تسع مقالات عن العراق بالصحف العربية يوم الخميس

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
1 لئلا يكون المثقف العراقي صمام أمان لجرائم النظام هيفاء زنكنة

 

 

القدس العربي
 

ما هو البديل اذن؟ كيف كان بالامكان القضاء على وحوش جاءوا من مختلف البلدان ليلتهموا المدينة ويعيثوا بها فسادا؟ تثار هذه الاسئلة، بقوة، كلما وصلنا مرحلة مفصلية، في حرب ما، تدور رحاها في بلداننا. وما أكثر الحروب!

يعيدنا التساؤل حول البديل، الى حروب مضت، عاشها بعضنا فنكب من نكب، ومن بقي حيا، يرى الآن، أجيالا تعاني من آثارها. اجيال لم تكن قد ولدت بعد يوم طرق مسامعنا السؤال لأول مرة، فالحروب، في العراق، مثلا، تتكاثر بسرعة الانشطار الأميبي. عاش جيل الثمانينيات جملة حروب، التهمت من كل عائلة فردا ، على الاقل، على اختلاف مسمياتها واسبابها وامتداداتها (المصطلح المفضل دوليا هو العنف والنزاعات) الحرب العراقية – الايرانية أو حرب الخليج الاولى (1980 – 1988)، غزو الكويت ثم الهجوم الثلاثيني في 1990، الحصار وسياسة الاحتواء الغربي قصفا ( 1990 – 2003)، غزو واحتلال البلد ( 2003 – حتى الآن)، الحرب ضد ما يسمى بالدولة الاسلامية ( 2014 – حتى الآن) . واحدة من هذه الحروب ، كافية لوسم الجيل بالامراض النفسية، والاعاقات الجسدية ، واليأس، والرغبة بالانتقام، فكيف بمن يعيش، منذ طفولته، في ظل هذه الحروب ولا يعرف سواها؟

خلقت الحروب شرخا بين من عاش فترة الخمسينيات ومن عاش الثمانينيات وما بعدها ، على صعوبة الفصل بين الاجيال. من عاش في الخمسينيات والعقدين التاليين، كان وان تعرض للقمع السياسي (لغة التداول اليومي) يحمل بداخله حلم التغيير، والامل بمستقبل أفضل، بمطر يهطل لسقي أرض يباب. وهو حلم استعاد بهاءه، لوهلة، مع حلول «الربيع العربي» حين خرجت الشعوب المقهورة ، ومن بينها الشعب العراقي، الى ساحات التحرير، مطالبة بحقها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. بالمقابل، انحنى الحكام العرب، اكثر فأكثر، امام القوى الاجنبية مستنجدين الحماية بل وعودة الاستعمار علنا ومعها تزايد الخنوع. اموال الشعب صارت تصرف على شراء اسلحة متطورة لتصفية أبناء الشعب. بات جيل الحصار والحروب والغزو يتنفس ما يرومه المستعمر الجديد، أي التخلي عما حققته حركات التحرر الوطني ونالته بعد نضال طويل. هنا تبدى دور المثقف بحلته الجديدة. صارت عودة المستعمر لـ»تحرير» الشعوب من القمع الداخلي مطلبا ملحا لنخب سياسية – ثقافية بررت بناء القواعد العسكرية الامريكية، وقصف مدننا، بأموالنا. مرددة: والا ما هو البديل لحماية الشعب من أمراضه المتأصلة، وعنفه التاريخي المتوارث، ودولته التي تم لصقها قسرا، وجهله بثقافة الديمقراطية ؟

تحت تبريرات مضللة، بدأت ملامح خارطة «العراق الجديد» والمنطقة العربية تتضح، أمام أنظار الشعوب وهي ترى مثقفيها يستبدلون النضال ضد الامبريالية بتسويغ الوجود الامبريالي وسياسته كأمر واقع . لتحقيق النقلة، كان يجب ان تفقد النخبة المثقفة، البقية الباقية من وعيها النقدي وان واصلت ارتداء ملابس الامبراطور. ان تصبح صدى للسلطة والاعلام المعروض للشراء، ان تكون طبقة من التكنوقراط للترويج بيوتوبيا بطوباوية (ديمقراطية – حقوق الانسان) بدون التنبيه الى انتقائيتها وازدواجية معاييرها. يلوك افرادها شعارات، لا يجد المستعمر الجديد ضررا في السماح بترويجها، بل واستعارتها ليكررها في خطبه هو الآخر. فتلويث الحقيقة بالتلفيق، والكذب، والتضليل، مهمة ليست سهلة وتحتاج لانجاحها تحالفا ثلاثيا داخليا يضم السلطة السياسية والمثقف والاعلام، ولا تكتمل بدون دعم دعائي – استراتيجي من الخارج. مثال ذلك، حملات التضليل الاعلامي التي شهدها العالم، في حقبة التمهيد لغزو العراق واحتلاله، باعتبارهما «تحريرا» و»تغييرا» نحو الافضل وإنقاذا للعالم من خطر داهم ، حيث نشرت أجهزة الاعلام الغربية 50 قصة مفبركة، أعادت نشرها اجهزة الاعلام العربية اما كسلا او جهلا او تواطئا مع المحتل، لخصها الكولونيل سام غاردينر، الاستاذ في كلية الحرب الوطنية وكلية الحرب الجوية وكلية الحرب البحرية الامريكية، في تشرين الأول/اكتوبر 2003 ، بعنوان «الحقيقة من هذه المنصة: ملخص لدراسة التأثير الاستراتيجي، إدارة التصور، حرب المعلومات الاستراتيجية والعمليات النفسية الاستراتيجية في حرب الخليج الثانية». يضم التقرير تفاصيل الحملة الاعلامية السرية التي ساهمت في تضليل الرأي العام و» تسويق»الغزو العسكري للعراق. ساعدتها فيما بعد الصحافة العراقية « المستقلة»، تحت الاحتلال، في نشر اخبار ملفقة وقصص صاغها قسم العمليات النفسية الدعائية، بوزارة الدفاع الامريكية، عن الانقسام الطائفي و» انتصارات» القوات الامريكية و بناء «الديمقراطية» وايجابية وجود المحتل. «ما هو البديل»، ومن هو القادر على الاجابة حين يتساءل المواطن الغارق بزخات المعلومات المفبركة والهموم اليومية والرعب من ذلك «الآخر» المتوحش، الذي يتم تغيير اسمه من فترة الى أخرى، حسب الحاجة، الذي يتربص به، وبعائلته، وطائفته؟ من هو القادر على الاجابة حين يصبح «البديل»، وجبة طعام سريعة تم اعدادها مسبقا، خميرتها الفساد والطائفية. بديل متوحش لآخر متوحش. كأن وحشية 4000 غارة جوية لقوات التحالف الستيني وضعف ذلك العدد من الصواريخ والمدفعية، و100 ألف من الجنود والمليشيات، مبررة أكثر من مجانين او مجرمين في تنظيم الدولة، جاءوا من مختلف البلدان ليلتهموا المدينة ويعيثوا بها فسادا. هذه الجوانب من «البديل» لا تناقشها اجهزة الاعلام، بل تخفيها، بحرفية عالية او بشعبوية رثة (غير مهم)، ما دامت الغاية هي ديمومة الخوف والشلل العقلي. لذلك لا ينظر الى خارطة الدمار التي نشرتها الأمم المتحدة ليوم 11 تموز 2017 في الموصل بعد «التحرير»، ولا يتذكر المليون نازح من الجائعين العطشى، في قيظ تموز/يوليو، غير قلة تدرك وجود البديل لو توفرت النية لتفادي الكارثة. كيف تمكنت شعوب اخرى مرت بذات المآسي من لملمة نفسها واستعادة لحمتها متخلصة في الوقت نفسه من «وحوش جاءوا من مختلف البلدان ليلتهموا المدينة ويعيثوا بها فسادا»؟

هنا يأتي، دور النخبة الثقافية، المستقلة، المدركة لمسؤوليتها العامة، الفاعلة خارج عقل الحشود، الراصدة بوعيها النقدي ما يبدو «عاديا»، المتحدية للحلول الشعبوية الجاهزة، القادرة على طرح تساؤلات آنية تساعد على فهم الماضي واستشراف المستقبل، الرافضة ان تكون مطية لأيديولوجيا الفكر الواحد وتهميش ما عداه، وان تعمل على كسر جدار العزل الفكري المتمثل بـ»أما – أو» الذي طالما فرض علينا، داخليا وخارجيا، وحقق نجاحا باهرا في تقزيم الوعي ووضعه في قالب مناسب لكل أشكال الهيمنة والاحتلال. أما فيما يخص الحرب الحالية، لعل الخطوة الاولى في الاجابة على «ما هو البديل»، هو الا يكون المثقف صمام أمان لجرائم ترتكبها السلطة.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
2 اكتشاف أميركي في العراق!

