أيها المواطنون الأعزاء،
من المعلوم لديكم جميعاً، أن كوردستان تمر الآن باوضاع عسيرة للغاية، ويكابد مواطنوها معيشة ضنكا وكثيراً من المعاناة، في حين أن من واجب السلطات السياسية ضمان مستوى معيشي لائق للمواطنين، لا أن تتحول إلى مصدر لتكدير معيشة أبناء الشعب، بل إن السلطات السياسية في كوردستان، صارت تتجه اليوم نحو معاداة الجماهير، وهو توجه ينبغي قطع السبيل أمامه، لا تأييده.
إن غايتنا ومنذ اليوم الأول لنيلنا شرف رئاسة البرلمان، وحتى يومنا هذا، تمثلت في العمل على جعل السلطة نابعة من الشعب و من أجله، أما اليوم و إذ نعلن قرار استقالتنا، فإننا نهدف لتحقيق الغاية ذاتها، متعهدين بمواصلة السير مستقبلاً على النهج ذاته ومن أجل الغاية عينها.
من الواضح للعيان أن الدورة البرلمانية الراهنة ، انقسمت الى مرحلتين، يمكن وصف المرحلة الأولى بالاعتيادية، أما المرحلة النهائية فقد كانت، غير اعتيادية من كل الأوجه والنواحي، ويمكننا نعتها بمرحلة ما قبل الإنقلاب ومرحلة ما بعده.
الإنقلاب بمعنى استخدام القوة لبلوغ أهداف سياسية غير مشروعة، إذ نشهد اليوم استخداماً مماثلا للقوة لتحقيق ذات الغاية غير المشروعة.
يبدو وللأسف الشديد أن المتنفذين في كوردستان اليوم، لا يترددون إطلاقاً في اللجوء الى السلاح والترهيب والعنف من أجل بقائهم في السلطة.
في حين أن السلطة السياسية السليمة في أية بقعة من العالم، ينبغي لها الإذعان لمطالب الجماهير، و الإصرار على مطالب المعارضين من أبناء الشعب، ولكن يبدو أن السلطات الكوردية نموذج معاكس لذلك تماماً، إذ تتسم بالخضوع للآخرين ، واستخدام الحدة والعنف ضد شعب كوردستان الأعزل، في حالة ينطبق عليه تماما المثل الشعبي الكوردي القائل: (أسد في البيت، وثعلب خارجه).
لقد كان الإنقلاب على البرلمان، بداية لظاهرة اللامبالاة وعدم الاكتراث بقيم العصر، وتطلعات الجماهير، والقانون والشرعية، ثم تبعتها مغامرة الإستفتاء التي مثلت امتداداً لنفس التصرفات والخلقيات.
واليوم يأتي الإصرار على إدامة نظام حكم فاشل ومعاد للجماهير، ليرسم ملامح المرحلة الثالثة من تلك الممارسات السياسية.
إن جماهير الشعب ، تعشق كوردستان، وتموت من أجلها، وتكابد الجوع والآلام، وتصمد، لكن المتنفذين لا يرتضون لشعب كوردستان أن يكون شريكا في ملكية وطنه، ولايتحقق ذلك إلا عبر نظام سياسي يكفل تقاسماَ منصفاً، للفرص والثروات والعمل والمناصب والدرجات الوظيفية.
وعوضاً عن التقاسم العادل، فإننا نشهد اليوم احتكاراً للسياسة والاقتصاد، والأرض والثروات وسائر مناحي الحياة.
أيها الإخوة والأخوات
إن إقليم كوردستان، عبارة عن قوات وأحزاب سياسية ورؤى مختلفة، وكل تلك الرؤى والمكونات السياسية المتباينة هي جزء طبيعي وهام من نسيج المجتمع الكوردستاني، و الإطار الوحيد الذي يمكن في نطاقه صيانة كل هذه التباينات، هو البرلمان بحيث تتحول فيه تلك الاختلافات الى مصادر القوة للمجتمع الكوردستاني.
طوال الفترة التي تولينا فيها مهام رئيس البرلمان، كان جوهر غايتنا الأساسية هو خلق نظام برلماني سليم، وبرلمان فاعل وقد بذلنا كل ما بوسعنا، ولم ندخر جهداً لتحقيق تلك الغاية.
وبخلاف ذلك فإن وجود برلمان هزيل وتابع وغير مؤثر، يمثل ظاهرة خطيرة بالنسبة لحياتنا السياسية، وتمثيل الشعب ومكانته في المحفل السياسي، ولهذا فإن خيارنا لم يكن قط برلماناً تابعاً وغير مؤثر، كما ولم يكن أمراً مقبولاً بالنسبة لنا على صعيد العمل النيابي.
إن إيماننا وخطابنا الثابتين تمثلا دوماً في أن البرلمان هو النظام والمحفل الذي يمكن للجميع بكل اختلافاتهم الحضور فيه، والتشاور تحقيقاً للمصالح المشتركة، والاستماع للرأي الآخر واحترام الآراء المتبادلة، لذا فإن البرلمان يعتبر أهم مؤسسة بالنسبة لمجتمعنا الذي مابرح في بداية مشوار بناء النظام.
وانطلاقا من هذا الإيمان، فإن البرلمان هو البديل لحكم الشخص، البديل لنظام حكم ضيق تمثله فئة من الأشخاص ، كما أن البرلمان نموذج لحكم القانون وسيادته.
يا مواطني كوردستان الأعزاء.
إننا في العامين الأولين من عمر الدورة الرابعة، عملنا وفقا لهذا المنظور، وسعينا بالتعاون مع النواب لإعادة البرلمان إلى مكانته ومساره الحقيقيين، ليكون محفلا لتمثيل الشعب والدفاع عن حقوقه ومصالحه، في مواجهة سلطة الأمر الواقع في كوردستان، وقد عملنا في الهيئة الرئاسية للبرلمان، وبالأخص مع السكرتير السابق للبرلمان السيد (فخر الدين قادر)، والتنسيق مع قسم كبير من الكتل والنواب من أجل تكريس سيادة القانون ، والتصدي للفساد ، مع إخضاع السلطة التنفيذية في كوردستان للمساءلة الصريحة.
ورغم قلة عدد القوانين التي سنت خلال تلك الفترة، إلا أنها تعتبر جملة قوانين نوعية هامة، لقد حاولنا ان ندنو من الضمير القومي لأمتنا، ومن آلامها ومشاكلها و مسراتها أيضاً، ولعل (سنجار وكوباني) تمثلان الدليل على ذلك، إذ فتحنا أبواب البرلمان بوجه الكورد من أجزاء كوردستان الأربعة، والجاليات الكوردستانية والقوى السياسية التي تمثلها.
في تلك الفترة تناول البرلمان جملة من المسائل الهامة، والحساسة التي كان من الصعب جداً التطرق إليها في السابق بل وغير ممكن بالمرة، ولم نخضع لأي ضغوط أو إرادة غير قانونية لتحريف العمل البرلماني عن مساره، ولهذا السبب تم تعطيل البرلمان، وهناك الكثير من الكلام بهذا الصدد، يمكن أن نعرض لها في مناسبات أخرى.
أيها السادة:
بعد الإنقلاب على البرلمان في 12 اكتوبر 2015 ، تركز جهدنا الأساسي مجددا على العمل للحيلولة دون تهميش البرلمان، والانتقاص من شأنه وقيمته، باعتباره مؤسسة وقضية في غاية الأهمية ضمن النظام الديمقراطي، وفي هذا السبيل واصلنا العمل لإقامة العلاقات، والعمل الدبلوماسي، والنضال لاستقطاب الأصدقاء وإقامة شبكة علاقات واسعة، بغية تعريف قضية البرلمان ومسالة النظام الديمقراطي الحقيقي.
وفي العامين المنصرمين، حملنا معنا وبلا هوادة هم البرلمان وهموم شعبنا الأخرى، مثل الإبادة الجماعية بحق الإخوة الأيزيديين، نحو الكثير من أرجاء العالم وخصوصا دول أوروبا الغربية، وقد تعاطف معنا الكثير من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وشاطرونا الآراء والهموم في مسالة تعطيل برلمان كوردستان.
ولاشك في أن إيصال هذه الهموم وهذا الخطاب إلى العالم الخارجي، جاء انطلاقا من إيماننا العميق بأن البرلمان يمارس دورا مهماً في دفع الوضع السياسي والمجتمع الكوردي، وتثبيت ركائز النظام القائم على أساس العدالة الديمقراطية .
وهنا أرى من الضروري أن اشكر الجاليات الكوردستانية في أوروبا، على ماقدمته لنا من عون ومؤازرة في حملتنا الدبلوماسية المكثفة تلك.
نحن فخورون بأننا جعلنا من البرلمان بؤرة القرار السياسي، في إقليم كوردستان، ولكن عندما تم تعطيله عملنا حينها على جعل ملف التعطيل قضية على مستوى الإقليم والمنطقة و المستوى الدولي.
ونفتخر على نحو خاص ، بأننا بذلنا كل الجهود لجعل البرلمان مؤسسة لها وجودها وحضورها على المستوى الدولي، ولعل جانبا من تلك الجهود يتمثل في الدبلوماسية البرلمانية وديبلوماسية الشعب، ولعل الصدى الذي تركه تعطيل البرلمان على المستوى الدولي، دليل على حقيقة عملنا.
ليس خافيا أن البرلمان والنظام السياسي مرا في بعض بلدان العالم، بأزمات، وواجها غالباَ عراقيل وعقبات من جانب الذين يخافون أصحاب السلطة وممثلي الشعب وأصوات الناخبين، ولكن النصر ظل حليفا لإرداة الشعب في نهاية المطاف، رغم الأزمات والمعضلات.
إننا وإذ نتخذ اليوم قرار استقالتنا، نتعهد بمواصلة النضال البرلماني مع رفاقنا في خندق المعارضة النيابية، فإيماننا السابق بأن المعارضة تعتبر العمود الفقري لأي برلمان شرعي وناجح، وأي نظام ديمقراطي حقيقي، لم يتغير قط.
إن البرلمان يمر اليوم بمرحلة خطيرة جدا، لأنه أعيد إلى مرحلة لم يكن له فيها أي موقع أو دور أو تاثير ، بل كان تابعا لزمرة وأشخاص وجماعات معينة.
إن إعادة تفعيل البرلمان بهذا الأسلوب، دلالة صارخة على الرغبة في تكبيل البرلمان، وتحويله الى دائرة تدير شؤونها وأنشطتها، كإحدى دوائر النظام الديكتاتوري.
وفي الحقيقة، تسبب تفعيل البرلمان بالشكل الذي حصل، في استغلال هذه المؤسسة، لتمرير رغبات شخص بمفرده والحزب الذي نفذ الإستفتاء، ذلك الإستفتاء الذي انتهى بانهيار منقطع النظير.
ورغم أن فرصة ذهبية وتاريخية قد منحت للكورد في الساعات الأخيرة التي سبقت إجراء الإستفتاء، عبر مسودة رسالة وزير الخارجية الأميركي، والتي نعتقد بأنها كانت وثيقة العصر، إلا أن هذه الفرصة التاريخية قد أضيعت أيضا.
والآن، وبعد الانهيار وكارثة السادس عشر من أكتوبر، وضياع نصف مساحة أراضي كوردستان، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمشاكل السياسية في الإقليم، لم يبق أمام حكومة الاقليم الفاشلة، من خيار سوى الإشهار العاجل عن فشلها الذريع والتنحي جانبا.
وكما هو واضح فإن هذا الامر، بات اليوم مطلبا لقطاع واسع من جماهير شعب كوردستان.
