1 | الى الدويلة الطائفية المذهبية العرقية دُر | د. فيصل القاسم
| القدس العربي |
لا ننكر أبداً أنه كانت هناك محاولات خجولة بعد جلاء الاستعمار عن بلادنا لبناء دول وطنية مستقلة وذات سيادة، لكن تلك المحاولات أو مشاريع الدول ظلت ناقصة لأن الطبقات السياسية التي وصلت إلى السلطة بعد رحيل المستعمر لم تكن نخباً وطنية، بل كانت إما استمراراً لعهد الاستعمار بوجوه أخرى، أو أنها اهتمت بدوائرها الضيقة أكثر من الوطن. فهذا بنى نظامه على أساس عسكري ومخابراتي وليس على أساس وطني، فطغت المؤسستان العسكرية والأمنية على الدولة، وحولتها إلى ملك خاص يعربد فيه وبه كبار ضباط الأمن والجيش وأتباعهم من المستفيدين والطفيليين. وذاك بنى نظام حكمه على الطائفة، فسادت النزعة والتسلط الطائفي على كل مناحي الدولة، لا بل إن بعض القيادات التي تشدقت بالوطنية بنت حكمها على أساس عائلي كما حدث في سوريا، فتحولت الجمهورية المعلنة إلى إقطاعية عائلية وطائفية مفضوحة. وقد شاهدنا كيف سيطرت النزعة العائلية على النظام في ليبيا بحيث ارتبطت الفترة التي حكم فيها القذافي ليبيا بعائلة القذافي وأنصاره وتهميش بقية أطياف الوطن الليبي. دعكم من أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا والعراق. ودعكم من شعارات الاتحاد الاشتراكي في مصر الناصرية. ودعكم من خزعبلات اللجان الثورية في ليبيا، فكل تلك الأحزاب والحركات لم تكن سوى غطاء للحكم الفردي والعائلي والطائفي والعسكري والمخابراتي. لقد غطت الأنظمة العربية التي جاءت بعد الاستعمار عوراتها بأوراق توت حزبية وثورية وعقائدية سرعان ما سقطت عند أول امتحان وطني حقيقي. لقد بنت تلك الأنظمة الساقطة والمتساقطة أشباه دول وطنية، وأبقتها في مراحلها البدائية، ولم تعمل على تحصينها داخلياً، فقمعت الشعوب، وداستها، وحرمتها من أبسط حقوقها بسياساتها العسكرية والمخابراتية الوحشية، فأصبحت الشعوب تنتظر أي فرصة للانقضاض على تلك الأنظمة الدموية التسلطية. وهذا ما حدث فعلاً فيما أصبح يُعرف بالربيع العربي. وبغض النظر عما إذا كانت الثورات مدفوعة من الداخل ضد الظلم والطغيان، أو بتحريض من الخارج لتخريب بلادنا، فإن المسؤول الأول والأخير عما حدث من خراب هي الأنظمة الحاكمة التي أعطت المتآمرين في الخارج كل الأسباب التي تساعد المؤامرات على النجاح. فلو بنت تلك الأنظمة دولاً وطنية حقيقية لكل أبنائها لما حدثت الثورات أصلاً، ولما نجحت المؤامرات إذا كانت الثورات مؤامرات فعلاً. إن المسؤول عن هذا النكوص التاريخي من مرحلة بناء الدولة الوطنية إلى ظهور الدويلات الطائفية والمذهبية والعرقية القميئة الآن هي الأنظمة نفسها. وبدل أن نقوم بتطوير أشباه الدول الوطنية في بلادنا إلى دول وطنية حقيقية، كان مشروع الفوضى الأمريكي الخلاقة بالمرصاد لنا، فاستغل الثورات ومظالم الشعوب والأخطاء الكارثية للأنظمة الديكتاتورية ليعيدنا الآن إلى دويلات مذهبية وطائفية وعرقية بدائية وعصر ملوك الطوائف. ولولا الاستعداد الداخلي الذي وفرته الأنظمة القمعية في غير بلد عربي لما مرت الفوضى الخلاقة بشكلها المدمر الذي نعيشه ونحياه الآن، فعندما يكون صاحب البيت رجلاً يستطيع أن يحل مشكلاته مع عائلاته بنفسه، فلن تتدخل أمريكا لإذكاء نار الصراع بين الشعوب والأنظمة كما في سوريا مثلاً. لقد بُني مشروع الفوضى الخلاقة على دراسات دقيقة للأوضاع العربية ولحال الحكام العرب وتفكيرهم وسلوكهم وردة فعلهم، ولم يُبن على عبث. لقد كان أصحاب المشروع يعرفون جيدا عقلية الحكام وضباطهم ومخابراتهم العفنة، وكيف سيتصرفون في حال حدوث معارضات ومظاهرات.
