ست مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاحد

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الأكراد يسخنون مستقبل المنطقة عبدالله الأيوبي اخبار الخليج البحرينية
 

 

كما هو متوقع، ومن منطلق المصلحة الوطنية لدول الجوار العراقي، أن ترفض هذه الدول الخطوات أي خطوات أو مشاريع انفصالية يقدم عليها أكراد العراق، حيث أعادت تركيا موقفها المعلن من هذه القضية وجددت أنقرة «رفضها للاستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان وقيام أي كيان كردي بالمنطقة»، فمصلحة تركيا وإيران وكذلك سوريا لا تختلف عن مصلحة العراق فيما يتعلق بقيام كيان كردي مستقل لأكراد المنطقة، ذلك أنه بالنسبة إلى الدول الثلاث (باستثناء العراق) فإن هذا الكيان، إن تأسس واستقل عن العراق، فإن حدوده الجغرافية لن تكون عند الجزء العراقي فقط، وإنما ستكون له امتدادات جغرافية في دول الجوار الثلاث، إذ إن قيام دولة كردية مستقلة يعد من الطموحات التاريخية لأكراد المنطقة، وأعلنت القوى الكردية من كل الانتماءات السياسية وفي فترات مختلفة عن رغبتها في رؤية هذا الحلم يتحقق، باعتباره -كما ترى هذه القوى- حقا مشروعا للأكراد.

 

كما يعلم جميع المتابعين للشأن الكردي، فإن أكراد شمال العراق مقدمون على استفتاء حول «تقرير المصير» مدعوم بقوة من رئيس الإقليم مسعود البرزاني، الذي وإن لم يعلن صراحة أن هدف الاستفتاء هو الانفصال عن العراق في «دولة مستقلة» إلا أنه يجاهر بهذا الطموح ويعتبره حقا مشروعا للأكراد، كما هو مشروع لجميع الشعوب، هذه الخطوة أثارت حفيظة وامتعاض الدول المجاورة للعراق، مثل تركيا وإيران وسوريا كذلك، وإن كانت هذه الأخيرة مشغولة بأزمتها الداخلية الطاحنة، هذا الامتعاض الصادر عن دول مثل تركيا وإيران لم يأت انطلاقا من حرصهما على «سلامة ووحدة العراق وسيادته»، فهذه الوحدة والسيادة منتهكة من جانب البلدين، وإنما من منطلق عدم الإصابة بعدوى الانفصال.

 

فإن انفصالا كرديا لشمال العراق وإقامة كيان مستقل فوق الحدود الجغرافية التي يشغلها أكراد العراق في الوقت الراهن، سوف يعزز ويقوي من نزعة الانفصال لدى أكراد تركيا وإيران، فهم يعتبرون أنفسهم جزءا من شعب كردي واحد موزع في أكثر من دولة، تجمعهم لغة وثقافة واحدة، بل وأرض واحدة بحسب إيمانهم وقناعتهم التاريخية، فتركيا تخوض صراعا دمويا مريرا منذ عدة عقود ضد حزب العمال الكردستاني التركي الذي تتهمه بالسعي لإقامة دولة كردية في المناطق التي يعيش فيها أكراد تركيا، وعلاقة إيران مع أكرادها ليست بأفضل حال وإن لم تصل حدة الصدامات العنيفة معهم إلى تلك الدرجة التي عليها في تركيا.

 

العراق نفسه بكل مكوناته الدينية والسياسية (العرب بالدرجة الأولى) يرفض انفصال إقليم كردستان عن العراق ويعتبر هذا الانفصال مقدمة نحو تفتيت العراق إلى عدة كيانات على أسس عرقية ومذهبية، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث نشوب نزاعات داخلية عنيفة تزهق عشرات الآلاف من أرواح العراقيين، إضافة إلى ذلك، فإن تفتيت العراق من شأنه أن يلغي دوره كقوة إقليمية تتمتع بقدرات وتأثير قوي على تحديد مستقبل المنطقة، إذا ما استطاع العراق الخروج من المحنة التي أدخلته فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بعد جريمة الغزو عام 2003.

 

عديد من المراقبين والمتتبعين للأوضاع في المنطقة يرون أن «الرفض» التركي والإيراني، وكذلك العراقي، لانفصال إقليم كردستان عن العراق، لن يوقف التوجه الكردي، طالما أن هناك ضوءا أخضر من قوى إقليمية ودولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل»، فأكراد العراق يحظون بدعم من هذه القوى، وإن لم تفصح عن تأييدها العلني لذلك، لأنه من دون هذا الضوء فإن الأكراد لا يمكن لهم أن يتحدثوا عن هذا الاستفتاء وغيره من الخطوات التي تقود إلى الانفصال، فالقيادة الكردية في شمال العراق تعرف جيدا تعقيدات وحساسية خطوات كهذه، فجميع الدول الحاضنة للأكراد والمجاورة للعراق لا يمكن أن تقبل بفكرة الانفصال رغم كل ما يميز علاقاتها مع بعضها البعض من حالة عدم ثبات وعداء أيضا كما هو الحال بين تركيا وسوريا.

 

فالكيان الصهيوني هو صاحب المصلحة الأولى في تفتيت دول المنطقة مثل العراق وسوريا، وهو لا يخفي دعمه لأكراد العراق منذ عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حتى يومنا هذا، أما الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال «رفضها» المائع لتوجهات أكراد العراق الانفصالية، فإن لها مشروعا استراتيجيا يتعلق بإعادة رسم خريطة المنطقة السياسية وإدخالها في دوامة من الصراعات لإضعاف دولها، لأن ذلك كله يصب في مصلحة «إسرائيل» لكي تستمر في احتلال مركز اللاعب الأول والمؤثر في المنطقة.

