نسع مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم السبت

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 الكُرد وحق تقرير المصير

 

 

سعد الله مزرعاني

 

الاخبار اللبنانية
 

 

شاع حق تقرير المصير، كمبدأ وكهدف وشعار سياسي، تحت وطأة انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية في بداية القرن العشرين، وتحت تأثير التحولات الاقتصادية الهائلة التي كرستها (أو ساعدت على بلورتها) نتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية في عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي.

 

ولقد أمكن، بشكل عام، اعتبار أن الاستقلال السياسي للبلدان المستعمرة قد أنجز غالباً، وإن الاستعمار القديم قد انتهى. شذَّت عن ذلك حالات محدودة في «أفريقيا الجنوبية» من خلال نظام الفصل العنصري (الأبارتيد). أما الشذوذ الأعظم فقد تجسّد بُعيد ذلك في فلسطين من خلال المشروع الصهيوني الاستيطاني الذي استمر، وحيداً في هذا الكون، نظاماً يجمع بين كل وأبشع أنواع الاستعمار، وسط حماية دولية، سياسية واقتصادية وعسكرية، لا مثيل لها في التاريخ.

قوى التحرر والتغيير، قبل حوالى 100 عام، حوّلت شعار حق الشعوب في تقرير المصير إلى ركن أساسي في مواقفها وسياستها الخارجية. الاتحاد السوفياتي بقيادة مؤسسه فلاديمير لينين نظَّر للفكرة، وأقدمت دولته الوليدة على فضح المعاهدات الاستعمارية التي كانت روسيا شريكاً فيها ومنها معاهدات تقاسم هيمنة ونفوذ في المنطقة العربية نفسها.

لكن في وقائع التاريخ، أيضاً، أن أشكالاً جديدة من الهيمنة الإمبراطورية قد حلَّت محل الأشكال القديمة. وأن استقلال البلدان وسيادتها على أرضها وثرواتها ومصائرها عموماً، كانا منتقصين ومجتزأين إلى حدود خطيرة. كذلك فإن حركات تغيير كانت قد تبنَّت شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، قد تراجعت عنه في مراحل لاحقة، وأنشأت لنفسها إمبراطوريات خاصة (المعسكر الاشتراكي) بُني جزء أساسي منها على الإخضاع والإكراه، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية.

ولقد كان في خرائط ما بعد الحرب العالمية الثانية (وبالاستناد الى نتائجها) حجم كبير من التعسف في عملية تقاسم النتائج والنفوذ والبلدان. هنالك ضحايا معروفون ذهبوا ضحية سهلة ومتعسفة على ضفتي تلك الخرائط (الوضع اليوناني على سبيل المثال). وسط كل ذلك تجمعت عناصر عديدة، سياسية واقتصادية وأمنية، في تطورات ومواقف مراكز قوى تلك المرحلة، القديمة والجديدة، الدولية والإقليمية، لحرمان الشعب الكردي من أن يكون له كيان مستقل. جرى توزيع كردستان الطبيعية بين أربعة بلدان. وجرى، بالكامل، شطب حق تقرير المصير للكرد واستمر هذا الأمر إلى يومنا هذا وسط تواطؤ دولي وإقليمي شبه شامل رغم الصراعات والتباينات الدولية والإقليمية على المستويات كافة.

جزء من القوى التحررية العربية استظل شعارات تحررية قومية. كانت هذه الشعارات الموجهة أصلاً ضد الهيمنة الخارجية الاستعمارية، تنطوي في الوقت عينه على نظرة استعلائية وشوفينية ضد القوميات الأخرى في المنطقة العربية. وهي، عموماً، أقليات عرقية أو دينية. بلغ من تفاقم هذا الخطأ أن ترتبت عليه، سياسات قمع وتمييز واضطهاد وإرهاب اقترنت غالباً بمنع الكرد خصوصاً من ممارسة أبسط عناصر التعبير عن الهوية والثقافة والحضارة الخاصة بهم، وبأبشع الأساليب وصولاً إلى استخدام أدوات الإبادة أو العقاب الجماعيين.

حاول الكُرد، عبر تعبيرات سياسية وتنظيمية ناشطة، تغيير هذا الواقع. حمل كثيرون منهم السلاح. لجأوا إلى قوى خارجية، إقليمية ودولية، طلباً لدعم سياسي أو عسكري. تعرضوا لاستغلال قضيتهم من قبل قوى حاولت توظيف نقمتهم في خدمة مشاريعها ومصالحها. ارتكبوا في مجرى ذلك، أخطاء صغيرة أو كبيرة… لكن معاناتهم استمرت وتصاعدت خصوصاً في تركيا، وحتى فترة متأخرة، في العراق.

لأسباب عديدة، وكجزء من سياساتها حيال العراق، وبعد تعاظم استهداف المناطق الكردية من قبل نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قدّمت الإدارات الأميركية المتلاحقة مساعدات مهمة لحماية المناطق الكردية من خطر قصف الطيران العراقي. فرضت مناطق «حظر جوي» أفقد الرئيس العراقي تفوقاً عسكرياً كان حاسماً في الميدان. عام 2003، أي في مجرى الغزو الأميركي للعراق وبعده، توسَّعت وتوطَّدت العلاقات الأميركية الكردية. سعى الأميركيون لتقديم أنفسهم كحماة وضامنين للمناطق وللمصالح الكردية في تركيبة ما بعد الغزو والاحتلال. طبعاً، كان ذلك بثمن الولاء الكردي الكامل لواشنطن وسياساتها في العراق والمنطقة. دخل الكيان الصهيوني، مرة جديدة، على الخط، لتعميق الصراع العربي الكردي ولجني مكاسب خاصة.

في امتداد نتائج الغزو الأميركي للعراق ومن ضمنه سياسة تغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية و… في المنطقة، ومن ضمن تعاظم دور الكرد في الصراعات الموزعة على أكثر من بلد، وخصوصاً ضد «داعش» والإرهاب… تعاظمت النزعة الكردية نحو الانفصال. نشوء إقليم كردستان العراق، كإقليم ذي حكم ذاتي، تكاملت مقومات تحوله إلى إقليم مستقل وسط اضطراب عراقي خطير وشامل (فضلاً عن الأزمة السورية والتركية). وهو اضطراب قاد، بين أمور أخرى يعدها البعض للمنطقة ولوحدة بلدانها السياسية والجغرافية والاجتماعية، إلى إعلان استفتاء الاستقلال من قبل رئاسة إقليم كردستان العراق في 25 من شهر أيلول القادم.

ثمة صراع في إقليم كردستان العراق، بين تشكيلاته السياسية، حول السلطة والنفوذ والعلاقات مع بغداد والخارج. لكن ثمة تعاطفاً سياسياً وشعبياً كردياً عاماً، لا جدال بشأنه، شعار الاستقلال، ولو مع شيءٍ من الحذر والرغبة في التدرج والإبقاء على شيء من الوحدة في نطاق العراق، من قبل كثيرين.

لا تبشر تطورات الوضع، في الشرق الأوسط عموماً وفي المنطقة العربية خصوصاً، بالتوصل إلى حوارٍ بناء وجدي وملتزم بشأن مشكلة الكرد وحقوقهم بما يحول دون الانفصال. التمزق السياسي والمذهبي الراهن، التدخلات والمصالح الخارجية، ضعف الروح الوطنية وروح المسؤولية، تراجع قيم العدالة والتسامح والتضامن الوطني والقومي… كلها أمور تشير على أن فرص استيعاب حركة النزوع الكردي نحو الانفصال لا علاج مقبولاً لها في المرحلة الراهنة. البعض يكتفي بالتحذير. بعض آخر يريد أن يكون الاستفتاء شاملاً كل الشعب العراقي وكذلك دول المنطقة. هذا لن يعالج شيئاً ويكرر سياسات بائسة سابقة.

في كل الحالات ينبغي دعم حق الشعب الكردي في تقرير مصيره. حبّذا لو توفرت شروط استمرار الوحدة وفق علاقات مختلفة تقوم على الاعتراف، من قبل الدول المعنية، بحقوق الكرد وثقافتهم وحضارتهم، وهي حقوق سياسية وإنسانية بالدرجة الأولى. الأمل مفقود في هذا الاتجاه، ولذلك لا يمكن رفض حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وفق الاتجاه الذي يريده، شرط أن يتم ذلك بشكل واقعي ومدروس ومن دون إكراه من أي سلطة: كردية أو عربية أو أجنبية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 عن أميركا وبناء الجيوش في لبنان والعراق أحمد مهنا

 

 

 الاخبار اللبنانية
  

 

بعد تحرير الموصل أخيراً، طالب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في زيارته للسعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان بحلّ «الحشد الشعبي» وحصر السلاح بيد الجيش العراقي. لطالما سمعنا هذه المقولة في لبنان أيضاً، خصوصاً في الآونة الأخيرة بعد معركة تحرير جرود عرسال التي حظي من خلالها حزب الله بشبه إجماع وطني حول دوره في مكافحة الإرهاب وحماية الوطن.

