اربع مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الاربعاء

1 الحشد الميليشياوي والاعتراف بالخيانة العظمى
حامد الكيلاني
العرب
زعيم ميليشيا في الحشد الشعبي قال إن عقد الحرس الثوري اكتمل في لبنان واليمن والعراق وسوريا مع إيران، وإنهم ماضون إلى ما أسماه البدر المذهبي للمشروع الإيراني.
العراقيون استنزفوا أعواما بل عقودا من أعمارهم وسواقي من دمائهم ليثبتوا بديهيات يتعايشون معها يوميا منذ مجيء الخميني إلى السلطة في إيران قادما من باريس عام 1979. فالمشروع الإيراني بدأ كشركة مساهمة لتصدير الأزمات إلى العراق أولاً لأسباب عقائدية مذهبية صرفة، ولنشاط مقلديها من الأحزاب الجاهزة لاستلام وتوزيع الإرهاب وخلق الظروف الموضوعية للمواجهة المباشرة وإشعال فتيل الحرب باستثمار ردود الفعل الحتمية لدولة تتعرض إلى استهداف مؤسساتها ورموزها وقادتها.

هذا ما حصل في واقعة جامعة المستنصرية وما تلاها، وهي، أي جريمة المستنصرية، التي تكشفت خيوطها تماماً بعد احتلال العراق عام 2003 لأنها كانت موضع فخر لدعاية انتخابية لحزب العمل الإسلامي الذي وزع ملصقات تحمل صورة منفذ العملية القتيل ومعها عبارات إشادة ببطولته التي أدت فيما بعد إلى الحرب الإيرانية العراقية، هكذا جرت الأمور متسارعة ودون كتمان أو تقية، وشعار طريق القدس يمر من بغداد، ومسافر كربلاء وغيرها من مقتنيات تصدير ثورة الخميني كانت حاضرة بالتفاصيل في أتون حرب مفروضة ومفروغ منها، أودت بحياة أكثر من مليون إنسان من العراقيين والإيرانيين معا، وولدت فراغا وأرضا حراما بين الشعبين آثارها ممتدة في الأرواح والنزعات الإنسانية لمن فقدوا أحبائهم.

ملالي إيران لم ينقطعوا يوما حتى بعد انتهاء الحرب عن أهدافهم في تصدير ثورتهم المذهبية بمختلف الأساليب، وشنوا حروباً ضد بيئة العراق واقتصاده ووحدة أراضيه وشعبه باستغلال عناصره في الداخل ومن حملة الجنسية العراقية لتنفيذ مخططاتهم وخلق الأزمات، ومن أساليبهم وقائع عايشتها في انتشار البذور الفاسدة والتالفة التي لا تصلح للإنبات وهي من مصادر مزورة ومجهولة وبأسعار منخفضة كلفت عدداً من الفلاحين جهد موسم زراعي، إضافة إلى نتائجه في الأسواق وفي زمن الحصار.

تطول قائمة مصائب ثورة الخميني على العراق، متجاوزين مصائبها على الداخل الإيراني لتتكفل به الشعوب الإيرانية ومقاومتها بثورتها المضادة وتباشير فجرها أو اندلاعها المتجدد الذي تتسرب منه بعض الحقائق إلى وسائل الإعلام رغم التعتيم وتكميم الأفواه والاعتقالات، وصولا إلى الإعدامات التي تسجل أعلى نسبة في العالم ولا تدانيها إلا حكومة العراق وما يجري في سجونها من فظائع وفضائح، لكنها تظل حكومة بمرجعية طائفية وسياسية يسيرها نظام المرشد خامنئي، ويعز علينا كمواطنين أن نطلق اسم العراق ملحقاً بها.

يقال إن الاعتراف سيد الأدلة، وبه ننتقل من الشبهات إلى الإثبات؛ وما كلفنا الكثير من التشخيص وتوفير القرائن منذ أعوام على تبعية الميليشيات، والتي يقترب عددها من 130 ميليشيا أو أكثر، إلى تنظيم دولة إيران الإسلامية وتحديداً ضمن تشكيلات الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني مع نائبه إيرج مسجدي، وكلاهما يعملان في العراق، الأول مستشارا لشؤون الأمن الوطني لرئيس وزراء العراق حيدر العبادي، والقائد العام للقوات المسلحة، والثاني سفيرا لبلاده في العراق وهي وظيفة شكلية تتعلق بمهمات سفارة روتينية مع قنصلياتها وملحقياتها، إضافة إلى تسهيل تمرير الصادرات إلى العراق من الطاقة إلى المركبات وصولا إلى مستلزمات الغذاء.

