كلما رأيت مشاهد القتل والدمار تتوسع في المنطقة العربية تذكرت الصحفية الأمريكية الراحلة هيلين توماس عميدة مراسلي البيت الأبيض، وأول امرأة تتولى منصب رئيس نادي الصحافة الأمريكي التي وصفها تلاميذها في حفل تأبينها بأنها أجرأ صحفية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
فقبل وفاتها 20 يوليو 2013 ألقت محاضرة خطيرة جداً في نادي الصحافة الأمريكي تفضح المؤامرة الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضد المنطقة، وشخّصت الأوضاع بدقة ما يُعد دروساً يجب الاستفادة منها. ومن أبرز ما قالت:”إنني أرى أن بريطانيا سوف تستحضر روح البريطاني مارك سايكس، وفرنسا سوف تستحضر روح الفرنسي فرانسوا بيكو “مهندسا اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم المنطقة عام 1916 “، وواشنطن تمهد بأفكارهما الأرض لتقسيم الدول العربية بين الثلاثة، وتأتي روسيا لتحصل على ما تبقى من الثلاثة، صدقوني إنهم يكذبون عليكم ويقولون: إنهم يحاربون الإرهاب نيابة عن العالم وهم صناع هذا الإرهاب والإعلام يسوّق أكاذيبهم، لأن من يمتلكه هم يهود إسرائيل”. وفضحت عميدة الصحافة الأمريكية دور المخابرات الأمريكية والإسرائيلية في تشكيل منظمات الإرهاب بقولها:” إنني أرى بوادر حرب عالمية ثالثة، طبخت في مطبخ تل أبيب ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والشواهد عديدة، أول خطوة ظهور تنظيم داعش، بدعم أمريكي لا تصدقوا أن واشنطن تحارب الإرهابيين وما يسمون أنفسهم بالجهاديين، لأنهم دمية في أيدي السي اي ايه”. وتمسكت هيلين برأيها أن إسرائيل دولة احتلال وقالت في نفس المحاضرة:” أنا لن أغيّر ما حييت، ما أنا مؤمنة به..الإسرائيليون يحتلون فلسطين، هذه ليست بلادهم، قولوا لهم ارجعوا لبلادكم واتركوا فلسطين لأهلها”. وتواصل السيدة هيلين تقديم دروسها القيّمة لكل عربي ومسلم، خاصة من يعلقون آمالاً على أمريكا في حل القضية الفلسطينية. فأكدت في أكثر من مناسبة أن اليهود يسيطرون بشكل تام على البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي، فجميعهم ينتسبون إلى اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل، وهي المنظمة التي تتلقى تبرعات بمليارات الدولارات من المؤيدين الأثرياء. وكانت السيدة هيلين قد تعرضت لغضبة الإسرائيليين واليهود الأمريكيين عندما كشفت ابتزازهم لأمريكا بإحياء ذكرى ما يسمونه المحرقة النازية قائلة:”لسنا متهمين بالمسؤولية عن ارتكاب فظائع الوحش النازي ضد اليهود، إذا كان اليهود يعتزمون إقامة متحف لإحياء الكارثة النازية في كل مدينة ألمانية، فلن أمانع في ذلك، ولن أبدي اعتراضاً عليه، ولكن لا ينبغي علينا في الولايات المتحدة أن ندفع ثمن ما تعرض له اليهود.. إذا كان اليهود يروّجون لإحياء ذكرى الكارثة النازية وما تعرضوا له من ويلات على أيدي هتلر النازي، فلماذا يواصلون قمع الفلسطينيين؟”. مواقف السيدة هيلين لم تتوقف عند الكلام كما يفعل غالبية الصحفيين والمفكرين أو عند الكتابة فقط، بل إنها قرنت القول بالفعل، واتضح ذلك في مواقف كثيرة أهمها رفضها مرافقة جورج بوش الابن، وأعلنت رفضها لعبارته الشهيرة:” إنه يحارب في العراق من أجل الله والصليب ” وقالت:” بل إنها حرب الشيطان وليست حرب الله “. ولم تتردد في القول أمام مركز الحوار العربي في واشنطن إن “بوش الابن هو أسوأ الرؤساء الأمريكيين على الإطلاق، لأنه أدخل العالم في مرحلة من الحروب الأبدية المستديمة، وهو ما يكرر أهوال الماضي. وفي عهده خسرت أمريكا معظم أصدقائها في العالم”.
موضوعية السيدة هيلين دفعتها لانتقاد الصحافة والصحفيين في أمريكا وأصدرت كتابها بعنوان “كلاب حراسة الديمقراطية”، صرحت فيه بالتساؤل الصعب: ما الذي حدث لدور وسائل الإعلام الأمريكية وكيف تحوّلت من كلاب يقظة تراقب الممارسة الديمقراطية وتنقض على كل من يحاول النيل منها، وتقوم بمهمة السلطة الرابعة، إلى كلاب أليفة تجلس على حجر البيت الأبيض وتراعي مصالح الشركات الأمريكية الكبرى؟. وقالت بالنص:” إن مصداقية الصحافة الأمريكية تعرّضت، لسوء الحظ، إلى هجوم من إدارة الرئيس بوش ومن جماعات سياسية ودينية أمريكية، سرعان ما أسفرت عن انحناء رؤساء تحرير الأخبار في وسائل الإعلام الأمريكية للرقابة الحكومية. وفي الختام أذكر السادة القراء بأن السيدة هيلين من أصول عربية ولدت هيلين في بلدة غزة في وينشستر، بولاية كنتاكي الأمريكية لوالدين مهاجرين من طرابلس لبنان وقد فاخرت بانتمائها العربي فقالت:”أشعر بانتماء إلى لبنان، أحس بانتمائي إلى ثقافتين”.
|