1 |
الفرق بين المرجعية الدينية في العراق والمرجعية البوذية في فيتنام
|
هيفاء زنكنة
|
القدس العربي |
أصدر المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء العراقي، في الخامس من أيار/ مايو بيانا رد فيه على تقارير وكالات الانباء الدولية والمحلية حول وجود قوات اجنبية بالعراق، جاء فيه « نحن نؤكد ان لا وجود لقوات مقاتلة مِن أية دولة على الاراضي العراقية». هذه كذبة واضحة وضوح الشمس الحارقة ببلادنا. لم يتمكن حتى المحتل المولع بالاكاذيب من هضمها. حيث أكد العديد من قادة جيش الاحتلال الامريكي والمتحدثين الرسميين والمواقع العسكرية، بالاضافة إلى مقتل عدد من الجنود الامريكيين، في مدن عراقية مختلفة، الوجود العسكري الامريكي القتالي على الارض كما هو الجو. وينطبق الامر، ذاته، على التواجد الايراني بشكل ميليشيات وجنود أيضا. ولا تدع تصريحات قادة الميليشيات والساسة الايرانيين ونقل جثث القتلى أي مجال للشك حول الحضور الايراني على الارض، بعيدا عن هراء رئيس حكومة فاشلة. ثلاث جهات بحاجة إلى التوقف عندها لاستشراف درجات المناورة في الخطاب، من الديني « المقدس» إلى الكذب والتلفيق والتضليل السياسي مع مراعاة الاختلاف بين الجهات الثلاث. الجهة الاولى هي ساسة النظام الحالي، والثانية هي المرجعية الشيعية، والثالثة هي الادارة الامريكية برئاسة دونالد ترامب. بالنسبة إلى الجهة الاولى، لكل نظام سياسي لغته. وتكون اللغة المستخدمة في الخطاب السياسي، الأكثر خضوعا للتلفيق والأكاذيب والتطويع الايديولوجي، والأبعد عن المصارحة والصدق، اذا كان النظام في حالة حرب مع شعبه، لصالح قوى خارجية توفر له الحماية والديمومة، وهي اكثر الحروب انتشارا في منطقتنا. حيث تتداخل فيها مصلحة القوى الخارجية/ المحتل مع « السياسي»، لتكون الحصيلة سلة من المفردات الجاهزة، القابلة للتأويل المختلف، والملونة حسب مقتضيات الحاجة. غايتها الخديعة الاعلامية من جهة ومحاولة الضغط على عصب حساس في جسد الشعب، من جهة ثانية. ومن مصلحة النظام والمحتل، معا، ابقاء العصب حيا او احيائه اذا كان قد ضمر ومات. هذه الآلية في اختيار لغة الخطاب السياسي قد تكون مبنية على استراتيجية بعيدة المدة لدى البلدان الغالبة، تمنح شرائح من شعوبها او ناخبيها، فائدة اقتصادية، تسمح بتبرير الغزو، وتخريب البلدان ( ما دامت بعيدة وأهلها يفتقدون التحضر والديمقراطية!)، كما في الحروب الاستعمارية، أو قد تكون ذات علاقة بنشوء وتنامي مصلحة آنية لشريحة معينة في البلدان المغلوبة على امرها. فتقتضي، في هذه الحالة، مداعبة الحس الشعبوي ( الديني، المذهبي، العشائري، القومي)، أو ادعاء حماية الامن القومي، وتحشيد الناس بكل الاساليب المتاحة لخلق « طائفة» يسود بين افرادها مشاعر التهديد والخوف من « الآخر». وبالامكان تحقيق أقصى نجاح واسرعها فاعلية للهيمنة على البلدان المحتلة، اذا كان « الآخر» من اهل البلد نفسه. هذا ما تستند اليه حكومات الاحتلال، في العراق، منذ ان سلم الحاكم العسكري بول بريمر عصا الحكم بالنيابة إلى أياد علاوي. وعليه أسست الجيش، والميليشيات، وقسًمت مؤسسات الدولة، واستجدت قوات الاحتلال استجداء من ذات الادارة الامريكية التي خربت ونهبت، وزرعت الفتنة الطائفية والفساد، ورعت الارهاب. في الجهة المحاذية للساسة، تقف المرجعية الدينية التي تنازعت خطابها مواقف متناقضة تراوح ما بين الصمت المطلق والنطق بلا توقف. حيث اختارت الصمت المطلق ازاء غزو البلد وان تدوس بساطيل المحتل الانكلو أمريكي أرضه. حينئذ، لم تصدر عن المرجعية همسة « مقدسة» ضد فعل التدنيس التاريخي. وهل هناك ما هو أكثر تدنيسا من غزو الوطن؟ اختارت المرجعية الدينية الصمت حين نهب الغازي ما نهب، ووطأ المدن الموصوفة بـ « المقدسة». ايامها، تم نقل المرجع الاعلى إلى لندن، بسرعة، مغلفا بصمته. للاستشفاء، قيل من قبل أحد الناطقين باسمه. في ذات الوقت، استحضر صوت العلامة جواد الخالصي، قائلا « الاحتلال ليس وجهة نظر»، وارى صورة رجال الدين في أمريكا اللاتينية وهم يقاتلون قوات الغزو الامريكي، وأصغي لموقف « المرجع» البوذي الفيتنامي، قائلا « في كل يوم يمر على الحرب، تزداد الكراهية في قلوب الفيتناميين وفي قلوب من يملكون حسا انسانيا، ويجبر الأمريكيون حتى أصدقاءهم على أن يصبحوا أعداءهم. ومن الغريب أن الأمريكيين الذين يحسبون بعناية إمكانيات الانتصار العسكري، لا يدركون أنهم في هذه العملية يتكبدون هزيمة نفسية وسياسية عميقة. إن صورة أمريكا لن تكون أبدا صورة الثورة والحرية والديمقراطية، بل صورة العنف والعسكرة». كلمات « المرجع» البوذي هذه، قرأها « المرجع» الامريكي القس مارتن لوثر كينغ في اجتماع حاشد، ألقى فيه واحدا من اكثر خطبه ادانة لغزو بلاده لفيتنام، مفككا الخطاب الامريكي السياسي – الدعائي الذي يبرر الغزو وتدمير فيتنام وقتل الشعب الفيتنامي، قصفا وحرقا، بحجة محاربة الحزب الشيوعي. هذه المواقف الانسانية، من أكبر فعل ارهابي شهدته بلداننا وأشعل فتيل النار باعتراف حتى من ساهموا بارتكابه، لم تزر دار المرجعية العراقية يوما. ما قامت به، ويا ليتها التزمت الصمت، هو اصدار فتوى للجهاد ضد « الآخر»، وتوزيع مفاتيح الجنة مجانا، لتسبب مقتل آلاف الشباب، غير المدربين، بعد ان تم زجهم في معركة دموية دفعوا حياتهم ثمنا فيها. وبدلا من محاولة ايجاد حل انساني، ايا كان فحواه، لايقاف ماكنة الموت والدمار، وايقاف دورة الانتقام وتمزيق الوطن، بتنا نستمع، كل اسبوع، إلى ممثل المرجعية، الجالس بصحن الحسين، بكربلاء، بعيدا عن جحيم المعركة، وهو يطالب بـ» ادامة زخم المعركة مع داعش فان مضى الف علينا ان نرسل إلى ساحة المعركة الفا اخرين»، متماهيا بذلك مع «داعش» التي تدفع افرادها إلى معارك الموت جهادا ووعودا بحور العين، هي الأخرى. السؤال المهم هو: من هو المنتصر الحقيقي في هذه الحرب؟ بين أكاذيب رئيس الوزراء بعدم وجود قوات أجنبية مقاتلة على أرض العراق تضليلا للشعب لئلا يتساءل عن الثمن الذي سندفعه مستقبلا لهذه القوات الباقية بعد « الانتصار»، وحماس المرجعية لتغذية الموت بـ» ألف آخرين «، والتكهن بولادة سريعة لمنظمة ارهابية أخرى، يبدو ان الانتصار سيكون، ولو إلى حين، من نصيب امريكا التي تثمن حياة كل جندي من جنودها ولا ترسلهم إلى ساحة المعركة بالآلاف، بل وبات على الانظمة التي تطلب حمايتها ومساعدتها ( لقصف شعبها كما هو حال العراق) ، ان تتحمل «مزيداً من العبء» في مكافحة المتشددين، مع الالتزام بـ «خفض تكاليف الدماء والثروة الأمريكية في مكافحة الإرهاب»، حسب استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة لمكافحة الإرهاب. ولسنا بحاجة إلى ذكر من هو الخاسر في هذه الصفقة. |