 

تحدثت هنا، أيضاً، «الجوقة» القديمة نفسها التابعة للأميركي، من سياسيين وإعلاميين ومثقفين ورجال أعمال عن معنى استعادة الأرض في الوقت الذي نخسر فيه الوطن. بعيداً عن هؤلاء غير المؤثرين، هذا المقال هو محاولة لفهم طبيعة العلاقة الراهنة بين الجيش الأميركي من جهة والجيشين اللبناني والعراقي من جهة أخرى، في ضوء وجود حزب الله و«الحشد» كقوتين فاعلتين في كلا البلدين.

نلاحظ أن الجيشين العراقي واللبناني يتشابهان بأن تشكيلهما هو انعكاس ونتاج للمجتمعين المتعددين طائفياً ومذهبياً. هذه المذاهب التي أصبحت مع مرور الزمن وفي سياقات وتحالفات خارجية خاصة بها، كيانات سياسية واقتصادية فريدة يتعايش بعضها مع بعض في مجتمعاتها سلماً أو حرباً.

فبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990 وانتصار سوريا وحلفائها، شرع النظام السياسي القائم حينها في عملية إعادة بناء الجيش وهيكلته في سياق عقيدة واضحة تتلخّص بالعداء لإسرائيل، والعلاقة المميزة مع سوريا، ودعم المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي. نذكر أن الجيش اللبناني في الحرب الأهلية انقسم إلى مجموعة «جيوش» أحدها بقيادة سعد حداد العميل لإسرائيل، وآخر مثلاً بقيادة سامي الخطيب واللواء السادس، ودخلوا جميعاً في دورة لا تنتهي من الاقتتال. لقد أقصت مرحلة الوجود السوري جميع المناوئين لدمشق في لبنان، وتحديداً الأطراف السياسية «المسيحية» المؤثرة، واستمرت حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. بعدها، ومع بروز نسق جديد في الحياة السياسية عنوانه الصراع بين 8 آذار (حلفاء سوريا) و14 آذار (حلفاء أميركا)، استطاع الجيش اللبناني باتباعه الحيادية ومبدأ عدم التدخل في الأحداث السياسية أن يضمن وحدته الداخلية في مواجهة هذه الانقسامات العمودية. ينطبق هذا الأمر أيضاً على دور الجيش إبّان حرب تموز 2006، الذي اقتصر على إغاثة المهجرين على الرغم من استهدافه من قبل العدو. ثم جاءت معركة مخيم نهر البارد مع تنظيم «فتح الإسلام» حيث استطاع من خلالها إبراز صورة وطنية مقبولة لدى مكونات المجتمع بأنه يستطيع صيانة الاستقرار، إلى أن عاد لدوره الحيادي إزاء الحرب المندلعة في سوريا مع انقسام لبنان إلى معسكرين: الأول مؤيد لحكومة دمشق تمثّل بتدخّل حزب الله العسكري، والثاني معارض ومساهم في عملية إسقاط الدولة.

 

الجيوش المتعددة الطوائف تنشط وتعيد تدعيم الولاءات الأولية

وقد استطاع الجيش إلى الآن الحفاظ على وحدته إلى أن برزت الحركات التكفيرية على الحدود. هذا العدو يمكن أخذ المبادرة والتصدي له إذا كان هناك إجماع داخلي على اعتباره إرهابياً، لكن مثلاً، لا يستطيع الجيش المشاركة في دحر «النصرة» التي لها مؤيدون في «السياسة» و«المجتمع» في الداخل اللبناني، فيما «داعش» يراها «الجميع» إرهابية وتشكّل خطراً.

إذاً، تبقى إشكالية النظام الطائفي عاملاً سلبياً ينعكس على أداء الجيش، ويحدّ من قدرته على المبادرة… أما الشعارات والصور والأناشيد الدعائية فتبقى بعيداً عن الواقع.

في العراق، وبعد حلّ الجيش على يد بول بريمر إثر الاحتلال الأميركي عام 2003، ومع انتشار حركات المقاومة وتفجّر الصراع الطائفي، لم تستطع الولايات المتحدة عبر برامجها المتعددة بناء جيش يعاني من معضلة زميله اللبناني. تجلى ذلك بوضوح بانهياره في الموصل أمام بضعة مئات من مقاتلي «داعش» عام 2014، بعد ثلاث سنوات من خروج الأميركي من العراق. ثم جاءت فتوى المرجعية الدينية لتشكيل «الحشد الشعبي» الذي استطاع خلال 3 سنوات إنهاء معظم وجود التنظيم الارهابي، تماماً كما استطاع حزب الله تحرير الأرض عام 2000 والصمود في حرب تموز 2006، وهزيمة 14 آذار في 2008، ولاحقاً تغيير دينامية الحرب في سوريا (كما اعترف السفير الأميركي هناك روبرت فورد)، وأخيراً دحر «النصرة» من جرود عرسال.

في السياق نفسه، تشير سينثيا انلو من جامعة جورجيا في دراستها (1980) للجنود الإثنيين بعنوان «أمن الدول في المجتمعات المتعددة»، أن الجيوش المتعددة الطوائف تنشط وتعيد تدعيم الولاءات الأولية، ولا تستطيع بناء جيش موحد بالعقيدة نفسها، وهكذا لا يكون الجيشان اللبناني والعراقي استثناءً لهذا الاستنتاج.

 

الجيش اللبناني في مرحلة ما بعد سوريا

 

بداية نشير إلى تصريح قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، جوزف فوتل، في آذار 2017 أمام لجنة الاستخبارات والدفاع في الكونغرس، حين قال (عن منطقتنا) إنّ إيران وحلفاءها هم التهديد الرئيسي لمصالح الولايات المتحدة، يضاف إليها الوجود الروسي الحديث في سوريا.

علاقات أميركا مع الجيوش في المنطقة تأتي في ضوء هذه المصالح، وهي تتلخص في لبنان بتقويض نفوذ حزب الله، وضمان أمن إسرائيل، ومحاربة الحركات الإرهابية (عند الحاجة)، بالإضافة إلى مصالحها الاقتصادية.

في دراسة للباحث الأميركي أرام نرغيزيان من معهد CSIS حول «تحديات تطوير القوة لدى الجيش في مرحلة ما بعد الوجود السوري في لبنان»، يشير الكاتب في استعراضه للدروس المستفادة من حرب تموز وأحداث نهر البارد ثم أحداث أيار إلى ما يأتي:

ـ فيما أدى الجيش دوراً حيادياً في فترة ما بعد اغتيال الحريري، كان وقيادته واعياً أن حزب الله لم يلحظه في حساباته عندما أراد القيام بعملية خطف الجنود الإسرائيليين، بل إن ما يمكن أن يفعله أو لا يفعله الجيش لم يعنِ الحزب، بل إن خوف الجيش على وحدته مكَّن الحزب من عدم استشارته.

ــ في معركة مخيم نهر البارد، فقد أثبتت للكاتب أن الجيش قادر على التغلب على منظمات إرهابية، على الرغم من قلة الخبرة لدى وحداته، ونقص التجهيزات العسكرية واللوجستية لديه.

ـ أما أحداث أيار 2008، فأثبتت أن تطوير الجيش لم يكن بالقدر الكافي الذي يجبر حزب الله على التفكير مرتين قبل قيامه بعمل أحادي الجانب في الداخل اللبناني أو عند الحدود مع العدو الإسرائيلي أو سوريا.

يذكر الكاتب، في دراسته التي تهدف إلى البناء على الفرص المتاحة أمام الجيش وحلفائه الخارجيين لتقويته كمؤسسة محلية وكقوة استقرار في المنطقة، أنه يمتلك ميزة تجعله أكثر مقبولية من حزب الله، وهي تعدده الطائفي بعكس حزب الله الذي يمتلك هوية وبُعداً عقائدياً واضحاً. يُقدم الكاتب توصياته للإدارة الأميركية إزاء العلاقة مع الجيش، فيشير إلى أنّ أي محاولة لحثّه على مواجهة عسكرية مع حزب الله ستكون فاشلة، بحيث إن 30 في المئة من عديده هو من الطائفة الشيعية. بل يوصي الكاتب أن الحل لمواجهة حزب الله يقتضي دعم الجيش عسكرياً (تدريب وتسليح)، وتحديداً لتشكيلات القوات الخاصة (فوج مكافحة الإرهاب، المجوقل، مغاوير البر والبحر) التي تمتاز بالولاء للقيادة بالمقارنة مع الولاءات الطائفية، كما يوصي بإعادة هيكلية التراتبية العسكرية لضباط الجيش لإدخال أكبر قدر من ضباط مرحلة ما بعد الوجود السوري في لبنان. كذلك يشير إلى منح الجيش مساعدة سنوية بقيمة مليار دولار، والتغلب على البيروقراطية الإدارية في أميركا من خلال استعمال الصلاحية 1206 (هذه الصلاحية تتيح لوزارة الدفاع تدريب الجيوش الأجنبية وتسليحها لهدفين رئيسيين: مكافحة الإرهاب والمحافظة على الاستقرار، وذلك بوقت سريع من دون المرور بالقيود الإدارية البيروقراطية).

