10 مقالات عن العراق بالصحف العربية اليوم الاربعاء

 

 

1              مئة ضابط أمن متورطون في عمليات تعذيب في الموصل      هيفاء زنكنة

 

                القدس العربي

 

ذكر نائب رئيس مجلس مدينة الموصل دلدار الزيباري « أن هناك نحو مئة مذكرة توقيف صادرة من مجلس القضاء الأعلى ضد ضباط يعملون في أجهزة الأمن والجيش، بتهم تعذيب معتقلين وانتزاع اعترافات بالقوة في معتقلات مدينة الموصل» . وأن وزارة الدفاع لم تعمل على إحالة المتهمين في قضايا تعذيب ابناء الموصل رغم التأكيدات والوثائق الرسمية التي قدمها مجلس المدينة لهم . وأوضح أن تهمة الإرهاب ما زالت هي التهمة الموجهة لمعظم المواطنين من أبناء الموصل المعتقلين من الذين تم مداهمة دورهم واعتقالهم من دون مذكرات توقيف صادرة في حقهم».

يرجى الانتباه. تاريخ نشر الخبر هو 18 / 9/ 2010. أي قبل اربع سنوات من احتلال «داعش» للموصل، وخمس سنوات، قبل اعلان حيدر العبادي، رئيس الوزراء، الانتصار على «داعش»، وخمس سنوات قبل انتشار فيديوهات التعذيب والاعدام الفوري لمن تقبض عليهم قوات الجيش والميليشيات، بتهمة الانتماء الى داعش، من أهل الموصل، وقبل ان يصبح الصاق تهمة «الداعشية» بكل من يطالب بالتحقيق بجرائم التعذيب وسيلة للتغطية على ذنوب الصمت وانتقائية حقوق الانسان. وأن النقطة الاهم التي جعلتني أعيد نشر الخبر القديم، هي عدم تنفيذ مذكرة القاء القبض، وعدم مساءلة او معاقبة أي من المتهمين المائة، على الرغم من توفر الوثائق. وهذا هو، بالضبط، ما يحصل اليوم .

فما أسس له المحتل من تعذيب بلا مساءلة في أبو غريب، وشرعنة بتسليم المعتقلين الى قوات أمنية عراقية «لاستخلاص» الاعترافات، وجعل تهمة الارهاب مسوغا لكل الممارسات الوحشية، اضافة لعدم تسجيل اعداد الضحايا ومنع نشر اي معلومات اخرى عما يجري، لايزال هو العملة المتداولة، حاليا. آخرها توثيق منظمة «هيومن رايتس ووتش» قيام القوات العراقية باحتجاز واعتقال ما لا يقل عن 1200 رجل وصبي في ظروف لا إنسانية من دون تهمة، وفي بعض الحالات تعذيبهم وإعدامهم بحجة انتمائهم إلى داعش» اثناء معركة الموصل، فقط.

فهل هي مسؤولية بضع تفاحات فاسدة فقط أم أنه الصندوق الذي وضعت فيه وحولها الى تفاحات فاسدة، كما تساءل عالم النفس الاجتماعي فيليب زمباردو؟ كيف الوصول الى الحقيقة حين يقف رئيس الوزراء، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي (19 تموز / يوليو) متهما منظمات حقوق الانسان، من بينها منظمة « هيومان رايتس ووتش» و « العفو الدولية» ب «تشجيع الإرهابيين على قتل الأبرياء»، و «التحريض على الطائفية»، أو تسارع نائبة، معروفة، ببكائها وأغمائها، دفاعا عن «حقوق شعبها» الى اتهام المنظمات بانها «مدفوعة الثمن مسبقا»، ويتبرع «عسكري» بتبرير التعذيب والاعدامات الميدانية باعتبارها «تحدث في كل الحروب»، بينما يختفي أكاديمي خلف قناع «جرائم النظام السابق» ولا يتطرق الى انتهاكات النظام الحالي التي وصلت حد العقاب الجماعي وجرائم الحرب؟ كيف الوصول الى الحقيقة، والمسؤول يشارك النائب والمثقف، تصريحات الانكار بدلا من التحقيق، والقيام، ولو مرة واحدة، بالقاء القبض على المتهمين بجرائم التعذيب، ومعاقبتهم ان ثبتت عليهم التهم، ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الخروج على القانون، والاكتفاء باطلاق التهم، جزافا، باسلوب تحريضي، شعبوي، ضد تقارير تغطي أحداثا موثقة بالتاريخ والمكان والصورة والفيديو، فهذا يدل أما على قصور عقلي، أو القبول الضمني بالجرائم ومنح مرتكبيها الحصانة لارتكاب المزيد، أو الاستهانة بانسانية المواطن وكرامته وحقه بالحياة، أو كل هذه الاسباب مجتمعة.

ليست هذه هي المرة الاولى التي يستهين فيها مسؤول عراقي بحق المواطنين بالحياة والكرامة. فحين جوبه رئيس الجمهورية السابق، جلال طالباني، بصور تعذيب المعتقلين من قبل قوات الاحتلال الامريكي، في أبو غريب، اعتبر التعذيب عاديا ولا يقارن بما كان يحدث في سجون صدام حسين، وكأن تعاونه مع المحتل في غزو العراق، كان للاستزادة وتنويع طرق التعذيب. أما نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، فله ولطاقمه يعود الفضل باستشراء المعتقلات السرية في ارجاء البلد، من بينها سجن المثنى الخاضع لإشراف مكتبه العسكري مباشرة. للاطلاع على لمحة بسيطة، عما كان يجري فيها، هناك تقرير « العراق: المحتجزون يكشفون تفاصيل التعذيب أثناء الاحتجاز السرّي: مسؤولو الادعاء تواطئوا على كافة المستويات» في 27 أبريل 2010 . حيث تعرض المعتقلون، البالغ عددهم 430 وهم من اهل الموصل، بالاضافة الى الضرب والصعق بالكهرباء والحرمان من النوم الى «أساليب تعذيب أخرى إضافية. إذ وصفوا قيام بعض المحققين ومسؤولي الأمن باغتصاب بعض المحتجزين بمقشات خشبية ومسدسات، كما اغتصب المحققون المحتجزين الأحدث سناً، الذين تم نقلهم بعد ذلك إلى مواقع احتجاز مختلفة. وقال بعض الشبان إنهم أُجبروا على أداء الجنس الفموي للمحققين والحراس. كما أجبر المحققون بعض المحتجزين على الاعتداء جنسياً على أحدهم الآخر. وقام مسؤولو الأمن بجلد المحتجزين بأسلاك كهربية غليظة، ونزعوا منهم أظافر اليدين والقدمين، وحرقوهم بالأحماض والسجائر، وكسروا أسنانهم. وإذا استمر المحتجز في رفض الاعتراف، يهدده المحققون باغتصاب زوجته وأمه وشقيقاته وبناته. وتدوم جلسات الاستجواب عادة ثلاث إلى أربع ساعات، وتقع كل ثلاثة إلى أربعة أيام». وبعد أن كتبت الصحافة الاجنبية عن الانتهاكات، قالت الحكومة العراقية إنها ستحقق في « مزاعم التعذيب» . وكانت النتيجة: لا شيء.

تأتي محاججة « المثقف» بأن التعذيب والاعدام الميداني سمة من سمات الحروب، صحيحة الى حد ما، لولا ان الشعوب المتحضرة، لادراكها مدى وحشية الحروب، عملت على مدى عقود، لوضع قوانين حرب دولية وانسانية تتوخى الحد من الوحشية، وفرضت على الدول والحكومات الموقعة على قوانين الحرب مسؤولية تطبيقها. الأمر الذي يجعل الحكومة العراقية مسؤولة عن التحقيق في صحة الانتهاكات وتجريم مرتكبيها لا انكارها، وحماية مرتكبيها، وتوجيه الاتهامات الى من يقوم بتوثيقها.

