الرقة، فى شرق العراق.. واسم هذه المدينة مطابق لموقعها على نهر الفرات وهوائها المنعش.. ويقال أن الخليفة العباسى هارون الرشيد هو من بناها، وأنه كان يأتيها من بغداد وسط طريق تظلله خضرة البساتين على الجانبين.

ولقد نجحت « قوات سوريا الديمقراطية» فى تحرير مدينة الرقة لتجدها خرابا، بينما كانت قوات النظام معززة بالطيران الروسى والدعم الإيرانى ومقاتلى «حزب الله»، تتقدم من دير الزور فتستعيدها ومعها مدينة الميادين وتسابق القوات المدعومة أمريكيا نحو استعادة آبار النفط فى المنطقة الأغنى به فى الأرض السورية.

وكانت لافتة تلك الأخبار التى تحدثت عن زيارة قام بها وزير الدولة السعودى ثامر السبهان إلى الرقة، بحراسة أمريكية مشددة.. من دون أن يفهم الغرض منها، وإن كانت دلالاتها قد أثارت قلق المعنيين فى سوريا.

***

يبقى أن أهم ما قيل فى ما يتصل بتطورات الحرب فى سوريا وعليها هو ما جاء على لسان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الأسبوع الماضى، محذرا من خطر تقسيم سوريا، وإن كان قد استبعده أو رأى أنه ليس داهما، خصوصا إذا ما أحسن علاج المسألة.

وواضح أن المقصود بمعالجة الأمر هو السلطة فى دمشق، لا سيما وأن الاجتماع الجديد الذى سيعقد فى أستانا، تحت الرعاية الروسية وبحضور النظام والمعارضات السورية المختلفة، ومشاركة أمريكية محددة، لأول مرة، يتضمن جدول أعماله البحث بصيغة النظام مستقبلا، مع الحفاظ على وحدة الدولة.

وبالتأكيد فإن سوريا، التى لم تشهد فى ماضيها دعوات تقسيمية لكيانها، يمكنها أن تعالج المسألة الكردية فى نطاق وحدة الدولة، كما تؤكد مصادر رسمية فى دمشق.

مع الإشارة إلى أنه حتى لو وافقت دمشق على صيغة تعطى أكرادها شيئا من الحكم الذاتى فإن تركيا ستزيد من قمع أكرادها الذين ما زالت اعتراضاتهم المسلحة تزعج أنقرة.

المهم أن فلول «داعش» فى العراق وسوريا، تعيش أيامها الأخيرة..

والأهم النظر إلى المستقبل فى سوريا، كما فى العراق، واستعادة الدولة ووحدة الأرض فى هذين البلدين العربيين وهما من بناة التاريخ..

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 20كيفية ضمان نسبة تفوق الـ 95٪ لتحقيق نزاهة الانتخابات القادمة في العراق

 

 محمد توفيق علاوي صحيفة راي اليوم بريطانيا
  

التزوير في الانتخابات يمثل اعلى درجات انتهاك حقوق الانسان لأنه يعني فرض اشخاص محتالين ومخادعين لتمثيله ويعني ازاحة الممثلين المخلصين والحقيقيين للشعب؛ للأسف نكتشف ان الاجراء الذي اتخذ مؤخراً من قبل مجلس النواب في اختيار مفوضية الانتخابات على اسس المحاصصة السياسية يتنافى مع ما يأمله المواطن من تحقيق اسس العدالة والذي كان يمكن ان يتحقق من خلال اشراف ثلة من القضاة النزيهين على مفوضية الانتخابات كما كان مقترحاً من قبل عدة أطراف.

لقد كنت اخشى قبل فترة من هذه النتيجة المؤلمة، لذلك تطرقت الى هذا الامر في الاعلام، كما قمت بإرسال رسالة خاصة بتأريخ 20 آب 2017 كما هي ادناه إلى كل من رئيس الجمهورية ونوابه الثلاثة، ورئيس مجلس النواب ونائبيه، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس القضاء الاعلى، ورئيس اقليم كردستان، والسيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة؛ ولكن بعد الذي حصل مؤخراً في مجلس النواب وجدت لزاماً على نفسي أن أكشف عن مضمون هذه الرسالة للمواطن الكريم ليطلع عليها ولعله ينبري ثلة من المسؤولين الغيورين على بلدهم وعلى مستقبله ومستقبل ابنائهم من الذين يحبون وطنهم ويفكرون حقاً بمصلحة المواطن الشريف إلى تبني هذه المقترحات لما فيها من تحقيق اسس العدالة والقسط والانصاف وبما تحققها من تقدم للبلد ونهضته وتطوره وازدهاره.

