1 |
ما بعد تحرير الموصل
|
د. عبدالله جمعة الحاج |
الاتحاد الاماراتية |
تمكن التحالف العسكري الدولي في العرق، والذي تم تشكيله بعد سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم «داعش» الإرهابي عام 2014، من تحرير المدينة وإعادتها إلى يد وسيادة الدولة العراقية. هذا التحالف يتكون من طلائع من الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية و«الحشد الشعبي» العراقي، وهو ميليشيا شعبية مسلحة معظم أفرادها من الطائفية الشيعية، بالإضافة إلى عدد غير معلن عنه من الحرس الثوري الإيراني لم يظهر منهم علانية سوى قاسم سليماني الضابط والقيادي المعروف ضمن الحرس الثوري. وإضافة إلى هذه الجهات تواجدت وحدات مساندة لوجستياً واستخباراتياً ومعلوماتياً من الولايات المتحدة الأميركية ومن خليجية وعربية، خاصة فيما يتعلق بالطيران والقصف الجوي وجمع المعلومات وتحليلها.
ودون شك فإن تحرير الموصل من «داعش» أمر مهم جداً، وله تداعيات على مستقبل العراق وبلاد الهلال الخصيب وربما العالم العربي وجواره الجغرافي قاطبة، لكن هذا لا يشكل حتى الآن نهاية «داعش». نعم، قد يشكل بداية النهاية لدولة «داعش» المزعومة، لكنه في المجمل ليس النهاية الكاملة والقضاء المبرم على «داعش». وكما شهد العالم أجمع كان التقدم نحو تحرير الموصل بطيئاً جداً، ما يعد دليلا على الاستماتة القتالية للتنظيم الإرهابي، وتحصنه وراء الدروع البشرية من لمواطنين العراقيين العزل.
والواقع أن التحالف كان ينظر إلى المسألة من جانبين: أولهما التقليل من نطاق الكارثة الإنسانية التي عانى منها سكان الموصل تحت حكم «داعش»، وثانيهما تأخير الشروع في تصفية الحسابات السياسية العراقية الداخلية، والتي ستطفو على السطح قريباً بعد الخلاص النهائي من «داعش» في الموصل.
الصورة التي نراها هي أن الخلاص من «داعش» في الموصل وحدها لا يعني الكثير في ما يتعلق باستقرار العراق مستقبلاً، إذ ليس من المتوقع أن يستقر قريباً، وذلك على ضوء التغلغل الإيراني من جانب، وكونه من جانب آخر منذ الغزو الأميركي له عام 2003 حالة اضطراب حاضنة للتطرف والإرهاب، وهو ما قد يستمر لسنوات طويلة قادمة ما لم يغير من ذلك في القريب العاجل.
وكما يبين لنا تاريخ المنطقة، فإن العراق إذا ما استمر فيما هو عليه الآن فلن يتمتع باستقرار أمني طويل الأمد في ظل غياب ترتيبات سياسية جديدة لصيغة سياسية تحتضن جميع أطياف الشعب العراقي، وإعادتها إلى لحمتها التي كانت عليها، فضلا عن حاجته لعقد اجتماعي جديد يجنِّبه الفشل الكارثي على صعيد الحكم الذي قاد إلى ظهور «القاعدة» و«داعش» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، مما أدى لسقوط الموصل وغيرها من المدن والبلدات والقرى. لكن مثل تلك الترتيبات تحتاج إلى نمط جديد من التفكير في شؤون العراق المنكوب داخلياً وخارجياً.
أما على الصعيد الإقليمي، فإن هزيمة «داعش» في الموصل لن تغير من معادلة وجوده، إذ لا يزال قائماً في الرقة (مقره الأساسي)، وفي مناطق ومدن سورية وعراقية أخرى. والمتوقع هو أن يصبح «داعش» أكثر دموية وعدوانية، وأن تصبح تكتيكاته أكثر إرهاباً بعد أن يعيد تجميع فلوله المندحرة في الموصل. وهنا يتعين القول في هذه المراحل المبكرة بأن مشاكل الإقليم لن تنتهي، بما قد يسمح للحكومة العراقية الحالية أن تركز اهتمامها على محاربة «داعش» في أماكن أخرى، وعلى حل جزء من المشاكل العراقية الداخلية المرتبطة بالأمن والاقتصاد. أما بالنسبة لقضايا الإرهاب فإن تهديدها مستمر لكافة دول العالم، وربما يزيد على ضوء فقدان «داعش» للموصل. وربما يحمل تداعيات سلبية على أوروبا والولايات المتحدة والعراق وسوريا، وربما دول عربية أخرى أيضاً. |
|||
2 |
كيف نمنع عودة «داعش»؟
|
بهجت قرني
|
الاتحاد الاماراتية |
احتفى الإعلام العراقي بتحرير الموصل وما أسماه نهاية «داعش»، بل أصابت العدوى الإعلام العربي والدولي الذي نشر صورة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الموصل بملابس عسكرية، والجنود في شوارع بغداد يوزعون حلوى الانتصار على المواطنين، فهل انتهت «داعش» فعلاً؟
صورة الموصل يعمها الدمار أكثر من الانتصار، وحتى العائدين من سكانها يكتسي الحزن وجوههم لما آلت إليه منازلهم ومحلاتهم. هي إذن كارثة الموصل حتى يتم البناء، وقد نتقبل هذا الثمن المادي والإنساني الفادح إذا تم فعلاً تحقيق الهدف: القضاء على سرطان «داعش»، لكن لن يتم تحقيق هذا الهدف إذا كانت المعلومات مغلوطة أو مضللة، وبالتالي تؤدي إلى سيطرة الوهم ثم عدم اتخاذ القرارات السليمة.