لم تعد اسباب «الارهاب»، كما هي أسباب شن الحروب، سرا . وأكثرها وضوحا، أسباب تفشيه في بلادنا حيث يعيش المواطنون القهر، والظلم، والجريمة وانسداد أفق استرجاع الحقوق، واهانة الكرامة الانسانية، والتمييز بأنواعه. ووضع حد للارهاب يبدأ بإقناع المواطنين بأن هناك خيارا آخر غير اللجوء إلى العنف يمر عبر سيادة القانون والقضاء على التمييز بأنواعه، وتقع المسؤولية الأولى على عاتق الحكومة، يليها العسكري والاكاديمي، وليست المنظمات الارهابية، للاعتراف بذلك والعمل على تحقيقه .

 

2              «الحشد الشعبي» بين مصادرة التضحيات والإصرار على حلِّه!

               

علاء اللامي

                 الاخبار اللبنانية

 

بعد تطهير مدينة الموصل، طفت إلى السطح تساؤلات كثيرة بعضها قديم نسبياً والآخر جديد عن ماهية ومصير وموقع «الحشد الشعبي» في المعادلات العسكرية والسياسية والمجتمعية في «عراق ما بعد داعش».

 

ولئن كان لافتاً عدم ذكر «الحشد الشعبي» بالاسم، ضمن الجهات التي هنأها رئيس مجلس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في خطاب النصر، أمرٌ أثار احتجاجات واعتراضات وتساؤلات كثيرة هنا وهناك، فإن اللافت أكثر والغني بالدلالات أن وكيل المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، لم يذكر «الحشد الشعبي» بالاسم أيضاً مع أنه عدّد أسماء جهات عسكرية ومدنية. لنقرأ ما قاله الشيخ الكربلائي في خطبة الجمعة 30 حزيران 2017، أي، بعد نصر الموصل مباشرة: «صاحب الفضل الأول والأخير في هذه الملحمة الكبرى التي مضى عليها إلى اليوم ثلاثة أعوام، هم المقاتلون الشجعان بمختلف صنوفهم ومسمياتهم من قوات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وفرق الجيش العراقي البطل والقوة الجوية وطيران الجيش وفصائل المتطوعين الغيارى وأبناء العشائر العراقية الأصيلة، ومن ورائهم عوائلهم وأسرهم ومن ساندهم في مواكب الدعم اللوجستي، إنهم هم أصحاب هذه الملحمة العظيمة التي سطروها بدمائهم الزكية وتضحياتهم الكبيرة وهم الأحق من الآخرين أياً كانوا برفع راية النصر النهائي…». والملاحَظ أن عدم ذكر الشيخ الكربلائي لـ«الحشد الشعبي» بالاسم لم يُثِر ما أثاره تجاهل العبادي للاسم، فما السبب وراء ذلك؟ يمكن أن نجد السبب في كون العبادي يرأس السلطة التنفيذية ولا يجد الجميع ضيراً أو حرجاً في انتقاده بخلاف المرجع السيستاني وموقعه الروحي بما يمثله من وزن سكاني يعبر عنه ملايين المقتدين به «المقلدين». ولكن ذلك ليس السبب الوحيد، وستكون الصورة أوضح لو عدنا أدراجنا إلى جذر الموضوع وكيف تأسس «الحشد العشبي» في تلك الأيام الملتهبة والصعبة من حزيران العراقي سنة 2014 حين سيطر مسلحو تنظيم «داعش» التكفيري على مدينة الموصل ومساحات شاسعة من شمال العراق. فهل أفتى السيستاني فعلاً بتأسيس «الحشد الشعبي» أو بشيء يشبه «الحشد الشعبي» أو بمؤسسة عسكرية وأمنية رديفة للجيش العراق؟ قطعا لاً. لقد كانت دعوة «فتوى» المرجع السيستاني موجهة إلى القادرين على حمل السلاح للتطوع في صفوف القوات المسلحة العراقية، وهذا هو نص الفتوى الأول كما وردت على لسان الشيخ عبد المهدي الكربلائي وكيل المرجع السيستاني في خطبة الجمعة يوم 13 حزيران 2004، وتحديداً في الفقرة (خامساً، إن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، بمعنى أن من يتصدى له وكان فيه الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين. (…) ومن هنا فإن على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس. أود أن أوضح هذه العبارة. لا بد من توفر شرطين: إن على المواطنين من الذين يتوفر فيهم هذان الشرطان، الذين يتمكنون من حمل السلاح أولا ومقاتلة الإرهابيين ثانياً).

وفي سنة 2016، أصدر المرجع فتوى ثانية يؤكد فيها فتواه الأولى في حزيران 2014 رداً على تساؤلات من جمهور المقتدين عما إذا كانت الفتوى قد انتهت زمنياً أم أنها ما تزال نافذة المفعول، فكتب بخط اليد مع ختمه الشخصي (بسمه تعالى… قد أفتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوباً كفائياً للدفاع عن الشعب العراقي وأرضه ومقدساته، وهذه الفتوى لا تزال مستمرة لاستمرار موجبها، بالرغم من بعض التقدم الذي أحرزه المقاتلون الأبطال في دحر الإرهابيين. علي الحسيني السيستاني… 27/ع1/1437هـ ).

يمكن الخروج مما سبق بالكثير من الاستنتاجات والخلاصات، لعل من أهمها أن فتوى المرجع السيستاني ليست لها علاقة مباشرة بتأسيس ودسترة «الحشد الشعبي» وأن إصراره على استعمال عبارة «فصائل المتطوعين» قبل وبعد الانتصار في الموصل والمقصود بهم المتطوعون ما بعد سقوط الموصل، يُخرج تلقائياً الفصائل المسلحة الحزبية كمنظمة «بدر» و«العصائب» و«سرايا السلام» إلخ… من مفهوم وكيان «الحشد الشعبي» منطقياً، لأنها كانت موجودة قبل هذا التاريخ بسنوات عديدة، وليست مؤلفة من متطوعين للدفاع عن العراق بعد سقوط الموصل.

في الوقت الحاضر، ولأن الحرب ضد العصابات التكفيرية الداعشية لم تنته بعد، فما تزال مدن وبلدات وقرى عديدة، إضافة إلى أجزاء مهمة من الحدود الدولية مع سوريا تحت سيطرة هذه العصابات، وما يزال خطر ارتكاب هذه العصابات لهجمات واعتداءات بالمفخخات والهجمات الانتحارية في العمق العراقي قائماً، فإن أي مطالبة بحل أو تحجيم أو تحديد حركة «الحشد الشعبي» والعشائري تعتبر أمراً مرفوضاً ومريباً ويخدم العدو التكفيري. أما الذين يهاجمون مطلب حل «الحشد» بإطلاق القول ومن دون مبرر فهم يهدفون بحركة استباقية إلى تحقيق أهداف سياسية وأمنية أخرى لا علاقة لها بالحرب ضد العصابات التكفيرية. ولكن من هي الأطراف التي تريد حل الحشد الشعبي فوراً ومن دون قيد أو شرط:

أول هذه الأطراف الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج العربي، وهذه الدول تعتبر الحشد الشعبي امتداداً إيرانياً ولا تعترف بكونه مؤسسة أمنية دستورية عراقية وتعتمد في ترويج نظرتها هذه على وجود ونشاط أربعة فصائل مسلحة موالية لإيران ومدافعة عنها وتتصدر المشهد الإعلامي. والطرف الثاني المطالب بحل الحشد هو غالبية القيادات السياسية في المنطقة الغربية والشمالية، والقيادات الكردية في الإقليم وهؤلاء يرفعون هذا المطلب لتحقيق أهداف وموازنات داخلية مع شركائهم الإسلاميين الشيعة في الحكم ضمن صيغة المحاصصة في غنائم الحكم.

