تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
1الاستفتاء الكردي يهدد بانفجار صراع القومياتد. بشير موسى نافع

 

 

القدس العربي
 

في واحدة من طلعاته المثيرة، قال زعيم حزب الحركة القومية التركي، بهتشلي، إن التحرك الذي بدأته حكومة إقليم كردستان العراق لعقد استفتاء حول تقرير المصير يمكن أن يعتبر casus belli، سبباً لإعلان الحرب على حكومة إقليم كردستان العراق. ولم يكن غريباً، طالما أن المسألة تتعلق بحرب، أن يولد تصريح السيد بهتشلي، الذي لا يتطلب موقفه، وموقف الحزب الذي يقوده، من المسألة الكردية، كبير توضيح، ردود فعل واسعة النطاق، داخل تركيا وخارجها.

المهم، أن رئيس الحكومة التركية، بنعلي يلدريم، سرعان ما أدرك خطورة هكذا تصريحات، ورد بالتأكيد على أن تركيا لا تخطط لأي إجراء عدائي ضد حكومة إربيل، مطالباً بهتشلي بأن يهدئ من روعه. هذا لا يعني أن تركيا تتخذ موقفاً محايداً من مشروع الاستفتاء. الحقيقة، أن معارضة الاستفتاء تجمع كل عواصم المشرق، من بغداد وطهران، إلى أنقرة، إضافة إلى الدول الغربية الرئيسة، بما في ذلك الولايات المتحدة، الراعي الأهم لحكومة إقليم كردستان العراق.

المفهوم من الجميع، إن الاستفتاء، إنْ عقد، سيكون خطوة متقدمة على طريق استقلال الإقليم الكردي عن العراق، على أساس أن كل الأطراف تتوقع أن تأتي نتيجة الاستفتاء بأغلبية لصالح تقرير المصير.

لا ينفي رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، هذا المسار المحتمل، ولكنه يقول، في الوقت نفسه، إن تصويت الأغلبية في الإقليم على تقرير المصير لا يعني انفصالاً مباشراً عن العراق. في واقع الأمور، يتمتع الإقليم حالياً بسلطات واسعة، تفوق صلاحيات الإدارة الذاتية في دول أخرى، ولكنها تقصر عن الاستقلال. فبالرغم من الصلات المالية بين إربيل وبغداد، التي هي موضع نزاع دائم، تتمتع حكومة الإقليم بسلطات تعليمية، أمنية، عسكرية، ضرائبية، وحتى التمثيل الدبلوماسي في الخارج. بمعنى أن الإقليم يبدو مستقلاً إلى حد كبير، مقارنة بأي جمهورية حكم ذاتي روسية، مثلاً. قد يجادل أحياناً أن الاستفتاء لم يكن له من ضرورة، وأن سعي مسعود بارزاني لعقده يتعلق بمسألة شخصية بحتة، في وقت تعاني رئاسته للإقليم من فقدان الشرعية الدستورية، ويحيط به الخصوم الأكراد من كل جانب. ولكن الاستقلال القانوني، بالرغم من ذلك كله، يبدو مشكلة، مشكلة للعراق ولدول الجوار الإقليمي، التي يقطنها أكراد، بهذا الحجم أو ذاك.

انفصال الإقليم الكردي رسمياً هو خبر بالغ السوء للعراق، ليس فقط لأن هناك مناطق متنازعا عليها بين بغداد واربيل، بل لأن هذا الانفصال سيشجع نزعات انفصالية أخرى، في وقت تعيش الوطنية العراقية أسوأ حالاتها. تركيا، التي تحتضن أكبر نسبة من الأكراد بين شعبها، وتعاني من مواجهة دموية مع الانفصاليين الأكراد منذ ثمانينات القرن الماضي، تخشى أن يشكل استقلال كردستان العراق سابقة تاريخية، تطرح كل حدود دول ما بعد الحرب الأولى للتساؤل. وبالرغم من أن إيران حاولت في السنوات القليلة الماضية استخدام الورقة الكردية في تركيا والعراق، إلا أن عودة الجماعات الكردية القومية في إيران إلى العمل المسلح، أعاد المسألة الكردية في إيران إلى جدول هموم طهران وخصومها، على السواء، وإن وضع احتمال انفصال كردستان العراق إلى جانب التشظي السوري، وسعي الأكراد إلى إقامة كيان ما في شمال شرقي وشمال غربي سوريا، تصبح التداعيات الإقليمية أكثر تفاقماً. في كل الحالات، وبالنظر إلى التداخل الهائل للجماعات العربية والتركمانية والكردية في شمال العراق والشمال السوري، فليس ثمة شك في أن مساعي الانفصال في العراق أو سوريا ستولد نزاعات دموية، قد تستمر عقوداً طويلة، تفتح المشرق على تدخلات دولية لا حصر لها. هذا، إضافة إلى الاحتمالات الواقعية لاندلاع نزاعات كردية ـ كردية داخل الدولة الجديدة، حيث الانقسامات الكردية عميقة ومحتدمة، تشبه، إلى حد كبير، ما يعاني منه جنوب السودان منذ استقلاله.

هذا كله من المعلوم من شؤون المنطقة بالضرورة. ولكن ما لا يذكر في كثير من الأحيان أن الحركة الكردية القومية في العراق تعود إلى بدايات تشكل نظام ما بعد الحرب الأولى الإقليمي، وأن المسألة الكردية في العراق لم تكن السبب الأبرز لعدم استقرار الدولة العراقية الحديثة، وحسب، بل ومثلت عبئاً باهظ التكاليف على الدولة والشعب معاً، طوال ما يقارب القرن. بخلاف أكراد تركيا، حيث يصعب وجود أغلبية كردية انفصالية، وحيث تقطن أغلبية الأكراد خارج مقاطعات الأغلبية الكردية؛ وبخلاف أكراد سوريا، حيث لا توجد مناطق أغلبية كردية معتبرة أصلاً؛ وبخلاف أكراد إيران، حيث عمل عنف الدولة البالغ والانقسام الطائفي على كبح النزعات القومية الكردية، ثمة ثلاث محافظات عراقية تقطنها أغلبية كردية حاسمة، تعيش حكماً ذاتياً موسعاً منذ ما يقارب العقدين، على الأقل. تطور الحكم الذاتي في إقليم كردستان العراق إلى كيان قومي مستقل، يبدو أمراً منطقياً، سيما إن أعطى أكراد العراق أصواتهم لصالح هكذا خيار. مثل هذه الخطوة لن تمنح الأكراد دولتهم القومية، على غرار القوميات الأخرى في المشرق، وحسب، ولكنها ستحرر العراق من عبء ثقيل الوطأة، كذلك.

ليست الحركات القومية عادة كائنات حكيمة ولا متعقلة. مسكونة بالأساطير المسوغة وأوهام المجد، تنزع الحركات القومية إلى صناعة مقدساتها الخاصة، وتبالغ بالتالي في طموحاتها وأهدافها، كما تبالغ في تصور أعدائها وخصومها. ولكن، إن كانت الحركة القومية الكردية تعلمت من مآسي الماضي القريب، المتكررة، التي ساهمت القيادات الكردية في إنزالها بشعبها، كما ساهم الأعداء، فلابد أنها أصبحت أكثر حكمة وعقلانية وتواضعاً. يمكن لكردستان العراق، خلال عدد قليل من السنوات، أن تحقق هدف الاستقلال بالفعل، بعد تفاوض مرض مع بغداد وتطمين دول الجوار، وبأقل الخسائر لكل الأطراف، إن اكتفت بحدود محافظات الأغلبية الكردية الثلاث. السعي للسيطرة على كركوك ونصف محافظات ديالى وصلاح الدين ونينوى، وتحول كردستان العراق إلى حاضنة للتنظيمات الإرهابية، لن يؤدي إلى الاستقلال، بل الحرب، والحرب الطويلة، متعددة الأطراف.

بغير ذلك، فلا أقل من تبلور رؤية جديدة للمشرق، قبل احتواء الطموحات القومية الانفصالية، الكردية وغير الكردية، في دول المشرق الأربع، حيث تتواجد الشعوب الكردية وتوجد تعدديات إثنية وثقافية. كان بناء دول تركيا والعراق وإيران وسوريا على أساس قومي، سواء بإراداة شعوب هذه الدول أو بقرار أجنبي، دعوة صريحة لانطلاق الحركة القومية الكردية ودعوات الانفصال. وليس ثمة شك في أن الفكرة القومية في المشرق حملت من نذر الشر، ما لا يقل عن وعود النهضة والازدهار.