 

خيرالله خيرالله

 

 العرب
هل من استيعاب أميركي لمعنى سقوط العراق في يد إيران وأبعاد ذلك وانعكاساته على التوازن الإقليمي؟ هل يمكن وقف المشروع التوسّعي الإيراني والتدمير الذي يعتمد عليه عند حدود العراق؟

 

من أطرف ما قرأته أخيرا، تحقيق طويل صدر قبل بضعة أيام في صحيفة “نيويورك تايمز” عن العراق تحت عنوان “إيران تسيطر على العراق بعدما سلمته الولايات المتحدة”. ما هذا السرّ العسكري والسياسي الكبير؟ ما هذا الاكتشاف العظيم لما هو عليه العراق اليوم؟

 

احتاجت صحيفة أميركية محترمة إلى أربعة عشر عاما لتأكيد ما حصل في التاسع من نيسان – أبريل 2003 يوم سقوط تمثال صدّام حسين في بغداد. لم يكن ذلك سقوطا لنظام فحسب، بل كان أيضا تغييرا لطبيعة بلد بكامله انتقل إلى جرم يدور في الفلك الإيراني.

 

لم تكن ثمة حاجة إلى كل هذه السنوات من أجل معرفة المصير الذي آل إليه العراق، ومن كان سيخرج منتصرا، بمجرّد اتخاذ الرئيس جورج بوش الابن قراره باجتياح هذا البلد ردّا على أحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001.

 

كان واضحا كلّ الوضوح، قبل دخول الجنود الأميركيين إلى بغداد أن هناك منتصرا واحدا في الحرب التي كلفت الولايات المتحدة نحو أربعة آلاف وخمسمئة قتيل من خيرة أبنائها، وما يزيد على تريليون دولار، أي ألف مليار دولار!

 

خرج منتصر واحد من الحرب الأميركية على العراق. هذا المنتصر هو إيران التي كانت تنتظر فرصة العمر للانقضاض على البلد الجار. لم تجد من حاجة إلى ذلك بعدما أدت الإدارة الأميركية المهمّة الإيرانية وغيرّت بذلك موازين القوى في الشرق الأوسط تغييرا كليا.

 

هاجم تنظيم “القاعدة” في ذلك اليوم من العام 2001 نيويورك وواشنطن مستخدما تسعة عشر انتحاريا للقيام بعمليات إرهابية استهدفت، بين ما استهدفته، مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن. ما علاقة العراق والنظام فيه بذلك ليس معروفا إلى الآن.

 

وجدت الإدارة الأميركية وسيلة لربط النظام العراقي بما يسمّى “أحداث الحادي عشر من سبتمبر”، علما أن عنوان الشخص الذي يقف خلفها كان معروفا. هذا الشخص اسمه أسامة بن لادن المتحالف مع “طالبان” في أفغانستان. في وقت لاحق، قتلت الولايات المتحدة أسامة بن لادن الذي كان مختبئا في باكستان تحت اسم مستعار.

 

كان منطقيا أن تذهب الولايات المتحدة إلى أفغانستان بحثا عن بن لادن وأفراد تنظيمه الإرهابي وأن تعمل في الوقت ذاته على إقامة نظـام جـديد في هذا البلد بعد فشل كـل المحاولات التي استهدفت الفصل بين زعيم “القاعدة” وزعيم “طالبان” الملا عمر.

 

ما لم يكن منطقيا هو الذهاب إلى العراق، علما أن نظام صدام حسين كان من الأنظمة التي تحتاج إلى تغيير. ولكن قبل اللجوء إلى القوّة العسكرية للقيام بهذا التغيير، ألم يكن طبيعيا أن تسأل الولايات المتحدة نفسها من سيحكم العراق عند خروج صدّام حسين؟ وما هي النتائج التي ستترتب على مثل هذا الحدث الكبير بكل المقاييس؟

 

يعطي التحقيق الذي نشرته “نيويورك تايمز” أمثلة كثيرة على مدى التغلغل الإيراني في العراق. لا بضائع في المحلات العراقية غير البضائع الإيرانية.

 

يفتخر الإيرانيون الذين التقاهم كاتب التحقيق بأن ليس لدى العراق ما يُصدّره لإيران، وبأن لدى إيران الكثير من البضائع تصدرها إلى العراق. رأى الصحافي الأميركي بنفسه محلات عراقية امتلأت رفوفها بكل أنواع المنتجات الإيرانية من ألبان وحليب ودجاج…

 

رأى ما هو أخطر من ذلك بكثير. رأى في منطقة الحدود الجنوبية للعراق شبانا عراقيين يدخلون إلى الأراضي الإيرانية للخضوع لتدريب عسكري لدى “الحرس الثوري” الإيراني تمهيدا لنقلهم إلى سوريا والقتال إلى جانب القوات التابعة للنظام السوري.

 

حسنا، هناك كلام في الولايات المتحدة عن السيطرة الإيرانية على العراق. هناك من يستشهد على ذلك بهوشيار زيباري وزير الخارجية، ثم وزير المال العراقي الذي خرج أخيرا من الحكومة العراقية.

 

ما العمل الآن؟ هل تستسلم الولايات المتحدة لهذا الواقع الذي خلقته بنفسها والذي بات يستند إلى أنّ “الحشد الشعبي” الذي يضمّ ميليشيات مذهبية تابعة لإيران مؤسسة شرعية مثله مثل الجيش العراقي أو قوات الشرطة؟

 

الأكيد أن ليس في استطاعة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عمل الكثير لتغيير الواقع العراقي من داخل البلد. ما تستطيعه هو التفكير في كيفية منع التوسّع الإيراني في المنطقة.

 

هناك رجل شجاع اسمه الملك عبدالله الثاني حذر منذ ثلاثة عشر عاما، في تشرين الأول – أكتوبر من العام 2004، عبر صحيفة “واشنطن بوست” من “الهلال الشيعي”. تعرض العاهل الأردني بعد قوله هذا الكلام لحملات شعواء من إيران وأدواتها. المفارقة أن الإيرانيين يتحدثون هذه الأيّام عن “البدر الشيعي” وعن ربط طهران ببيروت عبر بغداد ودمشق.

 

ستكشف الأيام والأسابيع المقبلة هل الولايات المتحدة جدية في التعاطي مع الخطر الإيراني، أم ستحتاج إلى أربع عشرة سنة أخرى كي تكتشف معنى وصول “الحشد الشعبي” إلى الحدود العراقية – السورية، ولماذا كل هذا الإصرار الإيراني على أن يكون الخط الذي يربط الأراضي العراقية بالأراضي السورية مفتوحا.

 

ما حصل في العراق لا يمكن إصلاحه. صار العراق شيئا آخر. زالت الحدود العراقية – الإيرانية من الوجود. قررت الولايات المتحدة تسليم البلد على صحن من فضّة إلى إيران. صارت بلدية النجف تستورد التفاح الإيراني لتقديمه إلى الإيرانيين الذين يزورون المدينة، نعم إلى الإيرانيين الذين يزورن المدينة. هذا ما أكده لـ“نيويورك تايمز” أحد أعضاء مجلس البلدية في مدينة تشرف على جمع النفايات فيها شركة خاصة إيرانية.

 

ما يمكن إصلاحه الآن هو وقف التوسّع الإيراني إلى ما بعد العراق. لذلك، من المهمّ وضع حدّ للتمدد الإيراني في كلّ الاتجاهات، خصوصا في اتجاه سوريا.

 

ليست سوريا سوى نقطة ارتكاز إيرانية لمزيد من التدخل في لبنان وتحويله إلى مستعمرة إيرانية، تماما كما حال العراق. ليست الضغوط التي تمارسها إيران من أجل تهجير أهل عرسال، البلدة السنية ذات الأهمية الاستراتيجية على الحدود اللبنانية – السورية، سوى تتمة للجهود الإيرانية الهادفة إلى تكريس وجود ممرّ من العراق إلى سوريا يكون تحت سيطرة طهران والميليشيات التابعة لها والعاملة في الأراضي السورية. تعمل هذه الميليشيات بغطاء جوي روسي أحيانا، ومن دون هذا الغطاء في أحيان أخرى.

 

عاجلا أم آجلا، هناك سؤال سيطرح نفسه، خصوصا بعد معركة الموصل، التي استخدم فيها “داعش” لتدمير ثاني أكبر مدينة عراقية.