 

فالأكراد يعرفون جل المعرفة أن لون الضوء الأمريكي أمام أي توجه نحو الانفصال وإقامة دولة مستقلة لهم في شمال العراق، أو في أي جزء من الدول التي يوجدون فيها، هو الذي يحدد مسار هذا التوجه، وكما يبدو من خطوة الاستفتاء وغيرها من الخطوات، فإن الضوء المنبعث من وراء المحيط هو اللون الأخضر، لهذا يخرج مسعود البرزاني ويؤكد في عديد من المناسبات أنه «لا توجد قوة تحول دون إجراء الاستفتاء»، وأن «الأكراد هم من يحددون مستقبلهم السياسي»، وغير ذلك من التصريحات الواثقة.

 

مسألة حق الشعوب في تقرير مصيرها لا خلاف عليها، فكل شعب له هذا الحق، ولكن هناك الكثير من المعايير والمحاذير التي تحكم هذه العملية، فوضع الأكراد مختلف تماما؛ إذ إنهم مواطنون يعيشون في دول مستقلة وذات سيادة، وإن تعرضوا للظلم والتهميش ومصادرة حقوقهم القومية والثقافية في الدول التي يعيشون فيها، فإن من حقهم أن يطالبوا بكامل حقوقهم وأن يتمتعوا بحقوق المواطنة الكاملة أسوة بجميع المواطنين في هذه الدول من دون تمييز بسبب العرق أو الثقافة وغيرها من التمايزات، فالمبدأ الأهم هو أن يعيش الجميع متساويين في كل الحقوق، أما خلاف ذلك فهي قضايا يمكن معالجتها.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 عروبة العراق في مرحلة ما بعد داعش حامد الكيلاني

 

 العرب
 

الموقف العربي يؤسس لمرحلة عراق ما بعد داعش. نحن لسنا بصدد الإفصاح عن عروبة العراق أو دمجه بأمته، بل إنقاذه ومساعدته على التحرر من دولة الولي الفقيه ونظامها المتخلف وميليشياتها التي عبثت بكل مقدرات العراق وتاريخه.

شخصيات عراقية عدة بمختلف مسؤولياتها وتوجهاتها زارت المملكة العربية السعودية. أبعاد تلك الزيارات استقرت على قاعدة أرستها زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد وما أعقبها من ردود فعل متباينة وتحليلات انصبت معظمها في زاوية من ضيق الأفق امتازت بها رؤية أحادية الجانب عُرف بها أتباع المشروع الإيراني الذين صادروا لمدة 14 سنة العراق العربي، وجرّوا الويلات على شعبه بكل أطيافه ومكوناته المتعايشة.

 

رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي زار المملكة العربية السعودية، ثم توجه إلى جمهورية إيران الإسلامية. وزير الداخلية قاسم الأعرجي زار الرياض أيضا وانتظر قليلا ثم غادر إلى طهران. رجل الدين مقتدى الصدر التقى بولي العهد السعودي الشيخ محمد بن سلمان، لكنه حتى الآن لم يذهب إلى إيران.

 

جمع كبير من ساسة العراق والأحزاب الإسلامية وقادة الميليشيات ينتظرون تلك التنقلات بين الرياض وطهران لتكتمل لديهم معادلة أي تقارب عراقي مع العرب، حصل أو سيحصل، للإيحاء بأن التقارب تحت الإرادة الإيرانية، بعلمها وتخطيطها أو على الأقل بالتصريح علنا بأنها اطلعت على نتائج المحادثات.

 

زيارة إيران بعد السعودية من قبل المسؤولين العراقيين تؤكد مرجعيتهم وعائديتهم للولي الفقيه. قلق بعضهم لتأخر زيارة مقتدى الصدر لإيران سبّب لهم انكسارا نفسيّا حتى لو زارها في يوم قادم. لأن التأخير أو عدم الذهاب في الفترة اللاحقة يعني التمرد على الولاء المطلق لإيران ونظام وليّها الفقيه، وأن سكة أخرى بدت بعض ملامح وجودها تتكون في الواقع العراقي أبصرت طريقها إلى أرومتها ووحدة مصيرها.

 

تقلّبات السياسة وما تمليه مرحلة ما بعد تنظيم داعش، واستهلاك العراق كليا في المشاريع الإقليمية، والإرهـاب بتنوع مصادره، وما أقـرته قمم الرياض من إجراءات للحد من التطرف وإعلان الحرب الشاملة على مصادر الإرهاب وتمويله وملاحقة تنظيماته ومجموعاته؛ دفعت الأحزاب الإسلامية العراقية بتسمياتها وانتماءاتها إلى إعادة تدوير أطروحاتها التي أنتجت لنا نظام المحاصصة السياسية والطائفية، لتخرج إلينا ببرامج تبدو شكليا مُتغيّرا فرضته التجربة الـمريرة والقاسية، أما مضمونها فأكثر إقرارا ببراغماتية الأحزاب المدعومة من ميليشياتها وجمهور تلك الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني.

 

عنوان الانتخابات العراقية القادمة هو الكتلة السياسية الأكبر. فالأحزاب الدينية الطائفية لها جرأة الحديث عن تطلعاتها العلمانية والليبرالية، وعن وحدة المكونات وهدفها الأسمى الوطن والشعب ولا مانع لديها من زج الانتهازيين في اللعب على الحبال.

 

عودة العرب إلى سحب عجلة العراق التي غرزت في وحل المستنقع الإيراني شأن طبيعي رغم 14 سنة من محاولات طمس الهوّية العربية. التقارب وإن كان مع رموز العملية السياسية بمن فيهم رجل الدين مقتدى الصدر، إلا أن الحقيقة في عودة العرب أو عودة العراق للعرب لا علاقة لها بالشخصيات وإنما بشعب العراق وأمته.

 

توجّهات الأشخاص مهما كانت مكانتهم السياسية إلا أن اختبارهم تم بما يكفي في فترة حكم طويلة أوغلت في تفكيك المواطنة ووفرت القنـاعات لأسبـاب الكراهية والاقتتال.

