ست مقالات عن العراق بالصحف العربية

1 مرحلة جديدة من الصراع الأمريكي ـ الإيراني على العراق افتتاحية

 

القدس العربي

بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى واشنطن حدث تطوّر لافت تمثّل بزيارة صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر برفقة رئيس هيئة الأركان الأمريكية جوزيف دانفورد إلى بغداد في 4 نيسان/إبريل الجاري.

يكشف اختيار جاريد وكونه من الحلقة الضيّقة المقرّبة من ترامب ومرافقة رئيس الأركان له (وحديثه قبل الزيارة مع قائد سلاح البحرية) اهتماماً كبيراً من الإدارة الأمريكية بالملفّ العراقي ولكنه، بالتأكيد، يتجاوز مسألة المعارك العسكرية الجارية مع تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تدخل الحملة ضدّه في الموصل شهرها السابع، فابتعاث كوشنر يدلّ على خطط استراتيجية تتعلّق بإعادة تشكيل الدولة العراقية بعد انتهاء دخان المعارك، وعلى الأخص، بوزن إيران الثقيل في مجريات الأحداث بما يفيض حتى عن العراق ويمتدّ إلى سوريا ولبنان واليمن.

وحسب تقرير لأحد مراسلي «القدس العربي» في العراق ينشر اليوم فإن زيارة كوشنر للعبادي بحثت بشكل دقيق ومباشر «إجراء إصلاحات جذرية في بنية العملية السياسية» وأن الوفد الأمريكي قدّم معلومات استخباراتية خطيرة ضمنها قائمة تضم 610 اسماء لضباط في وزارتي الداخلية والدفاع «على علاقة مع إيران» يشكّلون كياناً موازياً للحكومة العراقية ويقودهم عراقيّاً نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي وإيرانياً قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، يضاف إليهم مدراء عامون ورؤساء مؤسسات مسؤولون عن الوزارات السيادية تابعون لهذا الكيان الموازي وينسقون مباشرة مع إيران و»الحشد الشعبي».

المعلومات الاستخبارية تحدّثت أيضاً عن دور لـ«حزب الله» اللبناني يعمل على التخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال لتصفية عدد من القيادات السنية والشيعية المعارضة للنفوذ الإيراني في لبنان وعلى رأسهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهي أخبار تتخذ مصداقية، إذا قاطعناها مع ما كان يقوله ويفعله الصدر في الأسبوعين الماضيين، من توقّعه لاغتياله إلى تسليمه المسؤوليات، بما يشبه وصيّة الوفاة، لقادة تياره.

زيارة كوشنر وملامح التطوّرات العسكرية والسياسية في العراق (والمنطقة العربية المحيطة) مؤخراً تدلّ على تصعيد متوقّع في إيقاع الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وأدواتها الكثيرة جدّاً داخل الدولة العراقية وضمن «الحشد الشعبي» والطاقم السياسي والأحزاب العراقية عموماً.

ليس من المتوقع لنتائج هذا الصراع أن تتضح سريعاً وذلك لعمق التغلغل الإيراني ضمن المؤسسات الحاكمة والفاعلة، وهو لا يمكن أن يحسم عسكريّا واستخباراتياً بل يحتاج إلى حاضنة شعبيّة عراقية تؤيده.

الصراع، من جهة أخرى، سيضطر أطرافاً كثيرة، بمن فيها رئيس الوزراء العراقي نفسه، إلى إيجاد موقع ضمن خارطة الاستقطاب، وهو أمر سيتحسّب العبادي له كثيراً قبل أن يتخذ قراراً بركوب أمواجه الخطرة رغم أنه أحد أهم المتضررين حيث أن المعلومات المذكورة تشير إلى أن إيران قامت عمليّاً بإلغاء دوره وحوّلته إلى «مختار» شكليّ لوضع الأختام ولا يملك أي سلطة سيادية حقيقية على وزاراته.