هذا كله، يجب أن يتزامن مع تهدئة عسكرية طويلة الأمد على الحدود الجنوبية مصحوبة بنجاحات يحققها الجيش في معركته مع الحركات الإرهابية، وذلك لخلق قناعة عند المجتمعات المذهبية اللبنانية بأنه القوة الوحيدة الضامنة للاستقرار والقادرة على الحفاظ على الأمن، ما يمنع حزب الله عسكرياً واعتبارياً من التحرك بمفرده.

 

خاتمة

 

إن هذه العملية المعقّدة من إعادة بناء الجيش ودعمه من الجانب الأميركي هي في خدمة مصالح واشنطن فقط. في مقابل هذا المخطط، تأتي معادلة الشعب (الفئة الوطنية منه)، والجيش (الذي تتبنى قيادته محاربة إسرائيل والإرهاب)، والمقاومة لتحرر لبنان ولتحمي سيادته. وهذا ما ينطبق على العراق أيضاً. إن الحركات أو التنظيمات الأيديولوجية في المجتمعات المتعددة تستطيع أن تقوم بدورها وتبادر بعكس الجيوش التي تتحكم بقرارها المعطيات والولاءات الطائفية المتعددة الاتجاهات.

إن حزب الله الذي تألّف من بضع مئات في ثمانينيات القرن الماضي أصبح الآن جيشاً مدرباً من عشرات الآلاف، ويؤدي دوراً محورياً في رسم المشهد الإقليمي من بيروت إلى صنعاء… وها هو في أيام يُفشل استراتيجية جوزف فوتل في لبنان. وهكذا أيضاً، سيكون لـ«الحشد الشعبي» الذي يريد مقتدى الصدر حلَّه الدور الأبرز في رسم مشهد العراق الحديث في المحور المقاوم لسياسات الطغيان والهيمنة الأميركية في منطقتنا.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   هل تكسب السعودية شيعة العراق؟

 

 أسعد البصري   العرب
السعودية تحركت نحو العراق بعد سعي إيران لتنظيم الميليشيات العراقية في أحزاب سياسية والزج بها في انتخابات السنة القادمة، أي أنها ستكون بمثابة حزب الله لبناني جديد على الحدود الشمالية للمملكة.

وصل رئيس هيئة الأركان السعودي عبدالرحمن بن صالح البنيّان إلى بغداد الخميس 20 يوليو 2017 صحبة قائد القيادة المركزية الأميركية الوسطى جوزيف فوتيل. وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد زار الرياض قبل ذلك بشهر، وهذه الأيام تشهد الرياض زيارات مكثفة من القادة العراقيين؛ بدأت بوزير الداخلية قاسم الأعرجي ثم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وهناك أنباء عن زيارة محتملة لعمار الحكيم وإياد علاوي. لا بد من أن تكون هذه اللقاءات تعني شيئا في غاية الأهمية يتعلق بمستقبل العراق.

 

السعودية من جهة أخرى تواجه تحديا مستمرا من طهران من خلال صواريخ بعيدة المدى مصدرها إيران يتم تهريبها إلى الحوثيين من ميناء الحديدة عبر البحر الأحمر ويطلقها الحوثيون على المملكة، وتوتر أمني في العوامية بالقطيف أسفر عن مقتل 5 أشخاص، إضافة إلى إعدام 14 شيعيا سعوديا بتهم إرهابية. ويا للمصادفة تقوم السفارة الإيرانية في الكويت بإطلاق سراح وتهريب 14 كويتيا من خلية العبدلي الإرهابية عبر الخليج نحو إيران، ومحاكمة معلمين سعوديين اثنين بتهمة التجسس لإيران على منشآت بترولية وطنية سعودية.

 

المحللون الأجانب يقولون إن السعودية تواجه ثلاث مشكلات؛ أولا حرب اليمن، ثانيا مشكلة قطر، ثالثا موضوع المواجهة مع طهران. كيف تدار هذه الأزمات والعراق البلد الكبير الجار على الحدود الشمالية عنده مليون محارب في الحشد الميليشياوي وخبرة قتالية عالية، وعنده ثروة نفطية فلكية، وفي نفس الوقت ليس حليفا لطهران وتحكمه حكومة شيعية مطلقة فقط، بل لديه حدود طولها 1300 كلم منبسطة ومعبدة مع إيران.

 

كانت المملكة تتردد لأن الثقافة العراقية نرجسية وفيها جاذبية وطنية. إيران ترتكب جرائم بحق سنة العراق ليس بشكل مباشر بل بأيادي عراقيين آخرين. ثم إن السعودية ترفض الانجرار إلى اللعبة الطائفية التي تريدها طهران، بل تريد مواجهة الخطر الإيراني ضمن جهودها في مكافحة الإرهاب والإسلام السياسي والطائفية. حاولت المملكة التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة دون الوقوع في فخ الصراع الطائفي. العراق هو القاعدة المركزية التي يتمركز فيها النفوذ الإيراني بالسلطة الناعمة والمسلحة لينتشر منه إلى سوريا وأفغانستان أو في البحرين واليمن ولبنان وغيرها.

 

ورغم أن إيران تعتمد الصراع المذهبي الذي يمتد في التاريخ القديم إلى ساعة وفاة النبي لكنه في الحقيقة صراع جيوسياسي الهدف منه تدمير السعودية. والنفوذ الإيراني في العراق اليوم ليس مجرد مصادفة بل هو اقتصادي وسياسي وثقافي أيضا.

 

المملكة تحركت نحو العراق بعد سعي إيران لتنظيم الميليشيات العراقية في أحزاب سياسية والزج بها في الانتخابات القادمة، أي أنها ستكون بمثابة حزب الله لبناني جديد على الحدود الشمالية للسعودية. إيران تحاول تعميم نموذجها في العراق.

 

لماذا تريد السعودية التقارب مع العراق ودعم رئيس الوزراء حيدر العبادي؟ هناك ثلاثة أسباب. أولا الرجل اختلف مع إيران وقطر معا، فقد صادر الفدية القطرية لإطلاق الصيادين القطريين المختطفين في أبريل الماضي وكانت 500 مليون يورو موضوعة بـ13 حقيبة على متن الطائرة القطرية التي نقلت وزير الخارجية القطري. العبادي رفض تسليم ميليشيا كتائب حزب الله المبلغ وقال كيف يمكن تسليم الميليشيات مبلغا بهذا الحجم؟ كان هذا الموقف تحديا شجاعا من الحكومة العراقية لميليشيا مسلحة مقربة من إيران.

 

ثانيا العبادي وقع اتفاقية مع شركة أمنية أميركية لحراسة الطريق الذي يربط بغداد بعمان، وهذا مخالف للإرادة الإيرانية. وثالثا أصرّ العبادي على عدم مغادرة القوات الأميركية بعد تحرير الموصل، لأن هذا يعني أن إيران ستملأ الفراغ. ثلاث خطوات عملية شجعت السعودية على التقارب مع العراق.

 

هوشيار زيباري أحد المستشارين الثقاة الذين نصحوا المملكة بدعم العبادي والتقارب مع العراق. فبعد فقدانه لمنصبه كوزير خارجية بسبب إيران، قال إنه حين التقى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالعبادي في سبتمبر الماضي بمقر الأمم المتحدة تدخل الرئيس الأميركي شخصيا للاحتفاظ به ولكن ذلك لم يكن كافيا أمام هيمنة إيران المطلقة على العراق.

 

العبادي في موقف حرج اليوم، فإذا ذهب بعيدا في التحالف مع أميركا والابتعاد عن إيران فإن ذلك يعني انتحارا سياسيا لمستقبله السياسي. وكما يقول عزت الشاهبندر في نهاية المطاف أمام العبادي خياران إما الأميركان وإما إيران، فلم يعد ممكنا الاحتفاظ بهما معا. من الواضح أنه ودون ثقل سعودي في العراق لا قدرة للعبادي على الابتعاد عن المشروع الإيراني.

 

العبادي يتذمر من الآثار المدمرة للحرب الطائفية في العراق التي خلقتها الثقافة الإيرانية، فإضافة إلى أضرارها على الأخوة الإنسانية بين المواطنين، هناك فاتورة كبيرة على الحكومة دفعها من مستقبل الأجيال.

