خمس مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الجمعة

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 العراق يبقى عربياً

 

فاروق ألبي

 

الوطن البحرينية
 

دائماً ما كان العراق صرحاً شامخاً للأمة العربية وكان في أحيان كثيرة هو الناطق بلسان هذه الأمة، وجداراً حامياً لمنطقتنا تحطمت عنده حملات عديدة قادمة من بلاد الفرس التي لطالما طمعت بالعراق وبالسيطرة عليه ومنه يكون منفذاً لها للإطباق على دولنا العربية.

 

ولكن للأسف هذا الصرح الشامخ هوى منذ احتلال بلاد الرافدين من قبل القوات الأمريكية قبل نحو 13 عاماً، فتهاوت معه أمتنا وسُلم العراق على طبق من ذهب لإيران بعد اتفاق مع الأمريكيين، ومنه تغلغل العدو الإيراني إلى سوريا ولبنان، فإيران ونظام حكمها الفاشي الصهيوطائفي نظام مريض لم ينجح في حكم بلاد فارس نفسها فكيف ينجح في حكم العرب؟

 

لقد سعى النظام الإيراني للسيطرة على العراق ومحاولة إبادة السنة هناك تحت أعذار عديدة، وطمس الهوية العراقية العربية الأصيلة من خلال تجنيس العديد من الإيرانيين، وطبعاً لا يروق بال إيران إلا بعد أن تشعل الفتنة بين العراقيين سنة وشيعة، فهذا ما تجيده إيران في أي دولة تسيطر عليها وهذا نهج واستراتيجية النظام الإيراني الذي لا يحب من يخالفه الرأي والمذهب بل ويسعى إلى تصفية كل معارضيه.

 

ولأن نظام «الولي الفقيه» ليس نظاماً ناجحاً لحكم دولة وإدارة شؤونها، فمن الطبيعي أن تنهار الدولة التي هذا حكمها وكان ذلك في العراق بعد السيطرة الإيرانية عليه، حيث لم يخدم النظام الإيراني العراق وشعبها في أي شيء بتاتاً بل إنه زاد الطين بلة، وساهم في زيادة حده الاحتقان الطائفي، وانهيار البنية التحتية، هذا بالإضافة إلى الخراب والدمار والقتل والتشريد الحاصل بالعراق بسبب التدخل الإيراني.

 

إن الفرس لم ولن ينجحوا في «فرسنة» العراقيين بل العكس هو الصحيح، فالفرس يستعربون ولكن العرب لا يتفرسنون، ويشهد التاريخ على صحة ذلك، فالعراق حتى وإن سيطرت عليه بلاد فارس فإن عروبته تطغى على كل محاولات الفرس لجر العراق نحوه فلم ولن ينجحوا في فرسنة العراق، ومن أجل ذلك كان لا بد من وقفة عربية مع العراق، لانتزاعه من أيدي الفرس وإعادته إلى مكانه ومكانته الطبيعية وهو بين أشقائه العرب، وقد تم ذلك بالفعل خلال الأيام الماضية عندما تابعنا تحركات إيجابية من دول السعودية والبحرين والإمارات مع العراق منها زيارة زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر لكل من السعودية والإمارات، وكذلك زيارة وزير خارجيتنا معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة إلى جمهورية العراق الشقيقة ولقاؤه مع فخامة الرئيس العراقي الدكتور فؤاد معصوم، ورئيس وزرائه الدكتور حيدر العبادي، فكل هذه البوادر من شأنها أن تصب في مصلحة العراق وشعبه أولاً، وبحجم العلاقات التجارية بين الجانبين من خلال إقامة المشاريع الاقتصادية المشتركة في سبيل إنعاش العراق وإخراجه من وضعه الاقتصادي الحرج في وقتنا الحالي.

 

إن محاولات إيران السيطرة على العراق ومساهمتها في تدميره وإثارة الفتنة والطائفية فيه سوف تفشل وتزول تدريجياً عاجلاً أم آجلاً، وعلى العراق وشعبه العربي أن يبتعد عن «الخبث الإيراني» من أجل أن يعود ويستمر في التحسن على جميع المستويات والأصعدة السياسية والاقتصادية وغيرها خلال السنوات القادمة ليصبح العراق دولة متطورة.

 

ونحن نأمل خيراً في الجهود المباركة للدول الخليجية الثلاث لإخراج العراق وشعبه الشقيق من المشاكل الطائفية، وتدهور الحياة وتدني مستوى المعيشة الذي تسببت به إيران ومن ساندها من بعض العراقيين الذين خانوا وطنهم وتنكروا لعروبتهم وارتموا في حضن إيران، ولكن العراق لطالما كان وسيبقى عربياً ولن يكون أبداً غير ذلك، وإيران ونظام «الولي الفقيه» فيها لم ولن ينجح في العراق لأنه باختصار نظام ليس له علاقة بمفهوم الدولة المدنية المتحضرة.