 

2 لصقة إرهاب ما بعد «داعش» جاهزة للاستخدام الآن

 

هيفاء زنكنة

 

 

 القدس العربي
هناك ظاهرة قد تبدو غريبة، حول علاقة « الشراكة» بين النظام العراقي، والادارة الأمريكية، تتبدى بأكثف صورها، في شهري آذار / مارس و نيسان / أبريل، من كل عام. ففي كل عام، خلال الشهرين المذكورين، بالتحديد، تتصاعد حرارة التواصل بين الطرفين، بشكل يذكرنا باللقاءات الدافئة التي سبقت غزو واحتلال العراق عام 2003. حين كان استقبال « المعارضين المظلومين» في البيت الابيض ووزارة الخارجية الأمريكية، طقسا ينتهي، عادة، بالتقاط الصور التذكارية الموثقة للحظة اخصاب العدوان والتبشير بولادة « العراق الجديد». هذه العلاقة الحميمة المعقدة بين الذات الاستعمارية والذات الخانعة المرحبة بالاستعمار، علاقة الحب – الكراهية، الحاجة – النبذ، يعيشها الطرفان، منذ 14 عاما، أما عبر اتصال هاتفي ( عن مبعدة) أو باستدعاء رئيس وزراء النظام مع حاشيته إلى واشنطن، للتأكد من بقاء المولود، الهجين، المشوه حيا وللاحتفال بذكرى تفكيك دولة ورسم خارطة جديدة تتماشى مع مصلحة صناعة ألقوة العسكرية الأمريكية.

ففي 7 نيسان/ابريل من العام الحالي، مثلا، في ذكرى غزو بغداد، تلقى العبادي اتصالا هاتفيا من نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس. الذريعة : لمناقشة سير معركة الموصل والانتصارات المتحققة. تبادل الاثنان التهاني بصدد « الانتصارات المتحققة في الموصل وتطور القدرات القتالية للقوات العراقية». طمأن العبادي « شريكه» قائلا « اننا اقتربنا من تحقيق النصر النهائي». وأمتدت نشوة العبادي يومين بعد المهاتفة فتبجح قائلا في لقاء مع القادة الأمنيين: « إن العالم معجب بانتصارات العراقيين. وان البعض يراها معجزة». لم يتساءل أي من الحاضرين بوجوههم المكفهرة عن أي معجزة يتحدث العبادي. فهم يعرفون جيدا، كما يعرف أهالي الضحايا، ان القتلى من كل الجهات يتساقطون بسرعة بحيث لم يعد بالامكان احصاؤهم، ولم تعد المقابر تتسع لاستقبالهم. وان عدد ضحايا قصف « الحلفاء» وصواريخ الجيش ومليشيا الحشد من المدنيين اضعاف ضحايا « الإرهاب». وهذه حقيقة تؤكدها التقارير الدولية المعنية برصد ضحايا القصف بانواعه، ومن بينها منظمة « الحرب الجوية». اذ قامت قوات التحالف بقصف العراق 11 ألفا و 674 مرة خلال 980 يوما، أي بمعدل اكثر من 10 غارات جوية، يوميا، خلال السنين الثلاث الماضية. شمل القصف مدنا عدة وان تركز على محافظتي الانبار ونينوى. وبلغت كمية القنابل والصواريخ الموجهة في كل من العراق وسوريا 76 ألفا و649 قنبلة وصاروخ. فهل كان ما يعنيه العبادي، عند حديثه عن اعجاب العالم بالعراقيين هو اعجابه بقدرتهم على تلقي القنابل والصواريخ من اجل سواد عيون تجار السلاح ومن يتقاضى العمولات من ساسة النظام العراقي؟