وهي برمتها تخضع تلقائيا لفضائح تزكم الأنوف لرداءتها وعدم شمولها بمقاييس السيطرة النوعية والجودة أو التساهل معها على أقل تقدير. فالتقارير تفاجئنا عن حالات تسمم أو وفيات لعدد من الحالات المرضية نتيجة تناول منتجات إيرانية أو أدوية إيرانية مستوردة، ولذلك شؤون وشجون.

لم نعد بحاجة إلى تشخيص أو تأكيد أن الميليشيات أصبحت بحكم تمرير قانون هيئة الحشد الشعبي في البرلمان جهة رسمية لها كافة الصلاحيات والواجبات وتأتمر عسكريا وسياسيا، كما هو معلن، بأوامر رئيس الحكومة؛ وبما أن قائد الحشد الشعبي وفي بداية أبريل الماضي صرح إنه جندي لدى قاسم سليماني وتابع للمرشد خامنئي وأوصى بدفنه في “مقبرة الشهداء” مع الإيرانيين بطهران، ووصف إيران بأم القرى بالنسبة له ولهم، فالمعادلة تبدو غير متكافئة.

لكن زعيم ميليشيا متنفذ في هيئة الحشد الشعبي قالها بملء فمه فخورا وصريحا مستجمعا كل الانتقادات الموجهة لدورهم بصفتهم جزءا منضويا تحت قانون برلمان عراقي وقوات نظامية عراقية وأوامر رئيس حكومة عراقي ولمهمات عراقية وتم تأسيس نواتهم بفتوى مرجعية مذهبية يفترض عراقية ومن تسفك دماؤهم عراقيون؛ قال زعيم الميليشيا إن عقد الحرس الثوري اكتمل في لبنان واليمن والعراق وسوريا مع إيران، وإنهم ماضون ليس في مشروع إقامة الهلال المذهبي الطائفي فحسب، بل يتعداه إلى ما أسماه البدر المذهبي للمشروع الإيراني.

بما يعني أن ما نراه خيانة عظمى للوطن وكرامة وسيادة العراق، يراه ويرونه فعلاً جهاديا مقدسا في خدمة العقيدة وفقه ولاية الخميني ومن بعده خامنئي، وإن أي كلام عن المواطنة ومشروع الدولة المدنية والنظام الديمقراطي والتعايش السلمي المجتمعي وشعار الأخوة في عدم بيعهم الوطن، هي مجرد تسويق أو مساكنة مؤقتة تنتهي بعد مرحلة داعش والانتخابات القادمة، فسياستهم تعتمد على تبويب التقية وفق نمو المشروع على الأرض أو لمستلزمات المناورة.

إن الساعة البيولوجية لمشروع تنظيم دولة إيران الإسلامية حملت في جيناتها أمراضا تعجل بنهايتها لعدم قدرتها على التعايش مع محيطها، لضمان أمنها ومصالحها بعيدا عن عدوانيتها المفرطة وتوجهاتها في صنع الأزمات بحماقات لا مثيل لها من أجل تحقيق أهدافها المثيرة للسخط والازدراء.

المفارقة أن من يطالب بتدويل قضية المختطفين من أهل مناطقهم الانتخابية، لا يبدي رفضه لقانون هيئة الحشد الشعبي جملة وتفصيلا، إنما يهادن لأن القانون لم يأخذ وقتا كافيا في المداولات بين الكتل البرلمانية، المصيبة أن هناك من البرلمانيين والسياسيين ومنهم من أدعوهم بذوي الاحتياجات السياسية الخاصة والمحسوبين على التيارات المدنية يريدون ولو دليلاً واحداً على أن إيران تتدخل في شؤون العراق أو لها جندي واحد على أرض العراق لاعتبارها دولة معتدية على السيادة ويستوجب ردعها.

