1 | تشابه مع التجربة الفرنسية في الحرب الثانية | وليد الزبيدي | الوطن العمانية |
هناك تشابه كبير بين التجربة العراقية والفرنسية بعد الاحتلال الألماني لفرنسا عام 1940. فعندما كانت تدور المعارك بين القوات الفرنسية والألمانية، فإن أي ذكر للمقاومة لم تأتِ عليه البيانات والتصريحات الفرنسية في زمن رئيس الوزراء الفرنسي (رينيه) وذلك خلال المعارك الدائرة بين الجيشين الفرنسي والألماني، وأن البيانات كانت تتحدث عن معارك ودفاع عن فرنسا بوجه الغزو الألماني بقيادة الفوهرر أدولف هتلر، وانصبت التصريحات الفرنسية في مجملها في التأكيد على القتال، الذي تخوضه القوات الفرنسية في جبهات الحرب، وتواصل ذلك النوع من الخطاب حتى استسلام فرنسا، لتتشكل بعد ذلك حكومة (فيشي بقيادة الجنرال الفرنسي بيتان)، التي نصبها الاحتلال الألماني لتعمل لخدمته بصورة مطلقة، أما لفظ (المقاومة) فقد بدأ الجنرال ديجول باستخدامه أثناء الاحتلال الألماني في 18- يونيو/حزيران العام 1940م، بعد انتقاله إلى لندن، حيث أعلن المقاومة الفرنسية من هناك, وبسبب الظروف الصعبة التي عاشها العراق منذ بداية الغزو الأميركي للعراق في التاسع عشر من مارس/آذار 2003، وبعد ذلك التداعيات الكبيرة التي تواصلت في سلسلة متشابكة، فقد أهملت قضية هامة تتعلق بتحديد التاريخ الفاصل بين حقبتين زمنيتين في تاريخ العراق الحديث، نقصد بهما حقبة ما قبل الاحتلال وما بعده، ووضع حد فاصل بين الحقبتين، وقد يتساءل الكثيرون عن دوافع هذا التاريخ الذي نسعى إلى تحديده بالدقيقة والساعة واليوم، وفي واقع الحال نرى أن أهمية ذلك تتأتى من أهمية المرحلة أو الحقبة التي أعقبت آخر معركة رئيسية في الحملة الأميركية ـ البريطانية لاحتلال العراق. الأمر الآخر الذي تتشابه به تجربة الغزو الألماني لفرنسا في بداية الحرب العالمية الثانية والذي يجب ذكره والتأكيد عليه يتعلق بسرعة انهيار القوات الفرنسية أمام القوات الألمانية، فإذا استطاع العراق التصدي للقوات الأميركية والبريطانية لمدة ثلاثة أسابيع وأوقع الخسائر بهذه القوات، فإن القوات الفرنسية لم تتمكن من الصمود لأكثر من أسبوعين، وبعد ذلك انهارت الدفاعات الفرنسية وغادر الجنرال ديجول وبقية القادة إلى لندن حيث قدم ونستون تشرشل الدعم العسكري والإعلامي الكبيرين له وللمقاومين الفرنسيين. بالمقارنة البسيطة يكتشف المرء الفرق الشاسع بين القوة الفرنسية التي كانت تمتلك الأساطيل البحرية والجوية وقوات برية ومدرعة كبيرة جدا، كما أن فرنسا لم تتعرض إلى حصار واسع مدمر كما تعرض العراق للحصار القاسي المعروف، وبعد ذلك فإن أسلحة العراق قد تم تدميرها بالكامل قبيل بداية الغزو، وآخر ما تم تدميره الصواريخ المسماة (صمود اثنان) والتي لا يزيد مداها عن المائة والخمسين كيلومترا، وبالمناسبة فإن هذه الصواريخ غير مشمولة بقرارات مجلس الأمن الدولي. وبينما انقسم العالم في بداية الحرب العالمية الثانية إلى قسمين، هما: الحلفاء والمحور، ووقفت دول الحلفاء إلى جانب فرنسا ضد الألمان بزعامة هتلر، في حين أصبح العالم بأسره مع الولايات المتحدة ضد العراق بما في ذلك دول عربية وإسلامية ودول جوار العراق، وبدون شك فإن جميع هذه العوامل تدخل عند المقارنة بين ما حصل في فرنسا عام 1945 وفي العراق عام 2003. | |||
2 | تدمير «داعش» … كذبة أخرى مكلفة
| عبدالناصر العايد | الحياة السعودية |
لن يلغي تدمير البنية العسكرية لتنظيم «داعش» وجوده أو خطره، فالتنظيم سيبقى بأشكال وأسماء أخرى، والاستراتيجية المتبعة الآن للقضاء عليه، تعزز أسباب عودته غداً، وهو أكثر قوة.
فـ «داعش» ليس تنظيماً عسكرياً ينتهي خطره بتحطيم وحداته وقتل قادته، إنه أحد أشكال تمرد العرب السنة، على حالتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البائسة، التي يعتقدون أنها ناتجة في آن معاً، من تآمر العالم ضدهم، ومن قصورهم الذاتي وعدم استعدادهم للتضحية.
ويعتقد العرب السنة في المشرق، أن بلادهم هي المقر الروحي للعالم، ومنشأ الحضارات، ومركز سياسي مهم عبر التاريخ، وهي رؤية للذات تتناقض مع واقعهم وموقعهم في العالم المعاصر، وتولد مشاعر غضب وعدوانية، يعود أول ظهور لها إلى أواخر أيام الدولة العثمانية، واقتسام الدول العظمى لبلادهم بعيد الحرب العالمية الأولى، ويمرّ باغتصاب فلسطين وإقامة دولة إسرائيل عليها، وتتصاعد حدّة هذه المشاعر في شكل عنيف مع إسقاط الأميركيين لواحدة من دولهم القوية وهي العراق، ثم تسليمها لإيران، خصمهم المذهبي والقومي التاريخي، التي امتد نفوذها وعدوانها لاحقاً، ليطاول لبنان وسورية واليمن، وكل ذلك تحت سمع العالم وصمته ورضاه، بل وبتشجيع مضمر ومعلن، وصل إلى حد دعم روسيا لهذا الخصم في سورية بثقلها العسكري.
ويمكننا رصد تطور تلك المشاعر في تاريخ «داعش» ذاته، إذ نشأ كتنظيم سني صغير يقوده الزرقاوي عقب الاحتلال الأميركي للعراق، ونما في شكل كبير في مرحلة التسلط الإيراني، ليصبح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، ثم ليتوسع أكثر مع التدخل الإيراني في سورية ليصبح «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، مصحوباً بقدر كبير من العنف والوحشية.
هذا التمرد الذي يبدو عدمياً في ظاهره، هو شديد الحيوية في العمق، بفضل ديناميات دينية وقومية، تحفزها عوامل الاعتداء الخارجي الدائمة، وتدفعها إلى إطلاق موجات متتالية من ردود الفعل العنيفة، التي أعلت الدعاية المضادة للتنظيم، من شأنه لدى المجتمعات العربية السنية، كرمز لهيبتها المفقودة، بخاصة بعد أن جعل عدو العالم الذي يتكاتف الجميع لهزيمته دون جدوى.
والجهود المبذولة للقضاء على التنظيم في شكلها الحالي لن تنجح، فاستراتيجيو «داعش» يدركون منذ البداية، أن معركتهم العسكرية ستؤول إلى الخسارة، والايديولوجيا الجهادية تعدُّ منتسبيها مسبقاً لتلقي الانتكاسات والفشل، لكنها تنبئهم أيضاً بأن هذا الفشل هو الطريق إلى الفوز العظيم. وهم يعلمون أنهم لا بد أن يلجأوا مرة أخرى للعمل السري، إذ يصعب القبض عليهم وتدميرهم، وهيأوا لأجل ذلك قطاعاً أمنياً قوياً، يبدو اليوم أنه روح التنظيم، واستطاع العمل بعيداً من مراكز الجماعة، وجند الاتباع وشن العمليات في الغرب، وهو مصمّم ومؤهل، لتولى عملية إعادة بناء التنظيم، مهما كانت الخسائر، مدعوماً بروح المثابرة والتفاني المعروفة عن الجهاديين.
من ناحية أخرى، لن تضيع مكونات تنظيم «داعش» الأكثر أهمية، فشبكة «القاعدة»، وهي ما زالت متينة ومتماسكة، ستجمع تلك العناصر، وستتكفل «جبهة النصرة» باحتوائها ووضعها على سكة العمل مجدداً. فالخلاف بين التنظيمين الشقيقين كان حول الاستراتيجيات وليس المبادئ، إذ يرى قادة «داعش» أن الوقت قد حان لقيام الدولة الدينية السنيّة، التي يجب أن تفرض بحدّ السيف، بينما يرى قادة «القاعدة» إنه ينبغي التريث ريثما يتم استكمال بناء القدرات، ونضج الظروف، إذ تقبلهم القاعدة الشعبية باختيارها وليس بإرغامها.
ومن الناحية الموضوعية، سيدعم خصوم «داعش» الإقليميون والدوليون بقاءه من خلال سياساتهم التمييزية والتحقيرية بحق العرب السنّة، إذ يتم بخطى راسخة بناء نظام إقليمي يخدم مصالح خصومهم، من الايرانيين الشيعة والأكراد والعلويين. وهؤلاء الخصوم بدورهم سيحرصون على إحياء «داعش»، سواء بانتهاج سياسات طائفية وعرقية استفزازية، أو باستحضاره بمناسبة وبغير مناسبة، بما أن موضوعة محاربة الإرهاب أثبتت أنها أفضل سلعة يمكن أن تقدم للغرب، للحصول على التأييد السياسي والدعم العسكري، أو حتى لابتزازه.
ليس في العالم الغربي، الذي يتصدى اليوم لمحاربة التطرف، قادة ذوو رؤية استراتيجية مثل تشرشل وديغول وايزنهاور وترومان، يستطيعون أن يتسامحوا مع خصم قوي لكنه مهزوم، وجعله صديقاً، وإدماجه في المنظومة العالمية، كما حصل في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما هزمت النازية، وتمت استعادة الشعب الألماني من براثنها.
قادة العالم الغربي اليوم لا تشغلهم سوى السنوات الأربع التي يحكمون فيها بلدانهم، ويقدمون برامج انتخابية وخطط، تركز على إبعاد موقت لخطر الإرهاب، وتؤدي إلى تفاقم المشكلة وليس إلى تلاشيها، وتتحاشى النظر في جذورها، التي هي ببساطة شديدة تخلف وتأخر الشعوب المشرقية عموماً، وهو ما يجرها إلى الصراع في ما بينها لأسباب واهية، ويدفعها لتصدير العنف إلى العالم كله، بما أنها لا تملك سواه، ولا تملك ما تخسره.
تبدأ المعالجة الحصيفة بعملية تصالح كبرى بين الغرب والمجتمعات الإسلامية، بخاصة العربية، فهذه الأمة الجريحة والمهزومة في المواجهة الحضارية، لا ترى حولها سوى من يسعى للانتقام منها وإذلالها، وهي ترد بالمثل. وفي المقام الثاني تحتاج شعوب الشرق الأوسط لمساعدة العالم الحر في التخلص من الأنظمة الفاسدة التي دمّرت كلّ إمكانات نهوض تلك البلاد، وكان إسقاطها هدف الانتفاضة الكبرى التي عرفت بالربيع العربي، والذي تآمر الجميع عليه، حتى تحول إلى شتاء قاسٍ، وتحتاج المعالجة الناجحة أخيراً إلى إرادة جادة للأخذ بيد تلك الشعوب على طريق التنمية، من خلال مشروع انهاض، يحمل قدراً من الكرامة والاحترام للآخر، على غرار مشروع مارشال، الذي ربما يكون أكثر كلفة من برامج محاربة الإرهاب الحالية، لكنه أيضاً أكثر ديمومة وإنسانية.
|