في نهاية الأمر، إن كان من حق العرب والأتراك والإيرانيين أن يقيموا دولهم القومية، فلماذا يحرم الأكراد من الحق ذاته. ولكن تصوراً مختلفاً للمشرق، تصوراً يدفع غرور السيادة إلى الخلف، ويفتح الحدود أمام الحركة الحرة للبشر والبضائع والأموال والافكار، يمكن أن يوفر مجالاً لتحقيق تجليات الهوية لكل شعوب المنطقة وجماعاتها الإثنية والثقافية. وعندها، عندها فقط، يمكن أن تصبح دعوات الانفصال القومي في هذه الدولة أوتلك بلا معنى ولا مسوغ، ولا مستقبل.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتبمكان النشر
2جرف الصخر.. الجرح النازف في الخاصرة العراقيةهارون محمد

 

 العرب
 

استمرار سيطرة الميليشيات الشيعية على جرف الصخر، وقرار مجلس محافظة بابل بمنع عودة نازحي المدينة إلى منازلهم، سيخلقان وضعا ليس في صالح الأمن والاستقرار في المحافظة والعراق، وسيقودان إلى اقتتال متوقع في أي وقت.

هل من المعقول أن يخرج رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي على الملأ ويعلن استغرابه من قرار اتخذه مجلس محافظة بابل، بمنع عودة نازحي قضاء جرف الصخر إلى بيوتهم الأصلية وممتلكاتهم الشرعية، ويكتفي بحالة “الاستغراب” ولا يتخذ إجراء رادعا ضد دعاة الفتنة والفرقة وهم يقترفون خطيئة كبرى ويرتكبون جريمة تندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية وانتهاك حقوق الإنسان، وهو الذي يدعي أنه جاء لإصلاح الأوضاع الشاذة وتكريس المساواة بين المواطنين ونشر العدل وسيادة القانون؟

 

إن أبسط إجراء كان على العبادي وهو المسؤول الأعلى للسلطة التنفيذية والقوات المسلحة أن يتخذه، هو إحالة محافظ ورئيس وأعضاء مجلس محافظة بابل إلى التحقيق والمسـاءلة القانونية، لأنهم قـاموا بعمل خطير تترتب عليه نتائج أخطر، أقلها أن نازحي جرف الصخر، وهم بحدود مئة وعشرين ألف نسمة، حسب الإحصاءات الرسمية، سيكون من حقهم اللجوء إلى جميع الخيارات التي تؤمّن عودتهم إلى بيوتهم ومزارعهـم وبساتينهـم وأعمالهم، بمـا فيها إعـلان العصيان المـدني والتظاهرات السلمية، وإذا لم تتحقق مطالبهم المشروعة، ولم تتمكن السلطات الحكومية والأمنية من إنصافهم، فإن من حقهم الدفاع عن العرض والأرض بكل الوسائل والسبل مهما كانت حادة وقاسية، واسترداد حقوقهم المغتصبة وطرد المحتلين الأغراب من ديارهم، تؤيدهم شرائع السماء والقوانين الوضعية ولوائح الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

 

إن مجلس محافظة بابل أشعل نارا لن تخمد، ورئيسه وأعضاؤه يدركون جيدا أن سكان جرف الصخر لن يسكتوا على من يحظر عودتهم إلى مدينتهم التي عاشوا فيها أبا عن جد في سلام وأمان واحترام مع جيرانهم في الحلة والمسيب والهندية، وكانوا على الدوام عامل استقرار في المحافظة طيلة العقود الماضية، لذلك فإن القرار الجائر الذي اتخذه مجلس المحافظة يشكل مقدمة لنزاع سيتحول إلى تقاتل لا شك فيه، ويمهد لحرب قادمة من الصعب وقفها ما دامت عقلية التسلط والإكراه تسود قرارات هذا المجلس الطائفي التقسيمي، فليس من السهل على أكثر من مئة ألف إنسان أن يعيشوا نازحين في أماكن غير أماكنهم يواجهون الجوع والحرمان، ويُمنعون من العودة إلى مواطنهم التي غادروها ليس بإرادتهم وإنما نتيجة تلكؤ الأجهزة الحكومية التي أتاحت لمسلحي تنظيم داعش التعرض لقضاء جرف الصخر، ومنعت سكانه من حمل السلاح للتصدي له، وفق نظرية “السلاح بيد الدولة” المطبقة على السنة العرب فقط.

 

ومما يثير الفزع من قرار مجلس محافظة بابل، أن المعلومات المؤكدة أن محتلي مركز قضاء جرف الصخر ليسوا عراقيين، وإنما ميليشيات إيرانية ولبنانية من حزب الله، وسبق لها أن اعتقلت وزير الداخلية السابق محمد الغبان لست ساعات عندما حاول تفقد القضاء، ولم تطلق سراحه إلا بعد اتصالات مع طهران، رغم أن الغبان قيادي في ميليشيا بدر إضافة إلى وظيفته كوزير، وأكثر من هذا فإن لزعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي تصريحا خطيرا في مايو الماضي، قال فيه إن هادي العامري وأبومهدي المهندس أبلغاه بأن قرار مستقبل جرف الصخر في إيران وليس في العراق.

 

وعُرف قضاء جرف الصخر ببساتينه المثمرة ومزارعه الغناء، التي جُرفت بالكامل من قِبل الميليشيات الشيعية والقوات الأمنية، بزعم منع أي تسلل لعناصر تنظيم داعش، وثمة معلومات تشير إلى أن الأبنية الحكومية والمدارس في القضاء قد تحولت إلى معتقلات سرية يعتقد أنها تضم حاليا أكثر من سبعة آلاف معتقل سني نُقلوا إليها من حزام بغداد ومناطق شمال بابل، من ضمنهم 1600 من محافظة الأنبار، نصفهم من ناحية الصقلاوية وحدها، في وقت تلتزم الحكومة العراقية ووزارة الداخلية الصمت إزاء مصيرهم، مع اعتراف الأخيرة بأن الأمر ليس في يدها.

 

وكانت القوات الحكومية وميليشيات الحشد الشعبي قد أخلت القضاء من سكانه البالغ عددهم 120 ألف نسمة، أغلبهم من عشائر الجنابية وطي والمعامرة والدليم والجبور السنية، قبل معركة استعادته من تنظيم داعش أواخر أكتوبر 2014، ومنعت مشاركتهم في القتال ضد التنظيم بدعوى الخوف عليهم، مؤكدة لهم أنها ستعيدهم إلى ديارهم فور انتهاء العمليات العسكرية وتطهير القضاء من الألغام، وها قد مرت قرابة ثلاث سنوات ولم يعد إلى جرف الصخر شخص واحد من سكانه الأصليين.

 

لقد ذهب وفد من سكان جرف الصخر إلى طهران، وقابل مسؤولا كبيرا في مكتب ولي الفقيه علي خامنئي، وشرح بالتفصيل معاناة أكثر من مئة ألف إنسان نزحوا من المدينة ويحظر عليهم العودة إلى بيوتهم ومصادر رزقهم وكلهم مسلمون، فكان جوابه انتظروا. وزار وفد آخر مقر بعثة الأمم المتحدة في بغداد، وأوضح ظروف نازحي المدينة ودعا المنظمة الدولية إلى التحرك ودعوة الحكومة العراقية إلى ممارسة سلطاتها على جزء لا يتجزأ من البلاد، وكان رد المسؤول الأممي، نأمل من حكومة العبادي أن تحل المشكلة وإذا فشلت فمن حقكم تدويل القضية.

 

إن استمرار سيطرة الميليشيات الشيعية على جرف الصخر، وقرار مجلس محافظة بابل بمنع عودة نازحي المدينة إلى منازلهم وأراضيهم، سيخلقان حتما وضعا ليس في صالح الأمن والاستقرار في المحافظة والعراق، وسيقودان بالتأكيد إلى اقتتال متوقع في أي وقت خصوصا وأن ربع النازحين على الأقل، من الشباب والرجال القادرين على حمل السلاح وهم يئنّون منذ ثلاثة أعوام مرت على تحرير مدينتهم، من وطأة الفقر والبؤس والإحباط، وهناك خشية جدية من تحولهم إلى قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة، فما معنى الحياة والإنسان اغتصبت داره أو مزرعته وشردت عائلته، وحرم من الإقامة والعيش في مدينته، مسقط رأسه وموطن آبائه وأجداده.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
3  غدا عيون ترقرق فرحة وخشية وحزنا

 

 طارق أشقر

 

  الوطن العمانية
 

 

يحل علينا يوم غد عيد الأضحى المبارك، حيث تعم البهجة مشارق أرض المسلمين ومغاربها مبتهجين بهذه المناسبة المليئة بالمعاني والعبر والقيم، خصوصا قيمة الطاعة والإيثار والإحساس بالفقراء والفداء والافتداء.

وكون الاحتفاء بهذه المناسبة فعلا إنسانيا يمارسه البشر، فبالضرورة أن يختلف حال الناس في القدرة على أن يعيشوا تلك الفرحة ويتفاعلوا معها كل حسب ظروفه النفسية والاقتصادية والاجتماعية، ووفق تأثر تلك الظروف بالتداخلات الأخرى من العوامل التي تعود بتداعياتها على حياة الناس سلبا وإيجابا.