 

تختلف معايير الولاءات لملالي طهران ومن خلالها تتوزع السلطات في العراق والمشاكل أيضا. صار واضحا أن العرب لم يعودوا بحاجة إلى أي اشتراطات من أجل عودة العرب لبعضهم، فالأمر يقترب من إزاحة أسلاك شائكة تورّط فيها أحد أبناء الأسرة الكبار وظل أسير واقعه وغربة ليله ويحدث هـذا مع أبنـاء الأسـرة الصغـار أيضا.

 

يكفي التذكير بما جرى من إرباك بسبب تصريحات وزير داخلية العراق أثناء مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني في طهران عن رغبة سعودية في وساطة عراقية يتبناها رئيس الوزراء حيدر العبادي للتقريب بين الجانبين السعودي والإيراني، ثم تدخل مكتب رئيس الوزراء لنفي الوساطة بعد الإحراج الذي أدى إليه التصريح وأجبر مكتب وزير الداخلية على نفي التصريح الموثق في طهران.

 

المصادر الرسمية السعودية وضّحت مواقفها الثابتة من إيران وتدخلاتها وتطرفها وإرهابها وتمددها في المنطقة. ما الذي أجبر وزير داخلية العراق قاسم الأعرجي على إلقاء هذه المفرقعة الإعلامية ومن طهران تحديدا؟ ولأننا قلنا إن الشخصيات وتاريخها لم يعد مهمّا في تقرير إرادة العرب لانتشال عروبة شعب العراق وبانتماء هؤلاء للمشروع الإيراني، لكننا لا نتوقع منهم إلا أن ينصاعوا إلى الأوامر أو حتى مجرد الرغبات الإيرانية وذلك من غايات زيارة إيران بعد كل زيارة للسعودية أو أي بلد عربي آخر.

 

إيران تعتبر حكام العراق أفرادا تقع عليهم واجبات الحرس الثوري. ذلك ليس وصفا للاستعارة أو ربط الدلالات، أبدا، فالوزير المذكور هو أحد حملة بندقية الولي الفقيه ضد أبناء جلدته من وطنه الأم العراق في حرب الثماني سنوات.

 

الإرباك في التصريحات العراقية لا جديد فيه، وهو مؤشر على فشل سياسة الدولة. فشل رافق مسيرتها خلال 14 سنة من فوضى الإعلان وليس الإعلام بعد الاحتلال في أبريل 2003.

 

في الأشهر التي تلت الاحتلال ازدحمت وتعددت التصريحات الصحافية للخبر الواحد، وتناقضت والتبست خاصة منها ما يتعلق بالشؤون الأمنية والعسكرية للقوات الأميركية التي اكتشفت أن بعض أدواتها في المنطقة الخضراء يصرحون نيابة عنها ومن مواقع مختلفة ليظهروا كرجال دولة.

 

بعدها وفي استشارة مهنية تم تجهيز قاعة للمؤتمرات ومنح هويات لعدد من الصحافيين. لكن الفوضى استمرت في العمل السياسي العراقي ومازالت تطبع الدولة بمزاجات أصحابها.

 

تشويه الحقائق والثرثرة ومعها القوانين الطـائفية وكتابة الدستور على مقياس الملالي لن تلغي عروبة العراق. الألغام الأيديولوجية والتناوب على إيقاع الإصلاحات أو التغيير أو استخدام المثل العليا دون حياء لتمرير التعصب في نفق الانحراف الانتخابي، أشبه بهوس الإرهاب في تبرير بشاعة جرائمه.

 

لا نستغرب من زيادة التنقيب الإيراني هذه الأيام بحثا عن تكملة لمحطات على طريق تحرير القدس والتركيز على محاربة مشروع دولة إسرائيل الكبرى واستراتيجيتها في استهداف العراق ومحاولة تقسيمه ومعه سوريا كذلك. أي أن النظام الإيراني هو الذي منع تدمير العراق وسوريا ومنع ضمّهما إلى خارطة إسرائيل الكبرى.

 

هذا المنطق يفسّر لنا دور الأفكار الأولية والمخططات وكيفية تحويلها أو تنفيذها على الأرض. فإذا أصغينا إلى سؤال مثل: من هو المستفيد من الصراع المذهبي في العراق وسوريا وغيرهما؟ فإن الجواب على الطائر: إسرائيل. لكن ماذا عن الدور الإيراني والميليشيات الطائفية؟ الجواب: بمحاربة إرهاب داعش الذي يخدم المخططات الإسرائيلية.

 

المهم أن المملكة العربية السعودية افتتحت معبر عرعر الحدودي مع العراق، وافتتحت قنصلية في مدينة النجف لتيسير الزيارات الدينية بما يحمله هذا الانفتاح من معانٍ لوحدة المسلمين، إلا أن إيران بثت سمومها الطائفية كالعادة.

 

الموقف العربي يؤسس لمرحلة عراق ما بعد داعش أيضا. نحن لسنا بصدد الإفصاح عن عروبة العراق أو دمجه بأمته، بل إنقاذه وانتشاله وإسعافه ومساعدته على التحرر من المد الإيراني لدولة الولي الفقيه ونظامها المتخلّف وميليشياتها التي عبثت بكل مقدرات وتاريخ العراق.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   العراق ومواجهة الهيمنة الإيرانية

 

 راجح الخوري

 

  الشرق الاوسط السعودية
 

هي أكثر من «لحظة عراقية» لها دلالاتها المهمة خارج التوقيت الإيراني كما يصفها البعض، لنقل إنها قفزة خارج قواعد الهيمنة المتصاعدة، التي تحاول طهران فرضها على العراق، ولأنها تأتي في سياق متتابع ومتصاعد ليس من المبالغة أن نطرح السؤال:

هل بدأ العراق يتحرك للخروج من عملية الاستتباع الإيرانية؟

من زيارة حيدر العبادي إلى مكة الشهر الماضي، حيث استقبله خادم الحرمين الشريفين، إلى دعوة مقتدى الصدر لزيارة الرياض حيث اجتمع مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى دعوة مقتدى أيضاً لزيارة دولة الإمارات حيث اجتمع مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، إلى زيارة وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة إلى بغداد، إلى إنهاء عمّار الحكيم عقوداً من العلاقة الوثيقة مع طهران بخروجه من وعلى «المجلس الأعلى الإسلامي»، يمكن القول إن الكيل العراقي طفح أخيراً بالهيمنة الإيرانية الطاغية!