 

قبل أيام زار السفير الأميركي مدينة الفلوجة ووجه تقريرا يحث على بناء البيوت المهدمة. والرمادي عاصمة المحافظة في حالة خراب، كان عدد سكانها 400 ألف، وقد تحتاج إلى 10 مليارات دولار كبداية لعودة الخدمات الأساسية. تقدر قيمة إعادة الخدمات البسيطة إلى الموصل بأكثر من مليار دولار، بينما تفوق تقديرات مجمل أعمال إعادة الإعمار في المدن المنكوبة مبلغ 100 مليار دولار. ودون مساعدات سعودية سيصعب على الحكومة العراقية الخلاص من المشروع الإيراني.

 

الحكومة العراقية عاجزة، فالشاحنات تأتي بالبضائع الإيرانية وتعود فارغة، بينما الباصات تذهب مليئة بالمتطوعين الشيعة إلى إيران للتدريب وتعود فارغة. الشباب يتطوعون في الميليشيات بسبب البطالة ويتم تدريبهم في معسكرات قرب طهران، حيث يقول لهم القادة في الحرس الثوري إن قتلة الإمام الحسين هم ذاتهم يقاتلون في سوريا والعراق ولبنان ويدربونهم على الانتقام المذهبي، ثم يتم نقلهم إلى سوريا حيث يقوم حزب الله اللبناني بقيادتهم في المعارك. الشباب العراقي يعاني البطالة فهو يتطوع لدى الميليشيات لأجل الراتب، والبعض الآخر منهم ينفق ما جمعه من مال في شراء المخدرات الإيرانية التي يغص بها العراق.

 

من شرق ديالى يمتد طريق الميليشيات لنقل السلاح والمسلحين لإدارة الحرب بالوكالة. الشاحنات المحملة باللبن والفواكه وأدوات البناء تأتي من إيران إلى العراق يوميا ولا تعود إليها إلا فارغة، ما يجعل العلاقة بين البلدين غير منطقية فالعراق يبدو مكبّا للبضائع الإيرانية والميليشيات وليس لديه ما يقدمه لإيران. وفيما عدا النفط فإن العراق يعتمد على إيران في كل شيء.

 

التهديد الإيراني للسعودية ولبنان وسوريا يبدأ بمحافظة ديالى مركز طريق البضائع والميليشيات، حيث عملت طهران منذ طرد داعش من هذه المحافظة عام 2014 على تأمين طريق السلاح إلى سوريا ولبنان. وبما أن ديالى مختلطة مذهبيا فمن الطبيعي أن يكون القمع المذهبي في هذه المحافظة أكبر من الخيال. اختطاف وتعذيب وتهجير وقتل. فرغم تحرير المدينة منذ زمن مازال سنة المدينة يملأون المخيمات ولم يُسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم.

 

الطريق الذي يبنيه قاسم سليماني من ديالى إلى سوريا، يهدف إلى نقل الزوار الإيرانيين إلى سامراء، وهذا يعني أن محافظتين سنيتين قد سقطتا جغرافيا في النفوذ الإيراني، إضافة إلى مد فروع من هناك إلى تلعفر والموصل لربطهما بإيران.

 

وتبقى القيمة الجغرافية الأكثر أهمية لديالى هي كونها الطريق الذي يربط إيران بسوريا ولبنان. سنة ديالى يقولون أميركا لا تحكم على الأرض بل تتعامل مع النظام السياسي العام في بغداد، بينما إيران تسيطر على كل المفاصل والتفاصيل.

 

الصراع السني الشيعي هو في الحقيقة سياسة إيرانية تركية. السعودية تبحث عن اختراق لهذه اللعبة التي لا تخدم العرب بل تخدم أردوغان وخامنئي والمملكة تمتلك كل مؤهلات النجاح.

 

لا تخشى السعودية من اندفاع سنة العراق نحو طهران إذا هي تقاربت مع شيعة العراق. فقد تم ضرب قطر ذراع الإخوان الإعلامية والداعم المعادي للسعودية وحليف تركيا، ثم إن إيران وسنة العراق بعد هدم الموصل أصبحا بمثابة قاتل وقتيل.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  طواويس للبيع والشراء

 

 عادل سعد

 

 

   الوطن العمانية
 

” في العراق سياسيون استمرأوا أحوالهم أن يكونوا تحت وطأة البيع والشراء فهم يملكون مهارة التنقل بل التسلل لهذا الطرف أو ذاك ليس من منطق القناعة بما تطرحه تلك الأطراف ولكن يعرفون من أين تؤكل الكتف ولهم أسنان باشطة في هذا المضمار ولذالك تجدهم (يحوشون) بسرعة نادرة فتسقط أحوالهم في المحذور,”

ــــــــــــــــــ

تتناوب وقائع البيع والشراء الحضور في المشهد الحياتي العام كونها جزءا من الحركة ضمن حالتي العرض والطلب, ولكن في الجانب الأسوأ من هذا الحضور حين يتداخل المعقول مع غير المعقول على غرار الصفقة التي تمت خلال الأيام القليلة الماضية بعملية شراء اللاعب البرازيلي نيمار من النادي الكاتولوني لصالح نادي باريس سان جرمان بأصول مالية عربية وهي الصفقة الأكبر منذ بدء تاريخ بيع اللاعبين والمناقلة بين النوادي الرياضية إذ بلغت القيمة المالية 222

مليون يورو.

لقد تحول هؤلاء اللاعبون إلى بضاعة بشرية بيد تلك النوادي وان كانت لا تخلو من ابتسامات وعروض أهمية واحتمالات خسارة جسيمة لو أن اللاعب تعرض لأي مكروه يعيقه من اختبار مواهبه التي على أساسها ذاع صيته, وبذات الاتجاه أيضا ولكن سياسيا هناك من يرتضي أن يباع لصالح دوائر محلية أو اقليمية أو دولية بأثمان بخسة, ليس بالمعنى المادي فحسب, بل بالانحسار الأخلاقي فيتحول إلى مجرد عميل صغير لهذا الطرف أو ذاك رغم انه لا يمل سابقا من الادعاء بنظافة اليد وبأنه ليس مشروعا قابلا للاستثمار, وأنه عصي على التحول إلى وديعة لدى القوى السياسية التي لا يهمها المس بوطنيته.

الحال أن في الواقع عينات بذات المواصفات من بعض وجوه المعارضة السورية في اكثر من منصة واحدة وشيمة هؤلاء أنهم بارعون في التماهي مع الجهات التي تمولهم, اي الجهات التي اشترت مواقفهم, وهكذا تتنافس هذه المواقف لمن يدفع أكثر, وحسب قراءة موضوعية ان المستقبل القريب سيشهد انتقالات بين هؤلاء اللاعبين السياسيين على هامش مستجدات الأزمة التي ضربت مجلس التعاون الخليجي أخيرا , ومن الأسرار المتسربة في هذا الشأن أن أغلبهم لا ينقطعوا من الشكوى لقلة مرتباتهم في بعض الأحيان, وبأنها لا تغطي مصروفات أسرهم في أكثر من عاصمة أوروبية, وهكذا ولأن (عدو الطاووس ريشه) فهم يتمظهرون دون أن يرف لهم جفن حياء كونهم ليسوا سوى بضاعة مجهزة للبيع والشراء على حساب دماء السوريين وبالقراءة الموضوعية سيكونون بضاعة كاسدة مع الانجازات التي حققها الجيش العربي السوري والقوة الساندة له وبمقابل ذلك هؤلاء ليس وحدهم الذين لطخوا واقع بلدانهم بما حصل لهم، ففي العراق عينات منهم ولكن من تحت الطاولة مع محاولة تحاشي الفضيحة بأي ثمن كان غير ان أغلبهم يقع تحت طائلتها مهما حاول الإفلات منها.

في العراق سياسيون استمرأوا أحوالهم أن يكونوا تحت وطأة البيع والشراء فهم يملكون مهارة التنقل بل التسلل لهذا الطرف او ذاك ليس من منطق القناعة بما تطرحه تلك الأطراف ولكن يعرفون من أين تؤكل الكتف ولهم أسنان باشطة في هذا المضمار ولذالك تجدهم (يحوشون) بسرعة نادرة فتسقط أحوالهم في المحذور, أي الثراء الفاحش وما يتبعه من نزق وحماقه ابتعاداً من الحديث النبوي الشريف, لا أخاف عليكم من الفقر بل من الغنى فتميلوا, اي تنحرفوا, وما اكثر المائلين السياسيين العراقيين على ارتقاء ذلك في

الارتصاف مع أصوليات طائفية ومناطقية , بار تاهيد عراقي بامتياز.