وطالما المشاعر الإنسانية يصعب معايرتها بالقياسات والأرقام الجبرية الجامدة، فقد درج الناس على قراءة تلك المشاعر من خلال ما تبثه العيون من إشارات تعبر عن ما تضمره النفس من رغبة قد يصعب التفوه أو التصريح بها ربما لثقلها على اللسان، فتتبدل الكلمات بقطرات من الدموع الساكنة أو المترقرقة حول حدقات العيون أو الذارفة تدفقا على الخدود، وهذه يعتبرها البعض أبلغ أنواع لغات الجسد لدى الإنسان.

وفيما تعم الفرحة غالبيتنا احتفاء بالعيد السعيد، ترقرق عيون الكثير منا فرحا بهذه المناسبة الغالية على نفوسنا، وبيننا فلذات أكباد تبدو الفرحة مضيئة في عيونهم وهم يرتدون الجديد من الملابس الزاهية، وفينا من تذرف عيونه بما يعرف بدموع الفرح ابتهاجا بلقاء حبيب طال غيابه فأتى به العيد إلى أهله فتسبقهم عيونهم ترحيبا به .. في حين يصف بعض الظرفاء دموع الفرح بأنها ما هي إلا دموع حزن دفين تأجج في الدواخل، وحين يشعر الإنسان بالفرح المفاجئ يودع الحزن ليخرج بقطرات من الدموع التي تعبر عن صدق اللحظة.

أما دموع الخشية اليوم وغدا والتي نأمل أن تدوم بيننا، فهي تلك الجارية من عيون بكت من خشية الله، فما أكثرها هذه الدموع في هذه الأيام المباركة، فمن فضل الله على عباده وخصوصا الواقفين على عرفة يوم التاسع من ذي الحجة أي يوم عرفة، فكثيرا منهم من تجيش خواطره وتدمع عيناه خشية من المولى عز وجل، فتظل القلوب عامرة بالإيمان وألسنتهم تردد التهليل والتكبير، وتزيد فرحتهم في يوم النحر بالعاشر من ذي الحجة، ولن تفارقهم حتى انتهاء كافة شعائر الحج، وتظل العيون معبرة عن الفرحة إلى يوم رجوع الحاج إلى أهله ليعانقهم سعيدا بما أتم من فريضة وبلقائه بهم.

أما العيون الحزينة فهي لا تحصى في عصرنا الحالي، فغدا لا يعرف معنى العيد الكثيرون من الأطفال المشردين في الملاجئ والمخابئ والضواحي في بقاع العالم واسعة بمناطق الصراعات، حيث لا يجد الأطفال فيها أبسط متطلبات الحياة الإنسانية اليومية .. فكيف يتطلعون للاحتفاء بالعيد… جيث لا تكتفي عيون أطفال الروهينجا بترقرقها بل تذرف دما جراء الحرمان والقسوة، كما لا تفارق الدمعة عيون أمهات أطفال غزة التي طال حصارها، ولربما جفت الدمعة من مآقي أطفال اليمن بسبب الجفاف الذي أصاب أجسامهم من تداعيات الكوليرا نتيجة الأزمة التي أضرت بأهلها دون أن يبدو في الأفق حل قريب لها.

بل كيف ستكون عيون مشردي الأزمة السورية من النساء والأطفال والرجال خصوصا وأن العيد في المخيمات الأوروبية والعربية لن يكون بأي حال بطعم لمة العيد وسط الأهل في الأرض السورية التي كانت حتى سنوات قليلة ماضية تنعم بالاستقرار والبهجة والسرور وللعيد فيها نكهته الخاصة به. أما عيون العراقيين غدا فقد تجمع بين النقيضين من الدموع فمنها العيون الفرحة بتحرير تلعفر، ومنها الباكية على ذكرى من راح ضحية الصراعات والحروب المتتالية التي شهدها العراق.

وكيفما كانت حال عيون البشر غدا، فيظل العيد فرصة لتجاوز الأحزان ولو بالتناسي، سائلين الله العلي القدير أن يعيد هذه المناسبة والأمة العربية والإسلامية تنعم بالصحة والعافية والاستقرار، وأن يعم السلام كافة بقاع العالم .. وكل عام وأنتم بألف خير.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
4 اعتقال طاغية وإعدامه

 

 

خالد الطراح

   القبس الكويتية
 

 

نشر جون نيكسون، كبير المحللين السابقين في الاستخبارات الأميركية خلال الفترة 1998 – 2011، أخيرًا كتابه الأول بعنوان «استخلاص معلومات الرئيس.. استجواب صدام حسين»، شارحًا الفرق بين استخلاص المعلومات والاستجواب وفقًا لمواثيق دولية وأنظمة جهاز الاستخبارات الأميركي CIA حين جرى تكليفه مع فريق من المحللين في استجواب طاغية بغداد المقبور صدام حسين بعد اعتقاله واستخلاص أكبر قدر ممكن من المعلومات من شخصية سياسية جمعت كل معاني الطغيان والغطرسة والتفنن في التخطيط للمؤامرات والانقلاب على شعبه ودول وشعوب مجاورة إلى جانب إثارة الفتنة الطائفية والرعب بين أطياف الشعب العراقي والأسرة الواحدة!

استعرض الكاتب في عدد من الفصول من كتابه بالبراهين والدلائل على داء العظمة والطغيان لصدام حسين حتى أثناء فترة اعتقاله واستجوابه والتعنت في عدم الاعتراف بجرائمه، بل على العكس من ذلك فقد بدا صدام بوضوح مصابًا ليس بانفصام الشخصية وإنما موهومًا بشخصية البطل العربي والمسلم المناضل، حيث أكد في العديد من ردوده وتعليقاته على أنه «لا يوجد إلا صدام واحد ولا مثيل أو شبيه له»!

التفاصيل التي تناولها نيكسون في كتابه عن حياة الطاغية صدام تضع القارئ وكأنه أمام عرض من الخيال وليس واقعًا حقيقًا، دفعت الكويت وشعبها والمجتمع الدولي أيضًا ثمنًا من آلاف الأرواح البشرية، خصوصًا أثناء مثوله أمام مستجوبيه ممسكًا بالقرآن الكريم أثناء اعتقاله واستجوابه حتى لحظة إعدامه!

لم تختلف رواية نيكسون عن روايات أخرى، لا سيما تحليل وحكايات لشخصيات عراقية كالرئيس العراقي السابق المعروف بـ«مام» جلال الطالباني والرئيس السابق للاستخبارات العراقية وفيق السمرائي وموفق الربيعي البرلماني والمستشار السابق للأمن الوطني، حيث أكد الأخير أن المقبور كان مهووسًا بنفسه ومواقفه إلى درجة أنه وقف على منصة الإعدام مرددًا الشهادة وداعيًا بالنصر للأمتين العربية والإسلامية وهو من استباح بركًا من الدماء داخل العراق وخارجه!

كتاب نيكسون لم يكن منصبًا بالتركيز فقط على اعتقال صدام، بل ركز بشكل مستفيض الكاتب على انتقاد إدارة الرئيس الأسبق الأميركي بوش الابن، وكذلك جهاز الاستخبارات الأميركي، حتى بدا أن الكتاب استهدف الإدارة الأميركية بالوقت نفسه الذي يجري فيه عرض معلومات وانطباعات الكاتب عن استجواب طاغية!

لحق نشر كتاب نيكسون كتاب آخر بعنوان «السجين في قصره.. صدام وحراسه الأميركيون وما لم يتحدث عنه التاريخ» لضابط أميركي سابق وهو ويل برنادنويربر، يتناول «الألفة» التي نشأت بين حراس السجين صدام و«إنسانيته» في تقديم العهود بمساعدتهم حين يخرج من معتقله على حد وصف المؤلف!

كتابان يحملان تناقضات صريحة، لكن ستظل حقيقة المقبور صدام موثقة في ذاكرة التاريخ والشعب العراقي الشقيق والشعب الكويتي وشعوب العالم أيضًا.

لعل المهم في الموضوع هو الفرصة المتاحة لمسؤولين سابقين أميركيين في نشر مذكراتهم من دون أي مساءلة قانونية، بينما القانون في دول أخرى يمنع أياً كان من توثيق ذاكرته ولكن يسمح للبعض ممن ادعوا البطولة الوهمية إبان المحن، والإصرار على روايات من نسج الخيال وتصديق أنفسهم ونسفهم للتاريخ!

المفارقة كبيرة بيننا وبين دول تحترم من يبادر في التوثيق حتى لو حملت كتبه ومعلوماته تناقضات ونقدًا قاسيًا لأجهزة وإدارات رسمية وأنظمة بهدف التوثيق لمصلحة التاريخ وليس لمصلحة فردية!

 

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 5    

واشنطن تنصح الأكراد بالشيء وعكسه

   سليمان جودة

 

    الشرق الاوسط السعودية
 

 

على مدى أسبوعين مضيا، كان الملف الكردي طافياً على سطح المانشيتات في الصحف، وكانت أطراف غير كردية كثيرة تنصح مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، بأن يؤجل الاستفتاء على الاستقلال عن العراق، الذي حدد له موعداً في الخامس والعشرين من سبتمبر (أيلول) المقبل، ولا تزال الأطراف نفسها تنصحه!