|||
2 | الشاذلي بن جديد اول من حذر وتنبأ: متى تستفيق الأمة ومشرقها كلّه بات تحت الاحتلال!؟
|
اسماعيل القاسمي الحسني
|
الراي اليوم بريطانيا |
مرة أخرى أستحضر هنا تحذير الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في الجلسة المغلقة لقمة 1991 بالقاهرة، من مغبة استدعاء قوات غربية تحت مسمى التحالف الدولي لتحرير الكويت، مشيرا بصريح العبارة أنه استدعاء لاحتلال العالم العربي بقناع جديد؛ و كان لافتا حد المفاجأة أن من اعترض على تقدير الجزائر، لم تكن الكويت بصفتها المعني المباشر حينها بالقمة و لا أي من أنظمة الخليج بما فيها السعودية، و إنما الاعتراض جاء من الرئيس السوري حافظ الأسد، الذي عبّر وفق ما هو موثّق بمحضر الجلسة عن استعداده لمحاولة طرد القوات الأجنبية إن هي فعلا قررت البقاء و احتلال أجزاء من الشرق الأوسط. و لا أدري صراحة كيف كان بمقدور سوريا ساعتها أن تواجه قوات أمريكية بتعداد نصف مليون جندي في أرض غير أرضها، لهم من العتاد و العدة ما لا يمكنها مجرد حصره. دارت الأيام سريعا لتسقط بالفعل بغداد، تلكم العاصمة و الدولة المحورية تحت البوط العسكري الأمريكي و بضربة شبه قاضية شهر أفريل 2003، و بعدها بأقل من ثلاثة أسابيع حط كولن باول بدمشق ليوجه التهديد المباشر للرئيس بشار الأسد بمستقبل مثل مستقبل العراق إن لم يستجب للشروط الأمريكية. خلال عدوان تموز 2006 سمعنا و بالصوت العالي عبارة “الشرق الأوسط الجديد” و “الفوضى الخلاقة”، على لسان أكثر من مسؤول أمريكي و أبرزهم حينها كونداليزا رايس. ما هو واقع الشرط الأوسط اليوم؟ بكل صراحة و وضوح و دون اللف السياسي و الدبلوماسي، إن الدول العربية بالمشرق جميعها الآن تحت الاحتلال، بأسماء و أقنعة مختلفة لكن الجوهر واحد، فلا سيادة و قرار مستقلين، و عجز ظاهر لكل من له عين عن الدفاع. نعم هناك مقاومة و لكن ألف نعم هناك احتلال فعلي. أما بالنسبة لدول الخليج جميعها فواقعها لا يختلف في شيء عن العرض الذي قدمه الكيان الإسرائيلي للشعب الفلسطيني و هو السلام الاقتصادي، بمعنى أن السلطة تبقى بيد إسرائيل، و أما الحياة المعيشية الرغدة و التجارة و ما الى ذلك سينعم بها الفلسطينيون؛ هكذا هي الحال لمن يرى الصورة بعمق، فالأنظمة الخليجية تعيش بفضل ما سمي بالاتفاقات الإستراتيجية مع المحور الامريكو صهيوني حياة رخاء بل و بذخ، لكن إدارة هذه الحياة و أرباحها بيد الغرب، و لا يملك من شأنها الأشقاء مثقال ذرة؛ مازلت أذكر جواب أحد اللوردات في مجلس العموم البريطاني حول سؤال من إذاعة البي بي سي بخصوص نفوذ الولايات المتحدة عام 2003 و سيطرتها على كل قصور الحكم في دول الخليج على حساب النفوذ البريطاني الذي كان له الفضل ابتداء في وجودها، حين قال ما مفاده: أن لبريطانيا في كل قصر مستشارين لا يمكن تجاوزهم، و أن الولايات المتحدة تعمل بشراكة في هذا الشأن، و لا يمكنها أن تقفز على المصالح الإستراتيجية البريطانية. هذا احتلال له قناع جميل بل و مغري لمن لا يبصر الوجه الأصيل له. أما بالنسبة للعراق فيكفي القول أن على أرضه الى غاية اليوم وفق بعض المصادر قرابة أربعة عشر قاعدة عسكرية أمريكية، من ضمنها قاعدة مهمتها إدارة الشأن السياسي من وراء الجدر، و من