في 16 يوليو (تموز) الماضي نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقاً جاء فيه أن العراق بات أشبه بضاحية إيرانية، فكل شيء هناك إيراني من زجاجة المرطب إلى الدبابة التي تعبر حدوداً مفتوحة مروراً بالإسمنت وحجارة الطوب، والبرامج التلفزيونية المتعاطفة مع طهران.

وعلى سبيل المثال لم يتردد زهير الجبوري من مجلس محافظة النجف في القول لتيم أرينغو كاتب التحقيق: «إننا نستورد التفاح من إيران لنقدمه إلى الحجاج الإيرانيين، هل تتصور أنه حتى جمع النفايات جرى تلزيمه إلى شركة إيرانية»، وفي محافظة ديالى على الحدود، قال وحيد قاجي المسؤول الإيراني الذي يشرف على حركة العبور: «العراق لا يملك ما يقدمه لنا وفيما خلا النفط يعتمد العراقيون علينا في كل شيء»!

لكن القصة لا تتوقف عند حدود إغراق الأسواق والاقتصاد العراقيين، ما هو أهم إغراق القرار السياسي والعسكري بالهيمنة الإيرانية، وهو ما بدأ يطلق حركة تململ واسعة تعبر عن إرادة متنامية عند قوى وقيادات عراقية باستعادة روابط العراق العربية وإعادة رسم قواعد السيادة الوطنية العراقية، بعيداً من الأطر التي تحاول إيران فرضها، لتجعل من العراق ملحقاً ومعبراً آنساً لمصالحها في اتجاه سوريا وصولاً إلى لبنان على حساب مصالحه وروابطه العربية.

زيارة حيدر العبادي إلى مكة حيث لقي الملك سلمان بن عبد العزيز شكّلت انعطافاً مهماً في العلاقات وأسفرت عن تشكيل مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين من أجل الارتقاء بالعلاقات إلى المستوى الاستراتيجي سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وأعلن خادم الحرمين الشريفين أن كل القلوب والأبواب مشرّعة للتعاون المشترك بين السعودية والعراق، وأن المملكة تقف مع استعادة العراق دوره الكبير في المنطقة وتعزيز العلاقات معه على كل المستويات، وقال بيان مشترك إنه تم تشكيل لجنة وزارية لتعزيز علاقات البلدين في كل المجالات.

زيارة زعيم التيار الصدري إلى الرياض اكتسبت أهمية مضاعفة على خلفية مواقفه الوطنية ودعواته القوية إلى حماية الوحدة الوطنية بعيداً من رياح المذهبية البغيضة والتدخلات الخارجية، وهو ما جعله دائماً على خلاف عميق مع نوري المالكي رجل إيران في العراق، وبعد محادثاته مع الأمير محمد بن سلمان صدر بيان عن مكتبه أكد التوافق في الآراء ومدى حرص الرياض على علاقة أخوية مع بغداد، وأشار إلى زيادة المساعدة السعودية للمتضررين والنازحين العراقيين، وإلى رغبة الرياض في تعيين سفير جديد في بغداد وافتتاح قنصلية عامة سعودية في النجف وإنشاء خط جوي وفتح المنافذ وتعزيز التبادل وتبني خط ديني معتدل وتوثيق التعايش السلمي بين البلدين.

زيارة مقتدى للرياض لاقت ارتياحاً شعبياً ورسمياً حيث نوّه العبادي بأهميتها في سياق التأثير على ضرورة الانفتاح على دول الجوار، خصوصاً أن التيار الصدري يشغل 34 مقعداً في البرلمان، لكن الغضب تصاعد في طهران، التي شنّ أنصارها في بغداد انتقادات شديدة إلى مقتدى، وصلت إلى حد أن واثق البطّاط زعيم تنظيم «جيش المختار» هدده بالقتل.

حاولت طهران تحريف مغزى التحرك العراقي في اتجاه الرياض بالقول إن المملكة طلبت وساطة العراق لإصلاح العلاقات معها، لكن السعودية أصدرت نفياً فورياً لهذه المزاعم، وحتى وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي الذي نسب إليه هذا الكلام نفاه بدوره!

ومن المعروف أن مقتدى الصدر وقف دائماً ضد الهيمنة الإيرانية على العراق، وخصوصاً بعد تشكيل «الحشد الشعبي» الذي رفض دمجه بالجيش، وكان أنصاره قد تظاهروا الخريف الماضي في المحافظات الجنوبية ومزقوا صور قاسم سليماني مرددين هتافات: «يا سليماني أنا الصدر رباني».

حتى قبل تشكيل «الحشد الشعبي» كان الصدر قد شنّ هجوماً نارياً على طهران ورجلها نوري المالكي وذلك في فبراير (شباط) 2014 عشية الانتخابات، حيث قال بالحرف: «السياسة صارت باباً للظلم والاستهتار ليتربع ديكتاتور وطاغوت فيتسلط على الأموال وينهبها، وعلى الرقاب فيقصفها، وعلى المدن فيحاربها، وعلى الطوائف فيفرقها، وعلى الضمائر فيشتريها، وعلى القلوب فيكسرها، ليكون الجميع مصوتاً على بقائه في السلطة».

أكثر من هذا وجّه يومها انتقاداً قوياً ومباشرا إلى طهران عندما قال: «العراق تحكمه ثلة جاءت من خلف الحدود، لطالما انتظرناها لتحررنا من ديكتاتورية، لكنها تتمسك بالكرسي باسم الشيعة والتشيّع، لا يجوز ترك العراق للديكتاتورية الجديدة الممثلة بالمالكي.. يجب مواجهة الطاغوت والديكتاتور».