كانت النصيحة الأولى من جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، التي بذلها لبارزاني عندما ذهب إلى زيارة للإقليم، قادماً من زيارة إلى بغداد، وكانت الثانية من مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي، الذي وصف خطوة الاستفتاء خلال زيارة إلى العاصمة العراقية، بأنها الخطوة الخطأ، ولأن برنامج زيارته إلى العراق كان يتضمن بغداد وأربيل معاً، فالمؤكد أنه عندما طار إلى الثانية، قد بذل النصيحة ذاتها للقيادات الكردية، وفي المقدمة منها رئيس الإقليم بطبيعة الحال!

ولم تختلف نصيحة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عن سابقتيها، حين أنهى محادثات له مع ماتيس، الذي انتقل من زيارة العراق إلى زيارة لأنقرة!

ومن قبل كانت على الطريق نصائح أخرى ظل بارزاني يسمعها، كلما فتح الملف مع مسؤول من داخل منطقة الشرق الأوسط، أو من خارجها، ولكن النصائح الثلاث كانت الأبرز، وكانت كلها.. الثلاث وغيرها.. تقر بأن الأكراد يواجهون مشكلات مع الحكومة المركزية في العراق، بقيادة حيدر العبادي، وحتى من قبل مجيء العبادي، ولكن الوصول إلى حل لهذه المشكلات لا يعني بالضرورة، الذهاب إلى الاستقلال، لأنه من الجائز جداً أن يواجه الأكراد بعد الاستقلال، إذا جرى الاستفتاء في موعده، وإذا جاءت نتيجته بالموافقة، ما لم يتوقعوه، وما لم يتحسب له كل كردي!

لقد قرأت لرئيس الإقليم في هذه الصحيفة، أن جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي السابق قال له العبارة التالية: سوف نرى نحن الاثنين دولة كردستان خلال حياتنا!

لا أعرف.. ولكن إذا كان القصد أن الأميركان يباركون قيام الدولة الكردية، فالأميركان أنفسهم عادوا من خلال وزير دفاعهم شخصياً، ينصحونه بالعكس تماماً، بما يعني أن عبارة بايدن كانت لها ظروفها التي انتهت!

إنني مؤمن بأن موضوع الأكراد في العراق، هو قضية بين بغداد وبين أربيل، فبينهما وحدهما يجب أن يدور النقاش، وأن يصل الطرفان إلى نتيجة مُرضية لكليهما، وأن يبذل كلاهما جهداً حقيقياً في اتجاه تذليل أي عقبة في الطريق، وأن يذهب إلى طاولة النقاش بنفس صافية، وولاء للعراق يسبق الولاء لأي شيء سواه، لأن مثل هذا الولاء الذي يسبق، هو المظلة التي تحمي الطرفين، وتوفر لكل طرف منهما، ما توفره للآخر دون نقصان، أو هكذا يفترض كل محب للعراق ويريد.

لست سعيداً على كل حال، بما قاله الوفد الكردي الذي زار بغداد، عن أن محاولات المسؤولين فيها لإقناع الإقليم بتأجيل الاستفتاء، كانت غير كافية، فلقد كان على مسؤولي بغداد أن يكرروا المحاولة، مرة، ومرتين، وثلاثا، وعشر مرات، لأن القضية تستحق، ولأنهم هم الطرف المشكو منه، ولأنهم هُم أصحاب اليد العليا، بحكم أنهم العاصمة المركزية، ومن شأن العاصمة التي تحمل هذه الصفة، أن تقرب الأقاليم إليها طوال الوقت، وأن تذهب هي إلى الإقليم.. أي إقليم.. قبل أن يأتي هو إليها، أو إلى غيرها شاكياً!

لست سعيداً لأن العلاقة التي لا بد أن تقوم بين كل عراقي في بغداد، وكل عراقي في أربيل، هي علاقة المواطنة دون غيرها، وليس لكلمة المواطنة من معنى سوى أن كل عراقي، أياً كان موقع إقامته في الدولة العراقية، وأياً كان مذهبه، وأياً كان دينه، وأياً كان.. وأياً كان.. له في كل أحواله، ما لكل مواطن آخر، وعليه ما عليه.. إنها كلمة ساحرة، لأنها بتركيبتها، وبحروفها، تجعل الوطن هو الأرضية التي يقف عليها الكافة، فلا تميل من فوقها إلى هذا المواطن لسبب، ولا تميل على ذاك لسبب آخر.. المواطنة إذا أخذناها ملاذاً، وإذا لجأنا إليها تفادياً لكل دعوات التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، كفيلة بتقديم الدواء، وقادرة قبل تقديم الدواء، على بث الطمأنة الكافية في قلوب كل مجموعة تشعر بأن وطنها ضاق بها، وتريد أن تفارقه!

ولو كانت المواطنة مبدأ قائماً في علاقة بغداد بأربيل، ما كان بارزاني قد قال في لقاء له مع اتحاد النقابات النسائية والشباب والطلبة، في كردستان، إن بديل الاستقلال هو القبول بأن تحكم بغداد الإقليم… إن أي قارئ لهذه العبارة على لسان الرجل سوف يتساءل في حيرة: وماذا في أن تحكم بغداد، إقليماً هو في الأول وفي الآخر، من بين إقليم الدولة العراقية؟!.. اللهم إذا كان حكمها غير عادل، فهذا هو ما لا يقرها عليه أحد، وهذا هو ما يتعين عليها أن تسارع إلى العدول عنه، لتكون عاصمة عادلة وهي تتعامل مع أقاليم الدولة، خصوصاً إذا كان أبناء الإقليم لديهم في حالة مثل حالة كردستان، إحساس تاريخي بالظلم غير المُبرر!

لقد نقلت «الشرق الأوسط» صباح الخميس الماضي في صدر صفحتها الأولى، عن كفاح محمود، المستشار الإعلامي في مكتب رئيس كردستان، قوله، إن الاستفتاء لن يجري تأجيله دقيقة واحدة، إلا إذا كان لتأجيله بديل مكتوب، يحدد موعداً آخر للاستفتاء، ويحترم نتائجه، على أن تكون الأطراف الأساسية حاضرة فيه، وقد حدد الأطراف التي يعنيها بأنها بغداد، والولايات المتحدة، وتركيا، وإيران.

إنني أُقر بأن الأكراد العراقيين عانوا في أكثر من مرحلة، من مراحل الحكم في العراق، وأعرف أنهم سمعوا من قبل كلاماً كثيراً، ولم يجدوا فعلاً على الأرض يُصدّق الكلام، وإلا ما كانوا قد طالبوا ببديل «مكتوب»… ولذلك فالرهان هنا على حكماء العراق، من أول العبادي، ومروراً بمقتدى الصدر، وانتهاء بالسيستاني.. فهؤلاء الثلاثة أشعر مما يقولونه في مناسبات مختلفة، أن العراق عندهم يظل أولاً، وعاشراً، وأنه لكل أبنائه دون تمييز لأي سبب… وأريد أن يشعر كل عراقي كردي بمثل ما أشعر به، لأنه لا شيء أبقى للمواطن في بلده من الوطن الواحد.

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
 6    خلافة «دويلة داعش»

 

وليد أبي مرشد

  

    الشرق الاوسط السعودية
 

أيام «دويلة داعش» المزعومة باتت معدودة بعد انهيار معنويات ما تبقى من شراذم «داعش»، كما أظهرت معارك تلعفر والرقة وجرود جبال لبنان الشرقية.

خسارة الموصل، أكبر المدن التي سيطرت «داعش» عليها في حربها الصاعقة في العراق، كانت نقطة تحول عسكري مصيري في حملتها الجامحة للسيطرة على مناطق في غرب العراق وشرق سوريا وتوحيدها بداعي بعث هذه الدويلة على أنقاض الجغرافيا والتاريخ معاً.

ولكن، إذا أصبح مصير دويلة داعش «كدويلة» دخيلة على الشرق الأوسط والقرن الحادي والعشرين في ذمة التاريخ، فإن السؤال الكبير يبقى: من يملأ الفراغ الأمني الذي تخلفه وخصوصاً الفراغ «الآيديولوجي»، إن صح التعبير؟

لم تحتَج هذه الدويلة إلى أكثر من أسابيع معدودة لتكشف عن الوجه القاتم لنظام حكمها التعسفي وأسلوبه الدموي، مما يرشح الإرهاب الفردي والجماعي لـ«داعش» إلى تعريف لغوي خاص يميّزه عما سبقه من إرهاب.

إلا أن اللافت في تصرفات «الداعشيين» أنّها لم توفر، في شططها، حتى إرهابيي «إخوانها» من التنظيمات المتشددة التي تنافسها في سباق استقطاب التكفيريين، كما كشفت تجربة التعايش القصيرة بين فصائل التكفيريين في محافظة إدلب السورية – التي اختاروها ملجأ مؤقتاً لمسلحيهم المنسحبين من جبهات القتال.