 

* مسج إعلامي:

 

لطالما عشقنا العراق كبحرينيين ونحن ندرك أيضاً أن العراقيين يعشقون هوى البحرين، وهذه العلاقة هي نموذج للعلاقات العربية العربية، وما تعنيه الأخوة بين العرب لذلك هذه الرابطة الأخوية القوية والتاريخية التي لا يمكن أن تزعزعها إيران أو تنال منها، وعليها أن تدرك أن العراق بلد عربي وليس محسوباً على إيران ونظامها الفاشي الاستعماري الصهيوطائفي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 صلاح الدين الأيوبي بين الهجاء المذهبي والتقييم الموضوعي

 

علاء اللامي

 

 

 الاخبار اللبنانية
 

 

هناك خطاب ينظر إلى صلاح الدين كحاكم ظالم انقلب على الدولة الفاطمية الشيعية التي استعانت به ضد الصليبيين (من الويب)

 

تفاقمت في الآونة الأخيرة حملة تشنيع وهجاء ضد بعض الشخصيات التاريخية العربية الإسلامية من فترة العصر الإسلامي المنتهي رسمياً بسقوط بغداد إثر الغزو المغولي سنة 1258م/ 656 هـ. وقد جاءت هذه الحملة المستمرة متساوقةً مع واقع وعوامل الاستقطاب والصراع الطائفي الشيعي السني البالغ حد الاقتتال الفعلي والقتل على الهوية الطائفية في العراق بعد احتلاله من قبل القوات الأميركية والغربية الحليفة لها سنة 2003، ومتزامنة مع تفاقم جرائم وانتهاكات تنظيم «داعش» التكفيري ضد جميع الطوائف والمذاهب الدينية المسلمة وغير المسلمة.

 

وضمن هذا السياق تصاعدت في الآونة الأخيرة حملة شرسة في بعض وسائل الإعلام العراقية والعربية ذات التوجهات الطائفية من صحف وقنوات فضائية ضد شخصية تاريخية مهمة في تاريخنا العربي الإسلامي هو صلاح الدين الأيوبي، قاهر جيوش الفرنجة ومحرر بيت المقدس. يمكن القول إن أفضل وأجدى منهج تاريخي يمكن الرد بواسطته على هذه الحملة الظالمة وغير الموضوعية هو منهج التحليل التاريخي الاجتماعي السياقي بعيداً عن الرد بالمثل عبر هجاء مضاد. وكان الباحث العراقي الراحل هادي العلوي قد كتب دراسة مطولة وموثقة قرأ فيها تحليلياً وتوثيقياً سيرة وشخصية صلاح الدين الأيوبي وفق منهجه التاريخي المتميز. أي أنه يقرأها ويفكك جوهرها كما هي في حقيقتها وداخل سياقها التاريخي، ووفق ما تراكم حولها من وثائق ونثر تاريخي مكتوب وروايات شفاهية في الفولكلور الشعبي… إلخ ولذلك فستكون هذه الدراسة مهمة وسنتوقف عندها مقتبسين ومستلهمين.

لقد خرج العلوي على هذه المنهجية الذاتية المضلِّلة ذات النزوع السلفي الطائفي، والتي تنظر إلى صلاح الدين الأيوبي كـ«مجرم مماثل لطاغية كصدام حسين» كما تفعل البروباغندا المذهبية السلفية على ألسنة إعلاميين وأساتذة جامعيين ومحرضين سياسيين عاديين، سنتوقف نقدياً عند نموذج محدد منهم؛ أو النظر إليه كزعيم معصوم من الخطأ والزلل ومدافع عن «صحيح الإيمان بوجه المنحرفين الروافض»، كما تفعل البروباغندا الطائفية السلفية المقابلة، بهدف دحض كلا القراءتين المذهبيتين وكشف جوهرهما الرجعي اللاتاريخي. ولذلك جاءت دراسة العلوي أكثر توازناً وقرباً من حقيقة هذه الشخصية ولهذا السبب سيكون لهذه الدراسة مكانة خاصة ضمن مراجع هذه المحاولة النقدية.

إننا لو قاربنا شخصية القائد صلاح الدين الأيوبي، وفق الكيفية التي يقرأ بها هذان الخطابان الطائفيان المذهبيان هذه الشخصية، لوجدنا أن الخطاب الأول ينظر إليه كبطل الإسلام ــ الإسلام السني طبعاً ــ وقاهر الصليبيين ويضيف التكفيريون في عصرنا إليهم الروافضَ الشيعةَ وأمثالهم، كما في كتاب «الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والصليبي» للكاتب الليبي د. علي محمد الصلابي، لا يجوز نقد بعض ممارسات صلاح الدين أو أفكاره ومواقفه بل ولا يجوز ــ وفق هذا الخطاب ــ حتى التعريف بنقاط ضعفه وهنّاته فهو شبه معصوم وفوق أية قراءة تاريخية موضوعية، إنما يجوز التمجيد والتوقير والتقديس وحسب. واللافت أن هذه القراءة التحريمية لا نظير لها حتى لدى أغلب المؤرخين القدامى في عهد صلاح الدين ذاته الأمر الذي يدل على أنَّ جرعة العقلانية كانت حاضرة بقوة لدى أغلب المؤرخين القدماء، مضاف إليها نزاهة تأليفية لا تنكر، وهما خصلتان لم يحدّ منها غالباً انتماؤهم المذهبي للمؤرخين الباحثين عن الحقيقة آنذاك.

أما الخطاب المقابل، فينظر إليه كحاكم ظالم انقلب على الدولة الفاطمية الشيعية التي استعانت به ضد الصليبيين، وأنهى وجودها بالتآمر مع الخليفة العباسي في بغداد، فأغلق الجامع الأزهر وساوم الصليبيين وتنازل لهم عن مدن وأراض كثيرة مقابل صرر من القطع الذهبية، وارتكب أفظع المجازر بحق المسلمين وغير المسلمين من الطوائف الأخرى. إنَّ كِلتا القراءتين مضللة ولاتاريخية ومشبوهة لأنها: أولاً، ذاتية تحتكم إلى الفكرة المذهبية المسبقة، وثانياً، لأنها تهدر السياق التاريخي الحقيقي للشخصية وظروفها الخاصة فتُسْقِط ما تشاء من أحداث وتفسيرات ووقائع وتلغيها وتثبت وتضخم وتبالغ في أهمية أحداث وقائع وتفسيرات أخرى.