لقد رفع القومجيون العرب شعار الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، لكنهم فشلوا حتى في توحيد دولهم داخلياً، فزرعوا فيها ألف لغم ولغم طائفي وعرقي واجتماعي وثقافي ومذهبي بحيث تحولت إلى ملل ونحل متناحرة عند أول هزة كما حدث في سوريا. لقدر راهن النظام السوري مثلاً على الصراع الداخلي بين الطوائف والمذاهب كي يستخدمه في اللحظة المناسبة عندما ينتفض الشعب عليه. وهذا ما فعله فعلاً، فراح يذكي نار الطائفية والمذهبية بين أطياف الشعب كي يقضي على الثورة ويحول أنظار السوريين من قضيتهم الرئيسية ضد النظام إلى صراع داخلي وحرب أهلية. وقد نجح في ذلك، لكنه هو وأمثاله عاد بسوريا إلى زمن ملوك الطوائف والدويلات والإقطاعيات. والمضحك أنه ما زال حتى الآن يرفع شعار وحدة حرية اشتراكية. | |||
2 | نحن والأسلاف (ألواح سومر وأكد) | حسن الخلف
| الاخبار اللبنانية |
ألقى عالم الآشوريات الفرنسي جان بوتيرو يوماً محاضرة يدافع فيها عن ما كان يسميه «علم لا فائدة منه»، وعنى به علم الأركيولوجيا، ولكن بغض النظر عن فائدة مثل هذا العلم لنهضتنا كعرب، فإن السؤال الذي يجدر بنا كعرب وشرقيين أن نطرحه على أنفسنا، هل نجحت الإنتلجنسيا العربية ومناهج التعليم الرسمية في تدريس هذه الحضارات بعيداً عن الفنتازيا التاريخية؟
بحيث صار هناك وهم لدى البعض بأن تلك الحضارة القديمة مختلفة تماماً عن الحضارة العربية الإسلامية، أو أنها كانت متفوقة عليها، وأن الحضارة العربية هي بنت الصحراء فبالتالي نبتت كشعب شيطانية، عقب طوفان الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي. لا شك أن حضاراتنا القديمة بمختلف تجلياتها كانت غنية ومتقدمة عن غيرها، ولكن يبدو أن هذا التفوق خلق في بلادنا، بعد اكتشافه، حنيناً لهذا الماضي المتخيل، وتحقيراً لهويتنا كعرب ومسلمين. يصور هذا الماضي ليس فقط على أنه مختلف تماماً، عما جاء بعده، ولكنه متقدم عليه حضارياً. بمعنى أن هذه النظرة ترى أن البابليين مثلاً أكثر تقدماً في الهندسة والقوانين والعلوم والثقافة الأخلاقية عن عرب الحقبة العباسية. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على العرب من مشارقة ومغاربة ولكنها أيضاً عقدة موجودة لدى أشقائنا الإيرانيين والأكراد. تقوم الفرضية هنا على مبدأ مفاده أن حالة بلدان كسوريا مثلاً أو العراق كانت أفضل في العصور القديمة ما قبل الميلاد مقارنة لحالتها في الحقبة الإسلامية. وهو تصور مغلوط مبني على معرفة تاريخية ضحلة بماضي هذه البلاد.
بدأ أول ظهور لعلم العرافة في الألفية الثانية قبل الميلاد
سنطرح هنا تصورنا من خلال مسألتين، الأولى هي مسألة التواصل الحضاري بين الحضارتين القديمة (ما قبل مسيحية) والعربية الإسلامية. وأن ما جاء به العرب والمسلمون عموماً لم يكن بالضرورة مخالفاً تماماً لما كان موجوداً أصلاً في بلادنا، بل لعله جاء مكملاً ومطوراً ومتمماً. المسألة الأخرى، لم تكن بلادنا قبل الإسلام ومجيء العرب إليها تنعم بمستويات عالية من الحرية الجنسية والفكرية والاجتماعية بالضرورة. ولم تكن قوانينهم أكثر رحمة ومنطقية من القوانين التي جاءت بها اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً، وهو ما سنسعى لتوضيحه. حضارة المعاجم تقليد متوارث سنعقد مقارنة بين الحضارتين المسمارية والعربية الإسلامية، ولكن قبلها علينا توضيح تسمية حضارتنا بـ«العربية الإسلامية». فهو الاسم الذي اعتمده ودافع عنه عالم التاريخ العربي الفذ جورج صليبا في جامعة كولومبيا الأميركية. وهي هنا تشمل المسلمين وغير المسلمين والعرب وغير العرب. لذا ننوي التنويه بأن كلما ورد مصطلح «العرب المسلمين» في مقالتنا يكون القصد منه كل أبناء ما عرف يوماً بدار الإسلام أو دار الخلافة من مسيحيين ويهود وصابئة وفرس وسريان وبربر وأكراد وغيرهم. أول ما ورثته الحضارة العربية الإسلامية تقليد رافديني عريق يعنى بالمعاجم والقواميس وكان على شكل قوائم تطورت لما يشبه الموسوعات العلمية البسيطة. لم تنتج أي حضارة في العالم قبل العصر الحديث، معاجم حسب عالم الشرق الأدنى القديم مارك فان دي ميروب سوى حضارة بلاد الرافدين وحضارتنا العربية الإسلامية. كان على العالم أن ينتظر مجيء النهضة الأوروبية ليرى من جديد قواميس وقوائم مفردات ومصطلحات. ولكن لم كان الرافدينيون وبعدهم المسلمون العرب معنيين بالمعاجم؟ الجواب على ذلك يكمن في مسألتين: الأولى أن كلا الحضارتين كان ثنائي اللغة. ففي حضارتنا العربية الإسلامية كان لزاماً على العلماء والفقهاء إتقان العربية والفارسية أو العربية والسريانية ولاحقاً التركية. وهو ما تجده اليوم في النجف وقم، فقلّما تجد معمماً لا يجيد اللغتين العربية والفارسية معاً. والشيء ذاته في بلاد الرافدين، لم تكن لتجد عالماً في ذلك الزمان لا يتقن السومرية والأكدية معاً في مدارس بابل وأور وأوروك إلخ، وهو الأمر الذي دفع بهم إلى ابتكار نظام يساعد الطلاب الذين لم يكونوا من أرض بابل، أو لم يعودوا على اتصال مع السومرية كلغة حية لفهم النصوص القديمة. وهو الأمر الذي وظفوه في حفظ تراثهم وتطويره.