في هذا المنعطف الدقيق في مصير الإرهاب التكفيري الملقب، تأدباً، «بالدولي»، لا بدّ لدول الشرق الأوسط من طرح تساؤل جدي: ماذا بعد دويلة داعش؟

هل يكفي دحر الإرهاب، عسكرياً، في سوريا والعراق لقطع دابر التنظيمات التكفيرية أم أن اجتثاث الإرهاب يستوجب التعامل مع جذوره أيضاً كي لا يتحول، بدوره، إلى بؤرة مصدّرة للإرهاب العشوائي على غرار تنظيم القاعدة؟

السؤال يوجه بطبيعة الحال – وقطعاً بالدرجة الأولى – إلى دول الشرق الأوسط التي شكلت «الحاضنة التراثية» للتنظيمات الإسلامية المتشددة، ولكنّه يعني أيضاً العالم أجمع، وتحديداً العالم الغربي، بحكم ما يمثله من تحدٍ لمفاهيمه السياسية ولقيمه الحضارية وحتى الفكرية.

استئصال الإرهاب بالقوة إجراء لا بد منه في مواجهة المقاربة العدوانية للسلوك السياسي للتنظيمات المتطرفة. ولكن هذه المعالجة تبقى قاصرة عن القضاء على الإرهاب ما لم تتعامل مع جذوره السياسية والفكرية أيضاً.

قد يكون للإرهاب، في الظاهر، وجه واحد، ولكنّ دوافعه الباطنية تتمايز بين إرهاب وإرهاب إلى حد يبرر اعتباره مجموعة نزاعات متداخلة ومتصادمة أحياناً تستدعي، بموازاة التعامل العسكري معها، مواجهتها بعملية «فك ارتباط» مدروسة ودقيقة.

على سبيل المثال، يصعب التعامل مع جذور السلوك الإرهابي في الشرق الأوسط بمعزل عن مشاعر الإحباط المذهبي السنية حيال المد الشيعي في المنطقة، وبمعزل عن المواجهة القومية العربية – الإيرانية المتنامية، والمتجلببة بعباءة دولية أميركية – روسية تستدعي مشاركة فعالة من الدولتين فيما يصفانه بالحرب على الإرهاب.

وهنا «كعب أخيل» الحرب الدائرة على الإرهاب، فإذا كانت موسكو وواشنطن تجمعهما اليوم مصلحة مشتركة في القضاء عسكرياً، على «الإرهاب الدولي»، فإنّ حساباتهما لمرحلة خلافة «داعش»، لن تكون بالضرورة متطابقة – إن لم تكن متناقضة بمقدار تناقض مصالحهما في الشرق الأوسط… فهل من المغالاة توقع أن تكون مرحلة ملء فراغ دولة الإرهاب في سوريا والعراق أصعب سياسياً من مرحلة محاربة الإرهاب؟

 

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
7 ما هي الأسباب الحقيقيّة لهُجوم الحُكومة العراقيّة على السيد نصر الله واتفاقه مع “الدولة الإسلامية”؟ ولماذا انحاز المالكي لـ”حزب الله” واتهم مُنتقديه بالجُنون في إشارة للعبادي؟ وكيف ترى أمريكا المُفاوضات مع “الدّولة” “حلال” في تلعفر و”حرام” في القلمون؟

 

 عبد الباري عطوان

 

    الراي اليوم بريطانيا
   

الخِلاف الذي “انفجر علانيّةً” بين السيد حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، والسيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله على أرضيّة اتفاق القلمون الشمالي الذي سَمح بترحيل 310 مُقاتلين من “الدولة الإسلامية” وعائلاتهم إلى البوكمال السورية على الحدود العراقية شرقًا، هو الأول من نوعه بين الجانبين، وتَقف خَلفه الولايات المتحدة الأمريكية، بطريقةٍ أو بأُخرى.

العقيد ريان ديلون، المُتحدّث باسم التحالف الدولي لمُحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “داعش”، عبّر عن هذا الدّعم الأمريكي صراحةً عندما أكّد إقدام طائرات التّحالف “أمريكيّة” على قَصف الطريق وجسرًا صغيرًا لمَنع الحافلة المُكوّنة من 17 حافلة و11 عربة إسعاف من مُواصلة سَيرها باتجاه هَدفها، وأكّد أن قصفًا آخرًا قد يَستهدفها في أي لحظةٍ، لأن أمريكا لن تَسمح بإيجاد ملاذاتٍ آمنةٍ للإرهابيين، ونَقلهم من مكانٍ إلى آخر ليس حلاًّ”.

المُشكلة تَكمن بالنّسبة إلى الأمريكيين في كَون من توصّل إلى هذا الاتفاق علنًا هو “حزب الله” وبمُباركةٍ سوريّةٍ، وليس في نَقل مُقاتلي تنظيم الدولة من مكانٍ إلى آخر، فأعدادٌ كبيرةٌ من هذا التنظيم لجأت إلى إقليم كردستان بعد معركة الموصل، وسلّمت نفسها إلى حُكومتها، والشيء نفسه أقدمت عليه قوّات سورية الديمقراطيّة المَدعومة أمريكيًّا، في منطقة منبج في شمال غرب سورية، عندما سَمحت لمُقاتلي الدّولة بالخُروج منها إلى مدينة الباب وريف حلب، ولم تَعترض أمريكا مُطلقًا على هذه الخُطوة، ولم تُطالب بقِتالهم حتى المَوت.

وما يُؤكّد هذه النظريّة، حالة الانقسام التي طَفت على السّطح في العِراق على أرضيّة هذه الاتفاقية، فالسيد نوري المالكي، رئيس ائتلاف كُتلة القانون، ونائب رئيس الجمهورية، تصدّى بالرّد على السيد العبادي الذي عارض الاتفاق بشدّةٍ، ووصفه، أي العبادي، بأنه إساءةٌ إلى الشعب العراقي بقوله، والكلام هنا للمالكي، “أن الاتفاق كان شأنًا سوريًّا لا علاقة للعراق فيه، وأن الحَملة المُمنهجة التي تستهدف حزب الله، والسيد حسن نصر الله وقراراه الصّائب مُغرضة وكل من يَقف خلفها مُختل عقليًّا”، في انتصار واضحٍ لأمين عام حزب الله، وسورية، والوقوف في الخندق المُقابل للرئيس العبادي وحُلفائه الأمريكان وبعض العراقيين.

***

أخطر ما قاله السيد المالكي في بيانه هو “لماذا سُمح للمئات من داعش بالانسحاب من تلعفر بعد أن سلّموا أسلحتهم لقوّات البيشمرغة”، وتأكيده “أن المدينة (تلعفر) لم تُحرّر بالقتال، وإنّما باتفاقٍ، وتساءل: فهل الاتفاق في العراق جائز وفي سورية مُحرّم؟”.

هذه الخِلافات تَعكس في رأينا السيناريوهات والخِلافات المُتوقّعة في المَرحلة التي ستتلو “هزيمة” تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق، وأبرزها تَقَاتُل حُلفاء الأمس الذين وحّدهم مَشروع الحَرب على هذهِ “الدّول”، وجَعلهم يَضعون خِلافاتهم جانبًا.

فالسيد العبادي اختار الوقوف في صَف الحليف الأمريكي، أمّا خَصمه اللّدود السيد المالكي فيَقف بقوّةٍ في المُعسكر الإيراني، ويَدعم “حزب الله” وسورية، وزيارة السيد العبادي للسعودية مُؤشّرٌ مُهمٌّ في هذا الإطار، وسيَنعكس هذا الخِصام في الانتخابات العراقيّة البرلمانيّة المُقبلة.

الولايات المتحدة الأمريكية لم تَضرب مُطلقًا قوافل “الدولة الإسلامية” التي كانت تتوجّه وَسط صحراءٍ قاحلةٍ من الرقّة باتجاه الموصل قبل أربعة أعوام تقريبًا، وهي التي تَزدحم الأجواء السورية والعراقية بطائرات استطلاعاتها وأقمارها الصناعيّة التي تَرصد تحرّكات النّمل على الأرض، لأنها كانت، وبكل بساطةٍ، تُريد إسقاط حكومة المالكي المُوالية كُليًّا لإيران، والمُتّهمة بالطائفيّة والفَساد.

ما تَخشاه أمريكا أن تَشهد الأيام المُقبلة “تحالفًا” غير مكتوبٍ، وغير مُتوقّع، بين بعض أجنحة “الدولة” وربّما “حزب الله”، يَخوض حربًا ضد أمريكا وحُلفائها في العراق، وربّما يُفيد التذكير بأن مُحافظة دير الزور كانت منطقةَ تَجمّعٍ وحمايةٍ للمُقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والقافلة كانت تتّجه إلى “البوكمال” المَعبر الذي تُسيطر عليه قوّاتٌ تابعةٌ لـ”الدولة الإسلامية”.