دولة تابعة للحرس الثوري، بفيلق أحزابها وكتلها البرلمانية وحكومتها وقضائها وبقواتها المسلحة وقائدها العام وبفيلق إعلامها، وفساد بنيتها الاقتصادية والتعليمية والثقافية والنفسية والاجتماعية، وبنظامها السياسي؛ هل من المنصف اختصار أزمتها بمحاربة ميليشيا معينة أو تنظيم إرهابي أو بقضايا اختطاف وإطلاق سراح تحت إشراف وزارة الداخلية؟ بعد الاعتراف بالخيانة العظمى هل مازال المتهم بريئاً؟ ذلك هو المفتاح الخاص للتعرف على ثوابت ميزان العدالة في العالم، وكلنا آذان صاغية لقرار الحكم على إرهاب ولاية الفقيه الإيراني.
3 «داعش» و«الحشد الشعبي» دعاة العلمانية والإلحاد! محمد العوضي الراي العام الكويتية

هل من الممكن أن يكون تنظيم «داعش» وميليشيا الحشد الشعبي هما المادة الأساس والكيانات الممتازة لنجاح المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة؟

هل في المعقول واللامعقول أن يوظف الأميركان تياراً سلفياً جهادياً يُنصب خليفة ويقيم خلافة ويدعو إلى السير على هدي الصحابة ويكفر بالشبهة من يظنه مفرطاً فيما يعتبره من نواقض الإيمان؟، هل من المعقول أن يحقق هذا الجهاد وهذه الخلافة استراتيجيات أميركا في قيام دول علمانية ليبرالية؟!!

وكيف نفهم فرح الأميركان وتحالفهم واستثمارهم لتيار مناقض لداعش وهم (ميليشيا الحشد الشعبي) الذي يرفع شعار آل بيت النبوة ويشدو بحب الشهيد الحسين والدعوة للسير على خطاه وينام ويصحو على دعوات رفع المظلومية عن المُنكسرين ويصرخ بأعلى صوته بالموت لأميركا؟، كيف نفهم أن المحصلة النهائية لممارسات هذا التيار تصب في صالح المشروع الليبرالي العلماني الأميركي؟!!

هل من عجب أن ينجح الأميركان في تزهيد المسلمين بدينهم من خلال تسخير أسوأ تنظيمين فكراً وانفعالاً وممارسة وتخريباً يرفعان شعار الإسلام والتوحيد والخلافة، والخليفة وآل البيت والصحابة؟!!

الجواب يتلخص فيما يعرفه كل متابع أن من أهداف المشروع الأميركي في العراق وكما هو معلوم تمكين المشروع الليبرالي والعلماني وضرب الإسلام كهوية ومؤسسات، وهذا يقتضي تشويه صورة التجربة الإسلامية من حيث إعطائها الفرصة في ممارسة السلطة والجهاد في ظروف فوضوية مليئة بالتناقضات، ودفعها دوماً الى إظهار أكثر الوجوه سوءاً في التجارب التي مرت على العراق في العصر الحديث بحيث يصل ضررها إلى غالبية الناس، وقد حاولت أميركا في بداية الاحتلال طرح مشاريع علمانية، لكن هذه المشاريع لم تجد رصيداً قوياً خصوصاً في الشارع الشيعي بسبب قرب تجربة صدام حسين وحزب البعث، لذا اقتضى تشويه صورة الإسلام وتدمير المجتمع وطحنه عبر الفوضى الخلاقة، ثم صناعة هويات واتجاهات جديدة، وهذا ما سيحصل كنموذج في عراق ما بعد «داعش» والميليشيات.

ومما يؤيد ذلك أنه تم منح حكم العراق للأحزاب الشيعية وبرعاية أميركية منذ 2003 ورغم فشل الأخيرة في إدارة العراق، إلا أن أميركا وقفت معها مجدداً بتجديد رئاسة الوزراء للمالكي (رئيس حزب الدعوة الإسلامي) رغم مخالفة ذلك لمادة دستورية، فسرت بشكل تعسفي كي يستمر المالكي في سُدة الحكم العام 2010، ومعلوم كم هو حجم الفساد الذي يمثله المالكي بعلم الأميركان طبعاً، وقد انتهى العراق في أواخر حكمه مفلساً ومضيعاً نصفه جغرافياً ليكون تحت سلطة «داعش».

الناظر الخارجي للمشهد العراقي يظن أن العراق يُدار من قبل المشروع الإسلامي خلال 14 سنة منذ 2003، والحقيقة أنه يدار بمفهوم المشروع الشيعي للحكم بالدرجة الأولى.