 

السؤال هل من استيعاب أميركي لمعنى سقوط العراق في يد إيران وأبعاد ذلك وانعكاساته على التوازن الإقليمي؟ هل يمكن وقف المشروع التوسّعي الإيراني والتدمير الذي يعتمد عليه عند حدود العراق؟

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
3   الموصل.. بين مزغرد ومتردد

 

 

رشيد الخيّون

 

  الاتحاد الاماراتية
  

أُعلن الانتصار على جحافل «داعش» المتوحشة، وكان الاحتفال بين مزغردٍ ومترددٍ، الأول لا تعنيه المُسببات، ولا يتذكر مباهج انتصار حرب الثَّماني سنوات (1988)، وما حصل بعدها. فلا أنسى قلق الستيني آنذاك يعقوب يوسف مِن حرب جديدة، والذي التقيتُ به قُبيل غزو الكويت (1990)، وكان فاقداً شقيقه فرنسيس، وأسرته كاملةً، بصاروخ قذفته طائرة إيرانية في بدايات الحرب، وشاهد رأسه يتدحرج مفصولاً عن جسده. قالها باللهجة العِراقية: «ليش هو مبطل»! يقصد تهديدات الرَّئيس آنذاك بكارثة جديدة، فبعد أربعة شهور حصل غزو الكويت، بجيش موازٍ للجيش العراقي، يشبه ما يُراد اليوم من حشود موازية لجيش العراق. عاد يعقوب إلى بغداد ليبقى ثلاث عشرة سنة باحثاً عن مهرب، حيث أُطبق عليها الحصار، وبوادر حرب (2003).

 

على خلاف المزغرد، بلا حسابات، يرى المتردد في إعلان بهجة الاحتفال بالنَّصر ما شعر به يعقوب يوسف بانتصار 1988، وهو السجين في الأربعينيات من أجل «وطن حرٌّ وشعبٌ سعيد»، ودارت الأيام ليقطن يعقوب بلاداً ظن بطردها، من العراق، يتحقق له شعار الحرية والسعادة، حتى استقر به المقام فتخلى عن فكرة أن المساعدة التي يستلمها مِن بلدية لندن «مقطوعة من نفطنا»، حسب عبارته.

 

منّى النفس، ألا تمسي الزَّغاريد مقدمات لـ«داعش» ثانية وثالثة، فما يُنشر، بروح طائفية، يجعل التردد في إعلان بهجة الانتصار مشروعاً، مع تأكيدنا أن الموصل، وعبر تاريخها، تداولت عليها ممالك من مختلف الطَّوائف والقوميات، شيعة وسُنة، عرباً وتُركاً وكُرداً، تحالفت وتحاربت، هَدمت وعَمرت، ومَن يقرأ تاريخ الحدباء بعين الحياد سيجد الحروب بين زعامات لا طوائف، فلا ضاقت الموصل السُّنية بحكامها الحمدانيين الشيعة (القرن الرابع الهجري)، مثلما لم تضق الناصرية الشيعية بحكامها آل السّعدون السُّنَّيين.

 

يُحدد تاريخ الموصل، بعد الميلاد، بـ(18ميلادية)، حين شُيدت مجدداً في أوج النزاع بين الرومانيين والساسانيين، وعُرفت بـ«الحصن العبوري»، أو «حصنا عبرايا»، أي القلعة على ضفة النهر، وبالقرب منها قلعة «مصيلا» (الأب الصَّائغ، تاريخ الموصل)، ومنها كان اسم الموصل. لكن اسمها «الحدباء» ورد عنواناً لعدة مؤلفات، منها: «مُنية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء»، و«ترجمة الأولياء في الموصل الحدباء» (عن الديوه جي).

 

قبل توحش ««داعش»»، والحرب ضدها، تعرضت الموصل إلى دورات مِن الخراب، كما هو اليوم، هُدمت «حجراً على حجرٍ»، وكان الأفظع خراب التُّرك «الغُز» لها (443هـ)، إذ كانوا يشنون الغارات منها على الأطراف، وينهبون ويسلبون. وكي أُخفف من غلواء الطَّائفية، أقول إن حاكم بغداد الشيعي الزَّيدي البويهي طلب من السلاجقة السنَّة، قبل اجتياحهم بغداد (447هـ)، العون ضد «الغز» السُّنة أيضاً (تاريخ الموصل). كذلك حاصرها التتار لعشرة أشهر بسبب (مظلومية) ابنة هولاكو التي أغضبها زوجها حاكم الموصل ابن بدر الدين لؤلؤ (ت 657هـ)، ولا تحتاج فظاعة حصارات التتار شرحاً (الذّهبي، سير أعلام النُّبلاء).

 

لكن الأشد كان حصار نادر شاه (أُغتيل 1747م)، وبسالة أهل الموصل بقيادة حُكامها آل الجليلي، ولم يتمكن مِن اقتحامها، فحاصرها عام 1732 وتركها خائباً، ثم عاد عام 1743، بعد أن سيطر على محيطها: كرمليس وبرطلي وبخديدا وتلكيف وباطنايا، فسبى وقتل مِن المسيحيين والإيزيديين، وهدم الأديرة والكنائس (نفسه). كان عُذر نادر شاه غريباً لمَنْ أتاه للصِّلح: «ليس مقصدي من الموصل إلا تصحيح مذهب أهل السُّنَّة والشّيعة» (نفسه).

 

إن سبب عدم تمكن نادر شاه من الموصل، وجود قيادة مخلصة، لا أثر للخصم بداخلها بعذر الطائفية، ولا أسباب لتمكين مثل «داعش»، كالغلو الطائفي في المعاملة، واجتثاث «البعث»، والمعاندة في عدم تنفيذ بعض طلبات اعتصامات المنطقة الغربية، فتحولت للهتاف الطائفي، وسمتها الحكومة بـ«منصات العار»، مع سحب الجيش العراقي وتسليم معداته، كي تتهيأ الفرصة لاحتلال العراق مِن قِبل الجار الجنب بعذر الحرب على «داعش». بينما كان آل الجليلي مع المقاتلين على السَّواتر، يداً للحرب وأخرى للإعمار. فعندما دخل رسول نادر شاه الموصل، حاملاً رسالةً، سأله لما عاد عما فعلته قنابله؛ قال: «كُنَّا نظن أن قنابلنا لم تترك فيها شيئاً من العُمران، لكني ألفيتُها لا أثر فيها» (نفسه).

 

أعود مُذكراً بقلق التِّسعيني الآن، يعقوب يوسف، من بهجة الانتصار بلا حساب، خشيةً من هزائم مضاعفة، ولا يُضمن هذا إلا بمحاسبة متسببي الكارثة وإعمار النُّفوس قبل البناء، فنراهم ينوون حيازة الانتصار، كي ينفذوا «ما ننطيها»! فالتهنئة للجيش العراقي، وقيادته الممثلة بحيدر العبادي، لا لمَن يدعي أنه أسس الحشود.

 

أما الخصم فمستميت للكَرةِ، هذا ما هُدد به صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ) من قِبل مستميتي زمانه «النَّزاريين»: «أضحى يسدُّ فم الأفعى بأصبعه/ يكفيه ما قد يُلاَقي منه أصبعه» (ابن خِلكان، وفيات الأعيان). لا تلوموا من أذهله حجم الخراب، وبحث في الأسباب والمسببات، فبات متردداً لا مزغرداً.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
4  المدنيون يخسرون في الموصل

 

 

باتريك كوكبيرن

   الاتحاد الاماراتية
تعتبر منطقة شمال العراق واحدة من أكثر المناطق التي دارت فيها رحى الحروب على الإطلاق، حيث تنتشر في جميع أجزائها التحصينات القديمة والحديثة على السواء.

 

 

خارج أربيل وقعت قديماً معركة غاوغاميلا التي تمكن فيها الاسكندر الأكبر من هزيمة الفرس، كما قاتل جنود صدام حسين الأكراد في هذا المكان قبل عقود، غير أن المعركة التي امتدت تسعة أشهر بين قوات الحكومة العراقية و”داعش”، والتي انتهت أخيراً، ربما تعتبر أكثر المعارك أهمية وحسماً دارت في المنطقة على الإطلاق.

وقد انتهت بإحراز قوات الحكومة العراقية نصراً تاريخياً على “داعش”، مما سيساهم في تشكيل المستقبل السياسي ليس للعراق فحسب، ولكن لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.

 

 

تنظيم داعش الذي امتلك على امتداد ثلاث سنوات جيشاً وإدارة واحتل أرضاً، مما جعله أكثر قوة من العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، تعرض الآن لهزيمة نكراء. وسيتحول الآن لحرب العصابات، لكنه لن يستطيع امتلاك آلية دولة بعد الآن تمارس من خلالها حكمها الوحشي.

وتحتاج الطبيعة الحاسمة لما حدث في العراق للتو للتأكيد عليها نظراً لأن تواصل العنف هناك ربما سيعطي انطباعاً خاطئاً بأنه لم تحدث تطورات جذرية كبيرة، ولدى العراق تقليد عريق في الثقة الزائدة عن الحد لبعض الحكام في إعلان النصر فيه، كما حدث لجورج بوش في عام 2003، لكنا رأينا كيف أن هذا النصر المفترض قد تبخر في غضون أشهر أو سنوات قليلة.

