10 مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

1 إما العراق وإما الفساد … واحنا اخترنا الفساد!
هيفاء زنكنة
القدس العربي

يُعَوِلُ ساسة الحكومة العراقية، على إشغال عموم الناس بيوميات التناحر، والاتهامات المتبادلة بينهم، من جهة، وانشغال الناس بأساسيات الحياة اليومية من سكن وعمل وصحة وتعليم، من جهة أخرى، لنسيان الفساد المالي والإداري الذي ينخر البلد، ويجعله يحتل مرتبة متميزة، بين الدول العشر، الأكثر فسادا بالعالم. بهذه الطريقة، يستطيع السياسي، الملتحف بدين أو طائفة أو قومية، أن يكذب، ويلفق، وينهب بينما يقف على منصة، آجرها من الضحايا، ليتشدق بالشفافية، والنزاهة، وشيء من ” الوطنية” وتخوين ” الآخر”.

تجلت هذه المعادلة بأقصى ابتذالها، في الآونة الأخيرة، مع تصاعد اتهامات الحكومة المركزية لإقليم كردستان بالفساد، في ذات الوقت، الذي أكد فيه رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، في كلمة على هامش مؤتمر باريس للمناخ، أن “أهم اسباب دخول الارهاب الى العراق هو الفساد”.

أدى الاتهام الأول إلى امتناع الحكومة المركزية عن صرف رواتب الموظفين في الإقليم، بحجة وجود موظفين “فضائيين”، وهو مصطلح شاع استخدامه مع تنامي الفساد الحكومي بالمركز، للدلالة على إضافة أسماء وهمية الى قوائم الموظفين. وكان حيدر العبادي، نفسه، قد أشار الى أعداد “الفضائيين” الخيالية في الحكومة المركزية بالإضافة الى الجنود ورجال الامن والشرطة ومليشيا الحشد الشعبي. اذ ان نسبة موظفي الدولة إلى مجموع السكان هي الأعلى في العالم.

اكتفى العبادي، كعادته، بالتذمر مما يدور في مؤسسات الحكومة، بدون اتخاذ أي اجراء فعلي، متصرفا كأنه خارجها. فلا عجب ان يُصبح فيروس الفساد جزءا من تركيبة حكومة الإقليم حسب مقولة “إذا كان ربُ البيتِ بالدَفِ ناقرا، فشيمةُ أهل البيتِ كُلهم الرقصُ”. ولا عجب ان يطالب الإقليم بالحصول على نسبة أعلى من حصته المالية التي يستحقها من الميزانية العامة. أو هكذا يصرح ساسة المركز.

أدى الامتناع عن دفع الرواتب الى مظاهرات طالب فيها المواطنون، وأغلبهم من المعلمين، برواتبهم، فجوبهت المظاهرات بالعنف مما أدى الى سقوط شهداء واصابة آخرين. وهي جريمة جديدة تضاف الى سلسلة الجرائم الناتجة عن استهانة ساسة المركز والاقليم، معا، بحياة المواطنين واحتقارهم لأبناء الشعب. لنتذكر ان الطرفين كانا، حتى وقت قريب، يحتلان ذات السرير في غرفة تدعى “العملية السياسية”، الى ان أعلن مسعود البرزاني، رئيس الإقليم، رغبته بالطلاق. فأنتبه ساسة بغداد، فجأة، الى حقيقة ان حكومة الإقليم فاسدة، متعامين عن حقيقة ان فساد الإقليم واستشراء المحسوبين على الأحزاب أو المنسوبين للعوائل المالكة، وقوائم الموظفين والامنيين الموهومين هو في الواقع، انعكاس طبيعي، كما في المرآة، لفسادهم ببغداد وبقية محافظات العراق.

تقودنا “صحوة” المركز بصدد فساد الإقليم الى تصريح حيدر العبادي “ان أهم أسباب الارهاب في العراق هو الفساد”، الذي قدمه إلى العراقيين والعالم، كأنه اكتشاف خطير، موظفا إياه لتبرئة نفسه من المسؤولية عبر اتهامه آخرين لا يعرفهم، أو انه يعرفهم لكنه يتظاهر بانه لا يعرفهم. في كلا الحالتين، يتحمل العبادي المسؤولية باعتباره رئيسا للوزراء، وعلى من سبقه كذلك، لتعاونهم جميعا في جعل العراق حاضنة للإرهاب.

ان ضحالة ادعاءات ساسة ” العملية السياسية”، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، بكشف قضايا الفساد، وتعاملهم معها، بعد مرور 15 عاما، تقريبا، على استلامهم السلطة، وكأنها وليدة اللحظة، وليس الأساس الذي بنيت عليه حكومات ما بعد الاحتلال، يثير الاشمئزاز.

ففي عام 2004، تم تأسيس مكتب تفتيش إعادة الاعمار، الذي كشف رئيسه ستيوارت بوين، بعد عام واحد، ان حجم الفساد، الناتج عن الاحتيال والتلاعب وسوء الإدارة، يزيد على أربعة مليارات دولار، وأن بعض هذه الاموال يستخدم في تمويل نشاط الجماعات المسلحة، بالإضافة الى فقدان 14 ألف قطعة سلاح كانت مخصصة لاستعمال الجيش العراقي. كما صرحت مفوضية النزاهة بانها تحقق في اختفاء أكثر من سبعة مليارات دولار من اموال الدولة. هذا هو حجم الفساد، الذي يعرفه العالم كله، للسنة الأولى بعد الغزو وقبل زيادات تصدير النفط، فما هي الحصيلة بعد 14 عاما؟

ففي هذه السنوات استمرت الحكومة بموظفيها ومشاريعها الوهمية بالتضخم بالتوازي مع ميزانيات “الدوائر الاقتصادية” في الأحزاب الغالبة التي تغطي على أي لصوصية توفر لها حصتها. وتتناقض الأدلة حول حجم الأموال المنهوبة خلال ثماني سنوات من حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي كما قبلها وبعدها. ففي آب 2015، صرح وزير النفط عادل عبد المهدي أن موازنات العراق منذ العام 2003 بلغت 850 مليار دولار، مؤكداً أن الفساد أفقد البلاد 450 مليار دولار وان ناتج الموظفين هو 20 دقيقة عمل في اليوم. فكيف يقاس حجم الخراب العمراني، والبشري، والمجتمعي الناتج عن فساد بهذا الحجم الهائل؟ وهل بإمكان أي مسؤول عراقي او أجنبي ألا يراه؟

سؤال آخر يصفع وجوه لصوص “العملية السياسية”: إذا كان أهم أسباب الإرهاب هو الفساد، كما تقولون، ومحاربة الإرهاب هي غايتكم، فلم لم تقوموا بمعالجة الفساد لوضع حد للإرهاب، بدلا من قصف المدن، وتهديمها الواحدة بعد الأخرى، وتشريد المواطنين من بيوتهم، ودفن الاحياء منهم تحت الأنقاض، وتعريض جيل كامل من الأطفال للصدمة والترويع والحرمان من التعليم؟ أم إن تخريب المدن وجه آخر للنهب بحجة إعادة الاعمار؟ خاصة وان ما كرسته الحكومة للإعمار هو 350 مليون دولار فقط، لكونها تُعَول على مؤتمر المانحين المرتقب عقده في الكويت، في العام المقبل، لتوفير ما بين 20 إلى 30 مليار دولار أخرى. ولكن، هل ستفي الدول المانحة بوعودها؟