الموضوع: كيفية ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة

بعد وافر التحية والسلام ؛

مما لا نقاش فيه أن هناك فساداً كبيراً في مفوضية الانتخابات، واصبح التفكير منصباً على تغيير مفوضية الانتخابات وإخراجها عن دائرة المحاصصة السياسية.  ولكن ليس هناك من ضمان حتى وإن تشكلت مفوضية جديدة من دون محاصصة سياسية أن يتبع المسؤولون الجدد في المفوضية الجديدة نفس أساليب من سبقهم؛ للأسف أصبح الفساد ثقافة عامة تفشت في كافة مفاصل الدولة.

واحد من أهم دلائل التزوير هو استغراق عملية فرز الأصوات عدة أيام بل لعله أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو أكثر، ولكن عملية الانتخاب تتم في يوم واحد فلا تستغرق أكثر من بضع ساعات. في حين ان الواقع هو عكس ذلك. فلكي ينتخب أي شخص فعليه أن يبرز أوراقه الثبوتية وبعد التأكد من ذلك يعطى استمارة الانتخاب فيقوم بتعبئتها ثم يضعها في الصندوق المخصص، ثم يضع إصبعه في الحبر الخاص، هذا الأمر قد يستغرق بضع دقائق، أما عملية فرز صوت المنتخب فلن تستغرق أكثر من بضع ثواني، أي إن استغرقت عملية الانتخاب حوالي ثمان ساعات فإن عملية فرز الأصوات لن تحتاج أكثر من ساعتين، وهذا ما نراه يحصل في كافة دول العالم ما عدا العراق. أما في العراق فلكي يتم التفاوض وبيع الأصوات والتلاعب بالنتائج فإن عملية فرز الأصوات كما ذكرنا قد تمتد إلى أكثر من أسبوعين أو ثلاث أسابيع. مما لا نقاش فيه إن امتدت عملية فرز الأصوات إلى أكثر من بضع ساعات فإن الوقت الإضافي دليل واضح على الفساد وعلى التلاعب بالنتائج خلاف أسس الحق والعدالة.

فكيف السبيل في هذه الحالة لضمان نزاهة الانتخابات القادمة؟ الأمر يتطلب إبتداءً تغيير مفوضية الانتخابات وكل من ثبت عليه الفساد من العاملين في المفوضية، ولكن فضلاً عن ذلك يجب اتخاذ بعض الخطوات الاجرائية، واني في تصوري إذا ما تم إتباعها فيمكن في هذه الحالة تحقيق نزاهة في نتائج الانتخابات لا تقل عن ٩٠٪، وأدناه هذه المقترحات:

١.الخطوة الأولى: تشكيل لجنة عليا للانتخابات؛ من المقترح ان تشكل لجنة عليا للانتخابات من تسعة أعضاء (سأضمن أسماءً أقترحها وأعتقد إنها ملائمة، ولكن لعله يمكن اقتراح أسماء أخرى من قبل مجلس النواب تكون أفضل من هذه المقترحة) أما الاسماء المقترحة فهي كما واردة أدناه:

أ‌)       اثنان من القضاة، كأن يكون رئيس مجلس القضاء الأعلى (السيد فائق زيدان) ويكون هو رئيس هذه اللجنة الانتخابية وأحد القضاة الآخرين وأنا أقترح (السيد مقداد القاضي).

ب) رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق والممثل الخاص للأمين العام (السيد بان كوبيش)، وثلاث أشخاص  تقنيين مرشحين من الأمم المتحدة ويفضل من دول محايدة، كسويسرا أو فلندا أو النمسا او السويد أو غيرها أو منظمات غير حكومية من أي دولة، في التخصصات التالية: أولاً؛ شخص لديه خبرة وممارسة في إدارة الانتخابات ، حيث هناك العشرات من المنظمات العالمية ك (OSCE   ألأوربية، IDOX البريطانية، ACE  العالمية، IFES ألأمريكية العالمية ، و SILBA الدنماركية وغيرها) والمئات من الأشخاص الذين يتمتعون بهكذا مؤهلات ضمن هذه المنظمات ك (Ailsa Irvine  من بريطانيا و Richard Kidd و Duke Ellisمن أستراليا أو غيرهم) ، ثانياً؛ مهندس متخصص بمنظومات المراقبة من تصوير وكاميرات والحواسيب الإلكترونية وغيرها، ثالثاً؛ شخص لديه خبرة وممارسة في كيفية كشف التزوير وأيقاف التزوير في الانتخابات وحماية المواقع الإلكترونية من المتسللين (Hackers) حيث هناك العشرات من المنظمات العالمية في هذا المجال ك( Judicial Watch  و True the vote ألأمريكيتين، و OLAF الأوربية وغيرها) وهناك المئات من الأشخاص الذين يتمتعون بمؤهلات عالية ويعملوا ضمن هذه المنظمات العالمية ك (Catherine Engelbrecht و Tom Fitton من أميركا وغيرهم)، ويتم التفاهم مع الأمم المتحدة لاختيار الأشخاص المؤهلين لهذه المهام خلال فترة شهرين.