 

وفي مقابل هذه الأطراف، هناك قيادات في فصائل ضمن «الحشد الشعبي» هي (عصائب أهل الحق وسرايا الخراساني ومنظمة بدر وكتائب حزب الله ــ العراق ) ترفض رفضاً قاطعاً حل «الحشد الشعبي» حتى لو تم القضاء على عصابات «داعش» وتحرير المدن والمناطق التي تسيطر عليها، بل هي تحاول تخليد «الحشد الشعبي» وإضفاء صفة القداسة عليه واعتباره «حاملاً لرسالة الأمة ومشروعها» وفقاً لما عبر عنه القيادي في الحشد أبو مهدي المهندس أو اعتبار الحشد «مؤسسة إلهية حكومية» كما كتب رحيم الخالدي، أي أنها تريد تحويل «الحشد الشعبي» إلى نسخة عراقية من الحرس الثوري الإيراني وجيشاً رديفاً ومستقلاً عن جيش الدولة هدفه حماية هيمنة الأحزاب الإسلامية الشيعية على الحكم، وهذا أمر مرفوض وطنياً ويتعارض مع طبيعة المجتمع العراقي المتنوع التعددي ومع هدف إقامة دولة عراقية ديموقراطية ذات سيادة كاملة وجيش وطني واحد.

إن الموقف الوطني الموضوعي المطموح إليه اليوم هو ذلك الذي يؤكد على ضرورة الانتباه والتركيز على المعركة المستمرة ضد «داعش» حتى نهايتها، وحتى حسم وإنهاء معارك تلعفر والحويجة والحدود ومدن أعالي الفرات بمشاركة «الحشد الشعبي» والعشائري، ورفض خضوع القيادة السياسية لنظام المحاصصة برئاسة العبادي للابتزاز والتهديدات والأوامر الأميركية الهادفة لمنع «الحشد الشعبي» والعشائري من المشاركة في كل المعارك المقبلة. أما بعد تحقيق النصر التام والنهائي فسيكون لكل حادث حديث، وسيكون من حق العراقيين مناقشة جميع القضايا بما فيها قضية طبيعة النظام القائم ودستوره وجميع مؤسساته بما فيها الحشد العشبي. الأولوية الآن لهزيمة العصابات التكفيرية المسلحة وتحقيق النصر التام عليها.

ولكي تكتمل الصورة لدينا حول موضوع مؤسسة «الحشد الشعبي»، وعلى أي أسس شرعية دينية مزعومة أقيمت، وما هي الآفاق التي يريد البعض إيصالنا إليها، سنتوقف الآن عند مجموعة من المطالب التي وجهها نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس إلى الحكومة والبرلمان العراقيين علناً وعبر وسائل الإعلام في خطابه في الاحتفال المركزي لـ«الحشد الشعبي» بالانتصار في الموصل والتي يمكن وصفها بخطة طريق عملية لـ«ترسيخ الحشد» كمؤسسة عسكرية وأمنية رديفة للجيش العراقي، ولها الحق في (التدخل في ساحات محاربة الفساد السياسي والمالي والإعلامي). وقبل عرض تلك المطالب نسجل عدم حضور ممثلين رسميين عن الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث ولا عن المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية… وخلاصة تلك المطالب التي طرحها المهندس وبكلماته هي:

ــ هناك ضرورة لبقاء «الحشد الشعبي» كمؤسسة رديفة، لذلك نرجو منكم ما يلي (كان المتحدث قد طرح هذه الفكرة أكثر من مرة بكلمات أوضح حين قال: نحتاج اليوم إلى ترسيخ «الحشد الشعبي» كمؤسسة عسكرية أمنية رديفة لقواتنا المسلحة):

*تفعيل قانون هيئة «الحشد الشعبي» وهذا يحتاج الى إقرار قانون الخدمة والتقاعد لـ«الحشد الشعبي».

*طالب الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات بتوفير بعض المعسكرات والأبنية الحكومية حتى نستطيع أن نجمع مكاتب تشكيلاتنا في مكان واحد.

*طالب بحل موضوع الحشود العشائرية والمحلية التي تبلغ عشرات الآلاف من المسلحين إما بضمهم إلى «الحشد الشعبي» مع تخصيصات مالية كافية أو ضمهم كمنتسبين للجيش والشرطة أو إعطائهم اسماً آخر غير اسم «الحشد»…

*إذا استمر هذا الوضع فربما سندخل في ساحات محاربة الفساد السياسي والمالي والإعلامي.

الأسئلة كثيرة ولكنني سأكتفي ببعضها:

ـ أيهما أهم وأخطر وأكثر إلحاحاً، أن يطالب المهندس بحل وتصفية الحشد العشائري المرتبط بالجيش، أم أن يعمل على حسم علاقة الفصائل المستقلة والتابعة لأحزب سياسية ترتبط بدولة مجاورة تنظيمياً وتمويلا وولاءً دينياً وسياسياً بـ«الحشد الشعبي»؟

ـ هل هناك علاقة بين ما قاله السيستاني بفتواه للجهاد الكفائي، وبدليل إصراره حتى بعد تطهير النصر على تسمية «فصائل المتطوعين» بدلاً من «الحشد الشعبي» وبين «مؤسسة الحشد الشعبي»؟ ثم، أليس اعتبار الفتوى أساساً شرعياً دينياً لقيام «الحشد الشعبي» من قبل بعض القيادات السياسية نوعاً من السمسرة والبلطجة السياسية والضحك على الشعب العراقي؟

ـ لماذا يسكت الجميع في العراق على تصريحات سليماني الاستفزازية والتي قال فيها (قوات «الحشد الشعبي» تحولت إلى «جيش حزب الله» بعد التحاق «الحشد الشعبي» بالجيش العراقي..!) والتي يصادر بها تضحيات المتطوعين العراقيين ويحاول تجييرها لمصلحة نظامه، نظام ولاية الفقيه، مع احترامي لعداء هذا النظام للعدو الإسرائيلي ولكن ليس على حساب استقلال وسيادة وكرامة بلادنا وشعبنا التعددي المتنوع؟

ـ أي معنى يبقى لبرامج المصالحة والإعمار والبناء والوحدة الوطنية التي يتشدق بها المهرجون السياسيون في نظام المحاصصة الطائفية بين الحين والآخر؟ من الواضح أن الوضع العام في العراق يدخل مرحلة جديدة وعميقة من التحلل والتعفن السياسي الطائفي بفعل هذه المتغيرات، وبسبب أصلي عميق هو وجود نظام حكم المحاصصة ودستوره الاحتلالي، ولكن صحيح أيضاً أن الناس بدأت ترى الأمور بوضوح أكثر وأصحاب الأجندات والمشاريع الدينية الطائفية أصبحوا أكثر انكشافاً ولم يعد بينهم وبين إعلان دولتهم النسخة من دولة ولاية الفقيه «إلا بعض الأشبار»… الانتصار النهائي على «داعش» وشيك ولم يتبقَ الكثير، وعلى جميع الوطنيين الواعين والديموقراطيين الحقيقيين الاستعداد لمعارك أخرى ضد احتلال آخر أكثر تدميراً… إنما يبقى الإجهاز على عصابات «داعش» هو المهمة المركزية الأولى الآن، وكل المتعجلين على حل «الحشد الشعبي» من جهة أو سرقة «الحشد الشعبي» ووضعه في جيب الوالي الفقيه الإيراني من الجهة المقابلة يؤخرون هذا النصر ويعرقلونه ويقدمون الخدمة والمدد والغطاء لـ«داعش» في نسختها الجديدة المقبلة… وأخيراً، فإن للمتفرجين والمبررين والساكتين على ما يحدث اليوم لفصائل المتطوعين العراقيين وسرقة انتصارهم وتضحياتهم حصتهم الكبيرة من السلبية فالوطنية والديموقراطية واليسارية ليست مجرد صفات يلصقها البعض على جباههم، بل دفاع ومقاربة شجاعة للحقائق والتاريخ يسجل الصغائر مثلما يسجل الكبائر!

 

3                وجاء دور داعش

                 زهير ماجد

                  الوطن العمانية

 

سوف تتذكر الأجيال أن تنظيما إرهابيا اسمه”داعش”مر على هذه الدنيا وحط رحاله هنا وهناك وهنالك … رسم فوق الأرض لوحة دموية كانت قد مرت على المنطقة. لكن الخوف، من أن تتغير الأجيال ولا ينتهي هذا التنظيم المفبرك أميركيا وإسرائيليا والمشغول بعناية عربية وتركية.