 

يروّج البعض لمؤامرة قام بها صلاح الدين للإطاحة بالدولة الفاطمية

 

وبين هاتين القراءتين ثمة قراءة ثالثة تحاول أن تقارب الحقيقة وهي القراءة التاريخية الموضوعية السياقية والتي تحتكم الى الوقائع التاريخية في سياقها المجتمعي الحقيقي فترصد إيجابيات وسلبيات الشخصية أو الحدث التاريخي داخل ظروفه الاجتماعية. ولكن هذه القراءة التي تريد أن تكون محايدة قد تسقط في هنات ومتاهات أخرى بدعوى الحياد العلمي المطلق وغير الممكن عملياً، ولذلك أسجل منذ البداية أن قراءتي لشخصية صلاح الدين الأيوبي لا تعني عدم الانحياز البدئي له كرمز لمقاومة الغزو الأجنبي الإفرنجي فلست مستشرقاً أو مأخوذا بالمنهج العلموي الاستشراقي الذي يدس السم بالعسل كبعض الليبراليين واليساريين المزيفين، ولا متسامحاً مع القراءات الطائفية السلفية سواء كانت وفق المنهج التمجيدي السني أو الآخر الهجائي الشيعي في الوقت عينه.

إنَّ المنهجية اللاتاريخية التي يأخذ بها العقل السلفي الطائفي تقوم على ثنائية (أنا على حق وخصمي على باطل) ومقياس الحق والباطل عند كلا الخطابين هو مقدار البعد أو القرب من مذهب وعقيدة المتحدث مُطلِق الحكم لا غير. فهذا الطرف أو تلك الشخصية التاريخية على حق حين يكون مصلياً صائماً مؤدياً للطقوس ورافعاً للعلامات والإشارات الدينية حسب مذهب المتحدث و«فرقته الناجية من النار»، ممجداً لأئمته ورموزه القديمة والحديثة، وليفعل بعد ذلك ما شاء أن يفعل، وهو على باطل متى ما لم يكن كذلك مذهبياً وعقيدياً.

وقد يتم لاحقاً توسيع هذه البوصلة المذهبية المحدودة والعاطلة عن الدوران بتوسيع الدائرة المذهبية إلى الدائرة الطائفية التي تضم عدة مذاهب فالمذهب الحنبلي يتم توسيعه إلى عبارة «الإسلام السني عموما» والمذهب الشيعي الاثناعشري يتم توسيعه إلى عبارة «عموم التشيع». إن هذه القراءة قاصرة وغير مهتمة أو مهمومة بالمواقف والأفكار والممارسات للشخصية التاريخية المعنية بالبحث من قضايا كالغزو الأجنبي للبلاد أو لمواقف تلك الشخصية وممارساتها بحق شعبها وقضاياه الداخلية وإنما جل اهتمامها وهمومها منصب على صيانة المذهب الطائفي الديني والدفاع عنه بوجه أصحاب المذاهب المخالفة له.

سأتوقف في قراءتي هذه عند بعض المواضيع والأمثلة المحددة التي وردت في تلك الحملة على أن أعود لمواضيع أخرى في مناسبة أخرى. وهذه المواضيع هي: محاولة مساوة أو مماثلة صلاح الدين الأيوبي برئيس النظام العراقي السابق صدام حسين على سبيل الهجاء، والثاني هو الترويج لفكرة المؤامرة بين الخلافة العباسية وصلاح الدين لإنهاء الخلافة الفاطمية.

يبدأ الأستاذ الجامعي العراقي د.جاسب الموسوي كلامه الذي بثته قناة عراقية خاصة «1»، ثم جمعت أحاديثه في تسجيل فيديو وزع على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، حديثه بلفت الانتباه إلى أن صلاح الدين ولد في تكريت التي هي كما قال «مسقط رأس الطاغية الثاني صدام حسين وهذه من صدف التاريخ وهذان المجرمان بالمناسبة مجرمان طائفيان من الطراز المتميز». وهذا الكلام لا علاقة له بالبحث التاريخي، علمياً كان أو غير علمي، بل هو نوع من الهجاء السياسي الفارغ من أي محتوى رصين، وليس له من هدف سوى التنفيس عن الغيض النفسي والاحتقان الشعوري عبر محاولة مساواة الشخصية التاريخية المدروسة بشخصية دكتاتورية معاصرة، واعتبار الثانية امتداداً مذهبياً وطائفياً واستبدادياً للأولى. وإلا ما الذي يجمع طاغية دمر بلاده واضطهد شعبه وسلم وطنه للغزاة الأجانب بعد سلسلة مغامرات عسكرية فاشلة بقائد منتصر كصلاح الدين الذي فرض احترامه وقيمه وفروسيته على أعدائه قبل أصدقائه؟

الفكرة الثانية هي التي يروجها البعض عن مؤامرة قام بها الخليفة العباسي المستضيء بأمر الله وصلاح الدين الأيوبي للإطاحة بالدولة الفاطمية الشيعية والحد من انتشار التشيع «الرفض» في تلك الفترة. ويضيف المتحدث في تسجيل الفيديو المشار إليه آنفاً فيقول: «إن هذه الفترة ــ فترة ما قبل سقوط الدولة الفاطمية في مصر ــ يعبر عنها ابن الأثير (ت 630 هـ الموافق 1233م) في كتابه الكامل في التاريخ بعبارة (عمّ الرفض الأرض الإسلامية من شرقها إلى غربها في القرنين الرابع والخامس الهجري وإلى يومنا هذا) المقصود بعبارة الرفض هو التشيع وحين يقول عم الرفض أي عمّ وانتشر التشيع. إن الدولة الفاطمية في مصر شيعية اسماعيلية والدولة الحمدانية في حلب والموصل شيعية إثناعشرية إمامية والدولة البويهية التي جعلت من بغداد مستقرها الثاني بعد بلاد فارس شيعية زيدية. وهذه القضية، انتشار التشيع، أثارت حفيظة المكونات الطائفية الأخرى.