ربّما يبدو هذا السيناريو مُفاجئًا وغير منطقيٍّ في نَظر البعض، وهذا صحيح، ولكن هل جميع التحالفات على الأرض العراقية والسورية مَنطقية، ألم تتغيّر عدّة مرّات سياسيًّا وميدانيًّا؟ ألم توفّر الإدارة الأمريكية الحاضنة الدافئة لـ”الدولة الإسلامية” في العراق، ويُقدّم حُلفاؤها الدّعم المالي والعَسكري لها في سورية في بداية الأزمة على أمل التّعجيل بسُقوط النظام في سورية قبل أن تنقلب عليها؟ ألم تدعم السلطات السورية المُقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وتُقدّم لها الدّعم وتُسّهل حَركتها عبر الحُدود، ومُعظم عناصرها مُتطرّفة؟

هناك مَدرستان في كيفيّة التعامل ميدانيًّا مع “الدولة الإسلامية” وقوّاتها والفصائل الأخرى المَوضوعة على قوائم الإرهاب في حالةِ صراعٍ علنيٍّ حاليًّا:

 

    الأولى تضم سورية وحزب الله وإيران، ومَدعومةٌ من روسيا، تقول بالتفاوض مع هذه المُنظّمات، وتوفير ممرّات آمنة لها إلى مناطق تحت سيطرتها، بعد هزيمتها في ميادين القتال، بهدف تجميعها في منطقةٍ واحدةٍ، ثم القضاء عليها إذا رفضت الاستسلام، وإلقاء السلاح وحل نفسها، والوضع في إدلب أفضل مِثال في هذا الخصوص.

    المدرسة الثانية، عراقيّة وتقول بضرورة قِتال هذه المُنظّمات، وتنظيم “الدولة الإسلامية” خاصّةً، حتى الموت أو الاستسلام، ومَنع أي مُفاوضات “علنيّةً” معها، وتصريحات السيد العبادي وقوّات الحشد الشعبي واضحةٌ في هذا المِضمار.

 

***

نحن الآن أمام مرحلة استقطابٍ جديدةٍ داخل التحالف السوري العراقي الإيراني، مِحورها جناحان، الأول يضم السيد العبادي، والتيار الصّدري، وبعض القِوى السنيّة، ويَحظى بدعم الولايات المتحدة وحُلفائها في الخليج، والثاني يَضم حزب الله في لبنان، والسيد المالكي والحشد الشعبي في العراق، ويَحظى بدعم إيران وسورية وروسيا.

لا نَستبعد أن تنضم تركيا إلى المِحور الثاني، أي السوري الإيراني الروسي، بسبب تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة، ودعم الأخيرة لمشروع قيام كيانٍ كُرديٍّ على طُول حُدودها الجنوبيّة مع سورية والعراق، وشمال غرب إيران، وربّما يكون هذا عُنوان الحرب الإقليميّة المُقبلة.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيقوم بعد عطلة عيد الأضحى بزيارة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية، استراتيجيًّا وعَسكريًّا، للعاصمة الإيرانية، ونَتوقّع أن تُسفر عن خَريطة سياسيّةٍ جديدةٍ، تُبلور تحالفًا جديدًا، تَلعب فيه البُلدان المَذكورة دورًا مِحوريًّا، في مُواجهة التّحالف الأمريكي الكُردي الخليجي، ويَجد كل الدّعم والمُباركة من الرئيس فلاديمير بوتين.. والله أعلم.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
8 عجلات حافلات داعش توقفت.. هل يلعب العبادي بالنار

 

 كمال خلف

 

    الراي اليوم بريطانيا
 

 

فجأة ظهر الموقف العراقي الرافض لاتفاق حزب الله مع تنظيم الدولة لنقل عناصر التنظيم من جرود القاع على الحدود السورية اللبنانية إلى منطقة البوكمال على الحدود مع العراق .

 الموقف العراقي عبر عنه رئيس الوزارء العبادي في مؤتمر صحفي بطريقة دبلوماسية  إلا أن العبادي ليس الوحيد في العراق الذي عبر عن هذا الرفض ، فهناك في العراق من سبقه إلى ذلك وزاد من وتيرة الرفض حتى وصل الانتقاد إلى الإساءة إلى شخص الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله وحزبه . وشهدت مواقع التواصل العراقية حملة شتائم وإهانات وهجوم على خلفية هذا الملف . ما استدعى من السيد نصر الله إصدار بيان رد فيه على المواقف السياسية العراقية ووضح فيه حاجة لبنان للكشف عن مصير العسكريين المختطفين وهو ما كان ليتم لو أن الحزب والجيش السوري اجهزوا على عناصر تنظيم الدولة بعد حصارهم في الجرود .

وعلى هامش هذا التطور المفاجيء يهمنا أن نورد الملاحظات التالية

أول ما يلفت الانتباه هو اتخاذ الجانب العراقي وسائل الإعلام للتعبير عن موقفه الذي يتلخص في جملة وهي” لماذا سحبتم عناصر التنظيم من حدود لبنان إلى حدودنا ” . هنا يمكن أن نتساءل عن عدم ذهاب العراق إلى القنوات الدبلوماسية المفتوحة مع دمشق ، إذ يتنقل رئيس مجلس الأمن الوطني العراقي “فالح الفياض”  بين دمشق وبغداد عند حدوث أي تطور أو الحاجة لأي تنسيق . كما أن القنوات مفتوحة أيضا مع حزب الله .

ثانيا – لماذا تحدرج الموقف الدبلوماسي العراقي إلى حملة ضد حزب الله وأمينه العام  تحديدا وبهذا السرعة القياسية خلال أقل من 24 ساعة ؟

ثالثا – لماذا ظهر الموقف السياسي العراقي في منتصف عملية التنفيذ ،  وبعد انطلاق الحافلات ووصولها الى مابعد منتصف الطريق علما أن الاتفاق معلن منذ أيام وكل وسائل الإعلام تحدثت عنه وعن بنوده وعن وجهة عناصر داعش إلى البو كمال .

رابعا – الموقف الأمريكي الذي ترك أيضا الاتفاق يمضي إلى مرحلة التنفيذ ثم نفذ غارات تحذيرية لوقف الحافلات التي تنقل عناصر تنظيم داعش ، وهي بالفعل توقفت ومازالت تنتظر .

الملاحظة الخامسة والأخيرة ، وهي عدم انتظار الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله أقل من أربع عشرين ساعة لخطابه المرتقب اليوم الخميس في مدينة بعلبك ليرد على المواقف العراقية وسارع لإصدار بيان مكتوب مساء الأربعاء . هذا ربما يؤشر إلى أهمية التوضيح السريع وخطورة الموقف  المفاجيء .

ربما نستطيع الإجابة على ماسبق من تساؤلات بالتحليل ورصد المزيد من الملاحظات .

 الثابت في المشهد أن الأمريكيين اختاروا التوقيت بعناية فائقة لإيقاع الحزب وحلفائه في مأزق . إذ لم يعلقوا على الصفقة لإخراج داعش من الحدود السورية اللبنانية ، وتدخلوا في وقت التنفيذ واوقفوا مسير الحافلات .

 وهذا يفسر أيضا عدم تعليق الحكومة العراقية على الصفقة حين ابرامها ، واللحاق بالموقف الأمريكي حال إعلانه . ويبدو هذا التصرف الأمريكي مرتبط بسلسلة من السياسات تهدف لخلق المزيد من المشكلات لحزب الله . إذ يتزامن الموقف الأمريكي من صفقة حزب الله بهجمة مركزة على الحزب داخل العراق ، و مع ترتيب إعادة تفعيل قوات اليونيفيل على الحدود مع فلسطين المحتلة ، بناءا على طلب إسرائيلي تبنته بشكل كامل سفيرة  واشنطن في الأمم المتحدة “نيكي هيلي”  يقضي باعطاء صلاحيات للقوات الدولية لمنع حزب الله من التحرك في قرى الجنوب اللبناني وفق القرار الدولي 1701 الصادر بعد حرب تموز 2006 ، بالإضافة إلى إرتفاع وتيرة الحملات على الحزب من قبل افرقاء في لبنان ووسائل إعلامهم  .

أما اختيار الحكومة العراقية للتعبير عن موقفها عبر وسائل الإعلام  و ليس القنوات الدبلوماسية ، فهو يعكس مؤشر على أن السيد العبادي يخرج نفسه من مربع التحالف  مع محور طهران دمشق حزب الله ، وينأى بالعراق عن هذا المحور ، ويقترب بشكل مفاجيء من الخيارات الأمريكية   . وهنا نعتقد أن السيد العبادي يغامر مغامرة كبرى . إذ أن قوى عراقية بدت محرجة من موقف العبادي ، وبعضها بدأ بالفعل انتقاده ولعل الساعات المقبلة ستشهد المزيد من تفاعل هذا الموقف المفاجيء. وقد يهدد هذا وحدة الحكومة العراقية ويلحق الضرر بالداخل العراقي أكثر من أي جهة خارجية أخرى . لا نعرف اذا كانت الخطوط الساخنة التي فتحت ليلا بين عواصم الشأن ستثمر حلا للأزمة وتعيد دوران عجلات الحافلات باتجاه البو كمال أو أي اتجاه آخر . أم أن سياسية اللعب بالنار في الداخل اللبناني والعراقي ستستمر.  سنعرف خلال ساعات الإجابة .