 

 

سيكون هناك مزيد من القتال نظراً لأن “داعش” لا يزال يتمسك ببعض الجيوب في العراق في تل عفر بغرب الموصل، والحويجة بالقرب من كركوك، لكن هذه الجيوب منعزلة وسيتم اجتياحها قريباً.

 

 

في سوريا يسيطر “داعش” على الرقة والبلدات الجنوبية على امتداد نهر الفرات، وإجمالاً، سيختبئ التنظيم في المستقبل في المناطق الصحراوية بغرب العراق وشرق سوريا، ويمكنه شن غارات وهجمات إرهابية خاطفة، لكنه لن يشكل تهديداً خطيراً على السكان كما حدث بين عامي 2014-2017.

في الآونة الأخيرة، ظلت حكومة بغداد تعلن باستمرار وبصورة مثيرة للإحراج عن القضاء على تنظيم داعش بصورة نهائية في المدينة القديمة من الموصل، ولا يوجد شك فيمن كسب المعركة.

 

 

لكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي انتهى به الحال بالقيام بزيارته الانتصارية للمدينة، فيما كان يسمع صوت القنابل وهي تتساقط وتنفجر وأزيز الرصاص يلعلع في الخلفية، فيما كان المسؤولون يتسابقون ليكونوا أول من يعلن النصر على “داعش”.

 

والسؤال هو من الفائز الحقيقي والخاسر في هذه المعركة؟ حتماً الحكومة العراقية ليست الفائز الأكبر، و”داعش” ليس الخاسر الأكبر. بل سكان الموصل فهم تخلصوا من التنظيم الإرهابي، ولكن مقابل ثمن مروع على حسابهم.

 

 

مساحات كبيرة من الموصل تحولت إلى أنقاض، وبعض المناطق تضررت بصورة غير قابلة للإصلاح، وحتى يستحيل زيارتها نظراً لأن شوارعها ممتلئة بالركام.

 

 

سكان منطقة الجديدة مثلاً يشتكون جميعاً من أنه لا يتواجد الكثير من مقاتلي “داعش” في منطقتهم، ولكن إذا تصادف وجود قناص “داعشي” أطلق رصاصة واحدة من إحدى البنايات الكبيرة هناك، يتم فوراً استدعاء سلاح الجو العراقي لتسوية المبنى بالأرض.

 

 

إزاء هذا الوضع، تفسر الخسائر البشرية الهائلة في أوساط المدنيين، نتيجة لمنع “داعش” سكان الموصل من الهرب لاستغلالهم كدروع بشرية.

 

 

أطلق قناصو التنظيم الإرهابي النار على الذين حاولوا الهرب، كما أغلقوا الأبواب المعدنية للمنازل على قاطنيها ولحموها بالأكسجين، ومن الصعب التفكير بأي مثال آخر من الحصار يتم فيه جر المدنيين كالقطيع لمنع استهداف مقاتلي “داعش” بالهجمات الجوية أو بالمدفعية.

 

 

الاستجابة التامة لقادة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد “داعش”، الذين نسقوا الهجوم على غرب الموصل يظهر أننا نعود إلى عصر حرب فيتنام حينما كان الجنود الأميركيون يشعرون بالسعادة وهم يتدافعون للتطوع في الحرب لإنقاذ المدنيين المحاصرين في مناطق مأهولة بالسكان في فيتنام الجنوبية آنذاك.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 5         انتصار الموصل انتصار خليجي

 

 

       خليل علي حيدر

 

    اخبار الخليج البحرينية
  

الهزيمة النكراء الغالية الثمن، التي أنزلها الجيش العراقي وبقية القوى المحاربة معه، بجموع «داعش» الإرهابية، بمثابة هدية لا تقدر بثمن لاستقرار شعوب المنطقة وأمن البلدان المجاورة للعراق وللعالم بأسره.

 

الانتصار العراقي الكبير على قوى الإرهاب وفلول «داعش» في مدينة الموصل، وما عاناه العراق خلال كل هذه السنوات منذ سقوط النظام السابق في أبريل 2003، يحتمان تقربا أكبر وتفاهما أوسع مع العراق حكومة وشعبًا، على الصعيد الكويتي والخليجي بوجه خاص.

 

الهزيمة النكراء الغالية الثمن، التي أنزلها الجيش العراقي وبقية القوى المحاربة معه، بجموع «داعش» الإرهابية، بمثابة هدية لا تقدر بثمن لا ستقرار شعوب المنطقة وأمن البلدان المجاورة للعراق وللعالم بأسره، وهي كذلك مناسبة لا تفوت لتعزيز العلاقات مع العراق بعد مرور 13 عامًا على استئناف العلاقات الدبلوماسية الكويتية – العراقية، منذ سقوط نظام العدوان «فتلك الحدود التي انتهكها جيش صدام حسين غازيًا في عام 1990»، يقول تقرير لوكالة كونا «هي ذاتها التي تمر عليها اليوم قوافل الإغاثة الكويتية باتجاه الشمال لتقديم الدعم والمساعدات للنازحين العراقيين في محنتهم، وهم يقارعون الإرهاب والتطرف. كما أن الحدود التي مرت عبرها (القداحات) التي أضرمت النار في حقول النفط الكويتية إبان الغزو، هي بعينها التي مرت عبرها في الاتجاه العاكس معدات الإطفاء التي أرسلتها الكويت قبل أشهر للمشاركة في إخماد نيران الحقول النفطية في الموصل».

 

وأوضح سعادة سفير الكويت في العراق سالم الزمانان في تصريح له أنه بناء على توجيهات سمو أمير البلاد «سارعت الكويت في مد يد العون للنازحين في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالي وكركوك ونينوى، إذ تعهدت في عام 2015 بتقديم 200 مليون دولار لإغاثة النازحين». (القبس، 28/ 6/ 2017).

 

كما صرح رئيس الوزراء العراقي د. حيدر العبادي «أن العراق والكويت نجحا كدولتين في تحويل العلاقة بينهما إلى مثال يحتذى في المنطقة، وأن يعملا على إعادة التوازن إلى تلك العلاقات». وأضاف د. العبادي أنه «على الرغم من أن النظام السابق حاول أن تكون علاقاتنا بالكويت علاقة دموية تعسفية، لكننا ولله الحمد، نجحنا اليوم كدولتين في أن نحول تلك العلاقة إلى مثال يحتذى، وقد نجحنا في ذلك إلى درجة كبيرة». (الجريدة، 28/ 6/ 2017).

 

ومما أشار إليه كذلك سعادة السفير «الزمانان»، أن الكويت لم تدخر أي جهد في سبيل مساعدة العراق وشعبه في المجالات كافة، مشيرا إلى «إنجازات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية المتمثلة بإنشاء 23 مدرسة نموذجية في عدد من المحافظات العراقية، إضافة إلى المنحة الكويتية المخصصة لبناء مستشفى الجراحة في البصرة والذي وصل إلى مرحلة متقدمة من الإنجاز».

 

ومن بين مستلزمات تطبيع وتطوير العلاقات بين الشعبين الكويتي والعراقي في اعتقادي، الاهتمام ببناء روابط من الثقة والود، والحرص الكامل على عدم تشويه صورة الطرف المقابل في وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية، ولربما حان الوقت وبشكل ملح لأن نخفف تمامًا أو نوقف عرض الأعمال المسرحية والمقاطع الغنائية الساخرة التي تم تأليفها وإعدادها وتمثيلها بعد الغزو عام 1990 وجرائم عدوان النظام السابق، والتي لم يعد عرضها يخدم أجواء العلاقات الجديدة.

 

فقد عبرت هذه الأعمال لدى إعدادها عن مشاعر الكويتيين عامة والإخوة الفنانين خاصة نحو بلادهم، وللتنديد بتلك الجرائم والتعبئة ضدها، ولا شك أن هذه الأعمال الفنية ستوثق تلك التجربة التاريخية المريرة، كما أن الشعب الكويتي سيحتفظ لكل الفنانين الذين ساهموا فيها بالعرفان والتقدير، غير أننا ندخل اليوم نهايات العقد الثالث من ذكرى الغزو والعدوان، كما اختفى ذلك النظام المستبد الشرس الذي أذاق العراقيين والإيرانيين والكويتيين صنوف الحرب والتعذيب، وكان لدولة الكويت على وجه الخصوص الدور التاريخي المعروف في تسهيل إسقاطه، وإنقاذ الشعب العراقي من ويلاته، فبدأت بعدها صفحة جديدة من العلاقات السياسية والدبلوماسية عام 2004، وظهرت أخطار جديدة تهدد البلدين معا، بل يشمل خطرها الدول الخليجية وكل دول العالم، وعلى رأسها خطر الإرهاب.

