راجت خلال الساعات الأخيرة أنباء عن وفاة رفعت الأسد، عم الرئيس السوري المخلوع، خلال وجوده في إحدى دول الكاريبي، وفق ما جاء في بيان نعي متداول.
وعلقت منصة “تأكد”، المتخصصة بتقصي الحقائق ومحاربة التضليل، على تلك الأنباء قائلة: “ردًا على الاستفسارات الواردة حول حقيقة النعوة المتداولة مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نُسبت إلى عمّ الهارب بشار الأسد، رفعت الأسد، نوضح ما يلي: تضمنت النعوة عدة عبارات وكلمات ذات طابع ساخر، من بينها وصفه بالعقيد الركن، في حين أن آخر رتبة عسكرية مُنحت له كانت لواء”.
وأضافت: “أشارت النعوة إلى أن وفاته وقعت في إحدى دول الكاريبي، وهي معلومة لا توجد أي مصادر موثوقة تؤكد صحتها أو حتى وجوده في تلك المنطقة”.
وتابعت المنصة: “جاء في النعوة أيضًا أنه سيتم حرق جثمانه، بالإضافة إلى تضمين آية قرآنية غير مألوفة في سياق النعوات، الأمر الذي يزيد من الشكوك حول صحتها”.
وختمت بالتأكيد على أنه “علاوة على ذلك، لم تُسجّل أي إشارة أو إعلان عن وفاته في حسابات أفراد عائلة الأسد عند البحث باستخدام الكلمات المفتاحية ذات الصلة. وبناءً على ما سبق، يُرجَّح أن هذه النعوة نُشرت في إطار ما يُعرف بكذبة أول نيسان”.
ما حقيقة وفاة “جزار حماة” رفعت الأسد ؟

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا عن وفاة رفعت الأسد، عم الرئيس السوري السابق بشار الأسد، في أحد مستشفيات باريس، إلا أنه وبالتدقيق يتضح أن أي من أفراد عائلة رفعت الأسد لم ينشروا أي أنباء تخص وفاة “جزار حماة” كما يلقب.
وُلد رفعت علي سليمان الأسد، الملقب بـ”الرجل الثاني” في حكم البعث، في 22 أغسطس 1937 في بلدة القرداحة بمحافظة اللاذقية. وهو الشقيق الأصغر للرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، مما جعله أحد أبرز الشخصيات في السياسة السورية.
حصل رفعت على تعليمه الأساسي في قريته، ثم انتقل إلى دمشق حيث درس العلوم السياسية في جامعة دمشق وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد عام 1977. في بداية حياته السياسية، انضم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في عام 1952، ثم التحق بالجيش السوري حيث بدأ صعوده السريع في الرتب العسكرية.
أدى الاسد في هذه المرحلة دورا رئيسيا في انقلاب حزب البعث عام 1963، الذي أطاح بالرئيس ناظم القدسي، حيث كان حافظ الأسد أحد القادة العسكريين لهذا الانقلاب. وفي حرب 1967 ضد إسرائيل، قاد رفعت الأسد كتيبة الدبابات على جبهة القنيطرة، مما جعله يتبوأ مكانة بارزة في الجيش السوري.
في عام 1971، وبعد تولي شقيقه حافظ الأسد رئاسة سوريا، أسس رفعت ما يُعرف بـ”سرايا الدفاع”، وهي ميليشيا عسكرية غير نظامية تم تكليفها بحماية النظام الحاكم من أي تهديد داخلي. وكان رفعت الأسد يُعتبر بالفعل “الرجل الثاني” في سوريا، فهو ذراع حافظ الأسد القوي في السياسة والجيش.
في فبراير من عام 1982، قاد رفعت قوات “سرايا الدفاع” في قمع الانتفاضة الشعبية في مدينة حماة، التي قادتها المعارضة ضد النظام. وقد أسفرت العمليات العسكرية عن مذبحة كبيرة قُتل فيها الآلاف، حيث تشير التقديرات إلى مقتل ما بين 10 آلاف و40 ألف شخص. نتيجة لذلك، اكتسب رفعت الأسد لقب “جزار حماة”. وعلى الرغم من هذه الحقائق، رفض رفعت في مقابلة تلفزيونية عام 2011 تحمل المسؤولية عن المجزرة، مُحملاً شقيقه حافظ الأسد مسؤولية ما جرى في حماة.
في أواخر عام 1983، بدأت صحة حافظ الأسد تتدهور، مما دفعه إلى تشكيل لجنة من ستة أعضاء لإدارة شؤون البلاد بشكل جماعي. لكن رفعت الأسد، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي، بدأ يتأثر بالمعارضة من بعض كبار الضباط الذين التفوا حوله ويقنعوه بأحقيته بالسلطة، ما جعل النظام في حالة من الفوضى السياسية والعسكرية، ليقوم رفعت الأسد في مارس 1984 بإطلاق محاولة انقلابية للسيطرة على دمشق، باستخدام قوات “سرايا الدفاع” والعديد من الدبابات والطائرات. ورغم التصعيد العسكري، تم إحباط محاولة الانقلاب بعد تدخل حافظ الأسد شخصيا، مما أدى إلى تراجع رفعت إلى المنفى.
وفي عام 1984، تم الاتفاق على مغادرة رفعت الأسد إلى أوروبا، حيث انتقل بين فرنسا وإسبانيا، وفي المقابل، حصل على 300 مليون دولار من الأموال العامة، بما في ذلك قرض من الزعيم الليبي معمر القذافي، ليقضي السنوات اللاحقة في المنفى.
العلاقة مع بشار الأسد
بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، كان يُعتقد أن رفعت الأسد سيكون أحد الأطراف التي ستتنافس على السلطة في سوريا، لكنه لم ينجح في ذلك، حيث تولى بشار الأسد، ابن شقيقه، مقاليد السلطة. على الرغم من أن رفعت كان قد دعم بشار في البداية، إلا أن العلاقة بينهما تدهورت مع مرور الوقت حيث انتقد رفعت بشدة سياسات بشار فيما يتعلق بالأزمة السورية التي بدأت منذ عام 2011 حيث نند بطريقة تعامل بشار مع التظاهرات.
واستمرت هذه التوترات في العلاقات العائلية، حتى بعد أن ظهر رفعت في مايو 2021 وهو يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية السورية في السفارة السورية في باريس، ليهنئ ابن أخيه على فوزه في الانتخابات.
لم تقتصر مشكلات رفعت الأسد على الصعيد السياسي، بل امتدت أيضاً إلى المجال القانوني. فقد صدرت في عام 2020 أحكام قضائية ضده في فرنسا بالسجن 4 سنوات ومصادرة ممتلكاته في البلاد التي تقدر قيمتها بنحو 100 مليون دولار، بتهم تتعلق بالاحتيال الضريبي وتشغيل الأشخاص بشكل غير قانوني. كما واجه اتهامات في بريطانيا وإسبانيا تتعلق بغسيل الأموال. وفي مايو 2023، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه وعلى ابنه مضر، بسبب ارتباطاته مع تجارة المخدرات وانتهاك حقوق الإنسان.
في أكتوبر 2021، عاد رفعت الأسد إلى سوريا بعد سنوات طويلة من المنفى، حيث التقطت صورة تجمعه مع بشار الأسد وأفراد آخرين من العائلة. هذه العودة تثير الكثير من التساؤلات حول مصير رفعت في ظل الظروف الحالية في سوريا، في وقت تشهد فيه البلاد مرحلة من الصراع المستمر والتغيرات السياسية الكبرى.
تفاصيل مشبوهة في نعوة وفاة رفعت الأسد

ومن بين التفاصيل المشكوك فيها في النعوة، الإشارة إلى أنه سيتم حرق جثمانه، وهي ممارسة لا تتوافق مع العادات الإسلامية المتبعة في سوريا، ما زاد من الشكوك حول صحتها.
كما تم تضمين آية قرآنية غير مألوفة في سياق النعوات، وهو أمر غير معتاد في الإعلانات الجنائزية التقليدية. إضافة إلى ذلك، لم تُسجّل أي تصريحات رسمية أو منشورات من أفراد عائلة الأسد تؤكد وفاته، رغم متابعة وسائل الإعلام لكل ما يتعلق بالعائلة الحاكمة السابقة في سوريا.
بناءً على هذه المعطيات، خلصت منصة “تأكّد” إلى أن النعوة المتداولة تندرج ضمن إطار الأخبار المزيفة المرتبطة بكذبة الأول من إبريل، والتي تنتشر سنويًا لإثارة الجدل.
اتهامات قضائية لـ رفعت الأسد
يُذكر أن القضاء السويسري يتهم رفعت الأسد، البالغ من العمر 87 عامًا، بإصدار أوامر بارتكاب جرائم قتل وتعذيب واعتقال غير قانوني أثناء قيادته لـ”سرايا الدفاع” خلال أحداث مدينة حماة في فبراير 1982، وهي المجزرة التي راح ضحيتها ما بين 10 آلاف و40 ألف قتيل، ما أكسبه لقب “جزار حماة”.
وتعد هذه الأحداث واحدة من أكثر المحطات دموية في تاريخ سوريا الحديث، حيث سحقت قواته انتفاضة مسلحة ضد نظام حافظ الأسد آنذاك.
منفي ثم عودة إلى سوريا
ورغم تقديمه نفسه كمعارض لنظام بشار الأسد لسنوات، عاد رفعت الأسد إلى سوريا عام 2021 بعد 37 عامًا في المنفى بفرنسا.
جاءت عودته بعد صدور حكم قضائي فرنسي بحبسه لمدة أربع سنوات بتهم غسل أموال واختلاس أموال عامة، وهي قضايا أثارت جدلًا حول كيفية حصوله على ثروته الكبيرة التي استخدمها في شراء عقارات ضخمة في أوروبا.
غادر رفعت الأسد فرنسا قبيل تنفيذ الحكم، ما أثار تكهنات حول وجود صفقة غير معلنة سمحت له بالعودة إلى سوريا دون مساءلة قضائية محلية.
