ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
1 | سفيرة الأمم المتحدة بين المأساة الايزيدية وواجب اسرائيل الاخلاقي! | هيفاء زنكنة
|
القدس العربي |
نادية مراد، شابة عراقية، عمرها 23 عاما، تم أختيارها في سبتمبر/ أيلول 2016، سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة. سبب اختيارها للمنصب الفخري انها من الأقلية الأيزيدية، في العراق، التي تعرضت، إلى جريمة تهجير واغتصاب وقتل، تم وصفه بالابادة الجماعية، من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، في مدينة الموصل، حيث قام التنظيم، عام 2014، باختطاف عدد كبير من النساء كسبايا، وكانت نادية واحدة من المختطفات اللواتي عشن مأساة البيع والاغتصاب المتعدد، الا انها تمكنت من الفرار، من جحيم الموت الجماعي، بعد ان لجأت إلى عائلة «مسلمة سنية مصلاوية»، ساعدتها على الهرب من الموصل، حسب شهادتها المتوفرة على اليوتيوب. في خضم الاقتتال والتهجير، في مدينة الموصل وضواحيها، وما صاحبها من تغطية اعلامية، محلية وعالمية، مكثفة، المسايرة لحملة « الحرب على الإرهاب»، صارت نادية، بملامحها السمحة، والسواد الذي ترتديه حزنا على أخوتها وأهلها وابناء طائفتها، بالاضافة إلى نحافتها ومنظرها الفتي، الذي يدفع من يلتقيها ويسمع حكايتها المأساوية، إلى الرغبة باحتضانها، أملا بحمايتها من بلاء آخر قد تتعرض له، صارت نادية الوجه/ الرمز المعروف انسانيا واعلاميا (جانبان قلما يلتقيان) للمأساة الأيزيدية. خلال فترة قياسية، تم تسليط الاضواء عليها، اعلاميا، كممثلة لمأساة أيزيدية، فقط، لا علاقة لها بمآسي بقية الموصل والعراق، عموما. ولم يحدث، الا نادرا، تقديم نادية كعراقية، فهي أما أيزيدية أوايزيدية كردية. قد يكون السبب، انها لاتزال تعيش فترة ما بعد الصدمة، وما تسببه من نسيان، أو انه خطأ اعلامي تم تناقله، بدون تدقيق صحته مع نادية، وهي المنغمرة بالاهتمام الاعلامي الغربي، المكثف، وحضور المؤتمرات، والسفر إلى بلدان متعددة، وخاصة بعد ترشيحها للفوز بجائزة نوبل للسلام وتعيينها سفيرة الامم المتحدة، دفعة واحدة. وهوتقدير تستحقه نادية، بعد ان انخرطت في العمل كناشطة حقوقية، كغيرها من نساء ورجال يرشحون لهذه المناصب، بعد مأساة إنسانية يمرون بها. الافتراض العام هنا، ان من يعيش تجربة قاسية، يدرك جيدا معنى اضطهاد الفرد والشعوب، وبالتالي، سيعمل، حسب امكانياته، على التوعية بمآسي التهجير والتعذيب والقتل والابادة، باذلا جهده لئلا تتكرر. إزاء هذا الفهم المتفق عليه انسانيا، أجدني، منذهلة، لتوجه نادية إلى نظام الفصل العنصري ومشاركتها في مؤتمر أقيم في الكنيست، تعاطفا مع «الأقلية الأيزيدية في العراق». وانها دعيت لأن «من واجب إسرائيل الأخلاقي الاعتراف بالجريمة النكراء التي تعرض لها الإيزيديون، من منطلق تاريخنا والتزام مؤسسي الدولة بالوقوف إلى جانب كل شعب في العالم». حسب عضوالكنيست كسينيا سفاتلوفا. هل هناك اسفاف واهانة لذكاء الناشطة الحقوقية نادية، قبل غيرها، اكثر من هذا؟ عن أي واجب أخلاقي يتحدث عنه ساسة نظام مبني على جثث أهالي البلد الفلسطينيين؟ كيف يمكن توقع العدالة من نظام مبني على أرض محتلة، وشعب تم تهجيره بأبشع الطرق، ومن بقي منه معرض للأسر والتعذيب والقتل، في كل لحظة من ساعات الليل والنهار؟ هل هي السذاجة التي قادت نادية إلى الوقوف، دامعة العينين، لتحدث أعضاء الكنيست الذين يمارسون سياسة التشريد والقتل، يوميا، بحق الفلسطينيين، عما تعرض له «شعبها» من تشريد وقتل؟ ربما لصغر سنها وقلة خبرتها. فكرت، لعلها، أيضا، لم تطلع على تاريخ المنطقة، ولا تعرف ما هي النكبة والنكسة ويوميات الاحتلال؟ لكنني استبعدت الفكرة حين استمعت اليها، قائلة في مقابلة تلفزيونية «لقد درست التاريخ»، فعن أي تاريخ تتحدث؟ هل هناك كتاب تاريخ، في بلادنا، لا يدرس تاريخ الحركة الصهيونية وكيفية احتلال فلسطين؟ ألم تقرأ عن مجزرة دير ياسين وكفر قاسم وغيرهما؟ والآن، ألم تستعد، ذلك التاريخ، لتتوقف عنده قائلة هذا يشبه ما حدث لشعبي، وعلي الا أسمح للمجرمين باستخدامي كصابونة رخيصة لغسل أيديهم من دماء شعب آخر؟ «لا اقبل لاحد ان يساوم على عملي، فعملي له اطار انساني ورسالة عالمية وساستمر للدفاع عن حقوق شعبي الايزيدي الذي يعاني من الاضطهاد، إلى جانب الدفاع عن كافة الفئات المستضعفة والمهمشة». هكذا بررت نادية موقفها، في بيان أصدرته، بعد ان استنكر الزيارة العديد من العراقيين. مضيفة: « لدي موقف حيادي من كافة الصراعات الدائرة في منطقة شرق الاوسط وملتزمة برسالتي الإنسانية للدفاع عن كافة المضطهدين وفي اي بقعة من العالم كانت». تقول نادية انها ملتزمة بـ «الدفاع عن كافة المضطهدين وفي اي بقعة من العالم كانت». فلنستعد، معها، حصيلة هجوم أسرائيلي واحد فقط على قطاع غزة المحاصر، المعروف بأنه « اكبر سجن في العالم» لمليوني فلسطيني. المفارقة المؤلمة ان الهجوم والقصف الاسرائيلي عام 2014. أي ذات الفترة، تقريبا، التي تعرض فيها أهل الموصل ومن بينهم الايزيديون إلى الهجوم والتهجير الداعشي. نقرأ في تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حصيلة الهجوم الذي سماه الجيش الاسرائيلي «عملية الجرف الصامد»، ان هناك 1742 قتيلا، منهم 7431 مدنيا، أي ان اربعة من كل خمسة من الضحايا، في الخمسين يوما، وحدها، كانوا مدنيين، بينهم 530 طفلا و302 امرأة. والى جانب اكثر من الفي قتيل وقتها سقط من الفلسطينيين 10,870 جريح، بينما ثلث الأطفال الجرحى سيعانون من إعاقة دائمة. ولقد ابيدت عوائل فلسطينية بأكملها، وفقدت 145 عائلة فلسطينية 3 أوأكثر من أفرادها. أما عن الدمار المادي، فهناك ما يزيد على 17 ألف منزل مدمر، وحوالي 100 ألف مهجر فلسطيني بلا مأوى، كثير منهم من اللاجئين إلى غزة، أصلا، بسبب الاحتلال الاسرائيلي والتهجير في 1948 و1951 و1967. دمر القصف الاسرائيلي 62 مسجدا بالكامل و109 جزئيا. ودمرت كنيسة فلسطينية جزئيا. كما دمرت 10 مقابر إسلامية ومقبرة مسيحية. عدد الهجمات الإسرائيلية كانت: 210 8 صاروخ جوي، 736 15 قذيفة بحرية، و718 36 قذيفة برية. من بين ما استهدفته 9 محطات لمعالجة المياه، 18 منشأة كهربائية، 10 مستشفيات، 19 مركزا صحيا، 36 سيارة إسعاف. ويعيش أهل غزة اليوم بعشر ما كان لديهم من الماء والصرف الصحي والكهرباء، وبأقل القليل من الخدمات الصحية. وفي مجال التعليم والثقافة فقد دمرت 222 مدرسة، منها 141 مدرسة حكومية و76 مدرسة تابعة للأونروا و6 جامعات، و48 جمعية. تقول نادية في بيانها «لدي موقف حيادي من كافة الصراعات الدائرة في منطقة شرق الاوسط». أقول: عزيزتي نادية. ان الموقف من قضايا الشعوب المضطهدة العادلة لايمكن ان يكون حياديا. والموقف من نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) المؤسس على قمع الفلسطينيين بسياسات وممارسات شتى بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم يرقى إلى التطهير العرقي (كما حدث لشعبك)، لا يمكن ان يكون حياديا. تجاهل هذه الحقيقة، ومساواة الضحية (الفلسطيني) بالجلاد (اسرائيل) يقود إلى مسار خطر جدا، سينعكس سلبا ضمن منطق «الموقف الحيادي» فيساوي، ذات يوم، بين الضحية (الايزيدية) والجلاد (داعش)، وهذا، على الأقل، ما لن ترغبي بحدوثه. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
2 | ترميم الوطنية العراقية كخط دفاع عن الهوية القومية
|
علي الأمين
|
العرب |
خطوة الصدر بزيارته السعودية في هذا التوقيت يمكن أن تساهم إلى حد كبير في إبراز الهوية الشيعية العربية، وهي حاجة ضرورية لإعادة ترميم الوطنية العراقية في الحد الأدنى.