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
9إعادة فتح طريبيل يفتح نافذة فرص للبلدين والشعبين الشقيقين

 

 محرر الشؤون العربية صحيفة الراي الاردنية
 

 

لو لم يكن الارهاب وارتكاباته ولو لم تكن الفوضى التي استثمرها الارهابيون لتمزيق عرى هذه الامة واستباحة حدودها وتهديد امنها الوطني والقومي وضعضعة الامن والاستقرار في ربوعها وتحطيم اقتصاداتها وإعمال القتل والخراب في صفوفها, لما كان لمعبر طريبيل ان يغلق بل ولما كان أي معبر حدودي بين اي دولة عربية واخرى ليُغلَق وان يتهدده الارهاب ويمعن في شرذمة الامة وتمزيق نسيجها الداخلي واشاعة القلق بين شعوبها..

 

لهذا جاء افتتاح المعبر الحيوي بين الاردن والعراق امس الذي شهده مسؤولون رفيعو المستوى من البلدين الشقيقين احتفالياً بكل ما يرمز اليه الفرح بعودة الامور الى سابق عهدها, كرسالة لكل كتائب وجيوش الارهابيين بأن خطابهم لن يكتب له النجاح وان مشروعهم الاجرامي محكوم بالفشل وأن امتنا امة واحدة رغم ما بذلوه وما انتُدبوا لاعاقته او تدميره.

 

لهذا ايضاً فإن ما لفت اليه رئيس الوزراء د. هاني الملقي من أن اعادة فتح معبر طريبيل الحدودي جاء ثمرة التعاون الاردني العراقي انما يندرج في تأكيد الثوابت التاريخية والجغرافية التي لا يستطيع الارهابيون ولا القتلة ولا اعداء هذه الامة المجيدة ان ينسفوها أو يضعفوها أو العمل على اعاقة التكامل البيني بين الاردن والعراق كذلك بين الاردن وسوريا وكل ما يمكن ان يعيد الامور الى نصابها ويخدم المصالح المشتركة للدول الشقيقة, على نحو يعكس حقيقة أن مشروع الارهابيين وخطابهم في طريقه الى الانتهاء والهزيمة وان السنوات العجاف التي استثمر فيه اعداء هذه الامة كل ما توفروا عليه لن تستمر وأنها مرحلة عابرة ولن تعود..

 

لا يخفى على احد أن الاردن الذي اثبت صحة ودقة قراءاته لما مرت وتمر به المنطقة العربية من احداث وعواصف, استطاع بحكمة وصلابة جبهته الداخلية وشجاعة وبطولات قواته المسلحة واجهزته الامنية أن يحافظ على حدوده مع الاشقاء في العراق واحبط كل محاولات المس بأمنه الداخلي أو اختراقات الجماعات الارهابية, على النحو الذي نجح فيه ايضاً الاشقاء العراقيون في الانتصار على الهجمة الظلامية فائقة الوحشية وما انجزه مقاتلوه الشجعان في الموصل والانبار وتلعفر من دحر للاهارب وتطهير لأوكاره والعمليات العسكرية المتواصلة لاعلان العراق خالياً من المجموعات الارهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الارهابي, انما تعكس قدرة هذه الامة وشعوبها على الصمود واجتراح المعجزات من اجل دفن المشروع الارهابي ودحره.

 

اعادة افتتاح معبر طريبيل ينطوي ايضاً على الفرص المتاحة والمتجددة لتعزيز التجارة والاستثمار والثقل بين البلدين دونما معوقات أو خضوع لاجندة الارهابيين ويشكل في الوقت ذاته قفزة نوعية على طريق اعادة اعمار العراق الشقيق ومنح الفرصة للقطاع الخاص في البلدين الاستفادة من هذا الانجاز لتوثيق العلاقات والمصالح المشتركة على أكثر من صعيد وفي اكثر من مجال تسهم كلها في تنشيط الاقتصاد ورفع مستوى التبادلات التجارية وتعميق التعاون والتنسيق بين عمان وبغداد دون خشية من هجمات ارهابية او محاولات لاعاقة عودة الامور الى مساراتها السابقة, بعد أن اثبت العراقيون قدرتهم على هزيمة الارهاب وحماية الطرق الدولية والمعابر الحدودية التي تربطه بالاردن, الذي اسهم في تأمين حدوده ورفض محاولات الارهابيين للسيطرة على المعابر التي تربطه بالعراق, ما ادى في النهاية الى انكفائهم وهزيمتهم.

 

من نافل القول التأكيد على اعادة فتح معبر طريبيل يشكّل اشارة واضحة بأن العراق في طريقه الى بسط سيطرته على معابره كافة واستعادة الامن والاستقرار في ربوعه وسيجد من الاردن كما وجد على الدوام كل دعم ومساندة واستعداد غير محدود لرفع مستوى التنسيق والتعاون معه وبما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين واعادة دورة الحياة والتنمية الى بلاد الرافدين.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
10خط بغداد” يعود الى الحياة

 

 محمد داودية صحيفة الدستور الاردنية
 

عشت 22 عاما في ستينات وسبعينات القرن الماضي، في المفرق التي تسترخي على حواف وضفاف “خط بغداد”. وفي مثل ايام الحج المعلومات المباركة هذه، العشر الاوائل من شهر ذي الحجة، التي شهد لها الرسول الكريم بأنها أفضل أيام الدنيا، كان خط بغداد، شريان الحياة القومي، ضاجّا بالحركة، عامرا مزدحما بالحافلات التي تقلُّ حجاجَ بيت الله الحرام، المتدفقين من كل مدن العراق العظيم، الذين يعبرون بلادنا معززين مكرمين، من معبر طريبيل، مارين بالاجفور (الرويشد) والمفرق والزرقاء وعمان معان والمدورة.

كان اهل المفرق، حسنية ومعانية وشوام وشمالات وعائدين وبدو ومغاربة ومسيحيين،  يستقبلون قوافل الحجاج العراقيين، في الذهاب والاياب، بالترحاب الحار وتقديم الخدمات المجانية، وابرزها تقديم الماء البارد المثلج، المضاف اليه النعنع وقطرات من الليمون وماء الورد والزهر، الى الحجاج الظمأى العطاش.

 

ظل “خط بغداد”، خط وصل لا خط فصل، باستثناء السنتين الماضيتين التي سيطر فيهما الارهابيون على الجانب العراقي من هذا الخط، وتولوا ادارته، مقابل خاوات فرضوها على الشاحنات العابرة، عبر هذا الخط تدفقت قوافل الجيش العراقي العظيم عام 1948 لنصرة أهلنا في فلسطين ومن جثامين الشهداء العراقيين قامت مقبرة المفرق، أكبر مقبرة لشهداء العراق خارج العراق.

 

ومرة جديدة تدفقت جحافل الجيش العراقي العظيم، الى الأردن عبر “خط بغداد” عام 1956 للمشاركة في رد العدوان الثلاثي على مصر والتقت في المفرق حينها، جيوش ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا والسعودية.

 

جيش العراق العظيم، خاض مجددا، معركة الحياة والمستقبل والنور، ضد طغم الإرهابيين الخوارج، وهزمهم فاستحق التهنئة على النصر المبين وعلى كنس الارهاب الوحشي من الحدود المشتركة معنا، وتحرير الانبار والموصل وتلعفر، وأعاد تجهيز هذا الخط الاستراتيجي من جانبه، ليعود الخط العظيم، جسرا صلبا للبشر والسلع بين الاردن والعراق ودول الخليج العربي.

 

ظلت بوابة الكرامة، وكل بوابات الاردن ومدنه وشوارعه وميادين الاستثمارات فيه، مشرعة لأهلنا العراقيين، الذين يعيشون بيننا بكل أمن وانسجام وارتياح، هم جزء منا ونحن جزءا منهم لا فضلا ولا منّة.

 

لقد قدم العراقيون تضحيات جسام لتحرير وطنهم العريق الضارب في الحضارة، من طغم الخوارج ولتخليص البشرية من شرورهم وأخطارهم، انجلت عن نصر مؤزر، كان من اولى ثماره المباركة، اعادة وصل ما انقطع بين الاردن والعراق، وافتتاح خط الكرامة – طريبيل، ليعود التنقل والسفر بين البلدين الشقيقين، على اعلى درجات التدفق والامن.

 

ان عودة الحياة الى أمنها وطبيعتها بين الاردن والعراق، عبر “خط بغداد” البري الشهير، يؤشر ضمن الكثير من المؤشرات، على الاستقرار والأمان وعلى اندحار الارهاب وغروبه النهائي، عن العراق وعن الاقليم وعن العالم، ويؤشر على اولويات الاردن والعراق، الحريصين على اعادة بناء واحياء خطوط الحياة الواصلة بين شعبين متكاملين، امنا وجيشا واقتصادا وسياحة.

 

سيشهد “خط بغداد” حركة دؤوبا، ذهابا وإيابا، وسيعود الاردنيون الى دجلة والى مسقوف “ابو النواس” والى طربيات “خان مرجان”. وسيعود عشرات الالاف من الاردنيين الذين اغدقت عليهم العراق وفتحت لهم قلبها وجامعاتها، سيعودون ليشهدوا نهوض العملاق العراقي من جديد.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
11 البرزاني في مربع الأزمات !