في جواب لسؤال طرحه لورد جريفيز، يوم 19 من الشهر الحالي، في مجلس اللوردات، عن مساهمة الحكومة البريطانية بتكلفة إعادة إعمار المدن، بالعراق، أجاب لورد بيتس، وزير الدولة لشؤون المساعدات الدولية، قائلا: ” إن إعمار المناطق هو مسؤولية الحكومة العراقية”. واستطرد مؤكدا الموقف البريطاني “يعقد المسؤولون في المملكة المتحدة اجتماعات منتظمة مع الحكومة العراقية، لمناقشة احتياجات إعادة الإعمار، ويشجعون الحكومة على استخدام مؤتمر إعادة الإعمار الذي تستضيفه الكويت لجذب استثمارات القطاع الخاص.” مما يشير الى ان الدول المانحة التي لم يكن باستطاعتها نفي مسؤوليتها عن إعادة الاعمار وإدارة البلد، سابقا، باتت تتملص، الآن، بكل صفاقة، عن المسؤولية، تاركة الأمر بيد لصوص ساهموا ببذرهم، في أرض العراق، لتسهيل السيطرة عليه. لصوص يفتخرون باختيار الفساد وطنا وامة.
2 محاولات عراقية شاقة لإنهاء فوضى العقود النفطية
سلام سرحان
العرب
من غير المستبعد مع تحسن إدارة صناعة النفط وعودة الكفاءات العراقية إلى مفاصل الوزارة أن تعود بغداد إلى تشغيل بعض الحقول بكفاءات وطنية مع الاعتماد جزئيا على عقود الخدمة التي تقدمها شركات صينية وروسية.

أصدرت الحكومة العراقية أمس إشارات إلى أنها تسعى لتصفية التركة الثقيلة والفوضى الشاملة في صناعتها النفطية التي تمثل شريان الحياة الوحيد في ظل شلل جميع مظاهر النشاط الاقتصادي الأخرى.

وأرسلت إشارة تحذير إلى الشركات التي لا تزال تنعم بالمزايا غير المسبوقة التي أغدقتها عليها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي على حساب مصالح البلاد.

وجاءت تلك الرسائل في عقد أولي جديد مع شركة جينهوا الصينية لتطوير حقل شرق بغداد، يتضمن خارطة شاملة لبناء مدينة سكنية بجميع المرافق الصحية والتعليمية والخدمية ويضع سقفا مرتفعا لتشغيل العمالة المحلية، رغم أن الحقل صغير جدا مقارنة بالحقول الأخرى في جنوب العراق.

وحذرت بغداد شركة أكسون موبيل التي ترتبط معها بعقد لتطوير عدد من أكبر حقول البلاد، من أنها ستعرض المشروع العملاق على شركات أخرى بحلول فبراير المقبل إذا واصلت مماطلتها.

ويبدو أن أكسون، وشركات غربية أخرى، تحاول التمسك بالمزايا المجحفة وتحاول التهرب من محاولات بغداد وضع التزامات واضحة بشأن مد خطوط أنابيب نفطية وبناء منشآت تخزين ومشروعا لضخ مياه من الخليج في المكامن لتحسين الإنتاج.

وتحاول بغداد منذ انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014 إلى مراجعة العقود التي تمنح الشركات الأجنبية معظم عوائد صادرات النفط ولا تلزمها بتشغيل السكان المحليين وتطوير البنية التحتية.

وأدت تلك المعادلة إلى احتجاجات واسعة بين السكان المحليين الذين يطالبون بالوظائف، وأدت أحيانا إلى مهاجمة الشركات الأجنبية.

وقد عالج عقد الشركة الصينية تلك المشكلة بإلزامها بالاعتماد على الأيدي العاملة الوطنية بنسبة 50 بالمئة في البداية على أن ترتفع تدريجيا لتصل إلى 80 بالمئة، وهو ما يمكن أن يخلق بيئة عمل ملائمة في المحيط المحلي إلى جانب مشاريع التنمية التي تضمنها العقد.

وقد تكون ضغوط بغداد لإعادة التفاوض أحد أسباب انسحاب بعض الشركات من بعض العقود مثل تسليم شركة رويال داتش شل لحقل مجنون العملاق للحكومة العراقية.

بل إن الحكومة العراقية ألمحت بعد قرار انسحاب شل إلى أنها ستدير حقل مجنون بكوادرها المحلية، مثلما كانت بغداد تدير جميع ثرواتها النفطية قبل الغزو الأميركي في عام 2003.

ويقول محللون إن فرص الفساد الكبيرة دفعت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ ذلك الحين لتسليم إدارة جميع الحقول النفطية للشركات الأجنبية وبمزايا مجحفة للحصول على عمولات للسياسيين الفاسدين.

وقد أدى ذلك إلى تفتيت بنية الكفاءات العراقية القادرة على إدارة الصناعة النفطية، لتوزع المحاصصة الطائفية المناصب والمسؤوليات لشخصيات غير كفوءة نشرت الفوضى في مفاصل هذه الصناعة.

ويلاحظ المراقب في الأشهر الأخيرة ميلا واضحا من قبل بغداد نحو الشركات الصينية والروسية التي تبدو أكثر استعدادا لتقديم عروض تتضمن تطوير البنية التحتية وشروطا أقل وطأة على الحكومة العراقية.

ومن غير المستبعد مع تحسن إدارة صناعة النفط وعودة الكفاءات العراقية إلى مفاصل الوزارة أن تعود بغداد إلى تشغيل بعض الحقول بكفاءات وطنية مع الاعتماد جزئيا على عقود الخدمة التي تقدمها شركات صينية وروسية.

ويبدو ذلك مرجحا إذا قطعت الحكومة شوطا في محاربة الفساد وإقصاء المحاصصة في توزيع الوظائف، حيث سيسمح ذلك بتحسن كفاءة إدارة المؤسسات التابعة لوزارة النفط والعودة إلى الكوادر المحلية التي أدارت القطاع بكفاءة عالية منذ تأميم النفط في عام 1972 وحتى عام 2003.
3 الذهنية الداعشية تطل برأسها في البرلمان العراقي محمد كمال
الايام البحرينية

عاش الإنسان ونظم علاقاته منذ بدء بداياته في ظل العرف والتقليد، إلى أن استطاع أن يطور الكتابة والتدوين، ومع هذا التطور تمكن أن يتخطى حدود العرف والتقليد الى التشريع المدون، إلى آفاق القانون، والقانون روح يتلازم وروح العصر إنساناً وزماناً ومكاناً، فخطى الانسان مع الكتابة والتدوين خطوته الأولى في تفعيل فكره من أجل استنباط التشريعات التي تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع وتأمين حقوقهم ومصالحهم، ومهمة التشريع ليست كبقية المهمات في حياة الإنسان، فإن للتشريع روح، هي روح القانون، وهذه الروح تسترق الحواس كلها، وتجتهد بمعادلات الفكر إلى أبعد مدى، من أجل تثبيت العدل وإحقاق الحق، وعدم تجاوز القانون الطبيعي والمنطق الوضعي والمبدء الإنساني، وهذه الروح تتحمل مسؤولية عظيمة قوامها الحق والعدل، ووضع الأحكام الهادية والضوابط الرادعة في مواجهة النزعات اللا إنسانية ودحر النزوات الشاذة..