يمثل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تيارا عراقيا لا يستهان به داخل المكون الشيعي العراقي، وربما يكون الوحيد في حجمه، شيعيّا، الذي يلقى قبولا نسبيا وتعاطفا داخل البيئة السنية العراقية ولدى الأكراد، وهذا ما يجعله رغم العديد من الملاحظات والاعتراضات على تياره مقبولا رغم انخراطه في بعض المراحل بصراعات دموية وتصفيات أخذت طابعا مذهبيا، كما أن الصدر كان في المحطات الاستراتيجية في موقع المنسجم مع التطلعات الإيرانية في العراق، رغم أنه الوحيد من القيادات العراقية المحسوبة على إيران لم تكن له أي صلة بالاحتلال الأميركي وكان ملاحقا في بعض المراحل، ولجأ إلى إيران أكثر من مرة.
إشكالية مقتدى الصدر وتياره تطرح مجددا في العراق وعلى مستوى الإقليم، بعد الزيارة الأخيرة له إلى المملكة السعودية، وإثر لقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نهاية الشهر الماضي، وهذه الإشكالية تتركز في أبعاد هذا اللقاء لا سيما بعد القمة الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل نحو شهرين، والتي حددت هدف إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، فهل لزيارة الصدر علاقة بهذا التوجه، وهل يمكن أن يكون الصدر منسجما مع هذا التوجه أم أن الزيارة لا تتعدى التعارف بين الرجلين؟
لم يسلم زعيم التيار الصدري من حملة اتهامات شُنت ضده من قبل منابر تنتمي لتيار ولاية الفقيه، وإن لم تتعد هذه الانتقادات حملات التحريض إلى مواقف صادرة عن زعامات وقيادات عراقية، حيث اقتصرت ردود الفعل السلبية على الزيارة بحدود الحملات الإعلامية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. ولكن الصدر الذي عاد من زيارة السعودية عمد مباشرة إلى دعوة مناصريه إلى الخروج في تظاهرات احتجاجية ضد قانون الانتخاب، وقد استجابت معظم مراكز المحافظات العراقية لهذه الدعوة رغم القيظ، ونجح الصدر في استعراض قوته بحيث استطاع حشد مئات الآلاف في كل العراق، في خطوة يدرك معظم القيادات العراقية أنه الوحيد الذي يستطيع حشد هذه الأعداد بين أقرانه من الزعامات الحزبية والقيادات العراقية من مختلف الاتجاهات.
يمكن القول إن خطوة مقتدى الصدر تجاه الرياض تعكس في جانب محوري منها محاولة للبحث عن حيّز عراقي مستقل، لا سيما بعدما نجحت إيران في مصادرة المكون السياسي الشيعي إلى حد كبير، وبعدما تحول العراق إلى دولة من أسوأ نماذج الدول الفاشلة، وبعدما تعرض لأكبر عملية نهب لمقدراته، ولإدراك عميق لدى العراقيين لا سيما الشيعة منهم، أن القيادة الإيرانية لم تكن مهتمة بعملية النهب التي طالت العراق لا سيما من قبل حلفائها الذين حكموا العراق عشية الخروج الأميركي وبعده، وهي المرحلة التي كشفت عن تورط رموز السلطة الذين تحميهم إيران في الفساد وفي تقويض مئات المليارات من الدولارات، ويشكل نموذج رئيس الحكومة السابق نوري المالكي مثالا حيا على هذا الصعيد.
وتفتح زيارة الصدر إلى السعودية نافذة لإعادة الاعتبار للانتماء الوطني العراقي في بعده العربي، وهذه النافذة تتطلب إرادتين واحدة عراقية والأخرى عربية. ذلك أن الدول العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص، لم تكن منهمكة في المثابرة على إعادة الاعتبار لدور العراق عربيا، قصارى ما اهتمت به هو التشهير بالنفوذ الإيراني من جهة، ومحاولة إظهار مظلومية السنة في هذا البلد من جهة ثانية، وبالتالي الوقوف كشاهد على تدمير العراق وهو في المحصلة لم تكن أضراره إلا على العراق نفسه ومحيطه العربي الذي خسر دولة كان يمكن أن تكون ظهيرا عربيا وسط تكالب الدول على المنطقة العربية.
خطوة مقتدى الصدر والتجاوب السعودي يفتحان هذه النافذة، لكنها خطوة تتطلب جهودا مضنية لإعادة بناء جدار الثقة وهو ما لا يمكن قيامه من دون الانهماك في بلورة رؤية عربية نهضوية لردم الهوة التي صدعت البنيان العربي، وهي الهوة التي هزت وشققت الإجماعات الوطنية والقومية، أي المسألة المذهبية وامتداداتها على مستوى الإرهاب والاستبداد.
المسألة التي تثيرها خطوة الصدر بزيارته السعودية في هذا التوقيت، هي كونها ستساهم إلى حد كبير في إبراز الهوية الشيعية العربية، وهي حاجة ضرورية لإعادة ترميم الوطنية العراقية في الحد الأدنى، وما يدفع إلى التفاؤل الحذر على هذا الصعيد أنّ مقتدى الصدر يمكن أن يشكل رافعة لهذه الهوية التي صار شرطها اليوم التمايز عن الهوية الشيعية الإيرانية التي فرضت نفسها في المنطقة العربية عبر ولاية الفقيه، ونجحت إلى حد بعيد في التمدد والنفوذ ليس بقوتها المادية والعسكرية فحسب، بل عبر استثمار لخطاب بعض التيارات السنية التي لم تستطع النظر إلى أزمة العراق إلا باعتبار أن ما حصل بعد سقوط نظام البعث، هو هزيمة سنية وانتصار شيعي، وهذا كان أحد أهم وسائل التمدد الإيراني الذي كان دوره تقديم نفسه باعتباره حامي الشيعة وضمانتهم في مواجهة السنة العرب.