حين سقطت الموصل العراقية بيد تشكيل القوات العراقية، كان لاتزال أطراف أخرى في العراق تتبع لهذا التنظيم وتتأثر به. وهنالك على الأرض السورية امتداد له، وفي لبنان أيضا. وهكذا بدأالبحث عن المكان الجديد الذي ظهرت نهاياته على الخارطة قبل أن ينتهي في الواقع.

ظهر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ليقول إنها المرة الأخيرة التي سيتحدث فيها عن إرهاب يملأ منطقة جرود عرسال بزعامة”النصرة” ويتمدد صعودا بيد”داعش”. فهم من كلام نصرالله أن معركة جاهزة ستبدأ إن لم تنجح الوساطات بنقل المسلحين خارج تلك الأرض. لكن لا إسرائيل ولا الأميركي ظن تهديد نصرالله حقيقيا.

وفي صبح مليح كانت الأرض تهتز تحت ضربات حزب الله لينتهي وجود “النصرة”بما لم يكن متوقعا، ليكون ذلك إشارة قوية إلى”داعش”بأن يتدبر أمره، إما سلما أو حربا. وفي حقيقة الأمر، فإنه تجري مفاوضات لإخراج المنطقة من أية معركة سوف تحصل إن عاجلا أو آجلا ، وأما المطلوب من هذا التنظيم فهو الخروج بعد أن وضع الجيش اللبناني هذه المرة خطة الوثوب عليه وعندها لن يكون أمامه سوى الاندحار بالقوة.

حتى الآن لايبدو أن التنظيم الإرهابي يصغي للنداءات، خصوصا وأن الجيش اللبناني بمؤازرة حزب الله لن يكون أمامهما وقت طويل بانتظار الرد على مد اليد سلما. هنالك مدة زمنية يضعها الجيش عادة، فيكون استنفاره مرتبطا بتوقيت لايمكن تجاوزه لأسباب لوجستية. ثم على هذا التنظيم أن يعرف ويعي أنه حان وقت تنظيف حدود لبنان وسوريا، وأن هذا الأمر مرتبط بعدة عوامل سورية بالدرجة الأولى، ولبنانية أيضا.

كل المؤشرات حتى الآن أن المعركة هي المتوقعة، فهذا التنظيم يسعى دائما للقتال، ولديه قوة ضاربة فيه، كما أن سلاحه أقوى بكثير من”النصرة ” إضافة إلى الأعداد البشرية، والمعلوم أن عددا إضافيا منه دخل من جديد إلى المنطقة ضمن احتمالات الحرب، فهو إن سقط هذه المرة لن يكون له مكان سوى الخروج إلى إدلب كما هو الاتفاق مع”النصرة”وفي إدلب سيدور صراع بينه وبين قوى مختلفة، كونه لاينسجم مع شتى التنظيمات لأسباب عقائدية وطقوسية أيضا.

وكانت بعض المعلومات قد أكدت أن هذا التنظيم بدأ مفاوضاته مع اللبنانيين بموضوع الانتقال إلى منطقة دير الزور، حيث قوة منه هناك لاتزال عالقة في شباك الجيش العربي السوري.

في كل الأحوال، الكل متأهب على سلاحه، والمعركة بين الجيش اللبناني و”داعش صارت واقعة مائة بالمائة ولسوف تكون حاسمة لجهة نتائجها، فخطة الجيش كسر التنظيم بغية إخراجه من المنطقة كما قلنا وضمن معادلات سياسية جديدة أكثر من طارئة على المنطقة.

لوحة جديدة سترسم على الحدود اللبنانية السورية، والجيش اللبناني الباسل والمقدام ستكون مناسبة له لتحقيق أكثر من هدف في معركته الكبرى المنتظرة.

 

4              مقتدى الصدر في الرياض     عبد الرحمن الراشد                   الشرق الاوسط السعودية

 

مشاهد هيمنة النظام الإيراني واضحة على كل مناحي الحياة في العراق؛ من التجارة والعمارة والمنتجات الرديئة إلى السيطرة على المصارف والحكومة والبرلمان والأحزاب. وكما وصف تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الوضع بأنهم يهيمنون هناك على كل شيء، من محطات التلفزيون إلى بيع المخدرات.

 

إيران تحاول أن تبرر حضورها وسيطرتها بأن العراق في حاجة إليها، ومن دونها سيسقط، مدعية أنها من حرر مدينة الموصل من «داعش». وهذا ليس صحيحاً، فالمعركة، وبشكل أساسي، قاتل فيها الجيش العراقي بدعم ومساندة أميركية. إنما إيران تعمل على بناء نفوذها ووجودها في العراق منذ أربعة عشر عاماً حتى صارت الباب العالي، وصار معظم السياسيين العراقيين، بما فيهم السنة العرب والتركمان والأكراد، الذين عرفوا درب طهران، يحجون إليها للحصول على تأييد القيادة هناك ورضاها، تماماً كما كان يخضع السياسيون اللبنانيون لإرضاء الرئيس في دمشق.

 

في ظل هذه الهيمنة الإيرانية نرى مقابلها زيارة شجاعة من السيد مقتدى الصدر للسعودية، وهو من أبرز المؤثرين على الساحة، لتؤكد على ما يقال عن رفضه للهيمنة الإيرانية وإصراره على استقلالية القرار العراقي، وتحديه لسياسيين مثل نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية الحالي، والذي كان رئيس الوزراء السابق والأسوأ في تاريخ العراق.

 

موقف الصدر، وعدد من القياديين العراقيين، لا يقوم على رفض العلاقة الجيدة مع الجارة طهران بل ضد هيمنتها. هم ضد استيلاء طهران على الموارد والسلطات، ضد تحويل المياه النهرية على الحدود، والحفر في المناطق البترولية المتجاورة، وضد استخدام الشركات والبنوك العراقية لتصبح سوقاً سرية للتعاملات الإيرانية الممنوعة دولياً، وضد بناء وتشجيع نشاط ميليشيات عراقية خارج السلطة، وضد تدخل الحرس الثوري الإيراني في الحكومة والبرلمان، وفي تعيينات المحافظين ورؤساء البلدية، وإدارة الإعلام الرسمي وملاحقة الإعلام الخاص. العراق بلد كبير وليس جمهورية موز للنظام الديني الأمني المتطرف في طهران يقوم بحلبه مالياً لتمويل مغامراته العسكرية في سوريا ولبنان وغيرهما. والعراق اليوم تحت هيمنة الحرس الثوري الإيراني بلد فقير بكل المقاييس، ليس نقصاً في موارده المالية بل نتيجة الفساد الكبير في المؤسسات العراقية وبسبب النهب الإيراني لموارده.

 

ومن مصلحة دول المنطقة، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، دعم استقلال العراق وإشعار شعبه بأنهم ليسوا وحدهم. وأكرر رأيي القديم بأن النأي بالنفس الخليجي كان سياسة خاطئة سهلت على الإيرانيين التدخل والتمدد، وأن النظر إلى العراق كمكون طائفي تصوير مغلوط لحقائق السياسة على الأرض، وعدم فهم لديناميكية السياسة والمجتمع هناك.

 

وقبل استقبال الرياض السيد الصدر، زارها حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، والتي فتحت أبوابها المغلقة في تبدل سياسي إيجابي مهم للجارة الشمالية.

 

ومن الطبيعي أن نتساءل إن كان بإمكان العراقيين مواجهة إيران، ونحن نراها تطبق على سوريا بشراسة لم تبالِ خلالها بما سببته وميليشياتها من مذابح مروعة هناك؟ إنقاذ العراق مهمة العراقيين الوطنيين على اختلاف انتماءاتهم، ومن واجب دول المنطقة أيضاً أن تتخذ موقفاً واضحاً ضد تسيد مؤسسات نظام آية الله، مثل فيلق القدس الإيراني على مؤسسات الدولة العراقية وأحزابها السياسية. والعراق غني بذاته، ليس بلداً تنقصه الموارد الكبيرة مثل اليمن وسوريا، وقادر على استعادة سلطاته متى ما رفع القادة العراقيون الوطنيون صوتهم بالرسالة عالياً وأسمعوها للجميع، لا لإيران ولأي قوة أخرى. يحتاج العراقيون أن يسمع العالم كله أنهم سيحاربون الهيمنة الإيرانية وسيطردون الحرس الثوري من بلادهم، هذا مشروع العراقيين وليس مشروع الخليجيين أو العرب أو غيرهم.

