مقالان عن العراق بالصحف العربية يوم الجمعة

2 من يتحمل مسؤولية سقوط الموصل ومن يجني نتائج استعادتها؟

 

احمد صبري

 

 

 الوطن العمانية
 

 

نحن أمام مرحلة جديدة بعد استعادة الموصل وتقلص دور ونفوذ “داعش” في العراق، هذه المرحلة بإجماع القوى المنخرطة في الحرب على “داعش” ستكون أخطر من سابقتها لاسيما المنافسة على جني الأرباح من نتائج المعركة وتوظيفها في تعزيز دورها وحظوظها في المشهد السياسي الجديد الذي سيعقب مرحلة مابعد “داعش”.

 

قصة لم تتكشّف فصولها رغم مرور ثلاث سنوات على وقوعها، بينما أبطالها معروفون وخواتيمها واضحة للعيان.

الحكاية بدأت بسيطرة “داعش” على مدينة الموصل ثاني أكبر مدن العراق ومدن أخرى خلال ساعات، وسط ذهول الجميع لمدينة محاطة بأربع فرق عسكرية قوامها مائة ألف عسكري.

واحتار المتابعون في تفسير أسرع سقوط عسكري في التاريخ لايضاهيه حتى نكسة يونيوـ حزيران عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الجولان والضفة الغربية وسيناء. خلال حرب الأيام الستة.

ملف سقوط الموصل تنقل بين البرلمان والقضاء ودهاليز السياسة، من دون توجيه أصابع الاتهام للمسؤول عن سقوط المدينة، رغم معرفة الجميع اسمه وعنوان وظيفته، لكنه وجد مكانه فوق الرفوف العالية.

والسؤال: من يتحمّل تكاليف استعادة الموصل التي قُدرت بمليارات الدولارات ودماء آلاف المدنيين والعسكريين، ناهيك عن تدمير المدينة ونزوح أهلها؟

ورغم تكرار السؤال الذي يتردد منذ ثلاث سنوات، وبات الشغل الشاغل للشارع العراقي من فرط ما أصاب العراق من جروح وتضحيات وخسائر من جراء إخفاق المؤسسة العسكرية التي يرأسها في ذلك الوقت ـ 2014 ـ نوري المالكي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، رغم ذلك بقي السؤال من دون إجابة واضحة تحدد الخلل الذي أدى إلى الانهيار العسكري.

وبعد ثلاث سنوات على انهيار القوات العراقية أمام هجوم “داعش” في الموصل، توشك القوات على استعادة المدينة من “داعش”، لطيّ صفحة الانهيار التاريخي، من خلال نصر استراتيجي تحققه القوات العراقية في المعركة التي بدأته منذ أكثر من ثمانية أشهر وبدعم التحالف الدولي.

سياسيًّا فإن البرلمان شكّل لجنة لتقصي أسباب الانهيار الذي أدى إلى فقدان الموصل، والتقت اللجنة بنحو مئة عسكري من كبار الضباط الذين كانوا في أرض المعركة خلال سقوط الموصل لم يتعرّف الرأي العام على المتسببين بالانهيار.

ورغم أن التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر ألمح مرارا إلى مسؤولية المالكي بسقوط الموصل فإن المالكي بقي خارج المساءلة القانونية.

والسبب يعود إلى أن المالكي رغم إبعاده عن رئاسة الحكومة بقي يرفض هذه الاتهامات ويقاومها، معتمدا على مكانته في التحالف الوطني وكتلته البرلمانية الكبيرة، كما سعى إلى استثمار الحشد الشعبي ودوره في المعادلة السياسية ككيان موازٍ للقوات المسلحة، في محاولة لإضعاف العبادي الذي يلمح هو الآخر إلى مسؤولية سلفه في سقوط الموصل.

إن سقوط الموصل وماتلاها من تداعيات كشفت هشاشة القوات العراقية وتدني كفاءتها القتالية، فضلا عن تسرب الفساد إلى مفاصلها، الأمرالذي أدى إلى تراجع دورها في الميدان.

وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققها القوات العراقية في المعركة والتي باتت وشيكة لهزيمة “داعش” فإنّ دعم التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، سواء أكان استخباريا أم بالطلعات الجوية كان حاسما في المعركة، وأسهم في تقدم القوات العراقية في محاور القتال.