ضمن خططها استنساخ قناع الاحتلال الاقتصادي بدول الخليج، فضلا عن مسألة التمزيق الطائفي و العرقي، بحيث تصبح كل إمارة من هذه الكانتونات تنعم فقط بملذات الحياة نسبيا، دون أن تملك قرارها السيادي في الشأن العام فضلا عن القرار الاقليمي و الدولي. و هناك مصادر تشير الى رفع عدد الحضور الأمريكي تحت مسميات المستشارين و الخبراء و غير ذلك الى خمسين ألفا. بالنسبة لسوريا، أذكر أن أحدى السيدات المعنية بالشأن العربي سألتني منذ فترة عن رؤيتي لواقعها و مستقبلها، فاختصرت الجواب على أن كل الاحتمالات باتت اليوم مفتوحة، و أكثرها واقعية هو التمزيق الفعلي لجغرافيتها و لنسيج شعبها؛ لم تمر أيام على هذا الحوار حتى خرج نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله على فضائية الميادين، و يجيب سامي كليب على نفس السؤال بذات الإجابة تقريبا، و عبّر بصريح اللفظ على أن كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها تقسيم سوريا. و من لحظة اقتراح روسيا لدستور سوري جديد، الى راهن اقتراح مناطق تحت مسمى “منخفضة التوتر”، بموازاة الاحتلال التركي شمالا و الاحتلال الداعشي شرقا و ها نحن أمام احتمال احتلال أمريكي مباشر جنوبا؛ لا يمكننا المكابرة و القفز على الواقع لنقول أن الدولة السورية ليست في معظم أراضيها تحت الاحتلال الفعلي، و لا تملك حياله إلا مقاومة مختلة ميزان القوى بشكل ملحوظ. ليس معقولا الآن القول بأن الجيش السوري بمقدوره سد كل هذه الجبهات، و ليس معقولا كذلك توهم قدرة حزب الله على فعل ذلك، أما التعويل على الحليف الروسي، فلا أعتقد أن من لم يمنع تركيا من احتلال مساحة من التراب السوري تعدل أربعة أضعاف مساحة دولة جزر القمر، و هو الذي يقترح مناطق منخفضة التوتر تفوق مساحة و عدد سكان دولة قطر، لديه استعداد للدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة دفاعا عن وحدة التراب السوري. كيف لمن لم يواجه تركيا أن يواجه أمريكا ! ثم لو أسقطنا قناع ” مناطق منخفضة الضغط” لانكشف الوجه الحقيقي للاستعمار الجديد القديم. السؤال: هل هذه المناطق الشاسعة و كثيفة العدد السكاني، ستكون تحت سلطة الدولة السورية؟ قطعا لا، إذن بماذا يمكننا أن نصفها؟ من فلسطين الأرض العربية المحتلة 1948 الى عام 2017 و الاقتراب من يوم وعد بلفور المشؤوم، لم تعد هذه الأرض المقدسة هي همّ المواطن العربي البسيط مثلي، و إنما بات همّه وقوع أغلب الدول العربية تحت الاحتلال الأمريكو صهيوني، و لصالح من هذا التفكيك و التقسيم و الاقتتال و التهجير إن لم يكن في صالح إسرائيل الكبرى !؟ التي لم يعد يخف بعض رموزها من المؤرخين تطلّعهم لاستعادة “المدينة المنورة”، باعتبارها كانت مدينتهم قبل أن يطردوا منها. لا أدري متى ستستفيق الأمة من حالة الغيبوبة العميقة هذه التي وقعت فيها، و تنتفض بقوة موحدة صفوفها، معتبرة أن العدو الأول و الوحيد الذي تجب مقارعته بكل إمكاناتها و طاقاتها و كل عنصرها البشري هو الكيان الإسرائيلي و ليس من عدو غيره، و متى بقيت لا سمح الله في غيبوبتها فالسؤال لن يكون حول مستقبل مشرق العالم العربي، و إنما حول القادم على مغربه، الذي تعيش دوله على صفيح يغلي يكاد ينفجر في أي لحظة، نتيجة سياسات داخلية لأنظمة أصبح الفساد و الإفلاس يستحييان من إطلاقهما عليها. |