من هنا تشكو المرجعيات العربية الشيعية في العراق، وعلى رأسها مرجعية السيد علي السيستاني، من إدارة الظهر التي اعتمدها النظام العربي عموما تجاه العراق الذي نشأ بعد الاحتلال الأميركي وبعد خروجه أيضا، وتم التعامل معه باعتباره أرضا إيرانية، هذه السياسة وهذا السلوك العربيين فاقما من سلب إرادة الشعب العراقي ومن تهديد وحدته. من هنا فإن العالم العربي كان شاهدا ومساهما في تدمير دولة العراق ولو من باب اعتبار ما يجري في العراق لا يعني الدول العربية ولا يهددها. لكن الوقائع اليوم أظهرت كم أنّ دمار العراق وضعف دولته ووحدته باتا مصدر تهديد لكل مكونات المنطقة العربية ليس في البعد القومي فحسب، بل في الأبعاد الوطنية، وبالتالي فإن أي خروج من حال التفتت ومخاطر الانزلاق يتطلب إرادة عربية تنظر للمكون العربي ودوائره الوطنية باعتبارهما نظام مصالح مشتركا يجب حمايته وتحصينه.
زيارة الصدر إلى السعودية تفتح نافذة إيجابية على المستقبل. إن معركة العراق اليوم هي في إعادة ترميم الهوية الوطنية، وللسعودية دور مساعد إذا ما ساهمت في تدعيم هذا الخيار عبر نبذ كل ما يتصل بخيارات تساهم في تعميق الشرخ بين العراقيين، فالرياض يمكن أن تكون أمام فرصة تاريخية إذا أحسنت التعامل مع هذه الدولة الجارة، ومقتدى الصدر بما يمثل على مستوى الهوية الوطنية والعربية يمكن أن يندفع نحو المزيد من الذهاب في هذا الخيار، ذلك أنّ تجارب الصدر رغم ما يميزه عن أقرانه من القيادات العراقية تفيد بأنّه لا يستند في نفوذه إلى الدعم الإيراني وأنّه رجل سياسي وبراغماتي بامتياز، فهو لن يتردد للحظة إلى العودة إلى الكنف الإيراني أو الانكفاء إذا وجد أنّ جيران العراق العرب غير مبالين فعليا بدعم مشروع وحدة العراق، وغير مبالين بردم الهوة المذهبية التي تتطلب مبادرات عربية تظهر أنّ طي المذهبية هدف استراتيجي وليس تكتيكا تفرضه وقائع مرحلية وآنية. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
3 | دواعش ما بعد تحرير الموصل
|
كاظم الموسوي
|
الوطن العمانية |
” الحرب لم تحسم بعد بشكل كامل، لوجود بقايا لـ”داعش” بالمدينة وخطط معدة، كما ذكر، وكذلك في مدن اخرى، فضلا عن وجود داعمين له من مجموعات سياسية باسماء مختلفة، متوزعين بمحافظات العراق بما فيها العاصمة بغداد ومؤسساته الرسمية، مع نشطاء آخرين لا يخفون الدفاع عنه ولا ينكرون ولاءهم له. هذا فضلا عن مؤسسات إعلامية مفرغة له وإعلاميين متابعين بحماس لفكره ومسيره.” ــــــــــــــــــــــــ
انتهت القوة العسكرية الفعالة لما سمي اعلاميا “داعش”، والقدرات على استخدام الاجهزة والمعدات والاسلحة العسكرية التي استولى عليها أو تسلمها عند احتلاله مدينة الموصل في 10 يونيو2014 حيث تم تدمير اكثرها او لم تعد فاعلة لديه في المدينة، بعد أن دمرت مواقعه الميدانية ومقراته الرئيسية داخل جغرافية المدينة، ولكن نشاطات داعش لم تنته او لم تتوقف، فما زال لديه ما يقوم به أو يهدد به في مناطق أخرى أو مدن أخرى، وحتى داخل المدينة بما له من معدات تفجير وامكانات تخريب ومخلفات تنظيمية او ذءاب منفردة مغسولة الادمغة ومشوهة العقول. وهذا الخطر من بقاياه حذّر منه قبل التحرير وبعده، من مصادر أميركية اساسا، والهدف من التحذير، كما صار معلوما، استبقاء استخدامه لمآرب وخطط ابعد منه والمدينة او المنطقة برمتها، التي ابتلت به وتحملت الكلفة الباهظة التي دفعتها من جراء صنعه واستثماره. مع الإقرار بهذه البقايا، الدواعش باشكالهم المختلفة. رغم أن الإحصائيات والارقام تحتاج دائما الى توثيق ومسؤولية عالية، الا ما ينشر يعطي تقديرات يمكن اعتبارها شواهد أولية او رصد اولي، لا سيما حين تتداولها وكالات الانباء وتنشرها وسائل الإعلام دون تمحيص او تدقيق على الاغلب. فاعداد ما بقي من الدواعش المنتمين فعليا، حسب مصادر مسؤولة، كما سمتها، وكالة أسوشيتد برس ((2017/7/28 التي نقلت عنها، إن نحو سبعة آلاف ارهابي من تنظيم “داعش” لا يزالون في العراق وذلك بعد أسابيع من إعلان استعادة السيطرة على الموصل أبرز معاقل التنظيم. ونقلت الوكالة عن مسؤولين من المخابرات العراقية ووزارة الدفاع قولهم إن هناك نحو أربعة آلاف مسلح وثلاثة آلاف من عناصر الدعم في تنظيم داعش بالعراق، بينما يوجد نحو سبعة آلاف مسلح وخمسة آلاف عنصر دعم في سوريا. وهذه الاعداد في كل العراق، ولم تعرف بدقة الحصة المتبقية منها في المدينة. وهنا تكمن خطورة الأوضاع الأمنية بعد تحرير الموصل، من هذا الجانب، ولكن حسب كثير من المراقبين أن الخطر لما يزل باقيا رغم إعلان النصر. بعد السيطرة على مدينة الموصل، أعلن منها زعيم “داعش” أبوبكر البغدادي إقامة “الخلافة” من على منصة جامعها النوري الكبير في 2014/6/29 ، وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد أعلن النصر رسميا، بعد سبعة أشهر من المعارك، وبعد يومين من إعلانه، أكد قائد التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة ستيفن تاوتسند أن المعركة لم تنته في العراق في ظل وجود بقايا لتنظيم الدولة في مواقع بالموصل، ودعا إلى طرد هؤلاء المسلحين قبل إطلاق هجمات لملاحقة رفاقهم في مناطق أخرى من البلاد. وهذا التصريح الأميركي ليس جديدا الان، اي بعد التحرير وانما هو مكرر لما قبل التحرير، او هو موقف متناقض اميركي عسكري، في الوقت الذي تجتمع الآراء السياسية والعسكرية العراقية، والسياسية الأميركية والغربية عموما على إعلان الانتصار. وهنا لابد من قراءة التصريحات الأميركية بدقة وما يراد للمنطقة من خطط مرسومة وتمرر بطرق أميركية لم ينتبه من مراميها وما تؤول إليه في النهاية. من هذه التناقضات الأميركية ما حذر منه مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب بالولايات المتحدة نيك راسموسن قبل أسبوع من إعلان الانتصار رسميا من أن “داعش” لا يزال يشكل تهديدا على الأمن العالمي رغم فقدانه السيطرة على أراض واسعة، وأشار إلى أن عناصر التنظيم يسيطرون على مواقع أقل ولكن التخوف مستمر من قدرة عدد قليل منهم على تنفيذ هجمات في المنطقة أو في مدن غربية. وسبق وأن اعلنت وزارة الحرب/ الدفاع الأميركية في وقت سابق أن المعارك في العراق وسوريا قلصت عدد مقاتلي تنظيم الدولة إلى نحو 15 ألفا بعدما كان عددهم يقدر بنحو 31 ألفا في 2014. وحتى هذه الأرقام غير دقيقة ولا موثقة، وتعكس ايضا تناقض التقديرات الأميركية وتخمينات مؤسساتها العسكرية والاستخبارية ومراكز البحوث فيها. من جهة أخرى صرح الفريق الركن عبد الأمير يار الله، قائد القوات المسلحة لتحرير محافظة نينوى العراقية، (15 يوليو 2017 ) في إيجاز عسكري حول عملية تحرير مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى)، أن القوات المشاركة في تحرير المدينة، تمكنت من قتل أكثر من 25 ألفا من تنظيم “داعش”، بينهم أكثر من 450 انتحاريا. وأشار إلى أن القوات العراقية تمكنت أيضا من تدمير 1247 سيارة مفخخة، وإسقاط 130 طائرة مُسيرة للتنظيم، وتدمير أكثر من 1500 عجلة مختلفة للمسلحين. وتابع: “معارك تحرير الجانبين الغربي والشرقي من الموصل استمرت نحو 9 أشهر، بمشاركة أكثر من 100 ألف مقاتل من الجيش، والشرطة الاتحادية، ومكافحة الإرهاب، والحشد الشعبي”. وبيّن أن معارك الجانب الشرقي استمرت 101 يوم، فيما استمرت معارك الجانب الغربي 142 يوما. وقال الفريق يار الله إن القوات المحرّرة لمدينة الموصل حاولت الجمع بين حماية المدنيين والقضاء على الإرهابيين، مشيرا إلى أن القيادة أثبتت إمكانياتها على جميع المستويات. ولفت إلى أن خطط القادة تميزت بالمرونة لضمان تنفيذ الواجبات بكفاءة عالية. كما كشف الفريق الركن عن قرب انطلاق المرحلة الرابعة من عمليات “قادمون يا نينوى”، لتحرير قضاء تلعفر (شمال الموصل) من سيطرة تنظيم “داعش”. احتل ” داعش” المدينة في 10 يونيو2014 وفي 17 اكتوبر 2016، بدأت القوات العراقية حرب التحرير، وخلال هذه الفترة تكبد أهل المدينة والعراق كله ثمنا باهظا، وفي 10 يوليو 2017، أعلن رسميا، تحرير الموصل بالكامل، وكانت حرب التحرير مكلفة ايضا، راح فيها الكثير من الخسائر البشرية والمادية، ونزح ما يقارب المليون مواطن عن ديارهم وأعمالهم وعانوا ما عانوه في نزوحهم. الحرب لم تحسم بعد بشكل كامل، لوجود بقايا ل”داعش” بالمدينة وخطط معدة، كما ذكر، وكذلك في مدن اخرى، فضلا عن وجود داعمين له من مجموعات سياسية باسماء مختلفة، متوزعين بمحافظات العراق بما فيها العاصمة بغداد ومؤسساته الرسمية، مع نشطاء آخرين لا يخفون الدفاع عنه ولا ينكرون ولاءهم له. هذا فضلا عن مؤسسات إعلامية مفرغة له واعلاميين متابعين بحماس لفكره ومسيره. هؤلاء بمجموعهم يشكلون بقايا تنظيم داعش او دواعش ما بعد تحرير الموصل. وهذا الخطر الباقي يستدعي بداهة اليقظة والحذر والانتباه، في العراق والمنطقة عموما. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
4 | نساء “داعش” .. والحماية الأوروبية | محمد عبد الصادق
|
الوطن العمانية |
” هناك تحديات تنتظر الدول المستقبلة لفلول التنظيمات الإرهابية العائدة من مناطق القتال وتشكل حالة المقاتلات الأجنبيات “الأمهات” مع داعش أعقد حالات التعاطي مع من خرجوا من كهوف التنظيم، فكيف يتم التعامل مع أطفال ترعرعوا في كنف تنظيمات إرهابية متطرفة وبدأت دول أوروبية بالفعل الاستعداد لعودة مواطنيها الذين تورطوا مع “داعش” في سوريا والعراق ـ”
المرأة هي أكثر من يدفع ثمن الحروب والصراعات, بحسبها الحلقة الأضعف في المنظومة الاجتماعية ويقع على عاتقها رعاية الأسرة وتربية الأبناء, ولكن أحيانا تكون المرأة جزءا أصيلاً في العنف والإرهاب, وشاهدنا كثيرا من قضايا القتل والثأر تكون المرأة ( الزوجة أو الأم أو الجدة), هي المحرض الرئيسي على ارتكابها. كشفت الحرب التي خاضها الجيش العراقي مؤخرا لانتزاع الموصل من قبضة “داعش”, وجود مئات المقاتلات الداعشيات الأجنبيات المتورطات بشكل مباشر في أعمال القتال تنفيذا لأوامر قادة التنظيم الذين سعوا لتجنيد الشباب من الجنسين من كل أنحاء العالم عن طريق إغرائهم بالمال والزواج والإقامة في عاصمة دولة الخلافة. مقاتلات من الشيشان وروسيا وأستراليا وكندا ودول أوروبا الغربية ومن الدول العربية, يقبعن في سجون العراق انتظارا لمعرفة مصيرهن بعد سقوط دولة الخلافة المزعومة ومقتل وفرار معظم القادة والمقاتلين العرب والأجانب لخارج العراق. سيتم محاكمة الداعشيات العراقيات والعربيات وفقا للقانون العراقي سواء كانت محاكمات مدنية أو عسكرية ولا أعتقد أن هناك دولة عربية ستعترض على سجن أو حتى إعدام داعشية ثبت تورطها في القتال مع هذا التنظيم الذي أصبح العدو الأول لمعظم الدول العربية وأصبح مقاتلوه من الجنسين غير مرحب بعودتهم أحياء إلى أوطانهم الذين ضحوا بها من أجل الخلافة المزعومة. المشكلة في وجود المقاتلات الأجنبيات ضمن المقبوض عليهن, وطرحت الصحافة الغربية مؤخرا سؤالا حول استطاعة القضاء العراقي التعامل مع تلك القضايا بالطرق التي تتماشى مع القوانين التي تكفل للمتهمات محاكمات عادلة وفق مبادئ حقوق الإنسان الأوروبية, ففي أوروبا يظل المواطن يتمتع بكافة حقوقه الدستورية مهما اقترف من جرم ما دام يحمل الجنسية الأوروبية. ورغم الوحشية التي تعرض لها المدنيون تحت الاحتلال الداعشي وانتهاك حقوق الإنسان والحيوان بداية من القتل والتنكيل وسوء المعاملة لأهل الموصل في سجون داعش التي شيدوها لمعاقبة المخالفين لهم في الرأي أو الزي أو التفكير واتخاذهم النساء والأطفال دروعا بشرية قبل سقوطهم وتفجير المساجد والأماكن الأثرية ونشرهم الجهل والتخلف إلا أن منظمات حقوق الإنسان في أوروبا تتحدث عن ضمانات لمقاتلات داعش وتوفير محاكمات نزيهة لا تقضي بالإعدام, وتتواصل القنصليات الأوروبية مع المعتقلات لتقديم المساعدة القانونية والتأكد من ظروفهن المعيشية داخل السجن . ومن القصص التي نشرت واهتمت بها الصحافة الغربية, قصة المرأة الفرنسية وأطفالها الأربعة الذين وقعوا في الأسر, وبينما تواجه الأم اتهامات بالإرهاب لدخولها العراق بصورة غير قانونية والانضمام لـ” داعش”, لا يعرف مصير الزوج ولا جنسيته وهل قتل في معارك الموصل أم كان من الفارين؟! ولكن الحكومة الفرنسية طلبت من السلطات العراقية تسليم الأطفال إلى فرنسا ولم تعرب عن اهتمامها بإعادة المرأة لمسقط رأسها. بغض النظر عن تفاصيل قصص تورط النساء مع “داعش”, يصعب جدا إثبات تهم انضمام أو تعاون النساء مع التنظيم الإرهابي, وستظل الوقائع غامضة مع ضخامة الحشود التي فرت من الموصل طوال الشهور الماضية واستمرار حكم داعش لما يزيد عن ثلاث سنوات, وحالة الفوضى التي عادة ما تستمر عقب النزاعات الشديدة, ويظل الأساس الذي يتهم النساء بالانضمام أو التعاون مع داعش أو غيرها من الجماعات الإرهابية مبنيا على ادعاءات فردية إلى حد كبير وربما يتحول إلى مجال للانتقام أو نفاذ الأحكام الطائفية أو التعسفية. على الجميع الانتظار واحترام الأحكام القضائية, بعد تأكيد الحكومة العراقية أن الإجراءات القانونية التي ستتبعها المحاكم العراقية عند النظر في القضايا المتعلقة بانضمام أو تعاون النساء مع داعش سيراعى فيها المعايير المهنية الدولية ومراعاة حقوق الإنسان, مع الإقرار بصعوبة الحصول على أدلة الإدانة أو البراءة في مثل هذا النوع من المحاكمات. هناك تحديات تواجه النساء عندما يصبحن زوجات لمقاتلي “داعش” لينخرطن في العنف ويشاركن في القتال الفعلي إلى جانب التنظيم , وفي هذه السياقات هناك أسئلة افتراضية معقدة مثل:هل ينبغي لنا أن نفترض أن المرأة التي أعلنت ولاءها للتنظيم قد اتخذت قرار الانضمام دون إكراه أو إملاءات أم أنها انضمت نتيجة ضغوط عائلية أو زوجية تفرض عليها إطاعة الزوج , ولأنها لا تملك خيار الرفض أو مغادرة المكان خوفا من التهديد بالقتل وخوفاً على أولادها مما يصعب عليها عمليا ترك الزوج أو المكان الذي تمارس فيه الأعمال الإرهابية. ومع ذلك سيكون من السذاجة الافتراض أن جميع النساء الداعشيات أجبرن على الانضمام للتنظيم أو تعرضن لتهديدات لترك أوطانهن الآمنة طواعية والالتحاق بشريك تعارفن عليه عبر العالم الافتراضي, أو افتراض أن المرأة دائما بريئة ويصعب انخراطها في أعمال العنف لمجرد كونها أنثى أو أماً أو كليهما معا , فقد شاهدنا نماذج لنساء لم تمنعهن الأنوثة ولا الأمومة عن ممارسة العنف وارتكاب أبشع الجرائم. هناك تحديات تنتظر الدول المستقبلة لفلول التنظيمات الإرهابية العائدة من مناطق القتال وتشكل حالة المقاتلات الأجنبيات “الأمهات” مع داعش أعقد حالات التعاطي مع من خرجوا من كهوف التنظيم، فكيف يتم التعامل مع أطفال ترعرعوا في كنف تنظيمات إرهابية متطرفة وبدأت دول أوروبية بالفعل الاستعداد لعودة مواطنيها الذين تورطوا مع “داعش” في سوريا والعراق ـ سواء كانوا ذكورا أوإناثاًـ بإنشاء مراكز للرعاية الاجتماعية والنفسية , لمحاولة إدماج العائدين في المجتمع وفصل أبنائهم عنهم وإخضاع الأطفال لعلاج نفسي وتأهيل اجتماعي , لتخليصهم من الصور المفزعة لمشاهد القتل والعنف التي علقت بذاكرتهم خلال وجودهم رفقة آبائهم بمناطق القتال في سوريا والعراق . أما في العراق وسوريا فالوضع معقد فكثير من الأطفال الذين شاهدوا آباءهم أو أخوتهم الكبار يُقتلون, لن يكون من السهل إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع, قبل تصحيح الأفكار التي يحملها هؤلاء الصغار, فكثير ممن انضموا لـ “داعش” في العراق من أهالي الموصل كان دافعهم رفض الظلم والتمييز والتدخل الأجنبي واعتباره احتلالا وسقطوا في أسر الدعاية التي روجها “داعش” عن نصرة المستضعفين و إقامة الخلافة وطرد الكفار من بلاد الإسلام. هذه الأفكار لن يتم محوها بمجرد سقوط “داعش” في الموصل أو طرده من الرقة وإذا تركت الأجيال التي تشربت هذه الأفكار ـ دون تصحيح هذه المفاهيم التي ورثوها عن آبائهم سيتحولون لقنابل موقوتة جاهزة لنشر الموت والخراب في أي مكان يحلون به طال الزمن أو قصر , لو استطعنا إقناع الأمهات بفساد منهج “داعش” ومخالفته لصحيح |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
5 |
التحوّلات العراقية: استعادة التعايش مفتاح استعادة العرب
|
عبد الوهاب بدرخان
|
الاتحاد الاماراتية |
إذا لم تكن محنة «داعش» قد أدّت إلى مراجعات عميقة في الوسط السياسي العراقي على اختلاف انتماءاته المذهبية أو حتى العرقية، فإن أي تغيير أو إصلاح، واجبين وحتميين، لن يحصلا على الإطلاق، وستبقى الدولة هائمة في مهب الرياح الإيرانية، بلا أمل في إنعاش التعايش بين الفئات. الأخطر أنه لن تكون هناك فرصة لاستعادة العراق إلى العراقيين قبل عودته إلى العرب. قد تكون اللحظة الراهنة هي الفارقة، أياً تكن شخوصها أو مبادراتهم. فما حصل لبضع مدن وبلدات ليس مروّعاً فقط لكونها ساهمت تاريخياً في إنضاح العمق الثقافي والحضاري للعراق، أو لكونها احتضنت مزيجاً من الديانات والمذاهب وليس السنّة فحسب، بل لأنها كانت علامة التميّز والتعدّدية العراقيين.
كانت محنة قاسية ومدمّرة، وإذا لم يهتم الأميركيون وسواهم إلا بتمثّلاتها الأمنية، وما أضافته إلى ظاهرة الإرهاب، فإن العراقيين ملزمون بالتأمل ليس فقط في وقائعها ونتائجها، بل أيضاً وخصوصاً في مقدّماتها. فالكارثة كانت للعراق وليس لـ «محافظات» بعينها، وقد عرّضت الملايين من أبنائه لوحشية الموت الرخيص والإعدامات الانتقامية وللتشرّد والجوع والإذلال، ملتهمةً موارد البلد وواضعةً مستقبله على محك صعب. ولعل الأكثر فظاعة أن يُصار إلى تضييع المسؤوليات والالتفاف على التحقيقات والإصرار على طمس الحقائق، بداعي الاصطفاف المذهبي، وكأن مَن كان في سدّة الحكم أسدى خدمة لطائفته؛ إذ تصلّب بمواقفه تجاه الطائفة الأخرى وتصرّف كمكلّف بمهمة استفزاز العنف والتطرّف واستدراجهما. لا يقلّ فظاعة أن تكون إيران اللاعب الرئيسي في مقدّمات هذه الكارثة والمستفيد الوحيد من حصولها لمضاعفة تفريخ الميليشيات، وأن تستعدّ الآن لاستغلال نتائجها وهندسة التوزّع الديموغرافي للسكان، وفقاً لأهدافها السقيمة.
أمام الدمار الرهيب وأنهار الدم ومئات آلاف في مخيّمات النازحين لا بدّ من وقفة، وإلا تذهب كل هذه المآسي هباءً، إذا كان الساسة سيعيدون إنتاج الأوضاع التي أدّت إليها، أو إذا واصلوا الرضوخ لإرادة إيران التي ترى مصلحتها في أن يبقى الإرهاب في خلفية المشهد، وأن لا تقوم للعراق قائمة. يُذكر أنه خلال الأزمة التي سبقت ظهور «داعش» حاولت أصوات قليلة عاقلة طرح حلول، بل إن واشنطن جرّبت أن تنصح، لكن نوري المالكي كان يصغي فقط إلى طهران.
أما اليوم فثمة تحوّلات تلوح في الأفق بدافع من تداعيات «ما بعد داعش»، لكنها أيضاً من مؤشّرات الحراك الاجتماعي ضد الفساد، المستمر منذ عام ونيّف، إذ كان له تأثيره في شحذ الوعي العام كما في إنذار الوسط السياسي المؤتلف حول الحصص والمصالح، بل إن عدم نجاحه في فرض الإصلاحات المطلوبة ضاعف النقمة والمطالبة بالتغيير. أصبح مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي من الأسماء الدالة إلى تلك التحوّلات، وعنوانها الأبرز القطع مع السياسات التي اتّبعت منذ 2003 حتى الآن، وربما أيضاً الذهاب إلى إخراج الدولة من القواقع المذهبية. في المقابل لا يزال المالكي في الخطّ الذي نهجه وهو في الحكم، رغم أنه جعل من العراق دولة فاشلة وآيلة إلى التفكّك. وفي الوسط يأخذ المرجع الشيعي الأعلى «علي السيستاني» مسافة من الساسة، وكذلك من إيران واتباعها، من دون أن يشكّل أي سلطة، لكن الجميع يعامله على أنه بوصلة وطنية. ولا شك أن المراجعات مطلوبة بإلحاح أيضاً على الجانب السنّي، صحيح أن مرحلتَي الاحتلال الأميركي والهيمنة الإيرانية لم تتيحا له فرصةً طبيعية للانتظام والانخراط في «العملية السياسية»، إلا أن محنة «داعش» التي نالت منه بأكثر مما أضرّ به سقوط النظام السابق يُفترض أن تكون بلورت لديه وعياً جديداً لدوره ومكانته ومستقبله في العراق.
لعل الأهم في هذه التحوّلات أنها وضعت استعادة العرب كعنصر للتوازن الداخلي في صميم التفكير في المرحلة الصعبة المقبلة، مرحلة الحفاظ على وحدة العراق شعباً وأرضاً ودولةً وجيشاً. نعم كانت هناك سلبية عربية في التعامل مع «عراق ما بعد صدام»، وكانت لها ظروفها وأسبابها، ويتحمّل بعض مسؤوليتها عراقيو/ إيرانيو «النظام الجديد» ولا يستطيعون رمي مسؤولية تفرّدهم بالدولة وفشلهم في إدارتها على أيٍّ من جيرانهم الخليجيين، ولعل هؤلاء أدركوا اليوم أخطاءهم لا في حق جيرانهم، بل في حق مواطنيهم أولاً. وإذ يتطلّع الجميع إلى انتخابات 2018 كنقطة انطلاق للتغيير، فلا بدّ من تذكيرهم بأن استعادتهم مقوّمات التعايش الوطني هي المفتاح، سواء للتخفيف من آلام الانفصال الكردي، أو للاستفادة من إيجابيات الانفتاح على العرب، أو بالأخص لفرملة نهج التخريب الإيراني.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
6 | «الحشد الشعبي» يقسم العراق
|
سالم سالمين النعيمي
|
الاتحاد الاماراتية |
أعلن مستشار الأمن الوطني العراقي فالح فياض في مارس الماضي، أن عدد مقاتلي «الحشد الشعبي» 140 ألف مقاتل بينهم 45 ألف مقاتل سُني، فهل كانت صناعة «الحشد» من أجل الدفاع عن جميع مكونات أبناء الشعب العراقي؟ ونتساءل: عندما يصرح رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، «حيدر العبادي» بأن قوات «الحشد الشعبي» تمثل كل العراقيين، وهي من حررت واستعادت الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم «داعش»، هل يقول ذلك بمحض إرادته؟ والكل يعلم أن العبادي طبعاً في صراع سياسي مفتوح مع كتل مختلفة تتصارع على السلطة، والسلطة الفعلية بيد إيران! فبعد أن صادق رئيس الوزراء حيدر العبادي ومجلس النواب على «قانون الحشد الشعبي»، فقد منحوها الصبغة القانونية، وقاموا بإضفاء الشرعية على «الحشد» كتنظيم عسكري على قرار الحرس الثوري، تحت ذريعة الانضمام إلى الجيش العراقي، مما دعا قائد «فيلق القدس»، التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، يُدلي بتصريح مفاده أن «انضمام الحشد الشعبي إلى القوات المسلحة العراقية، حوّل الجيش العراقي إلى جيش حزب إلهي».
وكل ذلك يحدث والتيار الصدري يلوح باستخدام ورقة «سرايا السلام»، والتي يردد قيادات التيار بأن لديها قدرة افتراضية على بناء جيش من مئة ألف عنصر، وأن عدد المسجّلين على قائمة المتطوعين لدى التيار الصدري ربما يتخطى ذلك العدد بكثير، ونشير هنا إلى الرسالة من وراء زيارة «الصدر» للمملكة العربية السعودية، وما يحدث في «العوامية» بالقطيف في الثلاثة الشهور الماضية من أحداث، وكيف وصل التسليح للعناصر الخارجة على حكومة بلدها إلى سيناريو يتطور إقليمياً بصورة تنذر مما هو قادم من صراع في المنطقة ومن دور «الحشد الشعبي» وتحالفه مع الجيش السوري تحت قيادة إيران على إشعال النار في المنطقة برمتها. فشرعية «الحشد الشعبي» جاءت بخدعة ذكية من الثقل الحكومي العراقي الموالي لبيت الحكم الإيراني، بحيث تم إضفاء الشرعية على التنظيم بتحوير فتوى «السيستاني» حول «الواجب الكفائي»، حيث انبثقت من ثنايا تلك الفتوى تفرعات حوّلت الدعوى لكل المواطنين العراقيين للتطوع لمقاتلة «داعش» إلى فتوى تخص الفصيل الشيعي، وخاصة أن نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الأسبق، كان يحتاج لمثل هذه الميلشيات الطائفية المسلحة لمواجهة المد «الصدري».
ومن المعتقد أن قوات «الحشد» تتضمن ثلاثة فصائل متمايزة، استناداً إلى ولاءاتها إلى كلٍ من خامنئي، و«السيستاني»، ومقتدى الصدر، علماً أن «السيستاني» و«الصدر»، يعارضان تنامي النفوذ الإيراني في العراق، وكان لا بد من وجود قوات مثل «الحشد الشعبي»، كمدخل لإيران لتهجير السُنة و«شيعنة» الأراضي العراقية السُنية جغرافياً، والمضي قدماً في مخططها الصفوي الإمامي الأكبر.
وتبقى المجموعات اليمينية الموالية لخامنئي في «الحشد» حليفة مقربة من طهران تساعدها على التأثير في مسار الأحداث في سوريا والعراق، ويرجع ولاؤها الفقهي لخامنئي كسلطة دينية تسمو فوق الانتماءات الوطنية. وفي المقابل عجز «العبادي»، إلى حد كبير، عن كبح تأثير القادة العراقيين الموالين لخامنئي، مع أن هيئة «الحشد» تخضع إلى سلطة مكتبه كرئيس للوزراء، ولكن بسبب علاقات الهيئة مع وزارة الداخلية التي تديرها «منظمة بدر» الموالية لخامنئي، تتحكم طهران بالهيئة، وتفرض سطوة كبيرة على قرارات وتحركات «الحشد». والتحدي الذي يواجه العبادي وخضع له مرغماً يعود إلى حجم وتأثر مؤيدو خامنئي، في البرلمان والأحزاب اليمينية، وكتلة العامري، والمالكي، والمهندس، وجميعهم يحلمون بحرس ثورة إسلامي عراقي يفوق في قوته وتسليحه وتدريبه الجيش العراقي النظامي، كما أن لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مسيرة وليست مخيرة.
فعندما يؤكد العبادي على بقاء الميليشيات ورفض حلها، ودعم ميزانيتها، فهو يقر بأن ميليشيات «الحشد»، هي المكون الأقوى في المؤسسة العسكرية العراقية والضامن له في كرسي رئاسة الوزراء، ولكنه كيف سيواجه قيام مسعود بارزاني في إقليم كردستان بتشكيل جيش من أبناء الأقليات خارج إطار الدستور والقانون، والضغط على الحكومة المركزية، وكذلك على الأقليات من أجل السيطرة على مقدرات مناطقهم؟ بحيث تكون القوة مناوئة لـ«الحشد الشعبي» وفصائل عسكرية عديدة وفق الطائفة والقومية ستجعل العراق أرض الميعاد الفارسي، وسيحتد التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة، وتتصاعد وتيرة الحروب بالوكالة، بهدف أن تصبح العراق دولة فاشلة ليس لها خيار سوى التقسيم.
|
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
7 | في ذكرى غزو الكويت
|
د.البدر الشاطري
|
البيان الاماراتية |
منذ ما يزيد على ربع قرن قامت قوات صدام حسين بغزو الكويت في 2 أغسطس 1990، ومن ثم ضمها كمحافظة عراقية بعد أيام قليلة من الاجتياح. وكان للغزو مدلولات كبيرة على البيئة الإقليمية والعالمية وليس من المبالغة أن الوطن العربي والإقليم ما يزالان يعانيان من أثار ذلك الحدث الأهم في تاريخ العرب منذ نكسة 1967، بل إن هزيمة حزيران زادت من درجة التضامن العربي. ولكن الاجتياح العراقي للكويت أصاب النظام العربي الإقليمي في مقتل ومفهوم الأمن العربي في الصميم.
ورغم أن الخلافات العربية-العربية كانت تعتري النظام العربي وتؤثر على العلاقات الرسمية بين الدول العربية إلا أن غزو الكويت خلق شرخا عميقا بين الشعوب التي ناصرت الكويت، وتلك التي بررت الغزو بدواعي القومية العربية.
ومن دواعي السخرية أنه ليس هناك حدث في التاريخ العربي الحديث أساء إلى قضية العروبة مثل فاجعة غزو الكويت. ولا حتى الصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل، وما تبعه من عزل مصر السادات من النظام العربي، أضر بقضية التضامن العربي مثل أزمة الكويت.
واحسب أن توابع تلك الأزمة ما زالت تلقي بظلالها على الواقع العربي. فالقضية الفلسطينية، والتي هي بمثابة القضية المركزية للعرب، تأثرت سلبا من تداعيات الغزو. وقد اعتقدت القيادة الفلسطينية حينها بأن الغزو سيعزز من الموقع التفاوضي للعرب من اجل إجبار الولايات المتحدة للتعامل بجدية مع القضية الفلسطينية والضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية مقابل انسحاب عراقي من الكويت.
ولكن أتت الرياح بما لا تشتهيه السفن الفلسطينية. وخرج العراق من الحرب مدحورا ومضرجا بدمائه، وخرج معه الفلسطينيون بخسائر فادحة على المستوى السياسي وحتى الشخصي بالنسبة للجالية الفلسطينية في الكويت.
وقد علق المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد على أنه من الخطأ على شعب يعيش تحت الاحتلال أن يؤيد أي احتلال. وفسرت تنازلات الفلسطينيين في أوسلو بأنها نتاج للخطأ التاريخي في الوقوف مع صدام حسين في الأزمة الكويتية. والحال الفلسطيني إلى يومنا هذا من سيئ إلى أسوأ دون أن يكون هناك بصيص أمل.
كما أصبح مفهوم الأمن العربي من أهم الضحايا للمغامرة التي قام بها صدام. فلقد كان النظام العربي الإقليمي قائم على الأمن المشترك لجميع الدول العربية وأن أي مساس بأمن دولة عربية هو تهديد لبقية الدول العربية. ولا شك أن مشاركة الدول العربية في الحروب العربية الإسرائيلية، حتى من غير دول المواجهة، لدليل على أهمية وفاعلية مفهوم الأمن العربي المشترك. وكان هذا المفهوم أساسا لاتفاقية الدفاع المشترك بين الدول العربية.
وبعد غزو العراق للكويت وتحالف العرب ودول أجنبية لتحرير الكويت من قبضة صدام أصبح مفهوم الأمن العربي الجمعي من ذكريات الماضي. بل إن المفهوم قلب على رأسه حيث أن قوة دولة عربية قد تكون تهديدا لدولة أخرى.
وكان لتوابع هذا الغزو حصار شديد على العراق استمر إلى ما يزيد على عقد من الزمن. وقد أنهك هذا الحصار قوى العراق وعطل ركنا مهما من أركان النظام العربي الإقليمي. وبعد أن شعرت واشنطن أن أمد الحصار استنفد فاعليته وبدأت القواعد السياسية للحصار تتأكل، قامت بغزو العراق وإسقاط النظام في بغداد.
ولم تستطع الولايات المتحدة السيطرة على العراق بعد الاحتلال وتكشف لواشنطن سوء تقدير «الخبراء» والذين روجوا إلى أن العراق سيكون سهلا وطيعا وأن المسألة ستأخذ شهورا لحسمها. وتكبدت الولايات المتحدة خسائر في المال والأرواح، ولكن اقل من الثمن الذي دفعه العراق والعراقيون بسبب الاجتياح والاحتلال الأميركي. وحتى الساعة، فان الكيان السياسي العراقي مهدد وواقع تحت النفوذ الإيراني.
ومن ضحايا الغزو الذي لا يزال يسود في المنطقة حتى يومنا هذا تغلل دول الجوار غير العربية في الشأن العربي وبكل جسارة. وأصبحت دول الجوار مثل تركيا، وإسرائيل وإيران أهم اللاعبين في الإقليم.
وبسبب تعطل العراق ووقوعه تحت النفوذ الإيراني، أصبح الفضاء الجيوسياسي ممهدا للتأثير الإيراني من العراق إلى بلاد الشام وحوض البحر المتوسط غربا. وتعزز نفوذ إيران وتواجدها في لبنان بسبب حزب الله والذي تحول من مقاومة إسرائيل إلى أداة إيرانية في هذه المنطقة. وتصاعد التواجد الإيراني العسكري في سوريا مع استعار الحرب الأهلية والتي تدور رحاها منذ ست سنوات.
وكذلك الحال مع النفوذ التركي والذي يتعاظم يوما بعد يوم. وقد رأت تركيا الأردوغانية فرصة جيوسياسية سانحة لاستعادة مجدها في المنطقة العربية. وتحت عباءة الدين والديمقراطية والنجاح الاقتصادي شرعت في بسط نفوذها مستغلة الاضطرابات في بعض الدول العربية منذ 2011. ولعل التواجد العسكري التركي في قطر آخر تجليات هذا النفوذ الذي تتمتع به تركيا في المنطقة العربية.
وبالنسبة لإسرائيل فحدث ولا حرج. فقد استطاعت أن تحلب المنطقة العربية من كافة التنازلات السياسية من اعتراف وتطبيع دون دفع الكثير في المقابل. وازدادت شراسة في الاستيطان وهضم الحقوق الفلسطينية، بل وتدنيس المقدس دون وازع أو رادع.
هذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم لتداعيات كارثة احتلال الكويت. |
|||
ت | عنوان المقالة او الافتتاحية | اسم الكاتب | مكان النشر |
8 | ما بعد داعش هل ثمة استراتيجية أميركية جديدة | مأمون كيوان | الوطن السعودية |
يبدو أن حجر الزاوية في مختلف الرؤى الاستراتيجية والتكتيكية الأميركية بوجود أو غياب تنظيم «داعش» وأشقاؤه، هو درجة تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وقضاياه الساخنة، بشكل دائم
أثارت الأنباء عن احتمال مقتل زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وانتهاء معركة الموصل في العراق، وقرب هزيمة «داعش» في الرقة السورية، تساؤلات في صفوف النخبة السياسية الأميركية حول «اليوم التالي» لشرق أوسط بدون «داعش» ودور الولايات المتحدة في عملية إدارته. وفي هذا السياق، عُقدت رزمة مقارنات ومقاربات بين غياب البغدادي واغتيال أسامة بن لادن، وبين تنظيمي: «داعش» و«القاعدة» بنيوياً ووظيفياً. في حالة تنظيم «داعش» يترافق غياب البغدادي، ذو الدور الرمزي، وليس العسكري. بمقتل غالبية قادته، وعلى نحو خاص منهم القادة من البعثيين السابقين الذين شكلوا قيادة الظل الميدانية. أما تنظيم القاعدة في العام 2011: فعندما توفي أسامة بن لادن، ظل الكثير من مساعديه ونوابه حاضرين للحفاظ على بقاء المنظمة. لكن لن يذوب الآلاف من مقاتلي «داعش»، بل ربما سيسعون إلى ابتكار منافذ بديلة للعنف. وكما أظهر تنظيم «القاعدة» من قبل، فإن خسران الأراضي لا يحد بالضرورة من قدرة المجموعة على إلهام أنصارها البعيدين عن ميدان المعركة. وبينما كانت لدى «القاعدة» ميزة وجود الكادر الناجي من كبار القادة القادرين على إدامة الاستمرارية ومركزية الوجهة؛ لا يمتلك تنظيم «داعش» هذه الميزة. لذا من غير المرجح أن تبقى شبكته من الفروع التابعة متماسكة. وثمة احتمال، يُعد خطيراً، «لمصالحة» بين «داعش» و«القاعدة» وحل الخلافات بينهما التي كانت خلافات أيديولوجية وشخصية. فعلى المستوى الأيديولوجي، زعم «داعش» أنه يمثل الخلافة المنبعثة، ولذلك يطالب بولاء المسلمين كافة – وهو شأن يرفض تنظيم «القاعدة» تقديمه. وبمجرد أن لا تعود هناك خلافة، فإن هذا الخلاف الأيديولوجي سوف يتلاشى. وعلى المستوى الشخصي، يكره جماعة «داعش» أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم «القاعدة»، وينظرون إليه على أنه مغتصب للقيادة. ولن يسامح «داعش» أيمن الظواهري أبداً على دعمه لجبهة النصرة، التابع لـ«القاعدة»، عندما انفصلت عنه. وثمة فكرة شائعة بين أعضاء «داعش»، هي زعمهم أنهم يمثلون «قاعدة بن لادن»، كنقيض لما يعتبرونه «قاعدة الظواهري». لكن ذلك اليوم ربما لا يكون بعيداً عندما يحمل أمير القاعدة مرة أخرى اسم مؤسسها. ممثلاً بنجل بن لادن أي حمزة بن لادن. ويتعزز هذا الاعتقاد في أنه مع البغدادي أو من دونه، تبدو «الدولة الإسلامية» في شكلها الحالي محكومة بقدر الفناء. بينما أيديولوجية بن لادن ما تزال متجهة إلى النجاة والبقاء لفترة طويلة في المستقبل. ويرى كولين بي. كلارك في دورية فورين بوليسي الأميركية أنه «لن يكون مقتل أبي بكر البغدادي كافياً وسوف تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية رئيسية تستخدم كل السبل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي تحت تصرفها». ويتمثل مبرر الحاجة إلى استراتيجية أميركية جديدة في أن العوامل الرئيسية التي أفضت إلى نشوء وارتقاء «الدولة الإسلامية»، «ما تزال، بما في ذلك الحرب الأهلية السورية والطائفية المميتة في عموم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قائمة بقوة». ويعتقد غراهام إي. فولر، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن سقوط «داعش» سيكون موضع ترحيب لدى معظم المسلمين بالإضافة إلى الغرب. لكن علينا عدم الاعتقاد بأن الإرهاب الذي يرتكب باسم الإسلام سوف ينتهي بشكل آلي. فهذا الإرهاب، كما يعرفه على نحو موسع المتخصصون في هذا الشأن، لا ينبثق بشكل أساسي من اللاهوت -إنه من إفراز السياسة والاجتماع والأقليات المحرومة، أو حتى الأفراد الذين يواجهون مشاكل والساعين إلى تبرير أيديولوجي للتعبير عن الغضب الناجم عن حالتهم المرضية الشخصية (…..) وطالما كانت الظروف الراديكالية موجودة، فإن الظروف المواتية لمزيد من الإرهاب سوف تستمر في الوجود. ويرى إليوت أبرامز، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، أن هزيمة «داعش» سوف تطرح سؤالين جدّيين جداً على الولايات المتحدة: الأول: مَن الذي سيملأ الفراغات التي يتم طرد المجموعة الجهادية منها؟ والسؤال الثاني هو: كيف يمكننا المضي قدُماً ضد الجهاديين السُنة الذين يواصلون التآمر على الولايات المتحدة؟. وأشار إلى استنتاج غير مرحب به – وغير مرغوب بالتأكيد في البيت الأبيض وبالنسبة للكثير من الأميركيين. هو «إن هزيمة «داعش» لن تنهي تورطنا في صراعات الشرق الأوسط، وربما تقود في الحقيقة إلى زيادة هذا التورط. وطالما استمرت إيران في محاولة الهيمنة على كامل المنطقة، وبينما تواصل الجماعات الجهادية السنية استهدافها الولايات المتحدة، فإن هزيمة «داعش» ستغير -وإنما لن تقلل- حصة الولايات المتحدة في سياسات القوة في الشرق الأوسط». ويشاطره الرأي روبرت مالي، نائب الرئيس لشؤون السياسة في مجموعة الأزمات الدولية، الذي يؤكد أنه «عندما يهدأ الغبار، سوف تواجه الولايات المتحدة شرقاً أوسط يناضل، ما يزال يناضل الشياطين المألوفين. وسوف تواجه أيضاً معضلتها المألوفة الخاصة: إلى كَم من العمق ينبغي أن تتورط في المنطقة؟». ولذلك يرى أن الوسيلة المثلى لتأمين مصالح الولايات المتحدة في عالم ما بعد «داعش» هي «أن لا تنضم إلى -ولا تقوم بتكثيف- الصراعات التي لديها القليل من القول الفصل فيها، والتي يمكن أن تطلق العنان لنفس الفوضى والطائفية التي ولدت من رحمها مجموعة «داعش» الإرهابية، والتي تزدهر عليها. ويجب عليها العمل على تهدئة الحروب بالوكالة، والتوسط في اتفاق سعودي-قطري، والضغط من أجل وضع نهاية للحرب اليمنية، والتمسك بموقف محسوب تجاه الإسلام السياسي، وخفض التوترات بين السعودية وإيران». أما كول بونزيل، مؤلف كتاب من الورق إلى دولة الخلافة: «أيديولوجية الدولة الإسلامية»، فيعتقد أنه «ستبقى الجهادية مقسمة. ومن شبه المؤكد أن تنظيم «الدولة الإسلامية»، الحاضر في شكل أو آخر منذ العام 2006، سوف يبقى على قيد الحياة. وكذلك سيفعل تنظيم «القاعدة». لن يبتلع أي منهما الآخر، ولن يجري أي منهما أي تعديلات أيضاً». إجمالاً، يبدو أن حجر الزاوية في مختلف الرؤى الاستراتيجية والتكتيكية الأميركية بوجود أو غياب تنظيم داعش وأشقاؤه، هو درجة تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وقضاياه الساخنة، بشكل دائم، التي تحقق لها حماية مصالحها الحيوية بمردود عال وكلفة أقل. |