إن المتحدث يحاول هنا تأسيس قاعدة نظرية تاريخية تبريرية، ينطلق منها لشن هجومه على خصمه «السني» صلاح الدين لأنه استهدف الوجود الشيعي قبل ألف عام، تزيد أو تنقص قليلاً، ولكنه يرتكب أخطاء منهجية عديدة تجعل من قاعدته التاريخية المبتغاة أشبه بالرمال المتحركة. فعن أي تشيع يتحدث الرجل؟ وهل يجوز له جمع الفاطميين الإسماعيليين بالبويهيين الزيديين بالحمدانيين الشيعة الاثناعشرية (لم يقترب صاحبنا من القرامطة الإسماعيليين لأسباب طبقية كما يبدو)؟

وعلى افتراض جدالي يقول إنه يحق له أن يجمع بين كل هذه الفرق والحركات والمذاهب الدينية والسياسية لسبب ما، فهل يحق له أن يقفز على حقيقة الحروب والصراعات التي دارت بين هذه الأطراف نفسها كالحروب التي خاضها الحمدانيون الشيعة ضد الفاطميين الشيعة في سوريا دفاعاً عن دمشق التي سيطرت عليها المقاومة الشعبية «السنية تكويناً مجتمعياً» بزعامة «الأحداث»، أو يساوي بين البويهيين الزيديين الذين كانوا أمراء حرب ووزراء لدى العباسيين السنّة قاتلوا العباسيين حتى كادوا أن يقضوا عليهم وفرضوا عليهم وزارتهم وإمارتهم قبل أن يفعل صلاح الدين الأمر نفسه لاحقاً مع الفاطميين؟ ثم، عن أي رفض وتشيع يتحدث الرجل وكيف يريد من سامعيه أن يحتشدوا للدفاع عنه بوجه صلاح الدين وأحفاده «الصدّاميين»؟ وإذا كان الخليفة العباسي في بغداد حريصاً على التسنن ومعادياً للتشيع والرفض إلى هذه الدرجة، فلماذا يتآمر مع صلاح الدين ضد الفاطميين الشيعة في مصر ويترك البويهيين الشيعة يحكمون بغداد ذاتها بسيوفهم بل ويخلع عليهم الخُلَع ويمنحهم الإقطاعات الشاسعة؟

أما كلام المتحدث بلغة «المكونات الطائفية» وهي «لغة جديدة» جاء بها الاحتلال الأميركي جاعلاً الحكم القائم في العراق اليوم على أساس المحاصصة الطائفية بقيادة الإسلاميين الشيعة فهو كلام لا معنى له، بل إنه ليس إلا إقحاماً مفهومياً واصطلاحياً على الحالة الاجتماعية المندثرة والتي كانت سائدة قبل ألف عام، ولا علاقة لها البتة بواقع المجتمع العراقي خلال فترة الاحتلال الأميركي المباشر أو غير المباشر المستمرة إلى يومنا هذا.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   مفاجآت الأعرجي..

 

 محمد قواص   العرب
تصريحات الأعرجي من طهران هي رسالة إلى العراق والعراقيين. لا تقوى إيران على تحمل فكرة أن تكون للعراق سياسة مستقلة لا سيما على المستوى الخارجي، خصوصا مع السعودية، دون أن يكون الأمر جزءا من الأجندة الإيرانية الإقليمية.

زار وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي السعودية في 17 يوليو الماضي وانتظر حتى 14 أغسطس الجاري حتى يعلن من طهران أن السعوديين طلبوا منه، ومن حيدر العبادي، وساطة مع إيران. وما بين الحدثين مرت مياه كثيرة بين الرياض وبغداد أربكت ومازالت تربك الحاكم في طهران.

 

قبل أن يطلق الأعرجي ما وُصف بأنه “مفاجأة”، كان قد مرّ شهر كامل على محادثات المسؤولين السعوديين مع وزير الداخلية العراقي. صدرت عن الأعرجي بعد زيارته للسعودية ولقائه بنظيره السعودي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، وبعد ذلك بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تصريحات إيجابية تشيد بالانفتاح السعودي، ذلك أن “عودة العراق إلى المحيط العربي تصب في مصلحة الشعبين”، حسب رأيه. وقال الوزير العراقي إن العلاقات الجديدة مع السعودية والخليج لا تتناقض مع العلاقات مع إيران، وهو رأي لا شك أن إيران لا تنظر إليه بعين الرضى. أفاض الأعرجي ودا وتفاؤلا وترحيبا، ولم يتحدث البّتة، ولا حتى تلميحا، عن وساطة طلبت منه لتخفيف التوتر مع إيران.