وفي حالة الموصل و«داعش» هناك على الأقل فَخان يجب عدم الوقوع فيهما:
1- دقة المعلومة العسكرية: على أساس أننا نرى فلول «داعش» بين قتلى وهاربين. وحتى لو تم فعلاً القضاء على كل جيوب «داعش» في الموصل، فالمعروف أن «داعش» هي مثل الأخطبوط المتعدد الرؤوس، بمعنى أن القضاء على أحد رؤوسه لا يضمن القضاء عليه أو نهاية الحرب، بل قد يزيد من صعوبة السيطرة عليه. فوجود رؤوس عدة ومتوارية يُشتت الجهود ويُزيد من صعوبة تعقب التنظيم وهزيمته نهائياً. في علم العلاقات الدولية نُطلق على هذه الخاصية «الحروب الجديدة»، وهي مغايرة للحروب التقليدية بين الدول والتي تتميز بمركزية ووضوح سلطة القرار، لذلك فالناحية العسكرية، رغم وضوحها نسبياً، قد تتطلب بعض العمل السليم للحصول على المعلومة الدقيقة في مواجهة أخطبوط «داعش»، خاصة عندما يحاول هذا الأخطبوط العودة بغية إثبات وجوده، ليس فقط أمام أعدائه، ولكن أيضاً أمام منافسيه مثل تنظيم «القاعدة».
2- البيئة الحاضنة: فمن الوهم الكبير أن نعتقد أن «داعش» هو نبت شيطاني فقط، ونتجاهل العوامل التي ساعدته على الظهور والترعرع لكي يصبح شجرة كبيرة الفروع وعميقة الجذور، تنمو أساساً بسبب أخطاء أعدائها في السلطة، فالمعروف مثلاً أن العراق، وطبقاً لإحصائيات منظمة الشفافية الدولية، يحتل مرتبة متقدمة جداً بين الدول التي يزدهر فيها الفساد، وخاصة بين النخبة الحاكمة. ويؤيد هذه الإحصائيات تقارير السفراء الأميركيين في بغداد، وهم بوصفهم «مندوبين ساميين»، على معرفة بأمور الحكم وسلوكيات النخبة المحلية، وبالتالي فقدت النخبة الحاكمة الجزء الأكبر من الثقة بها لدى غالبية المحكومين الذين بالطبع يُصبحون على استعداد لإعطاء ولائهم لجهة أخرى، حتى ولو كانت معادية للعراق نفسه.
وأخطر تقويض لأسس الشرعية ومقبولية الحكومة من طرف المحكومين أن يتصرف رئيسها ليس على أنه رئيس للجميع، بل رئيس لطائفة ضد أخرى. وفي الواقع هناك اتهامات لرئيس الوزراء العراقي الحالي بأنه ينوي الاعتماد على «الحشد الشعبي» ذي الولاء الطائفي لزعامات شيعية مثل السيستاني والصدر. إن مثل هذا السلوك سيضعف من ولاء السُّنة تجاه الحكومة وقد يُغري بعضهم بالبحث عن بديل حتى ولو كان «داعش» أو ما يماثلها.
إن ذلك الفكر العشائري على مستوى النخبة الحاكمة -مثله مثل الفساد- سيعوق هزيمة «داعش»، إذ يسمح بتغلغل فكرها الظلامي بين الطبقات الدنيا. إن هذا الفكر القابع في العديد من العقول هو «البنية التحتية» ورأس المال الاجتماعي التي ستعتمد عليه «داعش» في عودتها إذا استمر البعض في تقبل المعلومات المغلوطة والعيش في الوهم. |