 

 

  محمد كعوش

 

   الدستور الاردنية
–          

 

انهار تنظيم داعش في العراق، ولكن الأزمة العراقية لن تنتهي لأن هناك معركة طويلة صعبة بانتظار الجيش العراقي والحشد الشعبي ستكون في مواجهة البشمركة ومسعود البرزاني الذي سيعلن الإنفصال عن الدولة العراقية واقامة دولته الكردية في الشمال.

 

الحقيقة أن العراق، بعد الإحتلال وبتخطيط من الإدارة الأميركية غرق، وسيظل، في أتون الصراع المذهبي والعرقي الى امد غير منظور، وهذا يعني استيطان الحروب والصراع الأهلي في بلاد الرافدين، بسبب جهل القيادة العراقية التي جاءت مع الإحتلال، أو جاء بها الإحتلال، والتي لم تفكّر يوما بتحقيق المصالحة الوطنية ومشاركة كل مكونات المجتمع العراقي في عملية صياغة مستقبل البلاد، ووقعت أسيرة شهوة الإنتقام، فأخذها عنادها، ومعها العراق كله، الى حافة الهاوية.

 

رئيس حكومة بغداد حيدر العبادي استعجل باعلان النصر، وهو العارف بأن فرحته لن تكتمل، لأنه على يقين بأن الحروب ما انتهت، ويدرك حجم التحديات الآتية وخطورتها، فمسعود البرزاني (صياد الفرص) أو قناص الجوائز، يختلف كثيرا عن ابو بكر البغدادي، فالبرزاني كان يراقب وينتظر لإلتقاط اللحظات التاريخية المناسبة، ليمارس ابتزازه الذي اتقنه جيدا، فهو الكاسب الوحيد الذي حصد الغنائم بسهولة من خلال الخلافات والصراعات القائمة، والتي لا أعتقد انها انتهت أو ستنتهي في الأفق المنظور، الى أن تظهر قيادة عقلانية حكيمة في العراق تؤمن بالمصالحة والمشاركة والعدالة والمساواة بين كافة مكونات الشعب العراقي.

 

منذ عاصفة الصحراء حتى احتلال بغداد والى اليوم، نجح البرزاني في تكوين كيان كردي وبناء هيكل الدولة المستقلة على الصعيدين السياسي والإقتصادي، اضافة الى حصة الكرد في السلطة المركزية في بغداد، دون ان يقول له احد: «ما أحلا الكحل بعينيك» وهو قول يردده اخواننا في لبنان في مثل هذه الأحوال.

 

كان الكل يسعى الى طلب ود البرزاني ونصرته بسبب الصراع القائم، ولأنه خبير في انتهاز الفرص واتقن لعبة التعاون مع الشيطان كسب الكثير ووسع مساحة سلطاته وسلطانه الى أن وصل الى كركوك وحقول النفط، وبدأ يفرض شروطه ويغيّر قواعد اللعبة في سوق المحاصصة وتوزيع الغنائم.

 

وقبل أن ينتهي الجيش العراقي من حربه على داعش، وجه البرزاني ضربته المؤلمة لحكومة بغداد المتمثلة بتصويت مجلس كركوك لصالح المشاركة في إستفتاء الإنفصال، وهو القرار الذي اكتفى العبادي بوصفه بانه «قرار خاطئ»، وهو قول العاجز لأن يديه مكبلتين بالحرب ضد الإرهاب، وبالتالي غير قادر على التصعيد في الوقت الحاضر، اضافة الى أن البرزاني يعرف قدرات الجيش العراقي المنهك بالحرب على داعش.

 

الثابت ان البرزاني يتوجه لإجراء الإستفتاء وإعلان الإنفصال خصوصا أن «الدولة الكردية» لا ينقصها سوى اصدار جوازات سفر وتعيين سفراء واعتراف دولي فقط لا غير، الا اذا منحته بغداد المزيد من المكاسب وحسب شروطه، خصوصا ان الولايات المتحدة حامية وراعية للأكراد بالرغم من رغبتها بتأجيل الإستفتاء لظروف اقليمية مرحلية، الى جانب الدعم الإسرائيلي ومعظم الدول الأوروبية.

 

ولكن رغم كل هذه التفاصيل والرغبات والقرارات، أرى أن لعبة البرزاني ليست سهلة، ولن تمر بسلام، فهي خطوة لها ارتداداتها وتدعاياتها الإقليمية، وقد تقود الى تطورات غير محسوبة أو متوقعة تقود الى تغيير جذري في التحالفات الإقليمية والدولية، لأن تركيا وايران والعراق وسوريا لن تسمح للبرزاني باستغلال الوضع الراهن، أو التسلل من ثغرة الصراعات القائمة لتحقيق أهدافه باقامة دولته في وسط هذا المحيط الجيوسياسي الذي يفرض شروطا معاكسة باسم التاريخ والجغرافيا.

تعنوان المقالة او الافتتاحيةاسم الكاتبمكان النشر
12 

فتح معبر “الطريبيل” والتفاؤل المفرط

موسى شتيويالغد الاردنية
 

 

بدون شك، فإن افتتاح معبر”الطريبيل” وعودة حركة النقل البري بين الأردن والعراق يُعد حدثاً مهماً بعد إغلاقه لسنوات عدة نتيجة فقدان الأمن على الطريق التي تربط الأردن مع العراق الشقيق.

الحدث يستحق الاهتمام الذي حظي به، لأن ذلك سوف يعمل على تنشيط حركة النقل البري بين الدولتين والذي من المتوقع أن تكون له آثار إيجابية واضحة على قطاعات عدة مثل: النقل، والزراعة، والصناعات الأردنية.

بعد افتتاح معبر “طريبيل”، فإن عيون الأردنيين تتجه شمالاً بانتظار افتتاح المعابر مع سورية والذي سوف يمهد لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين وبخاصة التبادل التجاري بين البلدين والذي سينعكس أيضاً، وبشكل إيجابي، على قطاعات واسعة من الاقتصاد الأردني.

الأردن كان شبه محاصر اقتصادياً بسبب إغلاق هذه المعابر، وعودتها تلقى ترحيباً عامّاً من الأردنيين، ولاسيما القطاعات الاقتصادية المختلفة.

إذاً؛ التفاؤل على المستوى الشعبي والرسمي بفتح المعابر وعودة العلاقات التجارية بين الأردن وكل من سورية والعراق، وعودة العلاقات الاقتصادية، مبني على الآثار الإيجابية المتوقعة على الاقتصاد الأردني، والحكومة تعتقد بأن ذلك سوف يخفف من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن وكذلك المواطنون.

التفاؤل مبرر ومنطقي، ولكن يجب أن نكون حذرين من الإفراط في التفاؤل، كما يحصل في العادة مع العديد من المشاريع أو التطورات التي تنتهي بخيبة أمل.

بالرغم من الإيجابيات المتوقعة على الاقتصاد، علينا أن نتذكر أن مشكلاتنا الاقتصادية، كانت موجودة قبل إغلاق الحدود مع الجارتين الشقيقتين. فعلى سبيل المثال، الفقر والبطالة والضعف التنموي في المحافظات والمشكلات المرتبطة بالعجز المالي والديون وغيرها كانت كلها موجودة، وإن زادت حدتها خلال فترة إغلاق الحدود، لأنه توجد أسباب مختلفة وعميقة ترتبط بالسياسات الاقتصادية بالبلاد.

كذلك، فإن الانعكاسات الاقتصادية سوف تكون مقتصرة على قطاعات اقتصادية محددة، وقد لا تطال أغلب القطاعات. وعليه  فإن التأثير على الاقتصاد الكلي قد يكون ضعيفاً،  ولن يؤدي لحلول ولو جزئية لأغلب المشكلات الاقتصادية التي نعاني منها.

بالإضافة لذلك، فمن المبكر الحكم بشكل موضوعي على حجم التبادل التجاري الذي سوف ينتج عن فتح الحدود، إذ ما تزال سورية ترزح تحت الاعتبارات الأمنية والعسكرية، ولا نعلم قدرة السوق السورية على استيعاب المنتجات الأردنية، وكذلك الحال بالنسبة للعراق والذي بسبب الإغلاق الطويل نسبياً، فقد تم إيجاد بدائل للبضاعة والمنتجات الأردنية، وبخاصة الإيرانية خلال فترة الانقطاع، ومن ثم  فإن التحول للمنتجات الأردنية قد يكون بطيئاً.

العراق وسورية شكلا ويشكلان عمقاً مهماً للاقتصاد الأردني، وفتح المعابر يؤذن بالعودة لهذا العمق والتفاؤل بالآثار الإيجابية أمر مهم،  ولكن يجب أن نكون حذرين من الإفراط بالتفاؤل، لأن ذلك لن يشكل بديلاً من السياسات الاقتصادية في معالجة الأزمة الاقتصادية المزمنة التي يعاني منها الأردن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد