1 | كردستان والاستفتاء على تفادي كارثة المشروع الإيراني
|
حامد الكيلاني
|
العرب |
أيّ صدام محتمل لن يكون عراقيا كرديا أو بالأحرى عربيا كرديا، بل إيرانيا كرديا رغم أن الطبول وضاربيها عراقيون وبعضهم مواطنون حريصون على عراق عرفوه وعاصروه.
نوفمبر 2016 كان تاريخا فارقا في إزالة الغموض عن رؤية ساسة الأكراد في علاقتهم مع حكومة المركز في بغداد. في مدينة بعشيقة ومع بداية معركة تحرير الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية، ألقى رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني كلمة وسط قوات البيشمركة أعلن فيها أن لا تنازل عن الأرض التي يقف عليها. القصد أن سهل نينوى لم يعد منطقة متنازع عليها لأنها عادت بدماء من ضحى من أجلها خلال سنوات احتلال داعش التي كلفت حياة الآلاف من المقاتلين الأكراد.
لماذا نزعت تلك الكلمات في بعشيقة عن وجه قادة كردستان نظارة المجاملات في لغة الوطن الواحد والمصير المشترك، وسعيهم مع معظم من تسلموا مقاليد الحكم في العراق إلى صياغة الخطوط العريضة لمشاريعهم منذ مؤتمر لندن للمعارضة وما تبعه إلى وقائع دخول القوات الأجنبية الغازية إلى أرض العراق في أبريل 2003.
لكي لا نبتعد عن مركز نقطة اتخاذ قرار الاستفتاء في 25 سبتمبر 2017، لا بد أن نعود إلى تلك العلامة الفارقة من الوضوح التي اتسمت بها كلمة مسعود البارزاني في بعشيقة. هل كانت حماسة القائد بين جنوده أم إنها لحظة استحقت تقرير الصوت الأعلى لتلتفت إليه المسامع في حكومة المركز والأحزاب والكتل السياسية؟ وأيضا الميليشيات المنضوية تحت فتوى دينية مذهبية ودعم قانوني برلماني ورعاية الحرس الثوري الإيراني وبمباركة من المرشد علي خامنئي، ميليشيات طائفية بامتياز وجدت في داعش واحتلاله للموصل ضالتها وفرصة سانحة لتطويع الآلاف من الشباب لخدمة المشروع الإيراني مستغلة الأوضاع السائدة كالفقر والانقسام المجتمعي.
ما جرى بعدها في كركوك من رفع لعلم إقليم كردستان في المحافظة والدوائر الرسمية هو تأكيد على أن الاستفتاء خطوة تقنية في الممارسة الديمقراطية لإشهار الانفصال عن العراق أو الاستقلال بدولة كردية كاملة السيادة على أراضيها، وليس كما يذهب الكثيرون لاعتبار الاستفتاء مجرد ورقة ضغط على حكومة المركز في أي مفاوضات تتعلق بنوع العلاقة مع إقليم كردستان وحول ملفات شائكة كالأراضي المتنازع عليها ومرحلة ما بعد داعش والنفط وتوزيع الثروات وعقدة كركوك وغيرها.
إقليم كردستان توفرت له منذ أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي، أي بعد حرب الخليج الثانية، مساحة من الاستقلالية وحماية دولية بقرار الحظر الجوي. في تلك السنوات امتحنت القيادات والأحزاب الكردية مشوار كفاحها المسلح الطويل المختلف تماما مع تجربة إدارة الإقليم رغم أنها تمتعت بفترات استقرار نسبي وبحكم ذاتي تخللته منغصات ومداخلات متفرقة أهمها كان إيرانيا، خاصة في سنوات الحرب الإيرانية العراقية، وبعض أحداثها مازال في دُرج المعلومات الاستخبارية طي الكتمان لأن آثارها مستمرة في الحاضر. وحتى في التسعينات لم تسلم التجربة الكردية من خلافات بين الحزبين الرئيسيين، حيث وصلت حد الاقتتال الدامي وطلب الدعم من الحكومة لأحد الأطراف، وهو دعم يبدو خارج سياق العلاقة حينها بين الدولة وبين إقليم كردستان، لكن حدث ذلك ومعه تمت إعادة التوازن لكلا الطرفين.