 

لا يخفي وزير الداخلية العراقي علاقته الحميمة مع إيران. فالرجل من قيادات فيلق بدر الذي قاتل إلى جانب القوات الإيرانية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وهو من المعجبين بقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، وسبق أن طالب بإقامة تمثال له (أي سليماني) في العراق. والأعرجي “حشدي”، وفق تصريحاته، أي أنه ينتمي لقوات الحشد الشعبي ومؤيد لها ولاستمرارها جزءا من التشكيلات العسكرية للعراق، وهي التي سبق لقياداتها أن أطلقت التهديدات تلو التهديدات للسعودية مهددة باقتحام حدود البلدين للضرب في داخلها.

 

وحين استقبلت السعودية الوزير العراقي، استقبلته بتلك المواصفات الشخصية المعطوفة على كونه وزير داخلية يمثل رسميا ملفات الأمن في بلاده. بكلمة أخرى توجّه المسؤولون السعوديون إلى الأعرجي بصفته العراقية وبصفته الإيرانية دون حرج أو التباس، لكن الدعوات التي وجهتها الرياض للمسؤولين العراقيين كانت تهدف إلى تنشيط إستراتيجية سعودية تروم فتح صفحة جديدة مع العراق تنهي مرحلة التوتر بين البلدين في عهود المملكة السابقة، وكانت في الوقت عينه تريد مقاربة عراق اليوم الذي تحكمه منظومة سياسية قريبة من طهران، بغض النظر عن حجم المسافات التي تصل حيدر العبادي أو قاسم الأعرجي أو مقتدى الصدر أو غيرهم لاحقا بنظام الحكم في إيران.

 

منذ الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في فبراير الماضي، خرجت من المنابر الإيرانية في طهران سهام تطلق عشوائيا ضد أي مسعى سعودي باتجاه العراق، لكن إيران، التي تعتبر “بغداد عاصمة للإمبراطورية الإيرانية”، لم تر في المسعى السعودي الجديد إلا تكرارا لمحاولات ركيكة لن يكتب لها النجاح داخل الفضاء العراقي الذي تُطبق طهران عليه تماما. بيْدَ أن التطورات في هذا الملف بدت هذه المرة مربكة على نحو يبرر لإيران ارتفاع وتيرة قلقها كما يفسر استدعاء الأعرجي لإطلاق تصريحه من قلب العاصمة الإيرانية “السعودية طلبت وساطتنا مع إيران”.

 

تصريحات الأعرجي، الذي يمثل جناح الصقور في موالاة إيران داخل الحكومة العراقية، تعبر عن امتعاض إيراني من تطور العلاقات الخليجية العراقية. باشر البلدان إنعاش مجلس للتعاون الاقتصادي، وفتح معبر عرعر الحدودي بعد ثلاثة عقود على إقفاله، وبدا أن مشاريع لإعادة التبادل التجاري سوف ترى النور، فيما تطلب الرياض فتح قنصلية سعودية في النجف.

 

بدا أن إيران تنظر بعين الريبة إلى سلوك “يعيد العرب إلى العراق ويعيد العراق إلى العرب”، حسب تصريحات الأعرجي نفسه. وبدا أن إيران التي عملت بجهد كبير على جعل العراق تابعا للجمهورية الإسلامية ولعاصمة الشيعة في قم، تتأمل بقلق تحرك العراقيين برشاقة للعودة إلى حضن العرب الطبيعي، كما تحرك شيعة العراق لإعادة الالتفاف مع الشيعة العرب حول النجف.

 

والحقيقة أن تصريحات الأعرجي، التي قابلتها السعودية ببرودة وبنفي متأخر غير انفعالي، لا تستهدف الرياض وليست مبرر صدورها. فالسعودية لم تغير موقفها من إيران ومازالت متمسكة بالتقييم الذي قدمه الأمير محمد بن سلمان في مقابلته الشهيرة مع الزميل داوود الشريان. والسعودية التي تستند على موقف متشدد ضد السياسات الإيرانية في المنطقة، لا يمنعها ذلك من أن يقوم وزير خارجيتها عادل الجبير بمصافحة نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وهي مصافحة اعتبرها ظريف شخصية لا تغير من موقف البلدين، ولا تعتبر تبدلا في مقاربة الرياض لطهران. بمعنى آخر، أنه لو أرادت الرياض تحسين العلاقة مع طهران فهي بالتأكيد ليست بحاجة لوساطة الأعرجي.

 

تصريحات الأعرجي من طهران هي رسالة إلى العراق والعراقيين. لا تقوى إيران على تحمّل فكرة أن تكون للعراق سياسة مستقلة لا سيما على المستوى الخارجي، وخصوصا مع السعودية بالذات، دون أن يكون الأمر جزءا من الأجندة الإيرانية الإقليمية. ولا تحتمل إيران فكرة ذلك الحج الذي يقوم به المسؤولون العراقيون إلى الرياض ودول الخليج والذي سينخرط به مسؤولون آخرون. وما يضير إيران أن الرياض تقارب العراق من بوابة المسؤولين الشيعة (العبادي، الأعرجي، الصدر) بما يسحب من طهران احتكارها لدينامية شيعة العراق وشيعة العالم أجمع.

 

أرادت إيران من تصريحات الأعرجي أن تقول للعراق والعراقيين إن انفتاح السعودية على العراق وانتهاجها إستراتيجية أخوة وتعاون مع بغداد، لا يجري لأن العراق دولة مهمة في التاريخ وفي الحاضر بالنسبة إلى الرياض، وليس لأن العراق يمثل امتدادا جيواستراتيجيا للعالم العربي، وليس لأن العراق مدخل لأمن المنطقة واستقرارها، وليس لأن العراق قوة اقتصادية يجب تفاعل المحيط معها. أرادت طهران أن تبلغ العراقيين عبر وزير داخليتهم أن بلدهم ليس إلا تفصيل إيراني وأن تقرّب السعودية منهم هدفه الوحيد هو التقرب من دولة الوصاية، إيران.

