تخطى إلى المحتوى

حرب باردة في الكرملين الروسي الاحد

حرب باردة في الكرملين الروسي الاحد

 

قدمت أوركسترا موسكو الفيلهارموني الروسي حفلا بقيادة المايسترو السويدي أولف فادينبراندت في “الكرملين”، حيث عُزفت ألحان اثنتين من ألمع الفرق الموسيقية في العالم .. ABBA وQueen.

في انتظار بداية الحفل، تبادلت أطراف الحديث مع سيدة كانت تجلس بجواري، أعربت عن رغبتها بأن يكون الحفل بمستوى الفرقتين الشهيرتين، فقلت لها إن الحفل سيكون جيدا بغض النظر عن أداء الأوركسترا، لأن المادة الخام جميلة بحد ذاتها، ولن تظهر بشكل سيء في أي حال من الأحوال، حتى لو كان قائد الأوركسترا طالب في السنة الثانية بكلية الجغرافيا راسب سنتين.

في الحقيقة، ما كان يقلقني فعلا، هو أن تطغى مهارات الموزع الموسيقي على اللحن الأصلي، وذلك لشغف الموزعين الموسيقيين باستغلال الفرصة السانحة للتعبير عمّا يظنونه مواهبهم، فيضيع اللحن في فوضى الزخرفات والزركشات وهو ما نجح المايسترو السويدي أولف فادينبراندت في التأكيد عليه .. وهو الشيء الوحيد الذي نجح فيه!

لم يكن الأداء انعكاسا لأي توزيع موسيقي بالمعنى التقليدي، وإنما كان أقرب لمجرد عزف ألحان معروفة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأداء لم يقتصر على الأوركسترا، وإنما كان مصحوبا بأصوات مغنيين رئيسيين ومجموعة من المغنيين المرافقين الذين كان أداؤهم أفضل.. فبدا الأمر وكأنه عزف لأناشيد في طابور الصباح، في قرية ريفية يرافقه غناء، بأداء مدرب التربية البدنية وعدد من تلاميذه.

gimme gimme gimme.. واحدة من أشهر أغاني الـ آبا التي قد تسبب كلماتها نوع من الإحراج إذا ما كان المغني رجلا، إذ أنها مسجلة بصوت نسائي، فتساءلتُ.. هل سيغني الشاب النص الأصلي؟ أي “اعطني رجلا بعد منتصف الليل”؟ لكن الشاب حوّل “الرجل” إلى “امرأة” وكان هذا حلا مناسبا، لأن “أعطني رجلا” كما هو في النسخة الأصلية، قد تكون غير ملائمة للشبان دائما، وتجعل من الصعب أن يدندن شاب بها وهو في “الدوش” مثلا أو وهو يتعطر استعدادا للقاء حبيبته.

قدمت أوركسترا موسكو أغاني آبا التي تُقدم عادة في الحفلات، والتي تعد بطاقة التعريف بالفرقة السويدية المعروفة، فظلت العديد من الأغاني الجيدة خارج التغطية علماً أن بعضها أجمل، حسب وجهة نظري، من تلك الأغاني المعروفة على غرار waterloo وmoney money money وmamma mia وdancing queen وsummer night city.

 

من تلك الأغاني التي لا تحظى بالاهتمام المستحق أغنية if it wasn’t for the nights، التي أضعها على قمة ابداعات بني أندرسون وبيورن أولفيوس. وكم كانت سعادتي بالغة حينما سمعت طفلة تسأل والدتها بعد انتهاء الحفل.. لماذا لم تعزف الأوركسترا هذه الأغنية.

الملفت أن الكثير من الموسيقيين الذين اشتهروا بتوزيع الأغاني، بما في ذلك أغاني الـ آبا، لم يلتفتوا إلى الأغنية المُشار إليها على النحو المتوقع، على عكس العديد من الموسيقيين الهواة، ممن قاموا بتوزيع هذه الأغنية بإمكانيات متواضعة، وأحد هؤلاء طرح مقطع فيديو، أدى فيه اللحن بشكل رائع.. حتى أن أحدهم علق بأن التوزيع أفضل من الأصل.