وقد أثمرت هذه الادارة السيئة أن جعلت العراق في مصاف الدول الأكثر فساداً في العالم على كافة الصُعد، وجعلت المواطن العراقي الأكثر تقتيلاً وتشريداً وتطريداً وحرماناً…الخ.

ودخل العراق بعد كل هذه المآسي والفوضى إلى مرحلة اللادولة بشكل تام بعد منتصف 2014 بسقوط الموصل فأصبح العرب السنة تحت قبضة «داعش»، والعرب الشيعة تحت سطوة الميليشيات بشكل كامل، ومعلوم أثر اللادولة على المواطن وتفكيره واحتياجاته في هذا العصر.

وقد أدت هذه الطريقة من الحكم إلى تفتيت منظومة الدولة خصوصاً في مناطق العرب السنة، فما نسي داعش تدميره أتت عليه المليشيات دون خجل.

هذه السلوكيات المأسوية حوَّلت المجتمع العراقي إلى بيئة خصبة للعلمانية والشبهات الإلحادية كردِّ فعل طبيعي على الذي حصل ومازال.

لذا نرى فرحة ملاحدة العرب ونشوة العلمانيين في مجتمعاتنا بالتجربتين الداعشية والميليشياوية وتسويقهما بأنهما النموذج الحقيقي للدين الإسلامي في أصوله وفروعه، الأمر الذي يستوجب تداعياً لأهل العلم والفكر لتعرية هذين المشروعين اللذين ذهبا بأبنائنا نحو الانحراف الفكري والعقدي، والتصدي لموجة التغريب المتطرفة التي بدأت تتزايد في مجتمعاتنا المسلمة قبل أن تغرق هذه المجتمعات في وحل الشبهات والشهوات!!
4 رسالة مفتوحة الى السيد نوري المالكي.. لم نخطىء بدفاعنا عن صدام
المحامي بديع عارف عزت

الراي اليوم

سمعت باهتمام حديثكم في لقائكم مع أعضاء نقابة المحامين، وقد اذهلتني عبارة وردت فيه ولم أكن أتصور أنها يمكن ان تصدر عنكم باعتباركم واحدا من اقطاب النخبة السياسية التي حكمت البلاد منذ أكثر من عشر سنبن، وبصفتكم عميدا لكتلة “دولة القانون” التي يفترض أن تكون الكتلة البرلمانية الأكثر تمسكا بقيم العدالة والقانون، وتسعى لاحترام الدستور الذي كفل حقوق المواطنة، وتعمل على رفع المظالم وتكريس نهج عدالة القضاء.
ولاشك أنكم تتفقون معي أن في مقدمة الحقوق التي ينبغي ان يحصل عليها المواطن مهما كانت صفته وهويته وعمله أن يعطى حق الدفاع عن نفسه، وتوكيل من يراه من المحامين للدفاع عنه في حالة اتهامه بما يخالف القانون، وفي هذا الإطار توكل عدد من المحامين، وكنت واحدا منهم، للدفاع عن الرئيس السابق صدام حسين وأقطاب حكمه، لكي يكون القضاة على بينة من التهم الموجهة لأي من المتهمين، ولإعانتهم على اصدار القرار الأخير براءة أو تجريما.
لقد تساءلتم في حديثكم كيف يمكن لمحامين أن يدافعوا عن صدام حسين وأقطاب حكمه، وكأنكم تريدون أن تسلبوا حق القضاء في احقاق الحق وفق ما يتراءى له، انكم يا صاحب الفخامة قد أخطأتم في إطلاق العبارة التي تسيء بلا شك لموقعكم الرسمي والشعبي، وأدعوكم الى التراجع عنها والاعتذار لرجال القضاء وحماة القانون عن خطأ ربما لم تكونوا تقصدونه، والسلام على من اتبع الهدى.
صورة من الرسالة الى
نقيب المحامين العراقيين / كلمة السيد رئيس دولة القانون كانت موجهة لكم اعلموني لماذا سكتم ولم تعترضوا عليه اهذه نقابتكم زملائي الاعزاء هذا تصريح خطير ومخالف للدستور ولمبادء حقوق الانسان
5
هذه شهادتي في عدنان الدليمي -رحمه الله-
د. محمد عياش الكبيسي
العرب القطرية