واذا ما عدنا بالذاكرة إلى العام الماضي، لوجدنا ان العبادي تلقى، في 8 مارس/ آذار، اتصالا هاتفيا من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن. جرى خلال الاتصال « استعراض التقدم الميداني للقوات العراقية «. وفي 4 نيسان / أبريل 2015، تم استدعاء العبادي إلى واشنطن، لطمأنة الادارة الأمريكية على سلامة « الوليد». لم يخيب العبادي أمل الرئيس أوباما. بل رفع من معنوياته مؤكدا « ان العراق حقق انتصارات مهمة، وان كان يواجه هجمة شرسة من الإرهاب الذي يهدد المنطقة والعالم «. موضحا ان العراق يحارب « الإرهاب» بالنيابة عن المنطقة والعالم. فكانت مكافأة العبادي لدفاعه عن أمن أمريكا، حتى آخر عراقي، مبلغا قدره 200 مليون دولار. وجاءت المكافأة كخطوة، متعمدة، مهينة لرئيس وزراء بلد غني، كان احد اسباب احتلاله هو ثروته وغناه، ووصلت فيه ميزانيته 110 مليارات دولار أي مجموع ميزانيات أربع دول مجاورة. برر الرئيس اوباما منح العبادي المبلغ بانه مساعدة للنازحين. وهي الاكذوبة التي قدمها العبادي في اجتماع القمة العربية في 29 آذار/مارس، قائلا : « لقد باشرنا وبمساعدة المجتمع الدولي بتنفيذ برنامج اعادة النازحين الذين هجرتهم داعش إلى مدنهم المحررة «، متناسيا انه في 8 آذار/مارس 2016، كان قد ذكر الشيء ذاته. ردا عليه، لنقرأ ما تقوله منسقة منظمة أطباء بلا حدود جيرالدين دوك في 11 نيسان/ابريل 2017: « يقطن مخيم العلم الذي يقع على مقربة من تكريت نحو 8,000 شخص… وهناك تتمايل الخيام التي تدفعها الرياح القوية تحت سماء رمادية داكنةٍ كالفولاذ. يرتدي الأطفال صنادل وملابس خفيفة. الناس في وضع صعب للغاية… يتميز المناخ هنا بقسوته، إذ تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر شتاءً في حين تكون الشمس حارقةً خلال الصيف. يعيش الناس في الخيام وينامون على الأرض أو على فرش رقيقة… لقد علق نازحو العراق بين المطرقة والسندان، فظروف المعيشة في المناطق الأكثر أمناً التي يفرون إليها بعيدةٌ كل البعد عن أن تكون الأفضل، كما يصعب عليهم العودة نظراً لاستمرار تدهور الأمن وغياب متطلبات الحياة الأساسية». لذلك نشهد اليوم أن اهالي الموصل يفضلون تفادي اللجوء والبقاء في بيوتهم المهدمة المعرضة للقصف على مهانات المخيمات وتسلط الميليشيات او لصوص قوات السلطة.

في ظل هذه المأساة الإنسانية، وفي ظل تبادل التهاني والتبريكات أو الاكاذيب والتلفيقات بين الادارة الأمريكية والنظام العراقي، وفي ظل استشراء قوة الميليشيات المدعومة إيرانيا على الحياة اليومية للمواطنين، والتهديد بانفصال اقليم كردستان، وتصاعد النفوذ الصهيوني، يتم التعامي الكلي محليا ودوليا عن حملات الاعتقال والمداهمة المستمرة التي يتعرض لها المواطنون وطالت في شهر آذار 641 مواطنا بالاضافة إلى 35 حالة قتل رافقت الاعتقالات، حسب قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين. ويستند الاحصاء بجداوله الدقيقة على بيانات وزارتي الداخلية والدفاع الحاليتين؛ ولا يشمل الاعتقالات التي تقوم بها وزارة «الأمن الوطني»، ومكاتب مكافحة «الإرهاب»، أو تلك التابعة لمكتب رئيس الحكومة، وهي اعتقالات نوعية يجري التكتم عليها عادة. وكذلك لم يشتمل الإحصاء على الاعتقالات غير المعلنة التي تقوم بها عناصر الصحوات، والميليشيات والأجهزة الأمنية الكردية بمسمياتها المختلفة الأسايش، والباراستن، والزانياري. ترى كيف يبرر الطرفان الأمريكي والعراقي الاعتقالات، ومعظمها عشوائي، التي تطال حوالي 20 الف مواطن سنويا أم ان لصقة إرهاب تنظيم ما بعد داعش جاهزة للاستخدام؟

3   فتحي وأخوه والهلال الشيعي

 