من الرياض ومحادثاته المهمة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى أبوظبي ومحادثاته المهمة مع الشيخ محمد بن زايد الذي وضع بتصرفه طائرة خاصة ذهاباً وإياباً، حيث أكدت المحادثات أهمية استقرار العراق وازدهاره وأن يلعب دوره المهم والطبيعي على الساحة العربية بما يعزز أمن العالم العربي واستقراره، وحيث نوّه الشيخ محمد بن زايد بتاريخ من التعاون الأخوي بين البلدين..

على خطٍ موازٍ كان عمار الحكيم يقفز خارج العباءة الإيرانية عندما انسحب من «المجلس الأعلى الإسلامي» الذي تأسس في طهران أيام عمه محمد باقر الحكيم خلال الحرب العراقية الإيرانية وأسس تنظيماً جديداً باسم «تيار الحكمة الوطني» وهو ما فاجأ طهران التي سارعت إلى دعم الذين بقوا في المجلس المذكور، في حين تشير الأنباء الواردة من بغداد إلى تصاعد حركة الشباب الذين أعلنوا التحاقهم بالتيار الجديد، ما يوحي بمدى الضيق في الشارع العراقي من الهيمنة الإيرانية.

وليس خافياً أن تشكيل «الحشد الشعبي» أجج المشاعر الوطنية العراقية، على خلفية تصريحات قادة الميليشيات المنضوية إليه، كأن يقول حامد الجزائري إن قادة الحشد الشعبي تربوا في أحضان النظام الإيراني وإنهم يعتبرون أنهم يتبعون دولة ولاية الفقيه التي لا تعترف بالحدود مع العراق، وكأن يعلن أمين عام «كتائب سيد الشهداء» أن الحشد مرتبط بولاية الفقيه ولا يتبع الساسة العراقيين.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  دولة الكرد!

 

 

محمد الرميحي

 

   الشرق الاوسط البحرينية
 

خلف الأبواب في العواصم المحيطة بالعراق، القريبة والبعيدة، هناك مجموعات تدرس موضوعاً واحداً هو محاولة الإجابة عن سؤال مركزي يخص مجتمعات تلك الدول ومصالحها، السؤال هو: هل عراق موحد، وإن شاء الله ديمقراطي نسبي، هو الأفضل في جوارنا، أم عراق مقسم إلى أقاليم – على الأقل ثلاثة؛ الكرد في الشمال، السنة في الغرب والشيعة في الجنوب؟ وتتراوح الإجابات عن تلك الأسئلة باختلاف مصالح ورؤى وتمنيات تلك الدول. واضح من قراءة الأحداث أن القيادة الكردية في كردستان العراق قد اتخذت قراراً، حتى الآن، لا رجعة عنه، كما فعلت عام 2014 أن تسير في ترتيباتها لإقامة استفتاء عام بين سكان إقليم كردستان العراق هذه المرة دون خضوع لضغوط تشابه ضغوط 2014، سوف يسأل السكان فيما إذا كانوا يفضلون الاستقلال كدولة، أو الانتماء إلى عراق موحد؟ لا داعي لضرب الودع أو الإغراق في الخيال، الإجابة في الغالب أن هناك أغلبية مريحة من أجل الاستقلال. السيد مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق منذ 1992، يبدو أنه يقرأ كتاب السيد نيكولا ميكافيلي (الأمير)، الذائع الصيت والصادر في أوائل القرن السادس عشر ميلادي، كانت نصيحته للحاكم، أن يكون الأسد والثعلب في الوقت نفسه، الأسد لإخافة الذئب، والثعلب لتفادي الفخاخ! بارزاني الآن، يفاوض بغداد من أجل الحصول على أكبر مجموعة من التنازلات، خصوصاً في توسيع جغرافيا الإقليم الكردي إلى مناطق تسمى عادة (متنازع عليها) بما فيها من مصادر الثروة، وهو في الوقت نفسه يتوخى الفخاخ السياسية باختبار التوقيت المناسب تماماً لانتزاع أفضل ما يمكن الحصول عليه من (سيادة)، فالسلطة الرسمية العراقية منقسمة على نفسها، خاضت وتخوض حرباً مكلفة مع «داعش»، وتتعدد لديها القوى ليس السياسية فقط ولكن حتى العسكرية، والقوات الكردية أسهمت في الحرب، وساعدت على طرد كثيرين من المتشددين، فهي تستحق أن تجازى! الرغبة الكردية في الاستقلال ليست جديدة، فقد حصل الأكراد، بعد حرب طويلة مع نظام البعث العراقي على (حكم ذاتي) عام 1970 كان وقتها حزب البعث العراقي يحاول توسيع سلطته والتغلب على خصومه في الداخل، ولديه معارضون أقوياء وقتها، فأراد أن يتفرغ لهم لبسط سلطته الكاملة، ويحيد الأكراد، فأعطاهم حق الحكم الذاتي، على أن يعود لهم عندما تستقر له الأمور، وهذا ما تم، فبعد أن أصبح الحزب القائد، عاد مرة أخرى لحرب الأكراد متنكراً لما وقع عليه. في المقابل انتظم الأكراد في حلف مصلحي مع إيران التي كان يحكمها الإمبراطور محمد رضا بهلوي، الذي وجد أن إزعاج خصمه في بغداد هو أمنية تتحقق من خلال الأكراد، كانت مصالح مشتركة، سرعان ما باع الشاه القضية الكردية، عندما قدم له صدام حسبن في الجزائر عام 1975 (وجبة) لا يستطيع رفضها، هي الجزء الذي كانت تحلم به إيران في شط العرب، وهكذا بقي الأكراد (سلعة) في سوق المناورات السياسية، وما أن اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، بعد سقوط الشاه في طهران، حتى شنت السلطة البعثية العراقية حرباً شعواء على الأكراد، كانت قمتها مذبحة حلبجة، التي استخدمت فيها الغازات السامة. النتيجة النهائية المهمة أن الحكم الذاتي الذي أعطي للكرد عام 1970 الذي ظنه نظام البعث أنه مناورة مؤقتة، ظل قائماً وتأكد بعد سقوط النظام البعثي أولاً في الدستور الجديد، وثانياً في العلم الكردي والاستقلال المالي، ذلك هو الدرس الأهم في القيمة المعنوية للاستفتاء المقبل في سبتمبر (أيلول)، أمام العالم أغلبية في الإقليم تصوت بشكل حر على (الاستقلال)، يصبح ذلك التصويت الحجر الآخر (بعد الحكم الذاتي) في طريق طويلة لدولة كردية، مع فارق مهم هو أن السلطة العراقية في بغداد لا تملك حتى جزءاً من السلطة التي كان يملكها البعث وقت توقيع اتفاق 1970.