النص الحي
الحضارة الرافدينية كانت معنية بالتراث المكتوب كنص شبه مقدس تعاد قراءته وإنتاجه كل جيل على مدى أكثر من 4000 سنة. ويأخذ كل جيل على عاتقه فكرة تطوير النص. فالفهم الرافديني للنص المكتوب يختلف عن فهمنا نحن في الوقت الحالي له، فلم يكن الكاتب معنياً بحفظ النص الأصلي كما هو، بل كان مساهماً فيه، بمعنى آخر وضمن شروط وضوابط معينة كان كبار الكتبة وعلمائهم مطلوب منهم تقديم قراءات جديدة للنص سواء كان ملحمة أو قانوناً أو أسطورة، ويسمح له حذف كلمات لم تعد متداولة وإضافة فقرات لم تأتِ بالنص الأصلي. لذلك عرف علماء الآشوريات هذه العملية بحفظ «النص الحي»، فالنص هنا يتطور وكذلك الملحمة أو القصيدة، مع حفظ نسخ من النص الأصلي بألواح في مكتبات المعابد والقصور ليطلع عليها الكتبة. لعل هذا الأمر يشبه ما حصل لنا مع «أهل الحديث» الذي نشأ كثير منهم في العراق والمدينة اللذين كانا متأثرين بالثقافة الآرامية بشكلها اليهودي على الأقل والذين اتبعوا أسلوباً شبيهاً. فنلاحظ هنا تطور نصوص الحديث والرواية عن النبي وحياته من أول نص مكتوب وصلنا عن السيرة النبوية، وهي سيرة ابن اسحاق (ت 768 في بغداد)، حتى بقية السير والروايات المتأخرة. ما يدفعنا لطرح سؤال آخر هنا، هل جرى التعامل مع النص القرآني وفق المنهجية نفسها أول نزوله؟ أي منهجية «النص الحي»، فنحن نعلم أنه كان هناك نصوص كثيرة وهناك نظريات تسعى لتفسير الاختلاف بين النسخ سبقت اعتماد نسخة نهائية له. سنترك هذا الأمر لأهل الاختصاص، وفي كل الأحوال لم تكن هناك اختلافات جوهرية بين كل تلك النصوص من شأنها إضعاف أصالة النص. أما السبب الثاني لاهتمام الرافدينيين بالمعاجم فكان لخدمة حاجاتهم القانونية والتجارية والإحصائية. كانت ألواح القوائم المشكلة للمعاجم مشكلة من مفردات سومرية أكدية بشكل أساسي. وهذه القوائم ذات القيمة العملية لا اللغوية فحسب، اعتمدت نظام تصنيف يقسم المفردات حسب درجة نفعها لهم. بمعنى أنك اليوم إن فتحت معجماً ما، لوجدت الأسماء مرتبة حسب الأبجدية حرف ألف، فباء، فتاء إلخ. أما الرافدينيون فكانوا يرتبون الأسماء حسب حاجة حضارتهم الزراعية لها، فقد تجد الحيوانات البرية المؤذية كالذئاب والثعالب والضباع والأسود والفهود في قائمة، وفي خانة أخرى تجد أسماء حيوانات المزارع المدجنة كالخراف والأبقار والمعز، وفي قائمة أخرى تماماً تجد الطيور والأسماك في قائمة منفصلة للمخلوقات غير المتاحة بسهولة ويجب صيدها. ولكن بقي التقسيم الأساسي بالنسبة إلى أسلافنا هو بين الحيوانات الداجنة وتلك البرية، بين ما هو متاح وما هو حر، وما هو مؤذٍ إلخ.
ولادة النحو والبلاغة ونهجها
الاهتمام الشديد باللغة الأكدية والسومرية وبعدها العربية كلغات مقدسة وثقافية مهّد لولادة علم النحو والقواعد بين «الأعاجم» في الإقليم كالحثيين والحوريين وغيرهم. والظاهر أن الضليعين في اللغتين السومرية والأكدية كانوا قادرين على تمييز المدارس النحوية المختلفة كما حصل لدينا في العربية بين مدرستي البصرة والكوفة. ففي بلاد الرافدين كان هناك بابل وأور واريدو وغيرها وهو تشابه موروث آخر يعكس شخصيتنا الحضارية إن جاز لنا الاستنتاج. ولكن ذلك لم يكن الأمر الوحيد، ففي المدارس الرافدينية كان الطلاب مطالبين أن يتقنوا ويحفظوا أكبر قدر ممكن من المصطلحات الزراعية والرعوية وتلك المتعلقة بعالم الزراعة والأرض. فعلى سبيل المثال فإن غالبية الطلاب كانت تتخرج لتعمل ككتبة لدى أحد ملاكي الأراضي سواء كانوا أسراً غنية أو معابد أو القصر. وهنا كان عليهم تطوير لغتهم الوصفية وتنويعها وإثرائها لوصف كل الحالات. بمعنى أنه كان هناك أوصاف للماشية وما تأكل ونوعية الغذاء الذي سيترتب عليه نمو الصوف الفلاني وزيادة أوزانها ونوعية لحومها. وكانت الخراف أو الأتان أو المعز ولاحقاً الإبل والخيل تمتلك كما في العربية أسماء كثيرة تسمي وتوصّف مراحل تطورها ونموها وطبائعها. ويمكن قول الشيء ذاته على الطيور الداجنة والنباتات والأشجار. ولم يكن هذا الأمر عبثاً لغوياً لا طائل منه، بل كان يقال مثلاً أن فلاناً باع خروفاً أسود من فصيلة كذا، علفه كذا، صوفه كذا لشخص آخر. فأنت هنا تملك بالضبط الذخيرة اللغوية والبلاغية اللازمة لوصف خروف بهذه المواصفات بمفردة واحدة وذلك لتسهيل عملية البيع أو الرهن وضمان دقتها. وهو أمر سيتكرّر معنا لاحقاً في العصر العباسي مع تطور اقتصادنا الزراعي وإنتاجنا ما اضطرنا لإنتاج معاجم لغوية كثير ذات بلاغة عالية الدقة لأغراض إدارية وفقهية وما شابه.