 

هناك جيل كويتي جديد لم يعش تجربة الاحتلال ولكنه سيشهد هذه الأعمال المنتجة غنائيًا ومسرحيًا ضد نظام صدام وأعوانه، ونحن نعلم مع الجميع أن ذلك النظام المجرم قد دفع غاليًا ثمن جريمته البشعة، وأن الشعب العراقي كله قد سدد مبالغ هائلة كتعويضات مالية بمليارات الدولارات مقابل خسائر الحكومة الكويتية والشركات والأفرد، وبالتالي لا بد من العودة بهذه العلاقات بين الشعبين على كل صعيد إلى أوضاعها الطبيعية، كما عادت مثلا في أوروبا إلى حالتها العادية بين فرنسا وألمانيا أو اليابان والولايات المتحدة أو غيرها.

 

سيبقى العراق مهما كانت طبيعة العلاقة معه دولة بالغة الأهمية في جوار الكويت، كما أن المخاطر الأمنية والسياسية التي تهدده وعلى رأسها حاليًا ومنذ سنوات التنظيمات الإرهابية، تهدد الكويت كذلك، ولا بد لنا كذلك أن نبحث دائمًا عن محاولات التعاون وتطبيع العلاقات وتقوية الروابط الإنسانية إلى جانب الاهتمامات الأمنية والسياسية والاقتصادية.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
 6     سيعود (…) كما كان

 

   محمد ناصر العطوان     القبس الكويتية
 

هكذا فجأة، ومن دون مقدمات، استيقظ سكان الكويت ذلك البلد الجميل والصغير على الخريطة، الكبير في عيون أولي العلم والألباب ليجد نفسه محاطاً بدول غير الدول المحاط به في الموقع النسبي، فلم يعد العراق في الشمال ولا السعودية في الجنوب ولا إيران في الشرق، ولا قطر قريبة منا ولا الإمارات على بعد خطوتين، وأول من اكتشف هذا الشيء هم رجال الجمارك والحدود البرية، فلقد لاحظوا أن القادمين من الشمال بوجوه مختلفة والقادمين من الجنوب بأزياء غير معروفة وأننا أصبحنا نطل على بحر لا ينازعنا على اسمه أحد.

 

وقد تساءل الناس عما حدث وكيف حدث؟ ولكن لم يجدوا جواباً يشفي ما في الصدور. ورغم أن بيان الجمعية الجغرافية كان واضحاً عندما قال «نتيجة التصريحات المستمرة في خطة التنمية بأننا في تقدم مستمر فقد تقدمت الدولة مكانياً، وأخذت خطوات للأمام على الخريطة»، إلا أن الناس لم يأخذوا الإجابة على محمل الجد.

 

وتساءل المحللون النفطيون ما إذا انتقل باطن الأرض معنا أم قشرتها فقط، وكانوا في جزع واضح وهم ينتظرون الإجابة، أما المحللون السياسيون فكانت لهم أسئلة أخرى، مثل ماذا عن منظومة مجلس التعاون، وما طبيعة العلاقات الإقليمية في هذا المكان الجديد؟

 

لقد وجدت الدولة نفسها في محيط آخر يتطلب إجراءات ومهارات ويضعنا أمام تحديات جديدة ويخلق مشاكل لم نعتد عليها.

 

ولكن، وفي ظل هذه الظاهرة الغريبة، أبدى البعض ارتياحهم مرددين أن تحرك الكويت مكانياً في ظل الأزمة الخليجية الأخيرة سيجعل كل الذين لفظتهم الأزمة الأخيرة وكتبوا أو غردوا أو نشروا أي شيء مسيء لهذا البلد وشعبه ولدوره في الوساطة، يكتشفون أن أقصى ما يستطيعون فعله في الحياة ليس المشاركة في أمور سياسية، بل المشاركة في مواضيع إذاعية ترفيهية اجتماعية تعمل على تعقيد مشاكل المجتمع وترسيخها بدلاً من حلها.

 

ما الذي يعرفه هر صغير خلف شاشة هاتف عن الكويت وشعبها… هر منفوش كطاووس من أولئك الذين لا يفقهون قولاً.

 

ففقدان الكويت وتحركها وتركها محيطها القديم يعني أن تبقى السفن، كل السفن بلا ميناء، فما الذي ستفعله في بحر وأمواج ورياح وغبار، بل ماذا يفعل المرء في سفينة تمشي أصلاً على الرمل؟

 

الكويت بحر الخليج وميناؤه… وقدرها الذي أراده الله لها أن يبقى مشتعلاً في ضوء النهار وظلمة الليل.

 

الكويت مصر الخليج ولبنانها ومغربها ومشرقها، وطن مر عليه كل من مر ومن لم يمر على غيره، فيه عمداء السياسة والفن والرياضة والاقتصاد والأدب والرواية والمسرح والإعلام وتاريخ لو فرشت أوراقه لوصلت بومباي وزنجبار، وطن ببترول أو من دونه… يلمع.

 

إن طبيعة الشعب وطبيعة الجغرافيا الكويتية طالما كانت وسطاً وسهلاً، تسمع جميع الأطراف، أكثرها حدة وأكثرها تسامحاً، وكل ذلك في دواوين يتكلم فيها الجميع وبرلمان قديم بعمر دول، وشعب حر يحب أن يكون له رأي في كل شيء حتى لو في مسألة لا تخطر لك حتى في أحلامك المحكومة بسياقاتك الضيقة في أرض شاسعة.

 

أما أن يخطئ أحد في حق الشعب الذي قرر أن يسير خلف قيادته التي ترى أن منظومة المجلس أولية يمكن حل المشاكل من خلالها بهدوء وحكمة، ويذكر الكويت بمواقف سدد الجميع ثمنها في حرب الخليج الثانية التي كانت تستهدف الجميع وليس الكويت فقط، فأنت إما باحث عن شهرة، وإما شاب يملك مجموعة كبيرة من المتابعين فقرر أن يقول أي شيء حتى لو كان لا يفكر في شيء، كالذي لم يمارس كرة القدم لسنوات طويلة ثم فجأة وجد نفسه في المونديال فترك الملعب واللعب ليحيي الجمهور جاعلاً فريقه أضحوكة.

 

كل الذين يسيئون إلى الكويت بجهل أو بعمد واستفزاز هم أضحوكة… أضحوكة لا تجعلنا نضحك، بل نبكي ونتألم.

 

عموماً، لن أكمل لكم قصة الظاهرة الغريبة التي جعلتنا نتحرك مكانياً، فيبدو أنني وحدي من تحركت في الخيال.

 

خيال لا يسيء إلى شعوب، ولكنه يوجه أفراداً للأدب والأصول، وعندما تحل الأزمة الخليجية بإذن الله، فإن كل من أساء إلى الكويت وشعبها سيبقى (…) كما كان.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
7   «قاعدة» بن لادن وبغدادي «داعش»

 

 محمد مختار قنديل     الجريدة الكويتية
 

 

يمر الكثير مرور الكرام على أن “داعش” غيّر من مفهوم وخطط وإستراتيجيات التنظيمات الإرهابية المتعارف عليها في أدبيات الفكر الجهادي، وهذا ما يظهر في أطروحات وآراء عدة آخرها تلك التي ساوت بين “مرحلة ما بعد الموصل” و”مرحلة ما بعد داعش” والفارق بين هذا وذاك كبير، ومخاطر المساواة في ذلك عدة، أهمها وهم الشعوب لاسيما الشعب العراقي بأن “داعش” قد انتهى.

 

هل انتهى تنظيم “داعش” فعلياً؟ هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه بمعزل عن الوقوف على أبرز التغيرات التي أحدثها هذا التنظيم من ملامح التنظيمات الإرهابية، بداية من نشأة التنظيم وسرعة إعلانه الخلافة، وصولاً إلى ما وصل إليه التنظيم حالياً من خسائر وفقدان لمناطق نفوذه في العراق وسورية.

 

ولعل أبرز تلك التغيرات يتمثل في وزن القيادة داخل تنظيم داعش، فالزعيم الداعشي “المهمش” ما هو إلا شخص مجهول الهوية لنشاطه العملي والعلمي، شخص بدء ذكره كخليفة ليس كأسلافه في التنظيمات المتطرفة الذين تحفل سيرهم بالعديد من العمليات الدموية، كما تنشر لهم العديد من التنظيرات والآراء الفقهية، أضف إلى ذلك عدم ظهور “البغدادي” سوى مرة واحدة وبقية الأخبار المتناثرة حول ذلك ما هي سوى شائعات، ناهيك أيضاً عن أنه منذ فترة طويلة تظهر أخبار من وقت لآخر تفيد بمقتل زعيم التنظيم “أبوبكر البغدادي” بواقع “8” مرات أو إعلان إصابته في مرات عدة، إلا أنه لم يخرج تنظيم “داعش” بيان يرد فيه على تلك الإشاعات سوى مرة واحدة عام 2014، هذه الشواهد وإن كانت لا تعني انعدام وزن القيادة في داعش، فإنها تفيد أن ثقل القيادة داخل التنظيم ضعيف للغاية.