 

 

 

 

 5                 استقبال الصدر في السعودية… رسائل مهمة        مينا العريبي              الشرق الاوسط السعودية

 

انتشرت صورة استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، للقيادي العراقي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في جدة، بسرعة البرق ليلة أول من أمس الأحد. وعلى الرغم من أن فحوى اللقاء لم يتم الإعلان عنه، ولم تخرج تصريحات حول ما تم تداوله والاتفاق عليه بين الأمير محمد بن سلمان ومقتدى الصدر، فإن صورة اللقاء هي الخبر الأهم؛ لقاء يجسد مدى جدية السعودية في فتح كل القنوات مع العراق بعد سنوات من شبه القطيعة، ويمثل أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الصدر، زعيم «التيار الصدري»، في مرحلة حساسة للعراق والمنطقة.

 

بعد معارك شرسة ضد «داعش» والإرهاب في صلب العراق، هناك معارك حول مستقبل البلد الذي تسعى إيران إلى السيطرة الكلية عليه. ومن المقلق أن هذه السيطرة تأتي عن طريق عراقيين قرروا أن ولاية الفقيه أهم عندهم من أراضي أجدادهم، وتاريخ عشائرهم، وثروات دجلة والفرات.

 

حملت زيارة الصدر رسائل ذات أهمية عالية، للداخل العراقي والسعودية، بالإضافة إلى الدول الإقليمية؛ أولاً للعراقيين بأن المملكة جدية في توجهها لفتح صفحة جديدة وبناء علاقات مع الساسة من مختلف الخلفيات، ولكن للذين يثبتون حسن نيتهم في بناء عراق المستقبل والذين يعون أهمية إقامة علاقات مصالح مشتركة مع السعودية ومحيط العراق العربي. وقد شهد هذا العام حراكاً دبلوماسياً لم نشهده منذ سنوات بين الرياض وبغداد، انطلق بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد بداية العام، ومن ثم لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على هامش القمة العربية في الأردن، ومن ثم استقبال خادم الحرمين الشريفين للعبادي في السعودية.

 

بالإضافة إلى التاريخ وعوامل القربى بين كبرى العشائر العراقية والسعودية هناك مصالح أساسية يجب أن تجمع بغداد والرياض، من مواجهة الإرهاب إلى تنسيق السياسات النفطية في «أوبك». وعندما زار وزير الطاقة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح بغداد في مايو (أيار) الماضي، تبلورت صورة التعاون النفطي الممكن بين البلدين، بينما جاءت زيارة وزير الداخلية قاسم الأعرجي إلى السعودية الشهر الماضي ضمن تنسيق الجهود الأمنية وحماية الحدود المشتركة بين البلدين.

 

كما تأتي زيارة الصدر إلى السعودية في وقت تشهد فيه الساحة السياسية العراقية متغيرات مهمة، وخاصة داخل الأحزاب الإسلامية الشيعية. أيضاً يعتبر خروج عمار الحكيم من المجلس الإسلامي الأعلى في العراق وتأسيس حزب خاص به تحت مسمى تيار «الحكمة»، تطوراً لافتاً ويدل على ظهور فرصة لبناء التحالفات بعيداً عن التوجه الطائفي البحت.

 

هناك من يتوقع ظهور تيار شيعي إسلامي جديد لخوض انتخابات العام المقبل، منفتح على العالم العربي وساعٍ لتحييد الدور الإيراني. وبينما الصدر ليس معصوماً من الأخطاء، وهناك تاريخ منوع من المشاكل المرتبطة بتياره وجرائم وانتهاكات «جيش المهدي»، إلا أنه سليل عائلة الصدر المؤثرة، وهي العائلة الشيعية المعروفة التي تركت بصماتها على التاريخ السياسي العراقي الحديث. كما يعتبر العراق اليوم بحاجة إلى قيادات تتحدث ضد الطائفية (ودور إيران في إثارتها)، والفساد وسرقة المال العام، وتشدد على أهمية الإصلاح، واليوم يبدو الصدر الصوت الأبرز لهذا النهج.

 

الرسائل الموجهة للدول العربية الأخرى مهمة أيضاً، وهي أنه من غير المعقول أن يبقى العراق منعزلاً عن محيطه الطبيعي وهو العالم العربي. وإذا كانت السعودية بثقلها السياسي وأبعادها الأخرى، منفتحة على العراق، فعلى الآخرين اتخاذ خطوات مماثلة. وقد بدأ التأثير عملياً على دول عربية أخرى، من بينها مصر التي أوفدت وزير خارجيتها سامح شكري إلى بغداد الشهر الماضي.

 

المرحلة السياسية المقبلة ما بعد هزيمة «داعش» ستحدد مصير العراق والمنطقة، فإذا استطاع العراق أن يضع حداً للمجموعات الإرهابية والتوغل الإيراني السافر في البلاد، وممارسة نهج سياسي ناضج يتخطى طرح انفصال إقليم كردستان، هناك فرصة لخروج بلد عربي قوي بوجه الإرهاب والتسلط الإيراني. ولكن كلمة «إذا» كبيرة وثقيلة هنا.

 

تأتي زيارة الصدر للعراق قبل ثلاثة أيام من حلول ذكرى أليمة وهي الذكرى الـ26 لغزو صدام حسين للكويت. وقد ولد جيل كامل من أبناء العراق والكويت والخليج عموماً ليس لديهم ذكريات حية لذلك الحدث الذي أحدث شرخاً في العالم العربي ما زلنا نعاني من تبعاته. ولكن طي تلك الصفحة وطي صفحة الابتعاد العراقي عن العالم العربي بات أمراً ملحاً على جميع الأصعدة.

 

وبالطبع، الرسالة الأبلغ من زيارة الصدر للسعودية هي لإيران، التي اطمأنت بأنها باتت تتمتع بوصاية على العراق، وقادرة على تحديد مستقبله. واستقبال رجل الدين الشيعي العراقي الذي عبر خلال السنوات الأخيرة عن رفضه لمثل هذا الوضع يعطي إشارة إلى طهران بأن من لا يتحالف معها لن يجد نفسه معزولاً. ومن اللافت أن زيارة الصدر إلى السعودية تأتي بعد أسابيع من مطالبته بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وهو الحليف الأهم لإيران اليوم.

 

تغريدة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، التي قال فيها: «التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبني أوطاناً أو مجتمعات. لغة الاعتدال والتسامح والحوار هي ما يجب أن تسود لتحقيق مصالحنا العليا»، تعبر عن الموقف الرسمي السعودي، وتلخص أهمية التمييز بين العوامل السياسية التي تجعل العرب على خلاف مع إيران، والأمور الدينية التي تعود إلى معتقدات يجب ألا تفرق بين العرب والمسلمين من الدول الأخرى.

 

 

 

 6                 مقتدى الصدر… مر من هنا                   يوسف الديني

                    الشرق الاوسط السعودية

 

منذ الإطاحة بنظام صدام حسين وما تبعه من انهيارات عميقة على المستوى الإقليمي وصعود الحضور الإيراني التركي في المنطقة في ظل بقاء الأنظمة العربية على الحياد دون التدخل في الشأن العراقي، عم قلق كبير على المستوى السياسي دافعه أمران؛ الأول عدم رضا على الطريقة التي تعاملت بها القوى الدولية مع مسألة العراق فيما يخص تهشم مفهوم الدولة وانهيار المؤسسات، والمعالجة النيئة والعجلة مع مسألة التحول السياسي في العراق عبر وكلاء المعارضة المرتبطين بطهران وتأسيس شكلانية ديمقراطية برافعة طائفية كان يظن في البداية أنها ردة فعل وليست استراتيجية فاقمت الأوضاع سوءاً ومنعت من تحسن الأوضاع كما هو الحال في التجارب العربية في التحولات على مستوى النظام السياسي، لا سيما في التغييرات التي تحمل طابع الإنزال المحلي أكثر من كونها تمثيلاً أميناً لمكونات الشعب وقواه وأحزابه السياسية.