قراءة النص والعالم
طوّر الرافدينيون ضمن حضارتنا المسمارية علوماً تدخل في باب الخرافة بالنسبة إلينا في وقتنا الحالي، وهي مثل قراءة الطالع والعرافة والتنبؤ بالمستقبل ولكن التقنيات الدقيقة لهذا التقليد كانت تتطلب مسألتين جوهريتين هي الملاحظة والتحليل. فوفق نظام صارم يستوجب سنوات من الدراسة، درس البابليون أصول الملاحظة الدقيقة والشاملة لكلّ تحول أو ما خفي في الكون (قراءة السماء كحركة النجوم والكواكب) وتسجيلها. وهي المنهجية نفسها التي اتبعت مع النص المكتوب. وبعد تسجيل الملاحظات كانت تأتي عملية التحليل وفق قواعد لنقل شبه علمية لها منطقها الخاص، وهما المهارتان اللتان تطورتا لاحقاً لخدمة مسيرة العلم كما يرى المختصون بتاريخ العلم. علم التسجيل الدقيق للتحولات الكونية أو قراءة السماء طور علم النجوم والكواكب فأوجد لدينا لاحقاً علم الفلك، وهو العلم الذي برع فيه العرب المسلمون أيضاً في فترة لاحقة. أما علم قراءة النص وتحليله فأوجد علم تأويل وتحليل النص، بمزيج من «التفكيك» والاستنباط، طبعاً لا أتحدث هنا عن التفكيك الفوكوي. ولعل هذه المنهجية هي السلف التراثي المحلي لما صار يعرف لاحقاً لدى بعض الفرق الهرطقية في الإسلام بـ«علم الجفر». ولكن كيف بدأت العرافة؟ وهل هي أحد الأسلاف البعيدين للعرفان الإسلامي؟
الدور السياسي للعراف
بدأ أول ظهور لعلم العرافة في الألفية الثانية قبل الميلاد، وذلك في القرنين الـ19 و18 ق.م، حين كانت المنطقة تشهد حروباً مدمرة استمرت 250 عاماً. كانت فترة عصيبة على أسلافنا في بلاد الرافدين والشام وفقد الناس بيوتهم وهجروا واستعبدوا وأحرقت مزروعاتهم. وانتشرت الدسائس بين الملوك وأكلت الذئاب بعضها كما يقال. وهنا ظهرت بابل منتصرة بقيادة حمورابي الداهية البابلي بعدما أثبت أنه ملك مشرع ودبلوماسي بارع وقائد صلب وحكيم. أمام هذه الفوضى وغياب الاستقرار فقد الناس الثقة بالملوك كآلهة أو ممثلين للآلهة، فاضطر الملوك أول مرة الاستعانة بشريحة من الكتبة أو الكهنة لا نعرف بالضبط كيف ظهروا ولكن أول ذكر لهم كان في تلك الحقبة. وكانت مهمة هؤلاء هي التنبؤ للملوك بنتائج الحروب وما يدور في بلاطات الخصوم والعمل كمبعوثين لزيارة بلاد العدو والتأثير في معنوياتهم بنبوءاتهم. إلا أن الأمر كان أكثر تعقيداً من مجرد نبوءات عشوائية. فالعرافون الرافدينيون لم يكونوا مجرد مشعوذين، بل اعتمدوا على ما بدا لهم (ولنا إلى حد ما) نظاماً مجرباً ومعقداً ومدروساً من الطرق للوصول إلى الحكم على قضية ما أو للتوصل إلى نبوءة ما، والتي ستصدر كقانون أو قرار سياسي على لسان الملك على أنه مشيئة الآلهة. ويخيل لي أن هذه العملية المعقدة أشبه بالأحكام التي كان بعض فقهاء المسلمين خاصة الشيعة والمتصوفة يتوصلون إليها بالعرفان. الجدير بالذكر أن المتصوفة والعرفان كنظام معرفي شرقي قديم ازدهر بين القرنين 12-16 ميلادي. وهي فترة انهيارات اقتصادية وهزائم عسكرية شهدت سقوط الخلافة في القاهرة وقرطبة وبغداد، وظهور قوى بدوية غريبة مشابهة إلى حدّ ما لفترة بداية الألفية الثانية قبل الميلاد 1900-1700 ق.م التي شهدت انهيار الحضارة السومرية ومجيء العموريين الرعاة وبداية عصر جديد. تطورت العرافة الرافدينية بمرور الزمن وصار لدينا أرشيف ضخم من المعلومات المتراكمة والمتوارثة. وصار كل عراف يأتي فينهل من عمل سابقه وفق طرق وقواعد يتدربون عليها منذ الصغر. ومن أشهر علماء بابل وعرافيها من الذين وصلتنا أسماؤهم وتكرر ذكرهم في ألواح بلاد الرافدين، كان «ايزاكيل كن ابلي» الذي عاش في القرن 11 ق.م في مدينة بورسيبا جنوب غرب بابل قبل انتقاله إلى بابل. انحدر ايزاكيل كن ابلي من أسرة نبيلة من العلماء تعود أصولها إلى 8 قرون سابقة حين خدم جدهم ككبير حكماء حمورابي وصارت العودة والانتساب إليه شرفاً عظيماً آنذلك. وكما يلاحظ ديودروس الصقلي أن الحكماء البابليون كانوا يتوارثون العلم أو المهارات الفلكية واللغوية والقانونية والرياضيات أباً عن جد، ويبدؤون الدراسة والتحصيل مبكراً من خلال تدريب وتعليم آبائهم لهم وهو ما سيحصل لاحقاً مع فقهاء المسلمين وأحبار اليهود. ألا يذكرنا ذلك بالأسر الهاشمية أو ما يعرف بالسادة والأشراف؟ أو لربما يذكرنا أكثر بسليلي أقطاب الصوف كالكيلانية، والنقشبندية والرفاعية، الذي صاروا نبلاء عصرهم بتوارثهم العلم الديني والوجاهة الاجتماعية. كان العرافون والكهنة والكتبة الرافدينيون يلتقون بما يعرف ببيوت الآداب، وهي أشبه ما تكون بالمكتبات أو دوائر السجلات الرسمية. وفيها كان يتم تبادل العلوم، وقراءة النصوص وتحليلها وإعادة قراءتها مرات عدة لاستجلاء الحقيقة ففيها كل الإشارات التي وضعتها الآلهة لهم. هذه الممارسات خلقت تقليداً ورثه المسلمون لاحقاً في الثقافة الشعبية وهي الاستخارة بقراءة القرآن، عملاً بالرأي القائل أن الجواب على ما تريد موجود في النص أمامك ولكنك لم تقرأه جيداً. وهو التقليد ذاته لدى الديانات التي سبقت الإسلام لكن بأشكال مختلفة، ويقال هنا إن لدى الإيرانيين عادة استخارة ديوان شاعرهم الحكيم حافظ.
المرأة الرافدينية، كعشتار أم فاطمة؟
هناك أسطورة شائعة عن أن بلادنا كانت تتمتع بحريات جنسية غير مسبوقة وأن مجيء الإسلام خنقها بقهر المرأة وكبتها. وغالباً ما كان القوم يرجعون لنصوص من الشعر السومري أو منحوتات قديمة تزهو بمقاطع عاطفية أو إيروتيكية للعشاق وما إلى ذلك. وهناك من يضع بين أيدينا شهادة هيرودوتس حين زار بابل في حوالى 430 ق. م والتي تحدث فيها عن الجنس المقدس بين عذارى بابل ورجال المدينة وزوارها، وكيف أن المعبد كان يجني مالاً كثيراً من عملية البغاء المقدس تلك. وهو ما دخل في قاموس لهجة العراقيين المعاصرين تحت مقولة «قوادة وعبادة»، وتعبير شعبي ساخر من رجال الدين المحتالين حين يرومون تحويل طقوس جنسية ما إلى شعائر أو حقوق دينية. أما في الواقع فقد كان الأمر مختلفاً تماماً، فحال المرأة من حيث الحريات الجنسية في بلاد الرافدين لم يكن بعيداً عن حالها في الحضارة العربية الإسلامية. وهو الأمر الذي أكده علماء آشوريات (كجيري كووبر) وآخرون بناء على ما وصلنا من قضايا المحاكم والقوانين الرافدينية. انتمى المجتمع الرافديني لثقافة حوض البحر المتوسط وفق تصنيف العلماء، وهذا يعني أن المرأة كانت تتبع نمط الزيجات البحرمتوسطية والقاضي بالزواج المبكر. وقدّر العلماء عمر الفتيات عند الزواج بحوالى 14 إلى 16 عاماً مقابل 30 عاماً للرجال. كان متوقعاً من الفتيات الحفاظ على عذريتهم حتى الزواج في كل مجتمعات الشرق الأدنى القديم. وفي الحقيقة إن المجتمع الرافديني القديم ومجمل مجتمعات الشرق كانت مهووسة بفكرة العذرية. ومن خلال العقوبات الواردة في ما وصلنا من سجلات قانونية، لمن فض عذرية فتاة أو زنى أو اغتصب امرأة متزوجة يمكن لنا فهم مقاربة هذه المجتمعات للمسائل التي تتصل بوضع المرأة. فمثلاً كان القضاء الآشوري العائد إلى حوالى 1200 ق.م (وهو ما يعرف بالعصر الآشوري الوسيط)، يعاقب مرتكب جريمة الاغتصاب بحق فتاة غير متزوجة، بإجباره على تقديم زوجته لتغتصب من قبل والد الفتاة، وفق مبدأ العين بالعين والسن بالسن. وهنا يكون الأب أمام خيارين إما أن يقدم ابنته للجاني ليتزوجها وبالتالي يتحمل الجاني مسؤوليتها المعيشية والاجتماعية بدل الأب، أو يقدمها لشخص ثالث يختاره هو ليتحمل مسؤوليتها. ويجبر الجاني بكل الأحوال على دفع ثلاثة أضعاف مهر الفتاة من الفضة للأب كتعويض. أما إن كان الفعل الجنسي قد جرى برضى الفتاة ودخل تحت خانة الزنا كما يعرف في الشرع الديني، فلا يجبر الجاني على تقديم زوجته أو أخته أو أي من أهله على مذبح الاغتصاب. ولكن عليه أن يدفع 3 أضعاف مهرها فضة، وتسلم الفتاة لوالدها ليحكم عليها كما يشاء! يلاحظ هنا أن جرائم الزنى والاغتصاب لدى أسلافنا لم يجرَ النظر إليها على أنها انتهاك لكرامة الفتاة وإنسانيتها بل هي انتهاك لحق الأب أو الزوج! فكسر القانون فيما يتعلق بهذه الموضوعات يمثل انتهاكاً لناموس وعرض رجل الآخر. أي أن هذه المجتمعات الما قبل إسلامية لم تكن مجتمعات عشتارية تحترم المرأة وتساويها بالرجل وتنظر إليها ككيان اجتماعي وقانوني مستقل بذاته. وتشير السجلات إلى أن حالات الهروب بين العشاق كانت واردة ولكن من الصعب معرفة كم كانت نسبتها. فهروب العاشقين إن نجح قد يجنب الفتاة مصيراً مأساوياً على أيدي أهلها ولكنه لن يعفي الفتى من دفع مهرها المضاعف كما أوردنا. ويمكننا أن نستشفّ من دراسة هذه السجلات أن البغاء كان شائعاً لكنه لم يكن دائماً متاحاً للرجل غير الغني، والذي يعيش في مجتمع محافظ كمجتمع الرافدين القديم، الذي لم يكن يمارس الجنس بحرية كما هي الحال اليوم في الغرب مثلاً. ولمن شاء التعمق أكثر بهذه القوانين عليه العودة مثلاً لعالمي الآشوريات مارثا روثس أو جيري كووبر.
خاتمة
لم تكن الحضارة الرافدينية كنموذج عن الحضارات البائدة مختلفة كلياً عن حضارتنا العربية الإسلامية التي تلتها، وهناك الكثير من المواضيع التي لا يتسع المجال للخوض فيها، كالتشابه في فلسفة العمران وتخطيط المدن وثقافة الطعام وغيرها بين الحضارتين. ومن غير المفيد لنا اعتماد حضارتنا الما قبل عربية كأساس وما جاء بعدها كاستثناء فرض على ما يسميه بعض القوميين روح الأمة، فيقال روح سوريا وروح مصر… إلخ فهذه الروح الجوهرية، إن سلمنا بوجودها، قد ورثتها الحضارة العربية الإسلامية ونحن جميعاً بناتها وأبناؤها وعربتها ووحدنا من المحيط إلى المحيط. فلا داعي لعبادة عصر البطولة المسمارية، وإن كان للجماهير الشعبية بأن تحلم اليوم أن تخرج غداً تحت بيرق مخلص منتظر، فلا تأدوا كل مهدي ثار فيها فقط لأنه بعمامة، فذلك هو روح المسيح ومنجل تموز بعمامة. | |||
3 | استعجال وارتباك مبكر في العراق | وليد الزبيدي
| الوطن العمانية |