إن أول تشريع عرفته البشرية هي مجموعة القوانين التي أنتجتها عبقرية الملك البابلي حمورابي (1792-1750 قبل الميلاد)، قبل ما يقارب الأربعة آلاف سنة، وقد أخذت الشعوب الأخرى من هذه التشريعات، فقد اقتبسها العبرانيون ودونوها في تلمودهم وتأثر بها الحثيون والآشوريون وغيرهم من الملوك، وكانت قوانين حمورابي محط أنظار الملوك ومرجعهم في تنظيم علاقات الناس في ممالكهم… وطبيعي أن تتضمن شريعة حمورابي مجموعة القوانين التي تخص «الأحوال الشخصية» لأنها من أهم المواضيع التي تستحق التشريع بغية المحافظة على تماسك بنيان الأسرة وسلامتها، ومع سلامة الأسرة ووحدتها تتأمن سلامة الدولة. ومن الأمور الملفتة للنظر والجديرة بالاحترام والتقدير، فيما يخص «قانون الأحوال الشخصية» بنسخته الحمورابية أن «شريعة حمورابي» لم تكن تجيز زواج القاصرات… نعم، قبل أربعة آلاف سنة في بداية عهد التشريع، كان التشريع إنسانياً وراقياً، يضع في أوْلٰى أولوياته حماية الطفولة ورعاية الطفولة والأخذ بيد الطفولة حتى الوصول بها إلى بر الأمان الزمني في عمر النضج والوعي والمسؤولية، هكذا رسم الملك العظيم حمورابي شريعته الراقية الخالدة، إن حمورابي ذاك اليوم من التاريخ القديم الذي شرب من ماء الرافدين يخجل اليوم، بعد أربعة آلاف عام، من أبناء الرافدين الذين يجيزون «زواج القاصرات»، وكأني به اليوم يصرخ من بين ذراة رفاته موبخاً أعضاء البرلمان العراقي الذين باركوا هذه الجريمة المنكرة بحق الطفولة، والشارع العراقي يبارك ويحترم ويعظم صرخة ملك ملوكه حمورابي، وهو بدوره يصرخ في وجه هؤلاء الأعضاء الذين لا يعيرون لروح القانون أهمية تذكر، ولا هم في وارد الإحساس برقة الطفولة في القاصرات، فهم والدواعش الذين باعوا القاصرات في أسواق النخاسة سواسية، فهم والدواعش الذين افترسوا الطفولة في القاصرات سواسية، فهم والدواعش وجهان لعملة واحدة… ألا تَبّاً لكم وعليكم يا من تدنسون مقاعد التشريع في معبد التشريع… أو ما تدرون أنكم بهذا التشريع قد أوقعتم براءة طفولة القاصرات في شَرَكِ الوحوش من ذوي النزعات الشاذة التي لا تفرق بين أم وزوجة، ولا بين ابنة وعاهرة، وإلاّ من ذاك الإنسان الطبيعي السوي الذي تقبل نفسه ويرضى ضميره أن يفاخذ ويجامع طفلة مازالت تلاعب دمية بين عُنّابِ يديها، طفلة تحتضن دميتها في سريرها، حتماً نحن أمام شرذمة من الشواذ يتربعون على مقاعد التشريع… ماذا سيحصل للقاصرات وهُنَّ في أحضان وحوش شبقة شاذة تتلذذ بالتهام الطفولة.

لعلمكم يا من اغتصبتم مقاعد التشريع أن «زواج القاصرات» صفحة سوداء ملطخة بدماء الأبرياء، الأبرياء من صبايا قاصرات لم يبلغن بعد العاشرة من العمر، فتيات مازلن في عمر البراعم التي لم تتفتح بعد لخوض معترك الحياة ولا يدركن بعد الفارق الجنسي بين الذكر والأنثى، في عمر لا يستوعبن فيه كيف ولدتهن أمهاتهن، في عمر لا يعرفن معنى الزواج ولا علاقة المخدع بين الزوجة والزوج، إن مخدع الزوجية بالنسبة للقاصرات هو منصة الجلاد لتنفيذ حكم الإعدام، وليس للقاصرات بعد هذا الاعدام موت جسدي ينهي معاناتهن الى الأبد، بل إعدام متواصل يوماً بعد يوم على مدى بؤس حياتهن في سجن الجلاد، وقد يتكرر الاعدام في اليوم الواحد أكثر من مرة، على هوى نزوة الزوج الجلاد الذي لا يفرق بين وردة وصخرة، وهذه الشاكلة من الجلادين لا تفرق بين النجاسة والطهارة، ولا تفرق حتى بين الصبي والصبية، فكلاهما لجلاد الشبق الجنسي أدوات لإفراغ النزوات الشاذة النجسة في طهارة براعم الصِّبٰا، هكذا هو زواج القاصرات، وما هذا الزواج إلا بشاعةٌ، يفرغ بها الجلاد الشاذ نجاسته في طُهْرِ براءة القاصرات… يا نواب «زواج القاصرات» هل دار بخلدكم ذاك المشهد التراجيدي المرعب المفزع الذي ستواجهه الطفلة وهي وحدها أمام رجل في عمر أبيها أو أكبر، أمام رجل جلاد وقد تجرد من كامل ثيابه وهو ينظر الى الطفلة نظرة المفترس الى فريسته؟ هذا المشهد يجب أن لا يحصل، والشعب العراقي يحمل مسؤولية عظيمة لإفشال حصول هذا المشهد الإجرامي البشع المرعب… إن هذا المشهد هو صورة نمطية لسوق النخاسة، نخاسة تحت مظلة التشريع…

إن أحفاد حمورابي العظيم في أرض الرافدين، هؤلاء الأحفاد الملتزمون بروح القانون وطهارته، يواجهون جيشاً عرمرماً من الشواذ فكراً ونَفْساً ونَفَساً ومسلكاً، وهم أمام تَحَدٍّ عظيم يمس كرامة العراق، ومكانتها الملازمة لها عبر التاريخ، فهذه الأرض هي التي علمت البشرية الكتابة وهي التي علمت البشرية معنى القانون ومسؤولية القانون وروح القانون.

إن على الشعب العراقي، المؤمن بعراق طاهر، أن يطهر بيته العراقي من دواعش الوطن بعد أن طهر البيت من فلول الدواعش التي اخترقت حدود أرض الوطن وأهانت إنسانية الوطن وكرامته.
4 ما بعد الهزيمة العسكرية للإرهاب

د.سالم حميد
الاتحاد الاماراتية
يمكن القول إن أبرز معارك الحرب ضد الإرهاب خلال عام 2017 هي تلك التي تمكنت بالتدريج من القضاء على تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي ألغى الحدود ما بين العراق وسوريا، وأقام على مساحة لا بأس بها من البلدين هياكل تنظيمية بدائية مسلحة بالتخلف والعنف والمتاجرة بالبشر وتسويق صورة غير سوية عن الإسلام والعالم الإسلامي. كما حاول التنظيم من خلال إقامة خلافته المزعومة اجتذاب كل العناصر المتطرفة التي يحركها اليأس والفشل لتكوين عصابات تغلف أعمالها الإجرامية بخطاب ديني مزيف كما هي عادة التيارات التي تستغل الدين وتتخذ منه قناعاً يخفي خلفه الوجه البشع لسلوكها وأطماعها.

كان حلم «داعش» يرتكز أيضاً على السعي إلى أن يتمكن كتنظيم وفكر من التمدد جغرافياً واجتماعياً، والبقاء لأطول فترة زمنية ممكنة، بغرض استغلال الفراغات الأمنية والسيادية التي وقعت في بعض البلدان التي فقدت فيها الدولة السيطرة، وعجزت عن بسط نفوذها الأمني. فوجد «داعش» في العراق فرصة ملائمة لتثبيت حضوره على ذلك النحو. ومما ساعده على التمدد المحاصصات الطائفية، وسباق النفوذ بين من يسعون غالباً إلى إرضاء إيران، على حساب بناء مؤسسات دولة تملك زمام الأمور في العراق. وكذلك الحال في سوريا التي وفرت ظروف انعدام الاستقرار فيها بيئة حاضنة للإرهاب بعد أن فقدت الدولة السورية سيطرتها على أجزاء واسعة من الأرض على خلفية الحرب بينها وبين فصائل المعارضة التي تتصدرها في مساحات كبيرة تحت مسميات تنظيمية لا تختلف عقائدياً عن «القاعدة» و«داعش»!