على مقلب آخر، فإن الكرد وجدوا أنفسهم حلفاء دون حليف بعد سقوط نظام البعث عام 2003، سُلموا موقع (رئيس الجمهورية) المنزوع السلطة، كما حصلوا على بعض المقاعد في الوزارات، سرعان ما جردوا من أهمها وحتى دون احترام، كما حدث للسيد هوشيار زيباري بخروجه من الوزارة متهماً بالفساد! تشتت السلطة العراقية في بغداد له شواهد كثيرة، فالكرد يشعرون بقلق حقيقي حول تقوية وتعضيد (الحشد الشعبي) وهو قوة عسكرية ضاربة مكونة من لون طائفي واحد، عدا التصريح الصارخ الذي نقل عن السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، أن (الحشد الشعبي باق تحت سلطة الحكومة والمرجعية)! أي تحول السلطة المدنية إلى شبة (ثيوقراطية) شبيهة بالجارة إيران! لا يعتمد قيام الدولة الكردية المقبلة فقط على قدرة القيادة الكردية في المناورة، لا على ضعف الدولة العراقية المركزية التي تشتت القرار فيها، لكن أيضا تعتمد على رضا أو ضعف اللاعبين الآخرين، إيران، سوريا، تركيا. ربما الدوائر الإيرانية، إن ضمنت امتناع الدولة الكردية المقبلة في كردستان العراق عن مساعدة أو تعضيد أي حركة كردية لدى أكراد إيران، فهي في حساب المصالح، تفضل أن تحصل على العراق دون الأكراد، المثيرين للشغب، وأصدقاء الولايات المتحدة، وقتها يمكن التحكم في معظم ثروات العراق وسكانه، بل وإشاعة الحكم الثيوقراطي الإيراني ولو بطبعة عراقية! سوريا ربما يأخذ أكرادها في نهاية الأمر طريق أكراد العراق، على الأقل في حكم ذاتي، قد يتطور إن سمحت الظروف، العقدة في تركيا التي ترى وجود دولة كردية على حدودها الجنوبية مشجعاً لكردها الذين يطالبون منذ فترة طويلة بحكم ذاتي على الأقل! مسعود بارزاني (الأسد والثعلب) يمكن أن يطمئن الجانب التركي، وقد فعل بمخاصمته لنشاطات حزب العمال الكردستاني علناً، كما قدرة تركيا، أخذاً بالتطورات الصعبة في الداخل، شبه معطلة، كي تخدش بها المسير إلى الاستقلال للكرد العراقيين! الولايات المتحدة، تتمنى على مسعود بارزاني تأخير الاستفتاء لا إلغاءه، وقد رد، إن لم يكن الوقت الحالي مناسباً، فمتى الوقت المناسب؟ محاولة ذكية لاستصدار رأي من واشنطن قد يكون ملزماً في المستقبل، ويضاف إلى الحجج المتراكمة، إن هي اقترحت وقتاً آخر للاستفتاء، والاقتراح بحد ذاته إن حدث هو اعتراف بأحقية الإقليم بالاستقلال. إلا أن الطريق إلى الاستقلال الكردي ليست مفروشة بالزهور، فهناك تحديات أمنية واقتصادية سوف يواجهها الإقليم، قد يكون من بينها حرب جديدة، هذه المرة تأخذ العراق إلى قاع غير مسبوق من الصراع، تصبح معه تحرير الموصل، لعبة صغيرة. بغداد خيارتها قليلة أيضاً وتضيق في طريق استيعاب الكرد، فهي تحتاج إلى استراتيجية من ثلاثة عوامل لتحقيق ذلك الاستيعاب؛ أولاً يجب أن تقلص ومن ثم تذويب الحشد الشعبي في القوات العسكرية العراقية، ذات التعدد المذهبي والقيادة المركزية المهنية، وإبعاد قوى التشدد في قياداته إلى التقاعد، ووضع أفراده على قاعدة الاحتراف، لا التبعية، وثانياً تقليص ومن ثم التخلص من النفوذ الإيراني، الآيديولوجي والعسكري، ثالثاً بناء فضاء سياسي قريب إلى الديمقراطية! وهي ثلاثية صعبة، إن لم تكن مستحيلة، أخذاً بالوضع الحالي في بغداد. على صعيد آخر فإن العواصم التي ترى أن عراقاً شبه ديمقراطي وموحداً هو الأكثر تفضيلاً للأمن الإقليمي، عليها أن تتدخل وتساعد القوى المختلفة ومن بينها الكرد أنفسهم للانفتاح على العواصم الإقليمية للمساعدة في تجنب الطريق الأخطر.

آخر الكلام:

نشرت المجلة الملحقة بجريدة «الصنداي تايمز» اللندنية الأحد (6 أغسطس/ آب الحالي) تقريراً عن التعذيب في سجون النظام العراقي القائم، به صور وأرقام، تعيد من جديد فكرة أن المضطهدين يتعلمون من جلاديهم أسوأ عاداتهم!!