نادرا ما توقف الباحثون والمراقبون عند المتغيرات السريعة في إجراءات إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش عند أيام غزو العراق الأولى في ربيع العام 2003، ولم تكن تلك القرارات اعتباطية على الإطلاق، وسنتوقف عند دوافعها من وجهة نظرنا، فقد كان أول قرار لافت إعفاء الجنرال المتقاعد جي جارنر الذي تم تعيينه حاكما عسكريا في العراق قبل بدء العمليات العسكرية، وكان قد وصل الكويت مع عدد كبير من “المستشارين العراقيين من المعارضة العراقية” الذين تم تدريبهم من قبل وكالة المخابرات الأميركية في الولايات المتحدة وفي براغ لفترة طويلة لتقديم العون والمساعدة للقوات الأميركية من خلال تقديم المعلومات، والمساعدة في ترويض العراقيين الرافضين للاحتلال والمشاركة في عمليات التجسس والتعذيب وغير ذلك، وبعد إعادة افتتاح مطار بغداد الدولي بأيام وصل جارنر وفريق المستشارين من الأميركيين والعراقيين بغداد، ومن أبرز ما أعلنه جارنر وللتعبير عن حقبة ديمقراطية وردية تعيينه سيدة أميركية حاكمة لبغداد، لمن المفاجأة أنه وقبل أن يمضي شهر واحد على تسلم الجنرال المتقاعد السلطات حتى تم تغييره، ووقع الاختيار على بول بريمر في بداية شهر أيار/ مايو وصل بغداد في الثالث عشر من الشهر نفسه على رأس فريق مرافق له، ليعلن أن الأميركيين قد يسلمون الحكم للعراقيين بعد أربع سنوات، وبعد أسبوعين تقريبا تراجع عن كلامه ليعلن عن الشروع بتأسيس مجلس حكم أسماه في البداية “مجلس استشاري” لينتقل الكلام إلى مجلس حكم انتقالي، الذي تم الإعلان عنه في الرابع عشر من يوليو/ تموز 2003. صحيح أن الإدارة الأميركية لم تقتنع بعد بأن خطرا كبيرا يدهم قواتها في العراق في تلك الأثناء، ولن يكون هناك أي خطر في المستقبل وفق قناعات راسخة جاءت بها، وأن قناعاتها تلك دفعت بالرئيس بوش لاتخاذ قرار إعلان بيان انتهاء العمليات العسكرية في الأول من مايو/ أيار 2003، وهو اليوم، الذي توصلت فيه جميع القيادات الأميركية (البيت الأبيض والخارجية والبنتاجون ووكالة المخابرات الأميركية) إلى قناعة تامة تقول، بأن (المهمة قد أنجزت)، وأن يد أميركا في العراق هي الطولى والأولى والأخيرة، وأنه لا وجود لقوة أخرى تنافسها أو تتحداها، لذلك أعلن في هذا اليوم (1/5/2003) الرئيس الأميركي والقائد العام للقوات المسلحة الأميركية جورج دبليو بوش من على حاملة الطائرات الأميركية (أبراهام لنكولن) وفي خطابه الشهير(انتهاء العمليات العسكرية الكبرى في العراق)، وهو بيان (الانتصار الأميركي) وهزيمة العراق بصورة نهائية. إن اتخاذ قرارات في هذه الفترة الزمنية القصيرة أقل من ثلاثة أسابيع على دخول قواتهم العراق وانتشارها في جميع أنحاء البلاد لا بد أنه يضمر لما هو خفي، وأن ثمة خطوة أخرى تسعى إدارة البيت الأبيض للوصول إليها. كما هو معلوم فإن الإدارة الأميركية والبريطانية لم تتمكن من إقناع أعضاء مجلس الأمن باتخاذ قرار أممي لإعطاء الشرعية للغزو، لكنها بعد تنفيذ جريمتها بغزو العراق كان لا بد من استحصال قرار دولي يمنحها الغطاء للعمل كدولة احتلال، وكان هذا الغطاء يتمثل في نقل الواجهة الحاكمة في العراق من حاكم عسكري يديره الجنرال جي جارنر إلى الحاكم المدني بول بريمر، ثم محاولة طمأنة العالم بتحقيق النصر الذي تضمنه خطاب بوش في الأول من مايو، الذي مهد بخطوات متسارعة لاستصدار قرار مجلس الأمن المرقم 1483 في الثاني والعشرين من مايو/ أيار. وفي الوقع لم يكن الغزو شرعيا ولا القرار الأممي شرعيا، وكل ما نتج من ذلك العمل الاحتلالي في العراق غير شرعي.
| |||
4 | صدام حسين.. والاستجوابات الأميركية | عبدالله بشارة
| القبس الكويتية |
قرأت كتاب المستجوب نيكسون كما قرأت ما نشرته القبس عن فحوى الكتاب، وأحبذ إيجازه لتعم الفائدة.. تولى السيد جون نيكسون John Nixon استجواب صدام حسين بعد القبض عليه في ديسمبر 2003، وكان متابعا لحياة صدام، درس حركاته وتعبيراته ومفرداته، وقضى فترة كرئيس مجموعة الاستجواب، وأصدر كتابه في نهاية العام الماضي، ويقع في 240 صفحة، وسأسجل رؤوس أقلام عن نقاط تهم الكويت. – رفض صدام بشدة الإجابة عن الأسئلة حول الكويت، ووضع يديه على رأسه صامتا بلا تعليق، ويشير الكاتب إلى أنه لو أصدرت واشنطن بياناً بأنها لن تسمح بالاعتداء على الكويت، لما حدث الغزو، هذا استنتاج من الكاتب. – ذكر صدام أنه معجب بالرئيس جورج واشنطن، وماو سي تونغ، ولينين، وديغول، وتيتو، ونهرو، وأنه يحتقر نظام سوريا، ولا يحترم زعماء العرب. – يرى نفسه زعيما تاريخيا للعراق، خلق لمهمة نهضة العراق التي قال إنه طورها في كل المجالات. – يتهم الخميني بثلاثمئة اعتداء على العراق قبل اتخاذ القرار لمواجهته، ويشيد بالوطنية العراقية ويدفع بالشيعة للمواجهة مع الحفاظ على السنة. – نفى مسؤوليته عن الأسلحة الكيماوية التي نفى صدام وجودها، وأقر أنه تم التخلص منها قبل الغزو الأميركي، ويتهم مخابرات واشنطن بالضعف في المعلومات، لكنه اعترف باستعمال الأسلحة ضد الأكراد، ويقول إنه أعطى الأوامر إلى ضباط الجيش باستعمال أي أسلحة لوقف الإيرانيين، وأن الفريق نزار الخرزجي هو الذي استعملها ضد الأكراد المتواطئين مع إيران من دون علم صدام ولكن ضمن التوجيه العام لأوامر الحرب. – يتهم صدام بعض معاونيه في خيانة الأمانة في مساعدة القوات الأميركية للقبض عليه، وكل المؤشرات نحو سكرتيره الخاص وحارسه الشخصي