نشر «صور خاصة» للمحامية زينب جواد يُثير غضباً في العراق

زينب جواد

أثار تسريب «صور خاصة» لناشطة ومحامية عراقية إلى مواقع التواصل الاجتماعي سخطاً واستياءً واسعين من ناشطين ومثقفين وحقوقيين وساسة، ووجهت انتقادات حادّة لجهات أمنية كانت قد اعتقلتها للتحقيق معها، ويعتقد أنها استحوذت على هاتفها الشخصي، وأفرغت محتوياته.

وعرفت المحامية زينب جواد، بوصفها ناشطة في «حراك تشرين» الاحتجاجي 2019، مثلما عرفت بوصفها أشد الرافضين والمنتقدين لتعديل قانون «الأحوال الشخصية» الذي أقرّه البرلمان نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي.

وتوجهت أشارات الاتهام إلى مديرية أمن «الحشد الشعبي»، التي قامت نهاية يونيو (حزيران) الماضي، باعتقال زينب جواد عند نقطة تفتيش في منطقة الشعب شرق العاصمة بغداد، وقامت بمصادرة هاتفها وأجهزتها الإلكترونية، وفق مقربين من المحامية، الأمر الذي يُعزز الاتهامات المتداولة ضد عناصر المديرية بعد انتشار صور خاصة لها في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ عدّتها أوساط محافظة في البلاد «فاضحة»، ويزيد المخاوف من تعرضها لتهديدات على المستوى الشخصي.

وعلّق النائب المستقل سجاد سالم، المعروف بانتقاداته الشديدة للفصائل المسلحة المنضوية، على تسريب الصور الشخصية، وقال في تدوينة عبر منصة «إكس»، إن الحادثة «سقطة أخلاقية كبيرة لجهاز أمن الحشد! لم يتبقَّ مشترك بينهم وبين العراقيين اليوم، لا مواطنة ولا شرع ولا خُلق ولا عُرف!».

ويميل بعض المعلقين إلى الاعتقاد بأن الجهة التي قامت بتسريب صور المحامية في هذه الفترة هدفها «التغطية على الخروقات التي ارتكبها عناصر الحشد في مديرية الزراعة ببغداد مؤخراً، لصرف الأنظار عما حدث من مواجهات بينهم وبين قوات الأمن».

وأعاد نشر الصور الحديثَ عن عمليات «انتهاكات الخصوصية» التي تمارسها أجهزة أمنية ضد المواطنين، من خلال مصادرة هواتفهم وأجهزتهم الشخصية من دون إذن قضائي.

وقال قاضي النزاهة الأسبق، رحيم العكيلي، الذي انتقد بشدة تسريب صور المحامية، إن «الدول لا تعتمد على الأخلاق في ضبط السلوك بل على قوة القانون».

وأضاف أن «ضبط هاتف المعتقل وفتحه ونسخ ما فيه من قِبل رجال الأمن انتهاك لخصوصية الإنسان التي يحميها الدستور، وهو ممنوع في كل العالم، إلا بإذن قضائي خاص، ينبغي تجريم ضبط هاتف المتهم أو تفتيشه أو نسخ ما فيه من قبل رجال الأمن أو غيرهم إلا بأمر قضائي خاص ولمقتضى قانوني واضح مرتبط بارتكاب جريمة تتصل بالهاتف».

وتابع العكيلي: «كلنا معرضون لمثل هذا الفعل غير الأخلاقي الذي تعرّضت له زينب جواد، ويجب أن يكون مدعاة لإيقاف ممارسات رثّة متعلقة بضبط هواتف المعتقلين بسبب ومن دون سبب، وتفريغ ما فيها أو نسخها».

وانتقد العكيلي مجلس النواب الذي «يترك مهامه في تشريع القوانين التي تحمي الحريات، وتحفظ حقوق الإنسان، ليشرع لنا قوانين انتهاك حقوق المرأة وإذلالها، والعودة بالبلد آلاف السنين إلى الخلف» على حد قوله.

ويعاقب القانون العراقي على نشر أخبار أو صور أو تعليقات تتعلق بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد، حتى لو كانت صحيحة، إذا كان من شأن نشرها الإساءة إليهم. كما يُجرِّم الاطلاع على الرسائل أو البرقيات أو المكالمات الهاتفية وإفشائها لغير من وجِّهت إليه، إذا كان من شأن ذلك الإضرار بأحد.

الإفراج الغامض: لا توضيحات رسمية

في 29 يونيو، وبعد يوم واحد من توقيفها، أُعلن عن إطلاق سراح زينب جواد دون تقديم أي تفسير رسمي من الجهات المعنية، لا بشأن الاعتقال ولا بشأن ظروف الإفراج.

هذا الصمت الرسمي اعتبره مراقبون محاولة لاحتواء تداعيات القضية إعلامياً، خاصة مع تصاعد موجة التعاطف معها على وسائل التواصل، وتحوّلها إلى رمز لمعارضة الهيمنة الأمنية لفصائل الحشد الشعبي.

هل يقف الحشد خلف التسريبات؟

زينب جواد 1
زينب جواد 1

الربط بين التسريبات والاعتقال قاد كثيرين إلى اتهام مباشر لفصائل الحشد، خصوصاً أن الحادثتين جاءتا متتاليتين، واستهدفتا شخصية معروفة بانتقاداتها للحشد والنفوذ الإيراني.

زينب
زينب

بعض الناشطين ألمحوا إلى أن التسريبات كانت تمهيداً لتشويه السمعة تمهيداً للاعتقال، أو حتى بمثابة “عقوبة ناعمة” لردع الأصوات الناقدة، وهو ما يتقاطع مع شهادات سابقة لناشطين قالوا إنهم تعرضوا لضغوط وتهديدات مشابهة.

 

من جهة أخرى، حاولت مصادر قريبة من الحشد الدفاع عن سلوكيات مديرية الأمن، زاعمة أن “أبو زينب اللامي” أصبح شماعة لتصفية الحسابات داخل المؤسسة الأمنية العراقية، وأن الاعتقال كان مدفوعاً بمنشورات طائفية، لا بانتقادات سياسية أو شخصية.

نهاية مفتوحة… لكن رسائلها واضحة

زينب جواد 2
زينب جواد 2

ورغم انتهاء فصل الاعتقال السريع، إلا أن قضية زينب جواد ما تزال مفتوحة سياسياً وأخلاقياً، ليس فقط بسبب طبيعة التسريبات، بل لما تكشفه من هشاشة الوضع القانوني وغياب المحاسبة في العراق، حيث ما زالت الأجهزة الأمنية تمتلك صلاحيات تتجاوز القانون وتوظفها لتصفية الخصوم.

ويبدو أن ما جرى مع المحامية المثيرة للجدل لم يكن سوى إحدى حلقات الصراع العلني والمستتر بين القوى التقليدية والناشطين الجدد، ممن لا تزال أصواتهم تُصادر تحت ذرائع “الحياء” تارة، و”الطائفية” تارة أخرى.

أنباء عن إعتقال المحامية زينب جواد في بغداد