 

لم يؤكد حيدر العبادي ما ذكره الأعرجي عن طلب الرياض وساطته لدى طهران. يعوّل العبادي على المدخل السعودي الواعد لإخراج بلده من تحت المظلة الإيرانية. ينظر الرجل بترحيب إلى حركة مقتدى الصدر باتجاه السعودية ثم باتجاه الإمارات. يرى العبادي في التواصل العراقي الخليجي، أيا تكن حوافزه، ضرورة لترشيق الدينامية السياسية الداخلية لصالح الترويج لخيارات عراقية تكون بديلا عن قدرية الخيارات الإيرانية. ويعرف العبادي أن القضاء على داعش في بلاده يطرح أسئلة حول مسوّغات النفوذ الإيراني في العراق ومبررات حركة قاسم سليماني بفيلقه وحشده في العراق.

 

ولئن يمسك رئيس الحكومة العراقي بالعصا من النصف في الحرص على ديمومة الحشد الشعبي وعدم الإجهار بأي موقف يستفز طهران، فإن ضيق شيعة العراق قبل سُنتهم بات حقيقة تكبر كل يوم ضد تدخل إيران في شؤون بلادهم. يؤسس ذلك لمستقبل آخر يوسّع من هامش المناورة المحلي، ويوفّر أرضية لانفتاح العراق على محيطه العربي، لكن إقبال بغداد على ذلك يتأسس على حقيقة لافتة تعبر عنها الإستراتيجية السعودية.

 

لا تريد الرياض اختراع عراقها بل التعامل مع عراق اليوم، أي عراق ما بعد غزو عام 2003 ونتائجه. عوّلت طهران على نفور الرياض ونزقها من عراق تبتلعه إيران، بيد أن عودة السعودية إلى ذلك العراق سببت ذعرا يستدعي “مفاجآت” الأعرجي.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  الأثمان المبكرة لما بعد «داعش»

 

 وليد شقير

 

 

   الحياة السعودية
 

هل هي صدفة أن تشهد الدول الغارقة في الحروب على أشكالها، سواء مع الإرهاب، وتحديدا مع «داعش»، والمبتلاة بالتناقضات المناطقية والطائفية، والخاضعة لنفوذ إيراني بهذا القدر أو ذاك، حراكاً سياسياً جديداً قد يمهد لمشهد سياسي في كل منها؟

 

بين ما يجري في العراق من انفتاح قوى رئيسة فيه على دول الخليج، وفتح الحدود مع المملكة العربية السعودية لمناسبة موسم الحج، بموازاة تهيؤ سلطات كردستان للاستفتاء على استقلاله، وما يجري في سورية من قيام إدارات محلية في مناطق خفض التوتر مع ترجيح بقاء بشار الأسد في السلطة، وفي لبنان من ضغوط لحمل حكومته على التطبيع مع النظام السوري، بموازاة تهيؤ الجيش اللبناني لطرد مسلحي «داعش» من الحدود مع سورية، هناك عوامل تربط بين ما تشهده الدول الثلاث، أبرزها الاستعداد لمكاسب مرحلة ما بعد التخلص من «داعش» وقبض أثمان المشاركة في تحقيق هذه الأولوية.

 

لطالما قيل إن واحداً من عوائق إنهاء وجود «داعش» في المنطقة، هو الاتفاق على المعادلة الأمنية السياسية التي ستحل مكانه، وما هي المكاسب التي ستنالها الأطراف التي شاركت في إنهاء هذا الوجود. هكذا في العراق، حيث حددت القيادة الكردية في أربيل موعداً للاستفتاء على استقلال الإقليم بعد تحرير الموصل من «داعش»، فالمكون الكردي يسعى إلى نيل مقابل مشاركة «البيشمركة» في دحر التنظيم المتطرف. وإنهاء التنظيم في الموصل كان حافزاً لتحرك قوى شيعية، سواء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أو السيد عمار الحكيم، للانفتاح على السعودية والمطالبة بإنهاء استقلالية «الحشد الشعبي» ووضع حد لوجود «جيشين» في بلاد الرافدين. تراجع تهديد «داعش» للنسيج العراقي، الذي أوجب الاستعانة بالميليشيات الشيعية وبالدعم الإيراني الذي سمح بتدخل طهران غير المسبوق في الداخل العراقي، يفترض أن يتراجع أيضاً بما يتيح تصحيح المعادلة التي تحكمت بالسلطة تحت غطاء هذا التهديد. والعراق مقبل على انتخابات عامة وتنافس بين الذين استفادوا من موالاة طهران لكسب النفوذ، وبين من دفعوا ثمن التهميش والمطالبين بالإصلاحات.