لكن اختتام العام بهزيمة عسكرية ساحقة لـ«داعش» في العراق، يضع العراق وسوريا والمنطقة بشكل عام أمام استحقاق أمني لا يقل أهمية عن الحرب المباشرة ضد الإرهاب. هذا الاستحقاق يعود بنا إلى مواجهة جذور تشكل الإرهاب وبذور نموه. بمعنى أن تحديات ما بعد هزيمة الإرهاب عسكرياً أخطر بكثير من حرب استعادة الأرض ومواجهة الإرهابيين مباشرة وطردهم. لذلك فإن خطورة ما بعد هزيمة الإرهاب لا تتوقف عند مستوى كيفية التعامل مع العناصر الفارة أو تلك التي أعادت تنظيم عناصرها، وأصبحت تندرج ضمن ما يسمى بالخلايا النائمة، بل إن الخطورة الدائمة في الحرب ضد الإرهاب تكمن في مواجهة الفكر الضال وتفنيد مقولات المتطرفين وحرمانهم من المقدرة على التجنيد والاستقطاب مجدداً في أوساط المجتمعات.

ويبدو أن التنويه المتكرر إلى أن الحرب ضد الإرهاب هي في المقام الأول معركة ثقافية وفكرية يذهب أدراج الرياح لأسباب كثيرة، أبرزها عدم تجاوب بعض حكومات المنطقة مع هذا التحدي نتيجة لعدم المبادرة بإحداث تعديلات جوهرية في مؤسسات التعليم النظامي ومنابر التثقيف الديني غير المنضبط بأطر رسمية قابلة للمراقبة والمتابعة.

ولا ننسى كذلك أن بعض أشكال المواجهة المباشرة مع خلايا الإرهاب لا تخلو أحياناً من ملابسات وإثارة لردود أفعال عكسية، كما هو الحال في الانتصارات المتتالية التي حدثت في العراق ضد «داعش»، والتي رغم ما حققته من إنجازات على هذا الصعيد، إلا أنها حفلت أيضاً بإضفاء أبعاد طائفية ومذهبية جعلت المعركة ضد الإرهاب في العراق تلجأ بشكل ضمني إلى صناعة جسد عسكري آخر متطرف مذهبياً لمواجهة تطرف «داعش»، وبذلك تم استبدال تطرف بآخر. كما أن التعاطي الدولي مع الملف السوري يكرر الأخطاء ويثير الاستغراب عندما تعتقد الأطراف المتحكمة بمسار الأحداث هناك أن نقل المتطرفين من مدينة سورية لأخرى يعتبر حلاً!

وتظل مكافحة التطرف بحاجة لنظرة شمولية تضع في الاعتبار كذلك مخاطر تأثير القرارات السياسية المنحازة التي تتخذها الدول الكبرى المهيمنة على القرار العالمي وما يسمى بمؤسسات المجتمع الدولي، وأقرب مثال للتأثيرات السيئة التي تترتب على مواقف الدول الكبرى، قرار الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف ضمنياً باعتبار القدس عاصمة للدولة العبرية، في موقف أميركي إسرائيلي يستبق أي مفاوضات لحل نهائي يضمن حقوق الفلسطينيين على أرضهم، وفي مقدمتها حقهم في عاصمتهم التي تكتسب قداسة إسلامية ومسيحية إلى جانب القيمة التاريخية لمدينة القدس لدى الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال والتأمر الدولي المستمر. فعندما تستخدم الولايات المتحدة حق الفيتو ضد الفلسطينيين فإنها تقوم عملياً بخدمة إيران وداعش معاً وتمنح الضوء الأخضر للإرهاب ليتحول إلى رد فعل ضد تطرف مجتمع دولي يفتقر للعدالة والإنصاف.
5 خليجي بلاد الرافدين

محمد الشيخ البيان الاماراتية
كانت اللحظة معبرة حين دعا رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة بالمملكة العربية السعودية، المستشار تركي آل الشيخ، باسمه وباسم وزراء الرياضة العرب الحاضرين في الحفل الذي أقامته الهيئة بمناسبة تأهل المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم، إلى الوقوف إلى جانب العراق لرفع حظر الاتحاد الدولي لكرة القدم من إقامة المباريات في العراق، قبل أن يطلب من رئيس الاتحاد السعودي الدكتور عادل عزت ترتيب الأمور مع رئيس الاتحاد العراقي لإقامة مباراة ودية بين المنتخبين في العراق.

جاء موقف آل الشيخ، ليكون محل تداول وإشادة من كبار الشخصيات العربية الحاضرة في الحفل، ومرتكز النقاشات بين النجوم الخليجيين والعرب، ومصدر سعادة لدى العراقيين، وقد سمعت ذلك شخصياً من النجمين العراقيين أحمد راضي ونشأت أكرم، إذ عبرا عن سعادتهما البالغة بتلك الدعوة، معتبرين موقف آل الشيخ حافزاً كبيراً لتعزيز رغبة العراقيين في احتضان المباريات الدولية الرسمية، وإن إقامة المباراة الودية بين المنتخبين السعودي والعراقي بمثابة بوابة كبيرة ومهمة ستفتح للكرة العراقية على أكثر من صعيد.

الأمور بدت متسارعة حيث اتفق الاتحادان على إقامة المباراة في البصرة في الثامن والعشرين من فبراير المقبل، وما هي إلا أيام حتى تقدم الاتحاد العراقي بطلب استضافة دورة كأس الخليج الرابعة والعشرين في العراق، وهي الدعوة التي باركها الكثيرون هنا في الكويت، إذ اعتبروا ذلك تأسيساً مهماً على دعوة المستشار تركي آل الشيخ، باعتبار أن دورات كأس الخليج كانت ولا زالت نافذة مهمة على العالم.

ليس غائباً عن ذاكرة وأذهان الخليجيين أن دورات كأس الخليج كانت المنصة الكبرى لانطلاق الكرة الخليجية نحو الآفاق الدولية، فهي التي أوجدت البنى التحتية، وصنعت القيادات، وأنجبت المواهب، وأوصلت المنتخبات إلى كأس العالم، كما حصل مع منتخبات الكويت والعراق والإمارات والسعودية، والعراق اليوم بحاجة لاستعادة حضوره السابق بشكل أقوى، وستكون دورة الخليج حين استضافتها بوابة العودة.

أكثر ما يعزز التوقعات بنجاح استضافة العراق لخليجي 24 هي الرغبة الحثيثة للقيادات الرياضية العراقية، التي بدأت تنفتح بصورة لافتة على أصحاب التأثير في الساحة الخليجية والعربية، كما حدث في اللقاءات التي تمت مع آل الشيخ، بالإضافة إلى الشغف الجماهيري بحضور الدورة، والمتابع للكرة العراقية يلفته الحضور الجماهيري الكثيف للمباريات المحلية، وهو عنصر مهم من عناصر نجاح أي دورة.

الكثيرون تواقون اليوم بأن تحتضن العراق النسخة المقبلة للدورة بعد غيابها عن تنظيمها منذ الدورة الخامسة في العام 1979، وهي الرغبة التي يفترض أن تجد المباركة من الجميع، احتراماً للمساعي العراقية، ودعماً لانفتاح الكرة في بلاد الرافدين بشكل أوسع، وتعزيزاً لحلم الجماهير فيها بمشاهدة دورة كأس الخليج على أرضهم بعد نحو 40 عاماً، وهو حق مشروع خصوصاً وأن الدورة كانت قاب قوسين قبل ذلك من تنظيمها في البصرة لولا التحولات التي حدثت في حينها.