 

نأت بغداد بنفسها لسنوات عن التماس مع الشأن العربي في الوقت التي زادت فيه الأزمات، وكالعادة حين تغيب السياسة يحضر العنف ومنطق الميليشيا والإرهاب فبزغ نجم «داعش» وزاد حضورها تعقيداً لمسألة المقاربة السياسية في الشأن العراقي وإيجاد صيغة توافقية لإعادة الإعمار وتقاسم السلطة على الرغم من بذل دول الجوار، وفي مقدمتها السعودية، جهوداً كبيرة على مستوى التواصل مع النخبة السياسية العراقية رغم المنعرجات الصعبة.

 

الأسابيع الماضية حملت مؤشرات إيجابية ومبشرة تدعو للتفاؤل بمستوى جديد بعد أن بادرت السعودية برسائل إيجابية تجاه الشأن العراقي بعد دعمها الكامل للتحالف الدولي في الحرب على «داعش» وتهنئتها القيادة العراقية على تحرير الموصل ثم فتح صفحة جديدة وبيضاء على مستوى العلاقة والتمثيل السياسي وفتح الحدود تبعها زيارة تاريخية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي صرح، وفقاً لبيان صدر من مكتبه، بـ«أننا استبشرنا خيرا فيما وجدنا انفراجاً إيجابياً في العلاقات السعودية – العراقية، ونأمل في أنها بداية الانكفاء وتقهقر الحدة الطائفية في المنطقة العربية الإسلامية».

 

أدركت الرياض منذ وقت مبكر أن الوقت حان لإقامة علاقات قوية مع النخب السياسية في العراق لاستيعاب مشروع عراق جديد قادر على حلّ مختلف النزاعات العرقية والطائفية، وبذلت محاولات جادة بدأت منذ أن التقى الراحل الملك عبد الله في أبريل (نيسان) 2010 عدداً من أهم الساسة العراقيين في الرياض، إضافة إلى لقاءات متعددة منذ ذلك العام مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود بارزاني، والرئيس العراقي السابق جلال طالباني، ورئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق عمار الحكيم، ووفد من التيار الصدري.

 

واليوم يضطلع الأمير محمد بن سلمان بمهمة كبيرة على مستوى دعم الاستقرار في المنطقة عبر إعادة الانخراط في الشأن الإقليمي برؤية جديدة عقلانية لاستيعاب التركيبة العراقية متعددة الطوائف وعزل هذا البلد العربي عن رهانات نظام طهران التي راهنت بشكل خاطئ ومتهور على تجاهل ثقل السعودية من خلال فترة حكومة المالكي التي كانت متحيّزة بشكل غير سياسي إلى لعب كارت الطائفية على رافعة مكافحة إرهاب «داعش»، وهو أمر كان يقلق السعوديين والعالم، لا سيما أن السعودية، في تأكيد أن المهم هو عودة العراق العربي إلى السياق الإقليمي الطبيعي، دعمت علاوي «الشيعي العلماني» الذي حصد تمثيلاً قوياً بين أوساط سنة العراق وفاز بـ91 من 325 مقعداً، وهو الأمر الذي أبطل مزاعم الطائفية التي عادة ما ترفع في أوقات الأزمات للتأثير على الحالة السياسية أكثر من كونها محدداً للهوية السياسية.

 

ولا شك أن هذه الزيارة تأتي عقب تحولات كبيرة في المنطقة، أبرزها تولي الإدارة الأميركية الجديدة مقاربة مختلفة فيما يخص تقليم أظافر إيران في المنطقة بعيداً عن تعقيدات الملف النووي والعقوبات، ولا شك أن العراق البلد الأكثر تأثراً بهذه الاستراتيجية الجديدة، ونتذكر هنا الزيارة التاريخية التي سبقت زيارة مقتدى الصدر التي قام بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى السعودية، هي الأولى منذ تسلمه منصبه نهاية عام 2014 وبحث فيها مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز التنسيق بين البلدين في جميع المجالات، التي عبرت عن سياسة جديدة منفتحة رأى فيها الخبراء شجاعة سياسية منه قد تطال مستقبله السياسي في انتخابات 2018 لكنها من جهة أخرى قد تكون بوابة العودة إلى عراق متنوع في بلد يقف على رابع أكبر كثافة سكانية في الشرق الأوسط، ويملك خامس أكبر مخزونٍ نفطي في العالم.

 

الحفاظ على مكون الدولة في العراق مهمة صعبة لكنها غير مستحيلة متى ما انفتحت على دول الجوار والمجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه بحاجة إلى فهم عميق من البلدان المتاخمة للعراق للمكونات السياسية، لا سيما المعارضة، وفهم أدق لعواقب انهيار الدولة، هذا الفهم والتفهم غائب في مواقع كثيرة بعد الربيع العربي ليس في العراق وإنما في مواقع متعددة لكنه الأخطر والأكثر قتامة في البلدان القائمة على تركيبة معقدة ومتنوعة عرقياً ودينياً وجهوياً، من السهل أن ينزلق منطق الدولة إلى عبثية الميليشيا، وتساهم المعارضة في تقويض الدولة ذاتها عبر شرهها السياسي.

 

دعم المعتدلين في العراق أولوية السعودية في هذه المرحلة، لا سيما بعد ولادة قناعة راسخة لدى القوى السياسية العراقية بما فيها الشيعة المعتدلون كالعبادي، أو ممن يشكلون قوة سياسية فاعلة كمقتدى الصدر، بأن سيطرة الميليشيات المدعومة من نظام طهران يعني نهاية عراق متعدد ومستقل سواء على مستوى المرجعية الدينية أو السيادة السياسية؛ في الأولى هناك ملف شائك حول مستقبل ما بعد سماحة السيد السيستاني وفي الثانية مستقبل الأكراد بعد لعبهم دوراً فاعلاً في المعركة ضد «داعش» وبينهما مستقبل القوى السنية التي يجب أن تأخذ حقها في المشاركة السياسية الفاعلة قطعاً على عودة «الإرهاب» مجدداً من الأبواب الخلفية لفشل التعددية التي هي قدر العراق ومستقبله.

 

 

7              في ذكرى الغزو العراقي يطل علينا الكابوس الإيراني !!

                 أحمد بودستور

                    الوطن الكويتية

 

 

 

قال أبو العلاء المعري :

قل الثقات فما أدري بمن أثق

 

هناك دروس مستفادة من الغزو لعل أهمها الوحدة الوطنية فلولا أن الشعب الكويتي تمسك بالشرعية طيلة فترة الاحتلال وكان على قلب رجل واحد ولعل شهداء بيت القرين يختصرون كل الكلام فقد كانوا من جميع الطوائف والفئات فقد كان منهم الحضري والبدوي والشيعي والسني وكانوا يجسدون الوحدة الوطنية بأجمل صورها وهو للأسف مانفتقده اليوم فهناك نفس طائفي وفئوي يكاد يمزق النسيج الاجتماعي .

أيضا من الدروس المستفادة أن وجود مجلس تعاون خليجي بقيادة المملكة العربية السعودية ساهم كثيرا بتحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي ولذلك نجد أن الكويت بقيادة أمير البلاد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد حفظه الله تقوم بدور الوساطة بين الأطراف المتنازعة لأنها حريصة على بقاء مجلس التعاون قويا ومتماسكا حتى يتمكن من الدفاع عن أي بلد خليجي يتعرض للخطر ولذلك الوساطة الكويتية هي ضرورة وطنية وليست ترفا أو بهرجة إعلامية والأزمة الخليجية سوف يتضرر منها الجميع وليس دولة قطر فقط لأنها تفتح المجال لتدويل القضية وتدخل قوى خارجية مثل إيران وتركيا مما يزعزع أمن واستقرار المنطقة .