 

في سورية يركَب النظام، الذي لطالما استظل وحلفاءه الإيرانيين، شعار «محاربة الإرهاب» في صراعه مع المعارضين لحكم بشار الأسد، سفينة التخلص من «داعش» و «جبهة النصرة»، اللذين هادنهما في السنوات الماضية لمصلحة أولوية قتاله الرافضين حكمه (المعتدلين). انضم مع طهران إلى القوى المحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، ليكون شريكاً مقبولاً من المجتمع الدولي في أولوية القضاء على الإرهاب، وليحصد اعترافاً دولياً بدوره وببقائه. هذا فضلاً عن سعيه إلى تحسين موقعه في توزيع مناطق النفوذ التي ترسم حدودها موسكو وواشنطن على الخريطة السورية المتعددة الألوان، تحت عنوان «مناطق خفض التوتر» عبر آستانة والتفاهمات بين الدولتين الكبريين. وهي تفاهمات اهتمت بمراعاة إسرائيل عبر إبعاد القوات الإيرانية من المنطقة الجنوبية الغربية، وتعطيل جيوب «داعش» فيها، وإيكال إدارة الحدود مع الأردن إلى فصائل من «الجيش السوري الحر» من جهة درعا، على حساب الجيش النظامي والميليشيات الإيرانية، ما يفسر توسع قوات الأسد نحو هذه الحدود من جهة محافظة السويداء، لعلها تكون شريكاً في التحكم بالعلاقة مع الأردن. وبموازاة استرجاع الأميركيين السلاح الثقيل من «الجيش الحر»، أوكل تفاهم موسكو وواشنطن القتال لإخراج «داعش» من الرقة في الشمال، إلى المكون الكردي الذي استبق تحرير المدينة بالمطالبة بضمها إلى الإقليم الكردي في الفيدرالية السورية المفترضة، ثمناً لدور الأكراد بطرد «تنظيم الدولة» منها، فيما يعمل النظام على أخذ دوره في إخراج «داعش» من دير الزور لمشاركة الأكراد في النفوذ المفترض مستقبلاً.

 

وعلى مساحة الجغرافيا اللبنانية- السورية، جهد «حزب الله» للإمساك بمبادرة إخراج «النصرة» من جرود عرسال، المتداخلة بين البلدين، وسيشترك مع الجيش اللبناني في إخراج «داعش» مما تبقى من جرود، لكن من الأراضي السورية، لتكريس نفوذ إيران في المنطقة الممتدة من دمشق نحو القلمون وصولاً إلى الطرق المؤدية إلى حمص والبادية… والثمن الذي يطمح إليه الحزب في المقابل، بالإضافة إلى تقوية موقع إيران في الميدان السوري مقابل سعي دونالد ترامب إلى إخراجها منه، هو حمل الحكومة اللبنانية على التطبيع مع النظام. وإذا كان صحيحاً أن الأسد ليس في حاجة إلى اعتراف معارضيه اللبنانيين، فإن مصلحة الحزب في الحصول على أثمان تدخله في سورية وتكريس نفوذه فيها، تدفع المعادلة التي يقوم عليها الحكم في لبنان حالياً إلى الاهتزاز، داخلياً وعربياً. فلا شيء ثابتاً في سورية، فضلاً عن أن اللبنانيين الآخرين شركاء في قتال «داعش».

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     

العراق بين فرص وعقبات الاستقلال عن ايران

 

   عُمر الردّاد

 

    الراي اليوم بريطانيا
 

يقف العراق اليوم على مفترق طرق حقيقي، عنوانه التساؤلات والشكوك، حول إمكانية خلاصه من الاحتلال الإيراني ، الذي ترسخ مع الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003، بعد تفكيك الدولة العراقية ، وإعادة تركيبها بمحاصصة طائفية ومذهبية، ويأتي هذا الخلاص باعتباره هدفا أمريكيا ،ضمن الإستراتيجية الامريكة- السعودية الجديدة، التي تستهدف إيران وامتداداتها في ساحات نفوذها ،وإعادة ترتيب أوضاع العراق غير معزولة عن قرارات أمريكية تمثلت بالتوافق مع روسيا في القضية السورية ، على مناطق انتشار الجيش السوري وخروج الحشد الشعبي العراقي من سوريا ، ومناطق خفض التوتر، والتي بدأت بالجنوب السوري بالاتفاق مع الأردن،وتمتد الى باقي مناطق سوريا ,إضافة للقرارات التي تستهدف حزب الله في لبنان، وحصر ساحة فعله على الحدود اللبنانية السورية،وذلك في إطار رسم المشهد الجديد في المنطقة بعد هزيمة داعش ،والتأسيس لنظم مدنية بإقصاء الإسلام السياسي(بنسختيه السنية والشيعية) ، بعد ان قدمت أمريكا العراق على طبق من ذهب لإيران ، التي تمكنت عبر 14 سنة، من خلق واقع معقد في العراق عنوانه استثمار الطائفية والمذهبية والمحاصصة التي شرعنها بول بريمر منذ عام 2003،بتثبيت استحواذ الطائفة الشيعية على الحكم في إطار حاضنة دينية تدين بالولاء لولاية الفقيه في إيران، وخلال ذلك نسجت إيران علاقات مع أطراف سنية وكردية ،وقدمت دعما عسكريا  لأطراف في المقاومة العراقية ،بهدف إفشال المشروع الأمريكي ، بالتزامن مع دور سوري ، قبل الثورة السورية لتسهيل دخول المجاهدين إلى العراق.