6 مَنْ الذي أنهى «داعش»؟
محمد السبتي الراي الكويتية

لا أي خطاب للبغدادي ولا لأحد من أمراء الولايات المعينين من قبل «أمير المؤمنين»، لا بيانات صحافية تنتشر في مواقع «النت» كما تنتشر النار في الهشيم تهدد وتوعد بأن «الدولة» باقية وتتمدد، لا حفلات إعدام مصورة بأحدث الطرق الإخراجية، لا فيديوهات لأفراد من «داعش» تنبئ أنهم ما زالوا فاعلين في كثير من الدول، فجأة انتهى أو غاب كل هذا أو أغلبه ولم يتبق من «الدولة» إلا بعض العمليات التي تقوم بها الذئاب المنفردة والذين ربما لا ينتمون تنظيميا ل «داعش» ولعل كل ما يجمعهم هو الفكر لا التنظيم.
أين اختفى كل هذا الهرج والمرج- الذي ملأ أسماع العالم في وقت سابق وعجز العالم كله – حتى عن مجرد إيقافه؟ قبل أيام تم الإعلان رسميا في العراق عن هزيمة تنظيم «داعش» وطرده من كل المناطق التي لا أحد يعلم كيف سيطر عليها، لكن لم يشاهد أحد أي عملية لانهزام هذا التنظيم ولم يتم أسر أي فرد من أفراده ولم يتم تصوير أي قتيل له، ولم يتم العثور على أي من مخلفات هذا التنظيم… أوراق… مركبات… مدرعات… مستندات… أي شيء يدل على أن «داعش» مرت من هنا! كل هذا لم يحدث أبدا… حتى في سورية – التي يقال إن أفراد «داعش» هربوا إليها وأنهم كانوا يسيطرون على أجزاء كبيرة منها – لم يعد أحد يسمع عن هذا التنظيم وكأنه لم يكن يوما يرعب العالم أجمع.
عندما ظهر هذا التنظيم وفجأة بدأ في الانتشار غير المعقول، ساورت كثير من الشكوك كثيرا من المتابعين، وبدأت بعض الأسئلة المهمة تبرز على السطح، لكن لم يكن أحد يجيب عليها، ولم يكن أحد يصمم على هذه الإسئلة لهول أفعال «داعش» التي خرست معها الألسن، وتعود هذه الأسئلة اليوم بصورة أخرى عن كيفية انهزام هذا التنظيم بطريقة أيضا لا معقولة.
إن كانت الدول الإسلامية والعربية، التي على الأقل اكتوت بنار هذا التنظيم، كانت تخجل أحيانا من طرح الأسئلة المنطقية عن كيفية انتشار «داعش» وسر قوته غير المفهومة، اعتقد أنها اليوم من واجبها أن تجعل هذه الأسئلة محل بحث خاصة على «بساط» لقاءات بعض القوى الإقليمية والعالمية، أظن أنه لا يجب أن نتنازل عن طرح هذه الأسئلة في غمرة الفرح الذي نشعره عندما ينهزم «داعش»، كان خجلنا من أن يُفهم أننا ندافع عن التنظيم يمنعنا من طرح الأسئلة المنطقية عن انتشاره، واليوم يُستخدم الفرح لذات السبب وهو ما لا يجب أن يمنعنا عن طرح هذه الأسئلة، على أجهزة استخباراتنا أن تسأل «أصدقاءنا» كيف انهزم «داعش»؟ أين هم أفراده وقوته؟ إن لم نجد إجابة فلا أقل من أن نوثق دور القوى العالمية والإقليمية في وجود «داعش»!

7 الصفقات مع «داعش» نهج إيراني بامتياز
عمر الرداد معهد واشنطن

تشكل الصفقات بين أميركا وروسيا وحلفائهما أحد جوانب الإجابة عن التساؤلات المطروحة حول غياب آثار المعارك التي يعلن عنها بانتصارات على “داعش”، إذ إن المشترك في الصور التي تعرضها وسائل الإعلام في المناطق المحررة من “داعش” بقايا مدن تم تدميرها وتسويتها بالأرض، فيما لا جثة لمقاتل ولا لبندقية مكسورة ولا آلية معطوبة.

برزت مؤخرا العديد من التصريحات التي تدّعي هزيمة الدولة الإسلامية عسكرياً في معاقلها في الموصل والرقة وفي البوكمال على الحدود السورية العراقية، كما تطرح اليوم تساؤلات متجددة حول دلائل هزيمة تنظيم “داعش” من جثث وأسلحة ومعسكرات ومعتقلين.

هذا الغموض أوجد مساحة واسعة لمن لا يمتلكون أدلة كافية باتهام جهات عديدة بالوقوف وراء التنظيم ودعمه، خصوصا أن قوافل “داعش” تجوب الصحراء مكشوفة بين سورية والعراق، بما فيها قوافل النفط، وفي ظل العودة السريعة لـ”داعش” إلى المناطق التي يتم الإعلان عن هزيمته فيها، وحجم الصفقات الواسعة التي تعقد مع التنظيم، يتمّ تأمين منافذ ينتقل بموجبها “داعش” إلى مناطق أخرى بحماية خصومه.

فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية تم تبادل اتهامات بين الخصوم في العراق وسورية بعقد صفقات مع “داعش”، يشترك فيها جميع الخصوم (إيران وحزب الله والنظام السوري وقوات سورية الديمقراطية وتركيا وأميركا)، بعضها معلن كما في صفقة حزب الله وصفقات نظام الأسد مع “داعش”، وآخرها ما تردّد عن صفقة بين الجيش السوري و”داعش”، مقابل إطلاق سراح جنود سوريين وقعوا في كمائن “داعش”، وصفقة تركيا في العراق لإطلاق سراح جنود أتراك، والعديد من الصفقات ما بين الحشد الشعبي العراقي- الذي تهيمن عليه إيران- و”داعش” في العراق، بإشراف من قاسم سليماني والحرس الثوري الإيراني.

ومن المعروف أن تلك الصفقات مستمرة منذ فترة طويلة، وقد طرحت الكثير من الشكوك، منذ يونيو 2014، حينما اجتاح “داعش” مساحات واسعة في شمال ووسط العراق، ووصل بعض قطاعاته إلى مشارف بغداد، بعد انهيار هوليودي لقطاعات الجيش العراقي، إبان قيادة نوري المالكي للحكومة العراقية، وكان رد ترويكا الحكم الشيعي العراقي، اندفاعة سريعة بتشكيل “الحشد الشعبي العراقي” بفتوى صدرت عن المرجع الديني آية الله علي السيستاني.

وتم تشريع هذا الحشد الذي يضم نحو 70 ميليشيا مسلحة، تؤكد معلومات خبراء عراقيين أن ما يزيد على نصفها موال للمرشد الأعلى للثورة السيستاني تمويلا وتسليحاً وتدريباً، وتلتزم بأوامر وتعليمات المرشد، ولا يملك رئيس الوزراء العراقي أي سلطة عليها، وخاضت هذه الميليشيات غالبية الحروب مع “داعش” في العراق، وانتقلت إلى سورية، تحت قيادة قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”.

يجمع خبراء الإرهاب والحرب أن إمكانات “داعش” البشرية والعسكرية لم تكن لتؤهله حينما اجتاح نحو نصف مساحة العراق، لتحقيق ذلك لولا أن هناك مساعدات قدمت من طرف ما ساهمت على الأقل في فتح الطريق له للقيام بهذه الخطوة، خصوصا أن تحقيقات مع قادة التشكيلات العراقية لاحقا أدانت قادة عراقيين كبارا بتهمة التهاون في مقاومة داعش.

ومعلوم أن اجتياحات “داعش” تزامنت مع احتجاجات واسعة في غرب العراق على طائفية حكومة المالكي، واحتجاجات في مناطق الجنوب ضد التكتلات السياسية “الشيعية” في الحكم، على خلفية فشل الحكومات في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وظهور شعارات تتمنى عودة أيام نظام البعث السابق “صدام حسين”، ولم يكن بالإمكان ظهور الحشد الشعبي العراقي لولا ظهور “داعش”.

ربما تشكل تلك الصفقات أحد جوانب الإجابة عن التساؤلات المطروحة حول غياب آثار المعارك التي يعلن عنها بانتصارات على “داعش”، إذ إن المشترك في الصور التي تعرضها وسائل الإعلام في المناطق المحررة من “داعش” بقايا مدن تم تدميرها وتسويتها بالأرض، فيما لا جثة لمقاتل ولا لبندقية مكسورة ولا آلية معطوبة، ثم ما تلبث أن تظهر بعد أيام في منطقة مجاورة.

