ثلاث مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاربعاء

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 المزاد السري العلني حول «إعمار» الموصل

 

هيفاء زنكنة

 

القدس العربي
 

 

تركزت الأضواء، أثر اعلان تحرير الموصل، على إعادة اعمار المدينة التي اتفق الجميع على ان الخراب لحق بثمانين بالمئة من جانبها الأيمن، بضمنها الجسور والمستشفيات والماء والكهرباء والمدارس والبيوت السكنية والمباني الحكومية، ويفتقر جانبها الايسر إلى متطلبات الحياة الأساسية. مما حَوَل نصف المدينة، إلى أرض يباب تفوح منها رائحة الموت، ومقبرة للكثيرين من سكانها الذين قضوا تحت المباني المهدمة، جراء الاقتتال وقصف التحالف « الإنساني»، الهادف إلى «تحريرهم»، بقيادة أمريكا.

مثل مزاد علني، تعالت تخمينات تكلفة أعمار الخراب، في الموصل، خاصة، بينما يشير حال المدن المحررة الأخرى إلى انها لاتزال تعيش الخراب، ذاته، بكل تفاصيله، ومنه التخريب البشري المتعمد بعرقلة ومنع عودة النازحين إلى بيوتهم، بعد مرور عام على اعلان التحرير. ساهمت دول مانحة ومنظمات الأمم المتحدة والعديد من منظمات الاعانة والتنمية الدولية بالإضافة إلى النظام العراقي، في تقدير ميزانية «الأعمار». تراوحت الميزانية المطلوبة بين مليار دولار أمريكي إلى عشرة. وفر البنك الدولي مبلغ 400 مليون دولار، نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، لمشارع استعادة الخدمات الأساسية في المدن المحررة من تكريت والرمادي وديالى، بالعراق، إلى سوريا. قراءة تفاصيل المشاريع وانجازات البنك الدولي، المتوفرة على الانترنت، والصور الزاهية، توحي بأن البلدين سيعيشان ازدهارا فردوسيا خلال فترة قياسية. الا ان واقع سير الأمور يوحي بالنقيض. وهذا لا يقتصر على المشاريع المدعومة من قبل البنك الدولي فحسب بل يمتد ليشمل كل الأطراف المساهمة الأخرى.

فالفوضى سائدة، أولا، نتيجة عدم التنسيق بين الجهات المتعددة (المنظمات الدولية والدول المانحة والنظام العراقي ومنظمات المجتمع المدني مثلا)، هناك، ثانيا، إحساس عام بعدم الثقة حول كيفية التصرف بالأموال. حيث أصبح الفساد (محليا ودوليا)، منذ الاحتلال عام 2003، هو العملة السائدة، خاصة في مجال الاعمار «التزويقي». وكانت لعقود الشركات والمؤسسات الأمريكية والبريطانية، فخر مأسسة الفساد ونشره عبر التعاون مع الساسة المحليين. وإذا كانت بعض جوانب الفساد الأمريكي والأمريكي – العراقي، خاصة، قد كشفت في السنوات الأخيرة، فان عقود الفساد مع إيران، كقوة احتلال ثانية، لاتزال مطمورة بقوة تحت العمائم. النقطة الثالثة هي اختلاف اجندات الدول والمؤسسات المانحة التي ابعد ما تكون عن الاحسان وتوزيع الصدقات والمتغيرة وفقا لمصالحها أولا وأخيرا. هذا كله يتم في غياب كُلي لمشاريع الاعمار والتنمية الوطنية واكتفاء الكفاءات العراقية، باستثناء الندرة، بطرح ملاحظات وأفكار سياسية عامة أكثر منها مشاريع قابلة للتحقيق الفوري وذات بعد استراتيجي تنموي، في آن واحد.

بالنسبة إلى أجندات الدول المانحة، أمريكا، مثلا، هناك تغيير في صياغة سياسة برامج المساعدة. اذ لم تعد تَدَعي انها تهدف إلى «الاعمار» و»بناء الديمقراطية»، كما سوقت قبل وبعد الغزو. ستقتصر سياستها الجديدة على «إعادة الاستقرار» بدلا من «إعادة الاعمار» وقد تبنت الأمم المتحدة، في نشراتها، المصطلح نفسه. ما هو الفرق؟ وكيف سينعكس ذلك على حياة اهل الموصل والمدن المدمرة الأخرى التي كان للقصف الأمريكي دورا في تحويلها إلى أنقاض؟

يأتينا التوضيح من بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف العالمي لمكافحة داعش، في مؤتمر صحافي في آب/أغسطس 2017:

«هذه ليست إعادة الإعمار؛ انها ليست بناء الأمة. الاستقرار هو إزالة الألغام…. إزالة الأنقاض بحيث يمكن للشاحنات والمعدات الوصول إلى المناطق التي تحتاج إليها. وهذا يعني الكهرباء، والصرف الصحي، والمياه، والضروريات الأساسية للسماح للسكان بالعودة إلى بيوتهم… الآن، نلتقي، أحيانا، بالمجالس المحلية ويقولون: «نريد من الولايات المتحدة، مساعدتنا في تشغيل المستشفيات، وتعملون، أيضا، على تشغيل نظام المدارس». فأقول: لا، نحن… لن نفعل ذلك. لقد تعلمنا بعض الدروس، ونحن لسنا جيدين جدا في ذلك، وأيضا هذه ليست مسؤوليتنا. ما سنفعله هو الاستقرار الأساسي». يثير توضيح ماكغورك للصحافيين حول تغيير اهداف سياسة الإعانة تساؤلات عديدة لعل أهمها هو: إذا كان ما يقوله صحيحا فلم زيادة عدد القوات العسكرية والمرتزقة ومستخدمي الشركات الأمنية؟ إذا كان الهدف هو إعادة الاستقرار، ألن يتم ذلك بسرعة أكبر وتكلفة أقل بواسطة تشغيل الايادي العاملة المحلية، أي توفير فرص العمل والكرامة للشباب مما يحميهم من مخاطر الانزلاق في منظمات تتغذى على سياسات التهميش والاقصاء؟

ويزيد من فوضى الوضع غموض ما تطرحه الجهات المختلفة وعلى رأسها مجلس الوزراء ومنظمات الأمم المتحدة. كلاهما يتصرفان وكأن اعمار الموصل، على الرغم من الواقع اليومي للمأساة، جاء كإعصار غير متوقع ومفاجأة أخذتهما على حين غرة. حيث استضاف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، برعاية أمانة مجلس الوزراء، ندوة في بغداد بتاريخ 31 تشرين الأول/ أكتوبر. لماذا؟ لمناقشة آفاق التخطيط لإعادة إعمار الموصل، أي ما كان يجب القيام به قبل عام على الأقل، ليبدأ تنفيذه فور اخلاء المدينة من مقاتلي «الدولة الإسلامية»، إذا كانت نية الاعمار، بلا فساد مباشر او غير مباشر، حقيقية. المباشر هو العمولة التي يتقاضاها المسؤول المحلي، أيا كان منصبه، من العقود اما الفساد غير المباشر، فهو المصروفات الكبيرة على مؤتمرات وندوات، تتم فيها استضافة مسؤولين ومنظمات مجتمع مدني واعلاميين (غالبا ذات الوجوه) لتسويق مصطلحات ومفاهيم، قابلة للاستهلاك الدولي، ولا علاقة لها بواقع الناس المرير.

للتسريع في عملية الاعمار وإعادة النازحين إلى بيوتهم، تمت الدعوة من قبل افراد ومؤسسات عراقية، مثل «مؤسسة الموصل»، إلى اعتبار الموصل مدينة منكوبة، وطلب الحماية الدولية لفتح الطريق امام إعادة البناء والاعتماد على كفاءة أبناء الموصل المشهود لهم بالتقدم العلمي والحضاري والقدرة على البقاء على مدى العصور.

أن عجز النظام عن معاملة العراقيين كمواطنين يتمتعون بحق الحياة والكرامة والمساواة امام القانون، يدفع الناس إلى البحث عن حلول، يفتقر بعضها إلى بعد النظر، وهذا ما يحدث، في العديد من المحافظات، وتشكل كارثة الموصل قمتها، في أجواء الصراعات الطائفية والعرقية وقمع مبادرات المجتمع الأهلي. ان تأخر اعمار المدن الخربة هو مسؤولية النظام الأولى، خاصة، بعد إزاحة شماعة «داعش». وتبقى لمبادرات أهل الموصل من الشباب الجامعي والمهنيين في نقاباتهم او مجاميعهم، أهميتها القصوى إذا ما نجحت، لا في إعادة الاعمار لوحدها فحجم الكارثة أكبر من ذلك، ولكن في تقديم الاقتراحات حول أولوية المشاريع ورصد تطبيقها، والتوعية المجتمعية لأستعادة ما أضعفته سنوات الاقصاء والاقتتال.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 زلزال الحدود الإيرانية العراقية يتحدى العاطفة الإنسانية طارق أشقر

 

 

 الوطن العمانية
   

بقدر ما أوقع الزلزال الذي ضرب الحدود الإيرانية العراقية مساء أمس الأول أكثر من 340 متوفى، وشرد أكثر من 70 ألف شخص منهم من سكان المناطق المتأثرة بتلك الهزة الأرضية العنيفة البالغة قوتها 7.3 درجة بمقياس ريختر ومركزها منطقة حلبجة التي ينتمي سكانها إلى أكراد العراق، غير أن هذا الحدث الأليم اعتبره الكثيرون اختبارا حقيقيا للعاطفة الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط على وجه العموم، والمناطق المجاورة بجغرافية الحدث على وجه الخصوص.

ورغم أن غالبية القتلى والمصابين بسبب هذا الزلزال من سكان إقليم كيرمان شاه غرب إيران الذي أصيب فيه قرابة الستة آلاف شخص، إلا أن آثاره امتدت إلى أكثر من منطقة بإيران كالأحواز وزنجان وتبريز، وفي العراق بمنطقة دربنديخان التي جرح فيها أكثر من خمسين شخصا، بالإضافة إلى ما شعر به بعض السكان من هزات خفيفة في عدد من الدول المحيطة بجغرافية المنطقة مثل مدينة السليمانية شمال العراق، والعاصمة العراقية بغداد، وبعض مناطق جنوب تركيا، ولبنان وإسرائيل.

ورغم هول الكارثة، وفقدان هذا العدد الكير من أرواح “البشر”، إلا أن التجاوب الإعلامي والإغاثي العالمي، وأينما كان مصدره يبدو حتى الآن ضعيفا ولا يتناسب مع حجم الكارثة، خصوصا وأن تشريد أكثر من سبعين ألف شخص هو عدد ليس بالقليل، وذلك لو اعتبرنا أن من قضى نحبه يحسب في عداد من هم أقل أولوية في عمل المنظمات والدول المغيثة.

أن يتشرد سبعون ألف “إنسان” بين ليلة وضحاها، هذا “قدر” كان ينبغي أن يلقى سرعة التفاعل الإنساني والإعلامي، وبالتالي سخاء التبرعات، وتدفق المواد الإغاثية من مختلف مناحي تواجد الإنسان، وذلك فضلا عن ما ينبغي حدوثه من التعاطف والمشاركات الوجدانية بين الشعوب بعضها البعض، دون اعتبار لاختلاف جنسيات البشر، أو دينهم، أو طوائفهم، أو انتماءاتهم وقناعاتهم السياسية.

الحدث كان يفترض فيه، حدوث حالة من الالتفاف الإنساني حول مناطق وقوعه، في وقت عادة ما تكون فيه مشاعر التعاطف الإنساني أقوى من لحظات تذكر الخلافات بمختلف تصنيفاتها وتعقيداتها، وذلك لأن الإنسان هو الإنسان كيفما تعقدت الظروف المحيطة به، وأن التسامي وتجاوز الخلافات بين المخلوقات صفة حميدة يتفرد بها “الإنسان” فقط دون غيره من المخلوقات التي تعيش في هذا الكوكب المليء بالكوارث البيئية والكونية والجيوليوجية، فضلا عن نكبات وضحايا الحروب التي يتسبب فيها الإنسان نفسه ويعود وبالها عليه وعلى غيره ممن يشاركونه المعيشة في هذا الكوكب… ولكن في كل الظروف يظل “الإنسان” هو سيد الموقف وهو الذي معه زمام المبادرة في إعطاء الأولوية لسيادة مبدأ التعايش السلمي.

وعليه، نأمل في أن يشكل زلزال الحدود العراقية الإيرانية رغم غلبة رائحة الموت على جغرافيته، أن يشكل نقطة انطلاقة حقيقية للاهتمام بمن يقطنون تلك المناطق الزلزالية في تركيبتها الجغرافية دون النظر إلى انتماءاتهم العرقية ودون اعتبار لمستوى الخلاف السياسي أو غير السياسي معهم، خصوصا وأن الزلازل في المناطق التي تعرف بها، وكما يراها الجيولوجيون كثيرة التكرار بشكل متواتر ويصعب التنبؤ بها، فضلا عن أن الوضع الراهن لأولئك المتأثرين بزلزال ليلة الأحد ينبغي أن يكون مؤثرا في نفوس الجميع، خصوصا وأن الرحمة صفة ملازمة لقلوب البشر مهما سيطرت عليها بعض لحظات القسوة العابرة… إنها حقا لحظة تحدٍّ حقيقية للعاطفة الإنسانية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   ماذا جناه ما سمي بالاستفتاء؟  كاظم الموسوي

 

  الوطن العمانية
  

كل ما سبق ما سمي بالاستفتاء كان انتهاكا دستوريا ومزاعم وادعاءات مخادعة، حيث كان البرلمان في الإقليم مجمدا، والتوافقات متناقضة ومتباعدة، وكذلك رئيس الإقليم منتهية ولايته وفق الدستور الذي أصدره ووقع عليه بنفسه، ومنع رئيس البرلمان المنتخب من الوصول إلى مقر البرلمان، وكذلك إبعاد وزراء معينين وفق إجراءات متفق عليها قبل الاستفراد بالسلطة والاستئثار لإدارتها دون أية قواعد أو اتفاقات أو احترام لإرادة وطنية أو شعبية.

 

لم يكن الاستفتاء الذي جرى يوم 2017/9/25 في إقليم كردستان العراق وتجاوز زعيمه غرورا إلى مناطق سميت بالمتجاوز عليها، وأبرزها محافظة التاميم، كركوك، إلا كشفا فاضحا لخطأ ما يسمى بالعملية السياسية في العراق منذ الغزو والاحتلال عام 2003 وما تلاه. كما تبين أن المساومات والسكوت على التجاوزات والصمت على الارتكابات السياسية والقانونية والدستور الذي تبناه كل من اشترك فيه، هي السائدة وهي التي تسببت في ما حصل وما دفع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني إلى التعنت والإصرار على ما سماه بالاستفتاء. والكوميدي في الإجراء أن كل من أيده ادعى أنه حق مشروع لشعب لا يمكن التراجع عنه أو رفضه وأن كل الدول الحليفة التي رهن نفسه لخدمتها سترضى بنتائجه وتوافق على ما ادعاه وصرح به ولهذا، كما يبدو، استعجل ونشر صوره مع ممثلي تلك الدول ومبشري الشر في العالم من المتعصبين اليمينيين والداعمين لخراب الشعوب والدول، حيثما حلوا أو دنست أقدامهم أراضيها. أمثال زلماي خليل زاده وبرنار كوشنير وبرنار هنري ليفي وأضرابهم. زاعما أنهم مستشارون له وداعمون لخططه. وجاءت النتائج التي زعموا بأرقامها ونسبها ما يخالف أبسط منطق أو يتوافق مع أبسط تحليل وتقرير. وهي كلها تفيد بفضح ما سمي بالاستفتاء وأسلوبه وتداعياته. وقد أصبح فعليا عملا إيجابيا للعراق والكرد وعرى الانعزاليين والانفصاليين الذين انساقوا إلى مشاريع العدوان والخراب للعراق والمنطقة وراهنوا على الدعم الصهيوني والانحياز الغربي وبعض المتخادمين معه. وكانت إيجابيته الأساسية في الكشف والضغط على الحكومة الاتحادية لأخذ زمام الأمور وإعادة الأمن والأمان للمناطق التي تم التوسع فيها زورا ومخالفة لأبسط الأعراف والدستور والقواعد، والعمل على بسط سيطرتها وحماية البلاد والعباد واحترام حقوق المواطنين والإقليم والمحافظات، بما يعود للدولة هيبتها ووزنها الداخلي والخارحي، ويوفر لها فرصا أفضل في خططها المرسومة للقضاء على الإرهاب الذي اجتاح محافظات من ساحتها الجغرافية والسياسية والقانونية ودورها الفاعل في المنطقة والعالم. وتم فعلا إعادة كثير من الأمور إلى ما كانت عليه أو يجب أن تكون عليه.

بعد خداع الأرقام والنسب المئوية التي ضللت الناس بها عن ما سمي بالاستفتاء في الإقليم وما تلاه من مزاعم حوله أو في الترويج له رغم كل ما أثاره وخالف فيه كل ما سبقه من تحذيرات أو تنبيهات أو توصيات من كل الأطراف الوطنية والأجنبية. استعادت إدارة الإقليم وعيها بخطئها وخطورة خطوتها.

كل ما سبق ما سمي بالاستفتاء كان انتهاكا دستوريا ومزاعم وادعاءات مخادعة، حيث كان البرلمان في الإقليم مجمدا، والتوافقات متناقضة ومتباعدة، وكذلك رئيس الإقليم منتهية ولايته وفق الدستور الذي أصدره ووقع عليه بنفسه، ومنع رئيس البرلمان المنتخب من الوصول إلى مقر البرلمان، وكذلك إبعاد وزراء معينين وفق إجراءات متفق عليها قبل الاستفراد بالسلطة والاستئثار لإدارتها دون أية قواعد أو اتفاقات أو احترام لإرادة وطنية أو شعبية. ولهذا فالاستفتاء عمليا ليس قانونيا وليس دستوريا ولا يمكن فرضه بهذه الأساليب التي لا تعبر عن معناه أو أي معنى ديمقراطي يتشدق به بعض مسؤولي الإقليم الذين كشفوا عن عقلية بعيدة جدا عن الألفاظ التي شوهوا معانيها ومدلولاتها بطرح مخالف لأبسط صورها العملية والواقعية.

انتهاء المغامرة وفشل تحقيق أي من الأهداف التي خطط لها أجبرت إدارة الإقليم على المناورة والتراجع وإصدار بيانات لا تختلف بصورتها الفعلية عن مزاعم الاستفتاء، والتأكيد على فقرات واضحة القصد، بإيقاف العمليات العسكرية، وهذا له ما يفسره ويراد منه، وكذلك تجميد نتائج الاستفتاء. وهذا التجميد إعلان له ما له أو ما يعنيه حاليا، إذ يحاول أن يستفيد من الوقت أو الالتفاف على أهدافه الأولى مؤقتا. وفي الواقع لا تعني هذه الفقرات عن توجهات صحيحة لحلول سليمة تعيد الأمور إلى مواقعها وتحافظ على الوحدة الوطنية العراقية وتستهدف المشاركة في التخلص من الإرهاب وتنظيماته التي تمكنت القوات العسكرية العراقية بكل مسمياتها من هزيمته وإبعاده عما احتله من مدن ومساحات واسعة في شمال وغرب العراق.

كانت مطالب الحكومة المركزية واضحة، إلغاء نتائج الاستفتاء والانسحاب الطوعي من كل التمدد الجغرافي الذي تجاوزت فيه قوات البشمرجة، (التي تعتبرها حكومة الإقليم بأنها مرتبطة من حيث الرواتب والتسليح بوزارة الدفاع المركزية) واعتبرتها حدودا للإقليم برغبات فردية مخالفة للدستور والتوافقات والاتفاقات السابقة لها. ومن ثم بدء الحوار لتحديد واجبات وحقوق الإقليم والمركز والالتزام بها.

جدد بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، (2017/11/7) الدعوة للالتزام التام بالدستور وقرارات المحكمة الاتحادية، وآخرها المتعلق بتفسير المادة (1) من الدستور والتي أكدت على وحدة العراق، وألزمت السلطات الاتحادية كافة بالمحافظة على هذه الوحدة، وأشارت بوضوح إلى عدم وجود أي نص في الدستور يجيز الانفصال». وطبقا للبيان فإن «جميع الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة الاتحادية كانت ضمن هذه المواد الدستورية وضمن صلاحياتها»، مطالبا الإقليم بـ«إعلانه الواضح الالتزام بعدم الانفصال أو الاستقلال عن العراق بناء على قرار المحكمة الاتحادية».

استفاد إقليم كردستان العراق بعد احتلال العراق من المشاركة الواسعة في الحكم والموارد العراقية، ولكنه استغل دخول ما سمي إعلاميا بداعش واحتلاله لمحافظات بالتمدد إلى مناطق أخرى وإعلانها حدودا جديدة للإقليم، وكذلك التصرف بالثروات الوطنية بما يخالف ما اتفق عليه، بل إن إدارة الإقليم تمادت بذلك معتمدة على تحالفات خارجية تتعارض مع الدستور والتوافقات الوطنية، فضلا عن اتخاذ إجراءات بل وانتهاكات صارخة كشفت نوايا سلبية أدت إلى ما سمي باستفتاء الانفصال عن العراق.

وأجرت الحكومة الاتحادية سلسلة مفاوضات مع إقليم كردستان؛ عبر لجان فنية عسكرية مشتركة، لحسم الخلاف بين الجانبين بشأن السيطرة على مناطق سهل نينوى، فضلا عن المنافذ الحدودية الواقعة ضمن حدود الإقليم، وكذلك في قضايا الطاقة والعلاقات الخارجية.

إلا أن بعض القيادات الكردية تعوّل على «التحالف الدولي» ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بشأن المفاوضات العسكرية الجارية وغيرها بين أربيل وبغداد.

ونقل بيان عن اجتماع بينهما مشيرا إلى المفاوضات مع الجيش العراقي وتسليم عدة مقترحات والتوصل إلى اتفاق انتشار الجيش العراقي في عدد من المناطق، مشيرا «نتمنى من التحالف الدولي أن يوسع أكثر من وساطته بين البشمرجة والجيش العراقي، وأن تتمكن من تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الجانبين، وأن يصبح الوضع طبيعيا»(!)

بعد كل ذلك، يكرر الإقليم دعوات الحوار مع بغداد، إلا أنه يحاول المناورة والدوران على الموقف الصحيح، بينما الموقف السياسي في العاصمة العراقية يضغط مشترطا إقرار إدارة الإقليم رفض الاستفتاء كشرط أساسي للحوار، وهو ما يتوجب البدء به أساسا تعبيرا عما جناه ما سمي بالاستفتاء ودرسا لفرسانه ومستشاريهم.