كان حضور القيادات الكردية في مؤتمر لندن للمعارضة مؤثرا وفي المؤتمرات الأخرى، لأن كردستان حظيت بعنصر معايشة التجربة كدولة شبه مستقلة رغم ارتباطها بمتطلبات كثيرة حياتية مع المركز. ولأن استلام الحكم يفرض متغيرات، لذلك تتباين الآن وجهات النظر إلى حد التقاطع والرفض البات لمجمل مخرجات زمن المعارضة حتى منها ما أقره الدستور الجديد وتم الاتفاق عليه ثم تمت المماطلة في بعض فقراته وأخطرها تقرير مصير كركوك وعائديتها.
لماذا اختيار هذا التوقيت الحرج في تاريخ العراق لإجراء الاستفتاء؟ الأكراد وقياداتهم في معظمها اهتزت لديهم الثقة تماما بالحكومات المتعاقبة لحزب الدعوة، وهي ثقة لا ترتبط بالأداء السياسي مع الإقليم فقط وإنما تتعداها لتردي الواقع السياسي في العراق ككل وانعكاس ذلك على الحياة في كردستان من تمدد الإرهاب إلى انعدام الأمن وتردي الخدمات العامة للمواطنين، إلى الفساد الحكومي واستمرار نظام المحاصصة الطائفية والسياسية والتبعية المطلقة للنظام الإيراني الذي اصطدم في النهاية بالأحلام الكردية في إقامة الدولة.
الأكراد بعد داعش وبعد استفتائهم سيكتشفون عمليا أن المشروع الإيراني لم يقف متفرجا أو ناصحا فقط بل سيكشّر عن أنيابه هذه المرة. في المرات السابقة كان العراق وشعبه هو المتضرر من أي دعم إيراني للأحزاب الكردية، والورقة الكردية طالما عبثت بها رياح المصالح الدولية، أما الآن فمع الاستفتاء والرغبة الجامحة في الاستقلال فإن النظام الإيراني في موقف لا يحسد عليه، لأن الشعب الكردي في كردستان إيران هو أكثر فئات القومية الكردية تضررا وافتقادا لأبسط مقومات الحرية والكرامة والعيش الكريم، وهو من أكثر الشعوب جاهزية للتمرد والقتال ضد نظام الولي الفقيه، وللتاريخ القريب ذاكرة تحت رماد الصمت على أهبة الاستعداد للتوقد مع أي ريح تبعث فيه الأمل بالتحرر، وهل هناك من أمل أكثر من استقلال ونشوء الدولة الكردية في العراق؟
مسعود البارزاني والقيادات الكردية على يقين بأن الحشد الشعبي في العراق هو ذراع ميليشياوية للحرس الثوري الإيراني، أي أن مخاطر اشتعال النزاع مع البيشمركة قائمة لأسباب لا تتعلق بإرادة الدولة العراقية بالسيادة على أراضيها، وهي مجرد مدخل لإدارة المشروع الإيراني في القضاء على ما تعتبره تمردا على طاعتها وسيادتها القديمة على القرار الكردي.
افترقت المصالح وتغيرت السياسة والطموحات. أيّ صدام محتمل لن يكون عراقيا كرديا أو بالأحرى عربيا كرديا، بل إيرانيا كرديا رغم أن الطبول وضاربيها عراقيون وبعضهم مواطنون حريصون على عراق عرفوه وعاصروه، عراق موحد من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
مسعود البارزاني هو نجل الزعيم الكردي التاريخي الملا مصطفى البارزاني، وهو أول رئيس لإقليم كردستان وصرح بأنه لن يرشح نفسه في انتخابات نوفمبر القادم، لكنه سيظل في معايير النضال الوطني لكردستان العراق الأب الراعي أو الروحي للحركة الكردية عموما، وهو يجسد الجيل الذي عاصر المأساة والكفاح المسلح وتقلبات السياسة العاصفة، لذلك نعتقد أن الزعيم الكردي مسعود البارزاني سيسعى بكل قوته وإرادته ليرى حلم الدولة الكردية متحققا في حياته، وتلك هي الهدية الأثمن من الابن لروح أبيه.
الجيل الذي عاصر رحلة الملا مصطفى البارزاني له قوة دفعت باتجاه الاستقلال رغم الحكمة التي يتحلون بها في قراءة ما بعد الاستفتاء وردود الأفعال المحلية والدولية، فالاستفتاء لديهم هو المقياس لواقعية تنفيذ القرار التاريخي؛ أما جيل الشباب فإنه يلتقي معهم في حلم الدولة لكنه يتحمل أوزار التضحيات.
المنطق العام الحاكم في الوضع العراقي هو اللاثقة واللااستقرار في القرارات والأداء والمواقف وإدارة الدولة. الزمن بلا قيمة بناء لمشروع الدولة أو المواطنة أو التنمية وبلا رؤية. النفط كما ضغط الدم يتراوح بين الهبوط والارتفاع، وفي كلتا الحالتين يضرب بقوة حياة المواطنين فقرا وتراجعا لم تسلم منه أي مدينة في العراق.
قائمة طويلة من الاتهامات لإقليم كردستان وقياداته، هي ليست وليدة اليوم، حتى أن مفردات كالاستفتاء أو الانفصال أو الاستقلال لإقليم كردستان من وجهة نظر الكثير من العراقيين الذين جرّبوا مأزق القضية الكردية وتأثيرها على الدولة العراقية وعلى شعبها، يمكن صياغتها بتعبير مضاد: إذا لم ينفصل الأكراد أو يستقلون بدولتهم عن العراق، فعلى العراق أن يستقل بدولته من الأكراد.
يبدو أن تجرّع السم لا مفر منه لكل العراقيين ودون استثناء ومنهم الأكراد. قبول الحقيقة صعب، لكن مع سلطة حاكمة كالتي في العراق لا بد للشعب من عصا يتوكأ عليها ويصفع بها بعنف قطيع الذئاب وأذنابها إلى خارج حدود بلادنا وعقلنا وذاكرتنا. |
|||
2 | المقاومة تتصاعد والاعتقالات تزداد |
وليد الزبيدي
|
الوطن العمانية |
عند ساعات المساء الأولى من يوم الأحد المصادف (8/6/2003) وضعت إحدى خلايا المقاومة العراقية خطة لاصطياد الجنود الأميركيين، وهذه المره تم اختيار الهدف من نقطة قريبة من الحدود السورية، وبينما كان الجنود يمارسون عمليات التفتيش في إحدى النقاط توقفت سيارة نقل تحمل عددا من رجال المقاومة العراقية، وباغت المقاومون جنود الدورية، وأطلقوا عليهم وبشجاعة فريدة وابلا من الرصاص مستخدمين الأسلحة الخفيفة (البي كي سي) ووسط حالة الرعب والفوضى واختباء جنود الدورية الأميركية داخل عرباتهم، سارع المقاومون إلى مغادرة المكان، وتوارى الجميع عن الأنظار، واضطر الجيش الأميركي لإصدار بيان اعترف فيه بوقوع الهجوم، وجاء في البيان الذي صدر عن قيادة القوات الأميركية الوسطى، ووجد حيزا في وسائل الإعلام، أن مهاجما على الأقل قد لاذ بالفرار بعد أن أقدم رجلان يحملان مسدسين وفتحا النار على جندي أميركي قُتل على الفور، ويقر البيان باختفاء أثر المهاجميين، إذ يقول إن القوات الأميركية تواصل عمليات البحث للعثور على السيارة المشبوهة والفارين. هذا يعني أن المقاومين نجحوا في خلق حالة من الخوف والارتباك بين أفراد نقطة التفتيش الأميركية، ولم يتمكنوا من تعقب المقاومين، كما أن خطة مغادرة المكان قد وضعت كما يبدو بإتقان، ولم يتم التعرف على حركة السيارة التي استخدموها، رغم تحركهم في مناطق مكشوفة، كما هو الحال في مناطق غرب العراق وغالبية أراضيه صحراوية، وأن المقاومين قد تمكنوا من التواري عن الأنظار خلال دقائق، وقبل أن يتم استدعاء المروحيات التي تصل المكان الذي تتعرض له القوات الأميركية في أقل من عشر دقائق، ورغم اعتراف القوات الأميركية بالهجوم وبالخسائر التي ذكرها البيان، إلا أننا لم نجد بيانا من فصائل المقاومة قد صدر حول هذا الهجوم الجريء، ومن المحتمل قد يكون الجندي الذي قتلته المقاومة العراقية في ذلك الهجوم، هو (jessem.halling) الذي اعترفت القوات الأميركية بمقتلة في ذلك اليوم، بقولها إنه قُتل في تكريت، التي تمتد أراضيها إلى مساحات شاسعة في الصحراء، وهذا الجندي يبلغ من العمر (19 عاما) وذكرت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية أنه من سكان انديانا بوليس بولاية انديانا، وأنه ينتمي إلى الشرطة العسكرية، وذكرت الصحيفة الأميركية، أنه تلقى الضربة من سلاح خفيف، وتم الهجوم من مكان قريب منه، دون أن تعطي المزيد من التفاصيل، وفي تطور لافت للأحداث التي حصلت يوم الثلاثاء المصادف (10/6/2003) وصفت مؤسسات إعلامية عالمية، الذين يشنون الهجمات ضد القوات الأميركية بـ(المقاومة العراقية)، جاء ذلك في تقرير (وكالة رويترز للأنباء)، وفي تغطية صحفية (الشرق الأوسط اللندنية)، وكانت القوات الأميركية قد أصدرت بيانات اعترفت فيها بإصابة أربعة من جنودها بجروح، بعد تعرضهم لهجمات شنها مسلحون، وقال متحدث باسم القوات الأميركية، إن ثلاثة من الجنود الذين أصيبوا تم نقلهم إلى ألمانيا لتلقي العلاج، أما الآخر فقد عاد للقيام بمهامه في وقت لاحق، واعترف بيان آخر بحصول مواجهات بين القوات الأميركية ومسلحين يستقلون سبع سيارات، بعد بعد أن أطلق المسلحون النار على دورية أميركية قرب بيجي (شمال بغداد)، كما اعترف بيان آخر بجرح جندي أميركي بعد تعرض دوريته المكونة من عربتين إلى إطلاق نار من قبل مسلحين قرب دائرة المرور في مدينة الموصل، وفي تأكييد على ارتفاع عدد الهجمات التي يشنها المقامون في العراق ضد الأميركان، شرعت هذه القوات في تنفيذ حملة اعتقالات واسعة، وفي ذات اليوم الذي تعرضت فيه هذه القوات إلى العديد من الهجمات تم الإعلان عن اعتقال (384) شخصا.
|
|||
3 | جيش من عشرين مليونا
|
زهير ماجد
|
الوطن العمانية |
كم من الوقت يحتاجه لإعلان النصر النهائي العسكري في العراق، وكم يحتاج الجيش العربي السوي ليقول بالفم الملآن، نحن الآن نسيطر على كل سوريا. في واقع الأمر، نحن بحاجة إلى وقت مليء بالمحاولات التي لن تكون سهلة. فعلى الجانب العراقي أزقة وشوارع وبيوت متلاصقة في الموصل يصعب تجاوزها بسهولة رغم أن “داعش ما زال يسيطر فقط على أقل من كيلومترين، وفي سوريا تبدو معارك جنوبها بكل حساسيتها المعروفة لتداخلها مع العدو الإسرائيلي، محطة قتالية متشابكة، حيث مرتع النصرة في أحضان الجيش الإسرائيلي، واعتبار القتال مع التنظيم الإرهابي قتالا من جيش العدو نتيجة التنسيق العالي بينهما. يمكن لنا القول لكل العرب أن خلوا عيونكم على الأجندة، فالوقت هو الفيصل في المعركتين، وإن كانت في سوريا لها خصوصية المكان الذي من المؤكد أن إسرائيل تريد نقل تجربة الحزام الأمني في جنوب لبنان إلى المنطقة، وهي تعلم أن فشلها على الحدود مع لبنان سيكون مضاعفا مع جنوب سوريا. ففي الجنوب اللبناني كانت هنالك قوات حزب الله وحدها، في حين سيكون جنوب سوريا مسرحا لشتى القوات التي قد لا ترضى بتحرير الجنوب السوري، بل الوصول إلى الجولان أيضا. لا نخفي سرا إذا قلنا، إن حزب الله في جنوب لبنان، وفي جنوب سوريا ومن معه من قوى أخرى، ما هي سوى الطلائع الأولية لفكرة جيش العشرين مليونا التي حددها آية الله الخميني من أجل تحرير فلسطين. من هنا نفهم خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الأخير وقوله إن أية معركة مع حزب الله أو مع سوريا ستكون مع مئات آلاف المقاتلين القادمين من عدة بلدان عربية وإسلامية وهي المفاجأة الضخمة التي ستملأ قلب كل إسرائيلي بالهلع أولا قبل أن تحقق غاياتها في التحرير. التدخل الإسرائيلي إذن في جنوب سوريا محاولة وقائية من وضع تعرف أنه سيقلقها إذا لم تسارع إلى التدخل. لا شك أن عينها على الجيش العربي السوري حين أصابت الدبابتين، لكن عينها الأخرى التي لا تنام، مع أي تطور قد يحدث من دخول قوى مقاتلة إلى جانب الجيش العربي السوري إلى المنطقة، الأمر الذي لن تسمح به حتى لو كلفها حربا إقليمية، مع أنها تعرف أن حربا كبرى من هذا النوع مليئة بالمفاجآت، فلم تعد سوريا وحدها، هنالك محور شديد الترابط، ولديه الاهتمام الأكبر بالتمدد في الجنوب السوري لكي يكون المؤسس لما هو مدرج في خريطته التحريرية التي ستكون أبعد من القنيطرة. منذ أن دخل حزب الله إلى المعركة إلى جانب الجيش العربي السوري، وعينه على الأهم في جنوب سوريا، لا شك أن قتاله في الشمال وفي مناطق مختلفة كان للضرب على رأس الإرهاب، أما في جنوب سوريا وهو حلم خططه واهتماماته الكبرى، فوضع اليد على القلب، وهنا مقتل الإسرائيلي الذي يعرف ما يعنيه حراك الحزب اللبناني بشكل عام، وفي تلك المنطقة بشكل خاص.
|
|||
4 | هزيمة «داعش» واستقلال العراق عن إيران
|
خالد غزال
|
الحياة السعودية |
لن يطول الوقت لتتكشف تفاصيل صعود «داعش» في العراق قبل ثلاث سنوات، والدور الذي لعبته إيران في تمكين هذا التنظيم من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية. كما ستظهر تفاصيل أكثر عن دور رجل إيران نوري المالكي الذي كان رئيساً للحكومة آنذاك، وكيف ساهمت سياسته في خروج الجيش العراقي من الموصل وتسليمها إلى «داعش». كانت هذه السياسة ضرورية للحرس الثوري الإيراني في إعطائه شرعية التدخل العسكري تحت حجة محاربة الإرهاب والحفاظ على الأماكن المقدسة في الشكل، فيما يضمر المضمون السيطرة على العراق وإلحاقه بالدولة الفارسية، وهو ما بدا صريحاً في كلام المسؤولين الإيرانيين، لاحقاً، وعلى أعلى المستويات، من أن العراق بات جزءاً من الأمبراطورية الفارسية، وأن مدينة بغداد هي عاصمة هذه الإمبراطورية.
شكلت معركة محاربة تنظيم «داعش» الحلقة الثانية في السيطرة الإيرانية على العراق وعلى السلطة السياسية وحتى الدينية فيه، وهي حلقة تستكمل ما قدمه الاحتلال الأميركي لإيران من تسهيلات للسيطرة منذ العام 2003. لذا لا يستقيم الحديث عن الهيمنة الإيرانية من دون العودة الى سنوات احتلال العراق، حيث كانت خطة أميركا تدمير هذا البلد ونهب ثرواته، فيما كانت خطة إيران إلحاقه بسلطتها في وصفه جزءاً من المدى الحيوي لإيران.
إضافة الى التدخل العسكري ونشر الحرس الثوري داخل العراق واحتلاله أراضي واسعة، اعتبرت إيران أن احتلالها لا يستقيم ويدوم من دون توافر عناصر أساسية ثلاثة. الأول، فرض سيطرة المؤسسة الدينية المتمثلة بمرجعية «قم» على المؤسسات الدينية في العراق، وفرض نظرية ولاية الفقيه على شيعة العراق بوصفها الأيديولوجيا الدينية الإيرانية. وهو ما وضعها في تناقض مع مرجعية النجف الأشرف، التي تعتبر نفسها الأصل والمسؤولة عن المذهب، وهي مرجعية لا تقول بولاية الفقيه، بل ولا تعترف بها. نجحت إيران في استقطاب مرجعيات دينية عراقية، وأدخلت انقساماً في المؤسسة الدينية من منطلق قبول او رفض هذه المنظومة الأيديولوجية. وهو صراع لم يحسم، لا إيرانياً، ولا عراقياً.