أيضا من الدروس المستفادة هو اليقظة والحذر فقد جاء في الحديث الشريف (لايلدغ المؤمن من جحر مرتين) فهناك معاهدات أمنية بين الكويت والدول الخمس دائمة العضوية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأيضا بناء جيش قوي وشراء أحدث الأسلحة فهناك منظومة أمنية كان لها دور بارز في الكشف عن عدة خلايا إرهابية لعل آخرها خلية العبدلي التي لولا لطف الله لتعرضت الكويت لما لا يحمد عقباه نظرا لكمية الأسلحة التي كانت مخبأة عند أعضاء الخلية والتي تكفي لتدمير الكويت .

إن خلية العبدلي قد كشفت عن معلومات خطيرة فقد كان هناك مخطط للقيام بالإطاحة بالحكم والاستيلاء على السلطة وذلك بتدخل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وقيام ما يسمى بجمهورية إيران الكبرى التي تشمل العراق وسوريا ولبنان والكويت وهو مخطط كشفته خلية العبدلي ولذلك كان رد الحكومة قويا فقد اتخذت إجراءات ضد السفارة الإيرانية وكذلك وجهت تحذيرا للحكومة اللبنانية بخصوص دور حزب الله الواضح في خلية العبدلي .

الملفت أنه في الذكرى 27 للغزو العراقي يطل علينا الخطر والكابوس الإيراني والخطر دائما يأتي من الشمال تارة من العراق وتارة من إيران وقد عقد اجتماع بالأمس في مقر مجلس الأمة اجتماع حكومي نيابي لمناقشة تداعيات خلية العبدلي فهناك أسماء لنواب حاليين وسابقيين وردت في حكم المحكمة وهناك مطالبات نيابية بإسقاط جنسية المتهمين وأيضا قطع العلاقات مع النظام الإيراني وطرد السفير ومراقبة الجنسيات الإيرانية واللبنانية خوفا من وجود خلايا أخرى نائمة تابعة للنظام الإيراني.

ختاما نقول أن أمن الكويت خط أحمر وأنه لابد من تقوية الجبهة الداخلية بالمحافظة على الوحدة الوطنية وكما قال النائب الطبطبائي أن الطائفة الشيعية جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي وأعضاء خلية العبدلي هم فئة ضالة لايمثلون الشيعة ويجب أن لايمتد عقاب هؤلاء لأسرهم مصداقا للآية الكريمة (ولاتزر وازرة وزر أخرى) ولاشك أن هروب المتهمين تقصير وتسيب من وزارة الداخلية ينبغي محاسبة المقصرين عنه وأن لا تمر هذه القضية مرور الكرام لأنها تخدش هيبة الدولة ولانقول سوى رحم الله شهداء الكويت الذي دافعوا عن الكويت أثناء الغزو العراقي وفي كل الحروب التي شاركت فيها الكويت وحفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه.

 

8              ذكرى الغزو العراقي الغاشم على الكويت

                 بدر عبدالله المديرس

                    الوطن الكويتية

 

يصادف اليوم الأربعاء الثاني من شهر أغسطس لهذا العام 2017 الذكرى السابعة والعشرين  للذكرى المؤلمة يجب أن لا تغيب عن بالنا ولا يجب أن ننساها أو نتناساها ويجب أن تكون راسخة في قلوبنا وفي عقولنا نذكرها لأبنائنا وأحفادنا الذين لم يعوا هذا الغزو الغاشم لأنهم في ذلك التاريخ إما في بطون أمهاتهم لم يولدوا بعد أو يعيشون في طفولتهم لا يفهمون ما الذي حدث لبلدهم .

 

واليوم كبروا في العمر وهم يسمعون عن هذا الغزو إعلامياً الذي بلا شك سيتحدث عن الغزو العراقي الغاشم في نشرات الأخبار والتعليقات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والأفلام الوثائقية والمقابلات الشخصية من داخل الكويت ومن خارجها وفي الفضائيات العربية والأجنبية إلى جانب الأحاديث المتداولة بين الأهل والأصدقاء ولا يعرف هذا الجيل الواعد عن ماذا يتحدثون وما مناسبة هذه الذكرى التي يتحدثون عنها .

 

إن علينا يا أحبائي أن نعي الدرس جيداً الذي لا يزال البعض من الذين عايشوا أحداثه وذاقوا مرارة فقدان وطن وتشرد الأهل والأصدقاء وفي يوم وليلة يصبح أكثر من مليون إنسان عاش على هذه الأرض الطيبة مواطنوها والمقيمون فيها في خارج هذا البلد المعطاء .

 

إننا في هذه المناسبة نحيي أهل الكويت الأوفياء ومعهم أيضاً المقيمين المخلصين في هذا البلد بالدفاع عن بلدنا الغالي بالتضحية بالغالي والنفيس وبالشهداء والأسرى سواء من بقي في الكويت صامداً يدافع عن أرض بلده أو الذين غادروها في ظروف خارجة عن إرادتهم وأخذوا يدافعون عنها بأنه لا بديل عن الشرعية شرعية حكم آل الصباح الكرام وإبقاء الهوية الكويتية بالانتماء إلى بلده الكويت حاملاً جنسيتها وجواز سفرها ومفتخراً بعلمها الوطني الخفاق الذي ظل يرفرف عالياً على سفارات الكويت في الخارج حتى في أثناء الغزو الغاشم .

 

وعلينا يا أحبائي الكويتيين ألا ننشغل بالعيش الرغيد وبالنعمة التي أنعمها الله سبحانه وتعالى علينا وضعوا نصب أعينكم وأنظاركم أن الكويت كانت محظوظة من الظروف الدولية والتوازنات العالمية التي كانت في صالحنا في ذلك الوقت وهذه نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى .

 

وأما الآن يا أحبائي الكويتيين فقد تغيرت الظروف تغيراً كاملاً في هذا العالم عالم الحروب والاقتتال والمفارقات العجيبة بين مختلف دول العالم فزماننا الذي عشناه في شهور الغزو الغاشم ليس مثل زماننا الحالي الذي نعيش فيه .

 

فاحمدوا الله أن بلدنا عاد إلينا محرراً ونحن نعيش الآن في كنفه بالأمن والأمان والسلام .

 

 

9              الغزو العراقي و«خلية العبدلي»

                 مسفر النعيس         صحيفة الراي الكويتية

 

تحل علينا ذكرى الغزو العراقي، تلك الأيام التي عشناها بحلاوتها ومرارتها، كنا في وقتها متكاتفين متعاونين، في كل شيء، لم نهتم وقتها بالطائفة والعائلة والقبيلة. كنت في تلك الأيام لم اتجاوز العشرين عاماً سوى بأشهر قليلة، وكانت ظروفي صعبة، فقد غادر أهلي البلاد وبقيت مع أصدقائي في محطة الزور أغلب الأيام والشهور، حتى أننا كنا تقريباً 17 كويتياً وما يقارب 20 وافداً عربياً واجنبياً… كنا كما الأهل ومصيرنا واحد وكدنا أن نفقد أرواحنا عندما أبلغنا أحد الضباط الأميركيين بعد تحرير الكويت، أن مهمته في حرب تحرير الكويت تتمثل في مراقبة محطة الزور الجنوبية، والتي امتلأت بالجنود العراقيين، وقد كتب تقريراً لقيادته بقصف المحطة، ولكن الله لطف، فقد شاهد بعض السيارات الخاصة ذات اللون الأبيض داخل المحطة فانتظر قليلاً حتى تأكد أن هناك مدنيين وأوقف ذلك التقرير.

 

كنت في أول أيام الغزو العراقي، وهذه الواقعة أكتبها للتاريخ وللجيل الحالي، كي يعرف أنه يعيش في نعمة كبيرة وفي أمن وآمان، كنت قد ذهبت الى بيت عمي وكان لا بد أن استقل الطريق السريع، فشاهدت منظراً لم ولن آراه مجدداً في حياتي، فقد أغلق الطريق من العاصمة الى الأحمدي، وأصبح من الأحمدي للعاصمة ذهاباً وإياباً، تعمه الفوضى والقمامة تملأ المكان ولا تنظيم ولا أمن. وفي موقف آخر ذهبت مع أحد الأصدقاء الى سوق بيان، وهو سوق موقت في منطقة بيان في الغزو، وقال لنا البائع الفلسطيني وبجانبه الجنود العراقيين أن الدينار الكويتي لا يساوي شيئاً.