للمشهد العراقي من البيع والشراء طاقم أخر لكنه إعلامي لم يغادر بعد مرحلة (الصف) الأول الابتدائي من المعرفة والتحليل, تراهم يتنقلون بين الفضائيات التلفازية أو الصحف أو على شبكات التواصل الاجتماعي والدردشة السياسية يكيلوا المديح أو الهجوم ضمن (مبايعات) لمن يرضى بما يقولون ويدفع لهم, بل حسب معلوماتي المتواضعة أن بعض الكتل السياسية (وظفت) محللين من هذا النوع لديها تدفعهم للواجهة والتمنطق بما تريد تمريره في إطلالات على هامش نشرات الأخبار أو في ندوات ومؤتمرات مكرسة لادعاء (الحكمة) والموعظة الحسنة وتنكب الوطنية ضمن كل الأدران الفرعية المقيتة التي تجلله.

العرض والطلب في البيع والشراء السياسي بات الآن دعارة يتنافس فيها كثيرون مع الأسف والحال أن جودة البضاعة لم تعد عاملا حاسما مادام جميع هؤلاء يسعون إلى إحداث الالتباس, لاشك المهمة صعبة جدا في مواجهة ذلك ولكن تظل المراهنة على أن (حبل الكذب قصير) فمتى تبدأ القياسات ؟؟

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5     في ذكرى الحرب المنسية؟

 

   احمد صبري

 

    الوطن العمانية
  

 

” لقد عاش العراقيون في مثل هذا اليوم لحظات تاريخية وهم يعيشون لحظات السلام بانتهاء كابوس الحرب الذي نغص حياتهم وتطلعهم ببدء مرحلة جديدة في مستقبلهم إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا بعد الاجتياح العراقي للكويت وماتلاه حرب الخليج الثانية عام1991 ثم فرض الحصار على العراق الذي دام نحو 13 عاما وصولا إلى غزو العراق واحتلاله في التاسع من نيسان- أبريل- عام 2003.”

ـــــــــــــــــــــــ

 

وصفت بأنها أطول حرب في القرن العشرين أو الحرب المنسية التي اندلعت بين العراق وإيران في أيلول – سبتمبر-1980 وانتهت في الثامن من اب – أغسطس عام 1988 وخلفت أكثر من مليون قتيل وضعفهم من المصابين والمعاقين بين البلدين ناهيك عن تكلفتها التي قدرت بنحو أربعمئة مليار دولار فضلا عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والنفسيىة على الشعبين.

ففي الثامن من اب- أغسطس عام 1988وضعت الحرب أوزارها بقبول إيران بوقف اطلاق فكان حدثا وتاريخا مشهودا بين العراق وإيران بعد ثمان سنوات من حرب ضروس لاهوادة فيها فشلت عدة مبادرات للسلام لوقفها فضلا عن تقاعس المجتمع الدولي في المساعدة في وقف نزيفها ناهيك عن دور دول في تغذية استمرار الحرب طبقا لمصالحها.

وبعد مرور 29 عاما على انتهاء الحرب المنسية فإن استعادة مدينة الفاو جنوبي البصرة من سيطرة القوات الإيرانية كان إيذانا لوضع نهاية للحرب.

لقد عاش العراقيون في مثل هذا اليوم لحظات تاريخية وهم يعيشون لحظات السلام بانتهاء كابوس الحرب الذي نغص حياتهم وتطلعهم ببدء مرحلة جديدة في مستقبلهم إلا أن هذه الفرحة لم تدم طويلا بعد الاجتياح العراقي للكويت وماتلاه حرب الخليج الثانية عام 1991 ثم فرض الحصار على العراق الذي دام نحو 13عاما وصولا إلى غزو العراق واحتلاله في التناسع من نيسان- أبريل- عام 2003.

وعلى الرغم مما أصاب العراق من حرائق وكوارث وخيبات امل لاسيما فشل الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق والحفاظ على امواله خلال العقود الماضية الا أن الثامن من اب- أغسطس سيبقى علامة مهمة في تاريخ العراق ويوما مشهودا كان يمكن أن يكون فاتحة خير لمستقبل زاهر للعراقيين إلا أن الرياح كانت بالضد مما تشتهي السفن.

وبقي العراق في المربع الأول يئن من أزمات تلد اخرى دفع أثمان باهضة كلفته الآلاف من ابنائه بعد أن ادخله الاحتلال في دوامة العنف الطائفي الذي وضع العراق أما خيارات مازال يعاني منها وما جرى خلال العقود الثلاثة الماضية كانت نتيجة لتداعيات الحرب العراقية الإيرانية ومارافقها من تدخلات خارجية وغياب الحكمة والعقل في التعاطي مع هذه الأزمات الأمر الذي وضع المنطقة كلها أمام مشهد معقد مازلنا تحت وطأته رغم مرور نحو 29 عاما على الحرب بين العراق وإيران.

وإذا عدنا إلى أسباب اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في ايلول-سبتمبر- عام 1988 فإن هذه الأسباب والخلاف حولها مازالت ماثلة للعيان لاسيما الحدود بين البلدين واتفاقية الجزائر وشط العرب فضلا عن أي طرف بدأ بالحرب رغم تبدل الحكام والأنظمة والظروف.

وتتطلب تركة الحرب بين العراق وإيران معالجة واقعية وعملية لمسببات الحرب لطي صفحة الماضي المريرة التي طالت البلدين فمن دون معالجتها من جذورها ستبقى تهدد مستقبل علاقة البلدين في شتى الميادين.

ومعالجة تركة الحرب تتطلب إجراءات تحقق العدالة وتعيد الحقوق التي نصت عليها القرارات الدولية والاتفاقات المبرمة بين البلدين لأن ترحيل الحل لن يحقق الاستقرار فضلا عن كونه الغاما ممكن أن تنفجر في اي لحظة وتعيد البلدين إلى أجواء التوتر مجددا.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     المجلس الإسلامي الأعلى في العراق

 

   عبد الزهرة الركابي     القبس الكويتية
 

 

تعددت وجهات النظر حول حاضر ومستقبل المجلس الإسلامي الأعلى، بعدما خرج عنه زعيمه عمار الحكيم، معلناً تشكيل تيار خاص به، تحت مسمى «تيار الحكمة»، وما أعقب هذا الانشقاق من قيام الأعضاء المتبقين بعقد اجتماع للملمة صفوف المجلس، أسفر عن اختيار الشيخ همام حمودي رئيساً له، واستمرار الشيخ محمد تقي المولى في مسؤوليته لرئاسة الهيئة العامة للمجلس، واختيار باقر صولاغ مسؤولاً للمكتب التنظيمي، والشيخ جلال الدين الصغير مسؤولاً للمكتب التنفيذي.

لا شك في أن المجلس قام على ركائز عدة، لا سيما في سنوات الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، وكان جناحه العسكري «فيلق بدر» من هذه الركائز قبل أن ينشق عنه أيضاً، ناهيك عن ركيزة الإرث العائلي لآل الحكيم، التي تُعد الرافعة للسياسيين المنضوين بين صفوفه، بدليل أن 20 نائباً حالياًَ أعلنوا انضمامهم إلى تيار الحكيم الجديد، ولم يبق مع المجلس سوى 5 نواب، على الرغم من أن أحد المراجع الأربعة الكبار للشيعة، محمد سعيد الحكيم، أصدر فتوى أخيراً بشأن علاقة أسرة الحكيم بالتيار الجديد، حملت توقيع نجله (رياض محمد الحكيم)، أعلن من خلالها براءة أسرة الحكيم بشكل مهذب من «تيار الحكمة» الجديد، على النحو التالي: «وكما في سائر الأسر العراقية الكريمة، لبعض شخصياتها وأفرادها، رؤى وفعاليات سياسية متفاوتة، تعبر عن موقفه الشخصي، من دون أن يمثل الأسرة أي موقف أو كيان سياسي، سابقاً ولا لاحقاً».

وعلى كل حال، راح أعضاء المجلس الإسلامي، خصوصاً باقر صولاغ وجلال الدين الصغير، من على المنابر الإعلامية، يتهمون التيار الجديد بالاستيلاء على مكاتب ومقار المجلس، ويطالبون بإعادتها إليهم، علماً بأن هذه المقار والمكاتب أصلاً هي من ممتلكات الدولة، حيث استولى عليها المجلس الإسلامي كسائر الأحزاب الأخرى، إبان الغزو الأميركي وإسقاط نظام صدام!