إذًا نحن أمام مرحلة جديدة بعد استعادة الموصل وتقلص دور ونفوذ “داعش” في العراق، هذه المرحلة بإجماع القوى المنخرطة في الحرب على “داعش” ستكون أخطر من سابقتها لاسيما المنافسة على جني الأرباح من نتائج المعركة وتوظيفها في تعزيز دورها وحظوظها في المشهد السياسي الجديد الذي سيعقب مرحلة مابعد “داعش”.الذي سيكون مختلفا وغير واضح المعالم جراء تداخل القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الحرب على الإرهاب ومصالحها في نهاية المطاف.

3   من هزيمة 67… إلى نكبتي غزّة و«الحشد الشعبي»  خيرالله خيرالله   الراي الكويتية
 

يونيو أو يونيو شهر كل النكبات والهزائم والكوارث. من هزيمة 1967 التي يرفض بعض العرب الاعتراف بأنها أسست لما نشهده اليوم من تفتيت للمنطقة العربية، الى نكبة سيطرة «حماس» على قطاع غزّة في 2007، الى ذكرى مرور ثلاث سنوات على قيام «الحشد الشعبي» في العراق. يجمع هذا الشهر بين محطات عدّة أسست للحال المأسوية التي تسيطر على المشهد الإقليمي السائد في هذه الايّام.

 

لا يمكن الاستخفاف بأي شكل بالذكرى الثالثة لقيام «الحشد الشعبي» مع ما يعنيه ذلك من إنهاء لما بقي من مؤسسات الدولة العراقية التي كانت ركيزة من ركائز النظام الاقليمي. اكثر من ذلك، هناك كل ما يؤكّد ان العراق صار جزءا من ايران وان «الحشد الشعبي» ليس سوى امتداد لـ«حرس الثوري» الايراني وألوية تابعة له، تماما كـ«حزب الله» في لبنان او «حزب الله» السوري الذي هو قيد التأسيس.

 

مخيف الا يكون هناك اجماع في العالم العربي على رفض استيعاب دروس من حرب الايّام الستة وكأن العرب خرجوا منها منتصرين وان سيناء لم تسترجع بالقوة. استرجعت سيناء عبر المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات. رسم الأردن حدوده النهائية وحمى نفسه عن طريق المفاوضات بعدما اكتشف ان هناك قوى عربية تريد فرض منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني. حسنا، صدر عن قمة الرباط في العام 1974 قرار يؤكّد ذلك. ماذا كانت النتيجة؟ هل سهّل ذلك استعادة الضفّة الغربية، أي الأرض المحتلّة، ام زادت الامور تعقيدا، نظرا الى ان الضفة كانت تحت السيادة الأردنية عندما احتلتها إسرائيل مع القدس الشرقية في 1967؟ كلّ ما حصل يتلخّص بان الضفة الغربية انتقلت من ارض محتلة ينطبق عليها القرار 242 الصادر عن مجلس الامن في نوفمبر ـ نوفمبر 1967 الى ارض «متنازع عليها» حسب المفهوم الإسرائيلي. الم يكن من الأفضل ترك الأردن، الدولة المعترف بها دوليا، يفاوض من اجل استعادة الضفة بدل الدخول في متاهات تحويل منظمة التحرير الفلسطينية الى عضو مراقب في الامم المتحدة في وقت يعمل الوقت لمصلحة فرض إسرائيل امرا واقعا على الأرض الفلسطينية؟

 

ان عدم فهم النتائج المترتبة على هزيمة 1967 ادّى الى بقاء الضفّة الغربية تحت الاحتلال. لم يكن هناك زعيم عربي، من المعنيين مباشرة بحرب 1967، غير الملك حسين استوعب ان يقول المسؤولون الإسرائيليون مباشرة بعد سقوط القدس انّ الضفة الغربية والمدينة المقدّسة «ارض محرّرة». كان ملفتا ان إسرائيل رفضت في أي وقت أي انسحاب، من ايّ نوع، من الضفّة الغربية لمصلحة الأردن على غرار ما حدث في سيناء والجولان بعد «حرب أكتوبر» بالمفهوم المصري او «حرب تشرين» بالمفهوم السوري. كانت حجتها ان الأردن لم يكن طرفا في تلك الحرب، فلا حاجة اذا الى اجراء أي «فك ارتباط» بين الجيوش كما في سيناء او الجولان.