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     

أوجاع إيران في العراق

 

   أحمد الغز        الوطن السعودية
 

هل بعد أوجاع العرب في العراق وأوجاع أميركا في العراق، جاء دور أوجاع إيران في العراق؟

 

صدمت قبل سنوات عندما استمعت إلى حوار في جامعة الدول العربية بين مسؤولين كبار حول إعادة ترتيب الأولويات العربية وتحديداً الأزمات، إذ كان هناك من يعتبر أن أزمة العراق تقدّمت على أزمة فلسطين. ولم يكن الحوار عابراً، بل بمنتهى الجدية مع كمّ هائل من المعطيات والوقائع التي تقول إنّ أزمة العراق أصبحت تتقدم على أزمات العرب بدون استثناء، بما فيها قضية فلسطين التي يجمع العرب على أنها قضيتهم الأولى.

اليوم وبعد سنوات على ذلك الحوار لا بدّ من وقفة تأمّل في الحقائق والوقائع والنتائج المؤلمة التي تسبّبت فيها تداعيات العراق على الوطن العربي عموماً، والخليج والمشرق بشكل خاص، بدءاً من حرب الخليج الأولى، والتي جاءت بعد ظهور النظام الإيراني الجديد في عام 1979. وقد استمرت حرب الخليج الأولى ثماني سنوات من 1980 إلى 1988، وكانت شديدة الكلفة على العرب والعراق، كما غيّرت في طبيعة التوازنات، ومن نتائجها حرب الخليج الثانية، واحتلال صدام حسين الكويت. وكانت نتائج هذه الحرب بالغة الأثر على العرب ودول الخليج بالذات. وبذلك تكون أكلاف العراق على العرب في حرب الخليج الأولى والثانية أكبر من نكبات فلسطين ونكساتها.

عاشت بغداد سنوات عجافا بعد تحرير الكويت والحصار الذي فرض على النظام العراقي بقرار النفط مقابل الغذاء، والذي استمر اثني عشر عاماً، من 1991 إلى حرب الخليج الثالثة في 2003. خلال هذه السنوات تفكّكت الدولة والمجتمع العراقي، وحوصرت السلطة في بغداد، وسادت الفوضى في الجنوب والشمال، مما سهل عملية الاحتلال وسقوط بغداد وضياع العراق نهائياً. ودخلت القوات الأميركية والبريطانية إلى بغداد بعد أيام قليلة، وكلّف المندوب الأميركي بريمر بقيادة العملية الانتقالية، وظهرت خريطة العراق الجديد المقسّم إلى ثلاث وحدات وسط وجنوب وشمال.

عاشت أميركا أياماً صعبة في العراق. وبعد أن كانت العراق مأساة العرب أصبحت مأزق أميركا، حيث لم تستطع التحكم في العملية الانتقالية. وقد أقامت حلفاً مع إيران التي أدخلت قوات بدر الموالية لها مع القوات الأميركية. وبدأت ملامح كانتونات عراقية بالظهور، وكان أكثرها تنظيما هو إقليم كردستان. واجهت أميركا مقاومة شديدة، وخسرت حوالي 4400 ضابط وجندي، وتريليونات الدولارات، وأصبح العراق بالنسبة للأميركيين «فيتنام» جديدة. وقد بدأت أوجاع العراق الأميركية تظهر بوضوح من خلال الإعلام الأميركي. وجاء تقرير بيكر هاملتون في عام 2007 ليؤكد على الخطأ الذي ارتكبته إدارة بوش الابن باحتلال العراق، وضرورة الانسحاب وطرد المحافظين الجدد من إدارة بوش الابن. وكانت خسائر أميركا في العراق السبب الأساس في نجاح الرئيس أوباما في الانتخابات، والذي انتخب على أساس التعهّد بالانسحاب من العراق، وهذا ما كان في نهاية 2010.

اعتقدت إيران أنّها حقّقت بالخروج الأميركي من العراق حلمها الإمبراطوري، من طهران إلى شواطئ المتوسّط مروراً ببغداد ودمشق وبيروت، بالإضافة إلى عمليات الثأر القديمة والحديثة، وخصوصاً حرب الخليج الأولى. كما كانت إيران تتنعّم بالمأزق الأميركي في العراق، في حين كانت المكوّنات العراقية الأخرى تحارب الوجود الأميركي، وتحارب أيضا تنظيم القاعدة عبر صحوات العشائر. واستطاعت إيران أن تبتزّ أميركا لتغطية انسحابها في نهاية 2010 بما عرف باتفاق أربيل، والذي قضى بإقصاء علاوي الفائز بالانتخابات لمصلحة نوري المالكي التابع كلياً لإيران، والذي شهدت العراق في أيامه أخطر أنواع الفساد ومئات آلاف الوظائف الوهمية في الجيش والإدارات، بالإضافة إلى ضياع ما يزيد على 800 مليار دولار من المال العام، استخدمتها إيران في حروبها ونزاعاتها في الوطن العربي، وكانت نتيجتها سقوط العراق خلال ساعات على أيدي تنظيم إرهابي في الموصل عام 2014.

يبدأ الرئيس الإيراني حسن روحاني ولايته الثانية على إيقاع تقرير اللجنة النيابية العراقية التي اتهمت المالكي بالتسبب في سقوط الموصل على أيدي داعش. كما يواجه روحاني في العراق عملية الاستفتاء الكردي حول قيام الدولة الكردية المستقلة، وأثر ذلك على العراق وإيران، بالإضافة إلى عودة الجيش الأميركي إلى العراق والتحالف الدولي الذي حرّر الموصل وأعاد تمركزه في العراق. ويواجه روحاني أيضاً أزمة الميليشيات التي صنعتها إيران في العراق، والتي تحتاج إلى موازنة دول عظمى، بالإضافة إلى الصحوة لدى الشيعة العرب وأن إيران قد استخدمتهم لمصالحها على حساب استقرارهم وهويّتهم العربية والتي قد تضيع إذا ما ذهب الأكراد نحو الدولة المستقلة، مما سيفرض تقسيم الباقي بين السنة والشيعة العرب.