 سوسن الشاعر الوطن البحرينية
أنصار محور الشر، أنصار مشروع «الهلال الشيعي» حزب الدعوة بجميع أجنحته السياسية والإعلامية والدينية، أصبحوا معروفين وبالاسم في مملكة البحرين، خاصة بعد أن فشل المشروع وسقط مهشماً على أسوار قلعة البحرين العتيدة، لكنهم مازالوا يحاولون محاولات يظنون أنها بعيدة وغير مرئية وغير مكشوفة، يجهدون ويتعبون و«يتحفظون» الدرس، إنما ومن أول كلمة ينطقون بها ينكشفون بشكل مضحك، ذكروني بقصة طريفة رواها ممثل كوميدي مصري، سئل هل كنت ذكياً في المدرسة؟ فروى هذه القصة ليجيب إن كان ذكياً أم لا، يقول أنا وأخي كنا نتمنى أن نكون أعضاء في نادٍ مرموق ولم تكن لدينا القدرة على الاشتراك في النادي فطلبنا من ابني عمنا أن نأخذ بطاقتي عضويتهما سلفاً ليوم واحد، وندخل للنادي على أننا هم، وطوال الطريق «أتحفظ» أنا وأخي من منا أحمد ومن منا محمود حتى إذا سألنا أحد تمر الخدعة بسلام، وحين وصلنا للبوابة وقدمنا البطاقات ونحن نتصرف بكل ثقة وهدوء، سألني الحارس من منكم أحمد فأجبت بسرعة وأنا أشير لأخي، «أخويا فتحي هو أحمد»!! الجماعة هنا يتحفظون ويجهدون ويتعبون في رسم خطة الحريص على الشعب الأمريكي والخائف عليه من تهور ترامب، الصحيفة «إياها» كلها مسخرة بالأمس للتحذير والتنبيه من خطر ترامب، ومن احتمال أن يتمرد الشعب الأمريكي على رئيسه غير المرغوب فيه، ويحذرون من تهور ترامب الفظيع الذي ممكن أن يؤدي إلى كارثة أممية و و و، على أساس أن تلك المخاوف هي خوف على الشعب الأمريكي، لكنهم في محاولتهم لإخفاء السبب الحقيقي لتلك الحملة على ترامب بالضبط مثل فتحي وأخيه يتحفظون الدرس طوال الطريق لإخفاء الخدعة، ومن الحرف الأول تنفضح النوايا أن الخوف لا على الشعب الأمريكي ولا على أمريكا بأسرها، من أول حرف ينفضح «فتحي وأخوه» من أول حرف نعرف كلنا أن الخوف الحقيقي هو على مشروع «الهلال الشيعي» الذي تبخر مع راعيه الرسمي والذي ذهب إلى غير رجعة، إذ بعد أن أعدوا العدة ورسموا الخطة وأمنوا الرعاة الرسميين وتحفظوا لسنوات إن لم يكن لعقود ما سيقولون إن سئلوا، تكسر الحلم تحت أقدام الشعب البحريني الوفي وعلى أسوار قلعة البحرين العربية المنيعة، فانكشفت فضيحتهم وانكشف تآمرهم واليوم مازالوا «وذلك يعود لمستوى الذكاء» يظنون أنهم لم ينكشفوا ولم ينفضحوا، تماماً كالمرأة التي أرادت أن تستر وجهها فرفعت فستانها وغطت به وجهها.

 

انتهى الدرس يا غبي ذلك أمر لا بد أن يعوه، أفعالكم وأقوالكم مفضوحة من الحرف الأول، والدرس انتهى والأقلام جفت والصحف طويت، وشعب البحرين موجود والعالم كله يؤيد هذا الشعب وحريته، وأوباما راح وترامب موجود، وإيران أصبحت مهددة ومشروعها الذي صرفت عليه المليارات يتبخر أمام أعينكم لأنها ولله الحمد اعتمدت على فتحي وأخيه لذلك فشل المشروع.

 

4  

معركة الفلوجة الأولى.. تاريخ مشرّف ومستقبل غامض (2-2)

 د. محمد عياش الكبيسي    العرب القطرية
لقد كان النصر الذي حققه أهالي الفلوجة مفاجئاً ومذهلاً للجميع، وقد شعرت الأمّة العربيّة والإسلامية حينها بردّ اعتبار كرامتها بعد الجرح العميق الذي أصابها بسقوط بغداد، حتى قال لي رئيس أكبر جماعة إسلامية في تونس: «الكعبة قبلتنا في الصلاة، والفلوجة قبلتنا في المقاومة»، وبزيارتنا للرباط رأينا الجماهير في تجمع كبير للعدالة والتنمية تهتف وتغنّي للفلوجة، وقد أبكتني إحدى الأخوات هناك، حينما خلعت ما معها من حليّ وقالت، هذا لأهل الفلوجة، أما دول الخليج وسوريا والأردن وفلسطين فقد كان النصر نصرهم والفخر فخرهم.