 

كما عُزفت أغنية does your mother know وهي من الأغاني النادرة التي سُجلت بصوت بيورن أولفيوس، وعلى الرغم من أن كلمات الأغنية عادية وبريئة إلا أنها ربما باتت تكتسب معنى آخر وتطرح مسألة ملحّة الآن، وتعيد إلى الأذهان أغنية ثانية هي mama don’t know papa don’t care.

 

انتهى الجزء الأول من الحفل، الذي بدا واضحا أنه كان مخصصا لفرقة آبا، ليبدأ الجزء الثاني المخصص لـ كوين، علما أنني كنت أفضل لو تتقاطع موسيقى الفرقتين وتمتزج في ما بينها.

وهنا انتقل الجمهور من أغنية “الملكة الراقصة” إلى فرقة “الملكة”، ومن أغنية mamma mia إلى mamma mia let me من القطعة الخالدة Bohemian Rhapsody، اللتان ظهرتا بفارق أيام معدودة من عام 1975، تلك القطعة التي وضعت الفرقة البريطانية في مصاف أبرز المجموعات الموسيقية، كما سجلت اسم فريدي ميركوري ضمن أهم أسماء الموسيقيين المعاصرين، ممن يتمتعون بميول إلى تأليف مقطوعات أقرب إلى الموسيقى الكلاسيكية، شأنه في ذلك شأن بني أندرسون ما تجلى بألحان الأخير في ما بعد الـ آبا، وإن كان هناك توزيع بنفحة أوركسترالية – سيمفونية في بعض أغاني الفرقة السويدية الأشهر.. علما أن ألحان ميركوري أعمق وأكثر تعقيدا.

وقد جمع الموسيقار البريطاني رينر هيرش بين ميركوري وأندرسون، حينما قدم جزء من أغنية “كوين” الأشهر، مطلقا لمخيلته العنان لكيفية أدائه لحن فريدي بأسلوب بني لا العكس.. وذلك في الدقيقة 03:02 من الفيديو أدناه.

 

قدم أولف فادينبراندت نخبة من أروع ألحان الفرقة البريطانية، بعد أن تخلى عن الرسميات وخرج للجمهور وهو يرتدي بنطالا عاديا وتي شيرت، وراح يلوح بيديه وكأنه يعارك شبحا، ويقود الأوركسترا تارة والجمهور تارة، فبدا وكأنه فلاح خرج من مزرعته ليؤدي دور قائد أوركسترا في برنامج الكاميرا الخفية.

كان الأداء الأفضل للأوركسترا في أغنية “برسلونة”. إذ جاءت بمثابة قطعة الكرز الشهية على التورت خالي الدسم، ربما لأن برشلونة حاضرة في السياسة، التي كانت تسير جنبا إلى جنب في الجزء الثاني من هذا الحفل الموسيقي. وربما لو نالت كاتالونيا استقلالها، لتحولت هذه الأغنية العاطفية إلى النشيد غير الرسمي للدولة الفتية، تماما كما هو حال أغنية “ماتيلدا” في أستراليا و”يروشلايم شيل زاهاف” في إسرائيل و”يا حبيبتي يا مصر”.. في مصر طبعا.

في كل مرة أسمع فيها أغنية من أغاني “كوين”، تعود بي الذاكرة إلى موقف شخصي حدث عام 1984، حين اكتشفت أغاني هذه الفرقة العظيمة. كنت في ذاك اليوم برفقة أصدقائي في بيت صديق مشترك، استعدادا لمشاهدة فيلم مثير. وبينما نحن ننتظر ساعة الصفر دخلتُ غرفة صديقي وشغّلت المسجل، فصدحت ألحان فريدي ميركوري. حان الوقت لأداء المهمة الني تجمعنا من أجلها، إلا أنني لم أكن قادرا على ترك الموسيقى لمشاهدة الفيلم، فتجاهلت دعوات أصدقائي المتكررة.. وهكذا حتى داهمتنا ربة البيت فضيعت الفرصة الذهبية ولكنني ربحت “كوين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

صحيفة العراقوكالة الاستقلال      |  العرب في اوروبا  |  IEGYPT  | سعر الدولار في بغداد