عبد حميد حمود التكريتي (عبد حمود) وإلى سائقه الخاص، وكان مدركا بأنه سيحاكم وسيعدم، ولم يكن متهيبا من هذا المصير. – اتهم شيراك، رئيس جمهورية فرنسا، بتجاهله بعد أن أقام معه علاقات خاصة وزار فرنسا مرتين، وكان يتصور بأن فرنسا ستحميه من عقوبات مجلس الأمن، أما حلفاؤه العرب فليس لهم مكانة لديه. – كان يلح على ضرورة توفير أقلام وأوراق له، لأنه كاتب يريد أن يشبع هوايته، ويملأ الفراغ، لكنه ممنوع.. ويتهم الجيش الأميركي بسوء المعاملة. – كانت الأسئلة التي يتحاشها صدام عن علاقاته مع رجال الدين الشيعة، فعندما سئل عن مقتل آية الله محمد باقر الحكيم، في مدينة النجف، ردد صدام أنه بريء من الخلافات بين الشيعة، فقد عاد الحكيم من إيران، وكان متهما بالتعاون مع إيران، وقد اتهم فيها أبو مصعب الزرقاوي. – أما عن أية الله محمد باقر الصدر فقد تم إعدامه في 1980، مع أخته نور الهدى، وهو والد زوجة رجل الدين مقتدى الصدر، واعترف صدام بأنه تم الإعدام بعد إنذارات كثيرة لوقف تدخله في السياسة وانحيازه إلى إيران، ولا بد من وقف المخاطر التي يشكلها للأمن العراقي. – قال إن حسين كامل وهروبه مع أخيه إلى الأردن تحاشيا لانتقام من عدي، وجاء جواب صدام بأنه لم يأمر بقتل حسين كامل، وإنما كان قرار القبيلة، وكان يتهمه بحب المال والسرقة وينعته بالتفاهة. – يرفض الإجابة عن حياته الخاصة وزوجتيه، ولم ينكر وجود ولد من الزوجة الثانية الشاهبندر، كما رفض تحديد نوع علاقاته مع الزعماء العرب. – كان يوقف الاستجوابات متعذرا بمواعيد الصلاة التي يلتزم بها، ومن الأسئلة التي أزعجته سؤال عن إرسال الطائرات العسكرية إلى إيران، التي كان يتوقع عودتها بعد الحرب، ويعترف صدام بأن القرار غير طبيعي. – يعتقد أن الملك حسين لا يُعتمد عليه، وموال لواشنطن وخاضع لإسرائيل، ولا يحب زعامات سوريا، والملك عبدالله بن الحسين. – كان السؤال الغامض، قال صدام حسين إن هناك شخصين يتفق معهما وأقرب الناس إليه ورفض تسميتهما. – ينتقد الكاتب بقوة إدارة بوش للأزمة، ويصب جام غضبه على وكالة الاستخبارات (C I A) التي تحولت من التحليل إلى كتابة التقارير، ويتهم كونداليزا رايس بالضعف، وكولن باول بالتجاهل، وركز على كل من دونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وتشيني نائب الرئيس وحملهما المسؤولية.
| |||
5 | وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين !!
| أحمد بودستور
| الوطن الكويتية |
يقول المثل الايرلندي (من الافضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن) والغدر هو عادة الأنظمة البوليسية الدموية التي تحكم بالنار والحديد وترفض المعارضة حتى لو كانت سلمية بل هي لاتكتفي بالرفض لكنها تطارد المعارضين لها وتغتالهم بطرق بشعة ودنيئة تدل على الغدر والخيانة والخسة والدناءة في التعامل مع رموز المعارضة . أصابع الاتهام في اغتيال المعارض الإيراني سعيد كريميان ورجل الأعمال الكويتي الذي كان يرافقه في السيارة محمد متعب الشلاحي تشير إلى المخابرات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي تتلقى أوامرها مباشرة من المرشد الأعلي للثورة الإيرانية السيد علي خامنئي وقد وقع حادث الاغتيال في منطقة مسلك الراقية في الجانب الأوروبي من مدينة اسطنبول عندما اعترضت سيارة رباعية الدفع طريقهما ونزل منها مجموعة مهاجمين أطلقوا النار على المعارض الإيراني ورجل الأعمال الكويتي . إن النظام الإيراني قد دأب على اغتيال معارضيه وخاصة المنتمين لحركة مجاهدي خلق حيث أن المعارض الإيراني سعيد كريميان مقرب من السيدة مريم رجوي زعيمة مجاهدي خلق وهو يمتلك ما يقارب الـ 40 محطة فضائية ووسيلة إعلامية معارضة للنظام الإيراني ولكن كما قلنا مرارا وتكرارا أن النظام الإيراني دموي لا يفهم إلا لغة القوة ورغم ذلك فهو أيضا لا يستطيع قبول المعارضة السلمية من خلال وسائل الإعلام ويطارد معارضيه ويطلق عليهم الرصاص في جنح الظلام لأنه بكل بساطة قد حول سفاراته في الخارج إلى أوكار الجاسوسية والاغتيالات. لايخفي على أحد تورط السفارة الإيرانية في الاضطرابات والأحداث الدامية في مملكة البحرين وأيضا في الكويت كانت لها علاقة بخلية العبدلي وكذلك بشبكة التجسس التي حكم على أعضائها بالإعدام والسجن المؤبد ولهذا نعتقد أن السفارة الإيرانية في تركيا متورطة في توفير الإمكانيات اللازمة لعملية الاغتيال والتستر على القتلة . الجدير بالذكر أن مرشح الرئاسة للانتخابات الإيرانية إبراهيم رئيسي كان أحد أعضاء لجنة الموت التي أعدمت ما يقارب 30 ألف معارض وأغلبهم من مجاهدي خلق في سنة 1989 وهو ليس لديه أي خلفية سياسية ولكن كان نائبا عاما وأحد القضاة البارزين ولكن يده ملطخة بدماء المعارضين من الشعب الإيراني وهو المرشح الأوفر حظا للفوز بالانتخابات الإيرانية لأنه مدعوم من الحرس الثوري ومرشد الثورة. أيضا هذا النظام الدموي قام بتعيين مساعد قاسم سليماني قائد فيلق القدس في منصب السفير الإيراني في العراق وهو لديه سجل أسود في الإجرام وهو ما يؤكد أن من يحكم