بهذه الروح كان أهل الفلوجة يتعاطون مع الإنجاز الذي حققوه، ولم يكن مقبولاً لديهم أن «يلوّثوا» هذا الإنجاز بمكاسب سياسيّة أو «دنيوية» على حدِّ تعبير أحد مشايخهم!

كانت هناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى جواب، مدينة الفلوجة تحررت نعم، ولم يبق فيها أميركي واحد، لكن ماذا بعد؟ ماذا عن بغداد والمحافظات الأخرى؟ ماذا عن الشيعة والأكراد، والذين يرى غالبيتهم أن الاحتلال الأميركي خلّصهم من ألدّ أعدائهم، بل ماذا عن الفلوجة نفسها؛ كيف ستعيش، كيف ستنظّم أمور حياتها وخدماتها ورواتب موظفيها، ماذا لو طال أمد الاحتلال، ماذا لو تمكن الاحتلال من تشكيل حكومة قويّة في بغداد بمعزل عن أهل الفلوجة وعن أهل السنّة جميعاً؟ هذه الأسئلة لم يكن المزاج العام يستسيغ طرحها لأنها قد تفسد نشوة النصر!

في تلك الأيام قررت الذهاب إلى هناك، حاول سائق السيارة أن يجد طريقاً فرعياً للدخول إلى المدينة من جهتها الشمالية، لأن الجيش الأميركي قد قطع الطرق الرئيسية التي تربط الفلوجة ببغداد والرمادي، كنت أشعر بالإذلال المتعمّد، وأقلقني كثيراً الخوف على مستقبل المدينة، صحيح أن عمليات المقاومة كانت تتصاعد في كل الأنبار والمحافظات السنّية الأخرى، لكن لم تكن لتصل إلى مستوى القدرة على طرد الأميركان وإزاحتهم عن الطرق الخارجية، وصلت إلى داخل المدينة فرأيت عالَماً آخر، المآذن لا تكف عن التكبير بمناسبة وغير مناسبة، والناس في فرح غامر، وهم يشعرون باسترداد عزتهم وكرامتهم، ذهبت إلى مقبرة الشهداء فوجدتها أشبه ما تكون بعرس دائم، الناس يتفاخرون؛ هذا قبر أخي، هذا قبر ابن عمي، وكل واحد يروي لك قصّة وهو في غاية الفخر والابتهاج.

التقيت هناك اثنين من وجهاء المدينة ممن كان لهم دور بارز في المفاوضات، وفي «إجبار الجيش الأميركي على الانسحاب بطريقة مذلة»، فوجدتهما لا يختلفان عن المزاج العاطفي العام الذي يكسو المدينة كلها، لا يرغبان في الحديث عن المستقبل، ولا عن شكل الدولة التي بدأ الأميركان بتشكيلها، وما موقفنا من الجيش والمؤسسات الأمنية التي أخذت تتشكل على عين المحتل ومن المكون الشيعي فقط، والتي شاركت فيما بعد مع الأميركان بتدمير الفلوجة.

لقد كان بإمكان أهل الفلوجة أن يفرضوا شروطاً عملية وطويلة الأمد، متعلقة مثلاً بالدستور والجيش وميزانية الدولة والتعليم والخدمات، ولقد كان بإمكان الدول العربية أن تستثمر هذا النصر، وأن يكون لها سياسة فاعلة في العراق في مقابل التغول الإيراني، لكنه من المؤسف أن الأمور لم تتجه في النهاية إلا لصالح إيران.;

 5     احتواء الأزمة مع بغداد

 

   فهد الخيطان الغد الاردنية
 

سلوك عبثي من بضعة أشخاص، كان سيؤدي إلى أزمة دبلوماسية مع الحكومة العراقية، لولا التدخل السريع والفعال من الحكومة ممثلة بوزير الخارجية أيمن الصفدي.