وعلى هامش تلك الصفقات يلاحظ أولا: يعلن المتصارعون في سورية جميعهم أنهم يحاربون “داعش”، ويتعرض “داعش” لضغوط عسكرية لأكثر من حملة، تشترك فيه كل من أميركا وروسيا وحلفائهما، في غمار حرب إعلامية حول تسجيل السبق بقتل “أبو بكر” البغدادي الذي يفترض انه مات أو تم إلقاء القبض عليه أكثر من مرة في سورية وفي العراق. وثانياً: باستثناء ما يتردد عن صفقة سورية الديمقراطية مع “داعش” والتي أنكرتها قوات سورية الديمقراطية واعتبرتها “ادعاءات وأكاذيب تهدف للنيل من سمعة قوات سورية الديمقراطية ورفع معنويات الإرهابيين”، فإن بقية الصفقات تمت من حلفاء إيران، خصوصا الجيش السوري وحزب الله اللبناني.

إن الصفقات التي تقوم بها تلك المجموعات في ساحات العمليات في سورية والعراق استراتيجية ثابتة في العقل الإيراني، منذ الصفقة الإيرانية الكبرى مع القاعدة عام 2001 بعد حرب أفغانستان باستقبال قيادات وكوادر القاعدة في طهران، وفي العراق لاحقاً حيث زوّدت إيران القاعدة بالأسلحة مقابل عدم التعرّض للمراقد المقدسة، وقد وفرت القاعدة لإيران أسباب إنشاء الحشد الشعبي العراقي والسيطرة على العراق، وحولت الثورة السورية من ثورة شعبية ضد الظلم والفساد إلى مواجهة بين النظام السوري والإرهاب، وقد أصبح واضحا أن وكلاء إيران هم من يخططون لانتشارات داعش ويوفر له الملاذات الآمنة، بما يضمن إبقاءه مهدداً، لأنّ أي استقرار في العراق أو سورية، يعني فتح ملفات إيران وأسباب وجودها.

وفي الخلاصة فإن عقد صفقات مع “داعش” في مسرح العمليات في سورية والعراق، من قبل وكلاء إيران يطرح تساؤلات عميقة حول نجاعة استراتيجيات مكافحة الإرهاب، في ظل شكوك عميقة بإمكان تحقيق نجاحات ملموسة، ويؤشر لإمكانية بقاء “داعش” و”القاعدة” في ظل علاقتهما مع إيران، ومن المرجّح أن تفتح “القاعدة” ساحات قتال جديدة في مناطق أخرى، خارج سورية والعراق، لإبقاء الإرهاب عنواناً دوليا.

8 ملالي إيران يعدون الحشد الشعبي العراقي للعب دور حزب الله في سوريا
جاسر عبدالعزيز الجاسر
الجزيرة السعودية

ترك العرب العراق بعد الغزو الأمريكي واحتلاله الذي وفر لملالي إيران بسط نفوذها، بل وسيطرة على كل الأوضاع في العراق، وتم للنظام الإيراني إملاء فراغ غياب الدول العربية وبالذات دول الخليج العربية، وقد أدى عزوف الدبلوماسية الخليجية عن الوجود في العراق وحرص عملاء إيران من أحزاب عميلة لملالي إيران ومليشياتها الإرهابية على محاربة أي وجود عربي إلى تفرد الإيرانيين وعملائهم في الأوضاع العراقية، حيث أمكنهم السيطرة على تشكيل الحكومات وتوجيه القرارات السياسية والاقتصادية، وسقط العراق كلياً في عهد تشكيل حكومة نوري المالكي الذي رهن كل إمكانات العراق وقدراته لصالح ملالي إيران، وعمل بإخلاص وتفانٍ طائفي لتنفيذ أجندات الملالي ومنها المساهمة بالدور الرئيس لإخراج وإنتاج مسرحية «داعش» التي وفرت للنظام الإيراني الوجود عسكرياً في العراق والضغط لإيجاد ظهر عسكري طائفي ينفذ أوامر النظام الإيراني مرتبط بالتنظيم الإرهابي «فيلق القدس»، فبحجة محاربة تنظيم داعش أنشئ «الحشد الشعبي» بفتوى من المرجع الشيعي علي سيستاني، ليصبح غطاء للقوات الإيرانية التابعة للحرس الثوري لدخول العراق والقتال في أكثر من جبهة وتشكيل وجود عسكري إيراني هو بمثابة احتلال عسكري، يشكل ضغطاً على أي فريق سياسي عراقي يعارض النفوذ الإيراني.

وقد استعمل الإيرانيون غطاء الحشد الشعبي للتدخل لإجهاض محاولة الأكراد الانفصال عن العراق، إذ رجحت القوات الإيرانية -التي تدخلت في معارك كركوك وعلى الحدود الكردية مع العراق- كفة القوات المركزية العراقية، وفرضت على حكومة إقليم كردستان الرضوخ لإلغاء فكرة استقلال كردستان. طبعاً النظام الإيراني لم يكن في تدخله هذا يدعم وحدة العراق، بقدر ما كان يعمل على إلغاء أي تفكير كردي بإقامة كيان لدولة كردية ستضم الإقليم الكردي في إيران، إضافة إلى ترويض الأكراد الذين يقفون عائقاً أمام خطط ملالي إيران بعمل طريق يوصل إيران بسوريا عبر العراق. وهكذا فقد أصبح لملالي إيران ظهير عسكري قوي يتمثل بالحشد الشعبي، يعمل بالتوافق مع الظهير السياسي «التحالف الوطني»، الذي بدأ ملالي إيران يشعرون بتصدعه وخروج قوى سياسية شيعية مؤثرة عن طوعهم، وخاصة القوى الشيعية العربية، وبالتحديد الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، إضافة إلى رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي أخذ يتجه نحو الدول العربية وبالذات المملكة العربية السعودية في محاولة للانعتاق من الهيمنة الإيرانية.

ولكي تحد -بل وحتى تجهض- تحرك القوى العربية في العراق للعودة إلى الحضن العربي حرك النظام الإيراني عملاءه في العراق للقيام بخطوات وتحركات لإفشال مسعى حيدر العبادي وإحراجه مع الدول العربية المؤثرة، فعبر ممثلي وعملاء النظام الإيراني في التحالف الوطني -وبالتحديد نوري المالكي وقيس الخزعلي ومهدي المهندس وغيرهم- طلبت طهران من بغداد اتخاذ مواقف مؤيدة للنظام الإيراني في العديد من الملفات أبرزها الأزمة في اليمن، وكشف قيادي بارز في التحالف الوطني أن جنرال الإرهاب قاسم سليماني ناقش مع قادة الحشد الشعبي خطة نقل آلاف المقاتلين من هذه الفصائل إلى اليمن لقتال قوات الشرعية والتحالف العربي. نقاشات قاسم سليماني مع قادة ذراعهم الإرهابي الحشد الشعبي وصلت إلى القوى العربية في التحالف الوطني التي استفاقت من غيبوبة الاستسلام للإغراءات الطائفية لملالي إيران، وبالذات مقتدى الصدر وحيدر العبادي اللذين اتخذا إجراءات منها وضع أسلحة الحشد الشعبي -بل وحتى عناصره- تحت إمرة وسيطرة الدولة، سواء بدمج فصائل الحشد بمؤسسات الدولة دون أن يكون لقادته المرتبطين بالنظام الإيراني أي تأثير، ومنع أي محاولة إيرانية لتوظيف قوات الحشد الشعبي لتنفيذ أجندات ملالي إيران بتوظيف المليشيات العراقية لدعم موقفهم في الحروب التي يشنونها على الدول العربية، مثلما فعلوا في سوريا بتوظيف مليشيات حزب الله لخدمة مخططاتهم في سوريا والعراق. ويتساءل العراقيون -وبالذات الشيعة منهم- لماذا يسعى ملالي إيران إلى الزج بالشيعة العرب لمقاتلة إخوانهم سواء في سوريا أو العراق والآن في اليمن، والنظام الإيراني يجني نفوذاً في المنطقة العربية، في حين تزداد شقة الخلافات بين العرب؟!.
9 أربيل- بغداد: البحث عن حوار
كاظم الموسوي
صحيفة الوطن العمانية