وتظل هناك إشكالية خلافية أخرى بين المجلس والحكمة، تتعلّق بتبعية الميليشيات، حيث إن الشيخ جلال الدين الصغير، إمام جامع براثا ومسؤول المكتب التنفيذي في المجلس، يعتبر أن ميليشيا «سرايا أنصار العقيدة» تابعة له شخصياً، وليست هي محلاً «للتنازع عليها»، بين الحزبين القديم والجديد. بيد أن مثل هذا التنازع سيكون منصبا على تبعية ميليشيا «سرايا عاشوراء» التي يرجح المراقبون التحاقها بالحزب أو التيار الجديد (الحكمة) في نهاية المطاف.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7  العراق وكردستان الكبرى

 

 مصطفى زين

 

    الحياة السعودية
 

يدور جدال بين السياسيين الأكراد حول توقيت الاستفتاء على انفصالهم عن العراق. مسعود بارزاني، ومعه حزبه وقبيلته بطبيعة الحال، يرى أن الظروف مواتية لإعلان كردستان دولة مستقلة، وإن لم يتحقق الحلم الآن فلن يتحقق أبداً. جلال طالباني، وحزبه وقبيلته، التحق به، كي لا يبدو خائناً. ويمكن أن نلخص الظروف التي يتحدث عنها بارزاني كما يأتي:

 

اطمأن الرجل إلى أن أي حزب كردي لن يجرؤ على معارضته، نظراً إلى شعبية الطرح، فأي مخالف سيعتبر خائناً للقضية وللقبيلة الأكثر نفوذاً التي تمسك بمفاصل الإقليم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، وتقرر مصير القبائل الأخرى، وترفع شعار من ليس معنا فهو ضدنا وليتحمل النتائج، أي أن «الأسايش» (جهاز الأمن) جاهز للتعامل معه وإن لم يرضخ فـ«البيشمركة» الخاصة بالقبيلة على استعداد لتنفيذ الأوامر. وتجربة حركة «التغيير» ماثلة أمام الجميع، فعندما عارضت إعادة انتخابه رئيساً للإقليم طرد نوابها ورئيس البرلمان ووزراءها ديموقراطياً من أربيل، وعطل المؤسسة التشريعية التي يجب أن تناقش مسألة الاستفتاء والانفصال. أما الطالبانيون المتحصنون في السليمانية ولديهم أجهزتهم الأمنية والعسكرية الخاصة بهم، فمن السهل إرضاؤهم بتقاسم السلطة وموارد النفط.

 

القمع وحده لا يكفي لشد العصبية القومية والقبلية، لذا لجأ المسؤولون في حزب بارزاني إلى عملية تضليل كبيرة. رفعوا شعار الاستقلال بدلاً من الانفصال، للإيحاء بأن العراق دولة تحتل أرضهم وتتحكم بمصيرهم. ويرى بارزاني أن التحالف الشيعي – الكردي الذي تسلم مفاصل الدولة خلال الاحتلال الأميركي لم يعد له مبرر، فطموحه أكبر من أن يتمثل الأكراد في المركز برئيس لجمهورية العراق وعدد من الوزراء وقادة الجيش، وإقامة علاقات خارجية علنية مباشرة مع دول بعضها يسعى إلى اقتطاع أجزاء من البلاد، مثل تركيا، وأخرى سرية يفترض ببغداد أنها على عداء معها مثل إسرائيل. ويستغل بارزاني الخلافات المذهبية في العراق، ومطالبة البعض بإنشاء أقاليم فيديرالية تمهيداً للانفصال عن بغداد، والعداء الذي يكنه هؤلاء لـ «الحشد الشعبي» الذي أعلنه رئيس الوزراء جزءاً من المنظومة الأمنية. كما يستغل العداء الأميركي لهذه القوة العسكرية التي تدعمها إيران وتسعى إلى فتح الحدود مع سورية وخرق خطوط حمر راسخة منذ عشرات السنين تحول دون تحالف البلدين. من هنا كانت دعوته سكان المناطق التي سيطر عليها إلى المشاركة في الاستفتاء، وتشمل أجزاء كبيرة من محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، فضلاً عن كركوك كلها، من دون أن يبالي برأي بغداد أو مواطني هذه المناطق من غير الأكراد.

 

هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فيرى بارزاني أن لكل من الدول المعنية مباشرة بالمسألة، أي سورية وتركيا وإيران، وضعها الذي لا يسمح لها بالتحرك ضده بقوة: دمشق غارقة في حروبها الداخلية. أما أنقرة فلديها ما يكفيها من مشاكل داخلية، وتحركها ضد انفصاله سيقابله أكرادها بتصعيد عملياتهم العسكرية في سائر المدن، ما يهدد نظامها الذي يخوض حرباً ضد أعدائه في الداخل، ويشن حملة تطهير في الجيش وقوى الأمن والجامعات والمدارس والصحافة وكل المؤسسات.

 

تبقى إيران، يعتقد بارزاني بأن الولايات المتحدة لن تسمح لطهران بأي تحرك ضده، خصوصاً أن البيت الأبيض في عهد ترامب، أشهر العداء لها، ويسعى إلى إلغاء الاتفاق النووي معها، ويحاربها داخل العراق وسورية، وفي المحافل الدولية.

 

بمعنى آخر، يعتقد بارزاني بأنه سيد اللعبة في العراق وفي الإقليم وعلى المستوى الدولي، من هنا تشديده على الظروف المناسبة لإعلان «كردستان الكبرى» داخل العراق، وتوسعها سيكون حتمياً في المستقبل، أي بعد انهيار الدول المحيطة بها فواشنطن مستعدة لحمايته وكل ما تبقى تفاصيل.

 

تحقُق حلم بارزاني بدولة مستقلة سيكون عاملاً لمزيد من الحروب في الشرق الأوسط، وليس عامل استقرار على ما يروج.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8  رسالة مفتوحة الى رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البارزاني من مواطن عراقي بسيط

 

 سعد ناجي جواد

 

   الراي اليوم بريطانيا  
  

السيد الرئيس ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسمح لي ان أخاطبك خطابا هادئا اخويا. ولولا خشية ان يحرضك على شخصي الضعيف بعض من  حولك ممن يحاولون تأزيم الأمور، لخاطبتك بصيغة أخي العزيز والكريم السيد مسعود، ولكني فضلت ان أخاطبك بهذه الصيغة الرسمية كي تعلم باني أكن لك كل الاحترام، مع كل ملاحظاتي على ما يجري في الاقليم ، وإني لا اريد من رسالتي هذه سوى إيصال صوت مواطن عراقي بسيط إليك، راجيا ان تتقبل كلماتي بصدر رحب، كما هو معروف عن شخصك الكريم.

ابتداءا اسمح لي يا سيادة الرئيس ان أقول باني ومنذ بدأت الكتابة عن القضية الكردية في العراق منذ اكثر من أربعة عقود، كنت دائما مدافعا عن الحقوق الكردية المشروعة. وكتاباتي منشورة.  وكنت أقول رايي هذا بصراحة في كل المحافل التي كنت اتحدث فيها. وإني اصريت على تدريس مادة القضية الكردية على طلبتي في الدراسات العليا في جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية ايّام كنت احد منتسبيها وقبل الاحتلال،  كي اجعل طلابي متفهمين لها وبعيدين عن التعصب تجاهها. وكنت، ولا ازال، اشدد على ضرورة حل الخلافات بين المركز والأحزاب الكردية بالطرق السلمية وبالحوار الهاديء. ولم أكن اذكر اسم والدكم الملا مصطفى الا وسبقته بكلمة المرحوم، وانت تعلم ماذا كان يعني هذا في ظل النظام السابق. كما كتبت في التسعينيات مقالا صريحا حول القضية الكردية في جريدة الثورة العراقية، الجريدة الرسمية للدولة والحزب، وتكرم الاخ الدكتور صباح ياسين، الذي كان رئيسا للتحرير ، بنشرها دون حذف او تعديل. وكان صدى المقالة واسعا بحيث ان إذاعة آلبي بي سي العربية اذاعاتها كخبر اول في نشرتها معتقدة انها تمثل توجها سياسيا جديدا للحكومة آنذاك، في حين انها كانت اراءا شخصية بحتة. وكان هذا بعد ندوة تلفزيونية من تلفزيون بغداد تحدثت بها بنفس الصيغة. والله يعلم كم عانيت من جراء طروحاتي هذه. وكم هوجمت، وكم عاشت عائلتي في قلق من جراء هذه الاّراء . مثلما حصل عندما ألقيت محاضرة عن نفس الموضوع في ندوة للجمعية العراقية للعلوم السياسية في نفس الفترة في فندق بغداد. وكيف ان الهجوم الأكبر على آرائي الصريحة جاء من اخوة أكراد كانوا موالين للحكومة آنذاك، ومن زملاء لي في المهنة. ولم ينقذ الموقف سوى حديث الدكتورة الفاضلة هدى عماش، التي كانت الندوة برعايتها، والتي قالت في ختامها ردا على ما هوجمت به، هذا هو الدكتور سعد الذي نعرفه ونعرف صراحته وإخلاصه للعراق، ونحن نستمع له ونستفيد من آرائه. وللتاريخ فاني سمعت رأيا مشابها من ديوان رئاسة الجمهورية عندما تقدم احد المسؤولين آنذاك ، بشكوى ضدي على طريقة مناقشتي للقضية الكردية لرئيس الديوان مباشرة. وفي مناقشة حادة لرسالة عن القضية الكردية في كلية الدفاع الوطني/ جامعة البكر، وبحضور قياديين بعثيين كبار، شاركني فيها الاخ الغالي الاستاذ الدكتور كمال مظهر احمد، شافاه الله. قوبلت بهجوم اشرس، مما حدا بالدكتور كمال ان يرد على المهاجمين قائلا اذا كُنتُم غير راضين عن الدكتور سعد فأعطونا إياه ونحن نعطيكم خمسة آلاف بدلا عنه بل وأكثر اذا أدرتم. كما كان بعض  من يعرفني من أمثال الدكتور كمال وغيره مثل العم المرحوم فؤاد عارف والعم الغالي المرحوم حسيب صالح والأخ العزيز المرحوم حبيب محمد كريم والاخ الحبيب وصاحب الفضل الكبير علي اثناء دراستي المرحوم حسين فيض الله الجاف، وغيرهم من الأحياء الذين لا أحب ان اذكرهم خشية ان يؤخذوا بجريرة رسالتي هذه، يطلقون عليّ لقب العربي المستكرد اعتزازا منهم بمواقفي.