إيران هم عبارة عن عصابة تقتل بدم بارد كل من يعارضها . إن جرائم هذا النظام لا تعد ولا تحصى وهو وراء كل المجازر التي يرتكبها الحشد الشعبي في العراق وسوريا ولعل أشهر جريمة ارتكبها هذا النظام هي اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري الذي تم اغتياله بتخطيط وتنفيذ من حزب الله ولكن بأوامر من النظام الإيراني لأنه كان حليفا للملكة العربية السعودية وضد المشروع الإيراني. من المفيد القول أن الدولة الأولى في العالم التي تنفذ أحكام الإعدام هي إيران وأغلب من تحكم عليهم بالإعدام هم المعارضون السياسيون سواء من العرب الأحوازيين أو الأكراد أو البلوشي وغيرهم من الأقليات المضطهدة سياسيا و اجتماعيا في إيران فلا يكاد يمر يوم إلا وتكون هناك وجبة إعدامات ناهيك عن السجون التي امتلأت المعارضين الذين ينتظرون الإعدام. إن السلطات الكويتية سواء وزارة الخارجية أو الداخلية عليها أن تبذل كل ما تستطيع من أجل كشف القتلة والقبض عليهم وتقديمهم لمحاكمة عادلة فهناك مواطن كويتي تم اغتياله وقد لا يكون مستهدف ولكن حظه العاثر وضعه في مرمى نيران القتلة ولابد من العمل عن كثب مع السلطات الأمنية التركية لكشف ملابسات الحادث الإجرامي وملاحقة القتلة حتى لا يفلتوا من العقاب ولاشك أن الجريمة سياسية بامتياز وهي لا تقل بأي حال من الأحوال عن الجرائم الإرهابية التي يرتكبها تنظيم داعش وبقية التنظيمات الإرهابية. وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين وهذه الجريمة والاغتيال الدموي هو أحد الجرائم الكثيرة التي ارتكبها النظام الإيراني والتي راح ضحيتها أبرياء لا يملكون إلا الكلمة يعارضون فيها النظام الدموي الإيراني لأن الإعلام يكشف جرائم هذا النظام ويعريه أمام العالم ولابد لهذا الليل الطويل أن ينجلي وهذا القيد أن ينكسر ويتحرر الشعب الإيراني وبقية الشعوب التي يريد النظام الإيراني أن يكون وصيا عليها كالشعب العراقي والسوري واللبناني واليمني وكما قال الرئيس الأمريكي ترامب في خطابه بمناسبة مرور 100 يوم عليه في البيت الأبيض أن المعارك الكبرى لم تبدأ بعد ونعتقد أنه يشير إلى النظام الكوري الشمالي والنظام الإيراني اللذين اقترب زوالهما في الفترة القادمة وسوف يكون الحساب عسيرا.
| |||
6 | مأساة العراق العظيم
| محمد الطميحي
| الرياض السعودية |
على أطراف مدينة الموصل، وغير بعيد عن المعارك الدائرة في المدينة، تنتشر مخيمات الإيواء لاستيعاب الهاربين من جحيم تنظيم (داعش)، الأعداد بمئات الآلاف ما يجعل استيعابهم مهمة شبه مستحيلة، في ظل ارتفاع وتيرة النزوح اليومية من محافظة يقدر سكانها بالملايين.
قادتني مهمة صحفية إلى أحد تلك المخيمات، وبالتحديد مخيم حسن شامي الواقع بالقرب من قرية معروفة تحمل الاسم ذاته، كانت القرية ميداناً لإحدى المواجهات الفاصلة بين قوات البيشمركة وعناصر التنظيم المتطرف.
الوصول إلى المكان ليس بالأمر السهل فبعد المرور بعدة نقاط تفتيش أو سيطرات -كما يطلق عليها العراقيون- توقفنا أمام ما تبقى من جسر الخازر الشهير الذي يربط بين أربيل والموصل، هو الآخر لم يسلم من التدمير والتخريب، عبرنا النهر فوق جسر حديدي مؤقت أقيم لتسهيل عبور قوافل الإغاثة للمناطق المنكوبة، وما إن تجاوزنا الجسر حتى وجدنا أنفسنا وسط سهل غطت خضرته الطبيعية آلاف الخيم البيضاء التي تراصت على امتداد البصر دون انقطاع.
كان علينا استعادة ما حدث هنا قبل أشهر من خلال السير وسط ما تبقى من القرى المدمرة بالكامل.
هناك.. غاب صوت المآذن، واختفى الأطفال من ساحات اللعب والفصول الدراسية، فيما بقيت البيوت التي هجرها أهلها على عجل بانتظار عودتهم ولو بعد حين.
قادنا الطريق إلى بوابة المخيم الذي يشبه بما بني حوله من سياج وأسوار معتقلاً كبيراً يجمع ما تبقى من شتات العائلات العراقية التي وجدت في مكان كهذا الخيار الوحيد للبقاء بعد أن عاشت لأشهر تحت الحصار والقصف، وأيام وأسابيع في العراء في رحلة الهرب نحو المجهول.
أول ما يلفت انتباهك هذا الكم الهائل من الأطفال الذين تقرأ في ملامحهم مأساة شعب بأكمله دون الحاجة للغوص في التفاصيل، فهم عندما يحاول الكبار تحريف القصة خوفاً من تداعياتها، الأقدر على فضح ما جرى على واقعهم ومستقبلهم من مؤامرة.
رغم ما يقوله البالغون لم تمنعهم براءة الطفولة من خلق وطنهم الخاص من خلال ساحات اللعب التي التقى فيها أطفال العراق بكل طوائفهم وأعراقهم ومذاهبهم دون تصنيف أو تقسيم.. فكلهم ضحية.
بجانب كل خيمة وعند كل مكتب إغاثة وفي الممرات التي بينها تلاحقك نظرات هؤلاء الأطفال الذين ولدوا في زمن الاحتلال والحرب والتشرد، فلم يعرفوا يوماً معنى الاستقرار، وفيما يتباكى العالم على تاريخ العراق الذي دمرته يد الإرهاب والتخريب، تبقى المأساة الحقيقية ماثلة في تدمير مستقبله من خلال حرمان جيل بأكمله من ممارسة حقه الطبيعي في العيش بأمان، والإصرار على تشريده بين مخيمات النزوح وميادين الحرب والحصار على يد حفنة من الخونة والعملاء الذين سلموا الموصل لداعش كما باعوا العراق لإيران. |