 

التغيير الثاني والأهم يتمثل في الولايات ومدى إحكام القيادة المركزية السيطرة عليها، فكثيراً ما ينظر إلى الولايات وإعلان تنظيمات محلية في دولة ما ولاءها لتنظيم داعش على أنه أمر إيجابي مطلق، إلا أن الواقع يشير إلى أن سلبيات تلك الولايات أكبر بكثير من إيجابياتها، لاسيما إذا كانت تنظيمات سريعة النشأة، حيث إن التنظيمات المحلية أو الفروع أو الولايات ما إن تعلن ولاءها للتنظيم الأم فإنها تخلق نوعاً من أنواع الصدام بينها وبين التنظيمات الأخرى غير الموالية للتنظيم، ومن ثم يتحول الصراع مع الوقت من صدام بين تنظيمات فرعية (ولايات) وتنظيمات غير موالية، إلى صراع بين التنظيم الأم والتنظيمات المعارضة له، كما حدث في ولاية هلمند ببلاد الأفغان.

 

ومن ثم فكثرة الولايات أو التنظيمات المحلية الموالية من شأنها خلق أعداء جدد تدفع إلى الانشغال بها أكثر من الانشغال بمحاربة العدو الرئيسي للتنظيم الأم، مما يضعف التنظيم، والواقع يشير إلى أن تنظيم “داعش” أدرك تلك المشكلة شيئاً ما، فأخرجت مؤسسة الفرقان بياناً عبّر عن قدرة التنظيم على تدارك أخطائه والتعامل مع التوسع، حيث حدثت تعديلات هيكلية جذرية في بنيته التنظيمية شملت إلغاء منصب نائب الزعيم ” أبو عبدالله البغدادي”، وتشكيل اللجنة المفوضة كثالث منصب في التنظيم بعد الخليفة ومجلس الشورى، بهدف الإشراف على الولايات الفرعية والإشراف على الوزارات أو الدواوين، مما يفيد أن التنظيم سعى لإحكام سيطرته على الولايات والفروع، بهدف تقليل فرص الانشقاقات من قبل الفروع أو تمردها.

 

التغيير الأول يفيد بأن “داعش” لا يعرف على مدار تاريخه منذ بدايات توسعه ثقلاً للقيادة، وتفسيرات هذا لا تصب نهاية في خطة موضوعة من قبل التنظيم، وإنما تعبر بصورة رئيسية عن سرعة إعلان الخلافة والتي تفرض عليه من البداية قبول هذا الوضع، أما التغيير الثاني فجزء من الأول، بمعنى أنه جراء شعور التنظيم بضعف سيطرته على الفروع التابعة له -والتي تسارعت في إعلان مبايعتها له لظروف وملابسات المنطقة التي تحرك منها – فإن هذا التنظيم توجه إلى محاولة إعادة الهيكلة، غير أن هذا واقعياً لم يثمر ولم تتوحد جهود الولايات والتنظيم الأم في تحديد عدو أو رسم خريطة يعمل في إطارها، كتلك التي رسمت في تاريخ تنظيم القاعدة، واستفادة التنظيم من هذه الفروع لم تخرج عن مجرد إخراج إصدارات إعلامية للتنظيم الأم ودعم مادي للفروع والتنظيمات المبايعة ليس إلا، وإذا ما قارنت العلاقة بين الفروع والقيادة المركزية في تنظيم القاعدة فستجد على سبيل المثال أن “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية” كانت عملياته مركزة ضد الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها “العدو الرئيسي للتنظيم”.

 

خلاصة الأمر أننا في قراءتنا لتاريخ التنظيمات الإرهابية نستطيع أن نقول “قاعدة بن لادن، وبغدادي داعش” بمعنى أن تنظيم القاعدة مرتبط منذ البداية بتحركات وإستراتيجيات قيادات ذات ثقل عملياتي وتنظيري وتنظيمي نجحت في إخراج تنظيم متماسك، أما الوضع بالنسبة لداعش كما أشرنا فمختلف لا ثقل للقيادة فيه، وكذلك لا إحكام للسيطرة على الولايات والفروع، ومن ثم فغطاء داعش وإن انتهى في العراق والشام فإنه يشير فقط إلى تغير المسمى الذي تجمعت حوله تلك الفروع والولايات، ولا يعني مطلقاً انتهاء العمليات الإرهابية أو ضعف الولايات التابعة له، او استقرار الوضع في المنطقة، فلا فائدة كبرى من مقتل البغدادي – إن تأكد صحته- وكذلك لا فائدة كبرى من إعلان إنهاء التنظيم المسمى “داعش”، القضاء على داعش نهائياً بالصورة المطلوبة يتمثل في مواجهة الفروع والولايات لا التركيز فقط على القيادة المركزية.

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
8  الأكراد الأخيار… والأكراد الأبالسة

 

 هوشنك أوسي

 

    الحياة السعودية
  

 

في الإعلام التركي والدراما التركيّة التي تتناول أوضاع الكرد في تركيا، ثمة تقسيم وفرز سياسي، قيمي وأخلاقي، للكرد. فمن يقفون مع الدولة ويدعمون الحكومة الإسلاميّة وسلطانها رجب طيب أردوغان، هم الأكراد الأخيار الطيبون الوطنيون، وهم «الغالبيّة المطلقة»! بينما الأكراد الذين يطالبون الدولة بإقرار دستوري بوجود شعبٍ يزيد تعداده على 20 مليوناً في تركيا، والاعتراف بحقوقه السياسيّة والثقافيّة والإداريّة…، دستوريّاً، فهم الأكراد الأبالسة الإرهابيون والانفصاليون، وهم قلّة قليلة، وشرذمة حاقدة، تريد النيل من هيبة وكرامة الدولة. وعلى الأكراد الأخيار مواجهة الأكراد الأشرار كي يؤكدوا على وطنيّتهم.

 

هذا النسق في تقسيم الأكراد في تركيا من قبل الحكومات المتعاقبة، له جذوره التي تعود إلى بدايات انسلاخ تركيا عن السلطنة ودخولها نفق دولة العلمنة، إبان انقسام السلطة بين حكومة أنقرة بزعامة مصطفى كمال (أتاتورك) وحكومة إسطنبول بزعامة السلطان العثماني والصدر الأعظم. إذ حاول كل فريق استمالة الأكراد، عبر تقديم الوعود المعسولة، وقطع العهود بمنحهم حقوقهم، فور خروجه من أزمته. فظهر أكراد أتاتورك (أكراد اتفاقية لوزان)، بالضد من أكراد السلطان (أكراد اتفاقية سيفر). وكانت حكومة أنقرة تنظر إلى أكرادها على أنهم أخيارٌ وأبطالٌ وطنيون، وإلى أكراد الطرف الآخر على أنهم خونة وجواسيس، يستحقون استئصال أولئك الأكراد لهم!. والعكس صحيح، بالنسبة لحكومة إسطنبول. وبعدما أطاح أتاتورك حكومة إسطنبول، وثبّت أركان حكمه، التفت إلى الأكراد، بأخيارهم وأشرارهم، وسحقهم ونكّل بهم، ولم يتنكّر لوعوده وعهوده لهم وحسب، بل أنكر وجود هذا الشعب الذي عاونه في تأسيس دولته وحكمه!.

 

واليوم وامتداداً لذاك التقليد فإن حزب «العمال الكردستاني»، أصابته «عدوى» مرض فرز الأكراد وفق مقاييسه، وصار له أكراده الأخيار والأشاوس، الذين من حقهم وواجبهم مواجهة الأكراد الأشرار ومحقهم. وحين يتحدّث الحزب اليوم عن قضيّة الشعب الكردي، لا ينسى أن يشير إلى أنه يمثّل شعباً تعداده يزيد على 40 مليوناً. لكن «الكردستاني» يعتبر المنشقين عنه (منذ انطلاقته في 1978)، خونة وعملاء، وهم بعشرات الآلاف. ويعتبر الأكراد المؤيدين لحزب «العدالة والتنمية» والأحزاب التركيّة الأخرى، خونة وعملاء، وهم بالملايين. ويعتبر المؤيدين للحزب «الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني من كرد العراق وسورية، خونة وعملاء لأردوغان، وهم أيضاً بالملايين. ويعتبر المؤيدين لـ «المجلس الوطني الكردي في سورية» خونة وعملاء أردوغان، ولـ «داعش» والتنظيمات الإرهابيّة، لمجرّد أن «المجلس الوطني» جزء من «الائتلاف» السوري المعارض لنظام الأسد!. وهؤلاء أيضاً عشرات الآلاف. وكذلك يعتبر كل كاتب يتوجّه بالنقد له ولفرعه السوري (الاتحاد الديموقراطي) خائناً، يبيع نفسه ومقالاته، إلى آخر هذه الأسطوانة. وطبقاً لحسابات «الكردستاني» في إحصاء أعداد الخونة والعملاء، سيظهر لدينا أن 70 في المئة من الكرد خونة وعملاء وأردوغانيون، وأن الـ30 في المئة المؤيدين للنهج الأوجلاني هم الكرد الوطنيون النبلاء!.