أما العنصر الثاني الذي رأته إيران حاسماً، فهو خلق ميليشيات موازية للجيش الوطني العراقي، ذات طابع مذهبي صاف، أطلقت عليه اسم «الحشد الشعبي»، وبنته على غرار الحرس الثوري الإيراني. كان خلق هذه الميليشيات يضمر عدم ثقة إيرانية بالجيش الوطني الذي يحوي مختلف المكونات الطائفية العراقية. قدمت له السلاح والعتاد والعديد، بحيث بات طرفاً أساسياً في المعركة ضد تنظيم «داعش». على رغم إضفاء الصفة الرسمية على هذه الميليشيات، إلا أن الصراعات حول وجودها لم تتوقف، وهي نقطة خلافية داخل المجتمع العراقي وحتى داخل السلطة السياسية فيه.
اما العنصر الثالث، فهو الهيمنة على ثروات العراق ونهبها، عبر شركات اقتصادية مشتركة بين عراقيين وإيرانيين، او عبر توظيف استثمارات ضخمة في ميادين متعددة من القطاعات الإنتاجية. وهو أمر جعل من المستثمرين الإيرانيين شركاء فعليين في الاقتصاد العراقي، وتكونت فئات عراقية ترى مصالحها في استمرار هذا الاحتلال.
تحت حجة محاربة إرهاب «داعش»، مارست إيران وميليشياتها تسلطاً على الشعب العراقي وعلى الحكم في آن. لم تكن العنصرية القومية الفارسية بعيدة من هذا التسلط، كما سلّطت الحشد الشعبي ضد المكونات الطائفية العراقية بما فيها المكوّن الشيعي نفسه الذي رفض الخضوع للحرس الثوري. لم تكن ممارسات الحشد أقل وحشية من ممارسات «داعش». تكاثرت الاعتراضات على السياسة الإيرانية، خرجت تظاهرات حاشدة بقيادات شيعية تطالب بخروج إيران من العراق، لم تكن بعيدة من المصادمات مع «الحشد» والحرس الثوري، وللذكر رُفعت شعارات تقول «ايران برّا برّا». حتى أن رئيس الحكومة حيدر العبادي أبدى أكثر من مرة استياءه من تدخل الحرس الثوري الإيراني في الحكم.
يبدو المشهد العراقي مقبلاً على ختام المعركة مع «داعش» وإخراجها من الموصل. ستشكل هزيمة التنظيم مرحلة جديدة في العراق وفي علاقته بإيران. عندما كانت الصيحات تخرج معترضة على الوجود الإيراني، كانت تواجهها ردود فعل أن الأولوية الآن لمحاربة «داعش» حيث المساعدة الإيرانية حاجة وضرورة. كانت إيران تلعب على هذا الوتر لتكريس نفوذها على الأرض وداخل السلطة. بعد زوال هذه الحجة، سيكون العراق أمام استحقاق التناقضات التي ستظهر على السطح، بما هي داخل أركان الحكم والمكونات السياسية القائمة، وسيندلع السجال حول سعي المؤسسة الدينية الإيرانية وضع يدها على مرجعية النجف، وستزداد المطالبة بحل ميليشيات الحشد الشعبي لصالح الجيش الوطني، كما سيزداد العداء القومي العربي ضد العنصر القومي الفارسي. كلها عوامل تشكل عنوان معركة استعادة العراق استقلاله وسيادته.
لن تكون معركة الاستقلال سهلة، فإيران باتت عنصراً داخلياً في العراق، ولها قوى تأتمر بأمرها، ناهيك عن المصالح الاقتصادية المرتبطة بها. مما يشي بدخول العراق مرحلة من الاضطرابات مجدداً، لكن هذه المرة في صراع مرير مع إيران، يصعب توقع نتائجه سلفاً.
|