” لم تستمع إدارة الاستفتاء إلى أصوات طالبتها بالتوافق والحوار مع بغداد ورفض إغراءات التفتيت والتقسيم وغيرها، واحترام الإرادات الشعبية والخيارات الوطنية التي أجمع عليها الشعب العراقي. وبعد أن جرى ما جرى وأغلقت الطرق أمامها عادت تحاول الالتفاف أو الدوران حول نفسها للبحث عن مخرج بعنوان حوار، أو كأنها تؤجل مشاركاتها في المشاريع العدوانية إلى أجل آخر.”

فشلت خطة الاستفتاء التي أريد بها العمل على الانفصال، علنا ودون مواربة، ضمن إطار مشروع رسمه أو وضع خطوطه اجتماع المستشارين الذين نشرت صورتهم مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني وكذلك مع القيادي في الحزب هوشيار زيباري. تفاخر بها أحدهم وأعاد نشرها على صفحته في تويتر. وهؤلاء المستشارون معروفون بوظائفهم وأدوارهم وتاريخهم، ولعل الأبرز فيهم السفير الأميركي السابق زلماي خليل زادة، ووزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنر، والناشط السياسي المكشوف برنار هنري ليفي وغيرهم من الأجانب، إضافة إلى بعض العراقيين الذين لا يحتاجون إلى تعريف بهم. بعد فشل الخطة وصحوة الحكومة الاتحادية إلى مهماتها المركزية المنصوص عليها في الدستور المتفق عليه، بين كل الكتل السياسية المشتركة في البرلمان العراقي، والعملية السياسية التي رسمت بعد الغزو والاحتلال الغربي للعراق، وصدور قرار من المحكمة الاتحادية العليا في بغداد وغيرها من الإجراءات القانونية والعسكرية والإدارية تراجعت جماعة الخطة المتحكمة في أربيل وأصدرت من جانبها رغبات بـ”تجميد” نتائج الاستفتاء والدعوة إلى العودة إلى الحوار مع بغداد.
لم تستمع إدارة الاستفتاء إلى أصوات طالبتها بالتوافق والحوار مع بغداد ورفض إغراءات التفتيت والتقسيم وغيرها، واحترام الإرادات الشعبية والخيارات الوطنية التي أجمع عليها الشعب العراقي. وبعد أن جرى ما جرى وأغلقت الطرق أمامها عادت تحاول الالتفاف أو الدوران حول نفسها للبحث عن مخرج بعنوان حوار، أو كأنها تؤجل مشاركاتها في المشاريع العدوانية إلى أجل آخر. قابلتها الحكومة الاتحادية بعد إعادة سيطرتها على المدن التي تم التجاوز عليها من طرف إدارة الاستفتاء وإدانة تصريحات خطيرة لها، كحدود الدم، واستغلال جرائم ما سمي إعلاميا “داعش”، قابلتها بوضع شروط محددة، قبل أي حوار أو عودة الأمور إلى ما كانت عليه بين المركز والإقليم.
حدّد النائب عن «التحالف الوطني» جاسم محمد جعفر، أربعة شروط للحكومة الاتحادية للقاء والحوار مع حكومة الإقليم أو ممثليه :
1- إقرار حكومة كردستان بأن نتائج الاستفتاء باطلة، وأن الإقليم لن يلجأ إلى الانفصال من جديد.
2- إفساح المجال أمام الحكومة الاتحادية لحل بعض الأمور، والقضايا الاتحادية داخل إقليم كردستان كالمنافذ الحدودية، والمطارات، وملف النفط، عن طريق الرقابة المالية الاتحادية.
3- عودة نوّاب «برلمان كردستان»، وكذلك الوزراء إلى عملهم من أجل حل المشاكل العالقة مع بغداد.
4- أن يكون أعضاء الوفد من جميع الكتل السياسية الكردية، وغير محصورٍ بـ«قيادات الحزب الديموقراطي».
أمام هذه الشروط استمرت حكومة الإقليم باللامبالاة، ولم تستجب لها أو تثبت نوايا حسنة لقبول الحوار.. فبدلا منها توجهت إلى الخارج، إلى فرنسا وألمانيا، سؤالا عن وساطات وضغوط للبحث عن الحوار مع الحكومة الاتحادية. حاولت باريس وبرلين التدخل في هذا الشأن الداخلي ولكن الموقف العراقي واضح في الرد على تلك المحاولات، تتصدره الشروط المذكورة.
ضمن خطوات الهروب عن الوقائع والحقائق، مثلا دعا زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني، مسعود البرزاني، إلى ضرورة إجراء انتخابات برلمانية، كحلّ ملائم للأزمة السياسية التي يشهدها الإقليم، مؤكّداً وبعناد أن «الاستفتاء كان تنفيذاً لإيصال رسالة حق وعدالة».(؟!). شاركه رئيس وزراء الإقليم نيجرفان البرزاني بطلبه، بشكل «رسمي» من برلمان الإقليم، إعداد جميع الإجراءات القانونية، بالتعاون مع «مفوضية الانتخابات الكردية»، لإجراء انتخابات البرلمان في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة.
في الوقت نفسه الذي تحاول فيه إدارة الاستفتاء الهرب إلى الخارج، يرى معارضوها أن الحلّ يجب أن يكون داخليا، مع التحذير من أن «الاستعانة بالخارج قد تعمّق الأزمة»، وفق النائب في البرلمان العراقي، عن «حركة التغيير» المعارضة، تافكة أحمد. وأضافت في حديثها الإعلامي أن «تعميق الخلافات قد يجعلنا أمام حروبٍ داخلية بين أربيل وبغداد»، متمسّكةً برأي كتلتها الداعي إلى «جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار»، في حين اعتبر الاتحاد الوطني الكردستاني، وفق المتحدث باسمه سعدي بيرة، أن الحل يبدأ باعتراف زعيم الديموقراطي مسعود البرزاني، بـ«الفشل» في تنفيذ وعوده بالاستقلال، والإعلان عن «فشل الاستفتاء». وتصاعدت التحذيرات التي لم تسمع أو ينصت لها. وردا على الإصرار على الأخطاء وسوء الإدارة وفسادها انطلقت تظاهرات واسعة واحتجاجات منوعة، منها نصب خيم اعتصام وحرق مكاتب ومقرات للأحزاب الحاكمة. التي اعتبرها النائب عن الجماعة الإسلامية الكردستانية في العراق زانه سعيد، بأنها دليل على مستوى “غضب ويأس” المواطن، وفيما شدد أن السلطة في إقليم كردستان تستحق “ثورة ضدها” وليس تظاهرات فقط، توقع استمرار التظاهرات المطالبة بالحقوق و”وصولها” إلى أماكن أخرى. وتابع سعيد، أن “التظاهرات حصلت بالسليمانية لوجود فسحة من الحرية للتعبير عن الرأي والقوى الأمنية محايدة، أما بمحافظتي اربيل ودهوك فإن هناك كبت للحريات ولو منحوا فرصة للخروج دفاعا عن حقوقهم فهم لا يقلون غضبا أو امتعاضا على سياسات الحزب الحاكم بالإقليم”، لافتا إلى أن “ماحصل خلال تظاهرة بسيطة في راوندوز من قمع وضرب واعتداء واعتقال على المتظاهرين هو خير دليل على مدى القمع الذي تعيشه تلك المناطق”.
من جهته طالب تحالف الديمقراطية والعدالة، الذي يترأسه القيادي الكردي، برهم صالح، باتباع خطوات لتدارك الموقف في إقليم كردستان، مؤكدا مساندته للحق المشروع للمواطنين في القيام بالتظاهرات المدنية، والتي تعد من المبادئ الديمقراطية الأساسية. وأضاف في بيان له أنه “يجب التعامل باحترام وهدوء مع المتظاهرين، كما أننا نطلب من أبناء الشعب من القوى الأمنية والشرطة والبيشمرجة الدفاع عن الحقوق المدنية للمواطنين وحماية المتظاهرين، كما ندعو المتظاهرين إلى المحافظة على السياق المدني والسلمي للحراك الشعبي وحماية الممتلكات العامة ومنع التدخلات التي تؤدي إلى اختطاف وتحوير المطالب المشروعة للمواطنين”. وتابع أن “الوضع الراهن في إقليم كردستان ناجم من فشل منظومة حكم غير مكترثة بمصالح الناس، وأن شعب كردستان يستحق حياة أفضل في بلد مليء بالخيرات والموارد، ولكن ومع الأسف، وبسبب النهب والحكم السيئ، أصبحت حقوق وحياة الناس في خطر”.
تتصاعد التداعيات على خطوة الاستفتاء الفردية ويزداد الغضب على أصحابها ولا حل أمامها إلا بالعودة إلى ما زعمت أنه خيار الشعب ومصالحه، والرجوع بوضوح إلى الحوار المطلوب المباشر دون مواربة أو مناورة، ووضع المصالح الشعبية والوحدة الوطنية قبل الرهانات الخاطئة والإصرار التدميري واللامبالاة في تحمل المسؤولية.
10 كوابيس.. من ليبيا إلى العراق إلى اليمن !
د. زيد حمزة
صحيفة الراي الاردنية