 المكون السياسي الشيعي العراقي يشهد تحولات كبيرة وعميقة ، عنوانها الاستجابة للإستراتيجية الأمريكية المتحالفة مع المملكة السعودية والتي تستهدف إخراج  إيران من العراق ، في ظل مقاومة إيرانية لافشال هذا المشروع بكافة السبل،وهو ما ظهر بالانقسام في حزب الدعوة بين السيد نوري المالكي ورئيس الحكومة حيدر العبادي ، والانشقاق الذي نفذه السيد عمار الحكيم عن المجلس الأعلى وتشكيله تيار الحكمة، ومواقف السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري بمواصلة التكيف مع الإستراتيجية الجديدة استكمالا لطرحه مبادرات سياسية ذات مرونة ومضمون وطني عراقي محط شكوك إيرانية في اطار علاقة قلقة مع ايران ، توجّها بزيارة  لافتة في مضمونها وتوقيتها ومخرجاتها الى السعودية ،ثم الى دولة الامارات العربية، وقد ردت إيران على هذه التطورات من خلال محاولة الدفع بمصالحة بين العبادي والمالكي ، والتقليل من خطوة السيد الحكيم ،باعتبارها لا تتجاوز التمهيد للانتخابات القادمة التي من المتوقع أن تجري في نيسان القادم ، فيما أبرمت اتفاقية عسكرية جديدة مع الحكومة العراقية للدفاع المشترك،واخرى امنية لعرقلة أية اتفاقات مع أمريكا لاحقا ، وقام حليفها المقرب السيد المالكي بزيارة إلى روسيا لتأكيد التحالف الروسي العراقي الإيراني ،خاصة وأنها شملت بحث شراء العراق أسلحة روسية جديدة، هذا بالإضافة للتأكيد على استمرار الحشد الشعبي ” الحرس الثوري العراقي” في ظل جدالات عراقية حول ضرورة حل هذا الحشد بعد انتفاء مبررات وجوده بالقضاء على داعش،والسجالات الحادة حوله ، في ظل قناعات انه حرس ثوري ، بنسخة عراقية، وشكوك عميقة بمدى سيطرة الحكومة العراقية عليه ،رغم تصريحات رئيس الحكومة التي تؤكد تبعيته له، وعدم وضوح موقف المرجعية الدينية التي اصدرت فتوى تشكيل الحشد.

المشهد العراقي الجديد يعكس لحظة مواجهة الحقيقة بالنسبة للمكون الشيعي في إنهاء الولاء المزدوج لإيران وأمريكا ، وان عملية فرز حقيقي تجري وهو ما يطرح تساؤلات حول إمكانيات نجاح الخطة الأمريكية ، إذ أن مكونين رئيسيين أو قسم كبير منها وهما المجلس الأعلى وتيار الصدر،إضافة لتيار رئيس الوزراء حيدر العبادي من حزب الدعوة ، اختاروا الابتعاد عن الدور والتأثير الإيراني لصالح دولة العراق ما فوق المحاصصة،في إطار حالة امتعاض شعبية تتوسع خاصة في محافظات الجنوب تجاه الوجود والتأثير الإيراني ، وهمس حول “تفريس″ العشائر العربية في العراق، ومطالبات بإعادة المرجعية الشيعية العربية المسلوبة من العراقيين لصالح إيران، وربما يتكون تحالف جديد في العراق برعاية سعودية أمريكية ،يضم (مقتدى الصدر وحيدر العبادي وعمار الحكيم ينضم إليه إياد علاوي ورموز سنية) عنوانه الاستقلال عن إيران ، مقابل تيار يقوده نوري المالكي والحشد الشعبي وفصائل محسومة الولاء لإيران، ارتبط وجودها بالمشروع الايراني.

الاستراتيجية  الأمريكة -السعودية الجديدة في العراق لن تمضي بسهولة، وإيران لن تتراجع عن الاحتفاظ بالعراق، إذ يعتبر ساحة النفوذ الأكثر أهمية سياسيا واقتصاديا لها ، وأية خسائر لإيران في العراق ستضرب بالصميم مشروعها في تصدير الثورة ، وخاصة تامين طريق طهران بغداد دمشق و بيروت ،ولديها الكثير من الإمكانيات لعرقلة المشروع الأمريكي والتأثير بشكل ومضمون العراق الجديد ،المقبل على فدرالية أو لامركزية،خاصة بعد نوايا الاستفتاء على الاستقلال في كردستان ، والذي قوبل بتحفظ امريكي واوروبي  (يبدو ان هذا التحفظ مرتبط بتصورات للعراق الجديد)ورفض تركي ايراني سوري ومن حكومة بغداد(مرتبط بمخاوف من توجهات انفصالية للاكراد في هذه الدول) ، ولعل اخطر خيارات ايران دعم الحشد الشعبي وتوفير الأرضية لحرب أهلية في العراق أكثر ضراوة ، ربما تكون مذهبية وتتخذ شكلا جديدا في اطار صراع بين مشروعين :عراق عربي مستقل أو عراق ملحق بإيران ،وهو ما يعني بالضرورة”خلط” الاوراق وتغيير التحالفات وانقسامات في المكون الشيعي ،مع الأخذ بعين الاعتبار أن داعش لم تنته بالعراق، ومعظم أسباب وجوده ما زالت قائمة ، وايران هي الاكثر استفادة من بقاء “غول”داعش، وخسارة من غيابه ،والمليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية التي جلبتها إيران إلى سوريا ما زالت فاعلة،فيما هناك قوى سنية مرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين متحالفة مع ايران،كما ان استعادة المرجعية الشيعية لعرب العراق من ايران ، بدعم امريكي سعودي ستكون محط شكوك ستستثمرها ايران،غير ان اخطر ردود الفعل الايرانية كما يتردد في اوساط غربية ،عودة الاغتيالات والتصفية الجسدية لرموز محددة لا تتفق والمشروع الايراني ،وفي النهاية سيبقى السؤال مطروحا حول قدرة العراق الجديد أن يكون عراقا مستقلا خارج لعبة الصراع الكبرى في المنطقة وعناوينها المذهبية.