فقد العراق الأسبوع الماضي واحداً من أبرز دعاته المتصدين للشأن العام، والذي ترك بصماته الواضحة والعميقة في مختلف المجالات.
كان اسم الدكتور عدنان يتردد كواحد من الروّاد الأوائل للدعوة الإسلامية، منذ أواسط القرن الماضي، ومن الذين تصدّوا ببسالة للمد الشيوعي في ذلك الوقت.
توطّدت علاقتي بالفقيد بعد زيارات قام بها للفلوجة أواسط الثمانينيات، ثم تردده للصلاة في المسجد الذي كنت أخطب فيه ببغداد، وقد أدركت حينها أنه يؤسس لعمل دعوي جديد، بعيد عن التنظيمات التي أرهقت الدعوة وأضرّت بالدعاة، فكان بيته مثل خلية النحل، يأتي إليه الناس من كل حدب وصوب، يقيلون عنده ويبيتون، كان فيهم السلفي والصوفي والإخواني ومن عامّة الناس، وكان يرفض الحديث في السياسة والجماعات والتنظيمات، مركّزاً جهده في الدعوة العامة، وفي تنشيط الدورات القرآنيّة، بالتعاون مع الجميع، حتى شكلت ظاهرة كبيرة، بحيث بلغ عدد المنتسبين إليها قرابة النصف مليون من بنين وبنات وطلاب ومدرّسين، وكان يوصي بالانفتاح على الجميع وعدم التصادم مع أحد مهما كان، وكان يتعهد هذه الدورات، حتى بعد أن اضطرته الظروف الأمنية للهجرة والاستقرار في الأردن الشقيق.
في الأردن التقينا هناك، واستضافني في بيته لأكثر من شهر، فعرفته عن قرب، كان أباً للجميع، يسأل ويتابع حتى في أدق التفاصيل، وكان الناس يفِدون إليه من داخل الأردن ومن العراق والخليج واليمن وتركيا وماليزيا وغيرها، ولا أذكر يوماً واحداً مرّ عليه من غير ضيوف، ثمّ قدّر الله لي أن أعمل معه في الجامعة، وأن نتجاور في السكن قرابة العامين، وأستطيع أن أجزم أن الصفات التي اجتمعت في هذا الرجل لم أرها مجتمعة في غيره.
بعد الكارثة التي حلّت في العراق على يد الأميركان قرر الرجوع إلى العراق، وهناك زرته أيضاً في بيته عدة مرّات، كان من بينها مرة جمع فيها كل من أعرفهم من رموز أهل السنة على اختلاف مشاربهم، وكان رأيه الصريح والواضح منذ ذلك اليوم أن أهل السنّة إن لم يشاركوا في كل مؤسسات الدولة التي بدأت بالتشكّل فإنهم سينتهون، وأن البلد سيختطف تماماً من قبل إيران، ومن هذا المنطلق قرر استلام الوقف السنّي للحفاظ على مساجد السنّة ومدارسهم الدينية، وممتلكات الوقف التي لا تكاد تحصى، وقرر تشكيل جبهة التوافق التي ضمّت مختلف التوجّهات الدينية والعشائرية وغيرها، وقد حققت نجاحاً سياسياً ملحوظاً وغير متوقع، خاصة مع حالة التشظّي الداخلي لأهل السنّة، وغياب السند العربي والإسلامي، وضغط المشروع الإيراني المتحالف بوضوح مع القوات الأميركية.
خرج الدكتور عدنان مرة أخرى من العراق ليحذّر العرب والمسلمين من الخطر القادم، وكأنّه النذير العريان، وقد دفع الثمن الباهظ في ذلك من نفسه وأهله وماله.
لم يكن يرغب بالخلاف مع أحد، لكن عمق المحنة وبحثه الصادق عن الحل اضطرّه إلى طرح أفكار جريئة، ربما كان مصيباً فيها أو مخطئاً، وربما قصّر مخالفوه أيضاً في دراسة مواقفه دراسة علمية موضوعية، خاصة في مشاركته السياسيّة ودعوته للفيدرالية فظلموه وظلموا أنفسهم، وهناك تجتمع الخصوم، ونسأله تعالى المغفرة لنا وله وللجميع.;