لا أدري ما الذي جعلني قبل تسعة وعشرين عاماً أغامر بقبول الدعوة الرسمية غير المكتوبة (!) لزيارة ليبيا والعلاقات الدبلوماسية مقطوعة بيننا والعقيد معمر القذافي في قمة السطوة والرهبة وشبح الامام موسى الصدر المختفي هناك منذ عشر سنوات ما زال يحوم في سماء المنطقة والأجهزة الليبية السرية كثيرة وخطيرة تنتشر في الخارج حيثما أراد القائد أن يضرب ليؤذي أو يقتل ، تماما كما كان يفعل داخل ليبيا، ولعل أول منشور قرأته عن مثل هذه النشاطات القذرة فأفزعني كان مودعاً في صندوق بريدي في قصر الامم بمقر اجتماعات منظمة الصحة العالمية في جنيف عام 1985 ممهوراً بتوقيع جماعةٍ ليبية معارضة ناشطة في اوروبا تُنبهّني فيه كرئيس للوفد الاردني من مغبة التعامل مع رئيس الوفد الليبي الذي عُيِّن حديثاً وزيراً للصحة في ليبيا فهو معروف لها وبوثائق مصورة مرفقة تؤكد أنه حين كان طالباً في المانيا كان يقود إحدى الحلقات السرية التي تستخدمها المخابرات الليبية لملاحقة الطلاب الليبيين المعارضين الهاربين في المنافي واصطيادهم لاغتيالهم أو إعادتهم الى الوطن (!) في الصناديق، وبالاضافة لذلك فقد كانت لدينا في الاردن آنذاك معلومات خاصة غير منشورة على نطاق واسع عما يُدعى باللجان الثورية التي تعتقل المشتبه بخيانتهم لمبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر وتشكّل من تلاميذ المدارس محاكم ثورية تحقق مع اقرانهم وتوقع عقوبةً قد تصل الى اعدام بمن تثبت(!) خيانتهم.

نعم لقد قمت بتلك الزيارة الغريبة دون اطمئنان لتدابير أمنية كافية ثم غامرت مرة أخرى حين كتبت عنها بعد عشرين عاماً في (الرأي) آذار 2008 باسلوب مخفف لا يستفز الغضب ومع ذلك فقد تبين أني قلت كلاماً لم يكن جائزاً قوله يومذاك في كثير من البلاد التي كانت تتعامل مع ليبيا طمعا في منفعة أو تجنبا لضرر أو خسارة ، حتى لقد بقي صديقي الراحل على عتيقة الليبي المحترم الذي عاش بيننا في الاردن لسنوات طويلة قلقاً عليّ حتى يوم الاطاحة بالعقيد.

أما ما أعاد لذاكرتي تلك الصور القديمة المظلمة عن ليبيا القذافي فهي الرواية التي قرأتها أخيراً للروائي الليبي هشام مطر بعنوان (في بلد الرجال) التي صدرت بالانجليزية عام 2006 أي قبل سنوات من ثورة 2011 ثم تُرجمت الى ثلاثين لغة ومنها العربية في العام 2012 ولقد عشت أثناء قراءتها جو الرعب الذي تملكني حياً من خلال معلوماتي وانطباعاتي عن طرابلس نفسها حيث كان لي فيها أيام من الخوف غير المعلن في زيارة عام 1988 التي اشرت لها في مقدمة المقال، كما عادت بي الرواية بصدقها الشديد الى مشاعر الحرقة المرة التي ذقتها ذات يوم وانا أقرأ رواية (ليل البلاد) للعراقي جنان جاسم حلاوي عن اهوالٍ واجهها مجند اثناء الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي وقد كتبها اثناء غربته او منفاه او موطن لجوئه في السويد على مدى خمس سنوات (1993- 1998) ولم يتمكن من اصدارها إلا عام 2002.. خارج العراق طبعاً، وفي الاسبوع الماضي حدث لي في ليلة ارقٍ عابرة ان تنقلتُ بين عدة كوابيس متداخلة اقضت مضجعي في مشاهد من الرعب والدماء والموت في كل من طرابلس وبغداد وصنعاء رايت فيها مشنقة صدام حسين ومصرع معمر القذافي وهو يتوسل للجماهير الثائرة التي قبضت عليه أن تنجيه من الموت ، وأخيراً صورة علي عبدالله صالح قتيلاً يتأرجح ببطانية على مؤخرة شاحنة !

وعندما استيقظتُ من نومي لم أكن اتفصّد عرقاً كما هو متوقع لأن المشاهد كانت وقائع اعرفها فقد حدثت وانتهت، ولم اردد السؤال المعتاد الذي يطرحه الكثيرون: كيف لا يتعلمُ المستبدون والطغاة مما أحاق بسابقيهم ؟ لأن الجواب عندي جاهز بسيط: حتى لا يفلتوا من سوء مصائرهم، وأنا أعرف أنني بهذا الكلام أُغضبُ المأخوذين بخرافة العادل المستبد او المصدقين لها.

وبعد.. لم تكن مصادفة بحتة أنني شاهدت في الشهر الماضي لقاءً تلفزيونياً ممتعاً مع هشام مطر أجراه المبدع بلال فضل في برنامجه (عصير الكتب) على فضائية (العربي) فزادني أعجاباً بعبقرية الروائي الليبي الشاب الذي تحدث عن روايته الجديدة (العودة.. The Return) الصادرة في عام 2016 وقد كتبها كسيرة ذاتية بعد غيبة 33 عاماً عن وطنه فهو من مواليد نيويورك عام 1970، ثم وانا أتلهف الآن على قراءتها كم أتمنى استكمالا لمسلسل الاستبداد في ادب الرواية ان اقرأ ايضاً لروائي يمني خاصة لأننا كما قد يتذكر البعض لنا مع بلده وثورته الأولى عام 1962 قصةً واي قصة.. لا بد أن تُحكى !