 

كانت أيام فوضى وظلم وقتل وتشريد، فقد أسر وقتل بعض أصدقاء الدراسة، وضرب وأُعتقل الكثير من الكويتيين، وغُيرت أسماء المناطق والشوارع ولوحات السيارات، وقاوم أهل الكويت القوات العراقية واستشهد الكثير من الكويتيين دفاعاً عن وطنهم، ولعل بيت القرين شاهد على تلاحم وترابط أهل الكويت.

 

أدرك بأنها ذكريات لا يمكن نسيانها ولا تكفيها سطور المقال، وقد سردت بعضاً منها كي أربط أحداث الغزو بتكاتف الكويتيين مع ما يحدث في هذه الأيام التي أصبحت لا تشبهنا أبداً، فقد تفرقنا ومزقنا الإعلام الفاسد وسياسيون أفسد، فأصبحنا نبحث في اصل وفصل وطائفة وقبيلة ونتبادل الاتهامات ونشكك ببعضنا، وهذا ما يريده بعض السياسيين الذين يعيشون على ذلك من أجل مصلحتهم الشخصية وجلوسهم على الكرسي الأخضر.

 

وهذ ما حصل في تداعيات «خلية العبدلي»، التي هرب أعضاؤها بعد الحكم عليهم، ولكنهم سينالون عقابهم قريباً. فمن الطبيعي أن يلتف أهل الكويت جميعاً ويدينون هذه الخلية كما حصل مع إرهابيي مسجد الصادق، ولكن صمت الطائفيون عند آوان الكلام، ولم ينطق اي أحد منهم، فهل من يضمر الشر بالكويت لا يحرك شعره في جسد عُباد الكراسي؟

 

ولعل كلمات سمو أميرنا الغالي الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، تتجسد في هذه اللحظات عندما قال «لا يضحكون عليكم هذا شيعي وهذا سني، الكويت للجميع ونحن فداء للكويت وولاؤنا لها»… أتمنى أن ينتبه أهلنا الشيعة الذين أعرف منهم الكثير وأدرك جيداً مدى ثقافتهم وعلمهم واخلاصهم للوطن، لمثل هؤلاء السياسيين والإعلاميين الذين يعتقد البعض أنهم عون ولكنهم في الحقيقة فرعون، وهذا الكلام لأخواننا السنة كذلك، لأن العديد من السياسيين لا يهمهم أن يحترق البلد، المهم مصلحتهم الشخصية

 

10           لهذا… الصدر في السعودية!

                 صالح القلاب          صحيفة الجريدة الكويتية

 

الأهم في زيارة السيد مقتدى الصدر، أمس الأول، إلى المملكة العربية السعودية، التي هي الزيارة الثانية في هذه المرحلة القاسية والصعبة، التي بدأت في عام 2003 ولا تزال متواصلة حتى الآن، أنها جاءت بدعوة رسمية، بينما غدا ملموساً وواضحاً أن الغالبية العراقية، سنّةً وشيعةً، ما عادوا قادرين على تحمل الوجود الإيراني في بلدهم، وأن هناك عمليات فرز قد بدأت بين المتمسكين بعروبة بلدهم، بلاد الرافدين، وبين الذين وصل بهم “التذيُّل” لـ “حراس الثورة” وقاسم سليماني إلى حد الذهاب بعيداً، واعتبار أن مرجعية العراق السياسية، قبل المذهبية، هي طهران، بحيث لم تعد هناك كلمة للعاصمة العباسية التاريخية، لا عسكرياً ولا سياسياً، ولا في أي شأن من الشؤون التي تعتبر أساسية ورئيسية.

 

وحقيقة أنّ بروز هذا التيار الصدري، الذي يقوده مقتدى الصدر، وريث العائلة التي كانت ولا تزال تشكل مرجعية شيعية – عربية رئيسية، في هذه الفترة التاريخية الحاسمة- حيث أصبح العراق شبه محتل من قبل الإيرانيين، إن لم يكن محتلاً. وهذا أيضاً هو حال سورية “قلب العروبة النابض”- يدل على أن راية العروبة في بلاد الرافدين أصبحت في أيادٍ أمينة، وأن شيعة العراق، وبخاصة في الفرات الأوسط وفي الجنوب، يعتبرون تشيعهم عربياً، لا صفوياً، كما يريد الذين يعتبرون أنفسهم جنوداً ومقاتلين في فيلق قاسم سليماني، وهذا لا يمكن اعتباره مجرد صحوة قومية عربية، بل هو استجابة للحظة تاريخية تستند إلى ماضٍ تليد، يبعث على الاعتزاز والفخر بـ “القادسية” و”نهاوند” العظيمة و”ذي قار”؛ تلك المعركة التي كانت أول انتصارٍ للعرب على الفرس، والتي قادها هاني بن مسعود الشيباني.

 

إن مثلنا مثل هذا القائد العروبي الكبير مقتدى الصدر سليل عائلة الشهداء العظيمة، لا نريد صراعاً فارسياً-عربياً، بل إننا نريد حتى إيران هذه، التي على رأسها الولي الفقيه مرشد الثورة علي خامنئي، دولة صديقة… بل وشقيقة تربطنا بها علاقات التاريخ المضيء والمصالح المشتركة والدين الإسلامي الحنيف، لكن ما العمل إذا كان قاسم سليماني هو واجهة هذه الدولة التي غدت تستهدف العرب كعرب، وباتت عملياً تحتل العراق وسورية، بكل معنى الاحتلال؟! هذا إضافة إلى تدخلها السافر في شؤون اليمن ولبنان، وإلى كل ما تقوم به من عمليات استيطان في دمشق التي لا يمكن إلاّ أن تبقى عاصمة الأمويين التاريخية.

 

وبالطبع، فإن السيد مقتدى الصدر، الذي لا يمكن اعتباره معادياً لإيران… حتى هذه الـ “إيران”، لا سمح الله، عندما قبل دعوة الرياض الكريمة، وذهب إلى جدة، ليلتقي ولي العهد نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان، فإنه يعرف أن المملكة العربية السعودية مع “التشيع” الصادق النقي وغير المسيس، وأنها لا تفرق بالنسبة إلى مواطنيها بين سنيٍّ وشيعي، وأنَّ الأساس هو الولاء للوطن، وهو الإسلام العظيم الذي يجمع الجميع في إطاره الرحب الواسع، وأن العروبة مكون رئيسي في هذا الدين الحنيف، وأنه لا يمكن إلا أن تبقى بغداد، كما هي دمشق، عاصمة عربية وبعيدة عن أي صراع مع طهران ذات التاريخ المضيء الذي لم يكن فيه لا حراس ثورة ولا قاسم سليماني، ولا الذين ينظرون إلى العلاقات العربية–الإيرانية من ثقوب ماضٍ بعيد، فيه إيجابيات عظيمة، إلى جانب سلبياته الكثيرة، والمفترض أن تقتصر النظرة إلى ذلك الماضي على الجوانب الإيجابية فقط.

 

نحن نعرف أن المملكة العربية السعودية عندما تستقبل السيد مقتدى الصدر، فإنها تستقبل العراق كله، بسنته وشيعته وأيضاً بعربه وأكراده وباقي مكوناته القومية، والمهم هو ألا تكون علاقات بلاد الرافدين بإيران (الشقيقة) علاقات شعب بمحتلي وطنه، فهذا مرفوض رفضاً مطلقاً، وهنا فإنه كان على الإيرانيين أن يتجنبوا أن يكون وجودهم في العراق وفي سورية وجوداً احتلالياً، وأن يكون وجودهم في دمشق القديمة والجديدة وجود مستوطنين في “مستوطنات” لا تختلف عن المستوطنات الإسرائيلية في الجولان وفلسطين، فهذا يرفضه العرب كأمة… وهذا هو ما عبَّد كل طرق العلاقات بين التيار الصدري وبلاد الحرمين الشريفين، مكة المكرمة والمدينة المنورة.