ان هذه المقدمة الطويلة هي ليست لمدح نفسي حاشا لله، وانما لكي اثبت لشخصك الكريم اني كنت ولا ازال أقف مع شعبي الكردي في العراق، بل وفِي كل أنحاء كردستان، داعما بصدق ومحبة مطالبه في الحصول على كل حقوقه المشروعة والوطنية، في وقت كان فيه الكثير من المنافقين الذي يدّعون اليوم دعمهم لمطالبكم  يصرحون عكس ذلك.

ان تصريحاتك الاخيرة يا سيادة الرئيس حول استقلال كردستان العراق وحول الانفصال عن العراق استفزتني، ليس لأني استنكر هذا الهدف، وانما للاسباب التي طرحتها كمبرر للمطالبة بهذا الحق المشروع. فأنت قلت بان العراق لم يعد دولة وليس له سيادة وان التجربة المريرة التي عاشها الاكراد في العراق هي ما يجعلهم يعملون بهذا الاتجاه. وان من الأفضل العمل على ان نكون جيرانا وليس شركاء في وطن واحد. وان دولة العراق لم يعد لها وجود، الى غير ذلك من التبريرات التي يكررها ايضا قياديين كبار من الاقليم. وأسمح لي بهذا الخصوص ان أقول ان ما تقوله عن عراق اليوم هو صحيح مائة بالمائة. ولكن يا سيادة الرئيس اسمح لي ان أصارحك ان من أوصل العراق الى هذه الحالة المزرية من قتل يومي لأبناءه وفساد مستشري وسياسات طائفية مقيتة وتدخلات إقليمية مدمرة وتمزق داخلي ليس فقط الاحتلال الامريكي البغيض، الذي ساندته الاحزاب الكردية كافة ومنها الحزب الذي ترأسه، واسميتموه تحريرا، ولا الاحزاب والشخصيات الطائفية والفاسدة التي مزقت البلاد وأفرغت خزائنه وموارده  و أودعتها في جيوب الفاسدين، عربا واكرادا وغيرهم، وانما ايضا السياسات الخاطئة التي انتهجتها كل الاحزاب المشتركة في العملية السياسية منذ عام ٢٠٠٣ ومنها الاحزاب الكردية. بل وأسمح لي ان أقول ان الاحزاب الكردية، والتي كانت تمتلك القدرة والقوة والتماسك وحسن التنظيم والتجربة التي كان يمكن من خلالها إصلاح العملية السياسية الفاشلة والخاطئة، لم تفعل شيئا يذكر في هذا الاتجاه. بل وأسمح لي ان أقول بصراحة اكثر، ان الاحزاب الكردية ساهمت هي الاخرى بايصال البلاد الى هذه الحالة التي تشتكي القيادات الكردية منها اليوم. وكمثال انا اؤيدك يا سيادة الرئيس ان سياسة السيد نوري المالكي كانت خاطئة بل و مسيئة للعراق، ولكن من مكن السيد المالكي من الاستمرار في الحكم لثمان سنوات ؟ اليست هي الاحزاب الكردية التي دعمته؟ الم يقف السيد جلال الطالباني عندما كان رئيسا للجمهورية في وجه سحب الثقة منه بطلب من دولة إقليمية مجاورة؟ الم تقوموا في اجتماع أربيل بدعم موقفه الضعيف بعد انتخابات عام ٢٠١٠ وتمت مساومته على دعمه مقابل تنازلات للإقليم وليس إصلاح الوضع السياسي في العراق؟ وحتى بعد خروج السيد المالكي من الحكم الم يقم السيد نيحرفان البارزاني وعندما قدم الى بغداد للقاء السيد العبادي ان خرج من مكتبه و ذهب مع الوفد المرافق له لمكتب السيد المالكي للقاء به على أساس انه لا يزال الرجل القوي وربما يعود الى الحكم ثانية؟ ولا اريد ان أقول كيف تعامل السيد المالكي مع هذه الزيارة التي كانت خارج البرنامج ، خشية ان تعتبر تجريحا مني وهذا ليس هدفي. ثم الم يكن حل الجيش العراقي احد اهم الاسباب التي اوصلت العراق الى هذا المنحدر والذي يقول سيّء الصيت بريمر بانه جاء بمقترح من شخصيات وأحزاب عراقية منها الاحزاب الكردية، واذا كان هذا الكلام كذبا كما صرحتم فيما بعد، فمن الذي اعترض على صفقات تزويد العراق بالاسلحة، كما حصل مع صفقة طائرات الفانتوم الامريكية، والتي لم يُسَلم منها سوى خمسة طائرات فقط، ومن اعترض على صفقة التسليح التي وقعتها حكومة السيد المالكي مع روسيا؟  اليست حكومة الاقليم والأحزاب الكردية؟ علما بان الجيش العراقي كان له دورا مشرفا ليس في الحفظ على سيادة العراق فقط، وانما مع حزبك بالذات في آب عام ١٩٩٦، ولولا تدخله لاستطاع الطرف الاخر ان يصفي حزبكم تماما.

ثم هل حدث ان طالب نواب الكتلة الكردستانية في البرلمان في اي وقت من الأوقات  بمعاقبة الفاسدين وأحالهم للقضاء؟ وكيف يقف البرلمانيون الاكراد موقف المتفرج او الداعم للفاسدين عندما يتم مناقشة مثل هذه الأمور في البرلمان؟ وأستطيع ان اعطيك أمثلة اخرى لدعم رايي الذي يقول وبصراحة ان الاحزاب الكردية مسؤولة ايضا وبنفس القدر شانها شان الاحزاب الطائفية في تمزيق واضعاف العراق وجعله بلدا هزيلا مفككا بدون سيادة كما صرحت سيادتك.

ثم كيف يمكن ان تتصور يا سيادة الرئيس  ان الحالة ستكون حالة حسن جوار وصداقة بعد الانفصال وأنتم تصرون على إلحاق أراض الى الدولة المزمع أقامتها، سُميت (متنازع عليها) من قبل الدستور، الذي هو اس الماسي والذي تشتكون منه الان وأنتم من كان لكم اليد الطولى في كتابته . الا تعتقد ان كل منطقة من هذه المناطق، ستكون قنبلة بل قنابل موقوتة و مشاريع مفتوحة لحروب دامية لا تبقي ولا تذر و لعقود قادمة؟ وهل تعتقد ان العراق صاحب الحضارات العريقة وصاحب العقول الخلاقة سيبقى على هذه الحالة المتردية وانه لن ينهض ثانية بعربه وأكراده وتركمانه وكافة مكوناته الاخرى؟

لقد عاش العرب والأكراد في العراق، وبغض النظر عن السياسات الحكومية، اخوة متحابين . وكانوا أطرافا متساوين في الاحزاب الوطنية التي ناضلت وضحت بدمائها من اجل العراق، وتزاوجوا وتناسبوا واختلطت دمائهم وأنسابهم بعضها ببعض، والأكراد قبل العرب يذكرون كيف تعامل أبناء المحافظات العربية مع من كان يُرَحل الى مناطقهم من الإخوة الاكراد. واليوم يلهج العراقيون العرب الذين لجاءوا الى كردستان العراق بالشكر عن حسن تعامل اخوتهم الاكراد معهم، على الرغم من الشروط التي وضعتها إدارة الاقليم على دخولهم والإقامة فيه. ويشهد الله باني لم اشعر باني أعيش في العراق الذي اعرفه وأحبه، كما كان قبل الاحتلال البغيض، الا في الأيام القليلة التي عشتها في دهوك قبل أشهر بدعوة كريمة من جامعتها. وان الحب والمشاعر الأخوية الصادقة التي غمرني بها أبناء هذه المحافظة الحبيبة من اساتذة وموظفين وبسطاء كادحين هي احد الاسباب التي دفعتني لكتابة هذه الرسالة.