 

لا يستطيع «الكردستاني» وأنصاره إدراك أن توجيه النقد لنظام أردوغان أو للمعارضة السوريّة، لا يعني مطلقاً التودد والتزلّف له، والسكوت على سياساته وانتهاكاته بحق الكرد المعارضين له. وأن النقد الموجّه له ولفرعه السوري، لا يعني جنوحاً نحو أردوغان وتأييداً لجرائمه بحق كرد تركيا. ولا يستطيعون إدراك أن القضيّة الكرديّة في تركيا أكبر من «العمال الكردستاني» وزعيمه.

 

الحال أن النظام السوري أيضاً يتعامل مع الكرد بنفس المقاييس والمعايير التركيّة في فرز الأكراد. فأكراده هم خيرة الأكراد الوطنيين، ويقصد بهم، تلميحاً أو تصريحاً، «حزب الاتحاد الديموقراطي» وعمر أوسي، وعمار بكداش وقدري جميل…الخ… بينما أكراد «الائتلاف» أو الذين شاركوا في الثورة فهم الخونة المارقون. كذلك «الائتلاف» المعارض، ينظر إلى أكراده على أنهم خيرة الوطنيين الثوريين الأبطال، بينما الأكراد الآخرون، ويقصد «الاتحاد الديموقراطي» عم الخونة والعملاء الخ… وهذا في حين أن النظام والمعارضة يمكن أن يصلا إلى تفاهمات مشتركة ضد الكرد، بينما هؤلاء مستمرّون في صراعهم العبثي الأعمى.

 

يبقى القول: إن هنالك صنفاً من الأكراد، ينتقدون النظام التركي و «الكردستاني» على حد سواء، وينتقدون المعارضة السورية والنظام السوري، وهؤلاء هم الأكثر ضرراً والأشدُّ خطراً على استمرار انقسام الأكراد وبقائهم في خنادق الآخرين.

 

ت عنوان المقالة او الافتتاحية اسم الكاتب مكان النشر
9 الصحّاف يتجسد في قطر عبر تصريحات مسؤوليها

 

 سلمان عسكر  صحيفة الوطن السعودية
 

أعادت قناة الجزيرة القطرية إلى الأذهان، وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحّاف الذي عُرف ببياناته الكاذبة إبان غزو العراق عام 2003، وجسدت القناة الصحّاف مرة أخرى في صورة تصريحات لمسؤوليها، زعمت أن الجزيرة قناة الرأى والرأي الآخر، بينما أكدت الأحداث أنها تعبر عن رأي الحكومة فقط.

كشف غزو العراق عام 2003 الدور الخطير الذي لعبته قطر عبر ذراعها الإعلامية «قناة الجزيرة» في سقوط العراق، إذ دأبت القناة القطرية على التركيز على وزير الإعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف، ونقل مقاطع وتصريحات للوزير على مدار اليوم تتعلق بسير العمليات العسكرية وما صاحب هذه التصريحات من مبالغات وأكاذيب، بينما تعمدت عدم بث ما ذكره الصحاف عنها وعن دورها في تلك الفترة، إذ قال «أرجوكم لا ترددون كذب الكاذبين، فتصبحون مثل أوصافهم، وألوم قناة الجزيرة أنها تسوق للأميركان، أرجوكم لا تلعبوا هذا الدور». ورغم أن المشاهد العربي لم يتابع هذا المقطع للصحاف عبر الجزيرة، التي يزعم أصحابها أنها «قناة الرأي والرأي الآخر»، غير أن الواقع أكد أنها «قناة رأي الحكومة القطرية فقط»، وأن هذا ديدنها وسلوكها.

 

العراق أول الضحايا

 

أربعة عشر عاما مرت على هذه الوقائع التي راح ضحيتها العراق ويعاني منها حتى الآن، بينما استمرت قطر وقناتها في سلوكها المشين، غافلة عن «صحّافين» آخرين على أرض الدوحة، أشد خبثا وخطرا على مسمع الناس «الحمدين- حمد بن خليفة وحمد بن جاسم- وتميم ووزير خارجيته محمد آل ثاني»، حيث يشكل هذا الرباعي صورة مطابقة لصحّاف العراق، إذ يرددون يوميا مقولة أن الجزيرة قناة «الرأي والرأي الآخر»، وأن لديها الحرية في نقل أي حدث خارج وداخل قطر، بينما الواقع أكد أن الرأي الآخر في الخارج تم تكريسه لمن تستهدفهم الدوحة، كما أن الداخل القطري غاب تماما ولم نشاهده حتى اللحظة.

 

 

جهلاء يرسمون الإعلام

 

حسب مراقبين، فإن الجزيرة، منذ انطلاقها عام 1996، تجاهلت كل الأحداث داخل قطر، حيث لم تبث بعد صدورها وتحديدا عام 1997 المحاكمات الخاطفة التي تعرض لها مئات القطريين المتهمين بتأييد مشروع الانقلاب الذي نفذه حمد الابن على والده الشيخ خليفة آل ثاني، ولم تستعرض تلك المحاكمة التي ذهب ضحيتها أكثر من 120 من الضباط والعسكريين، في الجيش والحرس الأميري وحتى بعض أفراد الأسرة الحاكمة، كما تجاهلت على مدى ستة أعوام مطاردة الأجهزة الأمنية لمعارضين قطريين واعتقال كثير منهم كانت جريمتهم فقط الولاء للأمير الأسبق ورفض حكم الانقلابي حمد.

 

إشعال الفوضى

 

قال مراقبون إن قناة الجزيرة التي أشعلت الفوضى في ليبيا واليمن وسورية والعراق، وكادت أن تفعلها في مصر، غابت عن مظاهرات 2012 في طهران وفضائح أخرى في إيران، وكذلك تجاهلها لجرائم بشار الأسد ودعمها لحزب الله وتجاهل جرائمه في لبنان وسورية، فضلا عن لجوء القناة إلى التدليس علنا أمام المشاهد بتحريف وتزوير تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشكل مغاير للحقيقة، حيث وجه ترمب اتهاماته إلى قطر مباشرة بقوله «إنها دولة لها تاريخ طويل في تمويل الإرهاب وعلى مستويات عالية»، فيما تعمدت القناة كعادتها تغيير التصريح وفق أهوائها.

 

 

ذاكرة متقلبة

 

فيما تقوم قناة الجزيرة بفتح ملفات سياسية سنوية تحت عنوان «الذاكرة السياسية»، إلا أن هذه الذاكرة متقلبة وتنتعش حسب بوصلة الحكومة القطرية، حيث تتجاهل دائما حدثا تاريخيا شهدته قطر لتتجاوز يوم 27 يونيو من كل عام، دونما إشارة إلى حدث العام 1995، الذي شهد انقلاب حمد بن خليفة، على والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، بل تحرص على تكميم الأفواه ومعاقبة كل من يحاول تناولها أو استعراضها. وقال المعارض القطري، خالد الهيل: إن قناة الجزيرة خصصت لتقويض الرأي العام القطري، ولكن أكبر كذبة تمارسها هذه القناة شعارها المزيف «منبر الرأي والرأي الآخر»، لافتا إلى أنه لو كان هذا الشعار صادقا لكان «الهيل» ضيفا على القناة منذ عام 2013 كممثل للمعارضة. وأضاف أن مدير قناة الجزيرة خرج في لقاء تلفزيوني في تلك الفترة وتحدث عن أن القناة رفضت استضافة خالد الهيل، للتعبير عن آرائه، وتلك شهادة واضحة وصريحة من مدير القناة وليس من جهة أخرى، لاسيما أنه أكد أن هناك تعليمات واردة مباشرة من مجلس الإدارة بذلك.

 

التركيز على دول الجوار

 

أشار الهيل إلى أنه على مدى 21 عاما منذ انطلاق القناة لم تتطرق لأي حدث داخلي من قطر، بل ركزت على دول الجوار والدول الشقيقة والعربية الأخرى، لزراعة الفتن والقلاقل وتضليل الرأي العام، وترويج الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة التي تتبناها القناة.