 

من سوّق لقرار القمّة العربية الذي كلّف منظمة التحرير الفلسطينية استعادة الضفة الغربية وحرم الجانب العربي من الحجة القانونية التي في يدهم والمتمثلة بالقرار 242 الذي في أساسه مبدأ «الأرض في مقابل السلام»؟ ثمّة حاجة الى رواية أخرى ربّما، غير الرواية التي يركز عليها السيد عدنان أبو عوده رئيس الديوان الملكي السابق في المملكة الأردنية الهاشمية. تقول رواية ابوعوده، وهو من أصول فلسطينية ان هنري كيسينجر، وزير الخارجية الاميركي، سوّق للاعتراف العربي بمنظمة التحرير «ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني». ويضيف انه استخدم في ذلك الرئيس المصري الراحل أنور السادات. لكنّ هناك روايات أخرى تؤكد ان كيسينجر فعل ذلك عبر الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الذي كان يكره الملك حسين.

 

في كلّ الأحوال، الهزائم تتلاحق وتجرّ الى كوارث. مثلما لم يكن هناك استيعاب عربي لنتائج هزيمة 1967، وهو ما دفع مصر في نهاية المطاف الى توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في مارس ـ مارس 1979 والى توصل الأردن الى اتفاق سلام في خريف العام 1994، بقي العقل العربي في شبه غيبوبة في مرحلة ما بعد الاحتلال الاميركي للعراق. كان هذا الاحتلال في العام 2003 نقطة انطلاق جديدة للمشروع التوسّعي الايراني الذي ذهب ضحيّته رفيق الحريري في فبراير ـ فبراير من العام 2005. استخدم الايرانيون ادواتهم المحلية لتنفيذ جريمة ما زال لبنان يعاني من آثارها الى اليوم. كان هناك بالطبع غطاء للجريمة وفّره النظام السوري الذي كان لديه أيضا حساب يريد تصفيته مع رفيق الحريري الذي أعاد لبنان الى الخريطتين الإقليمية والدولية.

 

لعبت ايران دورها في تشجيع انفصال غزة عن الغربية وتكريس الانقسام الفلسطيني الذي لا يزال قائما الى اليوم. ما هو مؤسف انّ دولتين من دول المنطقة هما تركيا وقطر استثمرتا في «الامارة» التي انشأها الاخوان المسلمون، بالتعاون مع ايران، في غزّة. هل من كارثة على الصعيد الفلسطيني اكبر من هذا الاستثمار الذي لا يوجد من يصفّق له وسجني ثماره سوى إسرائيل؟ ماذا بعد هذا الاستثمار الايراني، الذي لقي تشجيعا تركيا وقطريا، غير تلبية لمطامح إسرائيل التي تتمنى ان يكون مسلّحو «حماس» باقنعتهم وصواريخها المضحكة المبكية واجهة الشعب الفلسطيني؟

 

كان طبيعيا ان تصل الامور في العراق الى ما وصلت اليه، أي الى نكبة حقيقية يجسّدها «الحشد الشعبي». وصلت الامور الى احياء الذكرى الثالثة لقيام «الحشد الشعبي» بوجود السفير الايراني ايرج مسجدي وغياب رئيس الوزراء حيدر العبادي. تبيّن بكل بساطة ان السفير الايراني الذي كان مستشارا سابقا لقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني هو الحاكم الفعلي للعراق. انّه عمليا قائد 67 ميليشيا شيعية عراقية يضمّها «الحشد الشعبي». تسيطر هذه الميليشيات على أجزاء من ارض العراق وتنفذ عمليات تطهير ذات طابع مذهبي حيث تدعو الحاجة الى ذلك. غدا او بعده، ستنتصر هذه الميليشيات على تنظيم «داعش» الإرهابي في الموصل، سيكون السؤال ما هي الوجهة المقبلة لـ«الحشد الشعبي» الذي ليس سوى أداة إيرانية تستخدم في خدمة مشروع واضح المعالم؟

 

ولّدت هزيمة 1967 مجموعة كبيرة من الهزائم، بما في ذلك السكوت العربي على ما فعله المسلحون الفلسطينيون ومن ورثهم على الأرض، بعد العام 1982، في لبنان… وصولا الى السكوت على انقلاب «حماس» ف