ان الدعم الخارجي يا سيادة الرئيس يحب ان لا يخدعكم مرة اخرى. فلقد جربتم دعم بريطانيا وشاه ايران والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وتركيا وبعض دول الخليج وأطراف اخرى سابقا، ولم ينوبكم منه سوى الكوارث. وحتى الدعم الاسرائيلي اليوم فانه لا يختلف عن غيره، واؤكد لك ياسيادة الرئيس ان هدف اسرائيل هو ليس دعم استقلالكم وطموحاتكم القومية المشروعة، وانما لابقاء العراق مفككا وضعيفا ولاجباره على توقيع معاهدة صلح  وإقامة علاقات دبلوماسية معها، واذا ما تم ذلك، لا سامح الله، فستتخلى عنكم كما تخلت عنكم في عام ١٩٧٥ وكما فعل غيرها.

ارجو ان لا أكون قد أزعجتك بصراحتي هذه يا سيادة الرئيس. وأرجو ان تكون متأكدا اني كتبت ما كتبت من دافع محبتي الكبيرة لشعبي الكردي في العراق وليس لدي اي هدف اخر. وانا على يقين ان كل عراقي محب للعراق، عربيا كان ام كرديا او من اي مكون اخر يشعر مثلي. وأتمنى من كل قلبي ان تركز سيادتك، وكل المسؤولين في الاقليم، على إصلاح العملية السياسية في العراق، وعلى ارساء الديمقراطية الحقيقة فيه، وفِي الاقليم ، وان تعمل على إنهاء معاناة موظفيه المعيشية وان تعمل كل الاحزاب الكردية على إنهاء الفساد في كل العراق وان يكون الهدف هو بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي قوي وموحد ينعم كل من يعيش فيه بالامن والامان والحريّة والكرامة والرفاه. وان يظل الشعار الذي تربي عليه جيلنا (عاشت الإخوة العربية- الكردية) خالدا في ذاكرتنا خلود العراق الحبيب.

واسلم بخير يا سيادة الرئيس

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
9 استفتاء كردستان

 

    د. محمد عاكف جمال

 

 صحيفة البيان الاماراتية
 

 

يشغل استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان المقرر اجراؤه في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل الأوساط السياسية في العراق وخارجه لما له من أهمية تتجاوز تأثيراتها الساحة العراقية إلى دول اقليمية اخرى تقلق القضية الكردية استقرارها.

 

وقد اختلفت التحليلات حول دوافع الاستفتاء وارجعها البعض إلى طموحات شخصية للقيادة الكردية أو وسيلة للهروب من بعض الأزمات التي تواجهها أو تسليط ضغوط سياسية على المركز.

 

وأيا كانت الدوافع وراء ذلك فهي لا تلغي حقيقة أن جميع الحركات المسلحة الكردية في العهد الملكي وفي مختلف العهود الجمهورية كانت بدافع قومي كردي يهدف نحو بناء كيان مستقل.

 

فالمسؤولون الكرد لا يخفون طموحهم حول ذلك ولا يخفون مشاعر الإحباط التي تعتريهم بسبب الفشل في بناء دولة المواطنة بعد التغيير في عام 2003.

 

المسؤولون الكرد حريصون على التأكيد أن الاستفتاء المزمع اجراؤه هو استفتاء كردستاني وليس كردياً لأنه يشمل جميع سكنة الإقليم من كرد وتركمان وعرب وايزيديين وشبك ومسيحيين، فهو استفتاء على أسس جغرافية وليس قومية، فالكرد المقيمون في مناطق اخرى من العراق واغلبهم من الكرد الفيلية غير مشمولين بهذا الاستفتاء.

 

أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي رفضه الاستفتاء معتبرا إياه غير دستوري، كما انه لم يلق تعاطفا من قبل معظم القوى السياسية العراقية التي تراوحت مواقفها بين دعوات ودية لتكثيف الحوار مع الإقليم واخرى استفزازية ذات طابع غير بناء.

 

ومع تقديرنا للمواقف المسؤولة وراء الدعوات الحوارية لا يسعنا سوى التحذير من مغبة الغلو في معاداة التوجه الكردستاني فهو مضر اشد الضرر بالعراق الذي ليس من مصلحته أن يستعاد الماضي الدموي .

 

أما على المستوى الإقليمي والدولي فقد أعلنت تركيا رفضها الاستفتاء معتبرة إياه خطأ فادحاً وأرسلت إيران مندوبيها للضغط على قيادة الإقليم لإلغائه وذهب وزير خارجيتها إلى أبعد من ذلك حين وصف الاستفتاء بانه «قرار غير صائب وستكون تداعياته كارثية على امن العراق والمنطقة».

 

أما الجامعة العربية فقد أعرب أمينها العالم في رسالة بعثها لرئيس الإقليم عن معارضته للاستفتاء لأنه يحمل رسالة سلبية لأبناء الشعب العراقي.

 

الولايات المتحدة وعلى لسان وزارة خارجيتها اعربت عن تقديرها لتطلعات اقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء الاستقلال لكن اجراءه سيصرف الانتباه عن الحرب ضد داعش مشجعة السلطات الكردية على التواصل مع الحكومة المركزية العراقية بشأن القضايا المهمة. الاتحاد الأوروبي كرر دعمه الثابت لوحدة العراق وسيادته ووحدة أراضيه، مشيرا إلى أن العمل الأحادي مثل الاستفتاء يتناقض مع الحوار البناء المطلوب.

 

أما الأمم المتحدة فقد أعلنت بانها لا تقف ضد الاستفتاء إلا أنها لا تستطيع المشاركة فيه لأنها تتعامل مع الحكومات الوطنية ولا تتحرك إلا بطلب منها. روسيا من جانبها تدعم وحدة أراضي العراق وتطالب باحترام ومراعاة الحقوق المشروعة لجميع الطوائف والمجموعات القومية من دون شروط.

 

الرفض الصريح للاستفتاء جاء من قوى الداخل ومن تركيا وإيران والجامعة العربية اذ ليس هناك دولة ديمقراطية تستطيع أن ترفض ذلك وتبرر رفضها.

 

الديمقراطية وممارساتها حديثة عهد في منطقة الشرق الأوسط التي لا تزال افاق سياسييها الفكرية تدور في اطر الثقافة السياسية التقليدية التي كانت سائدة قبل بزوغ عصر القوميات والأوطان مع بدا القرن العشرين، فالموقف من الاستفتاء في اقليم كردستان اختبار للديمقراطية في العراق.

 

هذه المواقف عير المشجعة من الاستفتاء لم تضعف من تصميم القيادات الكردية على الاستمرار بما قررت القيام به وهي مدركة ان أمامها طريق طويل شاق فيه شتى المصاعب والإعاقات وقد لا يكون التدخل الداخلي أو الخارجي للتصدي لها في احد المراحل أمراً مستبعداً.

 

إن حق الشعوب في تقرير مصيرها منصوص عليه في جميع الشرائع ومن ضمنها ميثاق الأمم المتحدة وهو لا يخضع لتفسيرات دستورية، فلم يتحدث احد من المسؤولين البريطانيين عن لا دستورية الاستفتاء الذي اجري في اسكتلندا عام 2014 حول الانفصال عن المملكة المتحدة كما لم تقم الحكومة الكندية بوصف الاستفتاء الأول عام 1980 والثاني عام 1995 حول انفصال مقاطعة كيبيك ذات الهوية الفرنسية بكونهما غير دستوريين.

 

فالدستور العراقي رغم العيوب والالتباسات الكثيرة التي يضمها متنه فيه قدر من الرحابة بما يتعلق بعلاقة اقليم كردستان بالدولة العراقية، اذ ما كان للإقليم أن يحظى بهذه الدرجة من الاستقلالية من غير وجود متسع فيه يسمح بذلك ويسمح بغيره أيضاً.

 

الولايات المتحدة الأكثر انشغالاً بالشأن العراقي والحليف الأقرب للكرد لم تمنح ضوءاً اخضر للمضي قدماً في الاستفتاء لان ذلك يضيف إليها أعباء جديدة غير جاهزة للتعامل معها، فنجاحه سيضعف من حظوظ رئيس الوزراء حيدر العبادي لدورة رئاسية ثانية وهو مما لا تريده كما انه ينقل حالة اللا استقرار في المنطقة إلى طور جديد من التعقيد.