الحكومة والأجهزة المختصة أخذت على عاتقها تطبيق القانون بحق من تورطوا في أفعال يعاقب عليها القانون الأردني، والوزير الصفدي تولى احتواء رد الفعل العراقي باتصالات مع نظيره إبراهيم الجعفري، الذي أبدى حرصا شديدا على تطويق الحادثة، والمحافظة على زخم العلاقات المتنامية بين الجارين الشقيقين.

ثمة من سعى لخلط الأوراق واستغلال التوتر في العلاقات الأردنية الإيرانية، لتعطيل خطوط التعاون والتقارب بين عمان وبغداد.

في قضية التصريحات المسيئة لمسؤول في الخارجية الإيرانية، جاء رد الحكومة بالمستوى المطلوب، دون أدنى رغبة بتصعيد الأزمة مع طهران، لاعتبارات كثيرة يطول شرحها.

العراق لم يكن طرفا في المشكلة أصلا، وظهور أصوات عراقية مناهضة لعلاقات حكومة العبادي مع الأردن، لايبرر ردودا استفزازية تضع كل المكونات السياسية العراقية في سلة واحدة.

الأردن يلعب وبطلب من أطراف عراقية مهمة دورا بارزا في جهود المصالحة الوطنية. ومنذ أشهر توافد قادة عراقيون بارزون للقصر الملكي للطلب من الملك عبدالله الثاني بما يمثل من مكانة لدى جميع الطوائف العراقية، رعاية تلك الجهود، والتوفيق بين الأشقاء لإنجاز المصالحة المنشودة.

وبين البلدين حزمة كبيرة من المصالح المتبادلة وعلى جميع المستويات، لايمكن التفريط فيها. العراق أحد أهم المستفيدين من دور الأردن في الحرب على الإرهاب، والتعاون بين البلدين في هذا المجال لاحدود له. والبلدان معنيان بإنجاز مشروع مد أنبوب النفط من البصرة للعقبة، لما له من فوائد اقتصادية للطرفين.

وعلى المستوى الاقتصادي ثمة رغبة مشتركة بتجاوز المشكلات الأمنية لاستئناف حركة التبادل التجاري والنقل البري بين عمان وبغداد. القطاعات الصناعية والتجارية الأردنية تعد الأيام لفتح معبر الكرامة وعودة النشاط الاقتصادي.

المصالح المتبادلة كثيرة ويصعب حصرها، وفي إقليم تعم فيه الفوضى من حولنا، لانملك في الأردن ترف التضحية بأية فرصة لتطوير علاقاتنا مع الدول الشقيقة والصديقة، لتعويض الخسائر الخيالية للأوضاع الأمنية المتدهورة من حولنا.

حكومة بغداد الحالية أظهرت رغبة كبيرة بتطوير التعاون مع الأردن، ورد رئيس الوزراء هاني الملقي على مبادراتها بشكل مماثل، فزار بغداد قبل أشهر قليلة، وذلل العقبات أمام توسيع قاعدة التعاون بين البلدين وتسريع خطوات المشاريع المشتركة، خاصة أنبوب النفط الذي نقترب من التوقيع على اتفاقيته.

ينبغي على الحكومة أن لا تسمح بأن تكون المصالح الاستراتيجية العليا للدولة عرضة للتلاعب من أصوات مراهقة وعدمية. لا شأن لنا بتوجهات الحكومة العراقية وتحالفاتها الإقليمية والدولية. هل نسمح نحن في الأردن لأحد من الخارج أن يحاسبنا على خياراتنا وتحالفاتنا الخارجية؟!

لقد كان الأردن على الدوام قادرا على إدارة مصالحه مع دول الجوار رغم تباين السياسات واختلافها. علينا أن نحافظ على هذه الميزة ولانفرط فيها. العلاقات بين الدول تقوم على المصالح لا العواطف والأمجاد الغابرة.

 

 6     هذا هو ما أغضب «العراق» !