وأوضح أنه من بين الملفات التي تشير إلى تورط قطر في الإرهاب، اللقاءات التي أجرتها قناة الجزيرة مع مخططي هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، كذلك لقاؤها مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والذي لم يكن أحد يعرف مقره سوى القطريين، فضلا عن ذلك لقاءات الجزيرة بزعيم جبهة النصرة المصنفة إرهابية والترويج لها.

 

 

قطع رواتب موظفين

 

أضاف الهيل أنه من بين الأحداث الداخلية التي تجاهلتها قناة الجزيرة، ما قام به وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم عام 2009 عندما اقتطع رواتب موظفي «كهرما» إلى النصف، وحدثت أزمة كبيرة داخل قطر بل خرجت احتجاجات ومظاهرات، وهناك صور لها في الإنترنت، بينما لم تتطرق لها قناة الجزيرة بتاتا، مشيرا إلى مثال آخر لم تتطرق له القناة، وهو سحب جنسيات أكثر من 5 آلاف شخص من قبيلة المرة، إضافة إلى أحد الكتاب الصحفيين.

 

 

 عمولات أسلحة

 

وفق الهيل فإن الحدث الأهم الذي تجاهلته الجزيرة هو الانقلاب الذي حدث على خليفة بن حمد آل ثاني عندما كان أميرا لقطر، من قبل وزيره حمد بن جاسم عندما تورط الأخير في الحصول على عمولات أسلحة مشبوهة عن طريق إحدى الشركات التي تدير ثلاثة من حساباته بجزيرة «جيرسى» وهي من جزر الأوفشور، حيث تلقت الحسابات الثلاثة ما يزيد على 200 مليون جنيه إسترلينى في صورة رشاوى شركات أسلحة مقابل عقود سخية من قطر كمشتريات طائرة «هوك» المقاتلة البريطانية، وأيضا المداهمات التي تمارسها الحكومة على بعض المواطنين بطريقة همجية.

 

فساد مالي

 

أشار الهيل إلى قضية بنك باركليز، حيث رفعت الحكومة البريطانية قضية، وتم تحويل الموظفين المتورطين إلى القضاء بسبب التواطؤ مع قيادات قطرية في إعطائهم قروضا غير شرعية واستفادة مسؤولين من قطر من تلك القروض، ومنهم حمد بن جاسم.

وقال الهيل «إن سياسة قناة الجزيرة واضحة، وهي الهجوم المباشر على الدول المجاورة، ومعظم الأشخاص الذين خصصوا حياتهم للإساءة إلى السعودية موجودون في قطر يوقعون على صور تميم، هؤلاء المرتزقة الذين جلبهم النظام القطري ويعول عليهم كثيرا».

 

 

كشف التآمر

 

قال رئيس رابطة الإعلاميين اليمنيين فهد الشرفي، إن قناة الجزيرة انكشفت حقيقتها في اليمن، وإنه بعد اتخاذ الدول الداعية لمكافحة الإرهاب «السعودية ومصر والإمارات والبحرين» قرارها بقطع العلاقات مع الدوحة، ظهر جليا أن قناة الجزيرة مجرد تابع وناطق باسم الأمير وأسرته، ولا علاقة لها بالشعب القطري ولا مصالحهم. وأشار إلى أن الجزيرة تمثل مصالح وتوجهات قيادة الدوحة وتعمل على نشرها، وعندما قامت الدوحة برعاية ما يسمى بالربيع العربي كانت القناة هي الذراع الأيمن للقيادة القطرية، وطريقة نقلها للأحداث كان أمرا مرتبا لغايات الحكومة، حيث لم تستضف أي وجه معارض لتوجهات قطر، بينما استضافت أطرافا معارضين للسعودية واليمن ومصر وتونس وغيرها.

 

الجزيرة ترفض الرأي الآخر لليمنيين

 

قال الشرفي إن القناة تابعت الأحداث اليمنية منذ اللحظة الأولى، وكانت الصوت الأول للحوثيين قبل أن تنشئ وتدعم وتدرب وتؤسس لهم قناة المسيرة، وكانت تغطي الحروب لمصلحة الحوثيين، كما لم يشعر اليمنيون أن القناة تغطي احتياجاتهم أو رغباتهم. وروى الشرفي واقعة تؤكد غياب حرية الرأي في قناة الجزيرة القطرية، وقال إنه وأشخاص من صعدة ذهبوا إلى مدير قناة الجزيرة في اليمن للتذمر مما تنقله القناة حيال اهتمامها بالحوثيين المدمرين والقتلة، وطلبوا نقل وجهة النظر الأخرى، والنقل المحايد لما يدور في صعدة، لاسيما أن القناة تزعم أنها قناة الرأي والرأي الآخر.  وأضاف الشرفي أن مدير القناة قال لهم إنه تواصل بالإدارة في الدوحة ورفضت، مبديا دهشته من شعار قناة الجزيرة الكاذب، مشيرا إلى أن هذا الموقف أكد عدم حيادية قطر في الحرب الدائرة باليمن، وأنها شريكة في الدمار وفي دعم الانقلابيين وسفك الدماء وتدمير اليمن.

 

 إيران أكثر المستفيدين

 

أشار الشرفي إلى أن المستفيد الأول من كل ما قامت به قطر هو إيران، فما فعلته الدوحة بجيرانها العرب كان لخدمة الأجندة الإيرانية وباللغة العربية من داخل قناة الجزيرة، مضيفا أنه للأسف لايزال القطريون مصرون على تلك السياسة التدميرية، من خلال رفض الاتفاقات التي وقعت عليها سابقا مع دول الخليج، مبينا أن هذا السلوك جاء بهدف دمار المجتمعات العربية وتفكيك الدول وجيوشها، مؤكدا أن قناة الجزيرة وقيادتها تتحمل مسؤولية كل هذه الأحداث والأمور.

 

  منذ عقدين من الزمان قررنا في دولة قطر تأسيس منبر إعلامي عربي يتيح لشعوب هذه المنطقة رؤية نفسها، ورؤية العالم بعيونها، ونشر الحقيقة بين الناس ورفع مستوى الوعي بينهم، واليوم ونحن نحتفل بمرور 20 عاما على ميلاد الجزيرة، أهنئ مجلس إدارة شبكة الجزيرة وقياداتها وكافة موظفيها بهذه المناسبة.

  ميلاد الجزيرة أعظم تجربة إعلامية عربية، ولو أننا أردنا أن نعدد منجزات الجزيرة لتعذر علينا حصرها، وسأكتفي بالأمور التالية:

 

أولا: حررت الجزيرة المشاهد العربي من الاعتماد على الإعلام الأجنبي المنحاز ضد المصالح العربية، وأثبتت الثقة بإعلام عربي يبث من أرض عربية.

 

ثانيا: كانت الجزيرة ولاتزال شاهد حق، ولسان صدق لا يجامل، وقد حرمت الجزيرة القتلة من التستر على القتل، وحرمت الفشلة من التستر على الفشل وانحازت للحقيقة والإنسان ووقفت مع الشعوب العربية في تطلعاتها للكرامة والحرية كما رأينا أثناء ثورات الربيع العربي.

ثالثا: تحولت الجزيرة إلى عالم توحيد للوطن العربي معززة الصلات بين الشعوب العربية الشقيقة، واهتمت بهم جميعا على اختلاف طوائفهم ووصلت الأرحام الإنسانية والاجتماعية والثقافية فيها، وعمت المشاركة بالآمال ووحدة المصير.

 

رابعا: حققت الجزيرة المجد الإعلامي في فترة وجيزة، وحصلت على مكانة عالمية لم تحققها قناة إخبارية بهذه السرعة من قبل.

خامسا: فرضت قناة الجزيرة الإنجليزية نفسها في الفضاء العالمي منافسا قويا وصوتا ذا مصداقية.

 قناة الجزيرة تمثل منصة للحرية والرأي الآخر، وهي مصدر فخر لقطر، ومن يريدنا أن نغلق قناة الجزيرة فعليه أن يوجد ويؤسس قناة تضاهيها.

 الجزيرة دورها كبير في نقل كافة وجهات النظر دون استثناء، ومنحت منبرا لوجهات نظر معارضة في كافة الدول العربية، بما فيها قطر، وإننا نؤمن بأهمية أن تبقى الجزيرة، ومصيرها سيكون قرارًا داخليًا.

 مطلب الدول المقاطعة للدوحة بإغلاق قناة الجزيرة أمر غير قابل للتطبيق، ويمثل انتهاكا لسيادة الدولة، وهذا المطلب ضد حرية الرأي والتعبير.