ج) رئيس مفوضية الانتخابات كأن يكون السيد (سربست مصطفى) أو بديله في حالة تغييره.

د) شخصان من منظمات المجتمع المدني وأنا أقترح السيد (هشام الذهبي) والسيدة (هناء أدوار).

٢. الخطوة الثانية: من المهم مراقبة وتصوير كافة المراكز الانتخابية بالصوت والصورة يوم الانتخاب بشكل آني وتحفظ الأفلام لفترة لا تقل عن سنة وفي هذه الحالة يتم الاتفاق مع إحدى الشركات العالمية لتولي هذا الأمر ويتولى الأشخاص التقنيين المرشحين من الأمم المتحدة وضع مواصفات المنظومة وطرح مناقصة عالمية، ودراسة العروض المقدمة وطرح توصياتهم للجنة العليا لكي يتم اختيار أفضل شركة من ناحية الكفاءة والسعر ثم يتم الاتفاق معها. ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن تتولى مفوضية الانتخابات نصب الكاميرات أو الاتفاق بشكل فردي مع الشركات التي تتولى نصب أجهزة المراقبة. ويحاط كل مركز انتخابي بشريط بحيث لا يجوز إخراج أي صندوق انتخابي أو أي استمارة انتخابية معبئة خارج هذا الشريط.

٣. الخطوة الثالثة: من المهم بعد انتهاء التصويت أن يتم فرز الأصوات في نفس المركز الانتخابي، ولا يجوز بالمرة نقل الصناديق إلى خارج المركز الانتخابي حيث للأسف الشديد كان يتم التلاعب وتغيير الصناديق وتغيير محتوياتها عند نقلها. إذا افترضنا أن عملية التصويت تمتد من أول الصباح حتى الساعة السادسة مساءً، فحينها تبدأ عملية فرز الأصوات من الساعة السادسة مساءً ويمكن أن تنتهي بكل سهولة قبل الساعة التاسعة مساءً، يجب تحديد موقع محدد داخل المركز الانتخابي لفتح الصناديق وفرز الأصوات، ويجب أن يجهز هذا الموقع بكاميرات عالية الحساسية (High resolution) بحيث يمكنها قراءة الاستمارات الانتخابية، بحيث يصعب أو يستحيل تغيير المعلومات أو تزويرها. ويتم نقل المعلومات من المراكز الانتخابية أولاً بأول إلى المركز الانتخابي الرئيسي وإلى الإعلام.  ويتم إرسال المعلومات الكترونياً ب(تصوير الاستمارات وعدها الكترونياً/ Ballot scanning ) إلى المركز الانتخابي الرئيسي من خلال أجهزة تتولى قراءة الاستمارات وعد الأصوات إلكترونيا فضلاً عن العد اليدوي. وفي حالة وجود اختلاف بين نتائج العد اليدوي والعد الإلكتروني يتم تقصي سبب الاختلاف. وفي حالة حصول خطأ (وهذا احتمال ضعيف جداً إذا اتخذت الإجراءات المذكورة أعلاه) ولكن قد ينقطع الإرسال الإلكتروني بسبب خلل فني، ففي هذه الحالة يزود خمسة أشخاص كل منهم بجزء من الرقم السري الكامل للدخول إلى الحاسبة الرئيسية وإضافة النقص، وأنا أقترح أن يكون هؤلاء الأشخاص الخمسة هم الخبراء الثلاثة من الأمم المتحدة وممثلي منظمات المجتمع المدني (أي السيد هشام الذهبي والسيدة هناء أدوار).

في اعتقادي إذا ما اتخذت هذه الإجراءات فإن إمكانية التزوير والتلاعب ستكون محدودة جداً أو شبه معدومة، حيث يمكن في هذه الحالة ضمان صحة النتائج بأكثر من ٩٥٪.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد