اربع مقالات عن العراق في الصحف العربية يوم الاحد

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الكُرد وحق تقرير المصير

 

سعد الله مزرعاني الاخبار اللبنانية
شاع حق تقرير المصير، كمبدأ وكهدف وشعار سياسي، تحت وطأة انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية في بداية القرن العشرين، وتحت تأثير التحولات الاقتصادية الهائلة التي كرستها (أو ساعدت على بلورتها) نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية في عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي.

 

ولقد أمكن، بشكل عام، اعتبار أن الاستقلال السياسي للبلدان المستعمرة قد أنجز غالباً، وإن الاستعمار القديم قد انتهى. شذَّت عن ذلك حالات محدودة في «أفريقيا الجنوبية» من خلال نظام الفصل العنصري (الأبارتيد). أما الشذوذ الأعظم فقد تجسّد بُعيد ذلك في فلسطين من خلال المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي استمر، وحيداً في هذا الكون، نظاماً يجمع بين كل وأبشع أنواع الاستعمار، وسط حماية دولية، سياسية واقتصادية وعسكرية، لا مثيل لها في التاريخ.

قوى التحرر والتغيير، قبل حوالى 100 عام، حوّلت شعار حق الشعوب في تقرير المصير إلى ركن أساسي في مواقفها وسياستها الخارجية. الاتحاد السوفياتي بقيادة مؤسسه فلاديمير لينين نظَّر للفكرة، وأقدمت دولته الوليدة على فضح المعاهدات الاستعمارية التي كانت روسيا شريكاً فيها ومنها معاهدات تقاسم هيمنة ونفوذ في المنطقة العربية نفسها.

لكن في وقائع التاريخ، أيضاً، أن أشكالاً جديدة من الهيمنة الإمبراطورية قد حلَّت محل الأشكال القديمة. وأن استقلال البلدان وسيادتها على أرضها وثرواتها ومصائرها عموماً، كانا منتقصين ومجتزأين إلى حدود خطيرة. كذلك فإن حركات تغيير كانت قد تبنَّت شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، قد تراجعت عنه في مراحل لاحقة، وأنشأت لنفسها إمبراطوريات خاصة (المعسكر الاشتراكي) بُني جزء أساسي منها على الإخضاع والإكراه، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية.

ولقد كان في خرائط ما بعد الحرب العالمية الثانية (وبالاستناد الى نتائجها) حجم كبير من التعسف في عملية تقاسم النتائج والنفوذ والبلدان. هنالك ضحايا معروفون ذهبوا ضحية سهلة ومتعسفة على ضفتي تلك الخرائط (الوضع اليوناني على سبيل المثال). وسط كل ذلك تجمعت عناصر عديدة، سياسية واقتصادية وأمنية، في تطورات ومواقف مراكز قوى تلك المرحلة، القديمة والجديدة، الدولية والإقليمية، لحرمان الشعب الكردي من أن يكون له كيان مستقل. جرى توزيع كردستان الطبيعية بين أربعة بلدان. وجرى، بالكامل، شطب حق تقرير المصير للكرد واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا وسط تواطؤ دولي وإقليمي شبه شامل رغم الصراعات والتباينات الدولية والإقليمية على المستويات كافة.

جزء من القوى التحررية العربية استظل شعارات تحررية قومية. كانت هذه الشعارات الموجهة أصلاً ضد الهيمنة الخارجية الاستعمارية، تنطوي في الوقت عينه على نظرة استعلائية وشوفينية ضد القوميات الأخرى في المنطقة العربية. وهي، عموماً، أقليات عرقية أو دينية. بلغ من تفاقم هذا الخطأ أن ترتبت عليه، سياسات قمع وتمييز واضطهاد وإرهاب اقترنت غالباً بمنع الكرد خصوصاً من ممارسة أبسط عناصر التعبير عن الهوية والثقافة والحضارة الخاصة بهم، وبأبشع الأساليب وصولاً إلى استخدام أدوات الإبادة أو العقاب الجماعيين.

حاول الكُرد، عبر تعبيرات سياسية وتنظيمية ناشطة، تغيير هذا الواقع. حمل كثيرون منهم السلاح. لجأوا إلى قوى خارجية، إقليمية ودولية، طلباً لدعم سياسي أو عسكري. تعرضوا لاستغلال قضيتهم من قبل قوى حاولت توظيف نقمتهم في خدمة مشاريعها ومصالحها. ارتكبوا في مجرى ذلك، أخطاء صغيرة أو كبيرة… لكن معاناتهم استمرت وتصاعدت خصوصاً في تركيا، وحتى فترة متأخرة، في العراق.

لأسباب عديدة، وكجزء من سياساتها حيال العراق، وبعد تعاظم استهداف المناطق الكردية من قبل نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قدّمت الإدارات الأميركية المتلاحقة مساعدات مهمة لحماية المناطق الكردية من خطر قصف الطيران العراقي. فرضت مناطق «حظر جوي» أفقد الرئيس العراقي تفوقاً عسكرياً كان حاسماً في الميدان. عام 2003، أي في مجرى الغزو الأميركي للعراق وبعده، توسَّعت وتوطَّدت العلاقات الأميركية الكردية. سعى الأميركيون لتقديم أنفسهم كحماة وضامنين للمناطق وللمصالح الكردية في تركيبة ما بعد الغزو والاحتلال. طبعاً، كان ذلك بثمن الولاء الكردي الكامل لواشنطن وسياساتها في العراق والمنطقة. دخل الكيان الصهيوني، مرة جديدة، على الخط، لتعميق الصراع العربي الكردي ولجني مكاسب خاصة.

في امتداد نتائج الغزو الأميركي للعراق ومن ضمنه سياسة تغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية و… في المنطقة، ومن ضمن تعاظم دور الكرد في الصراعات الموزعة على أكثر من بلد، وخصوصاً ضد «داعش» والإرهاب… تعاظمت النزعة الكردية نحو الانفصال. نشوء إقليم كردستان العراق، كإقليم ذي حكم ذاتي، تكاملت مقومات تحوله إلى إقليم مستقل وسط اضطراب عراقي خطير وشامل (فضلاً عن الأزمة السورية والتركية). وهو اضطراب قاد، بين أمور أخرى يعدها البعض للمنطقة ولوحدة بلدانها السياسية والجغرافية والاجتماعية، إلى إعلان استفتاء الاستقلال من قبل رئاسة إقليم كردستان العراق في 25 من شهر أيلول القادم.

ثمة صراع في إقليم كردستان العراق، بين تشكيلاته السياسية، حول السلطة والنفوذ والعلاقات مع بغداد والخارج. لكن ثمة تعاطفاً سياسياً وشعبياً كردياً عاماً، لا جدال بشأنه، شعار الاستقلال، ولو مع شيءٍ من الحذر والرغبة في التدرج والإبقاء على شيء من الوحدة في نطاق العراق، من قبل كثيرين.

لا تبشر تطورات الوضع، في الشرق الأوسط عموماً وفي المنطقة العربية خصوصاً، بالتوصل إلى حوارٍ بناء وجدي وملتزم بشأن مشكلة الكرد وحقوقهم بما يحول دون الانفصال. التمزق السياسي والمذهبي الراهن، التدخلات والمصالح الخارجية، ضعف الروح الوطنية وروح المسؤولية، تراجع قيم العدالة والتسامح والتضامن الوطني والقومي… كلها أمور تشير على أن فرص استيعاب حركة النزوع الكردي نحو الانفصال لا علاج مقبولاً لها في المرحلة الراهنة. البعض يكتفي بالتحذير. بعض آخر يريد أن يكون الاستفتاء شاملاً كل الشعب العراقي وكذلك دول المنطقة. هذا لن يعالج شيئاً ويكرر سياسات بائسة سابقة.

في كل الحالات ينبغي دعم حق الشعب الكردي في تقرير مصيره. حبّذا لو توفرت شروط استمرار الوحدة وفق علاقات مختلفة تقوم على الاعتراف، من قبل الدول المعنية، بحقوق الكرد وثقافتهم وحضارتهم، وهي حقوق سياسية وإنسانية بالدرجة الأولى. الأمل مفقود في هذا الاتجاه، ولذلك لا يمكن رفض حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وفق الاتجاه الذي يريده، شرط أن يتم ذلك بشكل واقعي ومدروس ومن دون إكراه من أي سلطة: كردية أو عربية أو أجنبية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 العراق وكردستان الكبرى

 

 

مصطفى زين

 

 الحياة السعودية
 

يدور جدال بين السياسيين الأكراد حول توقيت الاستفتاء على انفصالهم عن العراق. مسعود بارزاني، ومعه حزبه وقبيلته بطبيعة الحال، يرى أن الظروف مواتية لإعلان كردستان دولة مستقلة، وإن لم يتحقق الحلم الآن فلن يتحقق أبداً. جلال طالباني، وحزبه وقبيلته، التحق به، كي لا يبدو خائناً. ويمكن أن نلخص الظروف التي يتحدث عنها بارزاني كما يأتي:

 

اطمأن الرجل إلى أن أي حزب كردي لن يجرؤ على معارضته، نظراً إلى شعبية الطرح، فأي مخالف سيعتبر خائناً للقضية وللقبيلة الأكثر نفوذاً التي تمسك بمفاصل الإقليم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وتقرر مصير القبائل الأخرى، وترفع شعار من ليس معنا فهو ضدنا وليتحمل النتائج، أي أن «الأسايش» (جهاز الأمن) جاهز للتعامل معه وإن لم يرضخ فـ«البيشمركة» الخاصة بالقبيلة على استعداد لتنفيذ الأوامر. وتجربة حركة «التغيير» ماثلة أمام الجميع، فعندما عارضت إعادة انتخابه رئيساً للإقليم طرد نوابها ورئيس البرلمان ووزراءها ديموقراطياً من أربيل، وعطل المؤسسة التشريعية التي يجب أن تناقش مسألة الاستفتاء والانفصال. أما الطالبانيون المتحصنون في السليمانية ولديهم أجهزتهم الأمنية والعسكرية الخاصة بهم، فمن السهل إرضاؤهم بتقاسم السلطة وموارد النفط.

 

القمع وحده لا يكفي لشد العصبية القومية والقبلية، لذا لجأ المسؤولون في حزب بارزاني إلى عملية تضليل كبيرة. رفعوا شعار الاستقلال بدلاً من الانفصال، للإيحاء بأن العراق دولة تحتل أرضهم وتتحكم بمصيرهم. ويرى بارزاني أن التحالف الشيعي – الكردي الذي تسلم مفاصل الدولة خلال الاحتلال الأميركي لم يعد له مبرر، فطموحه أكبر من أن يتمثل الأكراد في المركز برئيس لجمهورية العراق وعدد من الوزراء وقادة الجيش، وإقامة علاقات خارجية علنية مباشرة مع دول بعضها يسعى إلى اقتطاع أجزاء من البلاد، مثل تركيا، وأخرى سرية يفترض ببغداد أنها على عداء معها مثل إسرائيل. ويستغل بارزاني الخلافات المذهبية في العراق، ومطالبة البعض بإنشاء أقاليم فيديرالية تمهيداً للانفصال عن بغداد، والعداء الذي يكنه هؤلاء لـ «الحشد الشعبي» الذي أعلنه رئيس الوزراء جزءاً من المنظومة الأمنية. كما يستغل العداء الأميركي لهذه القوة العسكرية التي تدعمها إيران وتسعى إلى فتح الحدود مع سورية وخرق خطوط حمر راسخة منذ عشرات السنين تحول دون تحالف البلدين. من هنا كانت دعوته سكان المناطق التي سيطر عليها إلى المشاركة في الاستفتاء، وتشمل أجزاء كبيرة من محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، فضلاً عن كركوك كلها، من دون أن يبالي برأي بغداد أو مواطني هذه المناطق من غير الأكراد.

 

هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فيرى بارزاني أن لكل من الدول المعنية مباشرة بالمسألة، أي سورية وتركيا وإيران، وضعها الذي لا يسمح لها بالتحرك ضده بقوة: دمشق غارقة في حروبها الداخلية. أما أنقرة فلديها ما يكفيها من مشاكل داخلية، وتحركها ضد انفصاله سيقابله أكرادها بتصعيد عملياتهم العسكرية في سائر المدن، ما يهدد نظامها الذي يخوض حرباً ضد أعدائه في الداخل، ويشن حملة تطهير في الجيش وقوى الأمن والجامعات والمدارس والصحافة وكل المؤسسات.

 

تبقى إيران، يعتقد بارزاني بأن الولايات المتحدة لن تسمح لطهران بأي تحرك ضده، خصوصاً أن البيت الأبيض في عهد ترامب، أشهر العداء لها، ويسعى إلى إلغاء الاتفاق النووي معها، ويحاربها داخل العراق وسورية، وفي المحافل الدولية.

 

بمعنى آخر، يعتقد بارزاني بأنه سيد اللعبة في العراق وفي الإقليم وعلى المستوى الدولي، من هنا تشديده على الظروف المناسبة لإعلان «كردستان الكبرى» داخل العراق، وتوسعها سيكون حتمياً في المستقبل، أي بعد انهيار الدول المحيطة بها فواشنطن مستعدة لحمايته وكل ما تبقى تفاصيل.

 

تحقُق حلم بارزاني بدولة مستقلة سيكون عاملاً لمزيد من الحروب في الشرق الأوسط، وليس عامل استقرار على ما يروج.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   «الحشد الشعبي»… مشروع الولي الفقيه في العراق  د. كريم عبديان بني سعيد

 

  الشرق الاوسط السعودية
   

تمدّد الحشد الشعبي إلى المناطق السنية في العراق بسرعة فائقة، وساعد تنظيم داعش إيرانُ وأعوانها في العراق لتفرض أجندتها على معظم المناطق السنية في البلاد. وبعد الانتهاء من «داعش» في الموصل، تتوضح أهداف الولي الفقيه في العراق، وهي استنساخ الحرس الثوري من بطن الحشد الشعبي في بلاد الرافدين، ليصبح العمود الأساسي للنظام السياسي الجديد في العراق، مثلما استحوذ على مقاليد الأمور في إيران بحجة الحرب الإيرانية – العراقية قرابة أربعة عقود في إيران.

 

ونظراً لما حصل في إيران في ظل حكم العسكر والحرس، على الشعب العراقي أن يعي خطورة المرحلة وما يخطط له الولي الفقيه في العراق، وما يطمح إليه قاسم سليماني في بلادهم، من أجل السيطرة الكاملة على الشعب العراقي ومقدراته. لا شك أن مشروع بقاء هيمنة الحشد الشعبي على القرار السياسي في العراق وشّل بناء الدولة العراقية من خلال استحواذ الميليشيات على المؤسسات هو مشروع إيراني من أجل إخضاع العراق لحكم آيات قم وطهران، وتبعية بلاد الرافدين إلى إيران والانتقاص من استقلالية إرادة الشعب العراقي بكل أطيافه.

 

وهل يقبل الشعب العراقي بعد كل المعاناة التي عاناها والدماء الطاهرة التي سالت والتضحيات التي قدمت، أن يصبح قراره السياسي بيد هادي العامري أو قيس الخزعلي اللذين ينافقان الولي الفقيه في قم وطهران؟ ومن يقول إن شعب الرافدين وصاحب أولى الحضارات الإنسانية، لا يستطيع بناء مجتمع ودولة ديمقراطية تعدّدية تمثل جميع الأطياف السياسية وتحترم حقوق الإثنيات والطوائف المتعدّدة والمرأة، وتسعى لبناء مواطنة حقيقية بين آحاد الناس؟ المخرج السياسي الوحيد للعراق هو ابتعاد الدولة عن الآيديولوجيات السامة ونزاعات الميليشيات. ومن مصلحة مراجع الدين الشيعة كافة أن تطالب بإبعاد الإسلام السياسي عن مؤسسات الدولة، حتى لا تتكرر مآسي نظام الولي الفقيه في العراق، والمطلوب التحرك بشجاعة تجاه هذا الموضوع من قبل المرجعيات الدينية، مثلما تحركت ودافعت عن العقيدة والإيمان وصيانة النفوس والأعراض والممتلكات وقانون رجل واحد صوت واحد… عليها أن تدافع عن دولة خارج سيطرة رجال الدين والحرس والميليشيات. علينا ألا ننسى أن مشروع الميليشيات الذي جربناه منذ أربعة عقود في إيران، هو مشروع تقويض المجتمع المدني وكبح الحريات بكل أشكالها وحكم الحزب الواحد ومحاكم الثورة ومشانق الساحات العامة وسيطرة المخابرات والباسيج وتفشي الفساد في بنية الاقتصاد الوطني وسيادة المحسوبية وعصابات الاختلاس والرشوة وسجون أصحاب الفكر والصحافيين وانتشار الدعارة وبنات الهوى، في ظل نظام فاشي – شوفيني لا يقبل النقد وعنوانه «حكم الولي الفقيه المطلق».

 

وأريد أن أؤكد ومن باب الذكر لعلماء ومراجع الشعة العظام، أن هناك شعباً شيعياً مضطهداً من قبل نظام الولي الفقيه في الأحواز جنوب إيران، تُسحق حقوقه يومياً ويُقمع أبناؤه على مدار الساعة، وتُصادر أراضيه قسراً، ولكن لم نسمع صوتاً ولو مرة واحدة، تناديه وتتضامن معه المراجع الدينية!

 

إيران في الوقت الراهن تبذل أموالاً هائلة من أجل ترويج الحشد وتمهيد طريقه لكسب المراكز السياسية اللازمة في المستقبل القريب، ومن أهمها الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة. ما تريده إيران خلق أجواء ميليشياوية عشية الانتخابات وإيصال موالين للحشد إلى البرلمان في ظل هذه الأجواء المصطنعة. وإيران تحاصر العراق الآن من ثلاث جهات؛ الشرقية والغربية والجنوبية، وتريد أن تقلب الأمور على الشعب العراقي من الداخل ومن خلال تحرك الميليشيات التابعة لها والسياسيين الموالين لها. ورأينا في الأيام الأخيرة تصريحاً تمويهياً من نوري المالكي يدعو روسيا إلى المشاركة العسكرية في العراق حتى يصبح العراق أرضاً منتدباً عليها مجموعة من الدول، وفي المقدمة نظام آيات طهران. وهذه دعوة رسمية إلى إيران لتبقى عسكرياً في العراق متى تشاء بعد أن ملأ وجودها أرض الرافدين بصورة غير شرعية وغير رسمية، ويتحرك سليماني حسب هواه في كل نقطة في العراق، ويحضر اجتماعات الدولة العراقية ويلقي أوامره على المسؤولين العراقيين!

 

وهنا يأتي دور المرجعية التي أفتت بتشكيلة الحشد الشعبي لمناهضة «الدولة الإسلامية» المزعومة، وبعد تحرير الموصل وتفكك تنظيم داعش في العراق، على المرجعية أن تتخذ موقفاً من تدخلات إيران والدفاع عن السيادة العراقية ومؤسسات الدولة وإفتاء بحلّ ميليشيات الحشد الشعبي وتوحيد القوات العسكرية العراقية تحت راية الجيش، والتأكيد على حق الجيش الحصري بامتلاك السلاح. إصرار قاسم سليماني على إبقاء السلاح بيد الحشد الشعبي على غرار «حزب الله» اللبناني، ليس تدخلاً سافراً في شؤون العراق الداخلية فحسب، بل انتهاك فظيع للدستور العراقي وما يطمح به الشعب لبناء الدولة العراقية الجديدة.

 

وفقاً لما كتبته جريدة «شرق» الإيرانية، فإن 41 فصيلاً من الحشد الشعبي تمتثل لأوامر قاسم سليماني والولي الفقيه في إيران، وتزيد أعدادهم على 100 ألف عنصر، ويتلقون رواتب عالية بالمقارنة مع عناصر من الجيش العراقي، تتراوح بين 800 و1400 دولار شهرياً. وفي سياق الميزانية، ما يهدف له قاسم سليماني في حال فرض الحشد الشعبي على الدولة العراقية، هو أن الدولة العراقية تتكلف بتسليم رواتب ميليشيات الحشد بينما قيادة الحشد لا تتبع أوامر المسؤولين العراقيين!

 

إيران صنعت «داعش» من أجل ما تقوله الآن، ويتلخص بجملة واحدة: العراق يعني الحشد والحشد يعني العراق!

 

من منظور الدعاية الإيرانية لا شيء خارج هذه العبارة «الحشد هو الذي دافع عن العراق وهو الذي حرّر الموصل وهو الذي باق في العراق». وأبعد من ذلك، إيران تطمح لتقول إن الحشد هو التاريخ والحاضر والمستقبل، وتفسر للشارع الإيراني من أجل إغرائه بالمصالح اللاحقة أن «الحشد هو إيران»، وما خططت له القيادة الإيرانية منذ زمن بعيد للاستحواذ على الشرق الأوسط من بحر قزوين إلى البحر المتوسط.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  في رسم الساعين إلى إنفصال كردستان نقاط ينبغي أن توضع بالحسبان

 

 صباح علي الشاهر

 

 

   الراي اليوم بريطانيا
  

1-إن قطاعا واسعا من العراقيين يتمنى هذا الإنفصال اليوم قبل الغد، وهو قطاع في أغلبه صامت ، ولموقفه هذا أسباب تتحمل القيادات الكردية مسؤليتها ، بعضها صحيح تماماً، فقد تجاوزت القيادة الكردية في عمليات الإبتزاز كل الحدود، وبعضها مبالغ فيه ينم عن ميل للإنعزال والإستئثار بما يحسبونه مصدر ثراء البلد.

2-عندما يتم التطرق إلى أخطاء القيادات الكردية المميتة، والتي عرضت وتعرض وحدة وسلامة الوطن والمنطقة إلى الخطر،  فهذا لا يعني تجاهل أخطاء القيادات العربية بحق الشعب الكردي، والتي إرتقى بعضها إلى مصاف الإبادة الجماعية .

3-القيادات العربية، بالأخص التي تشارك القيادات الكردية في حكم البلاد، أدانت كل ممارسات القيادات العراقية السابقة بحق الكرد، لكن القيادات الكردية لم تدن لحد الآن أي ممارسة خاطئة قامت وتقوم بها.

4- حق تقرير المصير مكفول للشعوب المستعمرة، وليس لشعوب الأوطان المتعددة القوميات، ولو كانت هذه هي الحال لما بقي وطن على وجه الكرة الأرضية دون أن يتقسم ، لذا فإدعاء ” حق تقرير المصير” لا محل له من الإعراب في الحالة العراقية ، وكذا الحالة الإيرانية والتركية، وبقية البلدان المتعددة القوميات ، وهي الأغلبية المطلقة في عالمنا المعاصر . أن الادعاء بأن الإنفصال يتضمن ضمان حق الأقليات ، إدعاء لا مسوغ له، فحق الأقليات تتضمنه القوانين والشرائع والدساتير ذات الصبغة الديمقر اطية، والموسومه بالعدل والمساواة ، وهي الضمانة الحقيقية لحقوق ليس الأقليات فقط ، بل جميع المواطنيين، أن الإنفصال قد يكون في مصلحة الساسة ، ومن يتصدر المشهد السياسي ، بحيث يحقق طموحاتهم في السلطة ، ويشبع ميلوهم بالإستئثار،  لكنه في النهاية ، وبالأخص في حالة كحالة كردستان ، سيكون ذا تأثير ضار بشعب كردستان ، والمنطقة برمتها.  إن إستغلال وإستثمار ” حق تقرير المصير ” بشكل سيء ، ووضعه في الوضع الذي لم يشرع من أجله ، وإدراجه في خانة ما يسمى “حقق الشعوب” ، إنما هو مثيل من يعتبر الحركة الصهيونية حركة تحرر وطني !.

5- الكرد الآن حاكمون بلا منافس في مناطقهم، لا يشاركهم إخوانهم عرب العراق ولا حتى بجندي نفر ، ولا فراش ، ولا ساعي بريد ، في حين أنهم يشاركون القسم العربي من العراق في الحكم، بمناصب عليا تبدأ من رئيس الجمهورية، والوزراء ، والسفراء والقناصل ، والنواب ، ورؤساء  الهيئات الخاصة، وتتدرج حتى أدنى مرتبة، ويعملون بكامل الحرية في طول البلاد وعرضها، وهم نشطون إقتصادياً، ويمتلك أو يشارك أغنياءهم في أهم الشركات والمؤسسات الاقتصادية والخدمية الخاصة، ويتمتعون بإستحقاقهم، ليس وفق نسبتهم السكانية بل أكثر، وهم إذ يأخذون أكثر من حصتهم من الميزانية العامة فإنهم لا يدفعون شيئاً للدولة المركزية كما تفعل بقية المحافظات ، وحتى النفط في منطقة كردستان يستأثرون به، ويصدرونه ويبيعونه بمعزل عن شركة ” سومو” الوطنية ، لذا فإدعاء الإقصاء والتهميش لا مسوغ له .

6- القيادة الكردية لا تحارب نظام ، بل تحارب الكيان العراقي، وأدلة هذا يثبتها تأريخ العراق الحديث، فقد حاربت النظام الملكي ، ونظام قاسم، وعبد السلام عارف، ونظام البعث، والنظام الحالي الذي شاركت في خلقه والذي أوجده الإحتلال، وأغلبية القيادات الكردية تعتبر الكيان العراقي كياناً مصطنعاً، وهو نتاج الإستعمار البريطاني .

7-القيادات الكردية كانت ومازالت معتمدة على الخارج، وبالأخص الخارج الذي يكون في عداء مع الحكومة المركزية، كانت مع الشاه ضد العراق، حتى باعهم الشاه مقابل حصة له في شط العرب، ومع تركيا ضد العراق، و ستبيعهم تركيا خشية إمتداد تأثير الإنفصال عليها، وإعتمدت على أمريكا البلد المحتل، وكل الدلائل تشير إلى أن شهر العسل مع أمريكا لن يدوم إذا خالفت القيادة الكردية رغبة أمريكا في عدم الإنفصال، فالإتباع بالنسة لأمريكا مدعومين طالما هم في سياق المصالح العليا لأمريكا، لكنهم يصبحون أعداءاً لمجرد عرقلتهم هذه المصالح، يخطيء من يعتقد أن الإعتماد على الخارج سيدوم، فموقف الخارج تتحكم به حسابات أكبر من كردستان، وتتعلق أساساً بمصالح الخارج لا مصالح الكرد، ولعل واحدة من أخطاء القيادات الكردية هذا التعويل على الخارج ، والذي لم تثبت صحته يوماً من الأيام.

8- هل يستطيع مسعود البارزاني تأكيد أن حال الكرد عند إنفصالهم عن العراق سيكون أحسن مما هم عليه الآن ، وفي حال ثبت العكس ، فماذا سيكون موقف الشعب الكردي من قيادته التي نقلته من حال إلى حال .

9- كيف يمكن لمسعود فرض الإستقلال على الحكومة المركزية أن هي رفضته ، وعلى دول الجوار وهي رافضة بالقطع، هل سيدخل حرباً مع العراق وإيران وتركيا، وما هي نتيجة مثل هذا الفعل على كردستان وشعبها ؟

10- في حالة عدم حدوث الحرب التي لا يتمناها أحد، فهل تستطيع كردستان العيش إذا ما تمت مقاطعتها من جهاتها الأربع، ولماذا على الشعب الكردي تحمل العناء من أجل أن تصبح العائلة البارزانية سلالة حاكمة؟