وقد وصلت رسالة الجماهير هذه بجلاء، في الأيام الأخيرة من خلال التظاهرات الشعبية التي عمت مدن وبلدات إقليم كوردستان، ومن جانبنا وبصفتنا رئيسا للبرلمان، وجدنا أن من واجبنا دعم وتأييد هذه التظاهرات ومطالبها العادلة، كحق مشروع لشعب كوردستان ، ومن هنا أكرر مجددا مواساتي الحارة لأسر ضحايا التظاهرات، وأشدد على ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين.
أما آلان، فقد حدث كل تلك التداعيات والأزمات العميقة والواسعة ، أرى أن من واجبي القول بأن إقليم كوردستان لم يغادر التهديدات والمخاوف، بل إن ديمومة هذه السلطة الفاشلة، ستعرضنا لمخاطر أكبر، بمعنى أن كل ساعة يتأخر فيها حل حكومة الإقليم، قد يتسبب في ضياع ما تبقى لدينا من مكاسب، إن قطع السبيل الفوري دونما تأخير، أمام هذا الانحدار نحو الهاوية، لهو مسؤولية جميع القوى المخلصة وسائر المواطنين الحريصين في إقليمنا، عبر تشكيل جبهة واسعة للإنقاذ الوطني.
فاليوم ، يوم الهمة، ولكن غدا قد يكون الوقت متأخرا، فعسكرة مدن وبلدات الإقليم وفرض الأحكام العرفية والحزبية عليها، ليس بالأمر المنافي للدستور والقانون وحسب، بل ولن يعالج المعضلات القائمة أيضاً، وسيضاعف من غضب الجماهير و سيعمق من حالة الإحباط لديها.
أيها السادة،
لقد كنا نتطلع وبرغبة عميقة وإيمان مطلق، إلى العودة للبرلمان لنواصل العمل مع النواب وفقا للنهج الذي سلكناه قبل نحو أربع سنوات، بيد أن الاجتماعات المنعقدة بعد (15/9/2017)، أظهرت بأن أبواب البرلمان قد فتحت، بشرط الاستسلام لسلطة الأمر الواقع في كوردستان، بيد أن برلمانا من هذا القبيل لا يمثل تطلعاتنا ، ولا نؤمن ببرلمان على تلك الشاكلة.
لكنني أطالب زملائي النواب الأعزاء، بمواصلة الإصرار على تمثيلهم للمصالح العليا، كما كانوا في السابق، ودون الاكتراث بالإرداة المفروضة على البرلمان، وعدم الاستسلام لإرادة أصحاب المصالح الخاصة، وفي الختام أعتذر عن أي تقصير أو تصرف غير لائق ، أكون قد ارتكبته بحقكم أيها الاعزاء دون قصد.
وهنا أرى من الضرورة بمكان أن أتوجه بشكري الجزيل، إلى وسائل الإعلام الحرة الشجاعة ، والصحافيين الذين آزرونا وقدموا لنا المشورة والعون.
الآن، وبعد انقضاء الفترة التي توليت فيها المسؤولية كرئيس للبرلمان، بضمير حي ومستكين، أشعر بالإباء والاعتزاز أمام الله تعالى وإزاء مواطني كوردستان والناخبين، والحركة التي أنتمي إليها، وخصوصا إزاء الروح الطاهرة للراحل (نوشيروان مصطفى) الذي منحنا الثقة ، إذ لم أخن الثقة ولا أصوات الناخبين، وقد خضت معركة تحقيق العدالة وسيادة القانون، حتى آخر المستويات، ومن الواضح والجلي أن حلمنا ورغبتنا وغايتنا هذه، كانت عقبة أمام عمل الكثير من الأشخاص والقوى السياسية ، الذين سعوا لتثبيت حكم الشخص الواحد، والفئة المعينة.
لجملة الأسباب الآنفة الذكر، وبعد موافقة المجلس الوطني في حركة التغيير، أعلن استقالتي عن رئاسة البرلمان الكوردستاني.
حفظ الله كوردستان وشعبها الأبي.