ويبقى السؤال: هل بعد أوجاع العرب في العراق وأوجاع أميركا في العراق، جاء دور أوجاع إيران في العراق؟

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     إسرائيل والأكراد

 

   برهوم جرايسي الغد الاردنية
 

 

تواردت أنباء في الأيام الأخيرة، تقول إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تدعم “حق تقرير مصير الأكراد” في العراق، بمعنى اقامة دولة مستقلة لهم. وهذا موقف حتى وإن لم يصدر رسميا عن الحُكم الصهيوني، إلا أنه متوقع، على خلفية العلاقات المكشوفة بين قيادات كردية عراقية مع النظام الصهيوني، على مر سنين طويلة. ومن الواضح أن الصهاينة لا يقلقهم “حق تقرير مصير الأكراد”، ولا القضية الكردية ككل، وإنما يبحثون دائما عن موطئ قدم ثابت لهم، في أنحاء مختلفة من العالم، كما رأينا هذا في أفريقيا، وفي شمال القارة الآسيوية وغيرها.

فإسرائيل ليس لديها موقف واحد من القضية الكردية العامة، بل موقفها عيني للأكراد في العراق، لأنها معنية بتقسيم العراق، وضمان موطئ قدم لها هناك. في حين أن موقفها الدائم، مناهض للأكراد في تركيا، بسبب العلاقة التاريخية مع تركيا. وحتى أن القوى الكردية هناك اتهمت إسرائيل في العام 1999، بالمشاركة في عملية القاء القبض على الزعيم الكردي السجين عبدالله أوجلان.

وإذا اعتمدنا تقارير تصدر من حين الى آخر، فإن إسرائيل حاضرة بهذا الشكل أو ذاك في اقليم كردستان العراق، وهي تطمح إلى أن يكون لها موطئ قدم أكبر وأوضح في هذا الكيان، القائم في واحدة من أكثر المناطق حساسية بالنسبة لإسرائيل. ولكن إسرائيل قد لا تسارع في اصدار موقف واضح وحازم في الفترة القريبة، نظرا لما ينشر عن الموقف الأميركي الداعي الى تأجيل الاستفتاء، كما أن إسرائيل معنية بالحفاظ على علاقاتها المتطورة بشكل دائم مع تركيا، خصوصا أن تركيا تبدي استعدادا واسعا لتطوير العلاقات الاقتصادية، وبشكل خاص أن تكون تركيا مركز انطلاق “للغاز الإسرائيلي” نحو أوروبا.

وليس واضحا ما إذا سيتم الاستفتاء المعلن في إقليم كردستان في نهايات الشهر المقبل، وبغض النظر عن الموقف من القضية الكردية بشكل عام، وفي العراق بشكل خاص، فإن القادة الأكراد يفقدون أي شرعية، والحق الأخلاقي في طرح مطالبهم، إذا بحثوا عن شرعيتهم لدى الصهاينة، أو تلقوا دعما منهم من أجل تحقيق أهدافهم؛ في الوقت الذي يواصل فيه الصهاينة جريمتهم بحق الشعب الفلسطيني.

لقد دأب الصهاينة على مر السنين، على وضع موطئ قدم في كل منطقة في العالم، من شأنها أن تخدم مصالحهم، ويكفي أن ننظر في العقدين الأخيرين، كيف أن إسرائيل تطور علاقاتها في أفريقيا، وفي شمال القارة الآسيوية، بالذات لدى دول جنوب الاتحاد السوفييتي السابق. ففي أفريقيا، تلعب إسرائيل على عدة مستويات، فهي تسعى للتحرك بين دول حوض نهر النيل، بهدف وضع يد على بعض مصادره، وفي مرحلة سابقة، كان الحديث عن هدف إسرائيلي للتحكم في كميات مياه النهر المتدفقة الى مصر.

كذلك رأينا دورا إسرائيليا داعما لإقامة دولة جنوب السودان، والعلاقات مع تلك الدولة ظاهرة للعيان، وما من شك أن لإسرائيل حضورا أمنيا واضحا في تلك المنطقة، التي تعتبرها “بوابة الجنوب” بالنسبة لها. كما أن إسرائيل تتحرك باستمرار في محاولة لتطوير علاقاتها مع دول مركز وجنوب أفريقيا، وتسعى هناك إلى إبرام اتفاقيات تعاون معها، خصوصا في المجال الزراعي والتكنولوجي، ومن ضمن أهدافها هناك، كسر المواقف التقليدية لعدد من تلك الدول، دعما للقضية الفلسطينية، بهدف كسر الموازين السياسية القائمة في الهيئة العامة للأمم المتحدة، وغيرها من الأهداف.

كذلك نقرأ من حين الى آخر، عن حراك إسرائيلي في عدد من الجمهوريات الجنوبية في الاتحاد السوفييتي السابق، وهي ترى أن حضورها السياسي والأمني هناك، من شأنه أن يساعد في تثبيت موطئ قدم على الحدود الشمالية لدول إيران والباكستان وأفغانستان.

وإذا ما استعرضنا تلك الدول، نجد أن الصفة الجامعة لها، كونها دولا صغيرة أو فقيرة، تحتاج إلى دعم، ليس بهذا القدر المُكلف للكيان الإسرائيلي، ولذا فإن إسرائيل تسعى لتسد بعض احتياجات تلك الدول. فإذا كنا نقول حتى الآن من باب السخرية، إن إسرائيل تحظى في الهيئات الدولية بدعم أكبر دولة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، وأصغر دولة ميكرونيزيا، فقد لا نستغرب حينما سنرى أن هذه القائمة تزداد بأسماء عدة دول، من دول “الظل”، إن صح التعبير.