 

   صالح القلاب

 

 الراي الاردنية    
 

 

لأنه يُعتَبرُ رمز الشعب وأي شعب في الكرة الأرضية فإنه لا يجوز حرق علم أي دولة أو تمزيقه أو ركله بالأقدام والإساءة إليه مهما فعلت هذه الدولة ومهما أساءت الدولة المعنية والمقصود هنا تحديداً هو ما قيل عن إساءات محتجين أردنيين على إيران وعلى السياسات والتصرفات الإيرانية في هذه المنطقة وتدخلها، تدخلاً سافراً عسكرياً وسياسياً، في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية كسورية والعراق واليمن وأيضاً في لبنان.

 

وهنا، في هذا المجال، فإنه مقبول من الأشقاء العراقيين الذين نحرص على علمهم حرصنا على العلم الأردني، بألوانه الأربعة ونجمته السباعية، أن يحتجوا وأن يعربوا عن غضبهم بالطرق الأخوية المتبعة بين الدول الشقيقة … وأيضاً الصديقة إذا كانت مجموعة المحتجين في مدينة المفرق:(الفدين) الأردنية قد أساءت فعلاً للعراق ولشعبه وعلمه.. فهذا مدان ومرفوض وغير مقبول على الإطلاق وذلك مع أن السفارة الأردنية في بغداد قد هوجمت مراراً بعد تحولات عام 2003 ومع أن عَلَم الأردن قد أنزل من فوقها وأسيء إليه وإلى الأردنيين لكن هذا لم يتم التوقف عنده على اعتبار أن هناك «إنفلات أعصاب» وأن المسيئين بتصرفاتهم السيئة لا يمثلون لا الشعب العراقي الشقيق والعزيز ولا الدولة والحكومة العراقية .

 

وهكذا فإن من احتج رسمياًّ على ما أُعتبر إساءة للعراق الشقيق في حادثة مدينة المفرق وتم استدعاء القائم بالأعمال الأردني في بغداد إلى الخارجية العراقية في إطار هذا الإحتجاج، لا بُّد وأنه قد سمع بـ»حملات الردح» التي استهدفت الأردن، المملكة الأردنية الهاشمية، والتي بالإضافة إلى إيران «المعممة» الرسمية وحسن نصر الله قد شارك فيها نوري المالكي الذي يقود أكبر تجمع بقي الحكم وبقيت السلطة في يده عملياًّ منذ وضع المندوب السامي بول بريمر القواعد الجديدة لـ «اللعبة الجديدة» في هذا البلد العربي والذي سيبقى عربياً إلى الأبد…إلى يوم القيامة !!.

 

هناك مثل عربي يقول:»إن المشكلة ليست مشكلة رمانة.. وإنما مشكلة قلوب مليانة» فهذه الغضبة الغضنفرية على الأردن ليس سببها في الحقيقة ما فعله شباب صغار في مدينة المفرق احتجاجاً عفوياً على استهداف إيران «المعممة» الرسمية لبلدهم وللرموز الأردنية التي يعتبرونها مقدسة… وهي كذلك وإنما على ما اعتبره الإيرانيون تحولاً في الموقف الأردني تجاه الأزمة السورية .

 

لقد بقي الأردن وعلى مدى الستة أعوام الماضية يتخذ موقفاً «عقلانياً»، كما يقال، تجاه الأزمة السورية التي بقيت تزداد تفاقماً ومأساوية بسبب التدخلات الخارجية ومن بينها بل في طليعتها التدخل الإيراني الذي تجاوز كل الحدود واتخذ هيئة الإحتلال المباشر والعمليات الإستيطانية الفعلية التي لا يستطيع أيٌّ كان إنكارها كما أنه اي الأردن بقي يؤكد ويدعو ولا يزال على أنه لا حلول لهذه الأزمة إلا الحلول السياسية .. لكن وعندما تجاوز نظام بشار الأسد كل ما يمكن احتماله والسكوت عليه فقد كان لا بد من موقف حاسم وحازم ولا بد من اعتبار أن جريمة استخدام هذا النظام للأسلحة الكيماوية المحرمة دولياًّ ضد أطفال وأهل بلدة خان شيخون «يبرر» الضربة الصاروخية الأميركية على مطار «الشعيرات» العسكري.. وهكذا فإن هذه الحقيقة وأن هذا هو سبب غضب بعض الأشقاء من كبار المسؤولين العراقيين!!.